موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ٢

الدكتور سميح دغيم

موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ٢

المؤلف:

الدكتور سميح دغيم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

مريد لنفسه

ـ أمّا من قال أنّه مريد لنفسه فلا يصحّ أن نجعل كونه مريدا متعلّقا بدواعيه ، وبما يجري مجرى اختياره. فيجب لو كان مريدا لنفسه أن يكون مريدا للضدّين ، وأن لا يصحّ لهم القول بأنّ إرادته لأحدهما ، نحيل كونه مريدا للآخر (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٢١ ، ٩)

ـ الأصل فيما يستحقّ تعالى من الصفة النفسيّة أنّها إنّما تجب إذا صحّت ، لأنّ القول بوجوب ما يستحيل يتناقض ، فلذلك تضمّن وجوبها القول بصحّتها. فكل ما ثبت أنّه يصحّ عليه ، وجب أن يستحقّه ، وكل ما ثبت استحالته عليه ، لم يكن له في هذا الباب مدخل. فلذلك قلنا : إنّ كونه تعالى غير موصوف بالقدرة على مقدور غيره ، لا يناقض وصفنا له بأنّه قادر لنفسه في المعنى. ووصفنا له بأنّه غير مريد لبعض المرادات ، ينقض وصفنا له بأنّه مريد لنفسه في المعنى ، من حيث صحّ كونه مريدا لجميعه. فوجب كونه تعالى مريدا له ، كما نقوله في المعلوم (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٢٣ ، ٣)

ـ وبعد ، فإنّه جلّ وعزّ كما يعلم ما يكون وما لا يكون ، فإنّه يعلم أنّ ما لا يكون من مقدوراته يصحّ أن يختاره ويفعله. وليس كذلك الحال فيما قالوه ، لأنّه لو كان مريدا لنفسه ، لوجب أن يستحيل أن يفعل ما ليس بمريد له ، من حيث كانت الإرادة عندهم موجبة. فلا يصحّ أن يريد الشيء ، إلّا ويجب كونه ، ولا يصحّ أن يكون ما لا يريده (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٣٩ ، ١١)

مزاح العلة

ـ اعلم أنّه لا بدّ مع التخلية بينه وبين الفعل ، على ما بيّناه ، من أن يجعل تعالى المكلّف مزاح العلّة ، وإزاحة العلّة لا يكون إلّا بأمر زائد على التخلية ، لأنّه لو خلّى بينه وبين الفعل ، ولم يعرف حسنه ، لصحّ أن يفعل ويتركه ، (و) كان لا يكون تعالى مزيحا لعلّته. وكذلك فلو أنّه تعالى لم يدلّ على حال الفعل ، لوجب ما ذكرناه. ولو أنّه تعالى لم يعرفه ما يدعوه من الأفعال إلى فعل ما وجب عليه ، أو لم يفعل به الألطاف التي عندها يختار ما كلّفه ، لكان غير مزيح لعلّته ، فلا بدّ من أن يفعل تعالى سائر ما ذكرناه ليكون مزيحا لعلّته ، فيحسن عند ذلك أن يكلّفه. فبحصول ما ذكرناه من إزاحة علّة المكلّف ، وإن اختلفت وجوهه ، يجب أن يفعل تعالى ما يدعوه به إلى ما كلّف ، أو يقوي به دواعيه ، أو يعلّمه أو يدلّه على ما عنده يحصل له الدواعي. فلتعلّق الجميع بالدواعي جعلناه داخلا في إزاحة العلّة. وقد ثبت أنّه تعالى إنّما كلّف العبد لينفعه بأجلّ المنافع وأعلاها وأسناها ، من حيث لا يحسن أن يبتدئه بها ، فلا بدّ من أن يمكنه من فعل ما ينالها به ، ولا بدّ إذا علم أنّه إنّما يختار الفعل لأمور ، أن يفعل تلك الأمور ، وإلّا نقض ذلك قولنا إنّ غرضه أن يعرّضه للمنافع (ق ، م ٢ ، ٧١٦ ، ٣)

مزدقية

ـ حكاية قول المزدقية : حكى الورّاق أنّ قولهم كقول كثير من المانويّة في الكونين ، لكنهم زعموا أنّ النور يفعل على القصد والظلمة تفعل بالخبط (ق ، غ ٥ ، ١٦ ، ١)

مسبّب

ـ اختلفوا (المعتزلة) هل يجوز أن يترك المتولّد إذا ترك سببه أم لا على مقالتين : فقال قائلون :

٣٠١

إنّما يترك السبب فأمّا المسبّب فمحال أن يكون الترك لسببه تركا له ، وهذا قول" عبّاد" و" الجبّائي". وقال قائلون : قد نترك المسبّب بتركنا للسبب (ش ، ق ، ٤٠٩ ، ١٥)

ـ إنّ المسبّب على وجهين إمّا أن يقترن بسببه وإمّا أن يتراخى عن سببه. فما يقترن أحد الأمرين فيه بالآخر فحاله وحال المبتدأ سواء في شروط استحقاق هذه الأمور عليهما بلا خلاف على شيء من الوجوه ، لأنّه باقترانه بسببه قد حلّ محلّ فعل آخر مبتدأ اقترن بهذا السبب ، فما يشرطه في المبتدأ فهو شرط هاهنا. وأمّا إذا تراخى المسبّب عن السبب فإنّه قد يزول عنه الذمّ في المسبّب لسهوه عنه وجهله به حتى لا يعرفه ولا يتمكّن من معرفته. ألا تراه لو رمى صيدا فأصاب مسلما لم يستحقّ الذمّ على هذا المتولّد عن الرمي. وإن كان في تسميته بأنّه قبيح أم لا خلاف ، ولكن لمّا لم يعرف هذا المسبّب ولا خطر له بالبال وزال عنه التمكّن من ذلك أيضا ، فزال عنه الذمّ ، ولو حصل فيه ما قلناه أولا لثبت فيه الذمّ. فمن هذه الجهة يفارق هذا المسبّب المبتدأ ، والمتولّد المقارن لسببه ، وهذا إنّما يتأتّى في المسبّبات التي تتجدّد فيها الأسباب حالا فحالا ، وإلّا فليس يصحّ في هذا السبب الواحد أن يتأخّر مسبّبه إلى أزيد من الوقت الثاني كما نقوله في النظر والاعتماد (ق ، ت ١ ، ٤١٢ ، ١٩)

ـ إنّ المسبّب الذي يتراخى يصحّ أن يكره في حال وقوعه وبعد فعل السبب ويصحّ الندم عليه. وعلى هذا صحّت التوبة من الإصابة بعد وجود الرمي ، وهذه الطريقة ممتنعة في المبتدأ والمتولّد الذي يصاحب سببه ، لأنّ الكراهة عنه صارفة عن فعله فغير جائز بعد فعل السبب أن يكره المسبّب وهذا بيّن (ق ، ت ١ ، ٤١٣ ، ٦)

ـ إنّ بعد وجود السبب قد يصحّ وجود عارض يمنع من وجود المسبّب ، وهذا ممتنع في المبتدأ. وكذلك فإن المسبّب إنّما يمكنه أن يفعله بأن نفعل غيره ، ويمكنه أن لا يفعله بأن لا يفعل غيره ، والمبتدأ لا يصحّ ذلك فيه. وعلى طريقة" أبي هاشم" في أحد مذهبيه يصحّ أن يستحقّ المرء الذمّ على المسبّب قبل وقوعه ووجوده من حيث صار بوجود السبب في حكم الواقع الخارج عن المقدور ، وليس كذلك في المبتدأ. فأمّا على مذهبه الثاني فهما متساويان. والذي قال في الكتاب عند قوله : إنّهما يفترقان في كيفية التلافي في المسبّب قبل وقوعه ، إنّما يريد به التوبة التي قدّمنا ذكرها. ثم قوله : وإن كان في كيفية التوبة اختلاف لفظ إنّما يريد به أنّ في كلام" شيوخنا" أنّه يندم عند فعل السبب الذي يولّد القبيح على السبب وعلى المسبّب جميعا. وربما جرى غير ذلك وهو أن يندم على السبب الموجود لوجهين أحدهما لقبحه والثاني لأنّه يوجب القبيح وهذا أقرب (ق ، ت ١ ، ٤١٣ ، ١١)

ـ إنّ المسبّب قد بيّنا أنّه يتعلّق بالقادر كالسبب ، وإن كان يحدثه بغيره ، لا بأن يبتدئه. فكذلك ما يقع فيه على جهة الإلجاء يجب أن يتعلّق به ، وإن وجب وجوده لأجل الداعي. لكنّ الداعي لا يصحّ كونه موجبا ، لأنّ أمارة الأسباب منتفية عنه ، ولأنّها قد لا توجب مع ارتفاع الموانع (ق ، غ ٨ ، ٦٢ ، ١٨)

ـ إنّ المسبّب يرجع إلى الفاعل ويقع منه لكونه قادرا كالسبب ، وإن كان أحدهما يفعل بواسطة ، والآخر يفعل على جهة الابتداء (ق ، غ ٩ ، ٣٣ ، ١١)

٣٠٢

ـ بيّن شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله في البغداديّات أن المسبب الذي هو الحركات يقع بحسب القدر ، فأسقط قول من قال في المنحدر من شاهق أن تحرّكه لا يقع بحسب قدره. وبيّن أن حال ما يرمى به وإن تفاوت في النفوذ فإنّ ذلك لعوارض تجري مجرى المنع ، لا لأنّ المسبب لا يقع بحسب القدر ، وبيّن أنّ من حق القدر ألّا يجوز أن تفعل بها إلّا جزءا واحدا من جنس واحد في محل واحد ، وأنّ المتولّد والمباشر في هذا الباب يتّفقان (ق ، غ ٩ ، ٤٢ ، ٥)

ـ إن وجود المسبّب يتبع السبب ولا يتبع اختيار الفاعل ولا سائر أحواله ، فمتى وجد منه تعالى فعله على هذا الوجه فيجب كونه مولدا لمشاركة ما يفعله في علّة التوليد (ق ، غ ٩ ، ٩٨ ، ٦)

ـ كان شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله ، يقول في المسبّب : إنّه يجب أن يعتبر حسنه بحسن سببه ، لأنّه يجعلهما في حكم الشيء الواحد ، فيحكم بحسن ما يتولّد عن النظر من حيث علم حسن النظر (ق ، غ ١٢ ، ١٨٧ ، ٨)

