موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ٢

الدكتور سميح دغيم

موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ٢

المؤلف:

الدكتور سميح دغيم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

هو موصوف بالمعلوميّة ، وهو محكوم عليه من الحيثيّة المعلومة بالثبوت الذهنيّ ، ومن غير تلك الحيثيّة غير محكوم عليه بذلك الثبوت ، بل ربّما يسلب عنه الثبوت. وليس بين الحكمين تناقض ، لأنّ موضوعهما ليس شيئا واحدا. وهكذا غير الثابت المطلق الشامل للخارجيّ والذهنيّ محكوم عليه بالثبوت من هذه الحيثيّة ومسلوب عنه الثبوت مع عدم اعتبار هذه الحيثيّة (ط ، م ، ١٦٢ ، ٥)

ـ قالوا : المعدوم متميّز لأنّه معلوم ، ومقدور ، ومراد ؛ والمتميّز ثابت لاستدعائه التحقّق. قلنا : قولكم المعدوم ثابت منقوص بتصوّر الشريك ، للحكم عليه بالامتناع ؛ وبتصوّر جبل من ياقوت ؛ وقيام العرض بالجوهر ممتنع عندكم حال العدم ؛ وبتصوّر وجودات الماهيّات المعدومة والجمع بينهما محال. وبتصوّر ماهيّة التركيب وهو اجتماع الأجزاء والتأليف هو تماسها ، وليسا ؛ وبتصوّر المتحرّكيّة والساكنيّة وهي أحوال ؛ فإن أردتم الأعمّ من الممتنع والممكن ، فمسلّم ، ولا ينتج لكم ؛ وإلّا ، فأفيدوا تصوّره ، ثمّ دليله. وقولكم المعدوم مقدور فبطل مذهبكم ، لأنّ الثابت ليس بأثر ، وكذا أنّه مراد (خ ، ل ، ٥٢ ، ١٨)

ـ لا يقال : علّة العدم عدم العلّة ، لأنّا نقول : العلّية ثبوتيّة ، لأنّها نقيض اللاعلّية ، فموصوفها ثابت ، ولأنّ المعدوم لا يتميّز ولا يتعدّد ، فيمتنع جعل بعضه علّة والبعض معلولا (خ ، ل ، ٦٠ ، ١٠)

ـ المعدوم عند بعضهم ليس بمعلوم لأنّه ليس بمتميّز ... قلنا حكم ، فيستدعي تصوّره وأيضا ثابت في الذهن. قالوا : يمتنع تصوّر الشريك لأنّه يفتقر بحلوله. ـ قلنا : الحال صورته ولو سلّم فليس بمعدوم صرفا (خ ، ل ، ٧١ ، ١)

ـ المعدوم لا يتميّز (خ ، ل ، ٩٣ ، ١٣)

معدومات

ـ إنّ خروج الموصوف عن صفة هو عليها لا يجري مجرى استحالة الحكم على الذات بعد صحّته ؛ فلذلك صحّ في المعدومات (فيما) لم يزل أن يستحيل وجودها ؛ لما فيه من قلب جنسها ولم يصحّ مما تقرّر الوجود له أن يخرج عن الوجود لأنّه من باب الإثبات. وقد قال شيخنا أبو إسحاق : إنّ الجوهر لو صحّ فيه أن يجب عدمه في بعض الأحوال لاستمرار الأوقات عليه ، وقد ثبت أنّه قد أتى عليه من الأوقات ما لا نهاية له لو كان هناك أوقات لوجب أن يستحيل وجوده الآن. وفي بطلان ذلك دلالة على أنّه لا وقت يشار إليه إلّا ويجوز أن يبقى إليه (ق ، غ ١١ ، ٤٥٢ ، ١٣)

ـ جميع المعتزلة إلّا هشام بن عمرو الفوطي يزعمون أنّ المعدومات أشياء على الحقيقة ، وأنّها لم تزل ، وأنّها لا نهاية لها (ح ، ف ٤ ، ٢٠٢ ، ٣)

ـ زعم أبو يعقوب الشحّام وأبو علي الجبائيّ وابنه أبو هاشم وأبو الحسين الخيّاط وأبو عبد الله البصريّ وأبو إسحاق بن عيّاش والقاضي عبد الجبّار بن أحمد وتلامذته ، أنّ المعدومات الممكنة قبل دخولها في الوجود ذوات وأعيان وحقائق ، وأنّ تأثير الفاعل ليس في جعلها ذوات بل في جعل تلك الذوات موجودة ، واتّفقوا على أنّ تلك الذوات متباينة بأشخاصها ، واتّفقوا على أنّ الثابت من كل نوع من تلك المعدومات عدد غير متناه (ف ، م ، ٥١ ، ٢)

٣٤١

ـ أمّا المعدومات فنفي محض إن امتنع ثبوتها اتّفاقا وإن أمكن ، خلافا لجمهور المعتزلة القائلين بأنّها ذوات وحقائق ، وأنّ التأثير في جعلها موجودة فقط ، وأنّ عدد كلّ نوع منها لا يتناهى. ومحلّ الخلاف هو يجوز خلو الماهيّة عن الوجود ـ لنا وجود الشيء عينه ، فلا ثبوت دونه. وأيضا تشترك في الثبوت وتتباين بالأشخاص فتتّصف به حال عروّها عنه (خ ، ل ، ٥٢ ، ١)

معرّض

ـ اعلم أنّ المعرّض قد يكون معرّضا غيره للأمر وإن لم يكن مريدا له في الحال. وإنّما يجب أن يكون مريدا للأمر الذي يتوصّل به إليه على الوجه الذي يصحّ التوصّل به إليه ، ولكي يتوصّل به إليه. يبيّن ذلك أنّ الواحد منّا قد يعرّض غيره للمنازل وإن لم يكن مريدا لها في الحال إذا أراد ما ذكرناه (ق ، غ ١١ ، ٤١٢ ، ١٣)

معرّض لغيره

ـ الأولى ألّا يكون المعرّض لغيره معرّضا للمنفعة إلّا بأن يزيح علله في الألطاف ؛ كما يزيح علله في وجوه التمكين ؛ لأنّ الواحد منّا إذا علم أنّ الجائع إذا قدّم إليه الطعام على وجه مخصوص أكله ، وإذا قدّم إليه على وجه آخر لم يأكله ، والحال على المقدّم وعليه واحدة أنّه لا يكون معرّضا له بتقديمه ذلك على الوجه الذي لا يأكله. ويجري ذلك عندهم مجرى أن يقدّم ذلك إليه ، ثم يفعل ما يمنعه به من الأكل. ولا بدّ من أن يكون المكلّف معرّضا للثواب مع فقد اللطف ، ولا يكون المكلّف معرّضا له إلّا بأن يلطف له في ذلك ، إذا كان في المعلوم ما إذا فعل به أمن عنده ولو ثبت أنّ اللطف لا مدخل له في هذا الباب لم يؤثّر فيما أردنا بيانه ؛ لأنّه لا يجب في التعريض للثواب أن يكون حسنا على كل وجه (ق ، غ ١١ ، ١٧٧ ، ١٤)

معرّض للثواب

ـ المستفاد بقولنا إنّه عرّضه للثواب يرجع في الحقيقة إلى معنى التمكين ، وإن كان لا بدّ من انضمام شروط أخر إليه. فيجب إذا قلنا في المكلّف إنّه يعرّض للثواب أن يكون المقصد به إزاحة علّته في فعل ما كلّفه ، وأن يكون هذا الفعل شاقّا عليه ليصحّ أن تكون بإزائه منفعة هي الثواب ، وأن يريد تعالى منه ما كلّفه ، وأن يعلم أنّه مهما يكلّف المكلّف فعل ما أوجبه عليه من دون إفساد له فإنّه تعالى سيوفّر عليه الثواب الذي يستحقّه. فما لم تتكامل هذه الشروط لا يثبت التعريض لمنزلة الثواب. ولكل واحد من هذه الشروط حظّ في صحّة التعريض لهذه الرتبة (ق ، ت ٢ ، ١٩٣ ، ١٤)

معرفة

ـ الجاحظ يقول بالمعرفة ويزعم أنّ أحدا لا يعصى الله إلّا بعد العلم بما نهاه عنه. وصاحب الكتاب (ابن الروندي) يوافقه على القول بالمعرفة وأنّ أحدا لا يعصى الله إلّا بالقصد إلى معصيته والاعتماد لها (خ ، ن ، ٧٢ ، ١٧)

ـ المعرفة معرفة الله بصفاته ، ومحلّها الفؤاد وهو داخل القلب (م ، ف ، ٦ ، ١٤)

ـ إنّ المعرفة والدراية والعلم نظائر ، ومعناها : ما يقتضي سكون النفس ، وثلج الصدر ، وطمأنينة القلب. وهذا أولى مما أورده في العمد. أنّه

٣٤٢

الاعتقاد الذي تسكن به النفس إلى أن معتقده على ما اعتقده عليه. لأنّ العلم إنّما يتبين عما عداه بما ذكرناه ، فيجب الاقتصار عليه ويحذف ما سواه (ق ، ش ، ٤٦ ، ١)

ـ دخل تحت المعرفة والتمكين منها كمال العقل وصحّة النظر والاستدلال على معرفة الأشياء (ق ، ت ٢ ، ٣٢٣ ، ٢١)

ـ هذا المعنى الذي يقتضي سكون النفس يسمّى معرفة ، كما يسمّى علما ؛ ولا فصل بين فائدة هذين ، فلذلك يسمّى كل عالم عارفا ، ولا معتبر بالمجاز في هذا الباب. فليس لأحد أن يقول ، إذا استعمل أحدهما على جهة التوسّع في غير ما استعمل الآخر فيه : فيجب أن لا يصحّ ما ذكرتموه وقد يسمّى دراية ؛ ولذلك يسمّى العالم داريا. والشاعر قد قال : اللهم لا أدري ، وأنت الداري (ق ، غ ١٢ ، ١٦ ، ٤)

ـ قد بيّنا ، في باب الصفات ، أنّ الذي يدلّ على العلم ، أنّ الواحد منّا يجد نفسه معتقدا للشيء ، ساكن النفس إلى ما اعتقده ، كالمدركات وغيرها. ويفصل بين حاله كذلك ، وبين كونه مبخّتا ظانّا مقلّدا. فإذا صحّ ذلك ، وعلمنا أنّه إنّما اختصّ بذلك لمعنى ، فيجب أن يكون ذلك المعنى هو الذي يفيده بقولنا : علم ومعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٢٣ ، ٦)

