موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ٢

الدكتور سميح دغيم

موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ٢

المؤلف:

الدكتور سميح دغيم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

ـ قد يكون المؤمن في اللغة مأخوذا من الأمان ، والله مؤمن أوليائه من العذاب (ب ، أ ، ٢٤٨ ، ٢)

ـ صحّ أنّ كل من اعتقد الإسلام بقلبه ونطق به لسانه فهو مؤمن عند الله عزوجل ومن أهل الجنّة سواء كان ذلك عن قبول أو نشأة ، أو عن استدلال وبالله تعالى التوفيق (ح ، ف ٤ ، ٤٤ ، ٧)

ـ أمّا عبّاد بن سليمان تلميذ هشام الفوطي المذكور فكان يزعم أنّ الله تعالى لا يقدر على غير ما فعل من الصلاح ، ولا يجوز أن يقال أنّ الله خلق المؤمنين ولا أنّه خلق الكافرين ، ولكن يقال خلق الناس وذلك زعم ، لأنّ المؤمن عنده إنسان وإيمان ، والكافر إنسان وكفر ، وإنّ الله تعالى إنّما خلق عنده الإنسان فقط ولم يخلق الإيمان ولا الكفر ، وكان يقول إنّ الله تعالى لا يقدر على أن يخلق غير ما خلق ، وأنّه تعالى لم يخلق المجاعة ولا القحط (ح ، ف ٤ ، ١٩٦ ، ١٦)

ـ ما المؤمن؟ هو في اللغة المصدّق ، وأمّا في الشريعة فقد اختلف فيه على قولين : أحدهما أنّ كل من نطق بالشهادتين مواطئا قلبه لسانه فهو مؤمن ، والآخر أنّه صفة مدح لا يستحقها إلّا البرّ التقي دون الفاسد الشقي (ز ، ك ٣ ، ٢٥ ، ٧)

ـ المؤمن : المصدق بالله ورسوله وبما يجب أن يصدّق به (ز ، ك ٣ ، ٢٦١ ، ١٢)

ـ (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) (التغابن : ٢) يعني فمنكم آت بالكفر وفاعل له ، ومنكم آت بالإيمان وفاعل له (ز ، ك ٤ ، ١١٣ ، ٤)

ـ من أتى بالمعرفة ثم جحد بلسانه لم يكفر بجحده ، لأنّ العلم والمعرفة لا يزولان بالجحد ، فهو مؤمن ، قال (جهم بن صفوان) : والإيمان لا يتبعّض أي لا ينقسم إلى : عقد ، وقول وعمل (ش ، م ١ ، ٨٨ ، ٦)

ـ قلنا : المؤمن ، لغة ، " المصدّق" ، وقد صار لمن أتى بالواجبات واجتنب المقبحات (ق ، س ، ٩٠ ، ١١)

مؤمن بالله تعالى ومؤمن عند الله

ـ كان في أصحابنا من فرّق بين القول" مؤمن بالله تعالى" و" مؤمن عند الله تعالى". وكان يجعل المؤمن عند الله هو الذي يعلم من عاقبة حاله الإيمان ، والمؤمن به من يكون ذلك الظاهر من حاله على ما عندنا من حكمه واسمه. فأمّا شيخنا أبو الحسن رحمه‌الله فإنّه لم يفرّق بين ذلك لفظا ، وإن فرّق بينهما في المعنى على هذا المراد الذي أشار إليه هذا القائل. وأجاز اختلاف الحال في الحكم على ما يقول إنّه عندنا وعند الله ، وأن يفترق الأمر فيه على هذين الوجهين الذين بيّناهما (أ ، م ، ١٦١ ، ٢٢)

مؤمن حقيقي

ـ ويجوز أن يسمّى إيمانا حقيقة على وجه ، ومجازا على وجه : ومعنى ذلك : أنّ العبد إذا صدّق قلبه بما قلنا وأقرّ بلسانه ، وعملت جوارحه فهو المؤمن الحقيقي عند الله وعندنا (ب ، ن ، ٥٥ ، ١٩)

مؤمن مجازا

ـ أمّا من كذب بقلبه وأقرّ بالوحدانيّة بلسانه وعمل الطاعات بجوارحه فهذا ليس بمؤمن حقيقة ،

٢٠١

وإنّما هو مؤمن مجازا ، لأنّ ذلك يمنع دمه وماله في أحكام الدنيا ، لأنّه مؤمن من حيث الظاهر ، وهو عند الله غير مؤمن (ب ، ن ، ٥٥ ، ٢١)

ما به يصير المكلّف معرّضا للثواب

ـ اعلم أنّ المكلّف إنّما يصير معرّضا للثواب متى صار بالصفة التي لكونه عليها يصحّ منه أن يتوصّل إلى استحقاق الثواب ، بالإقدام على الفعل أو اجتنابه. وعلى هذا الوجه يوصف الواحد منّا بأنّه عرّض غيره لطريقة من المنافع إذا جعله بحيث يمكنه أن يصل إلى نيلها. ولذلك يبعد في المنافع المحضة الواصلة إلى الغير أن يقال : إنّه عرّض لها مع حصولها له من غير تسبّب إليها بغيرها. وإنّما لم يوصف بذلك والحال ما قلناه ؛ لأنّ المنافع حاصلة لا تحتاج إلى تكلّف بعض الأفعال ليصل إليها. وفي ذلك من أعظم الدلالة على أنّه إنّما يقال : عرّض للمنافع متى لم تكن حاصلة ، وصحّ منه أن يتوصّل إلى تحصيلها أو استحقاقها. وقد علمنا أن المكلّف لا يصير بهذه الصفة إلّا إذا حصل ممكّنا من الطاعة ، وارتفع عنه الإلجاء ، ولم يغن بالحسن عن القبيح ، على ما سنبيّنه من بعد ، فمتى حصل كذلك ، وورد عليه ما يقتضي الخوف من ترك النظر ، فقد حصل عالما بوجوب الأمور الشاقّة ، فيجب أن يصحّ منه التوصّل إلى استحقاق الثواب بفعلها. وكما يصحّ منه ذلك فقد يصحّ منه التوصّل إلى استحقاق العقاب بالإخلال بالواجب ، والإقدام على القبيح (ق ، غ ١١ ، ١٧٤ ، ٨)

ـ ليس من شرط كون المكلّف معرّضا للثواب أن يكون تعالى معرّضا له ؛ كما أنّه ليس من شرط كون الواجب واجبا عليه أن يكون تعالى موجبا له ؛ لأنّه متى حصل المكلّف بالصفة التي قدّمناها أمكنه التوصّل إلى الثواب بالطاعة ، سواء أراد القديم تعالى ذلك منه أم لا. وإنّما يصير تعالى معرّضا له للثواب بالإرادة التي لاولها وما يجري مجراها لم يكن بأن يكون معرّضا له للثواب أولى من العقاب ، لأنّه قد مكّنه من الأمرين على وجه لا مزيّة لأحدهما على الآخر ، فلو كان معرّضا له لأجل التمكين لم يكن أحدهما أولى بذلك من الآخر. وليس له أن يقول : إنّه بنفس التمكين لا يكون معرّضا للثواب ، وإنّما يكون معرّضا لذلك متى أكمل عقله ، وعرف الفرق بين الحسن والقبيح ، وجعل مشتهيا للقبيح ، نافر الطبع عن الحسن الواجب. ومتى كان القديم تعالى جاعلا له بهذه الصفة التي تدعو إلى الواجب كان معرّضا له للثواب دون العقاب ، وإن تمكّن من الأمرين. فإذن قد ثبت أنّ ما به يصير معرّضا به يصير القديم تعالى معرّضا. وفي ذلك إبطال ما ذكرتموه. وذلك لأنّ المكلّف لا يتمكّن في الحقيقة من فعل الطاعة على الوجه الذي يستحقّ به الثواب إلّا وحاله ما ذكرته. فتصير جميع هذه الوجوه بمنزلة التمكين له من الوصول إلى ذلك. وكذلك أيضا فالمعلوم أنّه لا يستحقّ العقاب بالقبيح إلّا إذا كان حاله ما ذكرته ، فصار ذلك في حكم التمكين له من التوصّل إلى الأمرين ، وكلّ فعل صحّ وقوعه على وجهين فإنّما يقع على أحدهما دون الآخر للإرادة على ما نقوله في الخبر وغيره من الأفعال (ق ، غ ١١ ، ١٧٦ ، ١)

ما لا متعلّق له

ـ أمّا ما لا متعلّق له (صفات الله) فسبيل العالم به منّا أن يعلم كونه عليها لم يزل ولا يزال. وأنّ

٢٠٢

خلاف هذه الصفة لا يجوز عليه ما نقوله في كونه حيّا وموجودا وعلى ما نقوله فيما هو عليه في ذاته ، ولا شيء في التفصيل أبلغ من ذلك ، ويدخل في ذلك كونه سميعا بصيرا لأنّه راجع إلى كونه حيّا لا آفة به (ق ، ت ١ ، ١٠١ ، ١٠)

ما لا يتناهى

ـ كل ما حصره الوجود وكان قابلا للنهاية فهو متناه ضرورة ، وما لا يتناهى لا يتصوّر وجوده سواء كان له ترتيب وضعيّ أو طبيعيّ أو لم يكن (ش ، ن ، ٢٤ ، ١١)

ما لا يجب على كل مكلّف

ـ إثبات الأعراض وتناهيها وحدّتها وكون الجسم غير متقدّم لها وما يأتي فيه من الشروط وغيرها ، مما لا يجب على كل مكلّف. لأنّ غرضنا في أكثره هو إزالة شبه المخالفين بذكره في ابتداء الدليل (ق ، غ ١٢ ، ٣٦٩ ، ١٠)

ما لا يفعله قادر منا إلا مباشر

ـ ما سوى ذلك من أفعال القلوب فإنّه لا يصحّ أن يفعله إلّا مباشرا فقط كالإرادة وغيرها (ق ، غ ٩ ، ١٢٤ ، ١٠)

ما لا يفعله قادر منا إلّا متولّدا

ـ اعلم أنّ الأصوات والآلام والتأليف مما لا يصحّ أن يفعله القادر منّا إلّا متولّدا ، وإن كان شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله قد ذكر في التأليف خاصة في كتاب الإنسان أنّه قد يكون مباشرا ومتولّدا جاريا فيه على طريقة أبي علي رحمه‌الله ، والذي حصله آخرا ما قدّمناه فيه وفي الأصوات والآلام (ق ، غ ٩ ، ١٢٤ ، ٤)

ما لعدمه أول

ـ كل ما لعدمه أوّل ، أن يكون بالفاعل وإن وجب عدمه (ق ، غ ٨ ، ٧٧ ، ١٩)