ـ أمّا شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله ، فإنّه يقول في المسبّب : إنّه يجب أن يتبع السبب ، لكنّه لا يجوز في السبب في أن يكون حسنا والمسبّب قبيحا ، وإنّما يجوز فيه أن يكون السبب حسنا والمسبّب لا حسنا ولا قبيحا ، بأن يقع على جهة السهو. فلهذا قال في النظر : إنّه لو ولّد الجهل أو كان فيه ما يولّده ، لم يصحّ أن يعلم العاقل حسنه. فعلى طريقته ، إذا ثبت حسن النظر ، علم أنّه لا يجوز أن يتولّد عنه الجهل وإنّما يتولّد عنه ما يكون معتقده على ما هو على وجه لا يكون قبيحا (ق ، غ ١٢ ، ١٨٧ ، ١١)

ـ قد ذكر شيخنا أبو عبد الله ، رحمه‌الله ، أنّه لا يمتنع أن يحسن السبب ويقبح المسبّب بأن يكون ظلما ، نحو أن يرمي الهدف على وجه يحسن منه فيصيب إنسانا. وبنى ذلك على قوله في فعل الساهي : إنّ ما اختصّ منه بصفة الظلم يجب كونه قبيحا وإن لم يجب مثله في الحركات وغيرها من أفعاله (ق ، غ ١٢ ، ١٨٧ ، ١٩)

ـ رأى شيخنا أبو هاشم ، رحمه‌الله ، إنّ المسبّب لا يوجد إلّا بسببه ؛ فإنّ أحدنا لو أراد أن يفعله ، ولمّا تقدّم سببه ، لاستحال ذلك منه. فقال لأجل ذلك : إنّه عند السبب يستحقّ ثواب المسبّب إذا كان المعلوم في المسبّب أنّه يوجد لا محالة. ورأى أن عند وجود السبب قد خرج المسبّب من أن يكون مقدورا له ، وصار في حكم الواقع ، حتى لو أراد التوصّل إلى أن لا يقع لتعذّر عليه ، فحكم بذلك بأنّه قد صار في حكم الموجود في باب استحقاقه ثوابه عند إيجاد السبب. ولذلك لا يحسن ، وقد أوجد السبب ، أن يؤمر بالمسبّب أو ينهى عنه. كما لا يجوز أن يؤمر بنفس السبب وينهى عنه. فدلّ ذلك على أنّه في باب كونه في حكم الموجود ، بمنزلة السبب. فيجب أن يستحقّ به ثوابه ويستحقّ عنده ثواب المسبّب. ولذلك يصحّ من فاعل السبب أن يتوب فيزيل عن نفسه العقاب الذي يستحقّه بالسبب والمسبّب. ولو لا أنّه قد استحقّهما جميعا قبل إيجاد المسبّب ، لما صحّت التوبة منه (ق ، غ ١٢ ، ٤٦٦ ، ٩)

ـ إنّ السبب لا يولّد ما يولّده من المسبّبات لما هو عليه في ذاته ، وإن كنّا قد جعلناه مؤثرا. وليس كل ما يكون مؤثرا في شيء يجب أن يكون تأثيره راجعا إلى الجنس والذات ، بل السبب إنّما يولّد لحدوثه ، وحدوثه يتعلّق بالفاعل. فكذلك مسبّب السبب يجب أن

٣٠٣

يكون بالفاعل ، وكذلك ما يتبع الحدوث مما يقع الحدوث عليه من الوجوه ، فإنّه يتعلّق بالفاعل (ن ، د ، ٨٣ ، ٣)

ـ إنّ السبب والمسبّب يجريان مجرى شيء واحد ، بدليل أنّ القادر عليهما والفاعل لهما واحد ، فقبح أحدهما قبح الآخر ، وحسن أحدهما حسن الآخر ، فيجب أن تكون إرادة أحدهما هي إرادة الآخر ، وهذا يوجب أن لا يريد السبب إلّا ويريد المسبّب مع علمه بذلك. وقولنا : مع علمه بذلك ، احتراز عن الساهي والنائم (ن ، د ، ٩٤ ، ١٤)

ـ إن قيل : إنّ فقد القدرة على السبب ، يجري مجرى المنع عن إيجاد هذا المسبّب بهذه القدرة. قيل له : إنّ هذا المسبّب لا يوجد بقدرة السبب بزعمك ، ولا يوجد بالسبب في الحقيقة ، وإنّما يوجد بكون القادر قادرا عليه ، ولا يحتاج ذلك المسبّب في وجوده إلى سبب ولا إلى القدرة عليه ، فيجب أن لا يكون فقد القدرة على السبب جاريا مجرى المنع من وقوعه (ن ، م ، ٣٥٨ ، ٢١)

ـ أبو هاشم : والسبب والمسبّب كالشيء الواحد في الحسن والقبح حيث اشتركا في القصد. وعن قوم وأحد قولي أبي علي : بل قد يولّد القبيح حسنا والعكس. قلنا : المسبّب موجود بوجود سببه ، فيستحيل اختلافهما (م ، ق ، ٩٦ ، ٢٢)

مسبّب واحد عن سببين

ـ بهذه الطريقة نمنع من وقوع مسبّب واحد عن سببين ، يبيّن ما قلناه إن سبب هذا الفعل إذا وجد فلا يخلو من أن يجب وجود الفعل أم لا يجب ، فإن لم يجب وجوده وجب خروجه من أن يكون سببا له ، وأن يكون الفعل واقعا على جهة الابتداء ، وإن وجب وجوده لم يكن لإرادته تأثير فيه ، فيجب كونه موجودا بالسبب فقط ، وهذا يمنع من صحّة كونه موجودا من الوجهين ، (أي موجودا معدوما) (ق ، غ ٩ ، ١٢١ ، ٦)

مسبّب يصاحب السبب

ـ أمّا المبتدأ فعند وجوده وكذلك المسبّب الذي يصاحب السبب يزول تعلّقه عند وجود سببه. وهكذا إن ولّده في الثاني. فأمّا القديم تعالى فالمبتدأ من فعله إن صحّت إعادته لم يزل تعلّقه به ، وفي المسبّب إذا تولّد عن سبب لا يبقى زال تعلّقه به عند وجود سببه بلا إشكال. فأمّا إن كان مما يبقى سببه فهو مبني على صحّة الإعادة فيه وقد مضى ذكره في موضعه. فإن قلنا بأن السبب باق ويقع مبتدأ فأعيد ، فلا بدّ من أن يكون له مسبّب في حال الإعادة غير ما كان في حال البدء ، هذا إن كانت تلك المسبّبات التي له في حال الابتداء قد وقعت ، ويحتمل أن يقال : إن كانت لم تقع ولدت هذه المسبّبات بأعبائها وفيه نظر (ق ، ت ١ ، ٤٢٧ ، ٨)

مسبّبات

ـ غير ممتنع أن توجد مسبّبات كثيرة عن سبب واحد (ن ، د ، ١٤٩ ، ١٣)

مستحب

ـ قولنا" مرغب فيه" أنّه قد بعث المكلّف على فعله بالثواب. ويفيد في العرف ما هذه سبيله ممّا ليس بواجب ، ويوصف أنّه" مستحب".

٣٠٤

ومعناه في العرف أنّ الله سبحانه قد أحبّه ، وليس بواجب (ب ، م ، ٣٦٧ ، ١٣)

مستحق بالأفعال

ـ أمّا المستحقّ بالأفعال ، فهو المدح والذمّ ، وما يتبعهما في الثواب والعقاب ، ولكل واحد في هذه الألفاظ معنى (ق ، ش ، ٦١١ ، ١٠)

مستحق بالآلام

ـ إنّ المستحقّ بالآلام لا يختلف فيمن يستحقّ العقاب والثواب ؛ لأنّ اختلاف حالهما في ذلك لا يغيّر حال ما يستحقّ بالألم ، فلو كان المستحقّ به إزالة العقاب فيمن يستحقّ العقاب لوجب أن يكون هو المستحقّ في غيره ، فبقي بطلان ذلك دلالة على أنّ المستحقّ به هو المنافع على ما ذكرناه. يبيّن ما ذكرناه أن من حقّ التوبة أن تزيل العقاب ويستحقّ به ذلك ، وإذا أزال به العقاب لم يجز أن يكون ما تقدّم من الألم يستحقّ به إزالة العقاب ؛ لأن ذلك يؤدّي إلى أن يزول العقاب بكل واحد منهما وأحدهما في ذلك يغني عن صاحبه (ق ، غ ١١ ، ٨٨ ، ١٥)

مستحق بالنظر والمعارف

ـ إنّما صحّ القول فيما يفعله القديم ، تعالى ، من الواجب أنّه يستحقّ المدح دون الثواب لأمرين : أحدهما أنّ الثواب يستحيل عليه ، ومحال أن يقال : إنّه يستحقّ ما يستحيل فيه ؛ والثاني أنّه لا مشقّة تجوز عليه في الأفعال. وليس كذلك حال الواحد منّا ، فيجب أن يستحقّ بالنظر والمعارف المدح والثواب ، وبالإخلال بهما الذمّ والعقاب ، لأنّا سنبيّن من بعد ، أنّ الوجه الذي يستحقّ عليه الذمّ هو الوجه الذي عليه يستحقّ العقاب في تروك الواجبات. كما أنّ الثواب والمدح يستحقّان على وجه واحد في الواجبات (ق ، غ ١٢ ، ٤٤٥ ، ١٠)

مستحق به المدح والثواب

ـ (المعارف) واجبة. وقد صحّ فيما يجب على المكلّف أنّه يستحقّ به المدح والثواب ، وبالإخلال به الذمّ والعقاب. وسنبيّن ذلك في باب الوعيد. وقد تقدّم طرق من القول فيه ، لأنّا قد بيّنا أنّه لا يحسن منه تعالى إلزام المكلّف الأمور الشاقّة إلّا ليعرّضه لمنزلة الثواب ، وأنّه لو لا ما فيه من المضرّة لم يكن ليحسن أن يوجبه للمنفعة فقط. لأنّ إلزام الشاقّ للنفع فقط هو إلزام لوجه لا يلزم لأجله. فإذا صحّ ذلك ، وعلمنا من حال النظر والمعارف أنّها لازمة مع ما فيها من المشقّة ، فيجب أن يكون هذا حالها (ق ، غ ١٢ ، ٤٤٤ ، ٥)