ـ حكي عنه (أبو علي) أنّه قال : في المعرفة : إنّها الاستدلال ، لأنّ العارف لا بدّ من كونه مستدلّا. وأفسد ذلك ، بأنّه قد يتعذّر عليه الاستدلال ، وإن عرف وعلم ؛ وقد يستدلّ على الشيء ، وهو غير عارف به. وذكر ، أنّ الاستدلال هو الفكر والنظر ؛ فإذا لم يكونا من العلم بسبيل ، فكذلك الاستدلال. والاستدلال والفكر لا يصحّ إلّا وقد تقدّم علمه بالدليل ، وهو غير عالم بالمدلول ؛ وإن كان علما ، لم يصحّ ، لتقدّمه على الاستدلال ؛ وإن كان علما بالمدلول ، لم يصحّ ، لاستحالة كونه عالما في تلك الحال (ق ، غ ١٢ ، ٢٥ ، ١٠)

ـ إنّ الطريقة إذا أوجبت كون النظر فعلا للعبد فإنّما يعلم أنّ المعرفة الواقعة عنه فعلا له ، من حيث ثبت بما قدّمناه من قبل أنّ المعرفة تتولّد عن النظر ، فيجب أن تكون من فعل فاعل النظر. وقد بيّنا أنّ المعرفة تقع بحسب النظر وإنّما توجد عنه على وجه لولاه كانت لا توجد ، وأنّها لو لم تثبت متولّدة عنه لم يجب أن يكون حالها في وجودها ولا في وجودها بحسب النظر على الحدّ الذي عرفناها عليه (ق ، غ ١٢ ، ٢١٠ ، ١٦)

ـ يقول (الجاحظ) ، في المعرفة : إنّها واقعة بطبع المحل. ويفصل بينها وبين الإرادة (ق ، غ ١٢ ، ٣٢١ ، ٦)

ـ بيّن (أبو علي) أنّ المعرفة ، وإن لم يعلم الناظر أنّها تصاب بعينها بالنظر ، فمتى علم من حال سببها ، وهو النظر ، ما ذكرناه ، فواجب عليه المعرفة بوجوب سببها ، من حيث يجب وجودها بوجوده وإن لم يكن من قبل عالما بها. وبيّن أنّ ما علم وجوبه من السمعيّات ، أو بعد ورود السمع من العقليّات ، إنّما يجب على المكلّف لعلمه بقبح تركه. وأنّ هذه الطريقة قائمة في النظر والمعرفة ، فيجب القضاء بوجوبهما ، وإن لم يرد السمع (ق ، غ ١٢ ، ٣٢٥ ، ١٠)

ـ ليس كذلك المعرفة ، لأنّها تتولّد عن النظر ، والنظر معلوم ، وطريقه واضح متميّز من غيره. فيجب ، إذا علم الناظر صفة النظر وصفة

٣٤٣

طريقة ، أن لا يمتنع وجوبه عليه إذا خاف من تركه ، وعلم قبح تركه ، واستحقاق الذمّ على ذلك من العقلاء. كما يعلم وجوب ردّ الوديعة إذا عرفها بعينها ، وعرف كيفية الردّ عند المطالبة. وكما يعلم قبح الكذب إذا تعيّن وميّز من غيره. ولو لا أنّ الأمر كما ذكرناه ، لم يصحّ قبح شيء من العقول ، ولا وجوب شيء فيها. وفي هذا إبطال العقل والسمع ، لأنّ السمع إنّما يرد على من قد عرف هذه الأمور ؛ فإذا بطل القول فيها ، على مذهبه (الجاحظ) ، فكيف يصحّ معرفة السمع؟ (ق ، غ ١٢ ، ٣٢٦ ، ٣)

ـ أمّا الشيخ أبو عبد الله ، رحمه‌الله ، فإنّه اعتمد في ذلك على أنّ المعرفة إنّما تجب من حيث كانت لطفا ؛ ومتى كانت معرفة كان لها من الحكم والحظ في كونها كذلك ما لا يحصل للاعتقاد. ومن حق اللطف أن يحصل على أولى الوجوه في الدعاء إلى الطاعة ومجانبة المعصية ، فيجب أن لا يحسن منه تعالى أن يكلّف أحدا إلّا المعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٥٣٢ ، ٦)

ـ زعم غيلان القدري أنّ معرفة الإنسان بأنّه مصنوع ، وأنّ صانعه غيره ضروريّ قد طبع عليه الإنسان في خلقته وهو مأمور بعد ذلك بالمعارف في العدل والتوحيد والوعد والوعيد والشرعيات (ب ، أ ، ٣٢ ، ١٢)

ـ قال أبو الهذيل معرفة الله ومعرفة الدليل الداعي إلى معرفته بالضرورة وما بعدهما من العلوم الحسّية والقياسيّة فهو علم اختيار وجائز أن يجعله الله تعالى ضروريا على نقض العادة (ب ، أ ، ٣٢ ، ١٤)

ـ قالت طوائف منهم الأشعريّة وغيرهم ، من اتّفق له اعتقاد شيء على ما هو به على غير دليل لكن بتقليد أو تميل بإرادته ، فليس عالما به ولا عارفا به ولكنّه معتقد له ، وقالوا كل علم ومعرفة اعتقاد ، وليس كل اعتقاد علما ولا معرفة ، لأنّ العلم والمعرفة بالشيء إنّما يعبّر بهما عن تيقّن صحّته ، قالوا وتيقّن الصحّة لا يكون إلّا ببرهان ، قالوا وما كان بخلاف ذلك فإنّما هو ظنّ ودعوى لا تيقّن بها (ح ، ف ٥ ، ١٠٩ ، ٢٠)

ـ قوله (ثمامة) : إنّ المعرفة متولّدة من النظر ، وهو فعل لا فاعل له كسائر المتولّدات (ش ، م ١ ، ٧١ ، ١٠)

ـ أمّا غيلان بن مروان من القدريّة المرجئة ، فإنّه زعم أنّ الإيمان هو المعرفة الثانية بالله تعالى ، والمحبّة والخضوع له ، والإقرار بما جاء به الرسول ، وبما جاء من عند الله ، والمعرفة الأولى فطريّة ضروريّة. فالمعرفة على أصله نوعان : فطريّة ، وهي علمه بأنّ للعالم صانعا ، ولنفسه خالقا ، وهذه المعرفة لا تسمّى إيمانا ، إنّما الإيمان هو المعرفة الثانية المكتسبة (ش ، م ١ ، ١٤٦ ، ٣)

معرفة الله

ـ بيّنا في باب النظر والمعارف ، أنّه يمكن التوصّل إلى معرفة الله تعالى بأدلّة العقل ، فلا يحتاج في ذلك إلى سمع ؛ وبيّنا أن التخويف الذي عنده يجب النظر ، قد يحصل بقول الداعي وورود الخاطر ، فلا يصحّ أن يقال إنه يحتاج إلى الحجّة لأجل ذلك (ق ، غ ١٤ ، ١٥١ ، ١٩)

معرفة بأعيان الواجبات

ـ أمّا المعرفة بأعيان الواجبات وأحكامها من

٣٤٤

طريق الوجوب ، فإنّ طريق ذلك الاستدلال بخبر الصادق الموثوق بخبره المأمون في غيبه إذا أنبأ عن عواقبها وما يلحق بفعل بعضها وترك بعضها الفاعل والتارك من الضرر والنقص والعيب والذمّ (أ ، م ، ٣٢ ، ٧)

معرفة بالأدلة

ـ اختلف شيخانا أبو علي وأبو هاشم ، رحمهما‌الله ، بعد اتّفاقهما على ما قلناه في المعرفة بالأدلّة التي ننظر فيها ؛ هل تحصل من غير التنبيه والإخطار ، أم لا؟ فمن قول أبي علي ، رحمه‌الله : إنّه لا بدّ من أن ينبّهه الخاطر على دليل دليل ، وبمنزلة بعضه من بعض ، أو الدواعي. وعند أبي هاشم ، رحمه‌الله : أنّه قد يستغني بكمال عقله ومعرفته بالعادات عن ذلك ، من حيث علم أنّ طريق المعرفة بالفاعل فعله إذا لم يدرك ، وأنّه لا يجوز أن يتوصّل إلى معرفة النحو بالنظر في الطب. والصحيح عندنا ، ما قاله أبو علي ، رحمه‌الله ؛ وإن لم يمتنع ، فيما يظهر من الأدلّة ، ما قاله أبو هاشم ، رحمه‌الله. لكن ذلك لا يستمرّ ، فإنّ في الأدلّة ما يغمض ولا تنجلي مفارقته لغيره ؛ حتى أنّ العالم المتّزن ربما يشتبه عليه بعض الأدلّة ببعض ؛ والكلام في ذلك ذكر من بعد ، في أبواب الخاطر ، إن شاء الله (ق ، غ ١٢ ، ٢٦٦ ، ٦)

معرفة بدلالة

ـ اعلم أنّ هذه الحالة (الإرادة) نعرف تارة ضرورة من النفس ومن الغير عند سماع خطابة وظهور أفعال مخصوصة منه ، نحو ما يعلم من حال الداخل إلى قوم فيقومون له أو يقوم بعضهم له لأنّه يضطرّ إلى أنّه قصد بذلك تعظيمه. وإذا أردنا معرفته بدلالة فلا بدّ من شرط ، فمن وجد فيه ذلك الشرط صحّ معرفتنا بكونه مريدا بدليل ، ومن لم يعرف ذلك من حاله لم نعرفه مريدا. وهذا الشرط هو ثبوت حكمته على ما نقوله في الله عزوجل وفي الرسول صلّى الله عليه. فأمّا هذا المعلوم من النفس فهو وإن كان واقعا في الأصل على وجه يعلم ضرورة ، فقد يشتبه بغيره كما يشتبه السواد بمحلّه وإن كان طريقه الاضطرار (ق ، ت ١ ، ٢٦٧ ، ٥)

معرفة بالصانع

ـ أمّا المعرفة بالصانع ، فإنّما تجب متى خلق الله الخلق على وجوه مخصوصة ، والكلام في : هل يجب ذلك أو لا يجب. فلا يصحّ أن يجعل وجه وجوبه ما لا يثبت إلّا بعده (ق ، غ ١٤ ، ١١٢ ، ١)