ما له حسن الحسن

ـ لا يجوز أن يكون ما له حسن الحسن الأمر ، وأنّا لم نتجاوز به ما حدّ ورسم لنا. ولا يجوز أن يكون الموجب لحسن أفعاله جلّ وعزّ أنّه ربّ مالك ناه آمر ، ناصب للدليل ، متفضّل (ق ، غ ٦ / ١ ، ٥٩ ، ١٢)

ما له متعلّق

ـ أمّا ما له متعلّق (صفات الله) ففي كونه قادرا لا بدّ من أن نعرف ما ذكرناه من كونه كذلك فيما لم يزل ولا يزال. ولا بدّ من أن نعرف أنّه لا ينحصر مقدوره في الجنس والعدد إذا صحّ كونه مقدورا له. فأمّا ما لا يصحّ كونه مقدورا له بأن يكون مقدورا لغيره أو يصحّ كونه مقدورا لغيره فلا يصحّ فيه تعالى أن يقدر عليه. ويجب أن نعرف أن المنع عليه غير جائز ، وأنّ كل ما يقدر عليه فلا بدّ من أن يصحّ منه إيجاده على الوجه الذي يصحّ وجوده عليه (ق ، ت ١ ، ١٠١ ، ١٤)

ما له يجب الواجب على المكلّف

ـ جملة ما له يجب الواجب على المكلّف لا يخرج عن أقسام ثلاثة : إمّا أن يجب لصفة تختصّ به متى علم علّتها عقلا علم وجوبه ؛ نحو كونه ردّا للوديعة ، وقضاء للدين ، وشكرا للمنعم مع زوال الإحباط. وإمّا أن يجب على طريق التحرّز من المضرّة. ويدخل في ذلك الواجبات السمعيّة ، لأنّها تجب للمصالح ولحقيقة تعود إلى التحرّز من المضرّة ، وإن

٢٠٣

كان طريق العلم في السمعيّ يخالف طريق ذلك في العقليّ ويتحرّز من المضارّ ببعضه بوسائط ، وبعضه يتحرّز بنفسه من المضارّ ، وببعضه يتوقّى من مضرّة هي في حكم الحاضرة ، وببعضه من مضرّة آجلة ، وكلّ ذلك لا يخرجه عن هذا القسم الواحد ، أو يجب لأنّه إرادة الفعل الذي وصفناه أو علم به أو تمكّن منه ؛ لأنّ ما أدّى إلى الواجب حتى لا يصحّ أداؤه إلّا معه واجب لا محالة (ق ، غ ١١ ، ٥٣٠ ، ٩)

ما له يصير الاعتقاد علما

ـ ما له يصير (الاعتقاد) علما ، إمّا علّة ، أو وقوعه على بعض الوجوه. وقد علمنا أنّ العلل لا تصحّ على الأعراض ، لفقد اختصاصها بها على وجه يكون علّة دون غيره. فيجب أن يكون علما ، لوقوعه على بعض الوجوه. ولا يجوز أن يكون ذلك الوجه غير معقول ، لما فيه من ارتكاب الجهالات. ووجدنا المعقول من ذلك ، ليس إلّا ما نعلم أنّه إذا وقع عليه سكنت النفس إلى المعلوم عنده. كما أنّ وجوه القبح هي ، ما إذا وقع القبيح عليه ، اقتضى في فاعله استحقاق الذمّ. والذي يختصّ بهذا الحكم ، هو وقوعه عن نظر ، وعند تذكّر النظر ، ومن فعل العالم بالمعتقد ، وأن يعلم أنّ الشيء لا يختصّ بصفة إلّا ويختصّ بأخرى ، فمتى علم ما اختصّ بالأولى فعل العلم باختصاصه بالأخرى. فيكون وقوعه ، والحال هذه ، يقتضي كونه علما ، نحو علمه بأنّ الظلم لا يكون إلّا قبيحا ، والمحدث لا يكون إلّا من محدث. فإذا علم ظلما مفصّلا ومحدثا معيبا ، فعل اعتقاد قبحه وحاجته إلى محدث ، لأجل تقدّم العلم للأول. وبيّنا أنّه قد يكون علما ، بأن يذكر العلم المتقدّم بالشيء ، فيفعل العلم في الحال. وقد يكون علما ، بأن يصير المعتقد به عالما ، وإن لم يكن في حال فعله عالما. وكل ذلك مما بيّناه ، من قبل ، وأبطلنا سائر الوجوه التي قال فيها بعضهم : إن الاعتقاد يكون علما لأجله. نحو قولهم : إنه يكون علما ، لكونه مدركا لما علمه ، أو لمشاهدته الأدلّة ، أو لعلمه بها ، أو لأنّ الطبع اقتضى ذلك فيه (ق ، غ ١٢ ، ٣٤ ، ٧)

ما له يقبح القبيح

ـ لا يجوز أن يكون الموجب لقبحه أحوال الفاعل منّا ، نحو كون الواحد منّا محدثا مربوبا مملوكا مقهورا مغلوبا. ولا يجوز أن يكون ما له يقبح القبيح منّا النهي ، ولا أنّا نتجاوز به ما حدّ به ورسم لنا (ق ، غ ٦ / ١ ، ٥٩ ، ١١)

ما لوجوده أول

ـ إنّ كل ما لوجوده أوّل ، فهو بالفاعل وإن وجب وجوده ، كالمسببات التي يجب وجودها عند وجود أسبابها (ق ، غ ٨ ، ٧٧ ، ١٧)

ما ليس بعلم

ـ اعلم ، أنّه إذا ثبت أنّه قد يوجد من جنس العلم ما ليس بعلم ، وهو الاعتقاد الذي معتقده على ما هو به ؛ وعلمنا أنّ العلم يبيّن منه ، بأنّه يقتضي سكون النفس ؛ فلا بدّ من أمر لأجله يختصّ بذلك. وإذا لم يجز أن يختصّ بذلك ، لا لوجه ، لأنّه كان لا يكون بأن يختصّ هو بهذا الحكم أولى من أمثاله ، فيجب أن يكون لأمر ما ، ولا يجوز لوجوده وحدوثه ، لأنّ ذلك حاصل للاعتقاد الذي ليس بعلم ، ولا يجوز أن

٢٠٤

يكون لمعنى منفصل منه ، ولا لأمر يرجع إلى الوجود من تواليه وكيفية وجوده. فيجب أن يكون إنّما اختصّ بذلك ، لأنّه في نفسه على حال ، وجب كون العالم به ساكن النفس إلى ما علمه (ق ، غ ١٢ ، ٣٠ ، ٣)

ما وجب وجوده للعلة

ـ لا يصحّ إثبات قديم بأن يقال : إنّه علّة في حدوث الأشياء ، ولأنّ كونه علّة في حدوثها يوجب إبطال حدوثها وكونها قديمة. وبعد ، فإنّ ما خلقه وأحدثه لو كان حادثا لعلّة لنقض ذلك كونه حادثا بالفاعل ؛ لأنّ ما وجب وجوده للعلّة استغنى في وجوده عن القادر ؛ كما أنّ ما وجد من جهة أحد القادرين يستغني في وجوده من جهته عن القادر الثاني. وقد ثبت أنّه تعالى قادر فاعل مختار ، فيجب إبطال ما يؤدّي إلى نقض ذلك فيه (ق ، غ ١١ ، ٩٤ ، ١١)

ما يتراخى المسبّب فيه عن السبب

ـ إنّ من المتقرّر أنّ السبب قد يصحّ وجوده ويعرض عارض من وجود المسبّب. فإذا ثبتت هذه الجملة قلنا : فكل ما يفعله الله تعالى من الأسباب قد يصحّ أن يعرّى عن التوليد بأن يفعل ما يصير منعا له عن التوليد ، فيوجد السبب ولا يوجد مسبّبه ، وهذا ظاهر فيما يتراخى المسبّب فيه عن السبب. وقد يصحّ فيما نقارنه أيضا بضرب من المنع ، ولكن على كل حال فيما يتراخى يصحّ من الله تعالى المنع من وقوع المسبّب. والواحد منّا قد يصحّ منه على بعض الوجود أن يمنع مثل أن يرمي بإحدى يديه ويأخذ باليد الأخرى ، ولكنّ في السهم إذا انفصل عن القوس لا يتأتّى ذلك. وعلى هذا إذا أنفذ السهم عن القوس لم يجد طريقا في تلافي ذلك إذا كان يصيب مسلما سوى أن يندم على ما كان منه ويكره وقوع هذه الإصابة ، ولو قدر أنّه جلّ وعزّ يفعل ما هذا حاله لكان الواجب عليه بعد وجود السبب أن يمنع السبب من التوليد ، لأنّ الواحد منّا لو أمكنه أن يصير غير فاعل لما فعله كان هذا هو الواجب ، ولكن عند تعذّر ذلك أقيم الندم مقامه (ق ، ت ١ ، ٤١٩ ، ١٧)

ما يتعلّق بغيره

ـ إذا عدمت القدرة استحال الفعل بها لخروجها عن التعلّق ولخروجها عن أن توجب الصفة للقادر ، فبطل ما ظنّه الخصم. وليس يلزمنا إذا جعلنا العدم موجبا لزوال التعلّق أن يكون كل موجود متعلّقا أو كل ما لا يتعلّق لا يكون موجودا ، لأنّ كل ذلك عكس. والطرد في هذا الباب أنّ كل ما يتعلّق بغيره فلا بدّ من أن يكون موجودا. فهو كما يجعل من شرط العلّة الموجبة الوجود ثم لا يجب في كل ما هو موجود أن يكون موجبا ، وفي كل ما ليس بموجب أن لا يكون موجودا (ق ، ت ١ ، ١٣٤ ، ٢٣)

ما يتعلّق التكليف به

ـ إنّه قد تقرّر في العقل أنّ من فعل القبيح وهو عالم بقبحه وعالم بأنّه معصية للمنعم عليه ، يكون ذنبه أعظم من ذنب من أقدم عليه والحال بخلافه. ولسنا نجعل ما يعظم به الفعل مما يتعلّق به ، ألا ترى أنّا قد نوجب عظم العقل بأمور ترجع إلى غيره ، كنحو تأسّي الغير به فيما سنّه من قبيح أو حسن؟ فإذا جاز ، فيما لا يتعلّق

٢٠٥

به أصلا ، أن يكون وجها لعظم الفعل ، لم يمتنع مثل ذلك في علمه بقبح المعصية. وليس كذلك حال ما يتعلّق التكليف به ، لأنّ من شأنه أن يكون متّصلا بفعله وبحاله ، ولا يقوم فعل غيره في ذلك مقامه. فإذا تمكّن من أن يعلم القبيح ، فلم يعلمه ، وأقدم عليه ، استحقّ العقوبة ، لكن فقد علمه ببعض عقاب القبيح (ق ، غ ١٢ ، ٣١٣ ، ٢١)

