موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ٢

الدكتور سميح دغيم

موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ٢

المؤلف:

الدكتور سميح دغيم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

ـ إن قال قائل فلم لا دلّ وقوع الفعل الذي هو كسب على أنّه لا فاعل له إلّا الله ، كما دلّ على أنّه لا خالق (له) إلّا الله تعالى ، قيل له كذلك نقول. فإن قال فلم لا دلّ على أنّه لا قادر عليه إلّا الله عزوجل ، قيل له لا فاعل له على حقيقته إلّا الله تعالى ، ولا قادر عليه أن يكون على ما هو عليه من حقيقته أن يخترعه إلّا الله تعالى (ش ، ل ، ٣٩ ، ١٠)

ـ الأفعال لا بدّ لها من فاعل على حقيقتها لأنّ الفعل لا يستغني عن فاعل ، فإذا لم يكن فاعله على حقيقته الجسم ، وجب أن يكون الله تعالى هو الفاعل له على حقيقته. وليس لا بدّ للفعل من مكتسب يكتسبه على حقيقته ، كما لا بدّ من فاعل يفعله على حقيقته ، فيجب إذا كان الفعل كسبا كان الله تعالى هو المكتسب له على حقيقته (ش ، ل ، ٣٩ ، ١٩)

ـ إذا كان الكسب دالّا على فاعل فعله على حقيقته ، لم يجب أن يدل على أنّ الفاعل له على حقيقته هو المكتسب له ، ولا على أنّ المكتسب له على الحقيقة هو الفاعل له على حقيقته ، إذ كان المكتسب مكتسبا للشيء لأنّه وقع بقدرة له عليه محدثة ، ولم يجز أن يكون ربّ العالمين قادرا على لا شيء بقدرة محدثة ، فلم يجز أن يكون مكتسبا للكسب وإن كان فاعلا له في الحقيقة (ش ، ل ، ٤٠ ، ٥)

ـ إنّ حقيقة الكسب أنّ الشيء وقع من المكتسب له بقوّة محدثة لافتراق الحالين في الحركتين ، ولأنّ إحداهما بمعنى الضرورة وجب أن تكون ضرورة ، ولأنّ الأخرى بمعنى الكسب ، وجب أن تكون كسبا ، ودليل الخلق في حركة الاضطرار وحركة الاكتساب واحد ، فلذلك وجب إذا كانت إحداهما خلقا أن تكون الأخرى خلقا (ش ، ل ، ٤٢ ، ١)

ـ إنّ الاستطاعة مع الفعل للفعل ، إنّ من لم يخلق الله تعالى له استطاعة محال أن يكتسب شيئا. فلمّا استحال أن يكتسب الفعل إذا لم تكن استطاعة ، صحّ أنّ الكسب إنّما يوجد لوجودها ، وفي ذلك إثبات وجودها مع الفعل للفعل (ش ، ل ، ٥٦ ، ١٩)

ـ إنّ الحياة إذا عدمت ، عدمت القدرة. فلعدم القدرة ما استحال الكسب لا لعدم الحياة. ألا ترون أنّ الحياة تكون موجودة وثم عجز فلا يكون الإنسان مكتسبا ، فعلم إنّ الكسب لم يعدم لعدمها ولا يوجد لوجودها (ش ، ل ، ٥٧ ، ١١)

ـ منهم من حقق الأفعال للخلق ، وبها صاروا عصاة تقاة ، وجعلوها لله خلقا اعتبارا بما سبق من الإضافة إلى الله جلّ ثناؤه مرّة وإلى العباد ثانيا ، والمذكور المضاف إلى العباد هو المضاف / إلى الله تعالى لا غير ، بمعنى يؤدي إلى اختلاف الجهة في العقل نحو الإضلال وو الإزاغة ، والهداية والعصمة ، ثم الإنعام والامتنان ، ثم الخذلان والمدّ ثم الزيادة من الوجهين ، ثم الطبع والتيسير ، ثم التشرح والتضييق ، ومحال وجود هذه الأحوال ، على وجود مضادّات ما يوصف بها ، وإضافة الاهتداء والضلالة ، والرشد والغيّ ، والاستقامة والزيغ إلى الخلق ، وكان في وجود أحد الوجهين تحقيق الآخر ، إذ لا يضاف الذي أضيف إلى الله مطلقا ، مع إضافة أضداد الواقع عليه معانيها ، ثبت أنّ حقيقة ذلك الفعل الذي هو للعباد من طريق الكسب ، والله من طريق الخلق (م ، ح ، ٢٢٨ ، ١٦)

ـ إنّ العاقل منّا يفرّق بين تحرّك يده جبرا وسائر

١٤١

بدنه عند وقوع الحمّى به ، أو الارتعاش ، وبين أن يحرّك هو عضوا من أعضائه قاصدا إلى ذلك باختياره ، فأفعال العباد هي كسب لهم وهي خلق الله تعالى. فما يتصف به الحق لا يتصف به الخلق ، وما يتصف به الخلق لا يتصف به الحق ، وكما لا يقال الله تعالى إنّه مكتسب ، كذلك لا يقال للعبد إنّه خالق (ب ، ن ، ٤٦ ، ٦)

ـ إنّ العلوم على ضربين : منها مقدور ومنها غير مقدور ، فما وقع منها عن النظر والفكر كسب وما وقع خاليا عن ذلك فليس بكسب (أ ، م ، ١٩ ، ١)

ـ يقول" الأشعري" إنّ كسب العبد فعل الله تعالى ومفعوله وخلقه ومخلوقه وإحداثه ومحدثه وكسب العبد ومكتسبه ، وإنّ ذلك وصفان يرجعان إلى عين واحدة يوصف بأحدهما القديم وبالآخر المحدث ، فما للمحدث من ذلك لا يصلح للقديم وما للقديم من ذلك لا يصلح للمحدث. وكان يجري ذلك مجرى خلقه للحركة في أنّه عين الحركة فيتّصف الله تعالى منها بوصف الخلق ويتّصف المحدث منها بوصف التحرّك ، فتكون حركة للمحدث خلقا لله تعالى ، ولا يصلح أن تكون حركة لله تعالى وخلقا للمحدث (أ ، م ، ٩١ ، ٢٢)

ـ كان (الأشعري) يذهب في تحقيق معنى الكسب والعبارة عنه إلى أنّه هو ما وقع بقدرة محدثة. وكان لا يعدل عن هذه العبارة في كتبه ولا يختار غيرها من العبارات عن ذلك. وكان يقول إنّ عين الكسب وقع على الحقيقة بقدرة محدثة ووقع على الحقيقة بقدرة قديمة ، فيختلف معنى الوقوع فيكون وقوعه من الله عزوجل بقدرته القديمة إحداثا ، ووقوعه من المحدث بقدرته المحدثة اكتسابا (أ ، م ، ٩٢ ، ٦)

ـ يقول (الأشعري) إنّ الكسب يوجد بالقدرة المحدثة أو يحدث بها ويعبّر عن ذلك بعبارة الوقوع ، ويقول إنّه يقع بالقدرة المحدثة كسبا ويقع بالقدرة القديمة خلقا (أ ، م ، ٩٤ ، ٧)

ـ إنّ الكسب هو الواقع بالقدرة المحدثة. وحالة المكتسب فيه أنّه لو أراد الخروج منه إلى ضدّه لم يمتنع ذلك عليه ، كحالة أحدنا في قيامه وقعوده وذهابه يمينا وشمالا. وحالة العجز والضرورة كحالة المرتعش والمرتعد ، وهو أن يكون بحالة لو أراد الانفكاك منها لم يقع مراده بحسب إرادته. وذلك كالمقعد والقاعد وكحركات العروق الباطنة وحركات ظاهر الجسد ، في أنّ حركات الظاهر مكتسبة تقع بحسب القدر والإرادات والاختيار لها دون حركات الباطن ، فإنّها تقع لا على حسب القصد ولا تنقطع عند اختيار الانقطاع ولا تتغيّر بحسب تغيّر الإرادة لها. وكل ما جرى هذا المجرى فليس بكسب ، وما جرى المجرى الأوّل فكسب. وكل ما صحّ أن يجري المجرى الأوّل وهو الذي يصحّ أن يكتسب جنسه ، وإن كان في الوقت ضرورة لم يتّصف به (أ ، م ، ١٠٠ ، ١٧)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الكسب يوصف أنّه كسب لا ضدّ له ، كما أنّ الفعل يوصف أنّه فعل لا ضدّ له ، وإنّ التضادّ يقع في نوع المكتسب بالوصف الأخصّ ، كما يقع في الفعل بالوصف الأخصّ لا بوصف أنّه فعل (أ ، م ، ١٠١ ، ٢٣)

ـ اعلم ، أنّ الكسب كل فعل يستجلب به نفع ، أو يستدفع به ضرر. يدلّك على ذلك ، هو أنّ

١٤٢

العرب إذا اعتقدوا في فعل أنّه يستجلب به نفع أو يستدفع به ضرر سمّوه كسبا ، ولهذا سمّوا هذه الحرف مكاسب ، والمتحرّف بها كاسبا ، والجوارح من الطير كواسب. ومتى قيل إنّ هذه حقيقة الكسب من طريق العربية ، وليس الكلام إلّا في الكسب الاصطلاحي ، قلنا : الاصطلاح على ما لا يعقل غير ممكن ، لأنّ الشيء يعقل معناه أولا ، ثم إن لم يوجد له اسم في اللغة يصطلح عليه ؛ فأمّا والمعنى لم يثبت بعد ولم يعقل فلا وجه للاصطلاح عليه. وأيضا فلا بدّ من أن يكون للاصطلاح شبه بأصل الوضع ، وما يقوله مخالفونا لا شبه له بأصل الوضع (ق ، ش ، ٣٦٤ ، ٢)

ـ إنّا نقول لهم (القائلون بالكسب) : عقّلونا معنى الكسب وخبّرونا عنه ، فإن اشتغلوا بالتحديد ، قلنا : الشيء يعقل أولا ثم يحدّ ، لأنّ التحديد ليس إلّا تفصيل لفظ مشكل بلفظ واضح ، فكيف توصّلتم إلى معناه بطريق التحديد. ثم يقال لهم : وما هو الذي حدّدتم به الكسب؟ فإن قالوا : ما وقع بقدرة محدثة ، قلنا : ما تعنون بقولكم ما وقع بقدرة محدثة؟ فإن أردتم به ما حدث فهو الذي نقوله ، وإن أردتم به ما وقع كسبا فعن الكسب سألناكم فكيف تفسّرونه بنفسه ، وهل هذا إلّا إحالة بالمجهول على المجهول؟ وأيضا ، فإنّ قولكم ما وقع بقدرة محدثة ، ينبني على إثبات القدرة ، وإثبات القدرة يترتّب على كون الواحد منّا قادرا ، وذلك ينبني على كونه فاعلا ، ومن مذهبكم أنّه لا فاعل في الشاهد. وأيضا ، فإنّ هذا يقتضي أن يكون للفاعل وقدرته فيه تأثير ، وذلك خلاف ما ذهبتم إليه ؛ لأنّ عندكم أنّ هذا الفعل يتعلّق بالله تعالى ، إن شاء أبصره مع القدرة ، وإن شاء أبصره ولا قدرة. وأيضا ؛ فلو جاز أن يقال : هذه الأفعال كسب لنا مع أنّها متعلّقة بالله تعالى على سائر وجوهها ، لجاز في القدرة مثله. فيقال : إنّها كسب لنا وإن لم تتعلّق بنا البتّة. فإن قالوا : إنّ الكسب ما وقع وكانت القدرة قدرة عليه على ما يقوله بعضهم ، فإنّ ما ذكرناه في الحدّ الأوّل يعود هاهنا فلا معنى لإعادته (ق ، ش ، ٣٦٦ ، ١٦)

