موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ٢

الدكتور سميح دغيم

موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ٢

المؤلف:

الدكتور سميح دغيم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

سلطانا وقد علم أنّ جنده محيطون به على وجه يدفعون عنه لأنّه والحال هذه يصير ملجأ إلى أن يهمّ بذلك. وعلى هذا أجرى شيوخنا رحمهم‌الله حال أهل الجنّة في كونهم ملجئين إلى أن لا يفعلوا القبيح. والطريقة الثانية في الإلجاء أن يعلم المرء أو يغلب في ظنّه انتفاعه على وجه يخلص أو دفعه للمضرّة عن نفسه على هذا الوجه مع شدّة الحاجة وزوال وجوه الشبه واللبس ، على نحو ما يعلم من حال الجائع الشديد الجوع وقد حضره طعام يشدّ به جوعه وليس عليه في ذلك شبهة ولا وجه من وجوه الصوارف. وعلى نحو هذا تكون أحوال أهل الجنّة في تصرّفاتهم التي ينتفعون بها. وكما ثبتت هذه الطريقة في تحصيل المنافع فكذلك في دفع المضارّ ، على ما نعلمه من حال الهارب من السبع الذي يعلم أو يظنّ افتراسه (ق ، ت ٢ ، ٣٢٠ ، ١١)

ملحد

ـ ألحد فلان في قوله وألحد في دينه ، ومنه الملحد لأنّه أمال مذهبه عن الأديان كلها لم يمله عن دين إلى دين (ز ، ك ٢ ، ٤٢٩ ، ١٤)

ملك

ـ إنّما الملك هو الأمر والنهي ، لا المال والسعة والجدة ، كما قال ، عزوجل ، عند ما قالوا : (أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ) (البقرة : ٢٤٧) ، فقد بيّن ، عزوجل ، في هذه الآية ، أنّ الملك هو الأمر والنهي ، لا سعة المال (ي ، ر ، ٧٨ ، ١)

ـ قد بيّنا من قبل أنّ الملك هو القدرة ، وأنّ المالك هو القادر ، فكلّ من قدر على شيء ولم يكن لأحد منعه منه على الوجه الذي يقتضي قدرته التعرّف فيه وصف بهذه الصفة. ولذلك وصف تعالى بأنّه مالك لم يزل ، ووصف نفسه بأنّه مالك يوم الدين ؛ وبيّنّا أن وصفهم لسيّد العبد بأنّه مالكه قد حذف منه ذكر التصرّف ؛ لأنّ ملك العتق لا يعقل له معنى إذا لم يصرف ذلك إلى التصرّف المخصوص (ق ، غ ١١ ، ٢٨ ، ١١)

ـ حقيقة الملك ، وأنّه ليس المعتبر فيه بالتمكّن واحتواء اليد عليه فقط. فإذا ثبت ذلك ، فالواجب على التائب أن ينظر فيما حازه ، فإن كان مما يحلّ له أن يمسكه ويتصرّف فيه ، صحّت توبته ، وإن كان مما يجب فيه إزالة أو تلاف ، فالواجب أن يفعله ، ولذلك ذكرناه في هذا الباب في جملة التوبة ، لشدّة تعلّقه بها. واعلم أنّ سبب الملك قد يكون معلوما بالعقل والسمع ، لأنّ الدليل قد دلّ في الميراث والغنائم وما شاكله ، أنّهما سبب الملك ، كما دلّ الدليل في التكسّب وتناول المباحات وحيازتها ، أنّه سبب الملك. فإذن يجب النظر في الوجهين ، فما ثبتت اليد عليه بأحد السببين ، صار ملكا ، وما خرج عن ذلك خرج عن الملك. وهذه العقود التي نملك بها ، لا بدّ من اعتبار شرائط فيها ، وفي بعضها وفاق ، وفي بعضها خلاف ، فلا بدّ من النظر في ذلك ، كما لا بدّ من النظر في أحوال من تملّك من جهته ، وفيما يلزم أن يفعله المرء بملكه ، من تقديم حق على حق ، فلا بدّ من اعتبار ذلك فيما تحتوي يده عليه ، كما لا بدّ من اعتبار الظاهر فيما يتناول من جهة الغير (ق ، غ ١٤ ، ٤٥١ ، ٣)

٤٠١

ـ إنّ الملك على الحقيقة له ، لأنّه مبدئ كل شيء ومبدعه والقائم به والمهيمن عليه ، وكذلك الحمد لأنّ أصول النعم وفروعها منه ، ملك غيره فتسليط منه واسترعاء ، وحمده اعتداد بأنّ نعمة الله جرت على يده (ز ، ك ٤ ، ١١٢ ، ١٨)

ـ الملك ويقال له الجدّة أيضا وهو كون الشيء محاطا بغيره الذي ينتقل بانتقاله (ف ، م ، ٧٠ ، ٩)

ـ كون الشيء محاطا بشيء آخر بحيث ينتقل المحيط بانتقال المحاطة به وهو الملك (ف ، أ ، ٢٧ ، ٥)

ـ أمّا العرض فإن اقتضى نسبة ، فإمّا الحصول في المكان ، وهو الأين ؛ أو في الزمان أو طرفه ، وهو متى ؛ أو المتكرّرة ، وهو الإضافة أو الانتقال بانتقال المحاط ، وهو الملك ، أو أن يفعل وهو التأثير أو أن ينفعل ، وهو التأثّر ؛ أو هيئة الجسم بنسبة بعض أجزائه إلى بعض ، وإلى الخارج ، وهو الوضع (خ ، ل ، ٦١ ، ٢١)

مماثلة

ـ إنّ الشيء يماثل ما يماثله لنفسه ، فيراعى في حكم المماثلة صفات الأنفس ، فالطوارئ الجائزة لا تحيل صفات الأنفس (ج ، ش ، ٥٦ ، ١٥)

ـ إنّ المماثلة من حقيقتها تساوي المثلين الموصوفين بها في جميع صفات النفس (ج ، ش ، ٥٨ ، ٤)

ـ المخالفة لا تقتضي الاختلاف في جميع الصفات ؛ إذ لا تتحقّق المخالفة إلّا بين موجودين ، فمن ضرورة إطلاق المخالفة التعرّض لاشتراك المختلفين في الوجود. فلمّا اقتضت المماثلة تعميم الاشتراك في صفات النفس لم نطلقها ، والاختلاف ليس من موضوعه التباين في كل الصفات (ج ، ش ، ٥٨ ، ٧)

ـ إنّ المماثلة مشاركة في بعض الأوصاف (ز ، ك ١ ، ٤٣٣ ، ١٧)

مماسة

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ التأليف والاجتماع والمماسّة والمجاورة والالتزاق والاتّصال كل ذلك ممّا ينبئ عن معنى واحد ، وهو كون الجوهر مع الجوهر بحيث لا يصحّ أن يتوسّطهما ثالث وهما على ما هما عليه ، وإنّ تعذّر تفكيك بعض الأجزاء دون بعض لأجل فقد قدرته لا لأجل معنى زائد على المماسّة والمجاورة (أ ، م ، ٣٠ ، ١)

ـ إنّ المماسّة معتبرة ، ومعلوم أنّ اعتبارها لا بدّ من أن يكون راجعا إلى الاعتماد ، لأنّا نعلم أنّ الجوهر والكون في حصولهما لا يحتاجان إليه ، فإذا كان راجعا إليه فلا يخلو : إما أن يكون راجعا إليه في توليده ، أو راجعا إليه في وجوده. ومعلوم أنّه لا يجوز أن يرجع إلى التوليد ، لأنّ التوليد إنّما يكون في الثاني ؛ وفي تلك الحال لا يحتاج إلى الاعتماد ، فضلا من أن يقال إنّه يحتاج إلى الشرط ، فلهذا أنّه يجوز أن يكون الاعتماد معدوما حال ما يتولّد عنه ما يتولّد. ولم يبق إلّا أن يكون راجعا إلى حدوثه على وجه يتولّد عنه ما يتولّد. فإذا ثبت أنّ الشرط في توليد الاعتماد لما يولّده هو أن يكون محلّه مماسا لمحل ما يتولّد فيه الكون من الكون ـ ومماسة المعدوم محال (ن ، د ، ٤٤٣ ، ٨)

ـ إنّ المصاكة هي مماسّة واقعة على وجه ، وهو

٤٠٢

أن تكون بين جسمين صلبين عقب حركات متوالية ، أو حركات يقلّ السكون في أثنائها. وقد ثبت أنّ المماسّة لا تولّد الصوت. إذ لو ولّدته لوجب أن تولّده بحيث هي ، وهي بحيث المحلين ، ولو وجد الصوت بحيث هما لكان من جنس المماسّة. ولا يجوز أن يكون الصوت بصفة التأليف ، لأنّ التأليف كلّه جنس واحد ، والأصوات فيها مختلف ومتماثل (ن ، م ، ١٥٦ ، ١٥)

ـ ذكر ابن كرّام في كتابه أنّ الله تعالى مماسّ لعرشه ، وأنّ العرش مكان له ، وأبدل أصحابه لفظ المماسّة بلفظ الملاقاة منه للعرش ، وقالوا : لا يصحّ وجود جسم بينه وبين العرش إلّا بأن يحيط العرش إلى أسفل ، وهذا معنى المماسة التي امتنعوا من لفظها (ب ، ف ، ٢١٦ ، ١٩)

ممتنع

ـ الذي نثبّته أنّ الواجب والممتنع طرفان والممكن واسطة ، إذ ليس بواجب ولا ممتنع فهو جائز الوجود وجائز العدم ، والوجود والعدم متقابلان لا واسطة بينهما ، والذي يستند إلى الموجد من وجهين الوجود والعدم في الممكن وجوده فقط ، حتى يصحّ أن يقال أوجده أي أعطاه الوجود ، ثم لزمه الوجوب لزوم العرضيّات ، فالأمر اللازم العرضيّ لا يستند إلى الموجد ، فأنتم إذا قلتم وجب وجوده بإيجابه فقد أخذتم العرضيّ ، ونحن إذا قلنا وجد بإيجاده فقد أخذنا عين المستفاد الذاتيّ ، فاستقام كلامنا لفظا ومعنى ، وانحرف كلامكم عن سنن الجادة (ش ، ن ، ٢١ ، ٩)

ـ أما عبّاد فإنّه زعم أنّ ما علم الله أنّه يكون فهو واجب ، وما علم أنّه لا يكون فهو ممتنع ، والواجب والممتنع غير مقدور (ف ، م ، ١٣٣ ، ٢٢)

ـ إنّ الموجود والمعدوم عندهم ليسا بمتناقضين ، فإنّ طرفي النقيض يجب أن يقتما للاحتمالات ، وعندهم الممتنع ليس بموجود ولا معدوم ، والحال ليس بموجود ولا معدوم (ط ، م ، ٨٦ ، ١٥)