ما يتولّد عن النظر

ـ إنّ العلم قد يكون علما وإن لم يكن المعلوم مدركا ، فأبطلنا قول من لم يصحّح العلم إلا بالمدرك ، وبيّنا أن قولهم يقارب قول السّوفسطائية ، ودللنا على أن ما يتولّد عن النظر علم في الحقيقة ، وأن العلم بالله سبحانه وبسائر ما يلزم المكلّف علم صحيح (ق ، غ ١٤ ، ١٢٩ ، ١٩)

ما يجب تقدّمه على التكليف

ـ قد قسم ما يجب تقدّمه على التكليف من قبيل الله تعالى إلى قسمين : أحدهما ما يكمل به العقل والثاني ما هو أصول الأدلّة. والكلام في العلوم التي يعبّر عنها بالعقل مذكورا في غير موضع. وأمّا أصول الأدلّة فهي أيضا علوم ضروريّة وفي الغالب لا ينفكّ كمال العقل عنه. فإنّ أصل الدلالة على أنّ العبد محدث هو تعلّق فعله به ووجوب وقوعه بحسب قصده وداعيه وذلك من جملة كمال العقل. وكذلك فأصل الدلالة على إثبات الأكوان حصول الجسم مجتمعا مع جواز أن يبقى مفترقا ، وذلك لم يعرف ضرورة ولكن إنّما فصل بين ذلك وبين ما هو من كمال العقل والله أعلم (ق ، ت ١ ، ٦ ، ٢٢)

ما يجب عن السبب

ـ إنّ ما يجب عن السبب هو مقدور للقادر عندنا وإن كان يفعله بواسطة ، فكما لا تمتنع الشروط في القادر حتى يصحّ أن يفعل على وجه دون وجه ، فكذلك لا يمتنع مثله في السبب ، ولذلك قلنا إنّ السبب في الحقيقة لا يوجب المسبّب ، وإنّما يجب وجوده عند وجوده من جهة القادر ، وليس كذلك الطبع لو كان معقولا ، لأنّ إيجابه لما يوجبه لا يرجع إلى اختيار مختار على وجه ، فلذلك يجب فيه ما يلزمهم من أن يوجب الفعل على كل حال وأن لا يتعلّق بشرط (ق ، غ ٩ ، ٤٩ ، ١٧)

ما يحتاج القادر منا

ـ إنّ أحدنا قد يحتاج في كثير من أفعاله إذا أوقعه على وجه مخصوص إلى آلات ، كما قد يحتاج إلى القدر وإلى العلم. لكن بين حاجته إلى العلم وبين حاجته إلى القدرة والآلة فصل. فإنّه لا بدّ في العلم من أن يتقدّم ويقارن وليس كذلك القدرة. وأمّا الآلات فهي مختلفة على ما قدّمناه. وقد بيّن أنّ الحاجة إلى العلم تكون من وجهين ، أحدهما لترتيب الأفعال وإيقاعها محكمة ، والثاني لما يرجع إلى استحقاق المدح والثواب ، فإنّه ما لم يكن عالما بما يفعله ويعلم أنّه واجب أو مندوب إليه لم يستحقّ على ذلك مدحا. وقد تقدّم ذلك في أوّل الكتاب. ومن جملة ما يحتاج القادر منّا إليه في وقوع فعله على وجه مخصوص هو الإرادة أو كون المريد مريدا. وإن كان قد حقّق ذلك في الكتاب فقال : إنّما يحتاج إلى أن يتمكّن من الإرادة التي توجب كونه مريدا فتؤثّر هذه الصفة في حكم من أحكام كلامه أو غير ذلك من أفعاله.

٢٠٦

وإلّا فإنّا نعلم أنّ الإرادة لو تقدّمت وكذلك كونه مريدا لم يكن لها تأثير. ولو حصلت ضرورة فيه لم تؤثّر على حدّ ما تؤثّر إذا كانت واقعة من جهته باختياره. ففارقت الإرادة العلم ، فإنّه لا فرق في العلم بين أن يكون من قبله أو من قبل غيره ، وليس كذلك الإرادة (ق ، ت ٢ ، ١٥٢ ، ١٤)

ما يحسن من الله خلقه ابتداء

ـ في ذكر أقل ما يحسن من الله تعالى خلقه في الابتداء مفردا من غيره. اعلم أنّ أوّل ما يحسن منه تعالى أن يخلقه ابتداء ، خلق حيّ وخلق الشهوة لمدرك موجود على وجه يدركه فيلتذّ به. ولا يجب أن يكون ذلك المدرك غيره ؛ لأنّه لا يمتنع أن يشتهي الحيّ إدراك بعضه ، أو إدراك ما يحلّ في بعضه من لون أو غيره. وقد بيّنا من قبل أنّ الشهوة يصحّ تعلّقها بالمدركات. فإذا كان الجوهر نفسه مدركا من جهة الرؤية واللمس لم يمتنع منه تعالى أن يخلق الحيّ ويجعل شهوته في إدراك بعضه ، فلا يجب على هذا القول أن يخلق فيه لونا ولا غيره ، بل يجوز أن يخلو ذلك الحيّ من جميع الأعراض سوى الألوان على ما دللنا عليه من قبل. فأمّا خلق الشهوة فلا بدّ منها ، لأنّ الانتفاع لا يصحّ إلّا معها على ما بيّناه في باب الصفات ، وما لا يصحّ وجود حياته إلّا معه من البنية وغيرها فلا بدّ من أن يخلقه تعالى من حيث يجب خلق الحياة التي معها يصحّ التنعّم ، ولولاها لم تحصل النعم أصلا ، ولو صحّ وجود الحياة مع عدم البنية لم يجب خلقها ؛ لأنّ الانتفاع كان يصحّ من الحيّ مع عدمها (ق ، غ ١١ ، ٧٢ ، ١١)

ما يحسن منه تعالى أن يخلقه أولا

ـ في ذكر صفة ما يحسن منه تعالى أن يخلقه أوّلا ، وما لا يحسن منه ، وما يصحّ ذلك فيه وما لا يصحّ. اعلم أنّه لا يصحّ منه تعالى أن يخلق أوّلا الواجب ، أو ما لا صفة له زائدة على حسنه كالعقاب ؛ لأنّ صحّتهما تقتضي تقدّم خلق غيرهما : من المكلّف والتكليف وغير ذلك ، فلا يجوز منه تعالى إذا أن يفعلهما أوّلا. ولسنا نعني بذلك أنّه لا يجوز مثل الثواب أو العقاب في الجنس أوّلا ، لأنّه قد يجوز أن يفعلهما مع أوّل من يخلقه من الأحياء ، وإنّما نعني أنّه لا يجوز أن يفعلهما على الوجه الذي يكونان عليه ثوابا وعقابا ، وأنّه لا يجوز أن يفعلهما أولا مفردين لتعلّقهما في صحّة الوجود بغيرهما. فأمّا بعد خلق الحيّ فقد يصحّ أن يفعلهما وإن قبح ذلك ، وإن كانت ألفاظ شيوخنا رحمهم‌الله ربما تختلف في ذلك ، فيقال في موضع ، إنّ الثواب لا يصحّ كونه ثوابا إلّا وهو مستحقّ ، وربما يقال : إنّه لا يحسن إلّا مع الاستحقاق ، والذي يصحّ وجوده من أفعاله تعالى أوّلا ليس إلّا العبث أو الظلم ، ويتعالى عن فعله ، نحو خلق الجماد أو الحي لكي يضرّه ، أو النفع والإحسان ، وهو خلقه للأحياء لينفعهم والجماد لينفعهم به. فهذا الوجه هو الذي يحسن منه تعالى أن يخلقه أولا ؛ فقد اجتمع فيه الصحّة والحسن ، وليس كذلك ما تقدّم من القبيح ؛ لأنّه وإن صحّ منه تعالى أن يحدثه أولا فإنّه لا يحسن ذلك (ق ، غ ١١ ، ٦٩ ، ٢)

ما يحصل بالفاعل

ـ إنّ ما يحصل بالفاعل يجوز أن يحصل عليه ، وأن لا يحصل ، بحسب اختياره وبحسب وجود

٢٠٧

القدرة (ق ، غ ٨ ، ٧٧ ، ١٣)

ما يدخله التضاد من مقدور العباد

ـ أنّا قد بيّنّا من قبل حصر الأجناس التي تدخل تحت مقدور العباد. وهذه الأجناس على ضربين ، أحدهما لا يدخله الاختلاف بل كلّه متماثل نحو التأليف والألم ، والثاني يختلف. ثمّ هذا المختلف على ضربين ، أحدهما يختلف فقط ولا يكون له حكم زائد على الاختلاف ، والثاني يدخله التضادّ مع الاختلاف. فالذي يقطع على اختلافه من مقدور العباد مما لا يدخله التضادّ هو الاعتماد ، فإنّه يشتمل على متماثل ومختلف ومختلفه لا يتضادّ. وكذلك الإرادة والكراهة لا يقع في كل واحد من نوعيهما تضادّ. وكذلك النظر من أفعال القلوب يلحق بما ذكرناه. فأمّا الأصوات فالصحيح أن لا يقطع على ثبوت التضادّ فيها ولا على نفي التضادّ فيها بل يتوقّف فلا تدخل في هذا الفصل ولا فيما بعده. فأمّا ما يدخله التضادّ من مقدور العباد فنوع الأكوان ، فإنّه يقع فيها المختلف ومختلفه يتضادّ. والاعتقادات يدخلها التضادّ وإن لم يكن كل مختلف منها متضادّا. وإنّما يثبت التضادّ هناك وفي الظّنون أيضا بطريقة النفي والإثبات (ق ، ت ٢ ، ٩٥ ، ١٢)

ما يستحق لعلتين مختلفتين

ـ إنّما يقدر (الله) على ما يصحّ كونه مقدورا له ، ومقدور غيره لا يصحّ كونه مقدورا له. فتفارق المقدورات في هذا الوجه المعلومات ، لأنّه يصحّ كونها معلومة له. فوجب أن تكون معلومة له وليست العلّة في استحالة قدرته على أعيان المقدورات كونه مقدورة لغيره ، لأنّه قد تستحيل قدرته على ما ليس بمقدور لغيره إذا صحّ كونه مقدورا له ، كما يستحيل أن يقدر على ما هو مقدور لغيره. فلهذا لا يصحّ أن يكون جلّ وعزّ موصوفا فيما لم يزل بالقدرة على مقدور يصحّ كونه مقدورا لغيره ، وإن لم يكن في الحال مقدورا لغيره. وصار هذا حكما واحدا يعلّل تارة بصحّة كونه مقدورا لغيره وتارة بكونه مقدورا لغيره. ولا نكاد نوجد في الأحكام ما يستحقّ لعلّتين مختلفتين باختلاف الحالين إلّا ما ذكرناه (ق ، ت ١ ، ١١١ ، ٢٢)