معرفة حال الواجب

ـ إنّ القديم تعالى يعرّف حال الواجب ، إمّا باضطرار ، وإمّا بنصب الأدلّة. ولمكان التعريف يجب على المكلّف ؛ لأنّ الواجب يجب بإيجاب موجب يفعل إيجابه ، أو يفعل علّة تقتضي وجوبه. فالمنبّه أيضا إنّما يفعل ما عنده يجب الواجب ، لا أنّه يوجبه عليه في الحقيقة ، وإنّما يجعل الإيجاب متعلّقا بالتنبيه دون الفعل من حيث تقدّم الفعل ولا إيجاب ، ومتى حصل التنبيه تبعه الإيجاب ، فالحال فيهما إذا لا يختلف (ق ، غ ١١ ، ١٤٢ ، ١٣)

معروف

ـ أمّا المعروف ، فهو كل فعل عرف فاعله حسنه أو دلّ عليه ، ولهذا لا يقال في أفعال القديم

٣٤٥

تعالى معروف ، لما لم يعرف حسنها ولا دلّ عليه (ق ، ش ، ١٤١ ، ١٢)

ـ إنّ المعروف على قسمين : أحدهما واجب ، والآخر ليس بواجب. فالأمر بالواجب واجب ، وبالنافلة نافلة. وهذا إنّما أخذ عن أبي علي ، لأنّ المشايخ من السلف أطلقوا القول في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إلى أن جاء شيخنا أبو علي ، وقسّم المعروف إلى هذين القسمين ، وجعل الأمر بالواجب واجبا ، وبالنافلة نافلة ، وهو الصحيح ، لأنّ حال الأمر لا يزيد في الوجوب والحسن على حال المأمور به. هذا في المعروف (ق ، ش ، ١٤٦ ، ٩)

ـ اعلم أنّ مشايخنا أطلقوا القول في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والواجب أن يفصل القول فيه فيقال : المعروف ينقسم إلى ما يجب ، وإلى ما هو مندوب إليه ، فإنّ الأمر بالواجب واجب ، وبالمندوب إليه مندوب غير واجب ، لأنّ حال الأمر لا يزيد على حال الفعل المأمور به في الوجوب. وأمّا المناكير فهي كلها من باب واحد في وجوب النهي عنها ، فإنّ النهي إنّما يجب لقبحها ، والقبح ثابت في الجميع (ق ، ش ، ٧٤٥ ، ٥)

معروف بالشرع وبالعقل

ـ أمّا ما ... يعرف بالشرع وبالعقل ، فهو كل ما كان في العقل دليل عليه ، ولم تكن المعرفة بصحّة الشرع موقوفة على المعرفة به. كالعلم بأنّ الله واحد ، لا ثاني له في حكمته. لأنّه إذا ثبتت حكمته ، فلو كان معه حكيم آخر ، لم يجز أن يرسلا ـ أو يرسل أحد منهما ـ من يكذب. فإذا أخبر الرسول أنّ الإله واحد ، لا قديم سواه ، علمنا صدقه. وكذلك وجوب ردّ الوديعة ، والانتفاع بما لا مضرّة فيه على أحد (ب ، م ، ٨٨٧ ، ١٠)

معصوم

ـ قال السمناني في كتاب الإمامة لو لا دلالة العقل على وجوب كون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم معصوما في البلاغ عن الله عزوجل ، لما وجب كونه معصوما في البلاغ ، كما لا يجب فيما سواه من أفعاله وأقواله ، وقال أيضا في مكان آخر منه وكذلك يجوز أن يكفر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد أداء الرسالة (ح ، ف ٤ ، ٢٢٤ ، ١٧)

ـ اختلف الناس في المعصوم من هو ، فقال قوم المعصوم هو الذي لا يمكنه الإتيان بالمعاصي ، وهؤلاء هم الأقلّون من العلماء أهل النظر. واختلفوا في عدم التمكّن كيف هو ، فقال قوم منهم المعصوم هو المختصّ في نفسه أو بدنه أو فيهما بخاصيّة تقتضي امتناع إقدامه على المعاصي. وقال قوم منهم بل المعصوم مساو في الخواص النفسيّة والبدنيّة لغير المعصوم ، وإنّما العصمة هي القدرة على الطاعة أو عدم القدرة على المعصية ، وهذا قول الأشعريّ نفسه وإن كان كثير من أصحابه قد خالفه فيه. وقال الأكثرون من أهل النظر المعصوم مختار متمكّن من المعصية والطاعة ، وفسّروا العصمة بتفسيرين : أحدهما أنّها أمور يفعلها الله تعالى بالمكلّف فتقتضي أن لا يفعل المعصية اقتضاء غير بالغ إلى حدّ الإيجاب ، وفسّروا هذه الأمور فقالوا إنّها أربعة أشياء : أولها أن يكون لنفس الإنسان ملكة مانعة من الفجور داعية إلى العفّة ، وثانيها العلم بمثالب المعصية ومناقب

٣٤٦

الطاعة ، وثالثها تأكيد ذلك العلم بالوحي والبيان من الله تعالى ، ورابعها أنّه متى صدر عنه خطأ من باب النسيان والسهو لم يترك مهملا بل يعاقب وينبّه ويضيّق عليه العذر ، قالوا فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة كان الشخص معصوما عن المعاصي لا محالة (أ ، ش ٢ ، ١٦١ ، ٢٥)

ـ المعصوم من يمتنع منه فعل القبيح بخاصّيّة في نفسه أو بدنه عند قوم ، أو بمعنى عدم القدرة عليه ، عند أبي الحسن ؛ ومن يمكن منه عند آخرين ، لكن يخلق فيه مانع من الفعل (خ ، ل ، ١٢٠ ، ٣)

معصية

ـ قول إبراهيم (النظّام) : إنّ المعصية والكفر بالعبد كانت معصية وكفرا ، وإنّما كان بالله التقبيح للمعصية والكفر وهو الحكم بأنّهما قبيحان (خ ، ن ، ٢٩ ، ٢٢)

ـ إنّ المعصية فعل ما نهيت عنه ، والطاعة فعل ما أمرت به ، فكل من أمر بشيء ففعله فقد أطاع الآمر له ، وكلّ من نهي عن شيء ففعله فقد عصى الناهي له. وكذلك كان يقول في الدهريّ التارك للمجوسيّة والنصرانيّة : أنّه مطيع بتركهما ، لأنّه أمر أن يتركهما ، وهو عاص كافر بقوله بالدهر ، لأنّه قد نهي عنه. وكان يقول : ليس ترك الدهريّ للتقرّب إلى الله بترك المجوسيّة والنصرانيّة بمخرج له من أن يكون طاعة ، لأنّه أمر به وبالتقرّب به إلى الله فهو مطيع بفعله له عاص بتركه التقرّب إلى الله به (خ ، ن ، ٥٨ ، ٢٣)

ـ إنّ معصية العاصي وكفر الكافر ليسا بمشيئة الله وإرادته ، لأنّه لو أراد معصية العاصي وكفر الكافر ثم عذّب عليهما ، كان ذلك جورا منه (م ، ف ، ٣ ، ٢٤)

ـ إنّ الطاعة ليست بعلّة الثواب ، ولا المعصية علّة للعقاب ، ولا يجب لأحد على الله تعالى ، بل الثواب وما أنعم به على العبد فضل منه ، والعقاب عدل منه. ويجب على العبد ما أوجبه الله تعالى عليه ، ولا موجب ولا واجب على الله (ب ، ن ، ٤٨ ، ١٨)

ـ يقول (الأشعري): " حقيقة الطاعة موافقة الأمر ، وحقيقة المعصية مخالفته" ، ولا يراعي في ذلك الإرادة دون الأمر والنهي (أ ، م ، ٧٠ ، ٢٢)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ وصفنا لبعض الأكساب بأنّه قبيح منّا ولبعضها بأنّه حسن منّا إنّما يستحقّ ذلك فيها إذا وقعت تحت أمر الله تعالى ونهيه. وكذلك يجري مجراه في وصفنا له بأنّه طاعة ومعصية في باب أنّه إنّما يجري عليه ذلك لأجل الأمر والنهي (أ ، م ، ٩٧ ، ٢)

ـ إنّ معنى معصية الله تعالى مخالفة أمره ، وإنّ كل معصية ذنب وخطأ وخلاف لأمر الله تعالى (أ ، م ، ١٥٧ ، ١٢)

ـ أمّا الذمّ ، فهو قول ينبئ عن اتضاع حال الغير ، وهو على ضربين : ضرب يتبعه العقاب من جهة الله تعالى ، وذلك لا يستحقّ إلّا على المعصية ، وحقيقة المعصية فعل ما يكرهه الغير من نوع من الرتبة. وهو أن يكون العاصي دون المعصي ، ولهذا لا يقال عصى الأمير فلانا كما يقال عصى فلان الأمير ، ولا يفهم من إطلاق هذه الكلمة غير معصية الله تعالى ، حتى أنّك لو أردت غيرها لقيدت فقلت : عصى فلان أباه أو جدّه أو الأمير ، إلى غير ذلك. وضرب

٣٤٧

لا يتبعه العقاب من جهة الله تعالى (ق ، ش ، ٦١١ ، ١٤)

ـ يوصف القبيح بأنّه معصية ؛ وقد كان في الأصل في هذه اللفظة لا يقتضي قبحه ، وإنّما يوجب أنّ كارها كرهه ، لكن في التعارف استعمل فيما هو معصية لله ، وعلم أنّه لا يكره إلّا القبيح ، فصار بالإطلاق متعارفا فيه ، ويوصف بأنّه خطأ ، لا من جهة اللغة ، لأنّهم لا يستعملون ذلك في طريقة القصد الذي هو يقتضي العمد ، لكن من جهة التعارف ، تشبيها بمن أخطأ قصده فقيل في القبيح إنّه خطأ ، على هذا الحدّ (ق ، غ ١٧ ، ٩٦ ، ٥)

ـ المعصية نقيض الطاعة ، فكما أنّ الطاعة موافقة الأمر ، كذلك المعصية مخالفة الأمر ، وإن شئت قلت موافقة النهي (ب ، أ ، ٢٥٢ ، ٣)

ـ يحكى عن مقاتل بن سليمان : أنّ المعصية لا تضرّ صاحب التوحيد والإيمان. وأنّه لا يدخل النار مؤمن (ش ، م ١ ، ١٤٣ ، ١٠)

معصية كبيرة

ـ الأزارقة تقول أنّ كل كبيرة كفر وأنّ الدار دار كفر يعنون دار مخالفيهم ، وأنّ كل مرتكب معصية كبيرة ففي النار خالدا مخلّدا ، ويكفّرون عليّا رضوان الله عليه في التحكيم ويكفرون الحكمين أبا موسى وعمرو بن العاص ويرون قتل الأطفال (ش ، ق ، ٨٧ ، ٦)

