موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ٢

الدكتور سميح دغيم

موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ٢

المؤلف:

الدكتور سميح دغيم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

" أقدم ، وقديم" موضوع للمبالغة في الوصف بالتقدّم وكذلك أعلم وعليم ، وأسمع وسميع. والقسم الثاني : محدث ، لوجوده أوّل ، ومعنى المحدث ما لم يكن ثم كان ، مأخوذ تلك من قولهم : حدث بفلان حادث. من مرض ، أو صداع ؛ وأحدث بدعة في الدين ، وأحدث روشنا ، وأحدث في العرصة بناء ، أي فعل ما لم يكن من قبل موجودا (ب ، ن ، ١٦ ، ٥)

ـ إن حدّ القديم هو : الذي لا حدّ لوجوده ، ولا آخر لدوامه (ب ، ن ، ٥٥ ، ٣)

ـ صحّ وثبت أنّ من شرط الصفة قيامها بالموصوف ، والدليل على صحة ذلك أولا : أنّ حدّ القديم ما لا أوّل لوجوده ولا آخر لدوامه ، وأنّ القديم لا يدخله الحصر والعد ، ونحن نعلم وكل عاقل أنّ هذه الأشكال من الحروف لم تكن قبل حركة الكاتب وإنّما يحدثها الله مع حركة الكاتب شيئا فشيئا. ثم هي مختلفة الصور والأشكال ، ويدخلها الحصر والحدّ ، وتعدم بعد أن توجد ، وكل ذلك صفة المحدث المخلوق (ب ، ن ، ٩٩ ، ٦)

ـ زعمت المشبهة أنّ القراءة هي المقروءة ، والتلاوة هي المتلوّ ، وزعموا أنّ القديم يحل في المحدث ويختلط به ، وتمسّكوا في جميع ذلك بآيات وآثار زعموا أنّها حجة لهم فيما صاروا إليه من هذه البدعة العظيمة التي جميعها يدلّ على أنّ كلام الله مخلوق محدث (ب ، ن ، ١١٢ ، ٤)

ـ كان يقول إنّ القديم الذي لم يزل موجودا هو أحد وصفي القدم ونوعي معناه ، وبه كان يبطل قول من يقول إنّ حقيقة معنى القديم أنّه إله ، وإنّه لو كان كذلك كان يجب له من الإلهيّة بقدر ما يجب له من التقدّم لكل ما يكون قديما حتى يكون كل ما يوصف بأنّه قديم على وجه يكون إلها على وجه (أ ، م ، ٢٨ ، ١)

ـ اختلف قوله (الأشعري) في القديم هل يقتضي معنى بكونه قديما أم لا. فذهب في بعض كتبه إلى أنّ القديم قديم بقدم ، وهو على نحو ما ذهب إليه المتقدّمون من أصحاب الصفات كنحو عبد الله بن سعيد وغيره. وقال في كتابه المسمّى بالمختزن" إني أقول : القديم قديم بنفسه لا بمعنى له كان قديما" ، وذكر أنّ ذلك يجري مجرى وصف تقدّمه بالوجود ، والتقدّم بالوجود هو أن يوجد الشيء قبل الشيء ، والشيء بكونه موجودا لا يقتضي معنى على جميع الأحوال (أ ، م ، ٢٨ ، ١٢)

ـ ينظر في أنّ الحوادث تنتهي إليه (الله) وهو لا ينتهي إلى حدّ ، فيحصل له العلم بكونه قديما (ق ، ش ، ٦٥ ، ١٥)

ـ إنّ القديم باق ، فهو أنّ الباقي ليس إلّا الموجود في حال الخبر عنه بالوجود ، وهذا حال القديم (ق ، ش ، ١٠٩ ، ٣)

ـ الذي يدلّ على أنّ القديم لا ضدّ له ، فهو أنّه لو كان له ضدّ لكان لا بدّ من أن تكون صفته بالعكس من صفة القديم ، فيجب إذا كان القديم موجودا لذاته وجب أن يكون ضدّه معدوما لذاته وذلك مستحيل (ق ، ش ، ١٠٩ ، ٩)

ـ إنّ القديم في أصل اللغة هو ما تقادم وجوده ، ولهذا يقال بناء قديم ، ورسم قديم ، ... وأمّا في اصطلاح المتكلّمين ، فهو ما لا أوّل لوجوده ، والله تعالى هو الموجود الذي لا أوّل لوجوده ، ولذلك وصفناه بالقديم (ق ، ش ، ١٨١ ، ٦)

ـ أمّا كونه قديما فليس بصفة زائدة على كونه

١٠١

موجودا ، وإنّما هو كيفية في صفة الوجود ، فإنّما يمكن في حكمه وهو كيفية في هذه الصفة أن تثبت كيفيّة في هذه الصفات التي تقف على الوجود ، فتجعل حكم كونه قديما أنّه لولاه كان لا يستحقّ هذه الصفات ، ويصحّ أن نجعل استحالة أمور كثيرة من حكم كونه قديما (ق ، ت ١ ، ١٦٠ ، ٣)

ـ إنّ القديم هو الذي لا أوّل لوجوده ولا ابتداء ، ويجب أن يستغني عن موجود يوجده ، ويجب الوجود له من غير علّة (ق ، غ ٤ ، ٢٥٠ ، ٥)

ـ حكي عن الملكانية أنّ القديم جوهر واحد ذو ثلاثة أقانيم ، وأنّ الأقانيم هي الجوهر ، والجوهر غير الأقانيم ، وليس برابع لها في العدد. ويقولون في الأقانيم إنّها جوهر بسيط ويمتنعون من كونه جوهرا مركّبا (ق ، غ ٥ ، ٨١ ، ١٩)

ـ يوصف بأنّه تعالى قديم. وقد اختلف قول شيخنا أبي علي في حقيقة هذه اللفظة ، فقال في بعض كتبه : إنّه يراد به أنّه لا أوّل لوجوده وأنّ الذي يخصّ بهذه التسمية هو الله تعالى دون سائر الموجودات (ق ، غ ٥ ، ٢٣٣ ، ١)

ـ قال ، رحمه‌الله (أبو علي) ، في" الأسماء والصفات" وغيره من كتبه : إنّ المستفاد بقولنا قديم أنّه متقادم في الوجود على وجه يستحقّ أن يبالغ له في كونه موجودا ، لأنّ الموجودات على ضربين : أحدهما متقارب الوجود ، والآخر متراخي الوجود ، فجعل قولنا قديم مفيدا لكونه متراخيا في الوجود ضربا من التراخي ، وجعل مبالغة في هذه الصفة. وهذا هو الذي يختاره شيخنا أبو هاشم (ق ، غ ٥ ، ٢٣٣ ، ١٨)

ـ قولنا قديم يفيد تقادم وجوده (ق ، غ ٥ ، ٢٣٤ ، ١٥)

ـ القديم هو الموجود الذي لا ابتداء لوجوده (ن ، د ، ٥٧٣ ، ١٠)

ـ اختلفوا أيضا في معنى القديم : فقال عبد الله بن سعيد والقلانسي إنّه قديم بمعنى قائم به. وقال أبو الحسن الأشعري إنّه قديم لذاته ، وأجمع أصحابنا على أنّه باق ببقاء يقوم به غير القاضي أبي بكر بن الطيّب فإنّه قال بأنّ الله باق لنفسه وبه نقول (ب ، أ ، ١٢٣ ، ٧)

ـ إنّ القديم من صفات المخلوقين فلا يجوز أن يسمّى الله تعالى بذلك ، وإنّما يعرف القديم في اللغة من القدميّة الزمانيّة ، أي أنّ هذا الشيء أقدم من هذا بمدّة مخصورة ، وهذا منفيّ عن الله عزوجل وقد أغني الله عزوجل عن هذه التسمية بلفظة أوّل ، فهذا هو الاسم الذي لا يشاركه تعالى فيه غيره ، وهو معنى أنّه لم يزل (ح ، ف ٢ ، ١٥٢ ، ٢)

ـ كل موجود استمرّ وجوده وتقادم زمنا متطاولا ، فإنّه يسمّى قديما في إطلاق اللسان (ج ، ش ، ٥٢ ، ١٥)

ـ الموجود إمّا أن يكون قديما أو حديثا ، أمّا القديم فهو لا أوّل لوجوده وهو الله سبحانه وتعالى ، والمحدث ما لوجوده أوّل وهو ما عداه (ف ، م ، ٦٧ ، ١٠)

ـ اتّفق المتكلّمون على أنّ القديم يستحيل إسناده إلى الفاعل ، واتّفقت الفلاسفة على أنّه غير ممتنع زمانا (ف ، م ، ٦٨ ، ٢)

ـ القديم : يطلق على الموجود الذي لا يكون وجوده من غيره ، وهو القديم بالذات ، ويطلق القديم على الموجود الذي ليس وجوده مسبوقا بالعدم وهو القديم بالزمان ، والقديم بالذات يقابله المحدث بالذات وهو الذي يكون وجوده

١٠٢

من غيره ، كما أنّ القديم بالزمان يقابله المحدث بالزمان ، وهو الذي سبق عدمه وجوده سبقا زمانيّا ، وكل قديم بالذات قديم بالزمان ، وليس كل قديم بالزمان قديما بالذات ، فالقديم بالذات أخصّ من القديم بالزمان. فيكون الحادث بالذات أعمّ من الحادث بالزمان لأنّ مقابل الأخصّ أعمّ من مقابل الأعمّ ، ونقيض الأعمّ من شيء مطلق أخصّ من نقيض الأخص. وقيل القديم ما لا ابتداء لوجوده الحادث ، والمحدث ما لم يكن كذلك فكان الموجود هو الكائن الثابت والمعدوم ضدّه. وقيل القديم هو الذي لا أوّل ولا آخر له (ج ، ت ، ٢٢٠ ، ١٥)