ما يعلم صدقه استدلالا

ـ ما يعلم صدقه استدلالا فهو كالخبر بتوحيد الله تعالى وعدله ونبوّة نبيّه عليه‌السلام وما يجري هذا المجرى ، وكالخبر عمّا يتعلّق بالديانات إذا أقرّ النبي صلّى الله عليه المخبر عليه ولم يزجره عنه ولا أنكر عليه ، فإنّا نعلم صدق ما هذا حاله من الأخبار استدلالا ، وطريقة الاستدلال عليه ، هو أنّه لو كان كذبا لأنكره النبيّ صلّى الله عليه ، فلما لم ينكره دلّ على صدقه فيه (ق ، ش ، ٧٦٨ ، ١٤)

ما يفعله الله تعالى بسبب

ـ إنّ ما يفعله الله تعالى بسبب لا يصحّ ، وكان لا يصحّ وجوده إلّا عن سبب ، ولا يجوز وجوده ابتداء. واختلف قول أبي هاشم في ذلك : قال بما ذكرناه في الأبواب ، وهو الصحيح. وقال في الجامع : إنّ عين ما يفعله الله تعالى بسبب يصحّ أن يفعله ابتداء. ودلّ كلامه على أنّه يستوي بين أن يكون السبب قد وجد ، وبين أن لا يكون قد وجد ، لأنّه حين علّل بجواز ذلك قال : إنّ الذي يخرج المقدور من كونه مقدورا

٢٠٨

وجوده وتقضي وقته ، وهذا السبب لم يوجد ولا تقضّى وقته. ولمّا قال بهذا القول سأل نفسه عن صحّة هذا الحكم في أحدنا ، فمنع من ذلك وقال : لا يجوز فيما يفعله أحدنا متولّدا أن يفعله مبتدأ أصلا ، وجعل الفرق بين القديم جلّ وعزّ وبيننا أنّ أحدنا يقدر بقدرة ولا يصحّ أن يتعدّى حكمها في التعلّق بالجزء الواحد على الشروط المذكورة إلى أزيد منه. فلو أنّه إذا فعل السبب تعلّقت قدرته بذلك المسبّب أن يوجده ابتداء ، كما تتعلّق بإيجاد مثله مبتدأ ، لكانت قد تعدّت في تعلّقها الجزء الواحد. فإذا لم يصحّ ذلك ، وجب أن تزول قدرته عن هذا المسبّب في وقت وجوده. فإذا كان القديم تعالى قادرا لنفسه ، لم يمتنع فيه أن يوجد نفس ما هو متولّد مبتدأ ؛ فإنّ مقدوره لا ينحصر في الوقت الواحد على الشرائط المذكورة. وهذا مذهب خطأ ، لأنّ الشيء يخرج عن كونه مقدورا بغير ما ذكره من الوجهين. فإذا جعل وجود سببه وجها في خروجه عن كونه مقدورا ، بطل ما جوّزه (أ ، ت ، ٥٩٠ ، ٣)

ما يقتضي التكليف وجوبه

ـ الكلام في بيان جملة ما يقتضي التكليف وجوبه اعلم أنّ التكليف منه ـ تعالى ـ كما لا يحسن إلّا بعد شروط تختصّه وتختصّ المكلّف ، فكذلك يقتضي وجوب أمور عليه ـ تعالى ـ لو لا التكليف لما وجب ليصير بالتكليف ملتزما له. وذلك غير ممتنع ؛ لأنّه قد يجب الفعل لمكان فعل تقدّمه ؛ ألا ترى أنّ الواحد منّا قد يجب عليه إذا ألزم غيره الشاقّ العوض ، وإذا عقد مع غيره عقد معاوضة البدل (ق ، غ ١١ ، ٤٢٦ ، ١٧)

ما يقتضي قبح القبيح

ـ اعلم أنّ ما يقتضي قبح القبيح من كون القول كذبا ، والألم ظلما ، يجري في أنّه يجب أن يقتضي ذلك مجرى العلل الموجبة. فكما يستحيل حصول العلّة ، ولا يوجب موجبها ، كذلك يستحيل حصول وجه القبح ولا يوجب كون الفعل قبيحا. يبيّن ذلك أنّ تجويز حصوله من غير أن يوجب كون القبيح قبيحا ، يوجب إخراجه من أن يكون موجبا للقبح ، كما أنّ تجويز حصول الدلالة من غير حصول المدلول ، يوجب خروجها من كونها دلالة. وكذلك القول في سائر وجوه القبح. وقد قال شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله : لو جوّزنا أن يقبح القبيح من العالم بقبحه ، ولا يستحقّ مع ذلك ذمّا ، لأدّى إلى أن لا يستحقّ عليه الذمّ على وجه من الوجوه ، لأنّ ما أوجب استحقاقه قد حصل ، والاستحقاق زائل. وكذلك القول فيما قدّمناه في وجوه القبح ، أنّ في جواز حصوله ، ولا يكون قبيحا ، إخراجه له من كونه وجها للقبيح. وإنّما يصحّ خلاف ما ذكرناه فيما يتعلّق باختيار مختار (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٢٢ ، ٥)

ما يقع عنده القبيح

ـ إنّ ما يقع عنده القبيح يختلف. فمنه ما يكون إلجاء إليه ، ومنه ما يقع باختيار الفاعل من غير إلجاء. وما هذا حاله ينقسم. فمنه ما يقع عنده على وجه يكون دخولا في ضرر لا يعقب نفعا. فما هذا حاله يقبح لا محالة. وذلك نحو أن يحمل أحدنا على غيره بسيف ليقتله ، فمتى اختار الوقوف فقتله أو أضرّ به فما اختاره يقبح ؛ لما قدّمناه ، ولأنّه يلزمه التحرّز من هذه المضرّة بالهرب ، فمتى وقف فقد ترك الواجب

٢٠٩

عليه. ويفارق ذلك من يعلم أنّه يكفر ، لأنّه قد عرّض لمنافع عظيمة ، وليس التكليف بإدخال له في ضرر لا يعقب نفعا. فلذلك افترقا ، وإن كان كل واحد منهما في حكم الإيجاب والإلزام ، وصار ما قدّمناه في باب القبح أولى من المفسدة (ق ، غ ١١ ، ٢٢١ ، ٨)

ما يكون بالفاعل

ـ من حقّ ما يكون بالفاعل أن يكون وجوده عن ابتداء ، ومن حقّ القديم أن لا يكون لوجوده أبدا ولا يجوز أن يكون قديما لمعنى لا يتوقّت ، لأنّ ذلك يقتضي في المعنى نفسه أن يكون قديما لمعنى آخر على ما تقدّم القول فيه (ق ، ت ١ ، ١٣٩ ، ١٩)

ـ إنّ صفات الأجناس لا تتعلّق بالفاعل ، ما قد ثبت أنّ كل ذات لا بدّ أن يصحّ تعلّق العلم بها على طريق التفصيل ، والعلم بها على طريق التفصيل لا يتعلّق إلّا على صفة تتميّز بها عن غيرها ، وتلك الصفة لا بدّ لها من حكم تظهر به ، وحكمها ما نقوله إنّه مقتضى عنها ، وحصوله مشروط بالوجود. والمخالف يقول إنّه بالفاعل ، فكونه مقتضى على الصفة الذاتية يمنع من أن يكون بالفاعل ، لأن ما يكون مقتضى يجب حصوله بحصول الوجود ، وما يكون بالفاعل ويكون موقوفا على اختياره ، يجوز أن يحصل وأن لا يحصل ، وإن حصل الوجود (ن ، د ، ٢٢٢ ، ٥)

ما يكون مقتضى

ـ إنّ صفات الأجناس لا تتعلّق بالفاعل ، ما قد ثبت أنّ كل ذات لا بدّ أن يصحّ تعلّق العلم بها على طريق التفصيل ، والعلم بها على طريق التفصيل لا يتعلّق إلّا على صفة تتميّز بها عن غيرها ، وتلك الصفة لا بدّ لها من حكم تظهر به ، وحكمها ما نقوله إنّه مقتضى عنها ، وحصوله مشروط بالوجود. والمخالف يقول إنّه بالفاعل ، فكونه مقتضى على الصفة الذاتية يمنع من أن يكون بالفاعل ، لأن ما يكون مقتضى يجب حصوله بحصول الوجود ، وما يكون بالفاعل ويكون موقوفا على اختياره ، يجوز أن يحصل وأن لا يحصل ، وإن حصل الوجود (ن ، د ، ٢٢٢ ، ٥)

مائية

ـ في الشاهد لا يفهم من قول الرجل" شيء" مائيّة الذات ، ولا من قوله" عالم وقادر" الصفة ، وإنّما يفهم من الأول الوجود والهستيّة ، ومن الثاني أنّه موصوف ، لا أنّ فيه بيان مائية الذات كقول الرجل" جسم" ، إنّه ذكر مائيّة أنّه ذو أبعاد أو ذو جهات أو محتمل للنهاية وقابل للأعراض ، وكذا ذا في الإنسان وسائر الأعيان (م ، ح ، ٤٢ ، ٩)

ـ قال أبو محمد والذي نقول به وبالله تعالى التوفيق أنّ له مائيّة هي إنّيته نفسها ، وأنّه لا جواب لمن سأل ما هو الباري إلّا ما أجاب به موسى عليه‌السلام إذ سأله فرعون وما ربّ العالمين ، ونقول أنّه لا جواب هاهنا لا في علم الله تعالى ولا عندنا إلّا ما أجاب به موسى عليه‌السلام ، لأنّ الله تعالى حمد ذلك منه وصدق فيه ، ولو لم يكن جوابا صحيحا تامّا لا نقص فيه لما حمده الله (ح ، ف ٢ ، ١٧٤ ، ٢)

ـ احتجّ من أنكر المائيّة بأن قال لا تخلو المائيّة من أن تكون هي الله أو تكون غيره ، فإن كانت غيره والمائيّة لم تزل فلم يزل مع الله تعالى

٢١٠

غيره ، وهذا شرك وكفر ، قالوا وإن كانت هو هي وكنّا لا نعلمها فقد صرنا لا نعلم الله عزوجل ، وهذا إقرار بأنّنا نجهله والجهل بالله تعالى كفر به ، وقالوا لو أمكن أن تكون له مائيّة لكانت له كيفيّة (ح ، ف ٢ ، ١٧٤ ، ٧)