ممتنع الكون لا باعتبار ذاته

ـ لا بدّ من الإشارة إلى دقيقة وهي : أنّ ما علمه الله ـ تعالى ـ أنّه لا يكون ، منه ما هو ممتنع الكون لنفسه ؛ وذلك كاجتماع الضدّين ، وكون الشيء الواحد في آن واحد في مكانين ونحوه. ومنه ما هو ممتنع الكون لا باعتبار ذاته ، بل باعتبار أمر خارج ، وذلك مثل وجود عالم آخر وراء هذا العالم أو قبله. فما كان من القسم الأوّل ، فهو لا محالة غير مقدور ، من غير خلاف. وما كان من القسم الثاني ، وهو أن يكون ممتنعا لا باعتبار ذاته بل باعتبار تعلّق العلم بأنّه لا يوجد ، أو غير ذلك ، فهو لا محالة ممكن باعتبار ذاته ، كما سلف. والممكن ـ من حيث هو ممكن ـ لا ينبو عن تعلّق القدرة به. والقدرة ـ من حيث هي قدرة ـ لا يستحيل تعلّقها بما هو ـ في ذاته ـ ممكن ، إذا قطع النظر عن غيره ؛ إذ الممكن من حيث هو ممكن لا ينبو عن تعلّق القدرة به ، والقدرة من حيث هي قدرة لا تتقاصر عن التعلّق به لقصور فيها ولا ضعف (م ، غ ، ٨٧ ، ٢)

ممتنع الكون لنفسه

ـ لا بدّ من الإشارة إلى دقيقة وهي : أنّ ما علمه الله ـ تعالى ـ أنّه لا يكون ، منه ما هو ممتنع الكون لنفسه ؛ وذلك كاجتماع الضدّين ، وكون

٤٠٣

الشيء الواحد في آن واحد في مكانين ونحوه. ومنه ما هو ممتنع الكون لا باعتبار ذاته ، بل باعتبار أمر خارج ، وذلك مثل وجود عالم آخر وراء هذا العالم أو قبله. فما كان من القسم الأوّل ، فهو لا محالة غير مقدور ، من غير خلاف. وما كان من القسم الثاني ، وهو أن يكون ممتنعا لا باعتبار ذاته بل باعتبار تعلّق العلم بأنّه لا يوجد ، أو غير ذلك ، فهو لا محالة ممكن باعتبار ذاته ، كما سلف. والممكن ـ من حيث هو ممكن ـ لا ينبو عن تعلّق القدرة به. والقدرة ـ من حيث هي قدرة ـ لا يستحيل تعلّقها بما هو ـ في ذاته ـ ممكن ، إذا قطع النظر عن غيره ؛ إذ الممكن من حيث هو ممكن لا ينبو عن تعلّق القدرة به ، والقدرة من حيث هي قدرة لا تتقاصر عن التعلّق به لقصور فيها ولا ضعف (م ، غ ، ٨٧ ، ١)

ممدوح

ـ صحّ بالضرورة التي لا محيد عنها أنّه ليس في العالم شيء محمود ممدوح لعينه ولا مذموم لعينه ولا كفر لعينه ولا ظلم لعينه ، وأمّا ما لا يقع عليه اسم طاعة ولا معصية ولا حكمها وهو الله تعالى فلا يجوز أن يوقع عليه مدح ولا حمد ولا ذمّ إلّا بنصّ من قبله ، فنحمده كما أمرنا أن نقول الحمد لله ربّ العالمين ، وأمّا من دونه ممّن لا طاعة تلزمه ولا معصية كالحيوان من غير الملائكة وكالحور العين والإنس والجنّ وكالجمادات فلا يستحقّ حمدا ولا ذمّا لأنّ الله لم يأمر بذلك فيها. فإن وجد له تعالى أمر بمدح شيء منها أو ذمّه وجب الوقوف عند أمره تعالى ، كأمره تعالى بمدح الكعبة والمدينة والحجر والأسود وشهر رمضان والصلاة وغير ذلك ، وكأمره تعالى بذم الخمر والخنزير والميتة والكنيسة والكفر والكذب وما أشبه ذلك ، وأمّا ما عدا هذين القسمين فلا حمد ولا ذمّ ، وأمّا اشتقاق اسم الفاعل من فعله فكذلك أيضا ولا فرق ، وليس لأحد أن يسمّي شيئا إلّا بما أباحه الله تعالى في الشريعة أو في اللغة التي أمرنا بالتخاطب بها (ح ، ف ٣ ، ٧٢ ، ١٥)

ممكن

ـ الواجب في العقل على جهة لا يجوز مجيء الخبر بغيره ، وكذلك الممتنع ، ويجيء في الممكن ؛ إذ هو المنقلب من حال إلى حال ، ويد إلى يد ، وملك إلى ملك ، وفي ذلك ليس في العقل إيجاب جهة ولا امتناع من جهة فتجيء الرسل ببيان الأولى من ذلك في كل حال (م ، ح ، ١٨٤ ، ٥)

ـ الإمكان مستمرّ أبدا ، والقدرة واسعة لجميع ذلك ؛ وبرهان هذه الدعوى وهو عموم تعلّق القدرة ، أنّه قد ظهر أنّ صانع العالم واحد. فإمّا أن يكون له بإزاء كل مقدور قدرة ، والمقدورات لا نهاية لها ، فيثبت قدر متعدّدة ، لا نهاية لها وهو محال ، لما سبق في إبطال دورات لا نهاية لها. وإمّا أن تكون القدرة واحدة ، فيكون تعلّقها مع اتحادها بما يتعلّق به من الجواهر ، والأعراض مع اختلافها ، لأمر تشترك فيه ، ولا يشترك في أمر سوى الإمكان ؛ فيلزم منه أنّ كلّ ممكن ، فهو مقدور لا محالة ، وواقع بالقدرة (غ ، ق ، ٨٢ ، ٩)

ـ إنّ العالم مثلا ، يصدق عليه أنّه واجب ، وأنّه محال ، وأنّه ممكن. أمّا كونه واجبا ، فمن حيث أنّه إذا فرضت إرادة القديم موجودة ، وجودا واجبا ، كان المراد أيضا واجبا

٤٠٤

بالضرورة ، لا جائزا ، إذ يستحيل عدم المراد مع تحقّق الإرادة القديمة. وأمّا كونه محالا ، فهو أنّه لو قدّر عدم تعلّق الإرادة بإيجاده ، فيكون لا محالة حدوثه محالا ، إذ يؤدّي إلى حدوث حادث بلا سبب ، وقد عرف أنّه محال. وأمّا كونه ممكنا فهو بأن ينظر إلى ذاته فقط ، ولا يعتبر معه لا وجود الإرادة ، ولا عدمها ، فيكون له وصف الإمكان فإذا الاعتبارات ثلاثة : الأول أن يشترط فيه وجود الإرادة ، وتعلّقها فهو بهذا الاعتبار واجب. الثاني أن يعتبر فقد الإرادة ، فهو بهذا الاعتبار محال. الثالث أن يقطع الالتفات إلى الإرادة ، والسبب ، فلا يعتبر وجوده ، ولا عدمه ؛ ومجرّد النظر إلى ذات العالم. فيبقى له بهذا الاعتبار الأمر الثالث ، وهو الإمكان ونعني به أنّه ممكن لذاته ، أي إذا لم نشترط غير ذاته كان ممكنا (غ ، ق ، ٨٤ ، ٨)

ـ نقول كل متغيّر أو متكثّر فهو ممكن الوجود باعتبار ذاته ، وكل ممكن الوجود باعتبار ذاته فوجوده بإيجاد غيره ، فكل متغيّر أو متكثّر فوجوده بإيجاد غيره (ش ، ن ، ١٥ ، ١١)

ـ الممكن معناه أنّه جائز الوجود وجائز العدم ، فيستوي طرفاه أعني الوجود والعدم باعتبار ذاته ، فإذا وجد فإنّما يوجد باعتبار موجده ، ولو لا موجده لما استحقّ إلّا العدم ، فهو إذا مستحقّ الوجود والعدم بالاعتبارين المذكورين (ش ، ن ، ١٨ ، ٩)

ـ إنّ الممكن معناه أنّه جائز وجوده وجائز عدمه ، لا جائز وجوبه وجائز امتناعه ، وإنّما استفاد من المرجّح وجوده لا وجوبه. نعم لمّا وجد عرض له الوجوب عند ملاحظة السبب ، لأنّ السبب أفاده الوجوب حتى يقال وجب بإيجابه ، ثم عرض له الوجوب بل أفاده الوجود ، فصحّ أن يقال وجد بإيجاده وعرض له الوجوب ، فانتسب إليه وجوده ، إذ كان ممكن الوجود لا ممكن الوجوب ، وهذه دقيقة لطيفة لا بدّ من مراعاتها (ش ، ن ، ٢١ ، ٢)

ـ الذي نثبّته أنّ الواجب والممتنع طرفان والممكن واسطة ، إذ ليس بواجب ولا ممتنع فهو جائز الوجود وجائز العدم ، والوجود والعدم متقابلان لا واسطة بينهما ، والذي يستند إلى الموجد من وجهين الوجود والعدم في الممكن وجوده فقط ، حتى يصحّ أن يقال أوجده أي أعطاه الوجود ، ثم لزمه الوجوب لزوم العرضيّات ، فالأمر اللازم العرضيّ لا يستند إلى الموجد ، فأنتم إذا قلتم وجب وجوده بإيجابه فقد أخذتم العرضيّ ، ونحن إذا قلنا وجد بإيجاده فقد أخذنا عين المستفاد الذاتيّ ، فاستقام كلامنا لفظا ومعنى ، وانحرف كلامكم عن سنن الجادة (ش ، ن ، ٢١ ، ٩)

ـ الممكن لا يوجد ولا يعدم إلّا بسبب منفصل (ف ، م ، ٦٢ ، ١٨)

ـ الممكن حال بقائه لا يستغني عن المؤثّر (ف ، م ، ٦٦ ، ٢٢)

ـ إنّ قولنا الممكن قابل للوجود والعدم لا نعني به أنّ تلك الماهيّة متقرّرة حالة الوجود والعدم ، بل نعني به أنّ الماهيّة لا يمتنع في العقل بقاؤها كما كانت ولا يمتنع في العقل بطلانها (ف ، م ، ١٠٩ ، ٢٠)

ـ إنّ قدرة الله تعالى صفة قديمة واجبة الوجود فيجب تعلّقها بكل ما يصحّ أن يكون مقدورا ، وإلّا لزم افتقارها في ذلك الاختصاص إلى المخصّص ، لكن المصحّح للمقدوريّة وهو الإمكان. فهذا يقتضي أن يكون كل ممكن