ـ إنّ الكسب عبارة عن فعل واقع على وجه ، وهو أن يستجلب به نفعا أو يستدفع به ضررا (ق ، ش ، ٣٧١ ، ١٣)

ـ قالوا (أصحاب الكسب) : لا يجب أن يسمّى القديم تعالى مكتسبا ، لأنّ الكسب اسم لمن يفعل الكسب بآلة ، والقديم تعالى لم يفعله بآلة (ق ، ش ، ٣٧٦ ، ٧)

ـ قلنا (القاضي) : قد ذكرنا أنّ الذي يستحقّه الفاعل من الاسم يجب أن يجري عليه ، سواء فعله بآلة أو لم يفعله بآلة ، فلا يصحّ ما ذكرتموه. وبعد ، فإنّ مجرّد الكسب مما لا يحتاج إلى آلة ، وأكثر ما فيه أنّه لا يوجد إلّا في محل القدرة ، وليس إذا لم يوجد إلّا في محل القدرة مما يجب أن يكون واقعا بآلة ، لو لا ذلك وإلّا كان يجب أن تكون الحياة بآلة في العلم ، فإنّه لا يصحّ وجود العلم إلّا في محل فيه حياة ، ولكان يجب في الجسم أن يكون آلة للأكوان ، فإنّها لا يصحّ وجودها إلّا في محل ، وهذا يوجب على مرتكبه القول بأنّه تعالى فاعل بآلة ، وقد عرف فساده (ق ، ش ، ٣٧٦ ، ١١)

ـ إنّهم أرادوا (مشايخنا) أن يفصلوا بين الفعل الذي يقع على ضرب من التقدير مطابق للحاجة وبين الفعل الذي ليس هذا سبيله بأن يقع مسهوا عنه أو زائدا على ما يحتاج إليه أو ناقصا عنه.

١٤٣

فقالوا فيما كان بسبيل الأوّل أنّه مخلوق ، كما أنّهم لما رأوا أنّ في الأفعال ما يستدفع به ضررا أو يستجلب به نفع سمّوا ما هذا سبيله كسبا. ويدلّ عليه ما ظهر من حال أهل اللغة أنّهم فسّروا الخلق بالتقدير ويدلّ عليه قوله تعالى : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ) (المائدة : ١١٠) وقوله : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (العنكبوت : ١٧). وقوله : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤). وقول الشاعر : " ولا ثبط بأيدي الخالقين" إلى ما شاكل ذلك. فدلّ أنّهم استعملوه من التقدير المخصوص. وهذه فائدة وصفنا لله تعالى بأنّه خلق السماوات والأرض وخلق الموت والحياة. وقد كان لو لا ورود الشرع بالمنع من أن يطلق في غير الله أنّه خالق لكنّا نطلق في أفعالنا بأنّها مخلوقة. وفي أحدنا بأنّه خالقها إذا وقعت مقدّرة. ولكن السمع مانع من ذلك كما منع من إطلاق لفظ" الربّ" في غيره عزوجل ، وإن كان لفظه يقتضي المالك والسيّد وعلى ما تقتضيه طريقة اللغة (ق ، ت ١ ، ٣٤٤ ، ١٤)

ـ أمّا الطريقة التي عليها ما يكون الفعل كسبا فقد يصحّ من القديم تعالى إيجاد الفعل عليها ، ولكن النفع أو دفع الضرر يرجع إلى غيره لا إليه لاستحالتهما عليه. يبيّن ذلك أنّه كما يصحّ من العبد أن يتقدّم إلى الطعام والشراب يصحّ من الله تعالى أن يقدّمهما إليه فيكون قد وجد ما هو بصورة الكسب ، ولكنّ النفع عائد إلى العبد لا إليه تعالى. ولهذا قال" أبو هاشم" : لو كان للفعل صفة بكونه كسبا لقدر تعالى عليه كقدرتنا. وأمّا كونه خلقا فاللغة لا تمتنع من هذه التسمية ، فمتى وجد المعنى صحّ أن يتبعه الاسم ، ولكن الشرع قد منع من الإطلاق في العباد على ما تقدّم ذكره (ق ، ت ١ ، ٣٧١ ، ١٧)

ـ حدث قوم جعلوا حقيقة الكسب ما لا يتعدّى محلّ القدرة ، فخصّوا بها المباشر دون المتولّد الذي قد يتعدّى محلّها ، وفي هؤلاء من لا يضف العبد فاعلا على الحقيقة وإنّما يصفه بذلك مجازا (ق ، ت ١ ، ٤٢٩ ، ٢٠)

ـ إنّ السبب الملجئ إلى ذكر الكسب ، إذا كان ما قالوه من أنّ الأحكام الراجعة إلى العبد متعلّقة به لأجله من أمر ونهي وذمّ ومدح إلى غير ذلك مما ذكرناه ، فيجب أن يكون حدّه ينتظم ما يرجع إلى الجملة المأمورة المنهيّة ليصحّ تعليق هذه الأحكام به ، وإلّا لم يكن وجوده إلّا كعدمه. وكان تعلّقهم به ، كتعلّق الجهمي بأنّ العبد محلّ للفعل ، كما أنّه محلّ للإرادة. ومن أصوله أنّه يجب أن يفسّر الكسب بأمر يرجع إلى الفعل ، وإثبات صفة له زائدة على ما يحصل له لو لم يكن كسبا وكان خلقا مجرّدا ولا يرجع فيه إلى محلّه أو مقارنة غيره له. لأنّ كل ذلك لا يفيد فيه ما يصحّ تعلّق الأحكام به (ق ، غ ٨ ، ٨٥ ، ٥)

ـ حدّه (الكسب) بعضهم بأنّه الذي حلّه مع القدرة عليه ؛ وهذا فاسد. لأنّ الحلول يرجع إلى المحل ، دون العبد الذي يتعلّق به الذمّ والمدح. وقد بيّنا أنّ ما لا يرجع إلى الجملة لا يصحّ أن يحدّ به الكسب ، ولأنّ إثبات القدرة عليه لا يصحّ إلّا بعد ما عقل كونه كسبا. فيقال : إنّ القدرة تتناوله على هذا الوجه ؛ فكيف تدخل في حدّه؟ وقد قال شيخنا أبو هاشم ، رحمه‌الله ، لو قيل لهم : على أي وجه تناولته القدرة ؛ لقالوا : من حيث كان كسبا ؛ وإذا قيل لهم : ما حقيقة الكسب؟ قالوا : لأنّ

١٤٤

حلّه ، مع القدرة عليه ؛ فيفسّرون كل واحد منهما بصاحبه. ولأنّ إثباته قادرا ، لا سبيل إليه إلّا بعد أن عقل له وجه حصل عليه به ؛ ثم يمكن إثبات القدرة ، وأنّها حالّة في بعضه ، وأنّها في محلّ الكسب ؛ فكل ذلك لا يصحّ لهم. ولأنّ الكسب لا يحلّ المكتسب ، وإنّما يحلّ بعض أجزائه ؛ فقولهم : حلّه مع القدرة عليه ، باطل. ولأنّه كان يجب أن لا يعرفه ، كسبا له ولا أنّه يحسن أمره به ونهيه عنه وذمّه ومدحه لأجله ، إلّا من عرف القدرة وحلولها في محلّ الكسب. وهذا باطل ، لأنّ قبل معرفة ذلك ، نعرف ما ذكرناه من الأحكام ؛ ولأنّ ما يقع به الكسب والفعل لا يدخل تحت حدّه ، كما لا يدخل تحت حدّ الضرب ما يقع به من الآلة ، وكما أنّه لا يذكر في حدّ الكتابة ما يقع من الآلات وما يجري مجراها. وهذه الوجوه تبطل قولهم ، في الكسب ، أنّه الذي حدث فيه مع القدرة عليه ، أو أنّه الذي يحرّك به القادر عليه ، أو أنّه يحرّك به مع القدرة عليه وإن كان ذكرهم الحركة لا يصحّ ، لأنّه يوجب أن لا يكتسب غيرها (ق ، غ ٨ ، ٨٦ ، ١١)

ـ قول من حدّه (الكسب) ، بأنّه الذي فعله بقدرة محدثه ، خطأ لأنّه إن أراد بقوله فعله ، أحدثه بقدرة ؛ فقد ترك قوله. وإن أراد بقوله : فعله ، أكسبه ؛ فهو الذي طولب بتفسيره. ولأنّ قوله : بقدرة محدثه ، يقتضي أنّه حصل على بعض الصفات بها ، وذلك لا يتمّ إلّا بعد بيان تلك الصفة ، ويبطل بأكثر الوجوه التي قدمناها أيضا. وقول من حدّه : بأنّه ما وقع بقدرة محدثه ، يبطل بما قدّمناه ؛ لأنّه لا تأثير للقدرة في وقوعها ، فكيف يقال : إنّه بها وقع على مذهبهم إن أراد بقوله : وقع ، حدث ووجد؟ وإن أراد أنّه أكسبه بقدرة محدثه ؛ فقد بيّنا أنّ ذلك رجوع منهم في تفسير الكسب إلى أمر لا بدّ أن يفسّر بالكسب ، ويبطل سائر ما قدّمناه (ق ، غ ٨ ، ٨٧ ، ٢١)

ـ قول من حدّه (الكسب) : بأنّه ما وقع باختياره وإرادته في محلّ القدرة عليه ، يبطل بما بيّناه من أنّه لا سبيل لهم إلى إثبات القدرة ولا إلى أنّها قدرة عليه ؛ ويبطل أيضا : بأنّ اختياره لا تأثير له في وقوعه أكثر من الله سبحانه أحدثه في قلبه عند إحداث الفعل. وكل ذلك لا يرجع إلى المأمور المنهي ، فلا يصحّ تعلّقهم به. ويجب في جميع ذلك أن يعلقوا ، الذمّ والمدح والأمر والنهي ، بمحل القدرة دون الجملة. ومتى ارتكبوا ذلك ، لزم عليه الجهالات التي ذكرناها في باب الكلام (ق ، غ ٨ ، ٨٨ ، ١٠)

ـ قول من حدّه (الكسب) : بأنّه ما وقع باختياره في محل القدرة عليه من غير أن يتعلّق وجوده بأمر يحدث على مقداره ؛ فلا يصحّ ، لما قدّمناه من الوجوه كلّها أو أكثرها. لأنّهم في هذا الحدّ أيضا ، زادوا زيادة احترزوا بها عن المتولّد ، وذلك لا يعصم من سائر وجوه الفساد. ولا يصحّ ، على قولهم : ما احترزوا به ، لأنّ وجود الشيء بحسب غيره إنّما يصحّ إذا حصل سببا له. وعندهم أنّه يحدث على جهة الابتداء من الله تعالى ، وإن كان قد أجرى العادة فيه بأن يفعله عند غيره (ق ، غ ٨ ، ٨٨ ، ١٨)

ـ قول من حدّه (الكسب) : بأنّه ما يجترّ به منفعة أو يدفع به مضرّة ، لا يصحّ ، على قولهم. لأنّه ليس بفعل له ، ولا له به تعلّق ، فكيف يجترّ به منفعة (ق ، غ ٨ ، ٨٩ ، ٤)

ـ قول من حدّه (الكسب) : بأنّه ما يوجد على الوجه الذي توجد عليه قدرته وعجزه ، باطل.