ـ يسمّى (الله) قديما ، إجماعا. أبو علي : ولا يوصف به غيره ، إذ معناه الموجود في الأزل. أبو هاشم : بل معناه المتقدّم على غيره ، فيصحّ. قاضي القضاة : الأوّل أصحّ في عرف المتكلّمين ، والثاني أصحّ لغة (م ، ق ، ٨٨ ، ١٤)

قراءة

ـ إنّ مع قراءة القارئ لكلام غيره وكلام نفسه كلاما غيرهما ، وزعمت فرقة أخرى منهم (المعتزلة) أنّ القراءة هي الكلام (ش ، ق ، ١٩٣ ، ١٤)

ـ إنّ القراءة كلام لأنّ القارئ يلحن في قراءته وليس يجوز اللحن إلّا في كلام وهو أيضا متكلّم وإن قرأ كلام غيره ، ومحال أن يكون متكلّما بكلام غيره فلا بدّ من أن تكون قراءته هي كلامه (ش ، ق ، ١٩٤ ، ١)

ـ القراءة صوت والكلام حروف والصوت غير الحروف (ش ، ق ، ١٩٤ ، ٥)

ـ القراءة كلام لأنّ القارئ يلحن في قراءته ، وليس يجوز اللحن إلّا في كلام ، وهو أيضا متكلّم وإن قرأ كلام غيره ، ومحال أن يكون متكلّما بكلام غيره ، ولا بدّ من أن تكون قراءته هي كلامه (ش ، ق ، ٦٠١ ، ٧)

ـ الكلام حروف ، والقراءة صوت ، والصوت عندهم غير الحروف ، وقد أنكر هذا القول جماعة من أهل النظر وزعموا أن الكلام ليس بحروف (ش ، ق ، ٦٠١ ، ١٠)

ـ قالت" المعتزلة" : القراءة غير المقروء وهي فعلنا والمقروء فعل الله سبحانه (ش ، ق ، ٦٠٢ ، ٣)

حكى" البلخي" إنّ قوما قالوا : القراءة هي المقروء كما أنّ التكلّم هو الكلام (ش ، ق ، ٦٠٢ ، ٥)

ـ أخبر تعالى أنّ القرآن منه منزل موحى ، وأنّ الرسول يقرؤه ويعلّمه ، فالموحى المنزل المقروء هو كلام الله تعالى القديم وصفة ذاته ، والقراءة له فعل الرسول التي هي صفته. وأيضا قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ) (المائدة : ٦٧) ففعل الرسول البلاغ الذي هو القراءة (ب ، ن ، ٨١ ، ٥)

ـ إنّ القراءة فعل من أفعال العباد ، والمقروء والمتلو لا يجوز أن يكون فعلا من أفعال العباد ، ولا نقول أيضا إنّه من صفات الفعل لله تعالى بل هو من صفات الذات (ب ، ن ، ١٠٥ ، ١٣)

ـ زعمت المشبّهة أنّ القراءة هي المقروءة ، والتلاوة هي المتلو ، وزعموا أنّ القديم يحل في المحدث ويختلط به ، وتمسّكوا في جميع ذلك بآيات وآثار زعموا أنّها حجة لهم فيما صاروا إليه من هذه البدعة العظيمة التي جميعها

١٠٣

يدلّ على أنّ كلام الله مخلوق محدث (ب ، ن ، ١١٢ ، ٣)

ـ القراءة عند أهل الحقّ أصوات القرّاء ونغماتهم ، وهي أكسابهم التي يؤمرون بها في حال إيجابا في بعض العبادات ، وندبا في كثير من الأوقات ؛ ويزجرون عنها إذا أجنبوا ، ويثابون عليها ويعاقبون على تركها ، وهذا ممّا أجمع عليه المسلمون ، ونطقت به الآثار ، ودلّ عليه المستفيض من الأخبار (ج ، ش ، ١٢٧ ، ٣)

ـ أمّا القراءة فهي في اللسان عبارة عن فعل القارئ الذي ابتدأه بعد أن كان تاركا له ولا معنى للحادث إلّا أنّه ابتدئ بعد أن لم يكن. فإن كان الخصم لا يفهم هذا من الحادث ، فلنترك لفظ الحادث ، والمخلوق ، ولكن نقول القراءة فعل ابتدأه القارئ بعد أن لم يكن يفعله ، وهو محسوس (غ ، ق ، ١٢٥ ، ٨)

قرامطة

ـ ذكر الحسن بن موسى أنّ الفرقة التي زعمت أنّ محمد بن إسماعيل بن جعفر مات ، وأنّ الإمامة في ولده هم القرامطة في عصرنا هذا ، وكانوا من قبل يسمّون الميمونية لرئيس لهم يقال له عبد الله بن ميمون القداح (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ١٨٢ ، ٧)

قرآن

ـ فالقرآن عند إبراهيم حجّة على نبوة النبي صلى الله عليه (خ ، ن ، ٢٨ ، ٢٢)

ـ إنّ معمّرا كان يزعم أنّ الله هو المكلّم بالقرآن وأنّ القرآن قول الله وكلامه ووحيه وتنزيله لا مكلّم له سواه ولا قائل له غيره ، وأنّ القرآن محدث لم يكن ثم كان (خ ، ن ، ٤٨ ، ٤)

ـ إنّ القرآن في المصاحف مكتوب ، غير أنّ سبيل العلم بذلك السمع (خ ، ن ، ٦٤ ، ٢)

ـ إنّ القرآن مخلوق لله وهو عرض وأبوا أن يكون جسما وزعموا أنّه يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد : إذا تلاه تال فهو يوجد مع تلاوته ، وكذلك إذا كتبه كاتب وجد مع كتابته ، وكذلك إذا حفظه حافظ وجد مع حفظه فهو يوجد في الأماكن بالتلاوة والحفظ والكتابة ولا يجوز عليه الانتقال والزوال ، وهذا قول" أبي الهذيل" وأصحابه ، وكذلك قوله في كلام الخلق إنّه جائز وجوده في أماكن كثيرة في وقت واحد (ش ، ق ، ١٩٢ ، ١)

ـ أصحاب" معمّر" يزعمون أنّ القرآن عرض. والأعراض عندهم قسمان : قسم منها يفعله الأحياء وقسم منها يفعله الأموات ، محال أن يكون ما يفعله الأموات فعلا للأحياء ، والقرآن مفعول وهو عرض ومحال أن يكون الله فعله في الحقيقة لأنّهم يحيلون أن تكون الأعراض فعلا لله ، وزعموا أنّ القرآن فعل للمكان الذي يسمع منه إن سمع من شجرة فهو فعل لها وحيثما سمع فهو فعل للمحلّ الذي حلّ فيه (ش ، ق ، ١٩٢ ، ١٢)

ـ إنّ القرآن كلام الله غير مخلوق ، والكلام في الوقف واللفظ. من قال باللفظ أو بالوقف فهو مبتدع عندهم ، لا يقال اللفظ بالقرآن مخلوق ، ولا يقال غير مخلوق (ش ، ق ، ٢٩٢ ، ٩)

ـ إنّ القرآن كلام الله محدث غير مخلوق ، وأنّ القرآن يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد (ش ، ق ، ٢٩٩ ، ٩)

ـ الذي كان يقول به" أبو الهذيل" إنّ الله عزوجل خلق القرآن في اللوح المحفوظ وهو

١٠٤

عرض ، وأنّ القرآن يوجد في ثلاثة أماكن : في مكان هو محفوظ فيه ، وفي مكان هو مكتوب فيه ، وفي مكان هو فيه متلوّ ومسموع (ش ، ق ، ٥٩٨ ، ١٠)

ـ إنّ القرآن كلام الله غير مخلوق ، وأن من قال بخلق القرآن فهو كافر (ش ، ب ، ٢١ ، ١١)

ـ إن سأل سائل عن الدليل على أنّ القرآن كلام الله غير مخلوق. قيل له : الدليل على ذلك قوله عزوجل : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) (الروم : ٢٥) وأمر الله هو كلامه ، وقوله فلمّا أمرهما بالقيام فقامتا لا يهويان؟ كان قيامهما بأمره ، وقال عزوجل : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) (الأعراف : ٥٤) فالخلق جميع ما خلق داخل فيه ، لأنّ الكلام إذا كان لفظه لفظا عاما فحقيقته أنّه عام ، ولا يجوز لنا أن نزيل الكلام عن حقيقته بغير حجّة ولا برهان. فلمّا قال : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) (الأعراف : ٥٤) كان هذا في جميع الخلق ، ولما قال : (وَالْأَمْرُ) (الأعراف : ٥٤) ذكر أمرا غير جميع الخلق ، فدلّ ما وصفناه على أن أمر الله غير مخلوق (ش ، ب ، ٥١ ، ٣)

ـ تقول الباطنية : إنّ القرآن لم ينزل على رسول الله عليه‌السلام بالأحرف التي نقرؤها ، ولكنّه إلهام ، نزل على قلبه ، ثم هو يصوّره ، ويرسمه ذا الحروف ، ويعبر به ، (ويعربه) بالمعربة التي نقرؤها (م ، ت ، ٢٢٨ ، ٦)

ـ زعمت" المشبهة" : إنّ القرآن لمّا كان كلام الله فهو قديم مع الله غير مخلوق ، كما قالت" النصارى" إنّ المسيح ـ عليه‌السلام ـ لمّا كان كلمة الله كان قديما غير مخلوق (ع ، أ ، ١٧ ، ١٤)

ـ قالت" الموحدة" : هو (القرآن) في الحقيقة كلامه فأحدثه ، إذ لو كان قديما لكان يقول : لم يزل يا موسى إنّي أنا ربك فاخلع نعليك ، وقالت اليهود عزير ابن الله لكان هذا عبثا ، وقد قال الله تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ) (الأنبياء : ٢) (ع ، أ ، ١٧ ، ١٧)

ـ أخبر تعالى أنّ القرآن منه منزل موحى ، وأنّ الرسول يقرؤه ويعلّمه ، فالموحى المنزل المقروء هو كلام الله تعالى القديم وصفة ذاته ، والقراءة له فعل الرسول التي هي صفته. وأيضا قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ) (المائدة : ٦٧) ففعل الرسول البلاغ الذي هو القراءة (ب ، ن ، ٨١ ، ٣)