مستحق عليه العوض

ـ أمّا المستحقّ عليه (العوض) فلا يخلو ؛ إمّا أن يكون هو الله تعالى أو غيره ، فإن كان الله تعالى فإنّه يوفّر على المستحقّ ما يستحقّ من عنده ، وإن كان من غيره فإنّه تعالى يأخذ منه العوض ويوفّره على المستحقّ ، سالكا في ذلك طريقة الانتصاف ، فحال القديم تعالى في هذا الباب كحال وليّ الأيتام ، فكما أنّه إذا وقعت منه جناية قابلها بالأرض ، وإذا جنى بعضهم على بعض أخذ الأرض من مال الجاني وضمّه إلى مال المجني عليه ، وكذلك القديم تعالى (ق ، ش ، ٥٠٤ ، ١٨)

٣٠٥

مستحق للعوض

ـ إنّ المستحقّ للعوض لا يخلو : إمّا أن يكون مكلّفا أو غير مكلّف. فإن كان مكلّفا فلا يخلو ؛ إمّا أن يكون من أهل الثواب أو من أهل العقاب. فإن كان من أهل الثواب فلا يخلو ، إمّا أن يكون مستحقّا على الله تعالى ، أو يكون مستحقّا على غير الله تعالى. فإن استحقّه على الله تعالى ، فإنّه تعالى يوصله إليه ويوفّره عليه بتمامه وكماله مفرّقا على الأوقات ، بحيث يقع الاعتداد به ، على ما مرّ. وإن استحقّه على غير الله تعالى ، فإنّه تعالى يأخذ من ذلك الغير العوض مكلّفا كان أو غير مكلّف ، ويوفّره عليه بحيث لا يكون لأحد منهما كلام. وإن كان من أهل العقاب فلا يخلو ؛ إمّا أن يستحقّ العوض على الله تعالى أو على غيره ، فإن استحقّه على الله تعالى فإنّه يوفّره الله تعالى عليه إمّا في دار الدنيا وإمّا في دار الآخرة ، قبل دخول النار أو بعدها ، بحيث لا يقع له الاعتداد به ولا يلحقه بذلك سرور ولا فرح ، خلاف ما قاله أبو علي من أنّ بالعقاب يسقط العوض وينحبط. وإن استحقّه على غير الله تعالى ، فإنّه تعالى يأخذ من المستحقّ عليه مكلّفا كان أو غير مكلّف ، ويوصله إليه على الوجه الذي ذكرناه. هذا إذا كان الكلام في المكلّف ؛ فأمّا إذا كان في غير المكلّف فلا يخلو ؛ إمّا أن يستحقّ العوض على الله تعالى أو على غيره. فإن استحقّه على الله تعالى يوفّر عليه بكماله وتمامه ، وإذا انقطع عوضه نقله إلى صورة يلتذّ أهل الجنّة بالنظر إليها على ما مرّ ، وإن كان الأقرب أنّه تعالى يديم الفضل عليه بعد ذلك ، فقد اتّفقت الأمّة على أنّ لا موت بعد الحشر (ق ، ش ، ٥٠٣ ، ١٦)

مستحيل

ـ ليس من حكم كونه قادرا لنفسه أن يقدر على كل مقدور كما أنّ من حكمه أن يقدر على كل جنس وعلى ما لا نهاية له من كل جنس. وذلك لأنّه إنّما يدخل تحت صفة النفس في الوجوب ما يصحّ. فأمّا المستحيل فلا يدخل تحت الوجوب (ق ، ت ١ ، ١١١ ، ٨)

ـ المستحيل هو ضروريّ العدم بحيث لو قدّر وجوده لزم منه محال (ش ، ن ، ١٥ ، ٤)

ـ لا يقولون (أبو هاشم وأتباعه) بأنّ الحال سلب محض ، بل يقولون إنّها وصف ليس بموجود ولا معدوم. والمستحيل عندهم ليس بموجود ولا معدوم ، مع أنّه ليس بحالّ. فإذن ، الحال يشتمل عندهم على معنى غير سلب الوجود ، والعدم يختصّ بتلك الأمور يسمّونها حالا ، وتشترك الأحوال فيه ؛ ولكونها غير مدركة بانفرادها لا يحكمون عليها بالتّماثل والاختلاف (ط ، م ، ٩٠ ، ١١)

مستدل

ـ المستدل الناظر في الدليل ، واستدلاله نظره في الدليل وطلبه به علم ما غاب عنه (ب ، ن ، ١٥ ، ١٥)

ـ وجود المستدلّ على الله سبحانه ، لازم لوجود الدليل ، لأنّ وجوده هو نفس الدليل ، فيبطل تقدير عدم الدليل على الله سبحانه مع وجود المستدلّ ، بخلاف العكس ، لجواز أن يخلق الله تعالى شيئا لا يعلم ، نحو الجماد ، قبل خلقه من يعلم ، والجهل بوجه الدليل لا يبطل كونه دليلا ، لأنّ الجهل لا تأثير له في إبطال الأدلّة باتّفاق العقلاء (ق ، س ، ٥٩ ، ٩)

٣٠٦

مستطيع

ـ زعم" النظّام" و" علي الاسواري" أنّ الإنسان حيّ مستطيع بنفسه لا بحياة واستطاعة هما غيره (ش ، ق ، ٢٢٩ ، ٣)

ـ إنّ الإنسان حيّ مستطيع والحياة والاستطاعة هما غيره ، وهذا قول" أبي الهذيل" و" معمّر" و" هشام الفوطي" وأكثر المعتزلة (ش ، ق ، ٢٢٩ ، ٩)

ـ إن قال قائل لم قلتم أنّ الإنسان يستطيع باستطاعة هي غيره ، قيل له لأنّه يكون تارة مستطيعا وتارة عاجزا ، كما يكون تارة عالما وتارة غير عالم ، وتارة متحرّكا وتارة غير متحرّك ، فوجب أن يكون مستطيعا بمعنى هو غيره (ش ، ل ، ٥٤ ، ٣)

ـ أمّا وصفنا له سبحانه بأنّه مستطيع فقد قال شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله : إنّه يوصف بذلك ، ويراد به أنّه قادر ، وإن هذه اللفظة صحيحة في الله تعالى. قال : ويجوز أن يقال إنّه يمكنه أن يفعل كما يقال إنّه يستطيع أن يفعل. وهذا بيّن ، لأنّ قولنا مستطيع وقادر في الشاهد يجريان مجرى واحدا (ق ، غ ٥ ، ٢١٧ ، ٦)

ـ أجاز (أبو هاشم) بقاء المستطيع أبدا مع بقاء قدرته وتوفّر الآلة وارتفاع الموانع عنه خاليا من الفعل والترك. فقيل له ، على هذا الأصل : أرأيت لو كان هذا القادر مكلّفا ومات قبل أن يفعل بقدرته طاعة له ما ذا يكون حاله؟ فقال : يستحقّ الذمّ والعقاب الدائم ، لا على فعل ، ولكن من أجل أنّه لم يفعل ما أمر به مع قدرته عليه ، وتوفّر الآلة فيه ، وارتفاع الموانع منه ، فقيل له : كيف استحقّ العقاب بأن لم يفعل ما أمر به وإن لم يفعل ما نهي عنه دون أن يستحقّ الثواب بأن لم يفعل ما نهي عنه وإن لم يفعل ما أمر به (ب ، ف ، ١٨٦ ، ١٢)

ـ أجاز (أبو هاشم) بقاء المستطيع أبدا مع بقاء قدرته وتوفّر الآلة وارتفاع الموانع عنه خاليا من الفعل والترك. فقيل له ، على هذا الأصل : أرأيت لو كان هذا القادر مكلّفا ومات قبل أن يفعل بقدرته طاعة له ما ذا يكون حاله؟ فقال : يستحقّ الذمّ والعقاب الدائم ، لا على فعل ، ولكن من أجل أنّه لم يفعل ما أمر به مع قدرته عليه ، وتوفّر الآلة فيه ، وارتفاع الموانع منه ، فقيل له : كيف استحقّ العقاب بأن لم يفعل ما أمر به وإن لم يفعل ما نهي عنه دون أن يستحقّ الثواب بأن لم يفعل ما نهي عنه وإن لم يفعل ما أمر به (ب ، ف ، ١٨٦ ، ١٥)

ـ المستطيع جوهر ، والجوهر لا ضدّ له فصحّ بالضرورة أنّ الاستطاعة هي غير المستطيع بلا شكّ (ح ، ف ٣ ، ٢٨ ، ٧)

مستفيض متوسط بين تواتر وآحاد

ـ هذا النوع (من الأخبار) المستفيض المتوسّط بين التواتر والآحاد على أقسام : أحدها خبر من دلّت المعجزة على صدقه كأخبار الأنبياء عليهم‌السلام. والثاني خبر من أخبر عن صدقه صاحب معجزة. والثالث خبر رواه في الأصل قوم ثقات ثم انتشر بعدهم رواته في الإعصار حتى بلغوا حدّ التواتر وإن كانوا في العصر الأول محصورين ، ومن هذا الجنس أخبار الرّؤية كالأخبار في الرؤية والشفاعة والحوض والميزان والرجم والمسح على الخفين وعذاب القبر ونحوه. والقسم الرابع منه خبر من أخبار الآحاد في الأحكام الشرعيّة كل عصر قد أجمعت الأمّة على الحكم به كالخبر في أن لا وصية لوارث وفي أن لا ينكح المرأة على

٣٠٧

عمّتها ولا على خالتها وفي أنّ السارق لما دون النصاب ومن غير حرز لا يقطع (ب ، أ ، ١٢ ، ١٧)