١٤٥

لأنّ ذلك يرجع إلى المحل ، لأنّ وجوده فيه ، ولأنّه لا يصحّ لهم إثبات القدرة ولا إضافتها إليها. لأنّه يقال لهم : لم صارت قدرة له؟ فلا بدّ من أن يقولوا : لأنّه يكتسبه بها ؛ وعن ذلك سئلوا. وذلك رجوع منهم في تفسير كل واحد من الأمرين إلى صاحبه ؛ ويوجب أن لا يعرف الكسب وأحكامه من جهل المقدرة والعجز (ق ، غ ٨ ، ٨٩ ، ١٢)

ـ قول من حدّه (الكسب) : بأنّه ما وقع وهو مختار له وأنّه وقع وهو غير مكره عليه أو وقع من غير جهل وإكراه ؛ فاسد. لأنّ وقوعه وهو مختار لا يبيّن كسبه من كسب غيره ، لأنّ كل ذلك يقع وهو غير مريد له ؛ فإن رجع إلى أنّه يقع منه وهو مختار له ، بطل بما قدّمناه من الكشف عن الغرض بقولهم : وقع منه. لأنّهم إن أرادوا الحدوث ، فقد تركوا قولهم ورجعوا إلى ما نذهب إليه ؛ وإن أرادوا به الكسب ، فهو الذي حاولوا تفسيره. ولأنّ ، على مذهبم ، لا يصحّ أن يكون مختارا للفعل ؛ لأنّ ذلك إنّما يصحّ في القادر على الشيء وضدّه ، فيختار الشيء على غيره. فأمّا إذا استحال أن يريد إلّا شيئا مخصوصا ، لم يصحّ كونه مختارا. ولأنّ من قولهم : إنّ ما لا يريده ، لا يمكنه الانفكاك منه ، وقد فعل فيه القدرة الموجبة له. وكيف يقال : إنّه باختياره؟ ولا يصحّ لهم القول : بأنّه غير محمول عليه ولا مكره ؛ بل يلزمهم كونه مضطرّا وممنوعا من غيره ، على ما نبيّنه من بعد. فكيف يصحّ لهم الاعتماد على ذلك في تحديد الكسب؟ (ق ، غ ٨ ، ٨٩ ، ١٨)

ـ قول من حدّه (الكسب) : بأنّه ما يجب أن يفارق في الحدوث القدرة في محلّها ؛ لا يصحّ ، لما قدّمناه من أنّ إثباتهم القدرة على قولهم : لا يصحّ. ومن أنّه كان يجب أن لا يعرف الكسب وأحكامه ، من لا يعرف القدرة وأنّها حالة في محلّه. ولأنّه قد يقارن في الحدوث القدرة في محلّها اللون وغيره ، ولا يجب كونه كسبا (ق ، غ ٨ ، ٩٠ ، ١٠)

ـ أمّا الكسب ، فهو كل شيء من المنافع والمضارّ ، اجتلب بغيره. فلذلك يسمّى الربح كسبا للتاجر ؛ وسمّى الله ، تعالى ، ما اجتلبوا به عقاب النار ، كسبا. فقال (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) (الحج : ١٠) والفعل ، إذا وقع على هذا الوجه ، يسمّى كسبا ؛ ويسمّى المجتلب أيضا به كسبا (ق ، غ ٨ ، ١٦٣ ، ١٤)

ـ قال (أبو علي) : وقد يكون من فعل العبد ما هو مكتسب إذا كان خيرا أو شرّا اجتلبه بغيره من الأفعال ؛ فأمّا أوّل أفعاله فلا يقال فيه أنّه مكتسب وإنّما يسمّى اكتسابا. وقد يكون في أفعاله ما لا يكون اكتسابا إذا لم يكتسب به نفعا أو ضرّا ، كحركات الطفل والنائم والساهي. والاجتراح كالاكتساب ، ومعنى ذلك الاستفادة ، وإن كانت الاستفادة تستعمل في النفع فقط ؛ والاكتساب والاجتراح يستعملان في الضرر والنفع جميعا. وكل هذا يبيّن ، من جهة اللغة ، أنّ المكتسب لا بدّ من أن يكون فاعلا ومحدثا ؛ كما أنّ الخالق لا بدّ من كونه كذلك ؛ وإن كان كلتا الصفتين تغيّر أمرا زائدا على الحدوث ، ويدلّ على ذلك اطراد هذه اللفظة في المعنى الذي ذكرناه ، فلا شيء يجتلب بالأفعال ، ويطلب بها ، من نفع وضرّ ، إلّا ويقال إنّه كسب ؛ ويقال لما وصل به إليه إنّه اكتساب. ولذلك سمّوا الجوارح كواسب (ق ، غ ٨ ، ١٦٤ ، ١٨)

ـ كون الفعل كسبا جهة لا تعقل ، فلا يجوز أن

١٤٦

يقال إنّه يحتاج إلينا في تلك الجهة ، وهي غير معقولة. والدليل على أنّها غير معقولة أنّها لو كانت معقولة لوجب أن يمكننا معرفة تلك الجهة من دون اعتبار حال الفاعل ، لأنّ هذا هو الواجب فيما عليه الفعل من الجهات والصفات ، كما نقول في الحدوث ونحوه ، بل ذاك هو الواجب في الأحكام الثابتة لها من الوجوب والقبح ، أنّه لا يعتبر في معرفة شيء من ذلك حال الفاعل. ومعلوم أن القوم لا يمكنهم الإشارة في بيان تلك الجهة سوى أن يقال إن أحدنا يفصل بين أن يقوم طائعا وبين أن يقوم مكرها ، والمرجع بتلك التفرقة إلى الكسب ، وهو اعتبار بحال الفاعل. يزيد ما ذكرناه وضوحا أنّ العلم بوجه الفعل يجب أن يكون سابقا للعلم بما يتعلّق به من غيره أو يتعلّق غيره به. أو لا ترى أنّ كون الجوهر متحركا لما كان صفة له فإنّه يسبق لنا العلم إلى تلك الصفة من دون أن نعلم تعلّقها بالحركة؟ فكذلك الفعل لو كان له صفة أو جهة بكونه كسبا لكان يجب أن يحصل لنا العلم بتلك الصفة أو الجهة من دون العلم بما يتعلّق به من الفاعل. يبيّن ذلك أن يجب أولا أن نعلم تلك الجهة للفعل ، ثم نعلم بعد ذلك أنا قادرون على تلك الجهة وفاعلون لها ، كما نقول بمثل ذلك في الحدوث ، فإنّه يعلم أولا ما هو ثم نتكلّم في كوننا قادرين عليه (ن ، د ، ٣١٨ ، ١٠)

ـ إنّ المكتسب ليس له بكونه مكتسبا حال ، لأنّه لو كان معقولا لما زاد حاله على الحدوث ـ وقد علمنا أنّ الحدوث لا يوجب للمحدث حالا ، فالكسب إن كان معقولا أولى بذلك ، وهو دون الحدوث (ن ، د ، ٣٢٠ ، ٩)

ـ قال أبو القاسم في مسألة الوعيد من الكتاب الذي سمّاه كتاب المسائل الواردة إن علم الإنسان بما يحسّه قد يكون فعلا له وكسبا ، إذا كان سببه من قبله ، يعني أنّه إذا كان هو الفاتح لعينه فإدراكه بعينه كسبه ، وعلمه بذلك كسبه. ولو أنّ غيره فتح عينه ، لكان إدراكه في الحالة الثانية من حال الفتح ، فعل الذي تولّى فتح عينه ، وكذلك القول في سائر الحواس عنده (ن ، م ، ٣٠٥ ، ١١)

ـ زعمت القدريّة إنّ الكسب الذي يقول به أهل السنّة غير معقول لهم وقالوا لا وجه لنسبة الفعل إلى مكتسبه غير إحداثه له (ب ، أ ، ١٣٣ ، ٨)

ـ الكسب إنّما هو استضافة الشيء إلى جاعله أو جامعه بمشيئة له ، وليس يوصف الله تعالى بهذا في أفعالنا ، فلا يجوز أن يقال هي كسب له تعالى ، وبه نتأيّد (ح ، ف ٣ ، ٨٢ ، ١٩)

ـ اختراع الله تعالى للحركة في يد العبد معقول دون أن تكون الحركة مقدورة للعبد ، فمهما خلق الحركة وخلق معها قدرة عليها ، كان هو المستبد بالاختراع للقدرة والمقدور جميعا ، فخرج منه أنّه منفرد بالاختراع ، وأنّ الحركة موجودة ، وأنّ المتحرّك عليها قادر ، وبسبب كونه قادرا عليها فارق حاله حالة المرتعد ، فاندفعت الإشكالات كلّها. وحاصله أنّ القادر الواسع القدرة ، هو قادر على اختراع القدرة ، والمقدور معا. ولمّا كان اسم الخالق ، والمخترع مطلقا على من أوجد الشيء بقدرته ، وكانت القدرة والمقدار جميعا بقدرة الله تعالى سمّي خالقا ، ومخترعا ، ولم يكن المقدور بقدرة العبد ؛ وإن كان معه ، فلم يسمّ خالقا ، ولا مخترعا ، ووجب أن يطلب لهذا النمط من النسبة اسم آخر مخالف ، فطلب له

١٤٧

اسم الكسب تيمّنا بكتاب الله تعالى ، فإنّه وجد إطلاق ذلك على أعمال العباد في القرآن ، وأمّا اسم الفعل فتردّد في إطلاقه ، ولا مشاحة في الأسامي بعد فهم المعاني (غ ، ق ، ٩٢ ، ٥)

ـ أمّا من أثبت للقدرة الحادثة أثرا ما في الفعل ، وسمّى ذلك كسبا فليس بجبريّ (ش ، م ١ ، ٨٥ ، ١٥)

ـ على أصل أبي الحسين : لا تأثير للقدرة الحادثة في الإحداث ، لأنّ جهة الحدوث قضية واحدة لا تختلف بالنسبة إلى الجوهر والعرض. فلو أثّرت في قضية الحدوث لأثّرت في حدوث كل محدث حتى تصلح لإحداث الألوان ، والطعوم ، والروائح ، وتصلح لإحداث الجواهر والأجسام ، فيؤدّي إلى تجويز وقوع السماء على الأرض بالقدرة الحادثة. غير أنّ الله تعالى أجرى سنّته بأن يحقّق عقيب القدرة الحادثة ، أو تحتها ، أو معها : الفعل الحاصل إذا أراده العبد وتجرّد له ، ويسمّى هذا الفعل كسبا ، فيكون خلقا من الله تعالى إبداعا وإحداثا ، وكسبا من العبد : حصولا تحت قدرته (ش ، م ١ ، ٩٧ ، ٩)