ـ مائيّة الشيء إنّما هي الجواب في سؤال السائل بما هو ، وهذا سؤال عن حقيقة الشيء وذاته ، فمن أبطل المائيّة فقد أبطل حقيقة الشيء المسئول عنه بما هو ، لكنّ أوّل مراتب الإثبات فيما بيننا هي الإنيّة ، وهي إثبات وجود الشيء فقط ، وهذا أمر قد علمناه وأحطنا به ، ولا يتبعّض العلم بذلك فيعلم بعضه ويجهل بعضه ، ثم يتلوا الإنيّة التي هي جواب السائل بهل فيما بيننا السؤال بما هو ، وأمّا في الباري تعالى فالسؤال بما هو ، هو السؤال بهل هو ، والجواب في كليهما واحد فنقول ، هو حق واحد أوّل خالق لا يشبهه شيء من خلقه وإنّما اختلفت الإنيّة والمائية في غير الله تعالى لاختلاف الأعراض في المسئول عنه ، وليس الله تعالى كذلك ولا هو حامل أعراضا أصلا ، هاهنا تقف ولا نعلم أكثر ، ولا هاهنا أيضا شيء غير هذا إلّا ما علّمنا ربّنا تعالى من سائر أسمائه كالعليم والقدير والمؤمن والمهيمن وسائر أسمائه ، وقد أخبر تعالى على لسان نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ له تسعة وتسعين اسما (ح ، ف ٢ ، ١٧٤ ، ١٣)

مائية المكلّف

ـ دللنا على أنّ الحيّ القادر هو هذا الشخص ، وأبطلنا قول من قال : إنّه معنى فيه أو معنى مدبّر له وإن لم يكن فيه ، أو هو الشخص ومعنى فيه. وهذا القدر كاف في الوجه الذي قصدناه ؛ لأنّا رمنا بذلك بيان مائيّة المكلّف (ق ، غ ١١ ، ٣٥٩ ، ١)

مالك

ـ لم يصحّ أن يوصف تعالى في الحقيقة بأنّه يملك أفعال العباد ، لأنّه ليس بقادر عليها ، لكن شيوخنا رحمهم‌الله يحملون الإطلاق في ذلك إذا صحّ عن المسلمين على أنّ المراد به أنّه يملك المنع منها وإعدامها والإقدار عليها. فلمّا كان جلّ وعزّ هو المالك لما لوجوده يوجد ، ولما لعدمه يعدم ، جاز أن يقال إنّه مالكها ، كما يقال إنّه يملك السماء والأرض مع وجودهما ، والمراد به أنّه يملك إعدامهما وتصريفهما من حال إلى حال بالجمع والتفريق ، فلا يمتنع ذلك عندنا أن يقال إنّه مالك لكل شيء على هذا الوجه. ولا بدّ للخصم من أن يتأوّل ذلك ، لأنّ عنده أنّه لا يملك قلب الأعيان (ق ، غ ٨ ، ٢٩٣ ، ٤)

ـ ولما قدّمناه في حدّ الرزق قلنا : إنّه تعالى لا يوصف بأنّه مرزوق ، وإنّ الشيء رزق له ، لاستحالة الانتفاع عليه ، وإنّما يوصف بذلك من يصحّ أن ينتفع. ولذلك صحّ أن يوصف تعالى بأنّه مالك لمّا لم يقتض ذلك صحّة الانتفاع بالشيء على الحدّ الذي اقتضاه الرزق ، ولذلك قد يوصف ما لا يملكه الإنسان بأنّه رزقه إذا أبيح له تناوله والانتفاع به ، وإن كان قبل التناول غير مالك له ؛ كالأمور المباحة ، وكبذل الطعام للغير ، إلى ما شاكله (ق ، غ ١١ ، ٢٨ ، ٧)

ـ قد بيّنا من قبل أنّ الملك هو القدرة ، وأنّ المالك هو القادر ، فكلّ من قدر على شيء ولم يكن لأحد منعه منه على الوجه الذي يقتضي

٢١١

قدرته التعرّف فيه وصف بهذه الصفة. ولذلك وصف تعالى بأنّه مالك لم يزل ، ووصف نفسه بأنّه مالك يوم الدين ؛ وبيّنّا أن وصفهم لسيّد العبد بأنّه مالكه قد حذف منه ذكر التصرّف ؛ لأنّ ملك العتق لا يعقل له معنى إذا لم يصرف ذلك إلى التصرّف المخصوص (ق ، غ ١١ ، ٢٨ ، ١١)

مالك أفعال العباد

ـ إنّ الموجود إذا قيل إنّه تعالى مالكه فهو مجاز ، لأنّ القدرة على الموجود تستحيل ، وإنما يراد به أنّه يملك أمرا سواه له به تعلّق ، كما يراد بقولنا : إنّ زيدا يملك الدار ، أنّه يملك التصرّف فيها ، وهو تعالى لا يمتنع أن يوصف بأنّه مالك أفعال العباد ، بمعنى أنّه يقدر على إعدامها ، أو يقدر فيما لم يوجد منها على المنع منها ، وليس في ذلك ما يدلّ على ما توهّموه (ق ، م ١ ، ٢٠٦ ، ٥)

ـ قد بيّنا من قبل أنّا لو قلنا : إنّه تعالى مالك لأفعال العباد ، من حيث يقدر على تمكينهم منها ومنعهم منها لصحّ ، ولجرى ذلك على طريق الحقيقة ، لأنّ المراد بالملك في المملوك على ما ذكرناه ، قد يختلف (ق ، م ٢ ، ٤٨٥ ، ١١)

ـ قد جوّز شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله أن يوصف تعالى بأنّه مالك لأفعالنا من حيث يقدر على إبطالها ومنعنا منها ، ويوصف الأقدر منّا بأنّه مالك لفعل غيره على هذا الوجه ، ويقال فيه تعالى : إنّه مالك لنا بمعنى أنّه يقدر على إفنائنا وعلى التصرّف فينا. ولذلك لا يمتنع أن يكون العبد مملوكا لاثنين إذا صحّ تصرّفهما فيه ولم يكن لأحد منعهما من ذلك ، ولا لأحدهما منع الآخر منه. ولذلك قلنا : إنّ كل ما نملكه فهو تعالى المملّك لنا ، لأنّه قد حصلنا بالقدرة على التصرّف ، وبأن خلق المتصرّف فيه ، وجعله بحيث يصحّ أن ينتفع به ، ومنه الغير من أن يمنعنا منه (ق ، غ ١١ ، ٢٩ ، ٥)

مالك لفعل غيره

ـ قد جوّز شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله أن يوصف تعالى بأنّه مالك لأفعالنا من حيث يقدر على إبطالها ومنعنا منها ، ويوصف الأقدر منّا بأنّه مالك لفعل غيره على هذا الوجه ، ويقال فيه تعالى : إنّه مالك لنا بمعنى أنّه يقدر على إفنائنا وعلى التصرّف فينا. ولذلك لا يمتنع أن يكون العبد مملوكا لاثنين إذا صحّ تصرّفهما فيه ولم يكن لأحد منعهما من ذلك ، ولا لأحدهما منع الآخر منه. ولذلك قلنا : إنّ كل ما نملكه فهو تعالى المملّك لنا ، لأنّه قد حصلنا بالقدرة على التصرّف ، وبأنّ خلق المتصرّف فيه ، وجعله بحيث يصحّ أن ينتفع به ، ومنه الغير من أن يمنعنا منه (ق ، غ ١١ ، ٢٩ ، ٦)

مأمور

ـ العلوم كثيرة منها اضطرار ، وأنّه قد يمكن أن يدركه الإنسان قبل تكامل العقل فيه بامتحان الأشياء واختبارها والنظر فيها وفي بعض ما هو داخل في جملة العقل ، كنحو تفكّر الإنسان إذا شاهد الفيل أنّه لا يدخل في خرق إبرة بحضرته ، فنظر في ذلك وفكّر فيه حتى علم أنه يستحيل دخوله في خرق إبرة وإن لم يكن بحضرته ، فإذا تكاملت هذه العلوم في الإنسان كان بالغا ، ومن لم يمتحن الأشياء فجائز أن يكمّل الله سبحانه له العقل ويخلقه فيه ضرورة ،

٢١٢

فيكون بالغا كامل العقل مأمورا مكلّفا (ش ، ق ، ٤٨١ ، ٥)

ـ إن قالوا فيجوز أن يكلّف الله تعالى الشيء مع عدم الجارحة ووجود العجز ، قيل لهم (لا) لأنّ المأمور إنّما يؤمر ليقبل أو ليترك ومع عدم الجارحة لا يوجد أخذ ولا ترك. وكذلك العجز لا يوجد معه أخذ ولا ترك لإ (نّه) عجز عن الشيء وعن ضدّه. وأيضا فلو وجب إذا أمر الله تعالى الإنسان بالشيء مع عدم قدرته أن يأمر به مع عدم القدرة كلها ، لوجب إذا أمر الله تعالى الإنسان مع عدم بعض العلوم وهو العلم بالله تعالى وبأنّه آمر ، أن يأمره بالفعل مع عدم العلوم كلّها. فإن لم يجب هذا لم يجب إذا أمر الإنسان مع عدم القدرة على ما أمره به ، أن يأمر مع عدم الجارحة التي إذا عدمت ، عدمت القدرة كلّها ، ومع وجود العجز الذي لم تعدم القدرة بوجوده (ش ، ل ، ٥٩ ، ٢٠)

ـ اختلفوا في صفة المأمور ، فمن أجاز تكليف العاجز وتكليف المحالات قال يجب أن يكون المأمور كامل العقل ليصحّ كونه عالما بأنّه مأمور. ومن أحال من أصحابنا تكليف العاجز وتكليف المحالات قال يحتاج المأمور في حال تضييق الوجوب عليه إلى ... كمال العقل ، وإلى أن يكون قادرا إمّا على الفعل وإمّا على تركه لكي يصحّ منه الطاعة بفعل المأمور به أو المعصية بتركه. ويجب على هذا القول أن يكون عالما بصفات ما أمر به وشروطه ، وفي حكم العالم بذلك من يصحّ منه النظر المؤدّي إلى المعرفة. ويجب على هذا القول أن يكون الدليل منصوبا على ما كلّف به (ب ، أ ، ٢١٢ ، ١١)

ـ قالت القدريّة من شرطه (المأمور) أيضا أن يكون قادرا على المأمور به وعلى جنس ضدّه في حال ورود الأمر. ولم يوجبوا كونه قادرا عليه في حال وقوعه. وقال أصحابنا بوجوب كونه قادرا على ما أمر به في حال كونه فاعلا له. ولم يوجبوا كونه قادرا عليه قبل ذلك. وأوجبوا أيضا كون المأمور قادرا على فعل الإرادة للفعل المأمور به. وليس هذا من شرطه عندنا لأنّه يجوز أن يخلق الله تعالى فيه إرادة ضروريّة يريد بها فعل المأمور به (ب ، أ ، ٢١٣ ، ١)

ـ المأمور الذي علم وقوعه ، والمنهيّ الذي علم الانتهاء عنه هو المراد ، أمّا ما علم انتفاؤه فليس بمراد الوجود ، وإن كان مأمورا به ، وما علم وجوده فليس بمراد الانتفاء وإن كان منهيّا عنه ، وإلّا كان فيه إبطال أخصّ وصف الإرادة ، وهو تأتّي التمييز بها ، وهو ممتنع. وأمّا ما يطلق عليه اسم الإرادة مع عدم حصول التمييز به فليس في الحقيقة إرادة بل شهوة تمنّيا ، فإذا الإرادة أعمّ من الأمر من جهة أنّها توجد ولا أمر ، والأمر أعمّ منها من جهة أنّه قد يكون ولا إرادة ، وليس ولا واحد منهما يلزم الآخر لزوما معاكسا ولا غير معاكس. وعند ذلك فلا يلزم من الأمر بالوجود وإرادة العدم ما تخيّلوه من التناقض. وعلى هذا القول في النهي أيضا (م ، غ ، ٦٦ ، ١٤)