ـ أمّا تسميته لكلام الله تعالى قرآنا فإنّه ذكر في كتاب الموجز أنّه إنّما يسمّى قرآنا لأجل أنّ العبارة عنه قرن بعضها إلى بعض ، وأنّ الجمع والتفرقة في القراءة لا في الكلام ، وأنّ قوله جلّ وعزّ (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) (القيامة : ١٧) فمعناه" إنّ علينا جمعه في قلبك حفظا وفهما وحفظ قرآنه عليك حتى لا تسهو في تبليغها ولا تزلّ". وقال في موضع آخر إنّ كلام الله تعالى سمّي قرآنا لأنّه يقرأ بالعربية. وكل ذلك ليس على طريق التعليل الجاري المنعكس ، لأنّه ليس كل ما يقرأ بالعربية قرآنا ، ولا كل ما تقرن العبارة عنه بعضها إلى بعض يستحقّ أن يسمّى بذلك (أ ، م ، ٦٣ ، ١٠)

ـ في القرآن وذكر الخلاف فيه : ووجه اتصاله بباب العدل هو ، أنّ القرآن فعل من أفعال الله يصحّ أن يقع على وجه فيقبح ، وعلى وجه آخر فيحسن وباب العدل كلام في أفعاله ، وما يجوز أن يفعله وما لا يجوز. وأيضا ، فإنّه له بما كنّا فيه من قبل اتّصالا شديدا ، فإنّه من أحدى نعم

١٠٥

الله بل من أعظم النعم ، فإليه يرجع الحلال والحرام ، وبه تعرف الشرائع والأحكام ؛ وقد اختلف الناس فيه اختلافا كبيرا. فقد ذهبت الحشوية النوابت من الحنابلة إلى أنّ هذا القرآن المتلو في المحاريب والمكتوب في المصاحف غير مخلوق ولا محدث ، بل قديم مع الله تعالى. وذهبت الكلابية إلى أنّ كلام الله تعالى هو معنى أزليّ قائم بذاته تعالى ، مع أنّه شيء واحد توراة وإنجيل وزبور وفرقان ، وأنّ هذا الذي نسمعه ونتلوه ، حكاية كلام الله تعالى ، وفرّقوا بين الشاهد والغائب ، وما دروا أنّ ذلك يوجب عليهم قدم الحكاية أو حدوث المحكي ، فإنّ الحكاية والمحكي لا بدّ أن يكونا من جنس واحد ، ولا يجوز افتراقهما في قدم ولا حدوث. وقالوا : إنّ كلامنا هو الذي نسمعه ؛ وليس هو بمعنى قائم بذات المتكلّم ككلام الله تعالى ، وإلى هذا المذهب ذهب الأشعريّ ؛ إلّا أنّه لمّا رأى أنّ قوله : أنّ الذي نتلوه في المحاريب ونكتبه في المصاحف حكاية كلام الله تعالى يوجب أن يكون كلامه أيضا محدثا وأصواتا وحروفا ، لأنّ الحكاية يجب أن تكون من جنس المحكي ، قال : إنّ هذا المسموع هو عبارة كلام الله تعالى ؛ ولم يدر أنّ العبارة يجب أن تكون من جنس المعبّر عنه ، إلّا أنّه قد جرى على القياس فقال : الكلام معنى قائم بذات المتكلّم من دون فرق بين الشاهد والغائب ، فلقد أصاب في خطئه هذا (ق ، ش ، ٥٢٧ ، ٢)

ـ أمّا مذهبنا في ذلك (القاضي) ، فهو أنّ القرآن كلام الله تعالى ووحيه ، وهو مخلوق محدث ، أنزله الله على نبيّه ليكون علما ودالّا على نبوّته ، وجعله دلالة لنا على الأحكام لنرجع إليه في الحلال والحرام ، واستوجب منّا بذلك الحمد والشكر والتحميد والتقديس. وإذن هو الذي نسمعه اليوم ونتلوه ، وإن لم يكن محدثا من جهة الله تعالى فهو مضاف إليه على الحقيقة ، كما يضاف ما ننشده اليوم من قصيدة امرئ القيس على الحقيقة ، وإن لم يكن محدثا لها من جهته الآن (ق ، ش ، ٥٢٨ ، ٩)

ـ الذين قالوا : إنّ القرآن قديم مع الله تعالى ، فهو أن نقول لهم : إنّكم قد بلغتم في الجهالة إلى أقصى الغاية ، فإنّ القرآن يتقدّم بعضه على بعض ، وما هذا سبيله لا يجوز أن يكون قديما ، إذ القديم هو ما لا يتقدّمه غيره. يبيّن ذلك أنّ الهمزة في قوله : الحمد لله ، متقدّمة على اللام ، واللام على الحاء ، وذلك مما لا يثبت معه القدم ، وهكذا الحال في جميع القرآن ؛ ولأنّه سور مفصّلة وآيات مقطّعة ، له أول وآخر ، ونصف ، وربع ، وسدس ، وسبع ، وما يكون بهذا الوصف كيف يجوز أن يكون قديما (ق ، ش ، ٥٣١ ، ١١)

ـ إنّ الكلام عندنا من جملة أفعاله كالإرادة ، فلا يصحّ كونه مريدا لنفسه ولا بإرادة قديمة ، بل يتبع كونه مريدا كونه فاعلا. فكذلك الحال في كونه متكلّما لا يصحّ أن يكون للنفس ولا بكلام قديم ، بل يتبع فعله الذي هو الكلام. والمخالفون لنا قد أجروا ذلك على نحو مذهبهم في الإرادة ، ونحن وإن فرّقنا بين كون المريد مريدا وبين كونه متكلّما من حيث لا حال له بكونه متكلّما وله بكونه مريدا حال ، فهما من الوجه الذي ذكرناه متّفقان وإن لم يكن الكلام من هذا الباب معنى ، لو لا أنّ القرآن هو دليل على الأحكام الشرعية ، ولو لم يكن فعلا من أفعاله جلّ وعزّ لما دلّ ، فوجب عند ذلك

١٠٦

أن يبيّن حكمه (ق ، ت ١ ، ٣١٧ ، ٩)

ـ فقد تقدّم وقد أطلق" مشايخنا" كلهم في القرآن أنّه مخلوق ، حتى أنّ في كلام" الجعفرين" ما يقتضي أن الممتنع من إطلاق ذلك يكفر لإيهامه أنّه قديم. وعندنا أنّ الممتنع من إطلاق ذلك لا يكفر ، كما أنّ القائل بمجرّد الرؤية لا يكفر ، فإن ضمّ إلى ذلك تشبيها كفر به ، وكذلك إن أضاف إلى ذلك نفى حدوثه أصلا كفر. ومن قال في القرآن أنّه ليس بمخلوق ونفى حدوثه كلّمناه بما تقدّم. وإن وافق في المعنى فخلافه بعد ذلك لا يخرج عن وجهين. إمّا أن يقول : ليس معنى المخلوق أنّه فعل مقدّرا ، ويقول إنّ ذلك وإن كان كذلك في سائر الأفعال ففي الكلام خاصّة يقتضي الكذب (ق ، ت ١ ، ٣٤٤ ، ٣)

ـ لا خلاف بين جميع أهل العدل في أنّ القرآن مخلوق محدث مفعول ؛ لم يكن ثم كان ، وأنّه غير الله عزوجل ، وأنّه أحدثه بحسب مصالح العباد ، وهو قادر على أمثاله ، وأنّه يوصف بأنّه مخبر به وقائل وآمر وناه من حيث فعله. وكلّهم يقول : إنّه عزوجل متكلّم به (ق ، غ ٧ ، ٣ ، ١٥)

ـ ذهب" هشام بن الحكم" ، ومن تبعه في القرآن ، إلى أنّه صفة لله تعالى لا يجوز أن توصف ؛ لأنّ الصفات لا توصف (ق ، غ ٧ ، ٣ ، ١٩)

ـ ذهب" ابن كلاب" إلى أنّ كلام الله عزوجل غير مخلوق ولا محدث ، وأنّه قديم بقدمه ، وإن لم يصف كلامه بالقدم ولا بالحدوث ؛ لأنّ القديم إنّما يكون قديما بقدم قام به ، ولا يجوز قيام القدم بالصفة ، ولا يقال في القرآن : إنّه غير الله تعالى ، ولا بعضه ، ولا هو هو (ق ، غ ٧ ، ٤ ، ٣)

ـ ارتكب" الأشعري" القول بأنّ القرآن قديم ، وقال : لا يقال فيه هو الله ، ولا غير الله ، ولا هو هو ، ولا غيره (ق ، غ ٧ ، ٤ ، ٥)

ـ حكي عن بعض" الحشويّة" أنّه قال في القرآن : هو الخالق. وفيهم من قال : هو بعضه (ق ، غ ٧ ، ٤ ، ٧)

قد حكي عن بعضهم في القرآن : أنّه جسم. وعن بعضهم : أنّه ليس بجسم ولا عرض (ق ، غ ٧ ، ٤ ، ٩)

ـ منهم من أحال أن يكون القرآن في الحقيقة فعله عزوجل ، ممن يقول بالطبائع. ومنهم من جعله حروفا مؤلّفة. ومنهم من زعم أنّه الحروف ولا نظم فيه. ومنهم من زعم أنّه الحروف والنّظم (ق ، غ ٧ ، ٤ ، ١٣)

ـ لا خلاف بين الصحابة أنّ القرآن فعل الله سبحانه ، وأنّه أظهره على رسوله صلى الله عليه لينبئه به من غيره ، ويدلّ به على نبوّته (ق ، غ ٧ ، ٩١ ، ١٨)

ـ القرآن عنده (معمّر) فعل الجسم الذي حلّ الكلام فيه ، وليس هو فعلا لله تعالى ، ولا صفة له (ب ، ف ، ١٥٢ ، ١٥)