ـ القاضي أبو بكر الباقلاني ... قال : الدليل قد قام على أنّ القدرة الحادثة لا تصلح للإيجاد ، لكن ليست تقتصر صفات الفعل أو وجوهه واعتباراته على جهة الحدوث فقط ، بل هاهنا وجوه أخر ، هنّ وراء الحدوث من كون الجوهر جوهرا متحيّزا ، قابلا للعرض. ومن كون العرض عرضا ، ولونا ، وسوادا وغير ذلك. وهذه أحوال عند مثبتي الأحوال. قال : فجهة كون الفعل حاصلا بالقدرة الحادثة أو تحتها نسبة خاصة ، ويسمّى ذلك كسبا ، وذلك هو أثر القدرة الحادثة (ش ، م ١ ، ٩٧ ، ١٦)

ـ الكسب هو المقدور بالقدرة الحادثة ويلزمه حكم وشرط ، أمّا الحكم فأن يتغيّر المكتسب بالكسب ، فيكسبه صفة ويكتسب عنه صفة ، وأمّا الشرط فأن يكون عالما ببعض وجوه الفعل ، أو نقول يلزمه التغيير ، ولا يشترط العلم به من كل وجه (ش ، ن ، ٧٧ ، ١٣)

ـ إنّ كل فعل وقع على التعاون كان كسبا للمستعين ، وحقيقة الكسب من المكتسب هو وقوع الفعل بقدرته مع تعذّر انفراده به (ش ، ن ، ٧٨ ، ١)

ـ قال الأستاذ أبو بكر إنّ الكسب هو أن تتعلّق القدرة به على وجه ما وإن لم تتعلّق به من جميع الوجوه ، والخلق هو إنشاء العين وإيجاد من العدم (ش ، ن ، ٧٨ ، ٤)

ـ في الكسب قولان. أحدهما : أنّ الله تعالى أجرى عادته بأنّ العبد متى ضمّ عزمه على الطاعة فإنّه تعالى يخلقها ، ومتى ضمّ عزمه على المعصية فإنّه يخلقها ، وعلى هذا التقدير يكون العبد كالموجد ، وإن لم يكن موجدا فلم لا يكفي هذا القدر في الأمر والنهي. وثانيهما : أنّ ذات الفعل وإن حصلت بقدرة الله تعالى ولكن كونها طاعة ومعصية صفات تحصل لها وهي واقعة بقدرة العبد ، فلم لا يكفي هذا في صحة الأمر والنهي (ف ، م ، ١٥٠ ، ١١)

ـ أمّا الكسب : فأحسن ما قيل فيه : إنّه المقدور بالقدرة الحادثة. وقيل : هو المقدور القائم بمحلّ القدرة (م ، غ ، ٢٢٣ ، ٣)

ـ الكسب : هو الفعل المفضي إلى اجتلاف نفع أو دفع ضرر ، ولا يوصف فعل الله بأنّه كسب لكونه منزّها عن جلب نفع أو دفع ضرر (ج ، ت ، ٢٣٥ ، ٢)

ـ الكسب الذي يدّعيه المجبرة غير معقول مع

١٤٨

إضافتهم الفعل بجميع صفاته إلى الله تعالى. وقولهم معناه حلوله فيه مع القدرة عليه فاسد ، إذ القدرة إن أثّرت في حدوثه فهو قولنا ، وإن أثّرت في كسبه فغير معقول (م ، ق ، ٩٥ ، ١٠)

كسب بين مكتسبين

ـ كان (الأشعري) يحيل أن يكتسب المكتسب فعل غيره أو يكتسب في غيره. وكان يقول إنّ الله تعالى يفعل في غيره ولا يصحّ أن يفعل في نفسه ، والمكتسب لا يصحّ أن يكتسب إلّا في نفسه. ويحيل كسبا بين مكتسبين وفعلا بين فاعلين وإحداثا بين محدثين. ويفرّق بين ذلك وبين جواز مقدور بين قادرين أحدهما يخلقه والآخر يكتسبه بفروق (أ ، م ، ١٠٢ ، ٩)

كشف

ـ اشترط في الكشف المشيئة ، وهو قوله إن شاء إيذانا بأنّه إن فعل كان له وجه من الحكمة ، إلّا أنّه لا يفعل لوجه آخر من الحكمة أرجح منه (ز ، ك ٢ ، ١٨ ، ١٣)

كفّ

ـ في الكفّ بعد الإمساك ، وأعني بالكفّ كفّ الباطن عن التفكّر في هذه الأمور ، فذلك واجب عليه كما وجب عليه إمساك اللسان عن السؤال والتصرّف ، وهذا أثقل الوظائف وأشدّها ، وهو واجب كما وجب على العاجز الزمن أن لا يخوض غمرة البحار ، وإن كان يتقاضاه طبعه أن يغوص في البحار ويخرج دررها وجواهرها. ولكن لا ينبغي أن يغرّه نفاسة جواهرها مع عجزه عن نيلها ، بل ينبغي أن ينظر إلى عجزه وكثرة معاطبها ومهالكها ، ويتفكّر أنّه إن فاته نفائس البحار فما فاته إلّا زيادات وتوسّعات في المعيشة وهو مستغن عنها ، فإن غرق أو التقمه تمساح فاته أصل الحياة (غ ، أ ، ٦٩ ، ٢)

كفّار

ـ الكفار عند ثمامة هم العارفون بما أمروا به ونهوا عنه ، القاصدون إلى الكفر بالله والمعصية له. فمن كان كذلك فهو كافر ، فأما من لم يقصد إلى المعصية لله فليس بكافر عنده (خ ، ن ، ٦٦ ، ١١)

كفر

ـ إنّ الكفر لم يكن كفرا قبيحا بالكافر ولكن بالله وحده ، لأنّه إنّما كان كذلك بالاسم والحكم. والاسم والحكم من الله لا من الكافر. وهذا قول الضراريّة بعينه (خ ، ن ، ٢٩ ، ١٢)

ـ لم يكن الكفر كفرا ولا قبيحا إلّا بفاعله ومحدثه وهو الكافر ، وإنّما كان بالله عند إبراهيم تقبيح الكفر وهو الحكم بأنّه قبيح ، فأمّا نفس الكفر فبالكافر كان لا بغيره (خ ، ن ، ٢٩ ، ١٤)

ـ الضراريّة : إنّ الكفر بالله كان كفرا وبه كان قبيحا ، ومعناها في ذلك أنّ الله أنشأ عين الكفر وأحدثه كفرا قبيحا (خ ، ن ، ٢٩ ، ١٧)

ـ إنّ من أظهر الكفر فهو كافر وعيدي ، إن كانت معه المعرفة والقصد ، وإلّا فليس هذا الاسم له لازما (خ ، ن ، ٦٦ ، ٢٠)

ـ قوله ، عزوجل : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) (الزمر : ٧) ، معنى الكفر هاهنا : الجحود له ولنعمه وفضله عليهم الذي ابتدأهم به ، وإن يشكروا أي يطيعوا فيعملوا بطاعته يرضى ذلك الفعل منهم ويثيبهم عليه (ي ، ر ، ٤١ ، ١٩)

١٤٩

ـ قال يحيى بن الحسين ، صلوات الله عليه : الكفر ، في كتاب الله ، على معنيين : أحدهما : كفر جحود وإنكار وتعطيل ، وذلك قول الله ، سبحانه ، يحكي عن قوم من خلقه : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) (الجاثية : ٢٤) ، فهؤلاء الدهريّون المعطلون ، الزنادقة ، الملحدون. والكفر الثاني : كفر النعمة ، وذلك قوله ، سبحانه : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم : ٧) (ي ، ر ، ٩٣ ، ٣)

ـ زعموا أنّ الكفر بالله هو الجهل به ، وهذا قول يحكى عن" جهم بن صفوان" ، وزعمت" الجهمية" أنّ الإنسان إذا أتى بالمعرفة ثم جحد بلسانه أنّه لا يكفر بجحده وأنّ الإيمان لا يتبعّض ولا يتفاضل أهله فيه ، وأنّ الإيمان والكفر لا يكونان إلّا في القلب دون غيره من الجوارح (ش ، ق ، ١٣٢ ، ٨)

ـ الفرقة الثانية من المرجئة يزعمون أنّ الإيمان هو المعرفة بالله فقط والكفر هو الجهل به فقط ، فلا إيمان بالله إلّا المعرفة به ولا كفر بالله إلّا الجهل به (ش ، ق ، ١٣٢ ، ١٤)

ـ الفرقة السادسة من المرجئة يزعمون أنّ الإيمان هو المعرفة بالله وبرسله وفرائضه المجتمع عليها والخضوع له بجميع ذلك ، والإقرار باللسان ، فمن جهل شيئا من ذلك فقامت به عليه حجّة أو عرفه ولم يقرّ به كفر (ش ، ق ، ١٣٥ ، ١٠)

ـ الفرقة الأولى منهم يزعمون أنّ الكفر خصلة واحدة وبالقلب يكون وهو الجهل بالله ، وهؤلاء هم" الجهمية" (ش ، ق ، ١٤١ ، ١٥)

ـ الفرقة الثانية منهم (المرجئة) يزعمون أنّ الكفر خصال كثيرة ويكون بالقلب وبغير القلب (ش ، ق ، ١٤٢ ، ١)

ـ الفرقة الرابعة منهم (المرجئة) يزعمون أنّ الكفر بالله هو التكذيب والجحد له والإنكار له باللسان ، وأنّ الكفر لا يكون إلّا باللسان دون غيره من الجوارح ، وهذا قول" محمد بن كرّام" وأصحابه (ش ، ق ، ١٤٣ ، ١)

ـ الفرقة الخامسة منهم (المرجئة) يزعمون أنّ الكفر هو الجحود والإنكار والستر والتغطية وأن الكفر يكون بالقلب واللسان (ش ، ق ، ١٤٣ ، ٤)

ـ إنّ المعاصي على ضربين : منها صغائر ومنها كبائر ، وأنّ الكبائر على ضربين منها ما هو كفر ومنها ما ليس بكفر ، وأنّ الناس يكفرون من ثلاثة أوجه : رجل شبّه الله سبحانه بخلقه ورجل جوّره في حكمه أو كذّبه في خبره ورجل ردّ ما أجمع المسلمون عليه عن نبيّهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم نصّا وتوفيقا (ش ، ق ، ٢٦٦ ، ١٥)

ـ قال" عبّاد بن سليمان" : الإيمان هو جميع ما أمر الله سبحانه به من الفرض وما رغّب فيه من النفل ، والإيمان على وجهين : إيمان بالله وهو ما كان تاركه أو تارك شيء منه كافرا كالملّة والتوحيد ، والإيمان لله إذا ترك تارك لم يكفر ومن ذلك ما يكون تركه ضلالا وفسقا ومنه ما يكون تركه صغيرا ، وكل أفعال الجاهل بالله عنده كفر بالله (ش ، ق ، ٢٦٨ ، ١٢)