مستقر الأرواح

ـ قال أبو محمد اختلف الناس في مستقرّ الأرواح ، وقد ذكرنا بطلان قول أصحاب التناسخ في صدر كتابنا هذا والحمد لله ربّ العالمين ، فذهب قوم من الروافض إلى أنّ أرواح الكفّار ببرهوت ، وهو بئر بحضر موت ، وأنّ أرواح المؤمنين بموضع آخر أظنّه الجابية ، وهذا قول فاسد لأنّه لا دليل عليه أصلا ، وما لا دليل عليه فهو ساقط ، ولا يعجز أحد عن أن يدّعي للأرواح مكانا آخر غير ما ادّعاه هؤلاء ، وما كان هكذا فلا يدين به إلّا مخذول وبالله تعالى التوفيق ، وذهب عوام أصحاب الحديث إلى أنّ الأرواح على أفنية قبورها وهذا قول لا حجّة له أصلا تصحّحه إلّا خبر ضعيف لا يحتجّ بمثله لأنّه في غاية السقوط ، لا يشتغل به أحد من علماء الحديث وما كان هكذا فهو ساقط أيضا ، وذهب أبو الهذيل العلاف والأشعريّة إلى أنّ الأرواح أعراض تفنى ولا تبقى وقتين ، فإذا مات الميت فلا روح هنالك أصلا ، ومن عجائب أصحاب هذه المقالة الفاسدة قولهم أنّ روح الإنسان الآن غير روحه قبل ذلك ، وأنّه لا ينفكّ تحدث له روح ثم تفنى ، ثم روح ثم تفني ، وهكذا أبدا ، وأنّ الإنسان يبدل ألف ألف روح وأكثر في مقدار أقل من ساعة زمانية ، وهذا يشبه تخليط من هاج به البرسام ، وزاد بعضهم فقال إن صحّت الآثار في عذاب الأرواح فإنّ الحياة ترد إلى أقل جزء لا يتجزّأ من الجسم ، فهو يعذّب ، وهذا أيضا حمق آخر ودعاوي في غاية الفساد ، وبلغني عن بعضهم أنّه يزعم أنّ الحياة ترد إلى عجب الذنب فهو يعذّب أو ينعم ، وتعلّق بالحديث الثابت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كل ابن آدم يأكله التراب إلّا عجب الذنب منه خلق وفيه يركّب (ح ، ف ٤ ، ٦٩ ، ٣)

مستقيم

ـ قوله : (الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة : ٦) قيل : هو القائم بمعنى الثابت بالبراهين والأدلة لا يزيله شيء ، ولا ينقض حججه كيد الكائدين ، ولا حيل المريبين (م ، ت ، ٢٥ ، ١٠)

ـ المستقيم الذي يستقيم بمن تمسك به حتى ينجيه ويدخله الجنّة (م ، ت ، ٢٥ ، ١٣)

ـ قيل المستقيم بمعنى : يستقام به كقوله : (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) (النمل : ٨٦) أي يبصر به. يدل عليه قوله (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) (فصلت : ٣٠) الآية. فالمستقيم هو المتبع له وبالله التوفيق (م ، ت ، ٢٥ ، ١٤)

مسرور

ـ المسرور إنّما يسرّ بأن يعلم وصول نفع إليه أو يظنّ ذلك أو يعتقده (ق ، غ ٤ ، ١٥ ، ٥)

مسلم

ـ روى في قصة جبريل فيما سأل رسول الله عن الإيمان فقال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه من الله ، وسأل عن الإسلام فقال : أن تشهد أن لا إله إلا الله وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت. فقال في الأوّل : فإن فعلت هذا فأنا مؤمن ، وفي الثاني فأنا مسلم ، قال : نعم صدقت (م ، ح ، ٣٩٣ ، ١٤)

٣٠٨

إنّه من البعيد عن العقول أن يأتي المرء بجميع شرائط الإيمان ثم لا يكون مسلما ، أو يأتي بجميع شرائط الإسلام ثم لا يكون [مؤمنا] ، ثبت أنّهما في الحقيقة واحد. ومعلوم أنّ الذي يسع له التسمّي بأحدهما يسع بالآخر ، وأنّ الذي به يختلف الأديان / إنّما هو الاعتقاد لا بأفعال سواه ، وبالوجود يستحق كل الاسم المعروف ؛ لذلك وجب ما قلنا. وقد قال الله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) (آل عمران : ١٩) ، وقال : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (آل عمران : ٨٥) (م ، ح ، ٣٩٦ ، ٢)

ـ في معنى المسلم في اللغة قولان : أحدهما أنّه المخلص لله العبادة ، من قولهم قد سلّم هذا الشيء لفلان إذا خلص له. والثاني المسلّم بمعنى المستسلم لأمر الله تعالى كقوله : (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (البقرة : ١٣١). أي استسلمت لأمره (ب ، أ ، ٢٤٨ ، ٣)

مسموع

ـ المسموع هو الكلام أو الصوت ، وكلام البشر يسمع في الحقيقة ، وكذلك كلام الله نسمعه في الحقيقة إذا كان متلوّا ، وأنّه هذه الحروف التي نسمعها ولا نسمع الكلام إذا كان محفوظا أو مكتوبا (ش ، ق ، ٥٨٧ ، ١١)

ـ لا مسموع إلّا الصوت ، وإنّ كلام الله سبحانه يسمع لأنّه صوت وكلام البشر لا يسمع لأنّه ليس بصوت إلّا على معنى أنّ دلائله التي هي أصوات مقطّعة تسمع ، وهذا قول" النظّام" (ش ، ق ، ٥٨٧ ، ١٥)

ـ إنّ المسموع ليس إلّا ما أحدثه القارئ فقط. تبيّن صحّة هذا أنّه يقف ما يفعله من الكلام على حاله في القوة والضعف ، وعلى حال الأسباب التي يفعلها ، وتقع أيضا بحسب دواعيه وقصوده فثبت أنه فعله فقط (ق ، ت ١ ، ٣٤٤ ، ١٠)

ـ قال الشيخ أبو علي : أجمعت الأمّة على أنّ المسموع هو كلام الله تعالى (أ ، ت ، ٤٢٣ ، ٢٠)

ـ الذي يجب القطع به ، أنّ المسموع المدرك في وقتنا الأصوات ؛ فإذا سمّي كلام الله تعالى مسموعا ، فالمعنيّ به كونه مفهوما معلوما ، عن أصوات مدركة ومسموعة. والشاهد لذلك من القضايا الشرعيّة إجماع الأمّة على أن الرّب تعالى خصّص موسى ، وغيره من المصطفين من الأنس والملائكة ، بأن أسمعهم كلامه العزيز من غير واسطة (ج ، ش ، ١٢٩ ، ١٦)

مسمّى

ـ ما سمّي به الشيء لنفسه فواجب أن يسمّى به قبل كونه كالقول جوهر وكذلك سواد وبياض وما أشبه ذلك ، وما سمّي به لوجود علّة لا فيه فقد يجوز أن يسمّى به مع عدمه وقبل كونه إذا وجدت العلّة التي كان لها مسمّى بالاسم ، كالقول مدعوّ ومخبر عنه ، إذا وجد ذكره والإخبار عنه ، وكالقول فإن يسمّى به الشيء مع عدمه إذا وجد فناؤه ، قال وما سمّي به الشيء لوجود علّة [فيه] فلا يجوز أن يسمّى به قبل كونه مع عدمه ، كالقول متحرّك وأسود وما أشبه ذلك ، وما سمّي به الشيء لأنّه فعل وحديث نفسه (؟) كالقول مفعول ومحدث لا يجوز أن يسمّى بهذا الاسم قبل كونه ، وما سمّي به الشيء وسمّيت به أشياء للتفريق بين أجناسها

٣٠٩

وغيرها من الأجناس سمّاها الاسم قبل كونها ، وما سمّي به الشيء كان (؟) إخبارا عن إثباته أو دلالة على ذلك كالقول كائن ثابت وما أشبه ذلك يجوز أن يسمّى به قبل كونه (ش ، ق ، ٥٢٣ ، ١)

مسمّى الامتناع

ـ إنّ مسمّى الامتناع ليس بموجود ولا معدوم وذلك هو الواسطة (خ ، ل ، ٣٩ ، ١٢)

مسمّى الحدوث

ـ إنّ الآن الصادق فيه على الماهيّة ، مسمّى الحدوث ـ وهو الخروج من العدم إلى الوجود ـ ليست فيه موجودة ، ولا معدومة ؛ وإلّا صدق مسمّاه علينا وهو يغايرهما ؛ ولأنّ الحدوث ثبوتيّ ، لعدم الواسطة فلا يقوم بالمعدوم. وله تقرير آخر وهو أنّها آن انتقالها من العدم إلى الوجود ليست معدومة ، وإلّا فلا انتقال ، ولا موجودة ، وإلّا بعد؟ انقطع ، فلا بدّ من متوسّط (خ ، ل ، ٣٩ ، ١٤)

مسمّيان

ـ إنّ الاسم إذا وقع على المسمّيين لم يخلن من أربعة أقسام : إمّا أن يكون وقع عليهما لاشتباه ذاتيهما كقولنا جوهر وجوهر ، وإمّا أن يكون وقع عليهما لاشتباه ما احتملته الذاتان كقولنا متحرّك ومتحرّك وأسود وأسود ، أو يكون وقع عليهما لمضاف أضيفا إليه وميّزا منه لولاه ما كان كذلك كقولنا محسوس ومحسوس ومحدث ومحدث ، أو يكون وقع عليهما وهو في أحدهما بالمجاز وفي الآخر بالحقيقة كقولنا للصندل المجتلب من معدنه صندل وهو واقع عليه في الحقيقة وقولنا للإنسان صندل وهو تسمية له على المجاز (ش ، ق ، ٥٠٠ ، ٨)

مسنون

ـ المسنون : ما يثاب فاعله ، ولا يعاقب تاركه (ب ، ف ، ٣٤٧ ، ٦)

مسيح

ـ اختلفوا في المسيح والاتحاد : فزعمت النسطورية أنّ المسيح إله وإنسان ماسح وممسوح اتّحدا فصارا مسيحا واحدا. ومعنى اتّحدا أنّه صار من اثنين واحد. والمسيح عندهم على الحقيقة جوهران أقنومان جوهر قديم لم يزل وهو الكلمة التي هي أحد أقانيم الإله وجوهر محدث كان بعد أن لم يكن وهو يشوع المولود من مريم. وربما جعلوا بدل" اتّحد"" تجسّد" ؛ وربما قالوا" تأنّس" و" تركّب". وذهبت الملكانية إلى أنّ المسيح جوهران أحدهما قديم والآخر محدث. وزعم أكثر اليعقوبيّة أنّ المسيح جوهر واحد ، إلا أنّه من جوهرين أحدهما جوهر الإله القديم ، والآخر جوهر الإنسان اتّحدا فصارا جوهرا واحدا أقنوما واحدا ؛ وربما قال بعضهم طبيعة واحدة (ق ، غ ٥ ، ٨٢ ، ١٩)