ـ نقول إنّ قولنا القرآن وقولنا كلام الله لفظ مشترك يعبّر به عن خمسة أشياء : فنسمّي الصوت المسموع الملفوظ به قرآنا ونقول إنّه كلام الله تعالى على الحقيقة (ح ، ف ٣ ، ٧ ، ١٣)

ـ سمّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المصحف قرآنا والقرآن كلام الله تعالى بإجماع الأمّة ، فالمصحف كلام الله تعالى حقيقة لا مجازا ، ونسمّي المستقرّ في الصدور قرآنا ، ونقول إنّه كلام الله تعالى (ح ، ف ٣ ، ٨ ، ٤)

١٠٧

ـ إنّ القرآن هو كلام الله تعالى وهو علمه وليس شيئا غير الباري تعالى (ح ، ف ٣ ، ٨ ، ١٦)

ـ قالوا (السمناني وشيوخه) كلّهم إنّ القرآن لم ينزل به قط جبريل على قلب محمد عليه الصلاة والسلام ، وإنّما نزل عليه بشيء آخر هو العبارة عن كلام الله ، وأنّ القرآن ليس عندنا البتّة إلّا على هذا المجاز ، وأنّ الذي نرى في المصاحف ونسمع من القرّاء ونقرأ في الصلاة ونحفظ في الصدور ليس هو القرآن البتّة ، ولا شيء منه كلام الله البتّة ، بل شيء آخر ، وأنّ كلام الله تعالى لا يفارق ذات الله عزوجل (ح ، ف ٤ ، ٢١١ ، ٩)

ـ قال السمناني أيضا إنّ الباقلاني وشيوخه قالوا إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإنّما أطلق القول بأنّ ما أنزل الله هو القرآن وهو كلام الله تعالى إنّما هو على معنى أنّه عبارة عن كلام الله تعالى ، وأنّه يفهم منه أمره ونهيه فقط (ح ، ف ٤ ، ٢١١ ، ٢٢)

ـ أطلق معظم المعتزلة لفظ المخلوق على كلام الله تعالى ، وذهبت الكراميّة إلى أنّ كلام الله قديم ، والقول حادث غير محدث ، والقرآن قول الله ، وليس بكلام الله ؛ وكلام الله عندهم القدرة على الكلام (ج ، ش ، ١٠٦ ، ١١)

ـ إذا قيل : القرآن قديم أو مخلوق؟ قلنا : هو غير مخلوق لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " القرآن كلام الله غير مخلوق". فإن قال : فالحروف قديمة أم لا؟ قلنا : في الجواب ، هذه المسألة لم يذكرها الصحابة ولم يخوضوا فيها ، فالخوض فيها بدعة ، فلا تسألوا عنها (غ ، أ ، ١٠٠ ، ٣)

ـ ما يطلق عليه اسم القرآن وجوده على أربع مراتب : أوّلها : وهي الأصل وجوده قائما بذات الله تعالى يضاهي وجود النار في التنور (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) (النحل : ٦٠) ، ولكن لا بدّ من هذه الأمثلة في تفهيم العجزة ، والقدم وصف خاص لهذا الوجود. والثانية وجوده العلمي في أذهاننا عند التعلّم قبل أن ننطق بلساننا ، ثم وجوده في لساننا بتقطيع أصواتنا ، ثم وجوده في الأوراق بالكتب (غ ، أ ، ١٠٤ ، ٥)

ـ أمّا القرآن فقد يطلق ويراد به المقروء ؛ فإن أريد به ذلك فهو قديم غير مخلوق ، وهو الذي أراده السلف بقولهم : القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق ، أي المقروء بالألسنة. وإن أريد به القراءة التي هي فعل القارئ ، ففعل القارئ لا يسبق وجود القارئ ، وما لا يسبق وجود الحادث ، فهو حادث (غ ، ق ، ١٢٥ ، ١١)

ـ قالت المعتزلة : أجمع المسلمون قبل ظهور هذا الخلاف على أنّ القرآن كلام الله ، واتّفقوا على أنّه سور وآيات وحروف منتظمة وكلمات مجموعة ، وهي مقروءة مسموعة على التحقيق ، ولها مفتتح ومختتم ، وأنّه معجزة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دالّة على صدقه (ش ، ن ، ٣٠٩ ، ١٦)

ـ نقول القول الحق إنّا لا ننكر وجود الكلمات التي لها مفتتح ومختتم ، وهي آيات وأعشار وسور ويسمّى الكل قرآنا ، وما له مبتدأ ومنتهى لا يكون أزليّا وهو من هذا الوجه معجزة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويسمّى ما يقرأ باللسان قرآنا وما يكتب باليد مصحفا (ش ، ن ، ٣١١ ، ٨)

ـ إنّ الأمّة من السلف مجمعة على أنّ القرآن كلام الله ، وهو منتظم من الحروف والأصوات ، ومؤلّف ومجموع من سور وآيات ، ومن ذلك

١٠٨

سمّي قرآنا ، أخذا من قول العرب : " قرأت الناقة لبنها في ضرها" أي جمعته (م ، غ ، ٩٥ ، ١٤)

ـ قال الله : (نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً) (الزمر : ٢٣) ، وأصحابنا يحتجّون بهذه اللفظة على أنّ القرآن ليس بقديم ، لأنّ الحديث ضدّ القديم ، وليس للمخالف أن يقول ليس المراد بقوله أحسن الحديث ما ذكرتم بل المراد أحسن القول وأحسن الكلام لأنّ العرب تسمّي الكلام والقول حديثا ، لأنّا نقول لعمري أنّه هكذا ، ولكنّ العرب ما سمّت القول والكلام حديثا إلّا أنّه مستحدث متجدّد حالا فحالا. ألا ترى إلى قول عمرو لمعاوية قد مللت كل شيء إلّا الحديث ، فقال إنّما يملّ العتيق ، فدلّ ذلك على أنّه فهم معنى تسميتهم الكلام والقول حديثا وفطن لمغزاهم ومقصدهم في هذه التسمية ، وإذا كنّا قد كلّفنا أن نجري على ذاته وصفاته وأفعاله ما أجراه سبحانه في كتابه ونطلق ما أطلقه على سبيل الوضع والكيفيّة التي أطلقها ، وكان قد وصف كلامه بأنّه حديث ، وكان القرآن في عرف اللغة إنّما سمّي حديثا لحدوثه وتجدّده ، فقد ساغ لنا ان نطلق على كلامه أنّه محدث ومتجدّد وهذا هو المقصود (أ ، ش ٢ ، ٥٦٨ ، ٢٢)

ـ القرآن : هو المنزل على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم المكتوب في المصاحف المنقول عنه نقلا متواترا بلا شبهة ، والقرآن عند أهل الحق هو العلم اللدنيّ الإجماليّ الجامع للحقائق كلّها (ج ، ت ، ٢٢٣ ، ٤)

قرآن مخلوق

ـ لو كان القرآن مخلوقا لوجب أن يكون مقولا له : (كُنْ فَيَكُونُ) (النحل : ٤٠) ، ولو كان الله عزوجل قائلا للقول (كُنْ) (النحل : ٤٠) لكان للقول قولا ، وهذا يوجب أحد أمرين : إمّا أن يؤول الأمر إلى أنّ قول الله غير مخلوق. أو يكون كل قول واقع بقول لا إلى غاية ، وذلك محال ، وإذا استحال ذلك صحّ وثبت أنّ لله عزوجل قولا غير مخلوق (ش ، ب ، ٥٢ ، ١٥)

ـ من زعم أنّ القرآن مخلوق فقد جعله قولا للبشر ، وهذا ما أنكره الله على المشركين ، وأيضا فلو لم يكن الله متكلما حتى خلق الخلق ثم تكلّم بعد ذلك ، لكانت الأشياء قد كانت لا عن أمره ، ولا عن قوله ، ولم يكن قائلا لها" كوني" ، وهذا ردّ للقرآن والخروج عمّا عليه جمهور أهل الإسلام (ش ، ب ، ٥٦ ، ٨)

قرآن منزل

ـ الحديد جسم موات ، وليس يجب إذا كان القرآن منزلا ، أن يكون جسما مواتا ، ولذلك لا يجب إذا كان القرآن منزلا أن يكون مخلوقا ، وإن كان الحديد مخلوقا (ش ، ب ، ٨٣ ، ١٢)

قرب

ـ إنّ الله عزوجل يقرب من عباده كيف شاء ، كما قال : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (ق : ١٦) وكما قال : (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) (النجم : ٨ ـ ٩) (ش ، ب ، ٢٦ ، ٢)

ـ لفظ القرب والبعد يطلق على كل جوهرين تقاربا أو تباعدا بمقدار ما ، والمقادير بينهما لا تنحصر في حدّ ، فقيل فعند ذلك تختلف بالنسب والإضافات وهي لا تنحصر (ش ، ن ، ١٧٧ ، ١٨)

١٠٩

قسط

ـ القسط بمعنى العدل فالفعل منه أقسط وهمزته للسلب : أي أزال القسط وهو الجور (ز ، ك ٣ ، ٥٦٤ ، ٢١)

قصد

ـ أجمعت المعتزلة إلّا" الجبّائي" أنّ الإنسان يريد أن يفعل ويقصد إلى أن يفعل ، وأنّ إرادته لأن يفعل لا تكون مع مراده ، ولا تكون إلّا متقدّمة للمراد (ش ، ق ، ٤١٨ ، ٥)

ـ زعم" الجبّائي" أنّ الإنسان إنّما يقصد الفعل في حال كونه ، وأنّ القصد لكون الفعل لا يتقدّم الفعل ، وأنّ الإنسان لا يوصف بأنّه في الحقيقة مريد أن يفعل ، وزعم أنّ إرادة البارئ مع مراده (ش ، ق ، ٤١٨ ، ٨)

ـ زعم" الجبّائي" أنّ الإرادة التي هي قصد للفعل مع الفعل لا قبله (ش ، ق ، ٤١٨ ، ١٦)