ـ الذي تفرّد به" جهم" القول بأنّ الجنّة والنار تبيدان وتفنيان ، وأنّ الإيمان هو المعرفة بالله فقط والكفر هو الجهل به فقط (ش ، ق ، ٢٧٩ ، ٣)

ـ إنّ معصية العاصي وكفر الكافر ليسا بمشيئة الله وإرادته ، لأنّه لو أراد معصية العاصي وكفر الكافر ثم عذّب عليهما ، كان ذلك جورا منه (م ، ف ، ٤ ، ١)

١٥٠

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الإيمان والكفر أمارتان للثواب والعقاب وليسا بعلّتين موجبتين لهما. وربّما اعتلّ في ذلك بأنّهما لو كانا موجبين للثواب والعقاب وكانا علّة لهما لم يجز أن يتأخّر عنهما معلولهما من الثواب والعقاب ، لأنّ العلّة لا يجوز أن تتقدّم المعلول ولا أن تتأخّر عنه ، كالعلم الذي هو علّة في كون العالم عالما لا يصحّ أن يوجد العلم ولا يكون العالم به عالما كما لا يصحّ أن يعدم ويكون العالم عالما (أ ، م ، ٩٩ ، ٢١)

ـ يقول (الأشعري) في الكفر إنّ أصل معناه في اللغة الستر والتغطية ، ومنه يقال للّيل" كافر" لأنّه يستر بظلمته ، وللنهر" كافر" لأنّه يستر بما يجري فيه (أ ، م ، ١٥٠ ، ١٩)

ـ اعلم أنّ الكفر في أصل اللغة إنّما هو الستر والتغطية ، ومنه سمّي الليل كافرا لما ستر ضوء الشمس عنّا وقال الشاعر : حتى إذا ألقيت ذكاء يمينها في كافر. وقال آخر : حتى إذا ألقت يدا في كافر وأجن عورات الثغور ظلامها. ومنه سمّي الزّراع كافرا لستره البذر في الأرض ، قال الله تعالى : (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) (الفتح : ٢٩) أي الزّراع ، هذا في اللغة. وأمّا في الشرع فإنّه جعل الكافر اسما لمن يستحقّ العقاب العظيم ، ويختصّ بأحكام مخصوصة نحو المنع من المناكحة والموارثة والدفن في مقابر المسلمين ، وله شبه بالأصل ، فإنّ من هذه حالة صار كأنّه جحد نعم الله تعالى عليه وأنكرها ورام سترها (ق ، ش ، ٧١٢ ، ٣)

ـ القبيح ضربان : أحدهما صغير ، والآخر كبير. والصغير هو الذي لا يزيد عقابه وذمّه على ثواب فاعله ومدحه. والكبير هو ما لا يكون لفاعله ثواب أكثر من عقابه ، ولا مساو له. والكبير ضربان : أحدهما يستحقّ عليه عقاب عظيم ؛ وهو الكفر. والآخر يستحقّ عليه دون ذلك القدر من العقاب ؛ وهو الفسق (ب ، م ، ٣٦٤ ، ١٤)

ـ زعم الصالحي أنّ الإيمان هو المعرفة بالله تعالى فقط ، والكفر هو الجهل به فقط (ب ، ف ، ٢٠٧ ، ٨)

ـ الجهميّة : أتباع جهم بن صفوان الذي قال بالإجبار والاضطرار إلى الأعمال ، وأنكر الاستطاعات كلها ، وزعم أنّ الجنّة والنار تبيدان وتفنيان. وزعم أيضا أنّ الإيمان هو المعرفة بالله تعالى فقط ، وأنّ الكفر هو الجهل به فقط ، وقال : لا فعل ولا عمل لأحد غير الله تعالى ، وإنّما تنسب الأعمال إلى المخلوقين على المجاز ، كما يقال : زالت الشّمس ، ودارت الرّحى ، من غير أن يكونا فاعلين أو مستطيعين لم وصفتا به. وزعم أيضا أنّ علم الله تعالى حادث ، وامتنع من وصف الله تعالى بأنّه شيء أو حيّ أو عالم أو مريد ، وقال : لا أصفه بوصف يجوز إطلاقه على غيره كشيء ، وموجود ، وحي ، وعالم ، ومريد ، ونحو ذلك. ووصفه بأنّه قادر ، وموجد ، وفاعل ، وخالق ، ومحيي ، ومميت ، لأنّ هذه الأوصاف مختصّة به وحده ، وقال بحدوث كلام الله تعالى كما قالته القدرية ، ولم يسمّ الله تعالى متكلّما به (ب ، ف ، ٢١١ ، ٩)

ـ معنى الكفر في اللغة الستر ، وإنّما سمّي جاحد ربّه والمشرك به كافرين ، لأنّهما سترا على أنفسهما نعم الله تعالى عليهما ، وسترا طريق معرفته على الأغمار. والعرب تقول كفرت المتاع في الوعاء أي سترته ... وسمّي الليل كافرا لأنّه يستر كل شيء بظلمته (ب ، أ ،

١٥١

٢٤٨ ، ٧)

ـ الكفر عنده (الأشعري) هو التكذيب ، وإلى هذا القول ذهب ابن الراوندي والحسين بن الفضل البجلي (ب ، أ ، ٢٤٨ ، ١٦)

ـ إنّ الكفر لا يقبح إلّا بعد أن قبّحه الله عزوجل ، ولا يحسن الإيمان إلّا بعد أن حسّنه الله عزوجل (ح ، ف ٣ ، ١١٢ ، ٢)

ـ إنّ الكفر في اللغة التغطية ، وسمّي الزّارع كافرا لتغطيته الحبّ ، وسمّي الليل كافرا لتغطيته كل شيء ... ثم نقل الله تعالى اسم الكفر في الشريعة إلى جحد الربوبية وجحد نبوّة نبي من الأنبياء صحّت نبوّته في القرآن ، أو جحد شيء مما أتى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مما صحّ عند جاحده بنقل الكافة ، أو عمل شيء قام البرهان بأنّ العمل به كفر (ح ، ف ٣ ، ٢١١ ، ٩)

ـ إنّ اسم الإيمان والكفر منقولان في الشريعة عن موضوعهما في اللغة بيقين لا شكّ فيه ، وأنّه لا يجوز إيقاع اسم الإيمان المطلق على معنى التصديق بأي شيء صدّق به المرء ، ولا يجوز إيقاع اسم الكفر على معنى التغطية لأي شيء غطّاه المرء ، لكن على ما أوقع الله تعالى عليه اسم الإيمان واسم الكفر ولا مزيد ، وثبت يقينا أنّ ما عدا هذا ضلال مخالف للقرآن وللسنن ولإجماع أهل الإسلام أوّلهم عن آخرهم (ح ، ف ٣ ، ٢١١ ، ٢٤)

ـ اختلف الناس في الكفر والشرك فقالت طائفة هي اسمان واقعان على معنيين ، وأنّ كل شرك كفر وليس كل كفر شركا ، وقال هؤلاء لا شرك إلّا قول من جعل لله شريكا ، قال هؤلاء اليهود والنصارى كفّارا لا مشركون ، وسائر الملل كفّار مشركون وهو قول أبي حنيفة وغيره ، وقال آخرون الكفر والشرك سواء ، وكل كافر فهو مشرك ، وكل مشرك فهو كافر وهو قول الشافعي وغيره (ح ، ف ٣ ، ٢٢٢ ، ٥)

ـ إنّ الشرك والكفر اسمان لمعنى واحد ، وقد قلنا إنّ التسمية لله عزوجل لا لنا (ح ، ف ٣ ، ٢٢٢ ، ٢٣)

ـ الكفر والشرك لفظتان منقولتان عن موضوعهما في اللغة لأنّ الكفر في اللغة التغطية ، والشرك أن تشرك شيئا مع آخر في أي معنى جمع بينهما ، ولا خلاف بين أحد من أهل التمييز في أنّ كل مؤمن في الأرض في أنّه يغطّي أشياء كثيرة ، ولا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في أنّه لا يجوز أن يطلق عليه من أجل ذلك الكفر ولا الشرك ، ولا أن يسمّى كافرا ولا مشركا ، وصحّ يقينا أنّ الله تعالى نقل اسم الكفر والشرك إلى إنكار أشياء لم تعرفها العرب ، وإلى أعمال لم تعرفها العرب قط كمن جحد الصلاة أو صوم رمضان أو غير ذلك من الشرائع التي لم تعرفها العرب قط حتى أنزل الله تعالى بها وحيه ، أو كمن عبد وثنا ، فمن أتى بشيء من تلك الأشياء سمّي كافرا أو مشركا ، ومن لم يأت بشيء من تلك الأشياء لم يسمّ كافرا ولا مشركا (ح ، ف ٣ ، ٢٢٧ ، ٨)

ـ الكفر هو تكذيب الرسول صلوات الله عليه في شيء ممّا جاء به. والإيمان تصديقه في جميع ما جاء به (غ ، ف ، ٥٥ ، ٨)

ـ إنّ الكفر حكم شرعي كالرقّ والحريّة مثلا ، إذ معناه إباحة الدم والحكم بالخلود في النار ، ومدركه شرعي ، فيدرك إمّا بنص وإمّا بقياس على منصوص (غ ، ف ، ٥٥ ، ١١)

ـ ابن الراوندي ، وبشر المريسي ، قالا : الإيمان هو التصديق بالقلب واللسان جميعا ، والكفر

١٥٢

هو الجحود والإنكار ، والسجود للشمس والقمر والصنم ليس بكفر في نفسه ولكنّه علامة الكفر (ش ، م ١ ، ١٤٤ ، ١٧)

ـ أما الصالحيّ فقال : الإيمان هو المعرفة بالله تعالى على الإطلاق ، وهو أنّ للعالم صانعا فقط ، والكفر هو الجهل به على الإطلاق (ش ، م ١ ، ١٤٥ ، ٦)

ـ إنّ الكفر ـ وإن كان في اللغة عبارة عن التغطية والستر ـ فهو في عرف أهل الحق من المتكلّمين عبارة عن : الستر والتغطية للقدر الذي يصير به المؤمن مؤمنا لا غير (م ، غ ، ٣١٠ ، ٣)

ـ الكفر إنكار ما علم بالضرورة مجيء الرسول به. فلا يكفر أحد من أهل القبلة إذ إنّما أنكروا النظريّ (خ ، ل ، ١٢٩ ، ١٢)

ـ الكفر والشرك سواء ، فالمنافق مشرك. الأباضيّة : بل الشرك غير الكفر ، والمنافق كافر لا مشرك. قلنا : الكفر اسم لمن يستحقّ أعظم أنواع العذاب ، فعمهما (م ، ق ، ١٣٥ ، ٣)

ـ الكفر ، لغة : التغطية ، وفي عرفها : الإخلال بالشكر. قال الشاعر : نبئت عمرا غير شاكر نعمتي / والكفر مخبثة لنفس المنعم. ودينا : عصيان مخرج لمرتكبه من ملّة الإسلام. والنفاق لغة : الرياء ، ودينا : إظهار الإسلام وإبطان الكفر ... قلنا : المراد ما يكون إليه دون الإيمان (ق ، س ، ١٨٦ ، ٢١)