معطّلة

ـ لمّا كانت المعتزلة ينفون الصفات والسلف يثبتون ، سمّي السلف صفاتية ، والمعتزلة معطّلة (ش ، م ١ ، ٩٢ ، ٩)

معقول

ـ اعلم أنّ إقامة الدلالة على الشيء فرع على كونه في نفسه معقولا ، فإنّما ما لا يعقل فإيراد الدلالة عليه لا وجه له. وإنّما يدخل الشيء في كونه معقولا بوجهين. أحدهما بأن نعلم ثبوته إمّا بدلالة أو ضرورة. والثاني بأن يصحّ فيه تقدير الثبوت. فعلى هذا يصير القول بيان مع الله تعالى غير داخل في حدّ ما لا نعقل لأنّ تقديره ممكن ، فنقول لو كان له ثان لصحّ التمانع بينهما (ق ، ت ١ ، ٣٢ ، ٣)

ـ إنّا لا نجوّز شيئا لا يعقل ، وإنّما نجوّز ما هو معقول ، والمعقول من المحدث هو ما إذا أضيف إليه شيء من الأشياء فقيل إنّه أحدثه أنّه وقع ذلك الشيء بحسب قصده وداعيه ، وينتفي بحسب كراهته وصارفه ، مع سلامة الأحوال ؛ والوقوع على هذا الوجه قد حصل مع أحدنا على هذا الوجه ، فيجب أن يكون هو المحدث. فإذا ثبت أنّه هو المحدث لم يجز أن نجوّز أنّ غيره يحدث أيضا لوجهين : أحدهما أنّ كون غيره محدثا لا على هذا الوجه غير معقول ، فيجب أن ينفي. والثاني أنّه إذا ثبت في هذا التصرّف أنّه من قبل أحدنا لم يجز أن يكون من قبل غيرنا ، لأنّ ذلك يؤدّي إلى جواز محدث بين محدثين ومقدور بين قادرين ـ وذلك لا يجوز (ن ، د ، ٣٠٥ ، ٩)

ـ لا معنى للمعقول ، إلّا ما اضطرّ العقل إلى الإذعان للتصديق به بموجب الدليل الذي لا يمكنه مخالفته (غ ، ق ، ٤٩ ، ١٤)

معلول

ـ إنّ المعلول لا ينفكّ عن علّته (ق ، ش ، ٨٩ ، ١٠)

٣٤٨

ـ المعلول الواحد بالشخص يستحيل أن يجتمع عليه علّتان مستقلّتان وإلّا لكان مع كل واحد منهما واجب الوقوع ، فيمتنع استناده إلى الآخر ، فيستغنى بكل واحد منهما عن كل واحد منهما ، وهو محال (ف ، م ، ١٠٧ ، ١٨)

ـ إنّ المعلول الواحد لا يكون له إلّا علّة واحدة (ط ، م ، ٥٧ ، ١٤)

معلول شخصي

ـ المعلول الشخصيّ ليس له علّتان مستقلّتان ، وإلّا فيستغني حال افتقاره (خ ، ل ، ٨٨ ، ٢٠)

معلول العلة

ـ لمّا قد بيّنا أنّه لا يمتنع حصول السبب ولا يولّد ، بأن يعرض له عارض فيمنعه من التوليد ، فإنّ المسبّب يقع مع الجواز كالمبتدإ سواء ، ولئن جاز إخراج المسبّب عن التعلّق بالفاعل لوجوب حصوله عند وجود السبب وزوال الموانع ، لوجب إخراج المبتدأ أيضا عن تعلّقه بالفاعل لوجوب وقوعه عند توفّر الدواعي وتكاملها ، وإلّا فما الفرق؟ وبهذه الطريقة نجيب عن قوله إذا قال : كما لا يجوز أن نعلّق معلول العلّة بالفاعل لوجوبه عند وجود العلّة ، كذلك في مسألتنا ، فإنّا قد ذكرنا أنّ وجود المسبّب لا يجب عند حصول السبب ، فإنّه لا يمتنع أن يعرض عارض فيمنعه من التوليد ، وليس كذلك معلول العلّة فإنّه يجب عند وجود العلّة ، حتى يستحيل مع وجودها أن لا يثبت ، ففارق أحدهما الآخر (ق ، ش ، ٣٩٠ ، ١)

معلولان عن علة واحدة

ـ يجوز صدور معلولين عن علّة واحدة ، خلافا للفلاسفة والمعتزلة. لنا : الجسميّة علّة المكان والقبول (خ ، ل ، ٨٩ ، ٥)

معلولان متماثلان

ـ المعلولان المتماثلان يجوز تعليلهما بعلّتين مختلفتين خلافا لأكثر أصحابنا ، لنا : أنّ السواد والبياض مع اختلافهما يشتركان في المخالفة والمضادّة (ف ، م ، ١٠٧ ، ٢١)

معلوم

ـ كان" أبو الحسين الصالحي" (معتزلي) يقول إنّ الله لم يزل عالما بالأشياء في أوقاتها ولم يزل عالما أنّها ستكون في أوقاتها ولم يزل عالما بالأجسام في أوقاتها وبالمخلوقات في أوقاتها ، ويقول لا معلوم إلّا موجود ولا يسمّي المعدومات معلومات ولا يسمّي ما لم يكن مقدورا ، ولا يسمّي الأشياء أشياء إلّا إذا وجدت ولا يسمّيها أشياء إذا عدمت (ش ، ق ، ١٥٨ ، ١٣)

ـ كان يقول (ابن الراوندي) إنّ المعلومات معلومات لله قبل كونها [و] أنّ إثباتها معلومات لله قبل كونها رجوع إلى أنّ الله يعلمها قبل كونها ، وإثبات المعلوم معلوما لزيد قبل كونه رجوع إلى علم زيد به قبل كونه ، وأن المقدورات مقدورات لله قبل كونها على سبيل ما حكينا عنه أنّه قاله في المعلومات ، وكذلك كل ما تعلّق بغيره كالمأمور به إنّما هو مأمور به لوجود الأمر ، والمنهيّ عنه لوجود النهي كان منهيّا عنه ، وكذلك المراد لوجود إرادته كان مرادا فهو مراد قبل كونه ويرجع في ذلك إلى إثبات الإرادة قبل كونه ، وكذلك القول في المأمور والمنهيّ وسائر ما يتعلّق بغيره (ش ، ق ، ١٦٠ ، ٢)

٣٤٩

ـ اختلف الناس في المعلوم والمجهول. فقال قائلون : الإنسان إذا علم شيئا ـ قديما كان ذلك الشيء أو محدثا ـ لم يجز أن يجهله في حال علمه على وجه من الوجوه. وقال آخرون : كل ما علمه الإنسان فقد يجوز أن يجهله في حال علمه من وجه من الوجوه (ش ، ق ، ٣٩١ ، ٦)

ـ المعلوم أنّه لو كان ما علم أنّه يكون مما لا يكون ، لم يكن العلم سابقا بأنّه يكون ، ولكان العلم سابقا بأنّه لا يكون (ش ، ق ، ٤١٦ ، ١١)

ـ إنّ" ابن النجراني" كان يقول : لا معلوم إلّا موجود فقيل له : فكيف تقول في المقدور؟ فقال : لا أقول أن مقدورا في الحقيقة لأنّه كان يحيل القدرة على الموجود ، وكان" الصالحي" يقول : القدرة على الشيء في وقته وقبل وقته ومعه ، وكان يثبّته مقدورا موجودا في حال كونه (ش ، ق ، ٥٠٢ ، ١)

ـ إنّ المعلوم معلوم قبل كونه وكذلك المقدور ، وكل ما كان متعلّقا بغيره كالمأمور به والمنهيّ عنه ، وأنّه لا شيء إلّا موجود ولا جسم إلّا موجود (ش ، ق ، ٥٠٤ ، ١١)

ـ يقال لأهل القدر أليس قول الله تعالى (بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة : ٢٩) يدلّ على أنّه لا معلوم إلّا والله به عالم ، فإذا قالوا نعم ، قيل لهم فما أنكرتم أن يدلّ قوله تعالى (عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة : ٢٠) على أنّه لا مقدور إلّا والله عليه قادر ، وأن يدل قوله تعالى (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (الرعد : ١٦) على أنّه لا محدث مفعول إلّا والله محدث له فاعل خالق (ش ، ل ، ٥٠ ، ١٨)

ـ إنّ المعلوم يكون شيئا وما ليس بشيء (ب ، ت ، ٣٤ ، ٢٣)

ـ إنّ حال المعلوم في كونه معلوما لا يختلف بالوجود والعدم ، فلا شيء يتجدّد يمكن أن يجعل شرطا. ودليل ما ذكرناه من صحّة العلم بالمعدوم هو أنّ ما دلّ على كونه عالما يدلّ على أنّ المعدوم معلومه ، لأنّ دليل ذلك هو صحّة الفعل المحكم منه ، فلا بدّ من تقدّم كونه عالما بهذا الفعل وهو معدوم ليصحّ منه القصد إلى إيقاعه مرتّبا ، وهذا يوجب أنّ المعلوم يصحّ أن يكون معلوما مع العدم. فيجب أن يكون جلّ وعزّ عالما به وأن لا يقف كونه عالما على وجوده ، وعلى هذا صحّ من العلماء الاختلاف فيما الذي تصحّ إعادته وما الذي لا تصحّ. ولا يستقيم هذا الخلاف إلّا في معلوم. فيجب كون المعدوم معلوما بهذه الطريقة ، ويشهد لذلك ما نعلمه من كثير من المعدومات من أنفسنا فصحّ ما قلنا (ق ، ت ١ ، ١١٨ ، ١٤)

ـ إنّ بوجود المقدور أو وجود سببه أو غير ذلك مما يذكره في هذا الباب يزول تعلّق كون القادر قادرا لأمر يرجع إلى أنّ المقدور لا يصحّ كونه مقدورا مع هذه الحال ، وليس كذلك المعلوم فإن تغيّر الأحوال عليه لا تخرجه عن صحّة كونه معلوما (ق ، ت ١ ، ١٩٦ ، ١٥)

ـ إنّ العلم يتعلّق بالشيء على ما هو به ، ولا يصير على ما هو به لأجل العلم ، لأنّ ذلك يؤدّي إلى أنّ المعلوم صار على ما هو به بالعلم ، والعلم صار علما لكونه على ما هو به. وذلك يوجب تعلّق كلّ واحد منهما بصاحبه على وجه يتناقض ويستحيل ، فيجب أن يكون ما له صار خبرا كونه مريدا. وكذلك القول في الأمر ، والخطاب ، وغيرهما (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٩ ، ٨)