٤٠٥

مقدور الله تعالى (ف ، س ، ١٥٦ ، ١١)

ـ من اشتراك لفظ الممكن ؛ إذ قد يطلق على ما ليس بممتنع وعلى ما لا ضرورة في وجوده ولا في عدمه ؛ فالاعتبار الأوّل أعمّ من الواجب بذاته ، والثاني مباين له (م ، غ ، ٢٣ ، ١)

ـ إنّ الممكن ما لا يتمّ وجوده ولا عدمه إلّا بأمر خارج عن ذاته ، وهو متوقّف في كلا طرفيه عليه ، وذلك قد يكون فاعليّا ، وقد يكون قابليّا ، وهو أعمّ من الفاعل (م ، غ ، ٤٢ ، ٦)

ـ إنّ ما علمه الله ـ تعالى ـ أنّه لا يكون ، منه ما هو ممتنع الكون لنفسه ؛ وذلك كاجتماع الضدّين ، وكون الشيء الواحد في آن واحد في مكانين ونحوه. ومنه ما هو ممتنع الكون لا باعتبار ذاته ، بل باعتبار أمر خارج ، وذلك مثل وجود عالم آخر وراء هذا العالم أو قبله. فما كان من القسم الأوّل ، فهو لا محالة غير مقدور ، من غير خلاف. وما كان من القسم الثاني ، وهو أن يكون ممتنعا لا باعتبار ذاته بل باعتبار تعلّق العلم بأنّه لا يوجد ، أو غير ذلك ، فهو لا محالة ممكن باعتبار ذاته ، كما سلف. والممكن ـ من حيث هو ممكن ـ لا ينبو عن تعلّق القدرة به. والقدرة ـ من حيث هي قدرة ـ لا يستحيل تعلّقها بما هو ـ في ذاته ـ ممكن ، إذا قطع النظر عن غيره ؛ إذ الممكن من حيث هو ممكن لا ينبو عن تعلّق القدرة به ، والقدرة من حيث هي قدرة لا تتقاصر عن التعلّق به لقصور فيها ولا ضعف (م ، غ ، ٨٧ ، ٦)

ـ الممكن صالح أن تتعلّق به القدرة ، من حيث هو كذلك. ولا معنى لكونه مقدورا غير هذا. وإطلاق اسم المقدور عليه بالنظر إلى العرف ، وإلى الوضع ـ باعتبار هذا المعنى ـ غير مستبعد. وإن كان وجوده ممتنعا باعتبار غيره. وأمّا إن أريد به أنّه غير مقدور ؛ بمعنى أنّه يلزم منه المحال باعتبار أمر خارج. أو أنّه لم تتعلّق به القدرة ، بمعنى أنّها لم تخصّصه بالوجود بالفعل ، فهو وإن كان مخالفا للإطلاق فلا مشاحة فيه ، إذ المنازعة فيه لا تكون إلّا في إطلاق اللفظ ، لا في نفس المعنى (م ، غ ، ٨٧ ، ١٠)

ـ إنّ الممكن غير الذهن فلا يحصل وصفه فيه ، إلّا أن يقال العلم به (خ ، ل ، ٥٦ ، ١٨)

ـ خواصّ الممكن أ : إنّه لا محال في فرض وجوده أو عدمه وإلّا فهو واجب لذاته. ب : إنّهما بسبب منفصل ، لاستواء نسبتهما إليه (خ ، ل ، ٥٨ ، ١٧)

ـ أمّا الممكن فينقسم عندهم إلى حال ـ فإن قوّم محلّه فصورة ـ أو تقوّم به ، فعرض ـ وإلى محلّ. فالمتقوّم هيولى ، والمقوّم موضوع ، فهو أخصّ ، فعدمه أعمّ ؛ وإلى ما ليس واحدا منهما ، ـ فإن تعلّق بالجسم للتدبير ، فنفس ؛ وإلّا فعقل (خ ، ل ، ٦١ ، ١٤)

ممكن لذاته

ـ الممكن لذاته هو الذي لا يلزم من فرض وجوده ولا من فرض عدمه من حيث هو محال (ف ، م ، ٥٩ ، ٢٣)

ـ الممكن لذاته متساوي الطرفين (ف ، م ، ٦٦ ، ١)

ـ رجحان الممكن لذاته مسبوق بوجوب وملحوق بوجوب (ف ، م ، ٦٦ ، ٩)

ـ الممكن لذاته لا بدّ وأن يكون نسبة الوجود والعدم إليه على السويّة ، إذ لو كان أحد الطرفين أولى به ، فإن كان حصول تلك

٤٠٦

الأولويّة يمنع من طريان العدم عليه فهو واجب لذاته ، وإن كان لا يمنع فليفرض مع حصول ذلك القدر من الأولوية تارة موجودا وأخرى معدوما ، فامتياز أحد الوقتين عن الآخر بالوقوع ، إن لم يتوقّف على انضمام مرجّح إليه ، لزم رجحان الممكن المتساوي ، لا لمرجّح ، وإن توقّف على انضمامه إليه لم يكن الحاصل أولا كافيا في حصول الأولويّة ، وقد فرضناه كافيا ، هذا خلف ، فثبت أنّ الشيء متى كان قابلا للوجود والعدم ، كان نسبتهما إليه على السويّة (ف ، أ ، ٢٥ ، ١٥)

ـ لمّا كان الممكن لذاته لا ينفكّ عن الوجود أو عن العدم فهو لا ينفكّ في كلّ واحد من حالتيه عن هذين الوجوبين لوجوده أو لعدمه ، وهو لا يقتضي شيئا منهما كما لا يقتضي أحد الطّرفين لذاته (ط ، م ، ١١٩ ، ٢٣)

ممكن محال

ـ يجوز أن يكون الشيء الواحد ممكنا محالا ، ولكن ممكنا باعتبار ذاته محالا باعتبار غيره ، ولا يجوز أن يكون ممكنا لذاته محالا لذاته ، فهما متناقضان ؛ فيرجع إلى خلاف المعلوم (غ ، ق ، ٨٥ ، ٢)

ممكنات

ـ لا يخفى أنّ الممكنات كلّها لا نهاية لها ، فلا نهاية إذا للمقدورات ، ونعني بقولنا لا نهاية للممكنات ، أنّ خلق الحوادث بعد الحوادث لا ينتهي إلى حد ، يستحيل في العقل حدوث حادث بعده (غ ، ق ، ٨٢ ، ٢)

ـ إنّ الموجودات في الحال ، وإن كانت متناهية فالممكنات في الاستقبال غير متناهية ، ونعلم الممكنات التي ليست بموجودة ، أنّه سيوجدها أم لا يوجدها ، فيعلم إذا ما لا نهاية له ، بل لو أردنا أن تكثر على شيء واحد وجوها من النسب ، والتقديرات لخرج ذلك عن النهاية ، والله تعالى عالم بجميعها (غ ، ق ، ١٠٠ ، ٥)

ممكّنون

ـ فانظر إلى قوله : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ) (المائدة : ٦٥) ، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى) (الأعراف : ٩٦) ، (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) (المائدة : ٦٦) ، (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا) (النساء : ٦٦). وهذا في القرآن كثير يدل عند أهل اللغة والمعرفة والنصفة على أنّهم ممكّنون مفوضون قادرون على ما أمروا به من العمل به والترك لما نهوا عنه ، وكثير ممّا في كتاب الله ، عزوجل ، يشهد لنا بما قلنا (ي ، ر ، ٥٢ ، ١٩)

ممنوع

ـ اختلفت المعتزلة في الممنوع هل هو قادر أم لا على أربعة أقاويل : فقال قائلون : إذا منع الإنسان من المشي بالقيد ومن الخروج من البيت بغلق الباب فهو قادر على ذلك مع المنع بالقيد وغلق الباب ، [فالمنع] لا يضادّ القدرة. وقال آخرون : القدرة فيه ولكن لا نسمّيه قادرا على ما منع منه. وقال قائلون : بل نقول إنّه قادر إذا حلّ وأطلق. وقال" جعفر بن حرب" الممنوع قادر وليس يقدر على شيء ، كما أنّ المنطبق جفنه بصير ولا يبصر (ش ، ق ، ٢٤٠ ، ٧)

ـ الممنوع متناهي المقدور قادر بقدرة ، والقادر بالقدرة لا يكون إلّا جسما ، وخالق العالم لا يجوز أن يكون جسما (ق ، ش ، ٢٧٨ ، ١٤)

ـ إنّ القادر له حالتان : حالة يصحّ منه إيجاد ما

٤٠٧

قدر عليه ، وحالة لا يصحّ ذلك ؛ والأسماء تختلف عليه بحسب اختلاف هاتين الحالتين ، ففي الحالة الأولى يسمّى مطلقا مخلّى ، وفي الثانية يسمّى ممنوعا (ق ، ش ، ٣٩٣ ، ١٠)

ـ إنّ الممنوع لا يكون ممنوعا إلّا بمنع (ق ، ش ، ٣٩٣ ، ١١)

ـ أمّا الممنوع فإنّه يستعمل فيمن يكون قادرا ثم يتعذّر عليه الفعل لأمر من الأمور على وجه لولاه لصحّ منه ذلك الفعل وحالته تلك ، والعاجز غير قادر على الإيمان البتّة ، فكيف يصحّ وصفه بالمنع؟ (ق ، ش ، ٤٠٤ ، ١٩)

ـ إنّ الممنوع كالمخلّى في كونهما قادرين وفي تعلّق قدرتهما بذلك المقدور. وإنّما لا يصحّ في المقدور أن يوجد مع ما يضادّه ، والمنع يرجع إلى ضدّ يمتنع وجود ما هو منع منه معه ، حتى لو زال هذا المانع لصحّ وجود هذا الفعل وحال القادر وحال القدرة سواء لم تختلف. فصار ذلك بمنزلة وجود القدرة ولا محلّ يصحّ وجود الحركة فيه ، لأنّ القدرة والحال هذه تثبت متعلّقة بالحركة ، ولكن الشرط في صحّة وجودها وجود محلّها (ق ، ت ٢ ، ٤٤ ، ٤)