كفران النعم

ـ ذهبت الخوارج إلى أنّ من قارف ذنبا واحدا ، ولم يوفق للتوبة ، حبط عمله ومات مستوجبا للخلود في العذاب الأليم وصاروا إلى أنّه يتّصف بكونه كافرا ، إذا اجترم ذنبا واحدا. وصارت الأباضية منهم إلى أنّه يتّصف بالكفر المأخوذ من كفران النعم ، ولا يتّصف بالكفر الذي هو الشرك. وذهبت الأزارقة منهم إلى أنّ العاصي كافر بالله تعالى كفر شرك (ج ، ش ، ٣٢٤ ، ١٣)

كل

ـ إنّ صاحب الكتاب (ابن الروندي) سأل أبا الهذيل في عمومة الكلّ للأشياء المحدثات بسؤال سأله عنه جعفر بن حرب في كتابه" كتاب المسائل في النعيم". فويل لصاحب الكتاب! كيف يعيب المعتزلة ويخبر بضعفها في الكلام ، ثم لا نجده يلجأ في مسألة ولا جواب إلّا إلى مسائلها وجواباتها؟. فقال : هل دخل هو تعالى في هذا الكل الذي وصف الله نفسه بالعلم به؟ فإن قال : نعم! فقل له : أوليس القديم ليس بذي نهاية؟ فمن قوله : بلى! (قال) فقيل له : أفلا ترى أنّ الكل قد وقع على ما ليس بذي نهاية؟ وهذا هدم عليك. فما أنكرت إذ كان هذا هكذا أن يكون ما وصف الله نفسه بالعلم به غير متناه وإن كان واقعا تحت الكل؟ (قال) وإن زعم أنّ الله لم يدخل في هذا الخبر لأنّه ليس بمتناه والكل لا يقع إلّا على متناه ، وإنّما دخل فيه ما يكون في الدنيا لأنّه محدود متناه (خ ، ن ، ٩١ ، ١٤)

ـ كل مركّب من أجزاء متناهية ذات أوائل فليس هو شيئا غير أجزائه ، إذ الكل ليس هو شيئا غير الأجزاء التي ينحلّ إليها ، وأجزاءه متناهية كما بيّنا ذات أوائل (ح ، ف ١ ، ١٥ ، ٥)

ـ معنى الجزء إنّما هو أبعاض الشيء ، ومعنى الكل إنّما هو جملة تلك الأبعاض ، فالكل

١٥٣

والجزء واقعان في كل ذي أبعاض ، والعالم ذو أبعاض ، هكذا توجد حاملاته ومحمولاته وأزمانها ، فالعالم كل لأبعاضه وأبعاضه أجزاء له ، والنهاية كما قدّمنا لازمة لكل ذي كل وذي أجزاء (ح ، ف ١ ، ١٧ ، ١١)

ـ الكلّ هو جزءان. والجزء هو أحدهما ولا يحتاج في أنّ الشّيء مع غيره أكثر منه وحده إلى أن يعرف أنّ لأحد الجزءين أثرا أو لا (ط ، م ، ٢٨ ، ١٧)

كلابية

ـ مذهب الكلابيّة أبلغ في الفساد ، لإثباتهم مع الله تعالى من المعاني بعدد ما يستحقّه من الصفات ، فقد زادوا في إثبات القدماء على النصارى (ق ، غ ٥ ، ٨٨ ، ٥)

كلام

ـ اختلفت المعتزلة في الكلام هل هو حروف أم لا على مقالتين : فزعمت فرقة منهم أنّ كلام الله سبحانه حروف ، وزعم آخرون منهم أنّ كلام الله سبحانه ليس بحروف (ش ، ق ، ١٩٤ ، ٨)

ـ إنّ القرآن كلام الله غير مخلوق ، والكلام في الوقف واللفظ. من قال باللفظ أو بالوقف فهو مبتدع عندهم ، لا يقال اللفظ بالقرآن مخلوق ، ولا يقال غير مخلوق (ش ، ق ، ٢٩٢ ، ٩)

ـ الكلام حروف ، والقراءة صوت ، والصوت عندهم غير الحروف ، وقد أنكر هذا القول جماعة من أهل النظر وزعموا أن الكلام ليس بحروف (ش ، ق ، ٦٠١ ، ١٠)

ـ إنّ كلام الله غير مخلوق ، وإنّه لم يخلق شيئا إلّا وقد قال له : كن فيكون ، كما قال : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل : ٤٠) (ش ، ب ، ١٩ ، ١٠)

ـ اعلم أنّ المشيئة صفة الشائي والإرادة صفة المريد ، والأمر صفة الآخر والعلم صفة العالم ، والكلام صفة المتكلّم (م ، ف ، ١٧ ، ٢٣)

ـ إنّ كلام الله تعالى صفة لذاته لم يزل ولا يزال موصوفا به وأنّه قائم به ومختص بذاته ، ولا يصحّ وجوده بغيره ، وإن كان محفوظا بالقلوب ومتلوا بالألسن ، ومكتوبا في المصاحف ، ومقروءا في المحاريب ، على الحقيقة لا على المجاز وغير حالّ في شيء من ذلك ، وأنّه لو حلّ في غيره لكان ذلك الغير متكلما به ، وآمرا وناهيا (ب ، ن ، ٢٦ ، ١٢)

ـ إنّ الكلام شاهدا أو غائبا معنى غير الحروف والأصوات ، وأنّه لا يصحّ أن يقوم إلّا بالحيّ. وما ذكره في تأويل قوله تعالى (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (فصّلت : ١١) من أنّ ذلك قول على الحقيقة محمول على أنّه كان مقرونا بالحياة. وكذلك مقتضى مذهبه في كلام الذراع المشويّة أنّه وجد فيها مع الحياة (أ ، م ، ٦٧ ، ١٩)

ـ نذكر حقيقة الكلام ، وأنّه الحروف المنظومة والأصوات المقطّعة. إلّا أنّ هذا لا يصحّ إيراده على طريق التحديد ، لأنّ الحروف المنظومة هي الأصوات المقطّعة ، والأصوات المقطّعة هي الحروف المنظومة على الصحيح من المذهب ، الذي اختاره شيخنا أبو هاشم ، فيكون في محد تكرار لا فائدة فيه. يبيّن ذلك ، أنّ الأصوات المقطّعة لو كانت أمرا زائدا على الحروف المنظومة لصحّ فيها طريقة الانفصال إذ لا علاقة ، ولأنّ الحروف جمع ، وأقلّ الجمع ثلاثة ، وهذا يقتضي أن لا يكون الحرفان كلاما ؛ وليس كذلك ، فإنّ قولنا :

١٥٤

مرّ ، وسس ، وقل ، وكل ، حرفان مع أنه كلام. فالأولى أنّ نقول في حدّه : هو ما انتظم من حرفين فصاعدا ، أو ما له نظام من الحروف مخصوص. فلا يلزم على هذا أن لا يكون قولهم ق ، وع ، كلاما ؛ لأنّ ق ، وع ، حرفان. يبيّن لك ذلك ، إذا وقفت عليه ، فإنّك تقول في الوقف : قه ، وعه. يدلّك على هذا هو أنّهم نصّوا على أنّه لا يصحّ الابتداء إلّا بالمتحرّك ، ولا الوقف إلّا على الساكن ، فلو لا أنّ : ق وع حرفان ، وإلّا فكيف يصحّ الابتداء به والوقف عليه ، فصحّ ما قلناه. ولا يعاب علينا تحديدنا الكلام بما له نظام ، فإنّ أكثر ما في ذلك أنّه تحديد بالمجاز ، وذلك سائغ. ولا يجب أن يكون مفيدا ، بخلاف ما ذهب إليه شيخنا أبو هاشم ، وإلّا كانوا لا يعدون المهمل من أقسام الكلام وقد عرّوه منه. وأيضا فلو كان الكلام هو ما يفيد ، على ما يحكى عن أبي هاشم ، لكان يجب في عقد الأصابع والإشارة بالرأس أنّه يكون كلاما ، ومعلوم خلافه. فهذا هو حقيقة الكلام (ق ، ش ، ٥٢٨ ، ١٦)

ـ إنّ الكلام لا يدلّ على ما يدلّ عليه لأمر يرجع إليه ، وإنّما يدلّ لكون فاعله حكيما ، ولذلك لم يدلّ كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الأحكام إلّا بعد العلم بأنّه رسول حكيم لم يظهر المعجز عليه إلّا لكونه صادقا في سائر ما يؤدّيه ، وليس كذلك دلالة الفعل على أنّ فاعله قادر ، ولأنّه إنّما يدلّ لأمر يرجع إليه لا يتعلّق باختيار مختار. وهو أن الفعل إذا صحّ من واحد وتعذّر على من هو بمثل حاله فلا بدّ من أن يختصّ بأمر له صحّ الفعل منه ، وهذه الجملة لا تتعلّق بالاختيار ، فلذلك يصحّ أن يستدلّ بالحوادث التي لا يجوز أن تحدث من الأجسام على الله تعالى وعلى أنّه قادر عالم ، وليس كذلك حال القرآن (ق ، م ١ ، ٣ ، ٦)

ـ إنّ الكلام عندنا من جملة أفعاله كالإرادة ، فلا يصحّ كونه مريدا لنفسه ولا بإرادة قديمة ، بل يتبع كونه مريدا كونه فاعلا. فكذلك الحال في كونه متكلّما لا يصحّ أن يكون للنفس ولا بكلام قديم ، بل يتبع فعله الذي هو الكلام. والمخالفون لنا قد أجروا ذلك على نحو مذهبهم في الإرادة ، ونحن وإن فرّقنا بين كون المريد مريدا وبين كونه متكلّما من حيث لا حال له بكونه متكلّما وله بكونه مريدا حال ، فهما من الوجه الذي ذكرناه متّفقان وإن لم يكن الكلام من هذا الباب معنى ، لو لا أنّ القرآن هو دليل على الأحكام الشرعيّة ، ولو لم يكن فعلا من أفعاله جلّ وعزّ لما دلّ ، فوجب عند ذلك أن يبيّن حكمه (ق ، ت ١ ، ٣١٧ ، ٣)

ـ بدأ بحدّ الكلام فجعله ما يحصل من الحروف المعقولة له نظام مخصوص. والأصل في ذلك أنّ الشيء لا يصير معقولا باسمه ، بل يجب أن يكون معقولا أوّلا ثم يتبعه الاسم ، فصارت الفائدة في المسمّى غير معقودة بالاسم. فإذا لم يعقل الشيء امتنعت تسميته باسم وصار ذلك بمنزلة قولنا : " عالم" لأنّا إن لم نعقل صحّة الفعل المحكم لم يجز أن نعبّر عنه بقولنا : " عالم". فإذا ثبتت هذه الجملة فيجب أن يتقدّم لنا العلم بما تريد تسميته بأنّه كلام. والذي عقلناه في ذلك هو إن تكلّم أحدنا في هذا الوقت بحرف ثم انقطع عن الحرف الثاني فأتى به بعد زمان ، لم يعدّ ما فعله كلاما. فما جرى هذا المجرى هو الذي نعرفه كلاما ونسمّيه بذلك ، وعلى هذا لو نطق بحرف واحد فقط لم يعدّ متكلّما ولا عدّ ما فعله كلاما. وهذا الحدّ