ـ أمّا إذا جعل القصد إلى النظر أوّل الواجبات فذلك لا يصحّ لأنّ القصد يقع تبعا للمقصود إليه ، ولا يكون له بنفسه حكم ، فكيف يجعل أوّل الواجبات؟. وتبيّن صحّة ذلك أنّه لو منعه الله تعالى من القصد وعرف وجوب الفعل عليه لوقع منه ولا قصد هناك ، فكيف يجعل أوّل الواجبات وحاله ما ذكرناه؟ (ق ، ت ١ ، ٢١ ، ١٥)

ـ أمّا الأفعال التي يعلم بالعقل وقوعها على وجوه مخصوصة لا يتميّز بعضها عن بعض إلّا بالقصد. فلا شيء من أفعاله جلّ وعزّ إلّا ويمكن تصوير ذلك ، فإنّك تنظر أوّلا في خلقه للمنتفع به وللمنتفع فلا يصير محسنا إليه إلّا بالقصد. وكذلك فيما يخلقه فيه من شهوة القبيح فإنّه إذا خلق فيه الشهوة وتعلّقت بالحسن والقبيح على سواء ، ثم لم يغنه بالحسن عن القبيح ، فلا بدّ من غرض ، وليس ذلك أن يريد منه الانتهاء عن القبيح وفعل الواجب ، لأنّه قد يجوز أن نفعله والغرض به الإغراء ، ويجوز الغرض به التعريض للثواب بالتكليف ، فلا يتميّز أحد الوجهين من الآخر إلّا بما ذكرناه من القصد. وهكذا الحال في سائر ما يخلقه في المكلّف من الأمور التي هي أسباب التكليف. وهكذا ما يفعله من الأعراض التي هي مصالح ، وما يفعله من العقاب وما يفعله من التعظيم والمدح ، وكل ذلك إنّما يصير حكمة وصوابا ومصالح ومفعولة على الوجوه التي يحسن عليها والإرادة لا غير (ق ، ت ١ ، ٢٧١ ، ٢٢)

ـ أمّا القصد فهو إرادة من فعل القاصد والمقصود إليه أيضا فعله ، ولا بدّ من مقارنتها أو أن يجري هذا المجرى ، ولا تعلّق بفعل الغير أصلا ، فلهذا يصحّ في الله تعالى هذا الوصف (ق ، ت ١ ، ٢٩٨ ، ٢٦)

ـ أمّا القصد فهو إرادة فعل الإنسان في حاله أو حال مسبّبه (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥٨ ، ٨)

ـ إنّ القصد لا يحتاج إلى علم ، بل الاعتقاد يقوم مقامه (ق ، غ ٨ ، ٥٧ ، ٢٠)

ـ قد يعلم العاقل ، عند إدراك الشيء ، غيره ، وإن لم يتناوله الإدراك البتّة ؛ وذلك نحو علمه بقصد المشير والمخاطب عندهما. لأنّ القصد لا يدرك ، في الحقيقة ، ولا الاعتقاد والدواعي ؛ وإنّما يدرك خطابه وإشارته ، ويعلم ذلك عندهما. وتحقيق هذا الكلام ، أنه يعلم كونه قاصدا وظانّا. فأما العلم بالقصد نفسه ، فطريقه الاستدلال عنده ؛ وإن كان شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله ، قد جعله مما يعلم باضطرار ، بل

١١٠

حكم بأنّه يدرك. وإنّما اشتبه ذلك عليه ، لمّا رأى الإنسان يعلم ، على وجه ظاهر ، حاله في كونه قاصدا ومعتقدا ، ولم يتهذّب له القول بأنّه يعلم اختصاصه بحال ، فحكم بأنّه مدرك. وما بيّناه في باب الإرادة ، يغني عن إعادته. وقد يعلم العاقل ، عند إدراك الأخبار المخصوصة ، المخبر عنه. فيكون العلم بذلك واقعا عند إدراك غيره. كما أنّ العلم ، بقصد المخاطب واعتقاده ، يقع عند إشارته وتصرّفه وخطابه (ق ، غ ١٢ ، ٦٣ ، ٣)

ـ إنّ الخبر يحصل له عند وجوده وجوه ، في تعلّقه بما يتعلّق به ، فكما لو كان خبرا عن الشيء الواحد لم يحتج إلى قصد واحد ، فكذلك إذا كان خبرا عن أشياء كثيرة ، لأنّه في الحالتين القصد يتناول نفس الخبر ، ويقع به على بعض الوجوه ، ولذلك يصحّ من المخبر أن يخبر عمّا لا نهاية له ، كما (لا) يصحّ أن يخبر عن المتناهي (ق ، غ ١٧ ، ١٩ ، ٢)

ـ إنّ ما به يصير الفعل واقعا على وجه دون وجه يجب أن يكون مقارنا ، أو في حكم المقارن ، حتى يختصّ بذلك الفعل ما يمكن من الاختصاص ، فلذلك أوجبنا في القصد أن يكون مقارنا للعموم على الوجه الذي يحصل عليه ، والذي يمكن في ذلك ، إلى أن يكون مقارنا لأول حرف منه ، على ما بيّناه في الخبر (ق ، غ ١٧ ، ٢٨ ، ٦)

ـ وبعد ، فإنّ نفس القصد يقبح وإن لم يكن مقصودا. فلا يجوز أن يقال بأنّ للقصد تأثيرا في قبح النظر ، أو قبح المعرفة. ولا يمكن أن يقال أنّ هذا القصد يؤثّر في وقوع المعرفة على وجه. ثم هي تقبح لذلك الوجه. كما نقول في القصد المتعلّق بالإخبار بالكلام على وجه الكذب ، أنّه يؤثّر في وقوع الكلام على الوجه الذي يكون كذبا. ثم إذا قبح فإنّما يقبح لوقوعه على ذلك الوجه (ن ، م ، ٣١٦ ، ٩)

ـ إنّ كل فعل ينشئه الفاعل ، وهو عالم به وبإيقاعه على صفة مخصوصة في وقت مخصوص ، فلا بدّ أن يكون قاصدا إلى إيقاعه ؛ ونفى القصد إلى إيقاع فعل ، مع العلم به ، يلزم صاحبه نفي المقصود إلى إيقاع جميع الأفعال (ج ، ش ، ١٠٢ ، ١٠)

ـ القصد مصدر بمعنى الفاعل وهو القاصد ، يقال سبيل قصد وقاصد : أي مستقيم كأنّه يقصد الوجه الذي يؤمّه السالك لا يعدل عنه ، ومعنى قوله (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) (النحل : ٩) أنّ هداية الطريق الموصل إلى الحق واجبة عليه كقوله ـ إنّ علينا للهدى ـ (ز ، ك ٢ ، ٤٠٢ ، ١٦)

قضاء

ـ وقال : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣) ولم يقل : وقضى ربك أن تكفروا به وتعبدوا سواه من الحجارة والنار وغيرهما من المعبودات ، فكان أمره وقضاؤه ومشيئته أن لا يعبدوا غيره بالتخيير من العباد لا من جهة الجبر لهم على تركها (ي ، ر ، ٤٢ ، ١٩)

ـ القضاء : أمر ، كما قال ، سبحانه : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣) يقول : أمر ربّك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه (ي ، ر ، ١٠٢ ، ١٥)

ـ قضاء : خلق ، وذلك قوله : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) (فصلت : ١٢) ، يقول : خلقهنّ في يومين. فأمّا أن يكون يقضي رب العالمين على خلقه بمعصية ، ثم يعذّبهم عليها ،

١١١

فهذا محال باطل من المقال (ي ، ر ، ١٠٢ ، ١٧)

ـ من قضاء الله تعالى الذي هو خلق ما هو حقّ كالطاعات وما لم ينه عنه. ومن قضاء الله تعالى الذي هو خلق ما هو جور كالكفر والمعاصي لأنّ الخلق منه حق ومنه باطل. وأمّا القضاء الذي هو أمر والقضاء الذي هو إعلام وإخبار وكتاب ، فحقّ لأنّه غير المقضيّ (ش ، ل ، ٤٥ ، ١٦)

ـ الكفر قضاء الله تعالى بمعنى أنّه خلق الله ولا نقول قضاء الله باطل لأنّه يوهم أن لا حقيقة لقضاء الله تعالى. وهذا كما نقول الكافر مؤمن بالجبت والطاغوت ولا نقول مؤمن ونسكت لما فيه من الإبهام (ش ، ل ، ٤٦ ، ٨)

ـ خلق الأفعال يثبت القضاء بكونها والقدر لها على ما عليها من حسن وقبح ، ويوجب أن يكون مريدا لها أن تكون خلقا له (م ، ح ، ٣٠٥ ، ١٥)

ـ القضاء في حقيقته الحكم بالشيء والقطع على ما يليق به ، وأحق أن يقطع عليه ، فرجع مرة إلى خلق الأشياء ؛ لأنّه تحقيق كونها على ما هي عليه ، وعلى الأولى بكل شيء أن يكون على ما خلق ؛ إذ الذي خلق الخلق هو الحكيم العليم ، والحكمة هي إصابة الحقيقة لكل شيء ووضعه موضعه ، قال الله تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) (فصلت : ١٢) ، وعلى ذلك يجوز وصف أفعال الخلق أن قضى بهنّ ، أي خلقهن وحكم كقوله : (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) (طه : ٧٢) ، بمعنى أحكم ، ومن ثمة سمي العالم قاضيا بما يردّ كل حق إلى محقّه ويبيّن الذي هو حق ذلك ، وكذا قوله : (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (آل عمران : ٤٧) ، وكذلك يجوز أن يقال : حكم الله أنّ فلانا يفعل كذا في وقت كذا فيكون منه كذا في وقت كذا ، وحق هذا أن يكون حكم بما علم أنّه يكون ، وحكم أيضا بالذي يستحق الفاعل بفعله من ذم أو مدح ، ثواب أو عقاب (م ، ح ، ٣٠٦ ، ١)