ـ عن أبي علي رحمه‌الله فقال : لو لم يكن أحدنا قادرا على الضدّين لم يكن بين القادر المخلّى وبين الممنوع فصل ، ولم تتميّز حال القادر من حال المضطرّ ، لأنّ هذا القادر لا يمكنه الانفكاك عن هذا الفعل الواحد إلى خلافه كما لا يمكن الممنوع والمضطرّ ذلك. وقد عرفنا ثبوت الفرق بينهما ضرورة ، فما أوجب رفع ذلك فيجب بطلانه. وهذه الطريقة توجب على المستدلّ بها أن يثبت لكل مقدور ضدّا لكي يثبت الفصل الذي أراده ، وهذا هو الأشبه بطريقة أبي علي. ولكن عندنا قد يكون في المقدورات ما لا ضدّ له ، فلقائل أن يقول : إنّ الفصل راجع إلى أنّه يمكنه أن يفعل وأن لا يفعل دون أن يصرف هذا الفرق إلى إيثار أحد الضدّين على الآخر. ويقول : كما جاز عندكم فيما لا ضدّ له أن يثبت الفرق بين القادر وبين غيره بهذه الطريقة فكذلك قولي فيما له ضدّ. وبعد فإنّ الممنوع الذي قد شبّه المستدلّ كلامه به حاله في القدرة على الضدّين كحال المخلّى. فما الوجه في قوله : لو لم يكن قادرا على الضدّين لم يكن بينهما فرق ، مع العلم بأنه لا فرق بينهما في هذا الوجه (ق ، ت ٢ ، ٤٩ ، ١٥)

ـ مذهب أبي هاشم في أنّ الممنوع من أضداد الشيء لا يكون ممنوعا من ذلك الشيء. وعلى كل حال فليس يلزمنا ما ظنّه السائل ، لأنّا نصف هذا الممنوع بأنّه قادر على التحرّك في الجهات الأخر وإنما تعذّر إيجاده للحركة فيها لوجود المنع حتى لو زال وحاله ما ذكرناه لصحّ أن يتحرّك في كل هذه الجهات. فكيف يشبه ذلك قول من يقول إنه لا يقدر إلّا على أحد الضدّين ولا يصحّ منه الضدّ الآخر إلّا بتغيّر حاله بأن توجد فيه قدرة لم تكن من قبل (ق ، ت ٢ ، ٥٠ ، ٢١)

ـ مما يذكرونه من الفرق بين الكافر والعاجز قولهم إنّ هذا الكافر مطلق مخلّى والعاجز ممنوع ، فلهذا افترقا في جواز تكليف أحدهما وحسنه دون الآخر. وهذا أبعد مما تقدّم ، لأنّ وصف الغير بأنّه مطلق مخلّى يفيد قدرته على الفعل وزوال الموانع عنه. فصار لا يكفي في وصفه بذلك مجرّد وجود القدرة دون أن ينضمّ إليه ما ذكرناه ، ولهذا لا يوصف المقيّد بأنّه مخلّى مع أنّ القدرة فيه ثابتة عندنا على وجه لو

٤٠٨

زال القيد لصحّ منه المشي. فكيف ساغ للقوم أن يصفوا الكافر الذي لا قدرة فيه أصلا بوصف ينبئ عن ثبات القدرة وعن أمر زائد عليها؟ ولئن جاز وصف من هذا حاله بالإطلاق والتخلية فيجب أن يجوز وصف العاجز بمثله. وكما لا يصحّ هذا الوصف الذي وصف الكافر به فكذلك لا يصحّ وصف العاجز بأنّه ممنوع ، لأنّ الممنوع أيضا هو القادر الذي لو لا المنع لكان يصحّ منه الفعل وحالته تلك. والذي يبيّن ذلك أنّ الميت لا يوصف بالمنع ولا الزمن أيضا وإنّما يقال ذلك في المقيّد أو فيمن منعه من هو أقدر منه. فكيف صحّ العاجز مع عدم القدرة عنه أن يكون ممنوعا؟ ويبيّن ذلك أنّ المنع هو الذي لوجوده يمتنع الفعل الممنوع منه ، وهذا يرجع فيه إلى ضدّ لذلك الفعل دون أن يكون مغيّرا لحال القادر (ق ، ت ٢ ، ٦١ ، ١٩)

ـ إنّما ساغ للقوم أن يصفوا العاجز أنّه ممنوع لاعتقادهم أنّ القدرة بوجودها يوجد مقدورها لا محالة ، فاعتقدوا أنّه إذا لم يقع الفعل فلعدم القدرة. واعتقدوا أيضا أنّ القدرة لا تزول إلّا بأن يخلفها عجز. وذلك عندنا باطل لأنّ القدرة يصحّ وجودها عارية عن الفعل ومتقدّمة عليه بحال وأحوال كثيرة. ولا يجب أيضا لو زالت أن يخلفها عجز لا محالة لو قدّرنا العجز معنى ، فكيف إذا لم يرجع بالعجز إلى أكثر من زوال القدرة عمّن يصحّ كونه قادرا؟ والذي يبيّن صحّة ما قلناه التفرقة المعقولة بين المقيّد والزمن لأنّ هذا الزمن لا يصحّ منه المشي وإن عدم ما عدم ، وهذا المقيّد يصحّ منه المشي بزوال القيد. فعرفنا بذلك أنّ القدرة ثابتة في هذا المقيّد وإن لم يوجد مقدورها لمانع عرض. وعلى أصلهم ينبغي أن يستويا جميعا وأن تبطل هذه التفرقة (ق ، ت ٢ ، ٦٢ ، ٣)

ـ إنّ شيوخنا لم يختلفوا في أنّ الممنوع من الشيء الواحد وله أضداد لا يكون ممنوعا من تلك الأضداد. وعلى هذا إذا امتنع على أحدنا الكون في مكان الجبل لم يمتنع عليه الكون في الجهات الأخر. وإنّما خلافهم في الممنوع من أضداد الشيء هل يجب أن يكون ممنوعا من ذلك الشيء ، كما قالوا في المحبوس في التنّور وما أشبه ذلك أنّه إذا امتنع عليه الكون في هذه الجهات فهل يكون ممنوعا من الكون في مكانه أيضا أم لا؟ فالذي قاله أبو علي إنّه كما يصير ممنوعا من الكون في الجهات الأخر يصير ممنوعا من الكون في مكان نفسه. والصحيح ما قاله أبو هاشم من أنّه لا يصير ممنوعا من ذلك وأن تجري حاله في هذا الواحد من حيث لم يعرض فيه ما يمتنع حصوله معه مجرى المسألة الأولى التي لم يختلفوا فيها ، لأنّه إنّما لم يكن الممنوع من الشيء الواحد ممنوعا من أضداد ذلك الشيء لمّا لم يكن في تلك الأضداد ما قد حصل في هذا الواحد. وهذه صورة الكون في مكان نفسه إذا منع من التحرّك في الجهات الأخر. يبيّن ذلك أن المنع إذا كان المرجع به إلى ما يضادّ الفعل ، فمعلوم أنّه ما حصل هناك ما يضادّ هذا الفعل ، فكيف صار ممنوعا منه؟ (ق ، ت ٢ ، ٨٦ ، ١٠)

ـ أمّا الممنوع من كل فعل أو من بعض الأفعال لحدوث أمر أو لعدمه ، فقد بيّنا أنّه لا يصحّ أن يفعل لأمر يرجع إلى استحالة وجود الفعل ، لا إلى كونه قادرا. كما أنّه تعالى يستحيل أن يفعل فيما لم يزل لأمر يرجع إلى الفعل ، لا إلى كونه قادرا. وقد بيّنا أنّ الواجب مراعاة حال الفعل

٤٠٩

في صحّة وقوعه من القادر ، كما يجب أن تراعى حال القادر بنفسه ، فقد يتعذّر الفعل بكل واحد من الأمرين (ق ، غ ٨ ، ٦١ ، ١١)

ـ أمّا الممنوع ، فهو القادر إذا عرض ما لا يتأتّى منه الفعل ، فلا يصحّ كونه ممنوعا إلّا وهو قادر على نفس ما منع منه. وكذلك القول في الحيلولة والضدّ (ق ، غ ٨ ، ١٦٨ ، ١)

ـ قال شيخانا ـ رحمهما‌الله ـ : لا يصحّ الإلجاء إلى المعارف ؛ لأنّه لا يجوز مع فقد معرفته به أن يعلم أنّه لو رام خلاف العلم من الجهل لمنع منه ، ولأنّه متى علم أنّه لو رام خلافه لمنع منه فقد علم العلم ، وذلك يغني عن فعل علم بأن يمنع منه ، ولوجوه سنذكرها من بعد. فإذا اضطرّه الله ـ تعالى ـ إلى معرفة توحيده وعدله وألجأه إلى ألّا يفعل المقبّحات في عقله فقد صار بمنزلة الممنوع في أنّه لا يحسن أن يكلّف الأفعال ؛ لأنّه إن كلّف أفعال القلوب من ضدّ العلم فهو ممنوع من ذلك. وإن كلّف أفعال الجوارح فهو ملجأ إلى ألا يفعل المقبّح منه. وإذا صار فعل القبيح مأيوسا من جهته لم يستحقّ المدح على الحسن ؛ كما لا يستحقّ الواحد منّا المدح على تركه قتل نفسه ، وعلى هربه من السّبع. وإنّما يستحقّ العاقل المدح على الفعل إذا كانت دواعيه متوافرة أو حاصلة إلى القبيح ويمكنه فعلها ، فإذا امتنع منها مع شهوته لها استحقّ المدح. وكذلك القول في الواجب أنّه إنّما يستحقّ المدح به إذا كان له إلى فعل تركه داع ، فمتى آثره مع كونه شاقّا عليه استحقّ المدح على خلافه. وليس كذلك حال الملجأ ؛ لأنّ هذه الطريقة متعذّرة فيه فلذلك لم يحسن أن يكلّف ويستحقّ المدح على ما يفعله (ق ، غ ١١ ، ٤٩٢ ، ١٠)

ممنوع من الفعل

ـ كان يزعم (جعفر بن حرب) أنّ الممنوع من الفعل قادر على الفعل ، وليس يقدر على شيء ، هكذا حكى عنه الكعبيّ في مقالاته ، ويلزمه على هذا الأصل أن يجيز كون العالم بشيء ليس غير عالم به (ب ، ف ، ١٦٩ ، ٦)

من

ـ إنّ لفظ" من" يقع في اللغة مرّة على الكل ومرّة على البعض ، فلمّا كانت صورة اللفظة ترد مرّة ويراد بها البعض وترد أخرى ويراد بها الكل لم يجز أن يقطع على الكل بصورتها كما لا يقطع على البعض بصورتها (ش ، ل ، ٧٧ ، ٨)

ـ إنّ" من" إذا وقعت نكرة في الاستفهام أفادت العموم والاستغراق (ق ، ش ، ٦٥٤ ، ١١)

ـ إنّ من للتبعيض ، ولا يتبعّض إلّا محدث مخلوق ، ولا يحاط إلّا بمخلوق محدث (ح ، ف ٢ ، ١٣٣ ، ٦)