ـ اعلم أنّ المعلوم لا يحصل على صفة من الصفات من جهة العالم به ، لكونه عالما به ،

٣٥٠

وإنّما يعلمه العالم على ما هو عليه. فلذلك صحّ أن يعلم العالمان شيئا واحدا. وهذه العلّة قائمة في كل معلوم ، وكل عالم. وإنّما لا يصحّ كونهما قادرين على مقدور واحد ، من حيث كان المقدور قد يحصل على صفة من الصفات من جهة القادر ، لأنّ القادر يتعلّق بالمقدور على ما هو به ، فإذا كانت الصفة التي تحصل من جهة القادر لا يصحّ حصولها إلّا من جهة قادر واحد ، اختصّ المقدور لهذه العلّة بقادر دون قادر. وليس كذلك المعلوم ، لأنّه لا يحصل من جهة العالم على صفة لا يصحّ الاشتراك فيها ، فيقضي لأجل ذلك بأنّه يختصّ بعالم دون عالم (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١١٤ ، ٤)

ـ إنّ كل معلوم لا بدّ أن يكون متميّزا عن غيره بصفة ، فلو كانت الصفات معلومة وجب أن تكون متميّزة عن غيرها بصفة أخرى ، والكلام في تلك الصفة كالكلام في هذه الصفة ، وهذا يتسلسل إلى ما لا نهاية له من الصفات ، وهذا محال. فليس إلّا أن يقال إنّ الأحوال ليس بمعلومة لا على الانفراد ولا مع الذات ، وإنّما نعلم الذات عليها (ن ، د ، ٥٨٦ ، ١٥)

ـ قالت المعتزلة معلوم الله بكونه عالما لا بالعلم ولا بالذات ، ولا معنى لكون المعلوم معلوما إلّا أنّه غير مخفىّ على العالم كما هو عليه ، فليس ثم تعلّق حسّي أو وهميّ حتى يحال به على العلم أو على الذات. وقولكم العلم إحاطة بالمعلوم تغيير عبارة وتبديل لفظ بلفظ ، وإلّا فالعلم والإحاطة والتيقّن عبارات عن معبّر واحد ، ومعنى كون الذات عالما أنّه محيط ، وكذلك معنى كونه محيطا أنّه عالم ، وإنّما وقعتم في إلزام لفظ الإحاطة لظنّكم أنّ الإحاطة لو تحقّقت للذات ، كانت تلك الإحاطة كإحاطة جسم بجسم ، وذلك الاشتراك في اللفظ ، وإلّا فمعنى الإحاطة هو العلم ، وهو بكلّ شيء عليم محيط ، وبكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير (ش ، ن ، ١٩١ ، ١٤)

ـ قالت الصفاتيّة : العقل الصريح يفرّق بين كون الشيء معلوما ، وبين كونه مقدورا ، وكيف لا وكونه معلوما أعمّ من كونه مقدورا ، فإنّ المعلوم قد يكون قديما وقد يكون حادثا وواجبا وجائزا ومستحيلا ، وكونه مقدورا ينحصر في كونه ممكنا جائزا ، ثم نسبة المعلوم إلى الذات من حيث هي ذات واحدة كنسبة المقدور من حيث هي ذات (ش ، ن ، ١٩٢ ، ٧)

ـ عند المتكلّمين العلم يتبع المعلوم ، وعندهم (الفلاسفة) المعلوم يتبع العلم والمقدور يتبع القدرة (ش ، ن ، ٢٠٩ ، ٢)

ـ المعلوم إمّا أن يكون موجودا أو معدوما فهنا ثلاث مسائل : الأولى : تصوّر الوجود والعدم بديهيّ ، لأنّ ذلك التصديق يتوقّف على هذين التصوّرين ، وما يتوقّف عليه البديهيّ أولى أن يكون كذلك ، ولأنّ العلم بالوجود جزء من العلم بأنّه موجود ، وإذا كان العلم بالمركّب بديهيّا ، كان العلم بمفرداته كذلك. الثانية : ذهب جمهور الفلاسفة والمعتزلة وجمع منّا إلى أنّ الوجود وصف مشترك فيه بين الموجودات ، والأقرب أنّه ليس كذلك. لنا : أنّه لو كان كذلك لكان مغايرا للماهيّة ، فيكون الوجود قائما بما ليس بموجود ، وتجويزه يفضي إلى الشكّ في وجود الأجسام (ف ، م ، ٤٧ ، ٤)

ـ المعلوم على سبيل الجملة ، معلوم من وجه مجهول من وجه (ف ، م ، ٨٠ ، ٣)

ـ صريح العقل حاكم بأنّ المعلوم إمّا موجود وإمّا

٣٥١

معدوم ، وهذا يدلّ على أمرين. الأول : أنّ تصوّر ماهيّة الوجود تصوّر بديهيّ ، لأنّ ذلك التصديق البديهيّ موقوف على ذلك التصوّر وما يتوقّف عليه البديهيّ أولى أن يكون بديهيّا.

والثاني : أنّ المعدوم معلوم ، لأنّ ذلك التصديق البديهيّ متوقّف على هذا التصوّر. فلو لم يكن هذا التصوّر حاصلا لامتنع حصول ذلك التصديق (ف ، أ ، ٢٣ ، ٤)

ـ المعلوم ليس بشيء ، والمراد منه أنّه لا يمكن تقرّر الماهيّات منفكّة عن صفة الوجود (ف ، أ ، ٢٤ ، ٥)

معلوم بالإلهام

ـ أمّا المعلوم بالإلهام على التخصيص فكالعلم بذوق الشعر وأوزان أبياته في بحوره ، وقد يعلم هذا الوزن إعرابيّ بوّال على عقبيه ويذهب عن معرفته حكيم يعرف قوانين أكثر العلوم النظريّة (ب ، أ ، ١٥ ، ٤)

معلوم بالتجارب والرياضات

ـ أمّا المعلوم بالتجارب والرياضات فكعلم الطبّ في الأدوية والمعالجات وكذلك العلم بالحرف والصناعات وقد يقع في هذا النوع ما يستدرك (يستدلّ) بالقياس على المعتاد ، غير أنّ أصولها مأخوذة عن التجارب والعادات (ب ، أ ، ١٤ ، ١٢)

معلوم بالشرع

ـ أما ما يعلم بالشرع وحده ، فهو ما في السمع دليل عليه ، دون العقل. كالمصالح والمفاسد الشرعية وما له تعلّق بهما (ب ، م ، ٨٨٨ ، ١)

ـ أمّا المعلوم بالشرع فكالعلم بالحلال والحرام والواجب والمسنون والمكروه (وسائر أحكام الفقه) (ب ، أ ، ١٤ ، ١٥)

معلوم بالضرورة

ـ أمّا المعلوم بالضرورة فمن أصحابنا من قال يجوز أن يعلمها كلّها بالنظر والاستدلال ، ومنهم من قال ما علمناه منها بالحواس الخمس فجائز استدراكه بالاستدلال عليه عند غيبته عن الحسّ ، وما علمناه بالبديهة فلا يصحّ الاستدلال عليه لأنّ البداءة مقدّمات الاستدلال فلا بدّ من حصولها في المستدلّ قبل استدلاله (ب ، أ ، ١٥ ، ١٥)

معلوم بالعادة

ـ أمّا ما قاله من أنّ النظر في باب الدين ، وجهته غير معلومة بالعادة ، فبعيد ؛ لأنّ الداعي يخوّفه بذكر العقاب. فهو معلوم ، لأنّ من يعلم المضار التي تنزل به من الأسقام والأمراض ، وما تؤثّره النيران والحرّ والبرد ، وما يتخوّف منه من السباع وغيرها ، ومن فقد الماء والطعام ، يعلم في الجملة المضارّ. فيكفي أن ينبّه عليها ، وتذكر له الأمارة المقوّية لها. ويدخل ذلك في باب المعلوم بالعادة ، ويبيّن أنّ ما قاله لا تأثير له إن لم يشاهد السبع إذا كان قد سمع بخبره إذا خوّف منه يلزمه من النظر مثل ما يلزم متى خوّف من سائر ما يعلمه. فلا فرق إذن بين الأمرين إذا كانت الجملة معلومة (ق ، غ ١٢ ، ٣٦٦ ، ١٢)

معلوم بالعقل

ـ اعلم أنّ الأشياء المعلومة بالدليل إمّا أن يصحّ أن تعلم بالعقل فقط ، وإمّا بالشرع فقط ، وإمّا

٣٥٢

بالشرع وبالعقل. وأمّا المعلومة بالعقل فقط ، فكل ما كان في العقل دليل عليه ، وكان العلم بصحّة الشرع موقوفا على العلم به ، كالمعرفة بالله وبصفاته ، وأنّه غني ، لا يفعل القبيح. وإنّما قلنا : " إنّ العلم بصحّة الشرع موقوف على العلم بذلك" ، لأنّا إنّما نعلم صحّة الشرع إذا علمنا صدق الأنبياء عليهم‌السلام ؛ وإنّما نعلم صدقهم بالمعجزات إذا علمنا أنّه لا يجوز أن يظهرها الله على يد كذّاب. وإنّما يعلم ذلك إذا علمنا أنّ إظهارها عليهم قبيح ، وأنّه لا يفعل القبيح. وإنّما نعلم أنّه لا يفعل القبيح إذا علمنا أنّه عالم بقبح القبيح ، عالم باستغنائه عنه. والعلم بذلك فرع على المعرفة به. فيجب تقدّم هذه المعارف للشرع. فلم يجز كون الشرط طريقا إليها (ب ، م ، ٨٨٦ ، ١٧)

معلوم بالعقل والسمع

ـ أمّا المعلوم (بالعقل والسمع) بهما فكلّ ما هو واقع في مجال العقل ، ومتأخّر في الرتبة عن إثبات كلام الله تعالى ، كمسألة الرؤية ، وانفراد الله تعالى بخلق الحركات ، والأعراض كلّها ، وما يجري هذا المجرى ؛ ثمّ كل ما ورد السمع به ينظر ، فإن كان العقل مجوّزا له وجب التصديق به قطعا ؛ إن كانت الأدلّة السمعية قاطعة في متنها ، وسندها لا يتطرّق إليها احتمال ؛ ووجب التصديق بها ظنّا إن كانت ظنّية ، فإنّ وجوب التصديق باللسان ، والقلب ؛ هو عمل يبنى على الأدلّة الظنّية كسائر الأعمال (غ ، ق ، ٢١١ ، ٤)