ـ اختلفوا في المسيح ما هو بحسب ما ذكرنا من اختلافهم في الاتحاد. فمن قال في الاتحاد : إن الجوهرين صارا جوهرا واحدا ، والمحدث صار قديما ، قال في المسيح إنّه قديم ، ومن قال في معنى الاتحاد بالوجه الآخر ، قال في المسيح إنه لاهوت وناسوت (ق ، غ ٥ ، ٨٤ ، ٢)

ـ زعم أكثر الملكانية أنّ الصلب وقع على

٣١٠

المسيح بكماله ، والمسيح هو اللاهوت والناسوت (ق ، غ ٥ ، ٨٤ ، ٨)

مشاركة

ـ زعمت القدريّة إنّهم يخلقون من الحركات والاعتمادات والعلوم والإرادات والآلام مثل ما خلق الله عزوجل منها. وفي هذه الدعوى دعوى المشاركة لله في صنع أكثر أجناس الأعراض (ب ، أ ، ١٣٦ ، ٦)

مشاهد

ـ أمّا وصفه بأنّه مشاهد ، من حيث أدرك المدركات فلا يصحّ ، لأنّ ذلك إنّما يستعمل فيمن يقابل غيره ويصحّ معنى الحضور والغيبة والقرب والبعد عليه ، وذلك يستحيل عليه ، جلّ وعزّ ، فلذلك لا يوصف إلّا على جهة المجاز ، ويراد به أنّه عالم بهذه الأمور كعلم المشاهد للشيء (ق ، غ ٥ ، ٢٤٣ ، ٦)

مشاهدة

ـ ذكر جعفر بن حرب أنّه سأل السكاك في حدوث العلم وعارضه بحدوث القدرة والحياة فلم يأت بفصل ، فلمّا لم يتهيأ له الفصل قال له بعض أهل المجلس : وما عليك يا أبا جعفر أن تجيب إلى أنّه كان غير قادر ولا حي ثم قدر وحيى كما كان غير عالم؟ فأجابه إلى ذلك. فقال له جعفر : فعلى أي وجه قدر وحيي : أهو أحيا نفسه وأقدرها ، أم غيره أحياه وأقدره؟ وبعد فإنّما نرجع في إثباتك لله جل ذكره إلى المشاهدة ، فهل شاهدت ميتا عاجزا أحيا نفسه وأقدرها فتصف الله بذلك؟ فانقطع السكاك. ثم قال له جعفر وأخذ نعله بيده فقال : دلّ على أنّ هذه النعل لم تصنع العالم إذ كنت قد أجزت أن يصنعه من ليس بحي ولا قادر ولا عالم! فلم يأت بشيء. وهذا كله لازم لهشام لا حيلة له فيه ولا منجي له منه. وبعد فأين أحدث العلم : في نفسه أم في غيره أم لا في شيء؟ فإن كان أحدثه في نفسه فقد صارت نفسه محلّا للإحداث ، ومن كان كذلك فمحدث لم يكن ثم كان (خ ، ن ، ٨٢ ، ١٣)

ـ أمّا المشاهدة ، فهي الإدراك بهذه الحواس ، هذا في الأصل ، وفي الأغلب إنّما تستعمل في الإدراك بحاسة البصر ، هذا إذا كان مطلقا ، فأما إذا أضيف إليه العلم فقيل : علم المشاهدة ، فالمراد به العلم المستند إلى الإدراك بهذه الحواس ، وفي الأغلب إنّما يستعمل في العلم المستند إلى الإدراك بحاسة البصر فقط (ق ، ش ، ٥١ ، ١٠)

مشبّه

ـ اعلم ـ علمك الله الخير ـ أنّ أبا موسى كان يزعم أنّ من قال : إنّ الله يرى بالأبصار ، على أي وجه قاله فمشبه لله بخلقه ، والمشبّه عنده كافر بالله. فكذلك من وصف الله بأنّه يقضي المعاصي على عباده ويقدّرها فمسفّه لله في فعله والمسفّه لله كافر به ، والشاك في قول المشبه والمجبر فلا يدري أحق قوله أم باطل؟ كافر بالله أيضا ، لأنّه شاكّ في الله لا يدري أم شبه هو لخلقه أم ليس بمشبه لهم ، أسفيه هو فعله أم ليس بسفيه؟ وكذلك الشاك في الشاك أبدا ، إذا كان شكه إنّما كان في نفس التشبيه والإجبار أحق هما أم باطل؟ هذا قول أبي موسى المعروف؟ (خ ، ن ، ٥٥ ، ١)

٣١١

مشبّهة

ـ لقد ضلّ قوم ممن ينتحل الإسلام من المشبّهة الملحدين الذين شبّهوا الله ، جلّ ذكره ، بخلقه ، وزعموا أنّه على صورة الإنسان ، وأنّه جسم محدود وشبح مشهود ، واعتلّوا بآيات من الكتاب متشابهات حرّفوها بالتأويل ونقضوا بها التنزيل (ر ، ك ، ١٣٣ ، ٤)

ـ قالت" الموحدة" : هو سميع بصير ، لأنّ كل حي لا آفة به هو السميع البصير ، ونفت" الموحدة" ـ مع هذا ـ مشابهة البشر عنه في جميع الصفات ، وقالت : هو عالم لذاته ، سميع بصير لذاته ، لا كما قالت" المشبهة" : إنّه محتاج إلى علم يعلم به ، وقدرة بها يقدر ، ولولاهما لكان جاهلا عاجزا ، وأنّه يرى بعين ويسمع بأذن. وقد نبّه الله تعالى على نفي التشبيه عنه ووصف نفسه بأنّه سميع بصير فقال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى : ١١) (ع ، أ ، ١٣ ، ١٤)

ـ إنّ المشبّهة صنفان : صنف شبّهوا ذات الباري بذات غيره ، وصنف آخرون شبّهوا صفاته بصفات غيره ، وكل صنف من هذين الصنفين مفترقون على أصناف شتى (ب ، ف ، ٢٢٥ ، ١٠)

مشتبهان

ـ إنّ المشتبهين هما ما سدّ أحدهما مسدّ صاحبه وناب منابه ، ودليل ذلك أن السوادين المشتبهين يسدّان في المنظر مسدّا واحدا ، وكذلك البياضان والتأليفان (ب ، ت ، ٤٦ ، ٤)

مشخّص

ـ مشخّص ، أي ليس له صلاحية أن يشترك فيه كثيرون. فالأوّل مثل اللونيّة الموجودة في الأذهان ، وتلك لا تحقّق لها في الأعيان ، والثاني كهذا اللون ، وكذا كل ما يصحّ أن يشار إليه ، بسبب الإشارة إلى موضوعه (م ، غ ، ٣١ ، ١٧)

مشرك

ـ المشرك من عبد مع الله غيره كائنا ما كان من الجمادات والحيوان (ي ، ر ، ٩٤ ، ٤)

ـ قال النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وآله : " مانع الزكاة وآكل الربا حرباي في الدنيا والآخرة" ومن كان حربا للنبي فهو مشرك (ي ، ر ، ٩٤ ، ١٢)

ـ من الخوارج" الإباضيّة" الفرقة الأولى منهم يقال لهم" الحفصيّة" كان إمامهم" حفص بن أبي المقدام" زعم أنّ بين الشرك والإيمان معرفة الله وحده ، فمن عرف الله سبحانه ثم كفر بما سواه من رسول أو جنّة أو نار أو عمل بجميع الخبائث ، من قتل النفس واستحلال الزنا وسائر ما حرّم الله سبحانه من فروج النساء فهو كافر بريّ من الشرك ، وكذلك من اشتغل بسائر ما حرّم الله سبحانه مما يؤكل ويشرب فهو كافر بريّ من الشرك ، ومن جهل الله سبحانه وأنكره فهو مشرك ، فبرئ منه جلّ الإباضية إلا من صدّقه منهم (ش ، ق ، ١٠٢ ، ٩)

مشقّة

ـ دخل تحت المشقّة الشهوة والنفار وما يتبعهما (ق ، ت ٢ ، ٣٢٤ ، ١)

ـ إنّا لا نمتنع من القول بأنّ للمشقّة تأثيرا في زيادة المدح الذي يستحقّه المكلّف ، بل متى لم يكن الفعل شاقّا لم يستحقّ الثواب أصلا. فأمّا المدح فإنّه في أصل الاستحقاق لا يتبع كون

٣١٢

الفعل شاقّا ، وإن كان قد يعظم لكونه كذلك ، لكن جميع ذلك لا يؤثّر في أنّ لكون الفعل نفعا تأثيرا في استحقاق المدح ، ولزيادته تأثير في زيادة ما يستحقّ من المدح والتعظيم ؛ ألا ترى أنّ المشقّة التي تلحق بحفر البئر في الموضع المسلوك والطريق المنقطع سواء ، ويستحقّ المدح على أحدهم لمكان انتفاع الناس به أكثر ولذلك يعظم موقع الفعل إذا كثر افتداء الناس به إذا كان خيرا وطاعة ، على ما نقوله في وجه تفضيل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على غيره من الأنبياء صلوات الله عليهم (ق ، غ ١١ ، ١٠٢ ، ١٧)

ـ إنّ المشقّة إنّما اقتضت استحقاق الثواب من حيث كان لا يحسن من الحكيم أن يجعل الفاعل ممن يشقّ عليه ما كلّفه وحسّنه في عقله إلّا ويستحقّ عليه نفعا يجري مجرى المدح ؛ كما لا يحسن منه أن يؤلم إلّا لنفع يوفي عليه. وليس كذلك حال المدح ؛ لأنّه لا يتبع في الاستحقاق ما ذكرناه ، فلذلك استحقّه من لا يجوز عليه المشاقّ كما يستحقّه من يجوز ذلك عليه (ق ، غ ١١ ، ١٠٤ ، ١١)

مشيئة

ـ القوم ينازعون في المشيئة ، وإنّما يشاء الله الخير ، فقال تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة : ١٨٥) ، ومنها أنّ الله تعالى أرحم وأعدل من أن يعمي عبدا ثم يقول له : أبصر وإلّا عذبتك ، فكيف يضلّه ثم يقول له : اهتد وإلّا عذبتك؟! ، وإذا خلق الله الشقيّ شقيّا ، لم يجعل له سبيلا إلى السعادة ، فكيف يعذبه!؟ (ب ، ق ، ١٢٠ ، ١١)