منافاة الشيء غيره

ـ إذا ثبت أنّ الجواهر لا تنتفي لهذه الأمور لم يبق إلّا أنّه إنّما تنتفي بضدّ ، وأنّه ـ تعالى ـ هو المختصّ بالقدرة على ذلك الضدّ. ولذلك اختصّ بأن صار هو النافي للجواهر والمفنى لها ، وأنّه في مضادّة الجوهر ومنافاته بمنزلة منافاة السواد البياض. وقد بيّنا من قبل أنّه لا يجب ألّا ينافي الشيء غيره ويضادّه إلّا متى تعلّقا بالشيء الواحد من محلّ أو حيّ ، وأنّه لا يمتنع أن يضادّ الشيء غيره على خلاف هذا الوجه إذا دلّ الدليل عليه ؛ كما لم يمتنع مضادّة الإرادة للكراهة لا في محلّ لمّا ثبت ذلك بالدليل (ق ، غ ١١ ، ٤٤٤ ، ٨)

٤١٠

منافرة

ـ أمّا ما حكيته عن إبراهيم أنّه كان يحيل القول بأنّ الله تعالى يقدر أن يخترع البرد مسخّنا والحرّ مبرّدا فهذا شيء أهل التوحيد كلّهم يوافقونه عليه. وأمّا حكايته عنه أنّه يزعم أنّ الله قهر المتضادات على الاجتماع الذي ليس في جوهرها ، فإنّ إبراهيم كان يزعم أنّ الله قهر الأشياء المتضادات على الاجتماع الذي ليس في جوهرها إذا خلّيت وما هي عليه ، فأمّا إذا منعت مما هي عليه من المنافرة وقهرت على الاجتماع ، فإن من جوهرها وشأنها الاجتماع عند القهر لها ، كما أنّ من جوهرها وشأنها المنافرة عند تخليتها وما هي عليه ، وهذا شيء أكثر الخلق شركاء إبراهيم فيه وهو أمر واضح غير غامض ولا خفي. أنت تعلم أنّ من شأن الماء السيلان وقد يمكن منعه من ذلك ، وأنّ من شأن الحجر الثقيل الانحدار وقد يمنع منه ، ومن شأن النار التلهب والصعود علوا وقد تمنع من ذلك فتأخذ سفلا. فما على إبراهيم في هذا عيب والحمد لله (خ ، ن ، ٤١ ، ٢٣)

منافع

ـ إنّ المنافع التي خلقها الله تعالى للحي ليعرّضه لها ثلاث : التفضّل ، وهو النفع الذي لفاعله أن يوصله إلى الغير وله أن لا يوصله ؛ والعوض ، وهو النفع المستحق لا على سبيل التعظيم والإجلال ؛ والثواب ، وهو النفع المستحقّ على سبيل الإجلال والتعظيم (ق ، ش ، ٨٥ ، ٨)

ـ اعلم أنّ المنافع هي الملاذ والسرور وما أدّى إليهما أو إلى أحدهما إذا لم يؤدّ إلى ضرر يوفي عليه (ق ، غ ٤ ، ١٤ ، ٣)

ـ إنّ أصل المنافع هو الملاذّ. ولذلك يستحيل الانتفاع على من تستحيل اللذّة عليه. وكون الملتذّ ملتذّا يتبع كونه مدركا لما يشتهيه ، لأنّه لو أدرك الشيء ولمّا يشتهيه لم يلتذّ به على ما بيّناه من قبل. فإذا صحّ ذلك وجب كون اللذّة تابعا للشهوة وللإدراك. وقد علمت أن العاقل قد يؤثّر كثير الملاذّ آجلا على يسيرها عاجلا ، بل قد يستحسن تحمّل المشقّة لملاذّ عظيمة في المستقبل ؛ فلو لا أنّ ذلك منافع لم يكن ليؤثّره على النفع الحاضر القليل ، ولا كان يتحمّل المضرّة لأجله ، فلذلك جعلنا ما يؤدّي إلى الملاذّ نفعا ، وألحقناه باللذّة الحاضرة. وإذا جاز في اللذّة أن تكون ضررا إذا أعقبت مضرّة عظيمة ، نحو تناول الخبيص المسموم الذي يعدّ مطعمه مسيئا ، فما الذي ينكر من القول بأن المشقّة تكون نفعا إذا أدّت إلى نفع عظيم. ولو لا أنّ الأمر على ما ذكرناه لم يكن القديم تعالى بالتكليف نافعا ؛ ولا بالآلام التي يستحقّ بها الأعواض ، وإنّما يصحّ القول بأنّه منعم بذلك على الأصل الذي بيّناه ، ولذلك يستحسن العقلاء تعريض أولادهم بإلزام المشاقّ للرتب العالية ، والمنازل الرفيعة ، ويعدّون ذلك من أعظم النعم (ق ، غ ١١ ، ٧٨ ، ٦)

ـ ما أدّى إلى المنافع قد يكون على وجوه : منها ما يوجبه فيكون نفعا كالأسباب ، ومنها ما يؤدّي إليه بالعادة التي لا تنتقض في الأظهر ، كالتجارات وطلب الرتب. ومن هذا القسم طلب الشبع بالأكل وما شاكله ، لأنّ ذلك يحصل عند الأكل بالعادة ، لا على جهة الإيجاب ، ولذلك تختلف أحوال الأحياء منّا فيه ، فهو في هذا الوجه بمنزلة الشكر الحادث عند الشرب ، وسائر ما قلنا فيه أنّه غير موجب. ومنها ما يكون نفعا بأن يستحقّ به اللذّة ، ثم هو

٤١١

على ضربين : أحدهما لا يكون كذلك إلّا من فعل المستحقّ نحو تحمّل المشقّة في التكليف ؛ لأنّه لا يستحقّ به المدح والثواب إلّا إذا كان من فعله. والثاني لا يكون كذلك إلّا من فعل المستحقّ عليه ، نحو الآلام التي يستحقّ بها الأعواض. وقد يحصل في الشاهد كلا القسمين مما يجري مجرى العوض ؛ لأن من يستعمله في العمل لا يستحقّ الأجرة إلّا بعمله ، وقد يستحقّ العوض بأن يتلف بعض ماله (ق ، غ ١١ ، ٧٩ ، ١٢)

ـ اعلم أنّ المنافع على ضربين : مستحقّ وغير مستحقّ ، فما ليس بمستحقّ هو تفضّل ، والمستحقّ على ضربين أحدهما يستحقّ على الوجه الذي يستحقّ المدح ، وذلك مما لا يستحقّه الحيّ منّا إلّا بفعله ، والثاني يستحقّ على الوجه الذي يستحقّ القيم والأبدال في الشاهد ، وذلك مما لا يستحقّه الحيّ منّا إلّا بفعل غيره به. ولا يحسن من القديم تعالى أن يخلق الحيّ إلّا لبعض هذه الوجوه من المنفعة (ق ، غ ١١ ، ٨١ ، ١١)

منافق

ـ صاحب الكبيرة عندنا لا يسمّى مؤمنا ، وأمّا المنافق فهو الذي يظهر الإسلام ويبطّن الكفر (أ ، ش ٤ ، ٢٦٤ ، ١٢)

ـ قيل : من شهد وعمل ولم يعتقد فهو منافق (ج ، ت ، ٦٤ ، ٣)

ـ الكفر والشرك سواء ، فالمنافق مشرك. الأباضيّة : بل الشرك غير الكفر ، والمنافق كافر لا مشرك. قلنا : الكفر اسم لمن يستحقّ أعظم أنواع العذاب ، فعمّهما (م ، ق ، ١٣٥ ، ٣)

مناقضة

ـ المناقضة تدخل في الأقوال بأن يورد المتكلّم في أوّل كلامه ما تباين فائدته الفائدة المعروفة بآخره. مثل أن يقول : أسود ليس بأسود ، هذا من حيث العبارة. ومن جهة المعنى هو أن يقول : عالم ميت أو معدوم متحرّك أو أسود أبيض إلّا على ضرب من التراخي ، بأن يكون في حال قوله أسود قد وجد به السواد ، وفي حال قوله أبيض قد وجد فيه البياض. ويصحّ أيضا على غير هذه الطريقة بأن يكون البياض عقيب وجود السواد ، فيكون حال وجود أول حرف من قوله أسود قد وجد السواد وكذلك في البياض (أ ، ت ، ٣٨٨ ، ١٦)

مناكير

ـ اعلم أنّ المناكير على ضربين : عقليّة وشرعيّة. فالعقليّات منها ، نحو الظلم والكذب وما يجري مجراها ، والنهي عنها كلها واجب ، لا يختلف الحال فيه بحسب اختلاف المقدّم عليه بعد التكليف. والشرعيّات على ضربين : أحدهما ، ما للاجتهاد فيه مجال ، والآخر لا مجال للاجتهاد فيه. أمّا ما لا مجال للاجتهاد في كونه منكرا كالسرقة والزنا وشرب الخمر وما يجري هذا المجرى ، والنهي عن كل ذلك واجب ولا يختلف الحال فيه بحسب اختلاف المقدّم عليه. وأمّا ما للاجتهاد فيه مجال ، فكشرب المثلث فإنّه منكر عند بعض العلماء وغير منكر عند البعض ، وما هذا سبيله ينظر في حال المقدّم عليه ، فإن كان عنده أنّه حلال جائز لم يجب النهي عنه ، وإن كان عنده أنّه مما لا يحلّ ولا يجوز وجب النهي عنه. فعلى هذا ، لو رأى واحد من الشافعيّة حنفيّا يشرب المثلث

٤١٢

فإنّه ليس له أن ينكر عليه وينهاه ، وبالعكس من هذا لو رأى حنفي شافعيّا يشرب المثلث ، فإنّه يلزم نهيه والإنكار عليه. وعلى الجملة ، فما هذا حاله لا يخرج عن كونه منكرا وإن اختلف بحسب اختلاف المقدّمين عليه (ق ، ش ، ١٤٧ ، ٥)

ـ اعلم أنّ مشايخنا أطلقوا القول في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والواجب أن يفصل القول فيه فيقال : المعروف ينقسم إلى ما يجب ، وإلى ما هو مندوب إليه ، فإنّ الأمر بالواجب واجب ، وبالمندوب إليه مندوب غير واجب ، لأنّ حال الأمر لا يزيد على حال الفعل المأمور به في الوجوب. وأمّا المناكير فهي كلها من باب واحد في وجوب النهي عنها ، فإنّ النهي إنّما يجب لقبحها ، والقبح ثابت في الجميع (ق ، ش ، ٧٤٥ ، ٨)

منانية

ـ إنّ المنانيّة تزعم أنّ الصدق والكذب مختلفان متضادان وأنّ الصدق خير وهو من النور والكذب شر وهو من الظلمة (خ ، ن ، ٣٠ ، ٨)