معلوم بالقياس والنظر

ـ زعم النظّام وأتباعه من القدرية أنّ المعلوم بالقياس والنظر لا يجوز أن يصير معلوما بالضرورة ، وما كان معلوما بحسّ لا يجوز أن يصير معلوما من جهة النظر والخبر ؛ فلزمه على هذا القول أن يكون المعرفة بالله عزوجل في الآخرة نظريّة استدلاليّة غير ضروريّة ، وأن تكون الجنّة دار استدلال ونظر ، وأن يكون لاعتراض السيئة فيها على أهل النظر مجال ، وأن يكونوا مكلّفين أبدا وأن يستحقّوا على أداء ما كلّفوا فيها ثوابا في دار غيرها (ب ، أ ، ١٦ ، ٣)

معلوم بمجرد السمع

ـ أمّا المعلوم بمجرّد السمع فيخصّص أحد الجائزين بالوقوع ، فإنّ ذلك من مواقف العقول وإنّما يعرف من الله تعالى بوحي ، وإلهام ؛ ونحن نعلن من الموحي إليه بسماع كالحشر ، والنشر ، والثواب والعقاب وأمثالها (غ ، ق ، ٢١١ ، ١)

معلوم بالنظر والاستدلال

ـ أمّا المعلوم بالنظر والاستدلال من جهة العقول فكالعلم بحدوث العالم وقدم صانعه وتوحيده وصفاته وعدله وحكمته وجواز ورود التكليف منه على عباده وصحّة نبوّة رسله بالاستدلال عليها بمعجزاتهم ، ونحو ذلك من المعارف العقليّة النظريّة (ب ، أ ، ١٤ ، ٨)

معلوم في العدم

ـ العجب كل العجب من مثبتي الأحوال أنّهم جعلوا الأنواع مثل الجوهريّة والجسميّة والعرضيّة واللونيّة أشياء ثابتة في العدم لأنّ العلم قد تعلّق بها ، والمعلوم يجب أن يكون شيئا حتى يتوكّأ عليه العلم. ثم هي بأعيانها

٣٥٣

أعني الجوهريّة والعرضيّة واللونيّة والسواديّة أحوال في الوجود ليست معلومة على حيالها ، ولا موجودة بانفرادها ، فيا له من معلوم في العدم يتوكّأ عليه العلم ، وغير معلوم في الوجود (ش ، ن ، ١٦٢ ، ٥)

معلوم معدوم

ـ معلوم معدوم في وقتنا هذا ، وسيوجد فيما بعد ، نحو الحشر والنشر ، والجزاء والثواب والعقاب ، وقيام الساعة ، وأمثال ذلك مما أخبر تعالى أنّه سيفعله وعلم أنّه سيوجد ؛ ومعلوم آخر هو معدوم في وقتنا هذا ، وقد كان موجودا قبل ذلك ، نحو ما كان وتقضّى من أحوالنا وتصرّفنا ، من كلامنا وقيامنا وقعودنا الذي كان في أمس يومنا وتقضّى ومضى ؛ ومعلوم آخر معدوم هو مقدور ، ويمكن أن يكون ويمكن أن لا يكون ، ولا يدرى هل يكون أم لا يكون ، نحو ما يقدر الله تعالى عليه مما لا نعلم أيفعله أم لا يفعله ، نحو تحريك الساكن من الأجسام ، وتسكين المتحرّك منها ، وأمثال ذلك (ب ، ت ، ٤٠ ، ١٩)

معلومات

ـ كان يقول (ابن الراوندي) إنّ المعلومات معلومات لله قبل كونها [و] أنّ إثباتها معلومات لله قبل كونها رجوع إلى أنّ الله يعلمها قبل كونها ، وإثبات المعلوم معلوما لزيد قبل كونه رجوع إلى علم زيد به قبل كونه ، وأن المقدورات مقدورات لله قبل كونها على سبيل ما حكينا عنه أنّه قاله في المعلومات ، وكذلك كل ما تعلّق بغيره كالمأمور به إنّما هو مأمور به لوجود الأمر ، والمنهيّ عنه لوجود النهي كان منهيّا عنه ، وكذلك المراد لوجود إرادته كان مرادا فهو مراد قبل كونه ويرجع في ذلك إلى إثبات الإرادة قبل كونه ، وكذلك القول في المأمور والمنهيّ وسائر ما يتعلّق بغيره (ش ، ق ، ١٥٩ ، ١٧)

ـ قال قائلون من البغداديين : نقول إنّ المعلومات معلومات قبل كونها ، وكذلك المقدورات مقدورات قبل كونها وكذلك الأشياء أشياء قبل كونها ومنعوا أن يقال أعراض (ش ، ق ، ١٦٠ ، ١٢)

ـ من" البغداديين" من يقول إنّ المعلومات معلومات قبل كونها والأشياء أشياء قبل كونها ، ويمنع أجساما وجواهر وأعراضا (ش ، ق ، ٥٠٤ ، ١٤)

ـ جميع المعلومات على ضربين : معدوم وموجود (ب ، ت ، ٤٠ ، ٨)

ـ أنّ المعلومات على ضربين : معدوم وموجود ، لا ثالث لهما ولا واسطة بينهما (ب ، ن ، ١٥ ، ١٧)

ـ أمّا الكلام في المعلومات فالأصل فيها أنّها غير متناهية لأنّه قد دلّت الدلالة على عدم التناهي في المعدومات. ودلّت على أنّها وهي معدومة يصحّ العلم بها وليس من حيث يدخل تحت العلم لا بدّ من تناهيه ، لأنّ في الاستدلال على تناهيه يعلم العالم به استدلالا. يفرع الشيء على أصله إذ لا بدّ من ثبوته معلوما بكونه مقدورا. ثم يثبت كونه عالما به لا محالة ، ولا يجب من حيث يطلق من العبارات ما يقتضي التناهي أن يجب ذلك فيه على ما يظنّه المخالف. فإنّا قد نطلق لفظة الكلّ والبعض وهذا لا يفيد الحصر ، فمتى عقل المعنى فلا فكر في العبارات (ق ، ت ١ ، ١٢٠ ، ١٩)

٣٥٤

ـ إنّ المعلومات تنقسم إلى وجود ، وصفة وجود لا تتّصف بالوجود والعدم (ج ، ش ، ٩٣ ، ١٥)

ـ المعلومات وهي إمّا موجودة أو معدومة : وتصوّرهما بديهيّ لتوقّف هذا التصديق عليه ، ولأنّ العلم بالوجود به جزء من علمي بوجودي البديهيّ (خ ، ل ، ٤٩ ، ١)

معنى

ـ اللفظ للمعنى بدن والمعنى للفظ روح. ولو أعطاه الأسماء بلا معان لكان كمن وهب شيئا جامدا لا حركة له وشيئا لا حسّ فيه وشيئا لا منفعة عنده (ج ، ر ، ٨٥ ، ٩)

ـ لا يكون اللفظ اسما إلّا وهو مضمّن بمعنى ، وقد يكون المعنى ولا اسم له ولا يكون اسم إلّا وله معنى. في قوله جلّ ذكره : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) (البقرة : ٣١) ، إخبار أنّه قد علّمه المعاني كلّها. ولسنا نعني معاني تراكيب الألوان والطعوم والأراييح وتضاعيف الأعداد التي لا تنتهي ولا تتناهى. وليس لما فضل عن مقدار المصلحة ونهاية الوهم اسم ، إلّا أن تدخله في باب العلم فتقول شيء (ج ، ر ، ٨٥ ، ١٢)

ـ إنّ الجسم إذا سكن فإنّما يسكن لمعنى هو الحركة ، لولاه لم يكن بأن يكون متحرّكا أولى من غيره ، ولم يكن بأن يتحرّك في الوقت الذي يتحرّك [فيه] أولى منه بالحركة قبل ذلك (ش ، ق ، ٣٧٢ ، ٢)

ـ إنّ المعنى هو قصد القلب بالكلام إلى المراد ، ولذلك يقال : إنّ معنى هذا الكلام كيت وكيت ، وإن معناي بهذا الخطاب كذا وكذا ، ويقول القائل لصاحبه : ما معناك في هذا الكلام؟ (ق ، غ ٥ ، ٢٥٣ ، ٤)

معونة

ـ اعلم أنّ المعونة هي تمكين الغير من الفعل مع الإرادة له ، ولا بدّ من اعتبار الإرادة ، فإنّ من دفع إلى غيره سكّينا ليذبح بها بقرة أو شاة وأراد منه ذلك ، يقال إنّه أعانه على ذبح البقرة والشاة لما أراد منه ذلك (ق ، ش ، ٧٧٩ ، ٦)

ـ اعلم أنّ العبد لا يكون معانا بأن يمكن من الفعل فقط بالقدرة وغيرها ، لأنّ ذلك لو صحّ لوجب أن يوصف تعالى بأنّه معين للبهائم والمجانين ، كما وصف بأنّه معين للمكلّف ، ولوجب أن يوصف بأنّه أعانه على الكفر إذا أقدره عليه ، كما يوصف بذلك إذا أقدره على الإيمان ، على بعض الوجوه. فعلم بذلك صحّة ما قلناه. وذلك يوجب أن يكون التمكين إنّما يكون معونة لأمر زائد على كونه تمكينا ، وهو أن يقصد تعالى بفعله أن يختار الممكن الطاعة. فمتى فعله على هذا الوجه ، وصف التمكين بأنّه معونة ، ولو لا ذلك لم يوصف بهذا الوجه. ولهذا قلنا : إنّه تعالى قد أعان المكلّف على الإيمان والطاعة ، ولم يعنه على الكفر والمعصية ، لأنه لم يرد تمكينه وإزاحة علله منه للكفر والمعاصي ، بل يكرهها منه. وعلى هذا الوجه تستعمل المعونة في الشاهد ؛ لأنّ الواحد منّا إذا أعطى غيره سيفا ، وقصد أن يجاهد في سبيل الله ، وصف بأنّه أعانه على الجهاد ، وإن كان السيف يصلح لقتل نفسه وقتال المسلمين ، ولا يوصف بأنّه أعانه على ذلك ، لما لم يرده منه. فكان الأصل في المعونة إرادة ما به ومعه يتمّ الأمر المراد. وعلى هذا الوجه يقال في الواحد منّا إذا حمل الثقيل مع غيره : إنّه أعانه ، لأنّه قصد بما فعل أن يتمّ المراد (ق ، م ٢ ، ٧٢٥ ، ٤)