ـ إنّ في إيجاب القول بالإرادة في كل شيء إيجاب القول بخلق الأفعال ، مع ما يمكن الاستدلال في هذا بأشياء ليست في الأول ، وإن كان في تحقيق الكلام في هذه تحقيق في الأولى. قال الله تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) (الأنعام : ١٢٥) إلى قوله : (كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) (الأنعام : ١٢٥) ، أخبر أنّه يريد هداية قوم بأفعالهم بهدايته ، وإضلال قوم بجعل قلوبهم ضيّقة حرجة. وقال عزوجل : (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ) (الأنعام : ٣٩) ، ففرّق بين القوم بالمشيئتين ، فدلّت الآيات على / أنّ الله شاء لكل فريق بما علم أن يكون منهم ، ودلّ على أنّ المشيئة في هاتين الآيتين ليست أمر ولا رضا. وقال تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) (السجدة : ١٣) ، وقال : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) (المائدة : ٤٨) ، وقال : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (الأنعام : ١٤٩) ، ولا يحتمل أن يكون هذه المشيئة رضا أو أمرا لما قد كانا ، ثبت أنّه أراد به المشيئة التي يكون عندها فعل لا محالة (م ، ح ، ٢٨٧ ، ٧)

ـ الأصل عندنا إذا سئلنا عن مشيئة الله فعل الكفرة على ما كان وجهان : أحدهما القول بذلك في الإطلاق على ما عرف من الإرادة في ذلك ، والثاني منع الإطلاق إذا لم يفهم مراد السائل أو خشي أن يريد التعنت في ذلك ، وهو أن يقال : إنّ للمشيئة معاني فيما يتعارف ، أحدها التّمني ، وذلك عن الله منفي في كل شيء ، والثاني الأمر والدعاء إليه ، فذلك منفي عن الله في كل فعل يذم فاعله ، والثالث الرضا به والقبول له ، وذلك كذلك أيضا في كل فعل يذم عليه ، والرابع تأويله نفي الغلبة وخروج

٣١٣

الفعل على ما يقدّره ويريده ، وهذا يقول ذلك ، وقد أجمع على معناه ، فمن أنكر ذلك بعد إعطاء معناه فهو قدّر المشيئة على غير حقيقة المراد منها ، وهو عندنا لازم ؛ إذ هو لكل شيء خالق ، وقد ثبت وصفه فيما يخلقه أنّه غير مضطرّ إليه ولا يكره عليه ، ولا قوّة إلّا بالله (م ، ح ، ٢٩٤ ، ٨)

ـ إنّ المشيئة صرفها إلى القوّة حتى جعلها بحكم القسر ، فلذلك قوتها توجب ذلك. والأصل في ذلك أنّ المحبة والسخط معنيان يوجبان بفعل العباد ، وليست المشيئة كذلك ؛ لما ليس في أفعال العباد معنى يوجب المشيئة ، إلّا أن يراد بها الرضا أو التمني (م ، ح ، ٢٩٧ ، ٥)

ـ اعلم أنّ المشيئة صفة الشائي والإرادة صفة المريد ، والأمر صفة الآخر والعلم صفة العالم ، والكلام صفة المتكلّم (م ، ف ، ١٧ ، ٢٢)

ـ قالوا المرجئة : فقد قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (النساء : ٤٨). فالجواب : إنّه تعالى قال في هذه الآية : " لمن يشاء" ، والمشيئة مغيبة عنّا إلى أن نعرفها بالأدلّة ، وقد بيّن من يشاء (النساء : ٤٩) بقوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) (النساء : ٣١) فهو يكفر الصغائر بتجنب الكبائر ، والكبائر بالتوبة (ع ، أ ، ٢٦ ، ١٣)

ـ إنّ مشيئة الله تعالى ومحبته ورضاه ورحمته وكراهيته وغضبه وسخطه وولايته وعداوته [كلها] راجع إلى إرادته ، وأنّ الإرادة صفة لذاته غير مخلوقة ، لا على ما يقوله القدريّة ، وأنّه مريد بها لكل حادث في سمائه وأرضه مما يتفرّد سبحانه بالقدرة على إيجاده ، وما يجعله منه كسبا لعباده ، من خير ، وشر ، ونفع ، وضر ، وهدى ، وضلال ، وطاعة ، وعصيان ، لا يخرج حادث عن مشيئته. ولا يكون إلّا بقضائه وإرادته (ب ، ن ، ٢٦ ، ٦)

ـ اعلم : أنّه لا فرق بين الإرادة ، والمشيئة ، والاختيار ، والرضى ، والمحبة (ب ، ن ، ٤٤ ، ٢٣)

ـ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. فوقع الإجماع من الخاص والعام أنّ الأمور كلّها بمشيئة وقدر من الله تعالى (ب ، ن ، ١٦١ ، ٤)

ـ كان (الأشعري) لا يفرّق بين المشيئة والإرادة. وينكر القول بالطبع والطبيعة ، ويقول إنّ الحوادث كلّها أفعال الله تعالى باختياره ومشيئته وتدبيره وتقديره ، ليس شيء منها موجبا لشيء ولا طبيعة له تولّد ، بل كل ذلك اختراعه باختياره على الوجه الذي اختاره وعلمه (أ ، م ، ٧٦ ، ٨)

ـ إن قيل : ما أنكرتم أنّ المانع من رؤية الله تعالى هو أنّه تعالى لم يشأ أن يرينا نفسه ، ولو شاء لرأيناه؟ قلنا : المشيئة إنّما تدخل فما يصحّ دون ما يستحيل ، وقد بيّنا أنّ الرؤية تستحيل عليه تعالى فلا يعلم ما ذكرتموه. وبعد ، فلو جاز ذلك في القديم تعالى لجاز مثله في المعدوم ، فيقال : إنّ المعدوم إنّما لا يرى لأنّه تعالى لا يشاء أن يريناه ولو شاء لرأيناه ، فكما أنّ ذلك خلف من الكلام ، كذلك هاهنا (ق ، ش ، ٢٦٠ ، ١٤)

ـ إنّ العادة في الخطاب جارية في أنّ الإنسان لا يخبر عن المستقبل إلّا ويعلّق ذلك بالمشيئة ، فلذلك قال تعالى : (وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) (البقرة : ٧٠) ، ولا يدلّ ذلك على مشيئة حاصلة في اللغة ، وإنّما الغرض إخراج الخبر

٣١٤

من أن يكون قاطعا من حيث لا يعلم أحدنا الأحوال في المستقبل ، فيقيّد بذلك (ق ، م ١ ، ٩٦ ، ١٢)

ـ أطلق أصحابنا القول بأنّ الحوادث كلّها بمشيئة الله عزوجل واختلفوا في التفصيل (ب ، أ ، ١٠٤ ، ٦)

ـ أجمع أصحابنا على نفوذ مشيئة الله تعالى في مراداته على حسب علمه بها. فما علم منه حدوثه أراد حدوثه خيرا كان أو شرا. وما علم أنّه لا يكون أراد أن لا يكون. وكل ما أراد كونه فهو كائن في الوقت الذي أراد حدوثه فيه على الوجه الذي أراد كونه عليه. وكل ما لم يرد كونه فلا يكون سواء أمر به أو لم يأمر به (ب ، أ ، ١٤٥ ، ٩)

ـ يقول (علي) إذا كانت مشيئته هي المقتضية لوجود هذه المخلوقات فكيف يستصعب عليه بلوغها إلى غاياتها التي جعلت لأجلها ، وأصل وجودها إنّما هو مشيئته ، فإذا كان أصل وجودها بمشيئته فكيف يستصعب عليه توجيهها لوجهتها وهو فرع من فروع وجودها وتابع له (أ ، ش ٢ ، ١٤٦ ، ١٥)

ـ الاختيار عند أبي الحسن هو الإرادة. واختار له : أي فعل به خيرا. والمشيّة هي الإرادة (ط ، م ، ١٦٩ ، ١٧)

مشيئة الإلجاء

ـ (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) (الرعد : ٣١) على معنيين : أحدهما بل لله القدرة على كل شيء وهو قادر على الآيات التي اقترحوها ، إلّا أنّ علمه بأنّ إظهارها مفسدة يصرفه. والثاني بل لله أن يلجئهم إلى الإيمان ، وهو قادر على الإلجاء لو لا أنّه بنى أمر التكليف على الاختيار ، ويعضده قوله : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ) (الرعد : ٣١) يعني مشيئة الإلجاء والقسر (لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) (الرعد : ٣١) (ز ، ك ٢ ، ٣٦٠ ، ٢١)

مشيئة الإلجاء والاضطرار

ـ إنّ ما يريده من عباده على جهة الإلجاء ، فلا بدّ من أن يقع ، كوجوب وقوع مراده من مقدوراته. وعلى هذا الوجه حمل شيوخنا رحمهم‌الله قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) (يونس : ٩٩). ودلّوا على ذلك بقوله في آخر الآية : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس : ٩٩).