منبّه

ـ إنّ القديم تعالى يعرّف حال الواجب ، إمّا باضطرار ، وإمّا بنصب الأدلّة. ولمكان التعريف يجب على المكلّف ؛ لأنّ الواجب يجب بإيجاب موجب يفعل إيجابه ، أو يفعل علّة تقتضي وجوبه. فالمنبّه أيضا إنّما يفعل ما عنده يجب الواجب ، لا أنّه يوجبه عليه في الحقيقة ، وإنّما يجعل الإيجاب متعلّقا بالتنبيه دون الفعل من حيث تقدّم الفعل ولا إيجاب ، ومتى حصل التنبيه تبعه الإيجاب ، فالحال فيهما إذا لا يختلف (ق ، غ ١١ ، ١٤٢ ، ١٥)

منتظر

ـ البهشميّة : والموازنة تقع بين الثواب والعقاب. الإخشيدية : بل بين الفعل والمستحقّ ، فتنحبط الطاعة بالعقاب والمعصية بالثواب. أبو علي : بل بين الفعلين. قلنا : إنّما يقع التكفير والإحباط بأمر منتظر ، والمنتظر هو المستحقّ ، ويلزم ما مرّ من استواء من أحسن وأساء ومن أساء فقط (م ، ق ، ١٢٤ ، ٤)

منتظرون

ـ جميع المنتظرين منهم لمن انتظروه اليوم في حيرة من الدين لدعواهم أنّ القرآن والسنن قد وقع فيهما تحريف وتبديل ، ولا يعرف منهما تحقيق أحكام الشريعة على التفصيل ، إلّا من عند الإمام المعصوم إذا ظهر. ويدّعون أنّهم اليوم في التيه (ب ، أ ، ٢٧٤ ، ١)

منتف

ـ أمّا المعدومات ، فعلى ما قاله شيخنا أبو عبد الله البصري : أنّه المنتفي الذي ليس بكائن لا ثابت. وهذا لا يصحّ ، لأنّ المنتفي إنّما يستعمل في المعدوم الذي وجد مرّة ثم عدم أخرى ، فيخرج عن الحدّ كثير من المعدومات ، ومن حق الحدّ أن يكون جامعا مانعا لا يخرج منه ما هو منه ، ولا يدخل فيه ما ليس منه. وبعد فإن قول المنتفي ، هو قوله ليس بكائن ولا ثابت ، فيكون تكرارا لا فائدة فيه ، فالأولى : أن يحدّ المعدوم بأنّه المعلوم الذي ليس بموجود ، ولا يلزمنا على هذا أن يكون ثاني القديم عزوجل والفناء معدومين لأنّهما ليس بمعلومين (ق ، ش ، ١٧٦ ، ١٣)

٤١٣

مندوب

ـ أما الحسن ، فضربان : أحدهما إمّا أن لا يكون له صفة زائدة على حسنه تؤثّر في استحقاق المدح والثواب ، فيكون في معنى المباح ؛ وإمّا أن يكون له صفة زائدة على حسنه لها مدخل في استحقاق المدح. وهذا القسم إمّا أن لا يكون للإخلال به مدخل في استحقاق الذمّ ، وإمّا أن يكون له مدخل في استحقاق الذمّ. والأوّل في معنى الندب الذي ليس بواجب. وهو ضربان : أحدهما أن يكون نفعا موصلا إلى الغير على طريق الإحسان إليه ، فيوصف بأنّه فضل. والآخر لا يكون نفعا موصلا إلى الغير على طريق الإحسان ، بل يكون مقصورا على فاعله ؛ فيوصف بأنّه مندوب إليه ، ومرغوب فيه ، ولا يوصف بأنّه إحسان إلى الغير (ب ، م ، ٣٦٥ ، ٤)

مندوب إليه

ـ أما إذا اختصّ الحسن بصفة زائدة على حسنه ، استحقّ لمكانها المدح ، فلا يستحقّ بالإخلال به الذمّ ، فإنّه إذا فعله المكلّف وصف بأنّه" مندوب إليه" بمعنى أنّه قد بعث عليه. وهذا المعنى حاصل في" الواجب" أيضا. إلّا أنّ قولنا" مندوب إليه" في العرف ، أنّه قد بعث عليه من غير إيجاب (ب ، م ، ٣٦٧ ، ٩)

منزّل ومنزول

ـ أربعة أشياء هنا : منزّل ، ومنزّل ، ومنزول عليه ، ومنزول به. فالمنزّل هو الله تعالى لقوله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) (الحجر : ٩) وقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ) (النحل : ٤٤) والمنزّل على الوجه الذي بيّناه من كونه نزول إعلام وإفهام لا نزول حركة وانتقال كلام الله تعالى القديم الأزلى القديم بذاته ، لقوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) (الشعراء : ١٩٢). والمنزّل عليه قلب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لقوله تعالى : (عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (الشعراء : ١٩٤) والمنزول به هو اللغة العربية التي تلا بها جبريل ، ونحن نتلو بها إلى يوم القيامة ، لقوله تعالى : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء : ١٩٥) (ب ، ن ، ٩٧ ، ٤)

منزلة بين المنزلتين

ـ وجب أنّ صاحب الكبيرة ليس بمؤمن بزوال أحكام المؤمن عنه في كتاب الله ، ووجب أنّه ليس بكافر بزوال أحكام الكفّار عنه ، ووجب أنّه ليس بمنافق في زوال أحكام المنافقين عنه في سنّة رسول الله صلى الله عليه ، ووجب أنّه فاسق فاجر لإجماع الأمّة على تسميته بذلك وبتسمية الله له به في كتابه. فكيف يكون واصل ابن عطاء رحمه‌الله والمعتزلة قد خرجت من الإجماع بقولهم بالمنزلة بين المنزلتين؟ وهل يكون قول أوضح صوابا ولا أصح معنى من قول المعتزلة بالمنزلة بين المنزلتين؟ ولو كان شيء من الدين يعلم صوابه باضطرار لعلم قول المعتزلة بالمنزلة بين المنزلتين باضطرار (خ ، ن ، ١١٩ ، ٢٢)

ـ الكلام في المنزلة بين المنزلتين : والأصل في ذلك ، أنّ هذه العبارة إنّما تستعمل في شيء بين شيئين ينجذب إلى كل واحد منهما بشبه ، هذا في أصل اللغة. وأمّا في اصطلاح المتكلّمين ، فهو العلم بأنّ لصاحب الكبيرة اسم بين الاسمين ، وحكم بين الحكمين ، على ما يجيء من بعد (ق ، ش ، ١٣٧ ، ٦)

٤١٤

ـ المعتزلة وافقوا الخوارج في المصير إلى استحقاق الخلود ، على ما سنفصل مذهبهم. ولكنّهم فارقوا الخوارج من وجهين : أحدهما أنّهم لم يصفوا مرتكب الكبيرة بالكفر ، ولم يصفوه أيضا بالإيمان ، وزعموا أنّه على منزلة بين المنزلتين ، ورسموه فيها بكونه فاسقا وفارقوهم من وجه آخر ، فقالوا : استحقاق الخلود في العقاب يختصّ بالكبائر ، وجملة الذنوب كبائر عند الخوارج ، والمعتزلة قسّموا الذنوب إلى الصغائر والكبائر على ما سنعقد فيه فصلا (ج ، ش ، ٣٢٥ ، ٣)

ـ القول بالمنزلة بين المنزلتين. والسبب فيه أنّه دخل واحد على الحسن البصريّ فقال : يا إمام الدين ، لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفّرون أصحاب الكبائر. والكبيرة عندهم كفر يخرج به عن الملّة ، وهم وعيديّة الخوارج. وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر. والكبيرة عندهم لا تضرّ مع الإيمان ، بل العمل على مذهبهم ليس ركنا من الإيمان. ولا يضرّ مع الإيمان معصية ، كما لا ينفع من الكفر طاعة ، وهم مرجئة الأمّة. فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقادا؟ فتفكّر الحسن في ذلك ، وقبل أن يجيب قال واصل بن عطاء : أنا لا أقول إنّ صاحب الكبيرة مؤمن مطلقا ، ولا كافر مطلقا ، بل هو في منزلة بين المنزلتين : لا مؤمن ولا كافر. ثم قام واعتزل إلى أسطوانة من أسطوانات المسجد يقرّر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن. فقال الحسن : اعتزل عنّا واصل. فسمّي هو وأصحابه معتزلة (ش ، م ١ ، ٤٨ ، ٨)

منزلة الثواب

ـ اختلفوا (المعتزلة) هل كان يجوز أن يبتدئ الله الخلق في الجنّة ويتفضّل عليهم باللذّات دون الا ذوات ، ولا يكلّفهم شيئا على مقالتين : فقال أكثر المعتزلة لن يجوز ذلك لأنّ الله سبحانه لا يجوز عليه في حكمته أن يعرّض عباده إلّا لأعلى المنازل ، وأعلى المنازل منزلة الثواب وقال : لا يجوز أن [لا] يكلّفهم الله المعرفة ويستحيل أن يكونوا إليها مضطرّين ، فلو لم يكونوا [بها] مأمورين لكان الله قد أباح لهم الجهل به وذلك خروج من الحكمة. وقال قائلون : كان جائزا أن يبتدئ الله سبحانه الخلق في الجنّة ويبتدئهم بالتفضّل ، ولا يعرّضهم لمنزلة الثواب ولا يكلّفهم شيئا من المعرفة ويضطرّهم إلى معرفته ، وهذا قول" الجبّائي" وغيره (ش ، ق ، ٢٤٨ ، ١٢)

ـ إنّه تعالى كما يحسن منه أن يكلّف ابتداء من يعلم أنّه يكفر ، فيعرّضه بذلك لمنزلة الثواب ، ولا يقتصر به على منزلة التفضّل ، فله تعالى أن يكلّفه تكليفا بعد تكليف ، ويعرّضه بذلك لمنزلة عالية لا ينالها ببعض ذلك ، ويقتصر به على بعض. ولا فرق بين من قال بقبح التكليف الزائد ، مع ما فيه من التعريض لمنزلة زائدة ، وبين من حكم بقبح تكليف من يعلم أنّه يكفر ابتداء ، وإن حصل تعريضا لمنزلة عالية (ق ، غ ١١ ، ٢٥١ ، ١)

منزول عليه وبه

ـ أربعة أشياء هنا : منزّل ، ومنزّل ، ومنزول عليه ، ومنزول به. فالمنزّل هو الله تعالى لقوله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) (الحجر : ٩) وقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ) (النحل : ٤٤) والمنزّل على الوجه الذي بيّناه من كونه نزول إعلام وإفهام لا نزول حركة وانتقال كلام الله تعالى