٣٥٥

ـ لا يوصف لفظ الأمر بأنّه معونة ، ولا ما يتناوله بأنّه معان فيه ؛ لأنّه كان يجب أن يكون إبليس معانا على الاستفزاز لوجود لفظ الأمر. فعلم أنّ المعتبر في ذلك هو الإرادة ، وإن كان الأمر بها يكشف عن الإرادة ، فمن حيث يختصّ بذلك يوصف المأمور بأنه معان لأجله. ولهذا قلنا : إنّه تعالى أعان المكلّف على فعل ما كلّف لا على المعاصي. ولا يمتنع في الألطاف وسائر ما يبعث المكلّف على الفعل. إذا فعله تعالى للغرض الذي قدّمناه ، أن يوصف لأجله بأنّه معين له. وقد يقال للواحد منّا إذا لطف لغيره ، ودعاه ، وبيّن له : إنّه قد أعانه على الخير ؛ للوجه الذي بيّناه (ق ، م ٢ ، ٧٢٥ ، ١٠)

معيّة

ـ قال (الشهرستاني) : إنّ المعيّة من كل رتبة لا تجامع التقدّم والتأخّر من تلك الرتبة بحيث تكون نسبة أحد الشيئين إلى الآخر بالمعيّة والتقدّم أو التأخّر بالذات ، وإن جاز أن تكون المعيّة من رتبتها مجامعة للتقدّم والتأخّر من رتبة أخرى كالمعيّة بالشرف والتقدّم بالزمان ونحوه ، ثم بيّن ذلك وحكى ما قرّر من بيان إمكان العالم باعتبار ذاته وافتقاره إلى مرجّح خارج ، ووجوب تقدّم المرجّح عليه ذاتا ووجودا وامتناع تحقّق المعيّة بكل حال بينهما (م ، غ ، ٢٥٨ ، ١٥)

مغتمّ

ـ المغتمّ يوصف بذلك إذا علم أو ظنّ أنّ ضررا سيصل إليه أو هو واصل إليه (ق ، غ ٤ ، ١٥ ، ٥)

مفارقة

ـ الكون هو ما يوجب كون الجوهر كائنا في جهة ، والأسامي تختلف عليه وإن كان الكل من هذا النوع ، فمتى حصل عقيب ضدّه فهو حركة ، وإذا بقي به الجوهر كائنا في جهة أزيد من وقت واحد أو وجد عقيب مثله فهو سكون. ومتى كان مبتدأ لم يتقدّمه غيره فهو كون فقط ، وهو الموجود في الجوهر حال حدوثه. فإن حصل بقرب هذا الجوهر جوهر آخر سمّي ما فيهما مجاورة. ومتى كان على بعد منه سمّي ما فيهما مفارقة ومباعدة. وقد نعلم هذا المعنى ضرورة على الجملة وإن كان مما لا يدرك. وهو ما نتصرّف فيه من قيام وقعود وغيرهما ، لأنّا نعلم قبح الظلم من أنفسنا ضرورة (أ ، ت ، ٤٣٢ ، ٨)

مفارقة الإدراك للنظر

ـ إنّه قد ثبت ، في الإدراك ، أنّ العلم بالمدرك يحصل عقيبه ، وإن لم يحدث على وجه معقول يجعل شرطا فيه. لأنّ أوّل العلوم بالمدركات لا يصحّ أن يقال فيه : إنّه يولّد عن الإدراك ، لوقوعه مع شيء من العلوم ، أو على بعض الوجوه. فيقال : إنّ الطفل إنّما لم يولّد إدراكه العلم لفقد ذلك. ولا يصحّ أن يقال : أن يكون المرئيّ بعيدا ، يمنع الإدراك من توليد العلم بهيئته وقدره في الكبر والصغر. وذلك يبيّن مفارقة الإدراك للنظر (ق ، غ ١٢ ، ٧٩ ، ٢١)

مفارقة ومباعدة

ـ قولنا : كون وفائدته ما به يصير الجوهر في جهة دون جهة ، ثم الأسامي تختلف عليه ، والكل في الفائدة يرجع إلى هذا القبيل. فتارة نسمّيه

٣٥٦

كونا مطلقا إذا وجد ابتداء لا بعد غيره ، وليس هذا إلّا في الموجود حال حدوث الجوهر. ثم يصحّ أن نسمّيه سكونا إذا بقي. وتارة نسمّي ذلك الكون سكونا وهو أن يحدث عقيب مثله أو يبقى به الجوهر في جهة واحدة وقتين فصاعدا. وتارة نسمّيه حركة إذا حدث عقيب ضدّه أو أوجب كون الجسم كائنا في مكان بعد أن كان في غيره بلا فصل. وتارة نسمّي بعضه محاورة مقارنة وقربا إذا كان يقرب هذا الجوهر جوهر آخر على وجه لا مسافة بينهما. وتارة نسمّي بعضه مفارقة ومباعدة وافتراقا إذا وجد على البعد منه جوهر آخر (ق ، ت ١ ، ٣٣ ، ١٢)

مفاضلة

ـ إنّما تقع المفاضلة بين الفاضلين إذا كان فضلهما واحدا من وجه واحد فتفاضلا فيه ، وأمّا إن كان الفضل من وجهين اثنين فلا سبيل إلى المفاضلة بينهما ، لأنّ معنى قول القائل أي هذين أفضل إنّما هو أي هذين أكثر أوصافا في الباب الذي اشتركا فيه (ح ، ف ٤ ، ١١٩ ، ٩)

مفاعلة

ـ أمّا وصفه ـ تعالى ـ بأنّه مخاطب للمعدوم فقد بيّن شيخنا أبو هاشم ـ رحمه‌الله ـ أنّ ذلك لا يطلق عليه ، حتى إذا وجد وصار ممّن يفهم منه الخطاب ويحسن منه المخاطبة وصف بذلك. قال ـ رحمه‌الله ـ : لأنّ وصفه ـ تعالى ـ بأنّه خاطب يقتضي مفاعلة بين اثنين ، مثل وصفنا بالمقابلة والمحاذاة والمبايعة والمحاربة وغيرها فلا يجوز أن يستعمل إلّا إذا كان هناك من يشاركه في المخاطبة. فأمّا إذا كان المخاطب معدوما ولا يصحّ منه الخطاب فغير جائز أن يوصف أمره بأنّه خطاب. وبيّن أن هذه اللفظة تفيد المفاعلة من جهة المعنى ، وأنّه مفارق لما هو مفاعلة من جهة اللفظ دون المعنى ؛ مثل طارقت النعل إلى ما شاكله. وذلك يوجب ألّا يوصف أمره بأنّه مخاطبة إلّا إذا (كان) المكلّف بصفة مخصوصة ، ومتى كان ممّن يصحّ أن يجيب ويخاطب أيضا فإنّما يوصف بأنّه مخاطب متى وقعت منه المخاطبة ، وإذا لم يقع منه ذلك فوصفه بذلك إنّما يصحّ من جهة التعارف لمّا كان ممّن يصحّ منه الجواب ويصير في الحكم كأنّه مجيب (ق ، غ ١١ ، ٣٦٩ ، ٨)

مفترق

ـ إنّ المفترق ليس له بكونه مفترقا حال وحكم أكثر من حصول الجوهرين في جهتين على سبيل البعد ؛ فإذا لم يوجب للمحلّ حالا ولا حكما وجب نفيه (ن ، د ، ١٢٧ ، ١٣)

مفرد بالجنس

ـ أمّا المفرد بالجنس فكقول أصحابنا أنّ الجواهر جنس واحد وإن اختلفت في الصور والهيئات لاختلاف ما فيها من الأعراض (ب ، أ ، ٣٥ ، ١٢)

مفرد في ذاته

ـ المفرد في ذاته نوعان أحدهما جوهر واحد وهو الجزء الذي لا يتجزّأ ، وكل جسم من أجسام العالم ينتهي بالقسمة إلى جزء لا يتجزّأ ، والنوع الثاني مما لا يتجزّأ كل عرض في نفسه فإنّه شيء واحد مفتقر إلى محلّ واحد (ب ، أ ، ٣٥ ، ٩)

٣٥٧

مفردات

ـ المفردات من العالم نوعان : أحدهما مفرد في ذاته ينتفي الانقسام عنه. والثاني مفرد في الجنس دون الذات (ب ، أ ، ٣٥ ، ٨)

مفسدة

ـ المفسدة : هي ما عنده يختار المكلّف المعصية ، والإخلال بالطاعة ، ولولاه لكان لا يختارها. وهي تنقسم إلى أقسام ثلاثة : فما يكون فعل المكلّف ـ لو وقع ـ فالواجب أن لا يفعله تعالى وإلّا قبح التكليف. وما يكون من فعل المكلّف ، فإنّما يجب عليه تعالى أن يمكنه من أن لا يفعله ، ويعرفه حالها إذا كان الوجه في كونه مفسدة أن تقع باختياره ، فأمّا إذا كان المعلوم أنّه يكون مفسدة على كل حال ، فلا بدّ من أن يمنعه تعالى منها إذا كان المعلوم أنّه بالمنع يمتنع ، فأمّا إن علم من حاله أنّه يمتنع بلا منع ، فليس ذلك بواجب ، لأنّ الغرض ألّا يقع باختياره ، أو يمنع المانع له. فإذا كان من فعل غير المكلّف والمكلّف ، فلا بدّ من أن يكون المعلوم أنّه لا يفعله ، أو يمنعه تعالى منه. ولذلك قلنا إنّه تعالى لو علم من حال بعض العباد أنّه إذا علم المعجز الذي هو القرآن ، سافر به إلى حيث لم تبلغه الدعوة ، وادّعاه معجزا لنفسه ، واستفسد به العباد ، أنّه يجب أن يمنعه تعالى من ذلك. وإن كان المعلوم أنّه لا يستفسد لم يجب المنع. فأمّا العبد إذا أضلّ غيره بالدعاء إلى الضلال ، فإنّما لم يجب المنع منه ، لأنّه قد كلّف الامتناع من ذلك ، فامتناعه باختياره ولا مصلحة له. ولأنّ لولاه لكان لا يفسد ابتداء أو بغير ذلك ، ولهذا قال شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله : إنّه تعالى لو علم من حال إبليس أنّه عند دعائه يضلّ العباد على وجه لولاه لكان لا يضلّ ، لمنعه من ذلك الإضلال! (ق ، م ٢ ، ٧٢٣ ، ١٥)