ـ إن الرضا بقضائه أن تعلم بأنّ الكفر مضمحل قبيح وأنّه شرّ وفساد وأنّه يوجب مقت صاحبه وتعذيبه إلّا أن يتوب ، فمن لم يرض بهذا فهو كافر ، فيكون على ما جاء به الخبر. على أنّ الكفر والقبح / هو فعل العبد ، ومحال أن يكون هو قضاؤه ، فثبت أن قضاء الله هو ما ذكرت مما عليه حقيقة الفعل (م ، ح ، ٣٠٨ ، ٣)

ـ على أنّ حقيقة الخير في الأمراض والمصائب ، ألّا يرى أنّ التخليد في النار من قضائه عند المعتزلة وكذلك الخذلان والإضلال ونحو ذلك ، فليرضى الكعبي لنفسه ذلك ، وإلّا طلب ربا سواه. والمعتزلة يقولون : ليس لله القضاء بالأمراض والمصائب في الدين ، لا ذنب لهم إلّا بالعوض ، فإذا هم لا يرضون بها حتى يعطوا عليها العوض (م ، ح ، ٣٠٨ ، ١٠)

ـ العبد يجوز عليه التغيير من حال إلى حال ، فلذلك صفته متغيّرة ، وأمّا قضاء الله وقدره فلا يتغير ولا يتبدّل ، والقضاء صفة القاضي ، والمقضي المكتوب في اللوح المحفوظ ، والقضاء صفة الرب غير محدثة ، والمقضى محدث ، والحكم غير محدث والمحكوم به غير محدث ، والمقدور محدث ، وتغيّر المقضى عليه لا يوجب تغيّر القضاء (م ، ف ، ١١ ، ١٥)

ـ فإن قيل : فعلى كم وجه ينقسم القضاء؟ قيل له على وجوه كثيرة ... منها : قضاء يكون بمعنى الخلق ، وذلك قوله تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ

١١٢

سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) (فصلت : ١٢) يعني خلقهنّ ، ويكون القضاء بمعنى التسليط. والخلق ، وهو قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ) (سبأ : ١٤) يعني خلقنا وسلّطنا عليه الموت ، ويكون بمعنى الإخبار والإعلام ، وهو قوله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) (الإسراء : ٤) يعني أعلمناهم وأخبرناهم ، ويكون القضاء بمعنى الأمر ، قال الله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣) ، ويكون القضاء بمعنى الحكم والإلزام ، يقال : قضى القاضي على فلان بكذا ، أي أوجبه عليه وألزمه إيّاه وحكم به عليه ، فإنّ الله تعالى قضى بالمعاصي والكفر ، بمعنى أنّه أراده وخلقه ، وقدّره ، ولا يجوز أن يكون بمعنى أمر به واختاره دينا وشرعا ، ولا مدحه ، ولا يثيب عليه ، ولا فرضه فرضا على أحد ، بمعنى أنّه أوجبه عليه (ب ، ن ، ١٦٦ ، ٧)

ـ كان (الأشعري) يقول في معنى القضاء إنّه يتصرّف على وجوه. منها الإعلام ، كقوله تعالى (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) (الإسراء : ٤) أي" أعلمناهم وأخبرناهم". والقضاء أيضا بمعنى الخلق ، كقوله (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) (فصّلت : ١٢) أي" خلقهنّ". والقضاء أيضا بمعنى الأمر ، كقوله (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣) معناه" أمر ربّك". والقضاء بمعنى الحكم ، كقوله تعالى (وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ) (غافر : ٢٠) أي" يحكم به". والقضاء أيضا بمعنى الأداء ، كقوله تعالى (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ) (الجمعة : ١٠) أي" أدّيت" ، وقضى فلان دينه إذا أدّاه. وقضى أيضا بمعنى الفراغ من الشيء وهو قريب من معنى الأداء ، منه قوله تعالى (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها) (الأحزاب : ٣٧). ومنه قضى فلان نحبه إذا مات فشبّه بمن يفرغ من أمره (أ ، م ، ٩١ ، ٦)

ـ إذا قيل له (للأشعري) " إذا كان الكفر قضاء الله تعالى وقدره فهل تقولون إنّا نرضى بقضاء الله تعالى وقدره؟ فإن قلتم نعم لزمكم الرضا بالكفر ، وإن أبيتم منعتم ما أجمع على إطلاقه" فيقول" إنّا نقسّم الكلام ونقول : إن أردتم أنّا نرضى بأن قضى الله الكفر على معنى أنّه خلقه كفرا لغيره قبيحا منه فلا نأبى ذلك بل هو الواجب. وليس إذا أطلقنا الرضا بلفظ القضاء وجب أن نطلق بلفظ الكفر ، إذ قد يصحّ أن يطلق شيء بلفظ ويمنع من لفظ إذا كان في إطلاقه إيهام للخطأ. ومثال ذلك أنّا نقول إنّ الأعراض دلالات على الله تعالى ثم نقول للحركة منها أنّها بطلت وتلاشت ، ولا نقول إنّ دلالة الله تعالى بطلت وحجّته زالت بلفظ الحجّة ونقول بلفظ الحركة ، لأنّ إطلاق ذلك بلفظ الحركة لا يوهم الخطأ وبلفظ الحجّة يوهمه" (أ ، م ، ٩٨ ، ١٥)

ـ كان (الأشعري) يذهب إلى أنّ القضاء إذا كان بمعنى الخلق وهو عين المقضيّ كما أنّ عين الخلق هو المخلوق ، وإذا كان القضاء بمعنى الإعلام والحكم والأمر فإنّه غير المقضيّ ، والرضا به رضا بهذه المعاني المتعلّقة به لا بعين المقضيّ (أ ، م ، ٩٨ ، ٢٣)

ـ في القضاء والقدر : وجملة القول في ذلك أنّ القضاء قد يذكر ويراد به الفراغ عن الشيء وإتمامه. قال الله تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) (فصلت : ١٢) وقال : (فَلَمَّا قَضى مُوسَى

١١٣

الْأَجَلَ) (القصص : ٢٩) الآية ، وقال أبو ذؤيب : وعليهما مسرودتان قضاهما داود أو صنع التوابع تبع. وقد يذكر ويراد به الإيجاب. قال الله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) (الإسراء : ٢٣) وقد يذكر ويراد به الإعلام والإخبار كقوله : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) (الإسراء : ٤) واستعماله في هذه الوجوه لا يمنع من أن يكون حقيقة في بعضها متعارفا بها في الباقي ، كالإثبات فإنّه حقيقة في الإيجاب ثم قد يذكر بمعنى الخبر عن وجود الشيء ، وقد يذكر بمعنى العلم (ق ، ش ، ٧٧٠ ، ٩)

ـ إنّ ظاهر قوله : (وَإِذا قَضى أَمْراً) (البقرة : ١١٧) لا يدلّ على الخلق ؛ لأنّ القضاء إذا علّق بالشيء قد يتصرّف على وجوه ، فمن أين التعلّق بالظاهر؟. وبعد ، فإنّ حقيقة" الأمر" هو قول القائل لغيره : افعل ، وإنّما يستعمل في سائر الأفعال توسّعا ، فإن تعلّقوا بالظاهر فإنّه يدلّ على أنّه محدث القول الذي هو الأمر ، بأن يقول له : كن ، ولا يدلّ على ما عداه من الحوادث. وبعد ، فإنّ الظاهر يدلّ على أنّه يقول له : كن ، وقد قضاه ، فلا يدلّ على أنّه يصير خالقا بقوله : (كن) وذلك يمنع من تعلّقهم به ، بل يوجب تناقض الكلام ؛ لأنّ أوّله يدلّ على أنّه قد تقدّم قضاؤه له ، وآخره يدلّ على أنّه لا يكون إلّا بعد أمر آخر (ق ، م ١ ، ١٠٦ ، ١٢)

ـ قد قال بعض شيوخنا رحمهم‌الله : إنّ" القضاء" في حقيقة اللغة : هو الفراغ من الشيء وبلوغ آخره ونهايته ، وإذا استعمل ذلك في الخبر فمن حيث يدلّ من حال الفعل على ما ذكرناه ، ولهذا يقال فيما يتمّ ويلزم عند حكم الحاكم : إنّه قضاء ، ويقال في سائر ما خلقه تعالى : " إنّه يقضي به ، من حيث خلقه على تمامه ، فيما تقتضيه المصلحة ، وهذا هو المراد بقوله : (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ) (النمل : ٧٨). ولهذا لا يوصف الخبر بأنّه قضى به إلّا إذا اقتضى في المخبر هذه الفائدة ، فيقال في خبر الحاكم إذا كان ملزما للحق : هو قضاء منه ، ولا يقال في خبر غيره ذلك. فعلى هذا يجب أن لا يقال : إنّه تعالى قضى أعمال العباد في الحقيقة ؛ لأنّه لم يخلقها على تمام ، ويقال في أخباره على أحوالها ذلك ، على جهة التعارف ، لما حقّق ذلك فيها ، ويقال في إلزامه المكلّف الواجبات ذلك ، لما صار في الحكم بهذه الصفة ؛ لأنّ الإلزام آكد من الإخبار ، ولذلك لم يطلق شيوخنا رحمهم‌الله على أفعال العباد إنّها بقضاء الله ، دون التقييد ، لئلّا يوهم الفساد ، وما لا يجوز القول به في الدين (ق ، م ٢ ، ٤٣١ ، ١٦)

ـ قال : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) (الإسراء : ٤). والجواب عن ذلك : أنّا قد بيّنا أنّ القضاء قد يطلق على الإعلام والإخبار ، وهو المراد بهذه الآية. يبيّن ذلك أنّه ذكر الفساد على وجه الاستقبال ، والقضاء على وجه الماضي ، ولو كان المراد له الخلق لما صحّ ذلك ، ولأنّ لفظ" القضاء" إذا عدّي ب" إلى" فظاهره الخبر ، ومتى أريد به الفعل عدّي بغير ذلك ، أو لم يعدّ بحرف. فإذا صحّ ذلك دلّ الظاهر على أنّه تعالى خبر بفسادهم الذي يكون ، ودلّ على ذلك لضرب من المصلحة ، وهذا مما لا ننكره ، وإنّما ندفع القول بأنّه تعالى يقضي الفساد ؛ بمعنى الخلق والإيجاد ،