ماهيات نوعية

ـ قالوا : الماهيّات النوعيّة تشرك في الأجناس ، فإنّ السواد والبياض يشتركان في اللونيّة وليس الاسم ، لأنّا نجد بينهما ما لا نجد بين أحدهما والحركة ، لو كان اسمهما واحدا ؛ ولأنّه لا يطّرد في اللغات بخلاف هذا (خ ، ل ، ٥٠ ، ٩)

٢١٣

ماهية

ـ أجمعت المعتزلة على إنكار القول بالماهيّة وأنّ لله ماهيّة لا يعلمها العباد وقالوا : اعتقاد ذلك في الله سبحانه خطأ وباطل (ش ، ق ، ٢٠٦ ، ١٦)

ـ كان يزعم (ضرّار بن عمرو) أنّ الله سبحانه يخلق حاسّة سادسة يوم القيامة للمؤمنين يرون بها ماهيّته أي ما هو وقد تابعه على ذلك" حفص الفرد" وغيره (ش ، ق ، ٢٨٢ ، ٧)

ـ أقول : قوله (الرازي): " إنّ مجموع أجزاء الماهيّة هو نفس الماهيّة" ليس بصحيح ، لأنّ الجزء متقدّم على الكلّ بالطّبع. والأشياء الّتي كلّ واحد منها متقدّم على شيء متأخّر عنها يمتنع أن تكون نفس المتأخّر ، ويجوز أن تصير عند الاجتماع ماهيّة هي المتأخّرة ، فيتحصّل معرفتها بها. كما أنّ العلم بالجنس والفصل وبالتركيب التقييديّ متقدّم على العلم بالجنس المقيّد بالفصل ، وهي أجزاؤه ، وبها يحصل العلم به (ط ، م ، ٧ ، ٢١)

ـ إنّ من الجائز أن تكون الأجزاء كلّها أو بعضها معرّفة للماهيّة ، ولا يلزم منه أن يكون معرّفا لجميع أجزاء الماهيّة حتى لنفسه ، فإنّا بيّنا أنّ الماهيّة مغايرة للأجزاء كلّها. وإنّما وقع هذا الغلط من عدم التّمييز بين الماهيّة وبين أجزائها كلّها (ط ، م ، ٨ ، ٩)

ـ إنّ الماهيّة من غير اعتبار شيء معها لا تكون موجودة ولا معدومة ، فلا يلزم من اتّصافها بالوجود قيام الوجود بالماهيّة المعدومة (ط ، م ، ٣٤ ، ٣)

ـ الماهيّة لا تكون موجودة إلّا في زمان الوجود ، أمّا في زمان العدم فلا ماهيّة إلّا في التصوّر العقليّ (ط ، م ، ٣٧ ، ٢٢)

ـ إنّ الماهيّة ، من حيث هي هي لا موجودة ولا معدومة. وإنّما يمكن أن يكون من حيث هي هي علّة لصفة معقولة لها ، كما أنّ ماهيّة الاثنين علّة لزوجيّتها. أمّا كونها من حيث هي هي علّة لوجود ، أو لموجود ، فمحال ، لأنّ بديهة العقل حاكمة بوجوب كون ما هو علّة لوجود موجودا. وليس كذلك في قبول الوجود ، فإنّ قابل الوجود يستحيل أن يكون موجودا ، وإلّا فيحصل له ما هو حاصل له (ط ، م ، ٩٧ ، ٢٠)

ـ الماهيّة لا تخلو عن الوجود أو العدم في الخارج ، أمّا عند العقل فتخلو عن اعتبارهما ، والإمكان صفة لها من حيث هي كذلك مسندة إلى الوجود أو إلى العدم (ط ، م ، ١١٠ ، ٥)

ـ إنّا نعقل الماهيّة من غير أن يفرض معها وجود أو عدم. ثم نقول : إنّ تلك الماهيّة المعقولة يمكن أن يكون مع الوجود الخارجيّ ويمكن أن لا يكون معه (ط ، م ، ٢٤٣ ، ٢٠)

ـ إنّ الماهيّة لا تخلو عن الوجود والعدم ، وهي مع أحدهما تنافي الآخر وإمكانه. وقد يقرّر بأنّ الممكن إن حضر سببه وجب ، وإلّا ، امتنع (خ ، ل ، ٥٦ ، ٧)

ـ الماهيّة : تطلق غالبا على الأمر المتعقّل مثل المتعقّل من الإنسان ، وهو الحيوان الناطق مع قطع النظر عن الوجود الخارجيّ ، والأمر المتعقّل من حيث إنّه مقول في جواب ما هو يسمّى ماهيّة ، ومن حيث ثبوته في الخارج يسمّى حقيقة ، ومن حيث امتيازه عن الأغيار هويّة ، ومن حيث حمل اللوازم له ذاتا ، ومن حيث يستنبط من اللفظ مدلولا ، ومن حيث إنّه محل الحوادث جوهرا ، وعلى هذا (ج ، ت ، ٢٤٧ ، ١٢)

ـ قلنا : الماهيّة ما يتصوّر في الذهن ، وقد امتنع

٢١٤

أن يتصوّره الخلق حيث لا يتمكّنوا إلّا من تصوّر المخلوقات اتّفاقا بيننا وبينهم. وعلم الله تعالى ليس يتصوّر ، اتّفاقا كذلك ، فإذا أرادوا بذلك ذاتا لا يحيط بها مخلوق علما فصحيح (ق ، س ، ٨٥ ، ١١)

ماهية الشيء

ـ ماهية الشيء : ما به الشيء هو هو وهي من حيث هي هي لا موجودة ، ولا معدومة ، ولا كلّيّ ، ولا جزئيّ ، ولا خاص ، ولا عام. وقيل منسوب إلى ما ، والأصل المائيّة قلبت الهمزة هاء لئلّا يشتبه بالمصدر المأخوذ من لفظ ما ، والأظهر أنّه نسبة إلى ما هو جعلت الكلمتان ككلمة واحدة (ج ، ت ، ٢٤٧ ، ٨)

مايية

ـ أمّا ما ذهب إليه" ضرّار" من إثبات مايية لا يعلمها إلّا الله ، وقوله إنّه إذا رأى في الآخرة يرى عليها. فالذي أدّاه إلى ذلك قوله إنّه قد اتّفقت الأمّة على أنّه تعالى أعلم بنفسه منّا ، فلو لم تكن إلّا هذه الصفات التي عرفناها لما صحّ هذا الإجماع ، فيجب أن تكون هناك صفة أخرى غير هذه الصفات. وربما يجعل الوجه في كونه اعلم بنفسه منّا أنّه تعالى في كونه عالما بهذه الصفات في حكم من يجد من نفسه كونه عالما ومريدا ومدركا وما شاكل ذلك. فكما أنّه يجد لنفسه مزية على ما يعرفه غيره منه من هذه الصفات لا سيّما إذا كان الغير يعرف كونه على هذه الصفات بدلالة وهو يجدها من نفسه من دون دلالة ، فكذلك يجب في القديم تعالى. ولن يتمّ ذلك إلّا بما قلته من المائية (ق ، ت ١ ، ١٥٤ ، ١٩)

ـ الأصل في إبطال هذه المقالة (مقالة ضرّار في المائية) ، أنّ إثبات صفة له تعالى من دون دلالة الفعل عليها بنفسه أو بواسطة تؤدّي إلى الجهالات ، وتقتضي أن لا نقتصر على ماييّة واحدة دون ماييات كثيرة. ومعلوم أنّ الفعل بمجرّده أو بوقوعه على وجه دالّ على كونه قادرا وعالما ومريدا وكارها ، وبواسطة دالّ على كونه حيّا موجودا ، وبواسطتين على كونه مدركا (ق ، ت ١ ، ١٥٥ ، ٢)

مباح

ـ نعرف الأمر والنهي ، والوعد والوعيد ، فيما ليس بمحسوس دليله ، لا وجه لإدراكه إلّا بالخبر ، وذلك نحو المباح / والمحظور ، وما فيه كل شيء من مختلف الأحوال ، فيلزم في نحو هذا القول بالخبر ، وفيه إيجاب القول بالرسالة (م ، ح ، ١٨٣ ، ٢٠)

ـ إنّ الحسن ينقسم قسمين : فإمّا أن تكون له صفة زائدة على حسنه ، وإمّا أن لا يكون كذلك. فالأوّل هو الذي يستحقّ عليه المدح ، والثاني هو الذي لا يستحقّ بفعله المدح ويسمّى مباحا ، وحدّه : ما عرف فاعله حسنه أو دلّ عليه ، ولهذا لا توصف أفعال القديم تعالى بالمباح ، وإن وجد فيها ما صورته صورة المباح كالعقاب. وأما ما يستحقّ عليه المدح فعلى قسمين : إمّا أن يستحقّ بفعله المدح ولا يستحقّ الذمّ بأن لا يفعل ، وذلك كالنوافل وغيرها ؛ وإما أن يستحقّ المدح بفعله والذمّ بأن لا يفعل ، وذلك كالواجبات (ق ، ش ، ٣٢٧ ، ٢)

ـ أمّا الذي يجري مجرى المباح فهو ما لا صفة له زائدة على حسنه وهذا هو نحو العقاب والذمّ (ق ، ت ١ ، ٢٤٤ ، ١١)

٢١٥

ـ أمّا المباح فلا يريده تعالى ولا يكرهه لمّا لم تكن لفعله مزيّة على تركه. فلو أراده لصارت إرادته باعثة لنا على الفعل ، ولو كرهه لضرّ فينا عن فعله ، وعلى هذا لم يأمر به ولم ينه عنه.