ـ تكلّم (عبد الجبّار) في الفصل بين ما يعدّ تمكينا وبين ما يعدّ مفسدة ، فقال إنّ الذي يعدّ مفسدة هو أن يتقدّم له التمكين من الشيء وخلافه ، وقد علم أنّه يختار ما يفسده عند أمر من الأمور فذلك هو بصفة المفسدة. وعلى ذلك نقول إنّ إدلاء الحبل إلى الغريق وهو متمكّن من تخليص نفسه ومن إهلاكها بغير هذا الوجه ، فإذا علم أنّه يختار إتلافها عند ذلك جعل مفسدة. وبهذا يفارق التمكين ، وذلك أن لا يكون قد تقدّم له القدرة على الأمرين ، وبهذا الحبل يتمكّن منهما ، فما هذا سبيله يعدّ تمكينا (ق ، ت ٢ ، ٣٩٦ ، ١٢)

ـ إن قيل : هلّا قلتم : إنّ كل أمر وجد عنده القبيح فهو استفساد فيه ، فلا يصحّ أن تقولوا في تكليف من يعلم أنّه يكفر إنّه ليس باستفساد. قيل له : إنّه لا معتبر بالعبارات فيما يحسن له الشيء ويقبح ، ويجب الاعتماد فيه على المعاني. وقد بيّنا الفصل بين الأمرين من حيث المعنى ، فلا يقدح في ذلك الاشتراك بينهما في الاسم ، وإن كنّا قد بيّنا أن ما لأجله يسمّى الشيء مفسدة أنّ عنده يختار الفساد على وجه لولاه كان يختار الصلاح عليه ، وذلك يقتضي أنّه إنّما سمّي بذلك ؛ لأنّه كالداعي إلى ما يقدر عليه وعلى غيره ، فهو بمنزلة الإغراء بالقبيح والتزيين له ، والترغيب فيه ، وليس كذلك حال التمكين ؛ لأنّه لولاه لاستحال منه الفساد والصلاح ، فكيف يقال : إنّ ما به يتمكّن من مصلحته ومفسدته يكون لطفا. ولو جاز فيما هذا حاله أن يقال : إنّه لطف واستفساد لجاز في

٣٥٨

نفس القدرة والآلة أن يقال فيهما ذلك ، وهذا يوجب التباس حال الألطاف والدواعي بأنواع التمكين ، والعقل قد فصل بين الأمرين (ق ، غ ١١ ، ٢٢١ ، ١)

ـ إنّ المقصد بإدلاء الحبل إلى من المعلوم أنّه يخنق به نفسه إن كان سلامته من الخنق والقتل ، فقد بيّنا أنّه ليس بنفع يحصل له بالإدلاء ، وأنّ الإدلاء فيه بمنزلة الحمل على الضرر ، ليتخلّص المحمول عليه منه ، فإن كان سلامته من الغرق مع العلم بأنّه يختار خنق نفسه وقتلها فيجب كونه قبيحا لأمرين : أحدهما أنّه مفسدة ، والثاني لأنّه قد قصد به من المنافع ما لا يوفي على المضرّة التي تحصل عنده ، لأنّ المقصد هو التخلّص من الغرق الذي نهاية ما فيه الهلاك ، مع تجويز التخلّص من دون الإدلاء. فإذا علم أنّه يقتل نفسه عند إدلاء الحبل عليه فقد كلّف أمرا ليتخلّص من ضرر مجوّز ، مع العلم بأنّه يختار مثل ذلك الضرر على وجه القطع (ق ، غ ١١ ، ٢٢٣ ، ١٣)

ـ قال شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله : إنّه يحسن أن يبعث تعالى الرسل إلى من يعلم أنّه إن أمره بتصديقه حاربه وعانده ، لأنّ ذلك تمكين. وقال في موضع آخر : يحسن منه بعثة الأنبياء إلى من يعلم أنّهم يزدادون كفرا بقتلهم وقتل أصحابهم. وهذا بيّن متى كان بعثتهم إليهم تمكينا من المحاربة وتركها ، والردّ عليهم وتركه ، وقتلهم وتركه. فأمّا إن وقع القتل والمحاربة منهم بعد البعثة على الوجه الذي يصحّ وقوعه من قبل ، وعلم تعالى أنّهم عند البعثة يختارون القبيح ولولاها لم يختاروا ذلك فيجب كون بعثته إليهم مفسدة. وإنّما أراد رحمه‌الله بما تقدّم أن تكون محاربتهم له على سبيل القصد إلى تكذيبه من حيث كان نبيّا وكذلك قتلهم إيّاه. وهذا بمنزلة تكذيبه والردّ عليه من حيث كان نبيّا في أنّ بعثته تمكين في ذلك (ق ، غ ١١ ، ٢٢٧ ، ١٦)

ـ إنّ المعتبر بما يريده تعالى بالمكلّف من المنزلة. فإذا أراد تعريضه لمنزلة مخصوصة ، وصحّ أن يكلّف ما يعلم أنّه يصل معه إلى تلك المنزلة لم يحسن تكليف ما يعلم أنّه يكفر. ومتى أراد به منزلة عظيمة قد علم أنّه لا ينالها البتّة (إلّا) بضرب من التكليف حسن أن يكلّفه ما يعلم أنّه يكفر ببعضه أو كلّه. فإذا ثبت ذلك لم يحسن منه سبحانه تبقية التكليف على المؤمن على وجه يعلم أنّه يكفر ، مع أنّه يصحّ أن يكلّفه على وجه يعلم أنّه يؤمن ، ويستحقّ القدر الذي عرض له من الثواب. وقد بيّنا أنّ المفسدة إنّما تقبح لأنّه يقتضي أنّ المكلّف قد أتي فيما اختاره من المعاصي من جهة المكلّف ، ولأنّ المكلّف لو أراد نفعه لما فعل ما يفسد عنده ، لأن المعلوم من حاله أنّه متى لم يفعل ذلك ، والتكليف ثابت على ما هو عليه والتعريض للثواب ، أنّه يصلح ، ومتى فعل ذلك به اختار الفساد ، فيجب أن يكون في حكم الصادّ له عمّا عرّضه له ، وهذا يقبح ، ويجري مجرى المتناقض في الدواعي. وليس كذلك إذا بقي التكليف على المؤمن مع العلم بأنّه يكفر ؛ لأنّه قد عرّضه لمنزلة زائدة لا يصحّ أن ينالها إلّا بهذا التكليف الزائد. وإنّما يؤتى في حرمانه نفسه الثواب واستحقاقه العقاب من قبل سوء اختياره. فيجب حسنه ومفارقته للمفسدة (ق ، غ ١١ ، ٢٥١ ، ١٢)

ـ فصل رحمه‌الله (أبو هاشم) بين المفسدة والمصلحة بأن قال : إنّه لا يمتنع أن لا يكون

٣٥٩

الفعل صلاحا ، إلّا إذا وقع من فعل المكلّف على وجه مخصوص. فلا يصحّ أن يقال لو كان مصلحة ، والمعلوم أنّ المكلّف لا يختار ، لوجب أن يلجئه تعالى إليه ؛ لأنّ الوجه الذي عليه يكون مصلحة هو أن يقع باختياره والإلجاء يؤثّر فيه ، فيصير كأنّه لم يقع فتفوت المصلحة ، وليس كذلك ما هو مفسدة ؛ لأنّ الفساد يتعلّق بوقوعه. فإذا منع تعالى منه لم يقع ؛ كما إذا امتنع هو منه لم يقع ، فيزول الفساد في الوجهين على حدّ واحد (ق ، غ ١٣ ، ٥٠ ، ٧)

مفسدة في الواجب

ـ سقط قول من قال : إذا كان حمل الواحد منّا على غيره بالسيف يجري مجرى التمكين من السلامة منه ؛ لأنّه عند ذلك يلزمه من السلامة ما لولاه لم يكن لازما ، وقبح عندكم مع ذلك ، فهلّا قبح تكليف من المعلوم منه أن يكفر ؛ لأنّ ما بيّناه قد أوجب الفصل بين الأمرين من حيث كان أحدهما في حكم الإلجاء إلى مضرّة على وجه لولاه لم تحصل منفعة ، وليس كذلك التكليف ؛ لأنّه تعريض للمنافع العظيمة ، على ما قدّمنا القول فيه. وعلى هذا الوجه يفصل بين الأمور التي ينتفي الواجب عندها ؛ فيحكم في بعضها أنّه قبيح إذا كان مفسدة في الواجب ، وفي بعضها أنّه حسن إذا كان تمكينا من ألّا يختار الواجب (ق ، غ ١١ ، ٢٢٢ ، ٢)

مفضول

ـ قطعنا على أنّ من كان من الصحابة حين موت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل من آخر منهم ، فإنّ ذلك المفضول لا يلحق درجة الفاضل له حينئذ أبدا وإن طال عمر المفضول وتعجّل موت الفاضل ، وبهذا أيضا لم نقطع على فضل أحد منهم رضي الله عنهم حاشا من ورد فيه النص من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ممّن مات منهم في حياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ح ، ف ٤ ، ١١٥ ، ٢٤)

مفعول

ـ إنّ من حق المقدور أن يكون معدوما ، كما أنّ من حق المفعول أن يكون موجودا. فكما أنّ خروجه إلى الوجود يحيل كونه مقدورا ، فكذلك بقاؤه مقدورا يوجب كونه معدوما. ولذلك قلنا : إنّ وجود المقدور يخرجه من كونه واجبا ؛ وأنّه لو لم يخرج بذلك من كونه واجبا لأدّى إلى أن لا يخرج من كونه واجبا أبدا. فإذا صحّ ذلك ، وكان هذا الشيء مقدورا من كلا الوجهين ، فيجب كونه معدوما منهما. فإذا فعل من أحدهما ، فالوجه الآخر ، في أنّه يجب أن يبقى معدوما ، كهو لو لم يوجد من كلا الوجهين (ق ، غ ٨ ، ١٠٢ ، ١)

ـ إنّ المفعول هو المنتقل من العدم إلى الوجود بمعنى من ليس إلى شيء ، فهذا هو المحدث ، ومعنى المحدث هو ما لم يكن ثم كان (ح ، ف ١ ، ٢٤ ، ١)

ـ (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) (الأحزاب : ٣٧) جملة اعتراضية : يعني وكان أمر الله الذي يريد أن يكوّنه مفعولا مكوّنا لا محالة ، وهو مثل لما أراد كونه من تزويج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زينب ، ومن نفي الحرج عن المؤمنين في إجراء أزواج المتبنين مجرى أزواج البنين في تحريمهن عليهم بعد انقطاع علائق الزواج بينهم وبينهنّ. ويجوز أن يراد بأمر الله المكوّن لأنّه مفعول بكن وهو أمر الله (فَرَضَ اللهُ لَهُ)

٣٦٠