٤١٥

القديم الأزلي القديم بذاته ، لقوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) (الشعراء : ١٩٢). والمنزّل عليه قلب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لقوله تعالى : (عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (الشعراء : ١٩٤) والمنزول به هو اللغة العربية التي تلا بها جبريل ، ونحن نتلو بها إلى يوم القيامة ، لقوله تعالى : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء : ١٩٥) (ب ، ن ، ٩٧ ، ٩)

منسوخ

ـ اختلف الناس في الناسخ والمنسوخ هل يجوز أن يكون في الأخبار ناسخ ومنسوخ أم لا يجوز ذلك. فقال قائلون : الناسخ والمنسوخ في الأمر والنهي. وغلت" الروافض" في ذلك حتى زعمت أنّ الله سبحانه يخبر بالشيء ثم يبدو له فيه ـ تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا. واختلفوا في القرآن هل ينسخ بالسنّة أم لا على ثلث مقالات : فقال قائلون : لا ينسخ القرآن إلّا قرآن وأبوا أن تنسخه السنّة. وقال قائلون : السنّة تنسخ القرآن والقرآن لا ينسخها ، وقال قائلون : القرآن ينسخ السنّة والسنّة تنسخ القرآن (ش ، ق ، ٤٧٨ ، ١٢)

ـ إنّ المنسوخ هو ما رفعت تلاوة تنزيله ، وترك العمل بحكم تأويله ، فلا يترك لتنزيله ذكر يتلى في القرآن ، ولا لتأويله أنّه يعمل به في الأحكام (ش ، ق ، ٦٠٧ ، ٦)

ـ إنّما الناسخ والمنسوخ هو أنّ الله سبحانه نسخ من القرآن من اللوح المحفوظ الذي هو أمّ الكتاب ما أنزله على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأنّ الأصل أمّ الكتاب ، والنسخ لا يكون إلّا من أصل (ش ، ق ، ٦٠٧ ، ١٣)

منشئ

ـ قالت المعتزلة كلها إلّا" الناشي" أن الإنسان فاعل محدث ومخترع ومنشئ على الحقيقة دون المجاز (ش ، ق ، ٥٣٩ ، ١٣)

منع

ـ إنّ من المنع ما يجامع القدرة ، ومنه ما ينفيها ولا يجامعها. فأمّا ما ينفيها ولا يجامعها فالعجز والزمانة. وأمّا ما يجامعها ولا ينفيها فالقيد وما أشبهه. وذاك أنّ القيد لو كان ينفي القدرة لجاز أيضا أن ينفي الصحة والسلامة ، لأنّ القدرة هي صحة الجوارح وسلامتها من الآفات ، فكأنّ المقيّد غير صحيح الرجل بأن كان زمنا. ولو كان كذلك لم يكن لتقييده وجه ، بل تقييده يدلّ على أنّه إنّما منع مما هو قادر عليه أن يفعله لو لم يمنع منه لفعله. وهذا أمر واضح لا يخفى على عاقل (خ ، ن ، ٦٢ ، ٢٢)

ـ إنّ من المنع ما يجامع القدرة ، ومنه ما ينفيها ولا يجامعها. فأمّا ما ينفيها ولا يجامعها فالعجز والزمانة. وأمّا ما يجامعها ولا ينفيها فالقيد وما أشبهه. وذاك أن القيد لو كان ينفي القدرة لجاز أيضا أن ينفي الصحة والسلامة ، لأنّ القدرة هي صحة الجوارح وسلامتها من الآفات ، فكأنّ المقيد غير صحيح الرجل بأن كان زمنا. ولو كان كذلك لم يكن لتقييده وجه ، بل تقييده يدلّ على أنّه إنّما منع مما هو قادر عليه أن يفعله لو لم يمنع منه لفعله. وهذا أمر واضح لا يخفى على عاقل (خ ، ن ، ٦٢ ، ٢٣)

ـ المنع هو ما يتعذّر على القادر لمكانه الفعل على وجه لولاه لما تعذّر وحالته تلك ، ثم إنّه لا يخلو ؛ إما أن يكون بطريقة القيد والحبس ، وذلك كأن يحبس أحدنا ويقيّد فلا يتأتّى منه

٤١٦

المشي ، وإمّا أن يكون بالضدّ أو ما يجري مجراه. أمّا يكون بطريقة القيد ، فيجوز أن يحاول أحدنا تحريك جسم وغيره يحاول تسكينه ، فيحدث فيه من التسكينات ما يزيد على ما في مقدوره من الحركات ، فإنّه يكون والحال هذه ممنوعا من تحريكه بطريقة القيد. وأمّا المنع بما يجري مجرى الضدّ ، فهو كأن يمتنع على الكاتب الكتابة لفقد الآلة من القلم والقرطاس ، فعند هذه الأمور يكون القادر ممنوعا ، وعند ارتفاعها يكون مطلقا مخلّى (ق ، ش ، ٣٩٣ ، ١١)

ـ ليس خلوّ حال ما يصحّ أن يجعل منعا من أحد وجوه ثلاثة. فإمّا أن يكون راجعا إلى نفس القادر. وإمّا أن يكون راجعا إلى نفس الجوهر المقدور. وإمّا إلى الواسطة بينهما وهو السبب إذ ما خرج عن ذلك لا تعلّق له بهذا الباب (ق ، ت ١ ، ٨٢ ، ١٤)

ـ قد ذكرنا أنّه يعدّ في أحكام كونه قادرا لنفسه استحالة المنع عليه. والقول في ذلك بيّن لأنّه إذا صحّ كونه قادرا لنفسه وقادرا على ما لا يتناهى لم يتصوّر وقوع المنع فيه ، بل يجب في كل ما يقدر عليه صحّة ظهوره بالفعل. وبيان ذلك هو أنّ المنع لا يقع إلّا بكثرة الأفعال فيكون الفعل الذي يفعله المانع أكثر مما يفعله الممنوع ، وعلى هذا لا يتصوّر في المتساوي المقدور أن يمنع أحدهما صاحبه. وفي القادرين لأنفسهما أن يمنع كل واحد منهما صاحبه لأنّه لا قدر إلّا واحدهما يقدر على الزيادة فيه. وكذلك صاحبه فكيف يصير أحدهما ممنوعا والآخر مانعا؟ وبهذا يتوصّل إلى نفي ثان قادر لنفسه لأنّه يؤدّي إلى أن يتعذّر الفعل من دون منع أو وجه معقول. ويؤدّي إلى رفع ما عرفناه من صحّة أن يمنع أحد القادرين الآخر ، وإنّما يتصوّر وقوع التمانع بين القادرين بقدرة ، أو بين القادر لنفسه والقادر بقدرة ، وإن كان على كل حال يكون المانع هو القادر لنفسه دون القادر بقدرة. فإذا ثبتت هذه الجملة وكان القديم تعالى لكونه قادر لنفسه يقدر في كل وقت على أن يفعل أزيد مما فعل حتى لا يقدر فعله بقدر لا يمكنه الزيادة عليه تعذّر تصوّر المنع فيه ، فوجب أن يكون كل ما قدر عليه يصحّ منه إيجاده (ق ، ت ١ ، ١١٠ ، ١٧)

ـ إنّ المنع يفارق القدرة في التقدّم والمقارنة ، لأنّا نوجب في القدرة التقدّم ، والمنع إذا كان حكمه أن يضادّ ما هو منع منه فلا بدّ من المقارنة لتثبت المنافاة والممانعة. فأمّا العجز لو ثبت معنى لكان حكمه في التقدّم حكم القدرة. وفي المنع أيضا اختلاف بين الشيوخ. فإنّ أبا علي يجريه مجرى القدرة في وجوب التقدّم ، ولكن الصحيح في ذلك قول أبي هاشم (ق ، ت ٢ ، ٨٧ ، ١)

ـ اعلم أنّ شيوخنا اختلفوا في المنع. فأوجب أبو علي فيه أن يتقدّم كما أوجب مثله في القدرة. فعنده يصحّ أن يكون القادر في ابتداء وجود القدرة يوجد فيه المنع فيكون ممنوعا ، وإن كان لا يوجب وجود هذا المنع لا محالة ، بل يقول إنّه يصحّ وجوده ويصحّ أن لا يوجد ، ويصحّ وجود العجز بدلا من القدرة فيخرج عن هذه الأوصاف. فعلى مذهبه يجوز أن يكون القادر في ابتداء حال وجود القدرة ممنوعا ، فلما ذا يجب أن يكون فاعلا؟ (ق ، ت ٢ ، ١٣٤ ، ١٩)

ـ أمّا أبو هاشم فإنّه يرى أنّ المنع يجب أن يقارن حتى يصحّ وجود الفعل الممنوع منه بدله. وإنّما حكم ذلك لأنّ المنع هو الضدّ ، ولن يكون

٤١٧

الضدّ مانعا من وجود ضدّه إلّا في الحال دون أن يتقدّم. وإنّما يخرج عن ذلك ما ليس يمنع بنفسه ، كالاعتماد ، لأنّه إذا منع فإنّما يمنع بموجبه ، فلهذا ساغ أن يتقدّم. فإذا كان كذلك وجب أن يكون القادر إنّما يصحّ أن يوصف بأنّه ممنوع في الحالة الثانية من حال وجود القدرة لأنّها الحالة التي يصحّ وقوع الفعل فيها. فإذا وجد أكثر مما يقدر عليه امتنع عليه الفعل. والامتناع أيضا إذا رجعنا به إلى ضدّ يفعله الفاعل في نفسه فلن يكون ذلك أوّلا وإنّما يكون في الثاني. فلا تشبه حال المنع حال القدرة والعجز لأنّ من شأنهما أن يتقدّما. ألا ترى أنّ أحدهما يؤثّر في صحّة الفعل والآخر في تعذّره ، وكلا الوصفين ينبئان عن الاستقبال؟ (ق ، ت ٢ ، ١٣٥ ، ٤)

ـ المنع يكون على أنحاء. منها وجود ما يضادّ الفعل الذي كلّف على وجه لا يصحّ منه رفعه ، وهو الذي يعدّ منعا في الحقيقة. وقد يصحّ فيما يعدّ منعا أن يرجع فيه إلى عدم ما يحتاج إليه في إيجاد ما كلّف ، نحو عدم الآلة أو عدم المحلّ الذي لا بدّ منه في وجود الفعل المخصوص. وقد يكون عدم الشيء الواحد موجبا كلي الأمرين ، كما نقوله في اللسان إذا عدمه الأخرس لأنّه آلة في الكلام ومحلّ له أيضا. وقد يعدّ في المنع عدم العلم الذي لا بدّ منه في إيقاع الفعل على وجه دون وجه. وكذلك فقد يطرأ العجز عليه إذا حصل معنى أو رجع به إلى تغيير حال المحلّ. وقد يقوم السهو العارض عمّا كلّف مقام المنع (ق ، ت ٢ ، ٢٦٤ ، ١٩)