وهذا ظاهر إذا لم يكن فيما يجري مجرى المباح ما هو مستحقّ. فأمّا إذا ثبت فيه وجه من وجوه الاستحقاق جاز أن يريده تعالى وهذا هو كالأكل والشرب ونحوهما من فعل أهل الآخرة في الجنّة لأنّ" مشايخنا" اختلفوا. فأبى" أبو علي" أن يكون الله تعالى مريدا له وقال إن قوله (كُلُوا وَاشْرَبُوا) (الطور : ١٩) هو إباحة لا أمر ، وقاس ذلك على ما يقع من أهل الدنيا. والأولى ما اختاره" أبو هاشم" من أنّه تعالى يختاره لأنّه قد حصل في ذلك في الآخرة من الغرض ما لا يحصل في الدنيا ، وهو أنّه يستحقّ الثواب على أبلغ ما يكون ، ومتى علم أهل الجنّة أنّ الله تعالى قد أراد أكلهم وشربهم كان ذلك أدخل في سرورهم فصحّ أن يريده (ق ، ت ١ ، ٢٩٣ ، ١٧)

ـ القبيح هو بالضدّ من الواجب فيستحقّ الذمّ والعقاب بفعله والمدح والثواب بأن لا يفعله أو يتركه على بعض الوجوه. وما خرج عن ذلك من المباح وما أشبهه فلا مدخل له في التكليف لأنّه لا تحصل فيه البغية التي يقف التكليف عليها وهو تعريض المكلّف للثواب (ق ، ت ٢ ، ٢٧٢ ، ١١)

ـ ما يقع على وجه يحسن ينقسم أقساما : فمنها ما لا صفة له زائدة على حسنه ، وفعله له وأن لا يفعله فيما يتعلّق بالذمّ والمدح سواء ، فيكون مباحا. ومنها ما يستحقّ بأن يفعله المدح ، إذا لم يمنع منه مانع ، ولا يستحقّ الذمّ بأن لا يفعله ، فيوصف بأنّه ندب ، ومرغّب فيه. ومنها ما يستحقّ به الذمّ بأن لا يفعله ، فيوصف بأنّه واجب (ق ، غ ٦ / ١ ، ٧ ، ١٦)

ـ أمّا المباح فهو كله حسن ، لا صفة له زائدة على حسنه ، كالتنفّس في الهواء الذي نعيش دونه ، ونيل المأكول الذي لا يلحقه بفعله مضرّة ، ولا هو ملجأ إلى تناوله. فما هذا حاله يوصف بأنّه مباح ، إذا أعلم أو دلّ على أنّه لا صفة له زائدة على حسنه ، وأنّ فعله له وأن لا يفعله سواء في أنّه لا يستحقّ ذمّا ولا مدحا. فلذلك يقال في أفعال العاقل أنّه مباح ، ولا يستعمل ذلك في فعل البهيمة ولا في أفعاله تعالى. ولذلك قال شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله : إنّ أفعال أهل الجنّة لا توصف بذلك ، لما أعلموا من حالها ما قدّمناه ، وإن لم يدلوا عليه. ولذلك يقول في كثير من المنافع أنّها على الإباحة (ق ، غ ٦ / ١ ، ٣١ ، ١٠)

ـ أمّا المباح الذي لا صفة له زائدة على حسنه فلا يجوز أن يدخل تحت التكليف ؛ لأنّه لا يستحقّ بفعله المدح ولا الثواب على وجه. والأصل في هذا الباب أن تكليفه ـ تعالى ـ لا يصيّر للفعل صفة ليست له ، وإنّما يدلّ على حال الفعل ، وأنّه بالصفة التي يقتضي العقل له الأحكام المخصوصة (ق ، غ ١١ ، ٥٠٣ ، ٨)

ـ قال (أبو علي) : لأنّ المباح لا صفة له أزيد من أنّه لا مضرّة عليه في فعله ، والمبيح إنّما يوصف بذلك لأنّه مزيل للمضرّة عن الفعل ، على ما نعقله من إباحة الإنسان لغيره دخول داره. وهذه الدلالة سنبيّن أنها لا تصحّ ، فيما بعد عند الدلالة على أنّه تعالى قد أوجب النظر والمعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٤٤٨ ، ٧)

ـ المحسنات العقليّة هي على ضربين : أحدهما (ما) لا صفة له زائدة على حسنه ، وهو الذي

٢١٦

يسمّى مباحا ، من حيث عرف فاعله أنّه لا مضرّة عليه في فعله ، ولا في ألّا يفعل ، ولا يستحقّ به المدح ، وما هذا حاله لا مدخل له في التكليف ، كما لا مدخل له فيه الواقع من الساهي ، وعلى حدّ الإلجاء. والضرب الثاني : ما يختصّ بصفة زائدة على حسنه ، تقتضي دخوله في أن يستحقّ به المدح. وهذا على ضربين : أحدهما يحصل كذلك لصفة تخصّه ، والآخر لأنّه يسهّل فعل غيره من الواجبات ، فالأوّل كالإحسان والتفضّل ، واجتلاب المنفعة لنفسه ، والثاني كالنوافل الشرعيّة ، ويدخل فيه النهي عن المنكر من جهة العقل ، ويدخل فيه مدح من فعل الواجب ، لأنّ ذلك مما لا يجب على أهل العقول ، كما يلزمهم الفصل بين المحسن والمسيء ، لأنّ هناك إنّما وجب الفصل لأمر يتعلّق به ، وليس كذلك حال الوجه الأوّل (ق ، غ ١٤ ، ١٧١ ، ٧)

ـ أمّا الحسن فقد يوصف بأنّه مباح إذا عرف فاعله بأنّه لا تبعة عليه فيه ، وأنه لا يستحقّ به الذمّ ولا المدح (ق ، غ ١٧ ، ٩٧ ، ١٤)

مباح وهو : الذي لا صفة له زائدة على حسنه ، إذا كان قد أعلم ذلك من حاله ، أو دلّ عليه ، فلذلك لم تدخل الإباحة في أفعاله ، جلّ وعزّ ، وفي أفعال البهائم (ق ، غ ١٧ ، ٢٤٧ ، ٩)

ـ أما الحسن ، فضربان : أحدهما إمّا أن لا يكون له صفة زائدة على حسنه تؤثّر في استحقاق المدح والثواب ، فيكون في معنى المباح ؛ وإمّا أن يكون له صفة زائدة على حسنه لها مدخل في استحقاق المدح. وهذا القسم إمّا أن لا يكون للإخلال به مدخل في استحقاق الذمّ ، وإمّا أن يكون له مدخل في استحقاق الذمّ. والأوّل في معنى الندب الذي ليس بواجب. وهو ضربان : أحدهما أن يكون نفعا موصلا إلى الغير على طريق الإحسان إليه ، فيوصف بأنّه فضل. والآخر لا يكون نفعا موصلا إلى الغير على طريق الإحسان ، بل يكون مقصورا على فاعله ؛ فيوصف بأنّه مندوب إليه ، ومرغوب فيه ، ولا يوصف بأنّه إحسان إلى الغير (ب ، م ، ٣٦٤ ، ٢٤)

ـ إذا لم يكن للحسن صفة زائدة على حسنه ، وصف بأنّه" مباح". ويفيد أنّ مبيحا أباحه. ومعنى الإباحة هو إزالة الحظر ، والمنع بالزجر والوعد وغيرهما ممّن يتوقّع منه المنع (ب ، م ، ٣٦٦ ، ١٠)

ـ إطلاق قولنا" مباح" يفيد أنّ الله تعالى أباحه بأن أعلمنا ، أو دلّنا على حسنه ، ولم يمنع منه. ويوصف بأنّه" حلال" و" طلق". ويفيد ما يفيد وصفنا بأنّه مباح. ولذلك لم يوصف أفعال الله الحسنة بأنّها مباحة ، وإن كانت حسنة نحو تعذيب من استحقّ العقاب (ب ، م ، ٣٦٦ ، ١١)

ـ من حقّ المباح أن لا يستحقّ على فعله ثواب. لأنّه لو استحقّ عليه ثواب ، كان فعله أولى من تركه ، ولكان على صفة يترجّح بها فعله على تركه ، ولرغّب الله تعالى في فعله (ب ، م ، ٣٦٦ ، ١٥)

ـ المباح : ما ليس في فعله ثواب ولا عقاب ، ولا في تركه ثواب ولا عقاب (ب ، ف ، ٣٤٧ ، ٨)

ـ المباح من أفعال المكلّفين ما لم يكن في فعله ولا تركه ثواب ولا عقاب. وهذا المعنى حاصل في أفعال الصبيان والمجانين والبهائم ولا يقال لها مباحة. والجواز تجمّعها كلّها (ب ، أ ، ١٩٩ ، ١١)

ـ قالت المعتزلة : الرّب تعالى مريد لأفعاله سوى

٢١٧

الإرادة والكراهة وهو مريد لما هو طاعة وقربة من أفعال العباد ، كاره للمحظورات من أفعالهم. وأمّا المباح منها ، وما لا يدخل تحت التكليف من مقدورات البهائم والأطفال ، فالربّ عندهم لا يريدها ولا يكرهها (ج ، ش ، ٢١٣ ، ١)

ـ المباح : من استوى طرفاه بين فعله وتركه (ج ، ت ، ٢٤٩ ، ١١)

مباحات

ـ قالت المعتزلة القائلون بإرادات حادثة إنّ الباري تعالى مريد لأفعاله الخاصّة بمعنى أنّه قاصد إلى خلقها على ما علم ، وتتقدّم إرادته على المفعول بلحظة واحدة ، ومريد لأفعال المكلّفين ما كان منها خيرا ليكون وما كان منها شرّا لا يكون ، وما لم يكن خيرا ولا شرّا ولا واجبا ولا محظورا وهي المباحات فالرب تعالى لا يريدها ولا يكرهها ، ويجوز تقديم إرادته وكراهيته على أفعال العباد بأوقات وأزمان ، ولم يجعلوا له حدّا أو مرادا (ش ، ن ، ٢٤٨ ، ١١)

مباشر

ـ قال بعضهم : من الإقدام ما يحتاج إلى خاطر وهو المباشر وكثير من المتولّدات ، وأكثر المتولّدات يستغني عن الخاطر ، ولكن قد أترك لا لخاطر يدعو إلى الترك ، وزعموا أيضا أنّهم يتركون ما لا يعرفونه قط ولم يذكروه (ش ، ق ، ٣٨٠ ، ١٣)

ـ قال" الاسكافي" : كل فعل يتهيّأ وقوعه على الخطإ دون القصد إليه والإرادة له فهو متولّد ، وكل فعل يتهيّأ إلّا بقصد ويحتاج كل جزء منه إلى تجديد وعزم وقصد إليه وإرادة له ، فهو خارج من حدّ التولّد داخل في حدّ المباشر (ش ، ق ، ٤٠٩ ، ٦)

ـ منهم (المجبرة) من قال : إنّ المباشر خلق الله تعالى فينا متعلّق بنا من حيث الكسب ، وأمّا المتولّد فإنّ الله تعالى منفرد بخلقه (ق ، ش ، ٣٢٤ ، ٨)

ـ لكونه (أحدنا) قادرا بقدرة اختصّ الوجه الذي يصحّ أن يفعل عليه وأن يخرج ذلك عن طريقين : أحدهما أن يكون مباشرا. والآخر أن يكون متولّدا. فالذي نسمّيه مباشرا هو ما نفعله ابتداء في محلّ القدرة من دون فعل سواه (ق ، ت ١ ، ٣٦٧ ، ٦)