١٥٥

أولى وأسلم من قول من قال : هو الحروف المنظومة والأصوات المقطّعة لأنّ في ذلك إخراجا لما يتألّف من حرفين أن يكون كلاما. وفيه أيضا ضرب من التكرار فإن الأصوات المقطّعة هي الحروف لا غير. وفيه أيضا أنه لا يسلم على قول بعض الشيوخ. فإنّ" أبا علي" يمنع أن يكون الكلام من جنس الأصوات. فإذا اقتصرت على ذكر الحروف فقط سلم على مذهبه أيضا (ق ، ت ١ ، ٣١٧ ، ١١)

ـ المعقول من الكلام ليس إلّا هذه الحروف ، والحال في حدوث هذه الحروف ظاهرة. ومتى أثبتوا الكلام لا على هذا الحدّ ، فقد أثبتوا ما لا يعقل وكفى بذلك إبطالا لقولهم. وإذا كان الذي يرومون إثباته مما لا أصل له ، فالكلام في حدوثه وقدمه لغو (ق ، ت ١ ، ٣٣٢ ، ٥)

ـ الذي نختاره في حدّ الكلام : أنّه ما حصل فيه نظام مخصوص من هذه الحروف المعقولة ، حصل في حرفين أو حروف. فما اختصّ بذلك وجب كونه كلاما ، إلّا إذا وقع ممن يفيد أو يصحّ أن يفيد ، فلذلك لا يوصف منطق الطير كلاما ، وإن كان قد يكون حرفين أو حروفا منظومة (ق ، غ ٧ ، ٦ ، ١١)

ـ من قول" أبي عليّ" رحمه‌الله : إنّ الحروف غير الأصوات ، وإنّ الكلام هو الحروف. فعلى طريقته الاقتصار في حدّه على أنّه الحروف أولى ، لأنّ عنده أنّها الكلام دون الأصوات. ولذلك يقول في المكتوب والمحفوظ : إنّهما كلام ، وإن لم يقارنهما الصوت (ق ، غ ٧ ، ٧ ، ١٥)

ـ إنّ الكلام هو الصوت الواقع على بعض الوجوه (ق ، غ ٧ ، ٢١ ، ٢)

ـ إنّ الكلام ليس بجسم (ق ، غ ٧ ، ٢٤ ، ٢)

ـ اعلم أنّ حكم الكلام حكم سائر المدركات ، في أنّه يوجد في المحل ويستحيل وجوده لا في محل ، ولا يوجب لمحله حالا ولا للحيّ ، وإنّما يضاف إلى فاعله على جهة الفعليّة. والذي يدلّ أوّلا على أنّه يوجد في المحل : أنّه يتولّد من اعتماد الجسم على الجسم ومصاكّته له ، ولا يجوز أن يولّد اعتماد المحل على المحل ما يولّده إلّا في المحل الذي اعتمد عليه. يدلّ على ذلك توليد الاعتماد سائر ما يولّده من الأكوان على اختلافها ، ولو لا أنّ ذلك كذلك لم يمتنع أن يولد الاعتماد ، وإن لم يماس محلّه محل آخر (ق ، غ ٧ ، ٢٦ ، ٤)

ـ كان شيخنا أبو عليّ ـ رحمه‌الله ـ يقول في الكلام : إنّه يحتاج في وجوده في المحل إلى بنية مخصوصة وإلى حركة ، ويسوّي في ذلك بين ما يوجد من فعله تعالى ، أو من فعلنا ؛ كما يقوله في حاجة العلم إلى الحياة (ق ، غ ٧ ، ٣١ ، ٤)

ـ إنّ الكلام لا يصحّ وجوده مع كل حركة ، وإنّما يصحّ مع الحركة التي تحصل على وجه يولّد ، أو يصحّح توليد الاعتماد له. وذلك يبيّن من حالها أنّه إنّما احتيج إليها من الوجه الذي ذكرناه (ق ، غ ٧ ، ٣٦ ، ١)

ـ اعلم ... أنّ الكلام من جملة الأفعال المحكمة التي لا تصحّ إلّا من العالم بكيفيتها ، فلا يصحّ وقوعه من كل قادر ؛ وإنّما يتأتّى ذلك من القادر ، إذا كان عالما بكيفيّتها ، ولذلك يصحّ من العالم بالعربيّة أن يتكلّم بها ، ولا يتأتّى منه أن يعبّر عن ذلك المعنى بالفارسيّة ؛ فإن كان يعلم المواضعة الفارسيّة أمكنه أن يعبّر بها عن ذلك المعنى ، وتعذّر ذلك منه بالعربيّة (ق ، غ ١٦ ، ١٩١ ، ٤)

١٥٦

ـ إنّ الكلام ، فيما يدلّ عليه ، لا بدّ من أن يدلّ على وجهين : أحدهما : بمجرّده ، والآخر : به وبالقرينة .. وهذه الطريقة هي الواجبة في اللغة ؛ لأنّ المواضعة وقعت على اختلاف حال الكلام ، بالتفريق ، والجمع ، والزيادة والنقصان ، وعلى أنه قد يبنى في فائدة على تقدّم وعهد ؛ وهذا بيّن (ق ، غ ١٦ ، ٣٦٠ ، ٨)

ـ الكلام هو ما انتظم من الحروف المسموعة المتميّزة ، المتواضع على استعمالها في المعاني. وإذا حدّدنا الكلام بهذا ، كان الكلام كلّه مستعملا قسّمناه هكذا : الكلام منه ما يفيد صفة فيما استعمل فيه ، ومنه ما لا يفيد صفة فيما استعمل فيه. وإن حدّدناه بالحدّ الأول قلنا في قسمته : الكلام ضربان : مهمل ومستعمل. فالمهمل لم يوضع في اللغة لشيء ؛ والمستعمل هو ما وضع ليستعمل في المعاني. وهو ضربان : أحدهما يفيد صفة فيما استعمل فيه ، والآخر لا يفيد صفة فيما استعمل. فالأول كقولنا" أسود" و" طويل". والثاني ضربان : أحدهما فيه معنى الشمول ، والآخر ليس فيه معنى الشمول. أمّا الأوّل فكقولنا : " شيء" ، فإنّه وضع لكل ما يصحّ أن يعلم. والآخر أسماء الأعلام ، كقولنا : " زيد". وذلك أنّ من سمّى ابنه زيدا ، فإنّه لا يجب أن يشارك بينه وبين غيره في الاسم (ب ، م ، ١٥ ، ١٣)

ـ الكلام على ضربين : أحدهما مستعمل بوضع أهل اللغة وليس بلقب ، والآخر لقب. فاللقب لا يدخله الحقيقة والمجاز ، على ما سنذكره. وما ليس بلقب يدخله الحقيقة والمجاز (ب ، م ، ١٦ ، ٧)

ـ زعم (النجّار) أنّ كلام الله تعالى عرض إذا قرئ ، وجسم إذا كتب ، وأنّه لو كتب بالدم صار ذلك الدم المقطّع تقطيعا حروف الكلام كلاما لله تعالى بعد أن لم يكن كلاما حين كان دما مسفوحا ؛ فهذه أصول النّجارية (ب ، ف ، ٢٠٩ ، ٣)

ـ الزعفراني الذي كان بالرّيّ ، وكان يناقض بآخر كلامه أوّله ، فيقول : إنّ كلام الله تعالى غيره ، وكل ما هو غير الله تعالى مخلوق (ب ، ف ، ٢٠٩ ، ١٨)

ـ قالوا (الكرامية) : إنّ الله تعالى لم يزل متكلّما قائلا ، ثم فرّقوا بين الاسمين في المعنى ، فقالوا : إنّه لم يزل متكلما بكلام هو قدرته على القول ، ولم يزل قائلا بقائلية لا بقول ، والقائلية قدرته على القول ، وقوله حروف حادثة فيه ، فقول الله تعالى عندهم حادث فيه ، وكلامه قديم (ب ، ف ، ٢١٩ ، ١٠)

ـ إنّ كلام الله عزوجل صفة له أزليّة ، وأنّه غير مخلوق ولا محدث ولا حادث (ب ، ف ، ٣٣٧ ، ٥)

ـ كلام الله تعالى صفة له أزلية قائمة وهي أمره ونهيه وخبره ووعده ووعيده (ب ، أ ، ١٠٦ ، ٦)

ـ زعمت القدرية إنّ كلام الله حادث في جسم من الأجسام (ب ، أ ، ١٠٦ ، ٩)

ـ نقول كلام الله في المصحف مكتوب وفي القلب محفوظ وباللسان متلو ، ولا يقال إنّه في المصاحف مطلقا ولا نقول على الإطلاق إنّ كلام الله سبحانه في محل ، ولكن نقول على التقييد إنّه مكتوب في المصاحف وقالوا أيضا أنّ نظم القرآن معجز (ب ، أ ، ١٠٨ ، ٦)

ـ حكي عن إبراهيم النّظام أنّه جعل الصوت جسما يتقطّع بالحركة فنسمعه بانتقاله إلى الأذن ، وأنّ الكلام هو بحركة اللسان (أ ، ت ، ٣٣١ ، ٨)

١٥٧

ـ اعلم أنّ الكلام هو الأصوات المخصوصة ، لا معنى سواها يخالفها. هذا قول الشيخ أبي هاشم. وذهب الشيخ أبو علي إلى أنّه معنى زائد على الأصوات ، فجعل الكلام والحروف سواء ، وجعل الحرف غير الصوت. وذهب إلى بقاء الكلام دون الأصوات وأثبته مسموعا عند مقارنة الصوت له. وذكر عنه أنّه يجعله باقيا إذا ابتدئ مكتوبا دون أن يبتدأ مسموعا (أ ، ت ، ٣٦٢ ، ٣)

ـ الأشعرية تذهب في الكلام إلى أنّه معنى في النفس ، ولم تفصل بين الشاهد والغائب وتجعله قائما بالمتكلّم (أ ، ت ، ٣٦٢ ، ٨)

ـ أمّا الكلابيّة فقد أثبتت الكلام شاهدا بصفة الحروف وقالت بأنّ في الغائب كلاما يخالف ذلك. ففصلت بين الشاهد والغائب (أ ، ت ، ٣٦٢ ، ١٠)

ـ اعلم أنّه إذا ثبت في المتكلّم أنّه فاعل الكلام ، فإن كان القول في الله تعالى صحّ منه أن يوجد كلامه في كل محل على ما تقدّم. وإن كان القول في أحدنا فلا يمكن إلّا أن يفعله في مبنى بنية مخصوصة ، وهو أن يتشكّل بشكل الفم واللهوات فيكون وجود كلامه على وجهين : أحدهما بأن يوجده في لسانه ، وثانيهما بأن يوجده في الصدى (أ ، ت ، ٤١١ ، ١٧)