ـ إنّ المنع لا يخرج القادر من كونه قادرا على فعل ما منع منه متى حصله له من الدواعي إلى الفعل ما يقوم مقام الشهوة والنفور (ومن ثم) حسن أن يكلّف. وقلنا : إنّ الهند لمّا اعتقدوا في قتل أنفسهم أنّ فيه منفعة من حيث يقتضي تخليص النور من الظلمة صحّ أن يكلّفوا الامتناع من قتل أنفسهم وأن يستحقّوا بذلك المدح إذا لم يفعلوه. وإن كانت الشّبه متى زالت لم يستحقّوا على ذلك المدح لحصول الإلجاء : ولذلك قامت الشبه عندنا مقام نفور الطبع في أنّ عنده يصير الفعل في حكم الشاقّ ، فيستحقّ عليه المدح والثواب. ولا يمتنع اختلاف التكليف بالاعتقادات والشبه فليس لأحد أن يستنكر ما قلناه من حيث يختلف التكليف لمكان جهلهم بما يقتضيه القتل وإيرادهم الشّبه على أنفسهم (ق ، غ ١١ ، ٣٩٣ ، ١٧)

ـ إنّما تقول ما ذكرته في الفعل الذي يتعذّر على المكلّف لأمر يرد عليه من قبل المكلّف ولا يكون للعبد سبيل إلى إزالته ، كالاخترام والمنع إلى ما شاكل ذلك من الأمور المزيلة للتكليف. فأمّا إذا كان ماله يتعذّر الفعل يحصل من قبله ، وقد كان له سبيل إلى أن لا يفعل ذلك ، فيستمرّ على ما كلّف. فلا يجب ما ذكرته ، بل لا يخرج من أن يكون تعالى قد ألزمه الفعل الأوّل وما يليه من الأفعال ، وإن كان بأن لا يفعل الأوّل يحصل مضيّعا لما بعده من الواجبات. ومثال ذلك ، ما ذكرناه من أنّه تعالى لا يجوز أن يكلّف المرء إتمام صومه اليوم ، والمعلوم أنّه يخترمه قبل تقضّيه ؛ ويجوز أن يكلّفه صوم اليوم ، وإن كان المعلوم أنّه سيفرط في إتمامه من حيث لا يفعل الدخول فيه على وجه يصحّ منه الإتمام (ق ، غ ١٢ ، ٤٥٦ ، ١٧)

ـ إنّ من حق المنع أن يبقى الشيء على ما هو عليه قبل المنع ، فإذا زال المنع تغيّر حاله. ألا

٤١٨

ترى أنّ المنع على القادر يبقى المقدور على ما كان عليه من كونه معدوما قبل ، وأنّه إذا زال المنع صحّ وجوده أو وجب وجوده ، إن كان السبب قد تقدّم وكان هناك إلجاء (ن ، د ، ١٨٤ ، ٣)

ـ لا خلاف بين شيوخنا في أنّ المنع لا يكون عجزا (ن ، م ، ٢٥١ ، ٢٥)

ـ اختلف قول أبي القاسم في المنع ، فقال في موضع من كتاب عيون المسائل ، إنّ المنع قد يجامع القدرة ، وكل منع ينافي القدرة فإنّه لا يجامعها. فأمّا ما لا ينافيها فيجوز أن يجامعها ، كالمنع بالقيد والرباط. وأشار في هذا الموضع ، إلى أنّ المنع قد يكون عجزا (ن ، م ، ٢٥٢ ، ١)

ـ لو كان المنع منعا عمّا لو وجد لوجد في الثاني ، ما جاز أن يقع في الثاني فعل مع وجود المنع في الأول ، لأنّ ذلك لو وجد لكان قد وجد ما وجد المنع منه (ن ، م ، ٢٥٢ ، ٨)

ـ إنّ المنع يفارق العجز ، لأنّ المنع ضدّ للفعل الممنوع منه ، وليس كذلك العجز ، إنّه ضدّ للقدرة في أكثر المواضع (ن ، م ، ٢٥٢ ، ٨)

ـ المنع لا ينفي القدرة ، وإنّما هو ضدّ الفعل ، الذي لو يوجد لوجد بدلا منه في مكانه ووقته. وقد يجوز أن يقع الفعل في الحالة الثانية بالقدرة الموجودة مع المنع ، ومتى حلّ المنع محلّ القدرة ، كان عجزا في الحقيقة. ولذلك متى اتفق أن يحلّ العجز محل بعض الأفعال التي كان يجوز وجودها في حاله ، وتكون ضدا له ، كان منعا منه وعجزا عمّا لو وجد لوجد في الثاني (ن ، م ، ٢٥٢ ، ١٧)

ـ مما يدلّ على أنّ المنع كما يقع بالمتولّد ، يصحّ أن يقع بالمبتدإ ، أنّ الله تعالى ، يمنعنا بما يخلق فينا من العلوم الضروريّة من فعل الجهل ، وتلك العلوم ليست بمتولّدة ، وإنّما هي مبتدأة. فقد بان أنّه لا فرق فيما يقع المنع به ، بين أن يكون ذلك مباشرا أو متولّدا (ن ، م ، ٢٦٧ ، ١٧)

منع عن الفعل

ـ إنّ المنع عن الفعل على قسمين ؛ أحدهما ، يمنع بنفسه وذلك كالقيد وما يجري مجراه ؛ والآخر ، يمنع بشرط. ثم ما يمنع بشرط على ضربين ؛ أحدهما ، يرجع إلى الفاعل وذلك نحو قلّة القدر والضعف ؛ والآخر يرجع إلى الفعل ، نحو كثرة الثقل فيه (ق ، ش ، ٢٦٠ ، ٤)

منع في القادر

ـ الذي يصحّ أن يكون منعا في القادر هو أحد أمرين : إمّا عدم الآلة في الأفعال أو ما يجري مجرى الآلات من الأدلّة وغيرها. وإمّا عدم العلم لأنّا قد عرفنا أنّه قد يتعذّر من القادر على الكلام إيجاده مرتّبا عند فساد في اللسان أو عند عدم العلم بكيفية ترتيبه. وأن يأتي منه التصويت والتصفيق فيقول قائل : هلّا كان المانع عن إيجاد الجواهر أحد هذين المانعين (ق ، ت ١ ، ٨٢ ، ١٧)

منع في نفس المقدور

ـ الذي يصحّ أن يكون منعا في نفس المقدور هو أيضا أحد أمرين : إمّا أن يكون منعا على الحقيقة وهو الضدّ الذي يعبر عنه بالفناء أو ما يقوم هذا المقام مما يجري مجرى الضدّ. ثم هذا على ضربين. أحدهما وجود الجوهر في الجهة التي تروم إيجاد جوهر آخر فيها وأن

٤١٩

يكون اشتغال الجهات كلها بالجواهر لأمر يرجع إلى ثبوت الملاء في العالم. فيكون مانعا من صحّة إيجادنا للجواهر لما ثبت أنّ اجتماع الجواهر الكثيرة في الجهة الواحدة لا يصحّ. والثاني أن يجعل عدم ما يحتاج الجسم في الوجود إليه مانعا من وجوده. ثم هذا قد يصحّ أن يجعل الكون الذي لا يصحّ حدوثه منّا عند أوّل حال حدوث الجسم فيكون عدمه مانعا لنا من صحّة وجود الجوهر من جهتنا. وقد يصحّ أن يجعل ذلك عدم البنية التي لا يكون الجسم جسما إلّا معها من الطول والعرض والعمق. والذي يصحّ أن يجعل منعا في السبب الذي هو واسطة بين القادر ومقدوره هو أن يقال : إنّ الاعتماد هو الذي يولّده وذلك مما قد يعرض فيه منع فلا يوجد المسبّب لأجل المانع وهذا يكون على وجهين : أحدهما أن يقال إنّه تتكافأ الاعتمادات وتتقابل فلا يتولّد عنها شيء. والثاني وهو الأشبه أن يقال إنّ أحدنا لا يمكنه الفعل ببعض قدر جارحته دون بعض (ق ، ت ١ ، ٨٢ ، ٢١)

منع من الفعل

ـ كان (الأشعري) يقول في المنع من الفعل إنّه هو ما ينفي الفعل وقدرته من العجز وهو ما يوجد في محلّه بدلا منه. وكان ينكر قول من يقول إنّ ثقل الثقيل مانع للحامل من حمله وقيد المقيّد مانع له من مشيه ، لاختلاف محلّهما ، وإنّ ذلك إنّما يمنع لأجل وجود ضدّ المشي والحمل في محلّ المشي والحمل ، لا لأجل الثقل والقيد. وكان يقول : " العمى مانع من البصر في محلّه لا في محلّ غيره" ، وكذلك كان يقول في الحياة والموت والسمع والصمم (أ ، م ، ٨٣ ، ٩)

منع من الكفر

ـ إنّ المنع من الكفر يزيل التكليف أصلا ، وتقصّينا القول فيه ، وبيّنا أنّه إنّما يجب أن يكون تعالى مانعا له من الكفر المنع الذي يصحّ معه التكليف ، وقد فعل تعالى ذلك النهي والزجر والتخويف وفعل ما يجري مجرى الحمل له على الإيمان : من الأمر والتزيين والتسهيل ، فصار بذلك مؤكّدا لما قلناه : من أنّه تعالى يجب أن يكون مريدا للإيمان كارها للكفر (ق ، غ ١١ ، ١٩٠ ، ٩)

منعم

ـ أما المنعم ، فهو فاعل النعمة ، كالمكرم والمجمل والمحسن ، فلا يزاد في تفسيره على هذا لأنّه اسم مشتق من النعمة ، كما أنّ المكرم والمحسن مشتقّ من الإكرام والإحسان ، والأسامي المشتقّة لا يرجع في بيان فائدتها إلّا إلى المشتق منه ، فلا يزاد في تفسير الضارب على أنّه فاعل للضرب الذي اشتق منه ، وكذا القول في الشاتم والكاسر وغيرهما من الأسامي المشتقّة (ق ، ش ، ٨٠ ، ١٢)

منفرد

ـ اعلم أنّ أبا القاسم كان يقول بأنّ الجوهر يكون منفردا لعلّة. والمراد عندنا بالمنفرد أنّه لا جوهر آخر بجنبه (ن ، م ، ٦١ ، ١٦)

منفعة

ـ إن قيل : قد فسّرتم النعمة بالمنفعة ، فما معنى المنفعة؟ قيل له : معناه اللذّة والسرور أو ما يؤدّي إليهما أو إلى أحدهما (ق ، ش ، ٨٠ ، ١)

٤٢٠