ـ إنّ كونه (الفعل) مباشرا لا يفيد فيه صفة ولا حكما وإنّما ينبي عنه وجوده في محلّ القدرة عليه. وليس القديم قادرا بقدرة بل هو كذلك لنفسه (ق ، ت ١ ، ٣٧١ ، ١٥)

ـ سأل رحمه‌الله نفسه عن الإمارة التي تفرّق بين أن يكون الشيء متولّدا عن غيره ، وبين أن لا يكون كذلك ، لمّا جرى في كلام الشيوخ من قبل أنّ المباشر هو الذي يحلّ محلّ القدرة ، والمتولّد ما يتعدّاه. وجعلوا ذلك فصلا بين الأمرين ، وليس الأمر عندنا كذلك. فقد يكون المتولّد في محلّ القدرة كالمباشر ، وقد يكون مما يتعدّى وإن كان مما هو مباشر لا يصحّ أن يتجاوز محلّ القدرة. تبيّن صحّة ذلك أنّ العلم المتولّد عن النظر لا يتعدّى محلّ القدرة بل يوجد فيها من حيث لم يختصّ بجهة ، كما نقوله في الاعتماد. وكذلك فالتأليف يوجد في محلّ القدرة كما يوجد في غير محلّها وهو متولّد ، والاعتماد قد يحصل في محلّ القدرة مع أنه متولّد ، كما إذا رمى أحدنا حجرا إلى حائط

٢١٨

صلب فتراجع بالصكّة ، فما يوجد من الاعتماد في كفّنا هو متولّد ، وإن كان في محلّ القدرة. وكذلك فلو رمى حجرا فدفعه إلى يده قادر آخر ، لكان متولّدا وهو في محلّ القدرة ، فبطل أن الفرق بين الأمرين ما قالوه. فإذا يجب أن يجعل الدلالة الفاصلة بين هذين الفعلين ، إنّ ما يجعل متولّدا هو الذي يقع بحسب فعل آخر ، حتى أنّه ربما تعذّر به إيجادنا له إلّا كذلك. وربما صحّ ولكنّه إذا وقع على هذا الحدّ وما تتعذّر الإشارة إلى شيء يقع هذا بحسبه نجعله واقعا ابتداء (ق ، ت ١ ، ٤١٢ ، ٥)

ـ إنّ الغرض بقولنا : إنّه مباشر ، إبانة فعل من فعل. لأنّا لمّا علمنا أنّ العبد يفعل على وجهين : أحدهما ، بأن يبتدئه بالمقدرة في محلّها ، والآخر ، بأن يفعل مقدوره بواسطة يوجد بحسبها. واحتجنا إلى أن نجد أحدهما بما يفارق به الآخر ، فحدّدنا المباشر بما ذكرناه ، لأنّه به بان من المتولّد ؛ وجعلنا كلا الفعلين متعلّقا بالجملة من حيث كان فعلا ، وجعلناه حادثا من جهته. والأحكام التي تتعلّق بالفعل ، إنّما تتعلّق به من حيث كان محدثا له والمباشر كالمتولّد في ذلك. ولا يجب أن نذكر في حدّ المباشر ذلك ، إذا كان المقصد به إبانة من فعل من فعل ؛ كما لا يجب ذكر ذلك في أجناس الأفعال (ق ، غ ٨ ، ٩١ ، ٧)

ـ ليس لأحد أن يقول إن وقوع المباشر بحسب قصده إنّما دالّا على أنّه فعله من حيث وقع من جهته ابتداء ولم يتعلّق وجوده بغيره ، وهذا المعنى لا يصحّ في المتولّد ، فلم يجب أن يشاركه في الحكم ، وذلك لأنّ الذي له علمنا أنّ المباشر فعله هو وقوعه بحسب قصده على ما بيّناه دون حدوثه ابتداء ، لأنّ اللون الحالّ فينا والمرض والصحّة قد توجد ابتداء ، ولم يجب كونه فعلا له ، وإنّما فارق المباشر هذه الأمور من حيث وجب وقوعه بحسب قصده لا لأنّه وجد مبتدأ ، فإذا كانت هذه الطريقة موجودة في المتولّد فيجب كونه فعلا له أيضا. والمتولّد وإن فارق المباشر في كيفيّة وجوده فلا يجب كونه مفارقا له فيما به نعلم أنّه حادث من جهة القادر ، لأنّ طريق العلم بالشيء قد يتّفق وإن كان حكمه في نفسه يختلف في الوجود. ألا ترى أن أحكام الأفعال المباشرة قد تختلف في الوجود ، ففيها ما يحتاج إلى محلّه فقط ، وفيها ما يحتاج إلى محلّ على صفة ، ولم يمنع ذلك من اشتراكهما في أنّ ما به يعلم أحدهما فعلا لفاعله يعلم الآخر فعلا له (ق ، غ ٩ ، ٣٧ ، ١٠)

ـ ما قدّمناه في المباشر من أنّ وقوع الفعل بحسب دواعيه على أنّه فعله ، وأنّه حادث من جهته ، فإذا وجب ذلك في المباشر ، وكان المتولّد كالمباشر في أنّه يقع بحسب دواعيه ، فيجب كونه فعلا له وحادثا من جهته. وقد دللنا من قبل على أنّ فعلا من فاعلين لا يصحّ ، فيجب ألّا يكون فعلا لغيره (ق ، غ ٩ ، ٣٨ ، ٤)

ـ إنّ الدلالة قد دلّت على أنّ الواحد منّا يجوز أن يفعل المباشر وهو عاجز لأنّ فناء القدرة في حال الفعل لا يمتنع عندنا على ما سندلّ عليه من بعد. وإذا جاز مع فنائها الفعل لم يمتنع أيضا مع وجود العجز ، وكذلك يصحّ أن يفعل مع الموت كل فعل لا يحتاج في وجوده إلى الحياة ، ولذلك يصحّ من القادر منّا أن يقتل نفسه فيكون فاعلا للقتل في حال يستحيل كونه حيّا وقادرا ، وإنّما يستحيل أن يفعل أفعال القلوب في حال الموت لحاجتها في الوجود

٢١٩

إلى الحياة ، فلذلك فارقت الحركات وغيرها من أفعال الجوارح. وإذا صحّ ذلك في المباشر فتجب صحّته في المتولّد وإن كان يختصّ المتولّد بأنّه لا يحلّ بعضه ، فيصحّ لأجل ذلك وجوده مع فنائه لو صحّ في الأجسام فناء بعضها مع بقاء سائرها (ق ، غ ٩ ، ٦٥ ، ٦)

ـ إنّ الفعل لا يحتاج إلى كون فاعله موجودا إذا لم يكن حالّا في بعضه ، وإنّما يقتضي وجوده متى حلّ في بعضه لأنّ من حق المحل أن يكون موجودا ، وإنّما يحتاج الفعل إلى تقدّم كون فاعله قادرا ، فإن كان مباشرا متولّدا يقارن السبب وجب أن يتقدّم كونه قادرا قبله بوقت ، وإن كان متولّدا يتأخّر عن السبب وجب تقدّم كونه قادرا قبل وجود سببه الأول بوقت ، ومتى لم يكن الفعل حالّا في بعضه فوجوده كعدمه في أنّه لا يحل بصحّة الفعل (ق ، غ ٩ ، ٦٥ ، ١٥)

ـ إنّ المباشر لا يجوز أن يفعل القادر منه وقد عجز أو مات إلّا أقلّ قليل الفعل ، لأنّه يبتدئه بالقدرة في الثاني ، فإذا عجز لم يصحّ أن يفعل مثله في الثالث فلا يصحّ أن يوجد منه إلّا أقلّ الفعل ، هذا إذا كان ذلك الفعل مما لا يحتاج في وجوده إلى الحياة ، كأفعال القلوب. فأمّا إذا كان يحتاج إلى الحياة فإنّها مما لا يصحّ أن يفعلها وهو ميت ، وإن صحّ أن يفعلها وهو عاجز ، لأنها لا تحتاج في وجودها إلى القدرة كحاجتها إلى الحياة (ق ، غ ٩ ، ٦٥ ، ٢٢)

ـ اعلم أنّ الأصل في مقدور القادر أنّه يصحّ منه إيجاده لكونه قادرا عليه ، فإذا ثبت أنّه يحتاج إلى سبب في إيجاده حكم به وإلّا وجب استغناؤه عنه ، فما ثبت وجوب وجوده بحسب فعل له آخر حكم بأنّه متولّد ، وما امتنع ذلك فيه لم يصحّ وجوده إلّا مباشرا (ق ، غ ٩ ، ٨٠ ، ٥)

ـ قد ثبت أنّ ما حلّ في غير محلّ القدرة عليه لا يكون إلّا متولّدا لاستحالة حصول هذه الصفة للمباشر ، وصحّ أنّ ما حلّ محلّ القدرة عليه قد يكون متولّدا كالعلم والحركة ، وقد يكون مباشرا وبأن يجعله متولّدا من حيث اختصّ بحكم يحصل إلّا للمتولّد أولى بأن يجعله مباشرا لاختصاصه بحكم قد يحصل للمتولّد كما يحصل للمباشر (ق ، غ ٩ ، ١٢٩ ، ٩)

ـ إنّما نقول في المتولّد إنّه قد يحلّ محلّ القدرة عليه لا أنّ ذلك يجب فيه ، وإنّما يحلّ العلم المتولّد عن النظر في محلّ القدرة عليه لأنّ سببه لا جهة له ، فلا يجوز أن يولّد إلّا في محلّه. ومن حق العلم أن لا يوجد إلّا في محلّ واحد ، وما يولّده فينا الحجر عند تراجعه ومصادمته مكانا صلبا في محل القدرة ، فإنّما يولّده فيه من حيث حصل ذلك المحل مماسا لمحلّ القدرة ثانيا ، كما كان محل القدرة مماسا له أولا ومعتمدا عليه. فما أوجب كون الاعتماد الأول مولّدا فيه يوجب كون اعتماده مولّدا في محلّ قدرتنا. وليس كذلك حال التأليف لأنّه لم يحصل له من حيث وجد في محلّ القدرة حال توجب كونه متولّدا ، وحلوله في غير محل القدرة على ما بيّناه لا يمنع من كونه مباشرا لما قدّمناه ، فكيف يقال فيه أنه من حيث وجد في غير محلّ القدرة يجب أن يكون متولّدا؟ فأما ما سوى هذين الضربين فيجب ألا يكون من فعلنا إلّا مباشرا ، ولذلك يصحّ منّا أن نبتدئ فنفعل الإرادة والكراهة والاعتقاد من غير أن نفعل قبلها أو معها غيرها. والمتولّد يستحيل ذلك فيه لوجوب تعلّقه بالسبب ، فيجب في كل فعل يصحّ فيه ما ذكرناه أن يكون مباشرا. والذي يلتبس الحال فيه هو كل فعل لا يوجد إلّا مع

٢٢٠