ـ أمّا إثبات كلام في المكتوب فباطل لأنّه قد صحّ في الكلام أنّه من باب الأصوات الواقعة على وجه. وهذا يوجب كونه مسموعا كما وجب مثله في الأصوات أن تكون مسموعة. ولو كان في المكتوب كلام لوجب سماعه لحصول المدرك والمدرك جميعا على الشروط المعتبرة فيهما ، ولا مانع هناك. ولهذا لو وجد في الورقة صوت لسمعناه ، فلو كان فيها كلام لوجب أن نسمعه أيضا. وليس يجب في الشيء إذا كان مدركا في ذاته أن يقف إدراكه على مقارنة غيره له ، على ما نعلمه من حال سائر المدركات. ولا يجوز لأحد أن يقول : إنّ الحرف وإن كان مدركا فإدراكه موقوف على مقارنة الصوت إيّاه (أ ، ت ، ٤٢٠ ، ١١)

ـ إنّ الكلام حروف منتظمة ، وأصوات متقطّعة ، دالّة على أغراض صحيحة (المعتزلة) (ج ، ش ، ١٠٧ ، ١١)

ـ الحدّ ما يحوي آحاد محدود ، والحرف الواحد قد يكون كلاما مفيدا ، فإنّك إذا أمرت من" وقى" و" وشى" قلت" ق" و" ش" ، وهذا كلام وليس بحروف وأصوات (ج ، ش ، ١٠٧ ، ١٤)

ـ نقول : الكلام هو القول القائم بالنفس ، وإن رمنا تفصيلا ، فهو القول القائم بالنفس ، الذي تدلّ عليه العبارات وما يصطلح عليه من الإشارات (ج ، ش ، ١٠٨ ، ١٥)

ـ زعموا (المعتزلة) أنّ الكلام : هو الأصوات المتقطّعة ، والحروف المنتظمة ، ونصّوا كلاما قائما بالنفس سوى العبارات الآئلة إلى الحروف والأصوات (ج ، ش ، ١٠٩ ، ٣)

ـ ذهب الجبائي إلى أنّ الأصوات المتقطّعة على مخارج الحروف ليست بكلام ، وإنّما الكلام الحروف المقارنة للأصوات ، وهي ليست بأصوات ولكنّها تسمع إذا سمعت الأصوات (ج ، ش ، ١٠٩ ، ٨)

ـ المتكلّم عند أهل الحق من قام به الكلام. والكلام عند مثبتي الأحوال منهم يوجب لمحلّه حالا وهي كونه متكلّما ، وينزل الكلام في ذلك منزلة العلوم والقدر ونحوها من الصفات الموجبة لمحالها الأحكام (ج ، ش ، ١١٢ ، ٣)

١٥٨

ـ إنّ الكلام عند أهل الحقّ معنى قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت ، والكلام الأزليّ يتعلّق بجميع متعلّقات الكلام على اتّحاده ، وهو أمر بالمأمورات ، نهي عن المنهيّات ، خبر عن المخبرات ، ثم يتعلّق بالمتعلّقات المتجدّدات ولا يتجدّد في نفسه (ج ، ش ، ١٢٤ ، ١٤)

ـ إنّ الكلام الذي نريده معنى زائد على هذه الجملة ، ولنذكره في قسم واحد من أقسام الكلام وهو الأمر حتى لا يطول الكلام (غ ، ق ، ١١٨ ، ١٥)

ـ اتّفقوا (المعتزلة) على أنّ كلامه محدث مخلوق في محل. وهو حرف وصوت كتب أمثاله في المصاحف حكايات عنه. فإنّ ما وجد في المحل عرض قد فنى في الحال. واتّفقوا على أنّ الإرادة والسمع والبصر ليست معاني قائمة بذاته ، لكن اختلفوا في وجوه وجودها ، ومحامل معانيها كما سيأتي (ش ، م ١ ، ٤٥ ، ١)

ـ إنّهما (أبو علي الجبائي وابنه أبو هاشم) حكما بكونه تعالى متكلّما بكلام يخلقه في محل ، وحقيقة الكلام عندهما أصوات مقطّعة ، وحروف منظومة ، والمتكلّم من فعل الكلام ، لا من قام به الكلام. إلّا أنّ الجبائي خالف أصحابه خصوصا بقوله : يحدث الله تعالى عند قراءة كل قارئ كلاما لنفسه في محل القراءة ، وذلك حين ألزم أنّ الذي يقرؤه القارئ ليس بكلام الله. والمسموع منه ليس من كلام الله ، فالتزم هذا المحال من إثبات أمر غير معقول ولا مسموع ؛ وهو إثبات كلامين في محلّ واحد (ش ، م ١ ، ٨٠ ، ٨)

ـ الكلام عند الأشعريّ معنى قائم بالنفس سوى العبارة. والعبارة دلالة عليه من الإنسان. فالمتكلّم عنده من قام به الكلام (ش ، م ١ ، ٩٦ ، ١٠)

ـ الأشعريّة قالوا : دلّ العقل على كون الباري تعالى حيّا ، والحي يصحّ منه أن يتكلّم ويأمر وينهي ، كما يصحّ منه أن يعلم ويقدر ويريد ويسمع ويبصر ، فلو لم يتّصف بالكلام أدّى إلى أن يكون متّصفا بضدّه وهو الخرس والعي والحصر ، وهي نقائص ويتعالى عنها (ش ، ن ، ٢٦٨ ، ٨)

ـ سلك الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني رحمه‌الله منهاجا آخر فقال : دلّت الأفعال بإتقانها وأحكامها على أنّه تعالى عالم ، ويستحيل أن يعلم شيئا ولا يخبر عنه ، فإنّ الخبر والعلم يتلازمان ، فلا يتصوّر وجود أحدهما دون الثاني ، ومن لا خبر عنده عن معلومه لا يمكنه أن يخبر غيره عنه ، ومن المعلوم أنّ الباري يصحّ منه التكليف والتعريف والإخبار والتنبيه والإرشاد والتعليم ، فوجب أن يكون له كلام وقول يكلّف ويعرّف ويخبّر وينبّه بذلك ، فإذا ثبتت هذه الدلائل كونه متكلّما (ش ، ن ، ٢٦٩ ، ٩)

ـ إنّ مدلول التكاليف من حيث الحدود والأحكام قضية وراء العلم والقدرة والإرادة ، وذلك ما عبّرنا عنه بالقول والكلام ، وعبّر التنزيل عنه بالأمر والخطاب (ش ، ن ، ٢٧٥ ، ١١)

ـ الإرادة التي تتعلّق بفعل الغير حتى يفعله ، إرادة تضمّنت اقتضاء وحكما ، وإلّا كانت تمنيا وتشهيا ، وذلك الذي يسمّى أمرا ونهيا وسمّيتموه إرادة وكراهية ، فإذا مدلول ذلك الفعل الذي أشاروا إليه هو الذي نسمّيه الشرع ، كلاما وأمرا ونهيا (ش ، ن ، ٢٧٧ ، ٦)

ـ نقول (الأشاعرة) ليس يشكّ العاقل أنّ الكلام معنى من المعاني سواء كان ذلك المعنى عبارة

١٥٩

منظومة من حروف منظومة وأصوات مقطّعة أو كان صفة نفسية ونطقا عقليّا من غير حرف وصوت. وكل معنى قائم بمحل وصف المحل به لا محالة ، وذلك المعنى من حيث هو مخلوق مفعول ينسب إلى الفاعل ، ومن حيث هو معنى قام بمحل فينسب إلى المحل ، فمحل المعنى موصوف به لا محالة ، فالذي وصف الفاعل به هو وجه حدوثه منتسبا إلى قدرته ، حتى يقال محدث ، والذي وصف المحل به وجه تحقّقه منتسبا إلى ذاته القابلة له الموصوفة به ، وهذان وجهان معقولان ليس يتمارى فيهما عاقل ، فجعلهما وجها واحدا حتى يكون معنى كونه فاعلا هو معنى كونه موصوفا به خروج عن المعقول ومكابرة العقل ، ولا يرتفع المعنى المعقول بالاصطلاح على أنّ معنى المتكلّم هو الفاعل للكلام (ش ، ن ، ٢٨٢ ، ١)

ـ إنّ القادر على الحقيقة من يكون قادرا على الضدّين ، والكلام معنى له أضداد ، فإذا قالوا المتكلّم من فعل الكلام ، يلزمهم أن يقولوا الساكت من فعل السكوت حتى لو خلق سكوتا في محل كان ساكتا ، ولو خلق أمرا في محل كان آمرا ، ولو خلق خبرا في محل كان مخبرا ، ثم من الأوامر ما يكون خيرا ومنه ما يكون شرّا ومن الأخبار ما يكون صدقا ومنه ما يكون كذبا ، فيلزمهم إضافة الكل إلى الله تعالى وهو محال (ش ، ن ، ٢٨٥ ، ٧)

ـ ذهبت الأشعرية إلى أنّ كلام الباري تعالى واحد وهو مع وحدته أمر ونهي وخبر واستخبار ووعد ووعيد (ش ، ن ، ٢٨٨ ، ٣)

ـ ذهبت الكراميّة إلى أنّ الكلام بمعنى القدرة على القول معنى واحد ، وبمعنى القول معان كثيرة قائمة بذات الباري تعالى ، وهي أقوال مسموعة وكلمات محفوظة تحدث في ذاته عند قوله وتكلّمه ، ولا يجوز عليها الفناء ولا العدم (ش ، ن ، ٢٨٨ ، ٥)

ـ ذهبت المعتزلة إلى أنّ الكلام حروف منظومة وأصوات مقطّعة شاهدا وغائبا ، لا حقيقة للكلام سوى ذلك ، وهي مخلوقة قائمة بمحل حادث إذا أوجدها الباري تعالى سمعت من المحل وكما وجدت فنيت ، وشرط أبو علي الجبائي البنية المخصوصة التي يتأتى منها مخارج الحروف شاهدا وغائبا ، ولم يشترط ذلك ابنه أبو هاشم في الغائب (ش ، ن ، ٢٨٨ ، ٨)

ـ المشهور من مذهب أبي الحسن أنّ الكلام صفة واحدة لها خاصّية واحدة ، ولخصوص وصفها حدّ خاص ، وكونه أمرا ونهيا وخبرا واستخبارا خصائص أو لوازم تلك الصفة ، كما أنّ علمه تعالى صفة واحدة تختلف معلوماتها وهي غير مختلفة في أنفسها فيكون علما بالقديم والحادث والوجود والعدم وأجناس المحدثات ، وكما لا يجب تعدّد العلم بعدد المعلومات ، كذلك لا يجب تعدّد الكلام بعدد المتعلّقات ، وكون الكلام أمرا ونهيا أوصاف الكلام لا أقسام الكلام ، كما أنّ كون الجوهر قائما بذاته قابلا للعرض متحيّزا ذا مساحة وحجم أوصاف نفسيّة للجوهر وإن كانت معانيها مختلفة ، كذلك كون الكلام أمرا ونهيا وخبرا واستخبارا أوصاف نفسيّة للكلام وإن كانت معانيها مختلفة ، وليس اشتمال معنى الكلام على هذه المعاني كانقسام العرض إلى أصنافه المختلفة وانقسام الحيوان إلى أنواعه المتمايزة ، فأقسام الشيء غير ، وأوصاف الشيء غير ، وكل ما في الشاهد للكلام من

١٦٠