١١٤

والتقدير والتدبير ، لما في ذلك من ارتفاع الحمد والذمّ وبطلان التكليف ، ولما فيه من وجوب الرضا بالفساد ، أو القول بأنّ في قضائه ما لا يجب الرضا به (ق ، م ٢ ، ٤٥٦ ، ٧)

ـ قالوا : ثم ذكر بعده ما يدلّ على أنّه يقضي أفعال الخلق ، فقال : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) (الإسراء : ٢٣) فإذا صحّ أنّه يقضي الطاعات من فعلهم ، فكذلك المعاصي. والجواب عن ذلك : أنّ المراد بالقضاء قد يختلف إذا أطلق ، وإنّما يعرف المراد بضرب من التقييد أو الدلالة. وقد بيّنا ذلك من قبل. فالمراد بهذه الآية : أنّه ألزمهم ذلك وأمرهم به ، ولذلك خصّ الواجب بالذكر دون غيره ، والكلام في أنّه يقال فيمن ألزم غيره الشيء : إنّه قضاه ، وقضى به عليه ، مشهور ، وقد تقدّم ذكره (ق ، م ٢ ، ٤٦٤ ، ١٠)

ـ القضاء مستعمل على وجوه أحدها الفعل وإتمامه. والفراغ منه وعلى هذا قال تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) (فصلت : ١٢) وقد يكون بمعنى الإلزام كقوله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣). ويستعمل بمعنى الإخبار والإعلام كقوله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ) (الإسراء : ٤) (ق ، ت ١ ، ٤٤٠ ، ٤)

ـ قالوا (المجبرة) وقد قال تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣) ، فبيّن أنّه قضى العبادة ، فيجب أن يكون قد خلقها ، لأنّ القضاء هو بمعنى الخلق ، كقوله تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) (فصلت : ١٢) يعني خلقهنّ (ق ، غ ٨ ، ٣١٤ ، ١٣)

ـ اعلم أنّ القضاء ينصرف على وجوه بمعنى الخلق وبمعنى الإعلام كقوله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ) (الحجر : ٦٦) ، (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) (الإسراء : ٤) ، وبمعنى الإلزام كقوله : وقضى ربّك ألا تعبدوا إلّا إيّاه ، فالمراد بهذه الآية هو الأمر والإلزام دون الخلق ، كما يقول القاضي قضيت على فلان بكذا بمعنى ألزمته : (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ) (النمل : ٧٨) ، هذا هو المراد به ، ولو كان المراد به الخلق لكان كلهم عابدين ، لأنّه قد خلق فيهم العبادة ، ولارتفع الأمر بها والنهي عن خلافها ، ولما صحّ أن نقول (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣) ، كما لا يجوز أن يقال وقضى ربّك أن تسودّوا وتبيّضوا ، ولذلك قرنه بالإحسان إلى الوالدين ، ولو كان تعالى خلق فيهم العبادة لما جاز أن يقضي على بعض أنّه لا يعبد ، وعلى بعض أنّه يعبد ، وإلّا كان ظالما من حيث خلق في بعضهم ضدّ العبادة ليدخلهم النار ، ولوجب إطلاق القول بأنّ قضاء الله باطل وجور وفساد من حيث كان يخلق ذلك ، فلن يقبح الرضا بكل ما قضى وأن يجوز أن ننكر قضاءه ونسخط ونكره ، وأن نردّ على الله تعالى بعض قضائه ، أو أن يجب الرضا بالكفر وأن يلزم قبوله ، وأن جعلوا القضاء غير المقضي فكان عندهم موجبا له ، فقد عاد الحال إلى ما تقدّم ، وإن جاز أن يقضي ما لا يوجد فمن أين أنّ المقضي من خلفه وتقديره ، وهذا جاز على هذا الوجه أن يكون القضاء هو الجبر على ما ذكرناه (ق ، غ ٨ ، ٣١٤ ، ١٤)

ـ متى قال بدلا من ألزمت : قد حكمت عليك ، وقضيت إلى ما شاكل ذلك دلّ على الوجوب ، كدلالة قوله : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣) ، وإنّما يعدل عن ذلك لضرب من الدلالة ؛ لأنّ القضاء إذا علّق بفعل المكلّف

١١٥

اقتضى ذلك ، وإنّما يزول عن هذا الوجه إذا علّق بفعله ، جلّ وعزّ ، وخبره (ق ، غ ١٧ ، ١٠٥ ، ١١)

ـ روي رواية ظاهرة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : " عليّ أقضاكم" ، فنبّه بذلك على أنّه أعلم من غيره ؛ لأنّ القضاء يشتمل على سائر العلوم المتعلّقة بالدين فهو أعمّ من قوله : " زيد أفرضكم ، ومعاذ أعلمكم بالحلال والحرام" وصحّ مع ذلك اختيار غيره عليه (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٢١٠ ، ٩)

ـ قد يوصف القضاء بمعنى الإلزام ، فلا يمتنع أن يجري عليه تعالى من حيث أوجب الأمور بأنّه قضاها وأنّه ماض لها ، وإنّما لا يطلق ذلك إلّا مع البيان لما دخل فيه من التعارف (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ٢٠١ ، ٣)

ـ معنى القضاء في لغة العرب التي بها خاطبنا الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبها نتخاطب ونتفاهم ، مرادنا أنّه الحكم فقط ، ولذلك يقولون القاضي بمعنى الحاكم ، وقضى الله عزوجل بكذا أي حكم به ، ويكون أيضا بمعنى أمر قال تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣) إنّما معناه بلا خلاف أنّه تعالى أمر أن لا تعبدوا إلّا إيّاه ، ويكون أيضا بمعنى أخبر قال الله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) (الحجر : ٦٦) بمعنى أخبرناه أنّ دابرهم مقطوع بالصباح وقال تعالى : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) (الإسراء : ٤) أي أخبرناهم بذلك ، ويكون أيضا بمعنى أراد وهو قريب من معنى حكم قال الله تعالى : (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (آل عمران : ٤٧) ومعنى ذلك حكم بكونه فكوّنه (ح ، ف ٣ ، ٥١ ، ٢٢)

ـ القضاء ما قضيت وأمضى الحكم بذلك (ز ، ك ٢ ، ٥٧٩ ، ١٦)

ـ القضاء : لغة الحكم ، وفي الاصطلاح عبارة عن الحكم الكلّي الإلهيّ في أعيان الموجودات على ما هي عليه من الأحوال الجارية في الأزل إلى الأبد ، وفي اصطلاح الفقهاء القضاء تسليم مثل الواجب بالسبب (ج ، ت ، ٢٢٦ ، ٩)

قضاء الله

ـ إنّا نقول : لمّا كان عند حصول القدرة والداعية يجب الفعل ، وعند انتفائهما أو انتفاء أحدهما يمتنع ، وجب أن يكون الكل بقضاء الله تعالى ، وهذا مما لا سبيل إلى دفعه (ف ، أ ، ٦٣ ، ١٢)

ـ إنّ القائل : " رضيت بقضاء الله تعالى" ، لا يعني به رضاه بصفة من صفات الله تعالى ، إنّما يريد به رضاه بما يقتضي تلك الصفة ، وهو المقضيّ (ط ، م ، ٣٣٥ ، ٥)

قضاء وقدر

ـ ألم تر إلى قوله : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (النمل : ٦٤) ، فافهم أيها الأمير ما أقوله ، فإنّ ما نهى الله فليس منه ، لأنّه لا يرضى ما يسخط هو من العباد ، فإنّه تعالى يقول : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) (الزمر : ٧) فلو كان الكفر من قضائه وقدره لرضي ممن عمله ، وقال تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣) ، وقال تعالى : (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) (الأعلى : ٣) ، ولم يقل قدّر فأضلّ ، لقد أحكم الله آياته وسنّة نبيه فقال : (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) (سبأ : ٥٠) ، وقال

١١٦

تعالى : (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (طه : ٥٠) ، ولم يقل : أضلّ ، وقال : (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى) (الليل : ١٢) ، ولم يقل : علينا إلّا ضلال ، ولا يجوز أن ينهي العباد عن شيء في العلانية ويقدّره عليهم في السر. ربنا أكرم من ذلك وأرحم ، فلو كان الأمر كما يقول الجاهلون ما كان يقول تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (فصلت : ٤٠) ، ولقال : اعملوا ما قدرت عليكم ، ولو كان الأمر كما قال المخطئون لما كان لمتقدّم حمد فيما عمل ولا على متأخر لوم ، ولقال : جزاء بما عمل بهم ، ولم يقل : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (الواقعة : ٢٤) (ب ، ق ، ١١٨ ، ١٥)

ـ إنّ الخير والشرّ بقضاء الله وقدره. وإنّا نؤمن بقضاء الله وقدره ، خيره وشرّه ، حلوه ومرّه. ونعلم أنّ ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا ، وأنّ ما أصابنا لم يكن ليخطئنا ، وأن العباد لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا إلّا ما شاء الله كما قال عزوجل : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ) (الأعراف : ١٨٨). وأنّا نلجأ في أمورنا إلى الله ، ونثبت الحاجة والفقر في كل وقت إليه (ش ، ب ، ٢١ ، ٤)