وعلى هذا الوجه تأوّلوا نظائر هذه الآية ، نحو قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً) (الشورى : ٨) (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (النحل : ٩). وقوله : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) (الرعد : ٣١). (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) (الأنعام : ٣٥). (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) (الأنعام : ١١٢). وقوله : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (الأنعام : ١١١). وقوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا) (الأنعام : ١٠٧). وقوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا) (البقرة : ٢٥٣). وبيّنوا أنّ المراد بجميع ذلك مشيئة الإلجاء والاضطرار ، لأنّ الدلالة قد دلّت على أنّه قد أراد من جميعهم الإيمان على جهة الاختيار. ولا ينافي قوله : (لو شئت لآمنوا) إذا أراد به الإلجاء كونه شائيا لذلك منهم على جهة الاختيار. لأنّه لو صرّح بذلك فقال : ولو شاء الله أن يلجئهم إلى الهدى

٣١٥

لجمعهم عليه ، لكنّه لم يشأ ذلك ، وشاء منهم الإجماع عليه على جهة الاختيار لصحّ ولم ينتقض ، فيجب القول بصحّته أيضا ، إذا دلّ الدليل عليه (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٢٦٢ ، ١٧)

مشيئة الله

ـ وقال : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣) ولم يقل : وقضى ربّك أن تكفروا به وتعبدوا سواه من الحجارة والنار وغيرهما من المعبودات ، فكان أمره وقضاؤه ومشيئته أن لا يعبدوا غيره بالتخيير من العباد لا من جهة الجبر لهم على تركها (ي ، ر ، ٤٢ ، ١٩)

ـ إنّ مشيئة الله تابعة للحكمة من تثبيت المؤمنين وتأييدهم وعصمتهم عند ثباتهم وعزمهم ، ومن إضلال الظالمين وخذلانهم والتخلية بينهم وبين شأنهم عند زللهم (ز ، ك ٢ ، ٣٧٧ ، ١٩)

ـ يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء ، والمراد بمن يشاء من تاب ، لأنّ مشيئة الله تابعة لحكمته وعدله لا لملكه وجبروته (ز ، ك ٣ ، ٤٠٣ ، ١٩)

مشيئة التفويض

ـ مشيئة التفويض مثل قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (النحل : ٩٣) وقوله ولو شاء مشيئة خبر أي لو شاء الله يخبركم عن الإسلام وقوله ولكن يضلّ من يشاء مشيئة تفويض وهذا اعتقاد العدليّة (م ، ف ، ٩ ، ١٣)

مشيئة الخبر

ـ مشيئة الخبر كخلق السموات والأرض ما وفيهما وما بينهما (م ، ف ، ٩ ، ١٢)

مصادرة على المطلوب

ـ إنّ المصادرة على المطلوب هو أن يؤخذ المطلوب بعينه ويجعل مقدّمة قياسيّة بلفظ مرادف مشعر بالمغايرة بين المقدّمة والمطلوب (م ، غ ، ١٩٩ ، ٣)

مصاكة

ـ إنّ المصاكة هي مماسّة واقعة على وجه ، وهو أن تكون بين جسمين صلبين عقب حركات متوالية ، أو حركات يقلّ السكون في أثنائها. وقد ثبت أنّ المماسّة لا تولّد الصوت. إذ لو ولّدته لوجب أن تولّده بحيث هي ، وهي بحيث المحلّين ، ولو وجد الصوت بحيث هما لكان من جنس المماسّة. ولا يجوز أن يكون الصوت بصفة التأليف ، لأنّ التأليف كلّه جنس واحد ، والأصوات فيها مختلف ومتماثل (ن ، م ، ١٥٦ ، ١٣)

مصالح

ـ إنّ جميع شيوخنا ، رحمهم‌الله ، قد أثبتوا ، في هذه الشرائع ، وجه الوجوب على الجملة ؛ لأنهم قد قالوا فيها : إنها مصالح للعبد. لكنّ بعضهم اعتقد ، مع ذلك ، أنّ وجه كونها مصالح ما فيها من الثواب والتخلّص من العقاب فقط. ومنهم من اعتقد أنّ وجه كونها مصالح أنّها مؤدّية إلى ما هذا حاله ، ولم يعتقد فيها وجه وجوب. وقلنا نحن : إنّ وجه كونها مصالح هو ثبوت وجه الوجوب فيها ، من حيث تختار عندها الواجبات العقليّة ، على وجه لولاها كانت لا تختار (ق ، غ ١٥ ، ٤٢ ، ١٧)

ـ إنّا قد علمنا أنّ المصالح تختلف على حسب المعلوم من حال التكليف ، ولذلك اختلفت

٣١٦

شرائع المكلّفين ، وشرائع الأنبياء ، فلا يمتنع أن يكون ، صلى الله عليه ، يختصّ بمصالح في أفعال دوننا ، كما لا يمتنع أن يكون حاله كحالنا ، والأمر في ذلك موقوف على السمع ؛ وليس بأن يقال من جهة العقل : إنّ حكمنا كحكمه ، بأولى من أن يقال : إنّ حكمنا بخلاف حكمه ، وصارت حالنا معه كحال أحد المكلّفين ، مع الآخر في هذه القضية. يبيّن ذلك أنّه ، صلّى الله عليه ، قد اختصّ بشرائع ، دون غيره ، ولم يمنع العقل من ذلك فما الذي كان ينكر أن تكون هذه حاله في كل عباداته (ق ، غ ١٧ ، ٢٥٣ ، ٤)

تبديل الآية مكان الآية هو النسخ ، والله تعالى ينسخ الشرائع بالشرائع لأنّها مصالح ، وما كان مصلحة أمس يجوز أن يكون مفسدة اليوم وخلافه مصلحة. والله تعالى عالم بالمصالح والمفاسد فيثبت ما يشاء وينسخ ما يشاء بحكمته (ز ، ك ٢ ، ٤٢٨ ، ١٦)

مصالح ومفاسد شرعية

ـ أمّا المصالح والمفاسد الشرعية ، فهي الأفعال التي تعبّدنا بفعلها أو تركها بالشريعة ، نحو كون الصلاة واجبة ، وشرب الخمر حراما ، وغير ذلك (ب ، م ، ٨٨٨ ، ٢)

مصحف

ـ قد كان في الواجب أن يدع الناس اسم المصحف للشيء الذي جمع القرآن دون كلّ مجلّد ، وألّا يروموا جمع شيء من أبواب التعلم بين الدفّتين فيلحقوا بما جعله السلف للقرآن غير ذلك من العلوم (ج ، ر ، ٧٩ ، ٢)

ـ قالت الأشعرية ما في المصحف ليس بكلام الله تعالى وإنّما هو عبارة عن كلام الله تعالى حكاية عنه ، وعن هذا جوّزوا إحراق ما في المصاحف ، قالت لأنّ الكلام صفته والصفة لا تزايل عن الموصوف (م ، ف ، ٢٠ ، ٨)

ـ المصحف الذي فيه كلام الله مكتوب (ب ، ن ، ٧٨ ، ٦)

ـ سمّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المصحف قرآنا والقرآن كلام الله تعالى بإجماع الأمّة ، فالمصحف كلام الله تعالى حقيقة لا مجازا ، ونسمّي المستقرّ في الصدور قرآنا ، ونقول إنّه كلام الله تعالى (ح ، ف ٣ ، ٨ ، ٤)

ـ أمّا المصحف فإنّما هو ورق من جلود الحيوان ومركّب منها ومن مداد مؤلّف من صمغ وزاج وعفص وماء ، وكل ذلك مخلوق ، وكذلك حركة اليد في خطّه وحركة اللسان في قراءته واستقرار كل ذلك في النفوس ، هذه كلها أعراض مخلوقة (ح ، ف ٣ ، ٩ ، ٧)

ـ إنّا لا ننكر وجود الكلمات التي لها مفتتح ومختتم ، وهي آيات وأعشار وسور ويسمّى الكل قرآنا ، وما له مبتدأ ومنتهى لا يكون أزليّا وهو من هذا الوجه معجزة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويسمّى ما يقرأ باللسان قرآنا وما يكتب باليد مصحفا (ش ، ن ، ٣١١ ، ١٠)

مصدّق

ـ كل من صدّق بشيء فهو مصدّق به ، فمن صدق بالله تعالى وبرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يصدق بما لا يتمّ الإيمان إلّا به فهو مصدّق بالله تعالى أو برسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وليس مؤمنا ولا مسلما ، لكنّه كافر مشرك لما ذكرنا (ح ، ف ٣ ، ٢١٢ ، ٧)

٣١٧

مصلحة

ـ إنّ الصلاح والأصلح والمصلحة إنّما يرجع فيها إلى النفع والأنفع والمنفعة ، وإلى اللذّة والألذّ وإلى ما يؤدّي إلى ذلك. وكذلك يضاف الصلاح والأصلح المصلحة بلفظها إلى ما يجوز أن ينتفع به دون ما لا يجوز أن ينتفع به ، كامتناع إضافة ذلك إلى الله تعالى وإلى الأعراض وإلى الجماد لمّا لم يصحّ الانتفاع والنفع فيها (أ ، م ، ١٢٦ ، ١٩)

ـ أمّا اللطف والمصلحة فواحد ، ومعناهما ما يختار المرء عنده واجبا أو يجتنب عنده قبيحا على وجه لولاه لما اختار ولما اجتنب ، أو يكون أقرب إلى أداء الواجب واجتناب القبيح. ثم إنّ ما هذا حاله ينقسم إلى ما يكون من فعلنا فيلازمنا فعله سواء كان عقليّا أو شرعيّا لأنّه يجري مجرى دفع الضرر ، وإلى ما يكون من فعل القديم جلّ وعزّ ، ولا بدّ من أن يفعله الله تعالى ليكون مزيحا لعلّة المكلّف ولكي لا ينتقض غرضه بمقدّمات التكليف (ق ، ش ، ٧٧٩ ، ١٣)

ـ اعلم أنّ وصفه (اللطف) بأنّه صلاح بعيد أن يقع ؛ لأنّ الصلاح هو النفع ، و (هو) إمّا أن يكون لذّة وسرورا أو يؤدّي إلى ذلك ، لأنّ الضرر المؤدّي إلى ما ذكرناه لا يعدّ إلّا نفعا. فلمّا كان اللطف ينفع من جهة الدّين ، من حيث يختار عنده ما يستحقّ به الثواب ، قيل فيه : إنّه صلاح. وعلى هذا الوجه يوصف بأنّه مصلحة (ق ، غ ١٣ ، ٢٠ ، ٨)

ـ فصل رحمه‌الله (أبو هاشم) بين المفسدة والمصلحة بأن قال : إنّه لا يمتنع أن لا يكون الفعل صلاحا ، إلّا إذا وقع من فعل المكلّف على وجه مخصوص. فلا يصحّ أن يقال لو كان مصلحة ، والمعلوم أنّ المكلّف لا يختار ، لوجب أن يلجئه تعالى إليه ؛ لأنّ الوجه الذي عليه يكون مصلحة هو أن يقع باختياره والإلجاء يؤثّر فيه ، فيصير كأنّه لم يقع فتفوت المصلحة ، وليس كذلك ما هو مفسدة ؛ لأنّ الفساد يتعلّق بوقوعه. فإذا منع تعالى منه لم يقع ؛ كما إذا امتنع هو منه لم يقع ، فيزول الفساد في الوجهين على حدّ واحد (ق ، غ ١٣ ، ٥٠ ، ٣)

ـ إنّه لا يمتنع في بعض (الأفعال) أن تكون مصلحة فيما كلّفه العبد من طريق العقل ، ... ، لأنّ كونه مصلحة لا يرجع إلى جنسه ، وصورته ، وسائر أحواله ، وإنّما يرجع (إلى المعلوم ، وأنّ العبد) ، عنده ، يختار الواجبات العقليّة. وقد بيّنا أنه لا يمتنع أن يختار العبد الواجب ، عند بعض الأمور ، وإن لم يجب أن يختار عند غيره مما يجانسه ، ويماثله في صورته ، وأوردنا لذلك أمثلة في الشاهد ، لأنّ عند الرفق ، في وقت قد يصلح الولد ، وفي وقت آخر يفسد عنده. وعند الرفق من الله قد يصلح ، وعند الرفق من غيره يفسد (ق ، غ ١٥ ، ١٢٥ ، ١٨)

ـ المصلحة وجه حسن (ب ، م ، ٢٤ ، ١٥)

ـ ليس كل أفعال الباري سبحانه واجبة عليه ، بل معظمها ما يصدر على وجه الإحسان والتفضّل ، فيجوز أن يفعله ويجوز أن لا يفعله ، فإن قلت فهل يسمّى فعل الواجب الذي لا بدّ للقديم تعالى من فعله إجابة لدعاء المكلّف ، قلت لا ، وإنّما يسمّى إجابة إذا فعل سبحانه ما يجوز أن يفعله ويجوز أن لا يفعله كالتفضّل. وأيضا فإنّ اللطف والمصلحة قد يكون لطفا ومصلحة في كل حال ، وقد يكون لطفا عند الدعاء ، ولو لا الدعاء لم يكن لطفا

٣١٨

وليس بممتنع في القسم الثاني أن يسمّى إجابة للدعاء ، لأنّ للدعاء على كل حال تأثيرا في فعله (أ ، ش ٢ ، ٦٤ ، ١١)

مصيب

ـ إنّ وصف المصيب أنّه مصيب ، قد يراد به وقوع فعله على ما أراد ، وقد يراد به أنّه فعل حسنا ؛ وكذلك وصفه بأنّه مخطئ. والذي يبنى على الذمّ أو المدح ، من ذلك ، ما أفاد كونه فاعلا لحسن أو قبيح ، دون ما أراد وقوع المراد على ما أراد ، وعلى خلافه (ق ، غ ٨ ، ٢٣٨ ، ١)

ـ إنّ وصف المصيب أنّه مصيب ، قد يراد به وقوع فعله على ما أراد ، وقد يراد به أنّه فعل حسنا ؛ وكذلك وصفه بأنّه مخطئ. والذي يبنى على الذمّ أو المدح ، من ذلك ، ما أفاد كونه فاعلا لحسن أو قبيح ، دون ما أراد وقوع المراد على ما أراد ، وعلى خلافه (ق ، غ ٨ ، ٢٣٨ ، ٢)

مضار

ـ المضار هي الآلام والغموم وما أدّى إليهما أو إلى أحدهما إذا لم يعقب نفعا أعظم منه (ق ، غ ٤ ، ١٤ ، ٤)

مضاف

ـ إنّ ما كان أكثر من واحد فهو واقع تحت جنس العدد ، وما كان واقعا تحت جنس العدد فهو نوع من أنواع العدد ، وما كان نوعا فهو مركّب من جنسه العام له ولغيره ، ومن فصل خصّه ليس في غيره ، فله موضوع وهو الجنس القابل لصورته وصورة غيره من أنواع ذلك الجنس ، وله محمول وهو الصورة التي خصّته دون غيره ، فهو ذو موضوع وذو محمول ، فهو مركّب من جنسه وفصله ، والمركّب مع المركّب من باب المضاف الذي لا بدّ لكل واحد منهما من الآخر (ح ، ف ١ ، ٤٥ ، ٢)

ـ المضاف وهو النسبة المتكرّرة (ف ، م ، ٧٠ ، ٨)

مضطر

ـ الذي نريده بالمضطرّ هاهنا غير ما ذكرناه في الإلجاء. بل هو الذي يفعل فيه من الفعل أزيد مما يقدر عليه ، لأنّ القوم ينفون الإلجاء ويثبتون الاضطرار ، ويفرّقون بينه وبين الاختيار والاكتساب. ووجه هذا الإلزام أنّ عندهم قد خلق الله في المكتسب القادر الذي لا قادر أقوى منه ، أو القادر الذي لا قادر سواه من الفعل ما لا يقدر على الانفكاك منه. ألا ترى أنّ عندهم أنّ الكافر ليس يقدر على الانفكاك من كفره كما لا يقدر على الانفكاك من كونه وطوله؟ فإذا جعلوه مضطرّ إلى هذه الأشياء وصار مضطرّا إلى الحركة بأن تكون به رعشة ، فيجب أن يكون مضطرّا وإن كان مكتسبا ، لأنّ الطريقة واحدة ، فكل ما أدّى إلى بطلان التفرقة بين المضطرّ والمخلّى المختار فيجب فساده (ق ، ت ١ ، ٣٩١ ، ٢٥)

ـ أمّا تشبيهه بالمضطرّ فيجب أن ينظر فيه. فإن أراد به الملجأ فمعلوم أنّه أيضا في القدرة على الضدّين كمن ليس بملجإ. ولهذا إذا ألجئ إلى الهرب من السبع ، وهناك طرق ينجو بكلّها فإنه يقدر على سلوك كل واحد منها بدلا من الآخر. وإن أراد بالمضطرّ من قد خلق فيه أكثر مما يقدر عليه من ذلك الجنس كما نقوله في المضطرّ إلى العلم والحركة ، فهذا أيضا يقدر على الشيء وعلى ضدّه ، ولكنّ مقدوره منحصر ، فلا يمكنه أن يزيل عن نفسه ما قد اضطرّ إليه ، إلّا أن يريد أبو علي بالمضطرّ ما

٣١٩

يذهب إليه من أنّ الاضطرار يثبت في كل ما يخلق في المرء سواء كان من جنس مقدوره أو لم يكن كذلك ، كما نقوله في اللون وغيره. فحينئذ يكون للخصم أن يقول إنّ الفرق ثابت من الوجه الذي بيّناه أوّلا وهو صحّة أن يفعل ذلك الفعل وأن لا يفعله دون المضطرّ الذي لا ينفكّ مما يخلق فيه (ق ، ت ٢ ، ٤٩ ، ١٨)

ـ أمّا المضطرّ ، فقد قال شيخنا أبو هاشم ، رحمه‌الله ، في الأبواب : إنّ الضرورة ما يفعله القادر في غيره ، على وجه لا يمكنه الامتناع منه. ولذلك لا يقال : إنّ الطفل قد اضطرّ زيدا. وقال في نقض الفصوص وغيره : المضطرّ لا يكون مضطرّا إلى ما يفعله فيه من هو أقدر منه ، ويفعل أكثر من مقدوره. ولذلك يوصف المفلوج بأنّه مضطرّ ؛ ويخصّون بهذا الوصف الحيّ دون غيره. ولا يصفونه بذلك فيما لا يقدر عليه إذا فعله غيره كالألوان. قال : وذلك اصطلاح المتكلّمين ، وإلّا فعند أهل اللغة المضطرّ هو الملجأ. ولذلك قال تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) (البقرة : ١٧٣). فإذا اشتدّ به الجوع لا يحصل فيه أكل الميتة من فعل غيره ، وإنّما يحصل ذلك من فعله. ولذلك كتب يحيى بن يعمر إلى الحجّاج : " إنّا اضطررنا العدو إلى عرعرة من الجبل". وإنّما خالف المتكلّمون أهل اللغة في ذلك ، لأنّهم لم يجدوا اسما لمن فعل فيه الشيء ، كما وجدوه لمن على الشيء. فجعلوا قولنا : مضطرّ ، موضوعا له. ونحن نختار ما عليه أهل اللغة ، لأنّ خلافه يوجب أنّ الأفعال كلها ضروريّات من حيث حلّت في محل ليس هو الفاعل ، وكان يجب أن يكون المحل هو المضطرّ حتى تكون يد الإنسان مضطرّة إلى الحركة ؛ وهذا بعيد (ق ، غ ٨ ، ١٦٦ ، ٢٢)

ـ إنّ الفاعل متوهّم منه ترك فعله وممكن ذلك منه ، وليس كذلك ما عرفه يقينا ببرهان لأنّه لا يتوهّم البتّة انصرافه عنه ولا يمكنه ذلك أصلا ، فصحّ أنّه مضطرّ إليها (ح ، ف ٣ ، ٢٤ ، ١٣)

مضطر مختار

ـ قد يكون المرء مضطرّا مختارا مكرها في حالة واحدة كإنسان في رجله أكلة لا دواء له إلّا بقطعها. فيأمر أعوانه مختارا لأمره إيّاهم بقطعها وبحسمها بالنار بعد القطع ، ويأمرهم بإمساكه وضبطه وأن لا يلتفتوا إلى صياحه ولا إلى أمره لهم بتركه إذا أحسّ الألم ، ويتوعّدهم على التقصير في ذلك بالضرب والنكال الشديد فيفعلون به ذلك ، فهو مختار لقطع رجله ، إذ لو كره ذلك كراهة تامة لم يكرهه أحد على ذلك ، وهو بلا شكّ كاره لقطعها مضطرّ إليه إذ لو وجد سبيلا بوجه من الوجوه دون الموت إلى ترك قطعها لم يقطعها ، وهو مجبر مكره بالضبط من أعوانه حتى يتمّ القطع والحسم ، إذ لو لم يضبطوه ويعسروه ويقهروه ويكرهوه ويجبروه لم يمكن من قطعها البتّة (ح ، ف ٣ ، ٥٣ ، ١٣)

مطاع

ـ إنّ الله ـ تعالى ـ مطاع فهو أمرناه. ـ وردّ : إن عنيتم نفوذ قدرته فصحيح ، وإلّا ، فيعود (خ ، ل ، ١٠١ ، ٢٠)

مطبوع

ـ هل المطبوع عند ثمامة إلّا الأجسام المعتملة المحدثة؟ (خ ، ن ، ٢٥ ، ٨)

ـ إنّ المطبوع على أفعاله عند أصحاب فعل الطباع هو الذي لا يكون منه إلّا جنس واحد

٣٢٠