ـ الأصل في القضاء والقدر والتخليق والإرادة أن لا عذر لأحد بذلك لأوجه ثلاثة : أحدهما أنّ الله تعالى قضى وخلق ، وما ذكر لمّا علم ، إنّ ذلك يختار ويؤثّر ، وبما أراد وخلق وقضى يصلون إليه ويبلغون ما أثروه ، فلم يكن لهم الاحتجاج بما هو آثر الأشياء عندهم وأخيرها ، على ما لم يكن لهم ذلك بالعلم والكتاب والإخبار إذ كانت بالتي يكون منهم مختارين مؤثرين ، وبالله نستعين. والثاني إنّ جميع ما كان لم / يحملهم على ما هو فعلوه ، لم يدفعهم إليه ، ولا اضطرّهم بل هم على ما هم عليه ، لو لم يكن شيء من ذلك ، ويتوهم كونهم بلا ما ذكرت ، وقد مكّنوا أيضا من مضادات ما عملوا ، فما ذلك إذ لم يضطرهم ولم يحوّل عنهم حقيقة بما علم كل منهم إنّه مختار مؤثر فاعل ممكّن من التّرك ، لا كخلق سائر الجواهر والأعراض والأوقات والأمكنة التي فيها تقع الأفعال ، وإن لم يحتمل كون شيء من ذلك عذرا لهم أو حجة لم يكن ما نحن فيه حجة أو عذرا ، والله الموفق. والثالث إنه لم يخطر شيء من ذلك ببالهم ولا كانوا عند أنفسهم وقت الفعل إنّهم يفعلون لشيء من ذلك ، فالاحتجاج لما ليس لذلك الفعل عند المحتج باطل ، وكذلك العذر بما لم يكن عند نفسه بالذي يفعل لكان ذلك باطل مضمحل (م ، ح ، ٣٠٩ ، ١)

ـ أمّا القدر فقد يذكر ويراد به البيان ، قال الله تعالى : (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ) (النمل : ٥٧) ، وقال الشاعر : واعلم بأنّ ذا الجلال قد قدّر في الصحف الأولى التي كان سطر. أمرك هذا فاجتنب منه التبر. وإذ قد عرفت ذلك ، وسألك سائل عن أفعال العباد أهي بقضاء الله تعالى وقدره أم لا؟ كان الواجب في الجواب عنه أن تقول ، إن أردت بالقضاء والقدر الخلق فمعاذ الله من ذلك ، وكيف تكون أفعال العباد مخلوقة لله تعالى وهي موقوفة على قصورهم ودواعيهم ، إن شاءوا فعلوها وإن كرهوا تركوها؟ فلو جاز والحال هذه أن تكون أفعال العباد من جهتهم لجاز في أفعال الله تعالى ذلك ، فإنّ بهذه الطريقة يعرف أنّ الفعل فعل لفاعله. وبعد ، فلو كانت مخلوقة لله تعالى لما استحقّ العباد عليها المدح والذمّ والثواب والعقاب. وأيضا ، فلو كانت أفعال

١١٧

العباد كلها بقضاء الله تعالى وقدره للزم الرضا بها أجمع وفيها الكفر والإلحاد ، والرضى بالكفر كفر (ق ، ش ، ٧٧١ ، ٣)

ـ روي في حديث الأصبغ ابن نباته أنّ عليّا عليه‌السلام قال وقد قال له شيخ : ما أرى لي من الأجر شيئا إن كان ذلك بقضاء ، وقدر ، فقال لعلّك ظننت قضاء لازما وقدرا حتما ، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي ، ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء ، ولا المسيء بالذمّ من المحسن ، تلك مقالة عبدة الأوثان وجنود الشيطان وشهود الزور ، وهم قدريّة هذه الأمّة ومجوسها (ق ، غ ٨ ، ٣٢٩ ، ١٥)

ـ معنى قضى وقدّر حكم ورتّب ، ومعنى القضاء والقدر حكم الله تعالى في شيء بحمده أو ذمّه وبكونه وترتيبه على صفة كذا وإلى وقت كذا فقط (ح ، ف ٣ ، ٥٢ ، ١٢)

ـ المختار عندنا أنّ عند حصول القدرة والداعية المخصوصة يجب الفعل ، وعلى هذا التقدير يكون العبد فاعلا على سبيل الحقيقة ، ومع ذلك فتكون الأفعال بأسرها واقعة بقضاء الله تعالى وقدره. والدليل عليه أنّ القدرة الصالحة للفعل إمّا أن تكون صالحة للترك أو لا تكون ، فإن لم تصلح للترك كان خالق تلك القدرة خالقا لصفة موجبة لذلك الفعل ، ولا نريد بوقوعه بقضاء الله إلّا هذا. وأمّا إن كانت القدرة صالحة للفعل وللترك ، فإمّا أن يتوقّف رجحان أحد الطرفين على الآخر على مرجّح أو لا يتوقّف ، فإن توقّف على مرجّح ، فذلك المرجّح إمّا أن يكون من الله أو من العبد أو يحدث لا بمؤثّر. فإن كان الأوّل فعند حصول تلك الداعية يجب الفعل ، وعند عدمه يمتنع الفعل وهو المطلوب ، وإن كان من العبد عاد التقسيم الأول ، ويحتاج خلق تلك الداعية إلى داعية أخرى ، ولزم التسلسل. وأمّا إن حدثت تلك الداعية لا بمحدث أو نقول إنّه ترجّح أحد الجانبين على الآخر لا لمرجّح أصلا ، كان هذا قولا باستغناء المحدث عن المحدث استغناء الممكن عن المؤثّر ، وذلك يوجب نفي الصانع (ف ، أ ، ٦١ ، ٧)

ـ إذا قلنا بأنّ المؤثّر في الفعل مجموع القدرة والداعي ، مع أنّ هذا المجموع حصل بخلق الله تعالى ، فقد قلنا بأنّ الكل بقضاء الله تعالى وقدره فهذا هو المختار (ف ، أ ، ٦٢ ، ١٤)

ـ قام شيخ إلى عليّ عليه‌السلام فقال : أخبرنا عن مسيرنا إلى الشام أكان بقضاء الله وقدره ، فقال والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ما وطئنا موطئا ولا هبطنا واديا إلّا بقضاء الله وقدره ، فقال الشيء فعند الله أحتسب عناي ما أرى لي من الأجر شيئا ، فقال مه أيها الشيخ لقد عظّم الله أجركم في مسيركم وأنتم سائرون ، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليها مضطرّين. فقال الشيخ وكيف والقضاء والقدر ساقانا ، فقال ويحك لعلّك ظننت قضاء لازما وقدرا حتما ، لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب والوعد والوعيد والأمر والنهي ، ولم تأت لائمة من الله لمذنب ولا محمدة لمحسن ، ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء ، ولا المسيء أولى بالذمّ من المحسن ، تلك مقالة عبّاد الأوثان وجنود الشيطان وشهود الزور وأهل العمى عن الصواب ، وهم قدريّة هذه الأمّة ومجوسها. إنّ الله سبحانه أمر تخييرا ونهى تحذيرا وكلّف يسيرا ولم يعص مغلوبا

١١٨

ولم يطع مكرها ، ولم يرسل الرسل إلى خلقه عبثا ولم يخلق السموات والأرض وما بينهما باطلا ، ذلك ظنّ الذين كفروا ، فويل للذين كفروا من النار. فقال الشيخ فما القضاء والقدر اللذان ما سرنا إلّا بهما ، فقال هو الأمر من الله والحكم ، ثم تلا قوله سبحانه وقضى ربّك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه فنهض الشيخ مسرورا وهو يقول : أنت الإمام الذي نرجو بطاعته يوم النشور من الرحمن رضوانا أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا جزاك ربّك عنّا فيه إحسانا. ذكر ذلك أبو الحسين في بيان أنّ القضاء والقدر قد يكون بمعنى الحكم والأمر وأنّه من الألفاظ المشتركة (أ ، ش ٤ ، ٢٧٧ ، ٢٧)

قضى

ـ اعلم ـ علمك الله الخير ـ أنّ أبا موسى كان يزعم أنّ من قال : إنّ الله يرى بالأبصار ، على أي وجه قاله فمشبه لله بخلقه ، والمشبّه عنده كافر بالله. فكذلك من وصف الله بأنّه يقضي المعاصي على عباده ويقدّرها فمسفّه لله في فعله والمسفّه لله كافر به ، والشاك في قول المشبه والمجبر فلا يدري أحق قوله أم باطل؟ كافر بالله أيضا ، لأنّه شاكّ في الله لا يدري أم شبه هو لخلقه أم ليس بمشبه لهم ، أسفيه هو فعله أم ليس بسفيه؟ وكذلك الشاك في الشاك أبدا ، إذا كان شكه إنّما كان في نفس التشبيه والإجبال أحق هما أم باطل؟ هذا قول أبي موسى المعروف؟ (خ ، ن ، ٥٥ ، ٢)

ـ الجماعة التي قالت : " الصدقة تدفع القضاء المبرم" فلقولها تأويل وهو أنّ من منع زكاة ماله فقضى الله عليه أنّه فاجر فاسق من أهل الوعيد ، فإذا تصدّق بها وأخرجها أزال الله عنه ذلك القضاء وقضى له بقضاء غيره وهو أنّه يرتقي من أهل الوعد في الجنّة (خ ، ن ، ٩٥ ، ٤)

ـ قول الله ، عزوجل : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ) (الإسراء : ٤) أي تختارون اسم الفساد ، كما قال : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ) (الحجر : ٦٦) ، أي يقول : أعلمناه (ي ، ر ، ١٠٢ ، ١٢)

ـ إن قال قائل : فهل قضى الله تعالى المعاصي وقدّرها ، قيل له : نعم بأن خلقها وبأن كتبها وأخبر عن كونها كما قال (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ) (الإسراء : ٤) يعني أخبرناهم وأعلمناهم وكما قال (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ) (النمل : ٥٧) يريد كتبناها وأخبرنا أنها من الغابرين. ولا نقول قضاها وقدّرها بأن أمر بها (ش ، ل ، ٤٥ ، ١١)

ـ إن قال قائل : أفترضون بقضاء الله وقدره الكفر ، قيل له : نرضى بأن قضى الله تعالى الكفر قبيحا وقدّره فاسدا ، ولا نرضى بأن كان الكافر به كافرا ، لأنّ الله تعالى نهانا عن ذلك ، وليس إذا أطلقنا الرضى بلفظ القضاء وجب أن نطلقه بلفظ الكفر (ش ، ل ، ٤٦ ، ١٥)

ـ قيل : " وإذا قضى أمرا" ؛ يعني رضي بإهلاك قوم ، واستئصالهم" فإنّما يقول له : كن فيكون (م ، ت ، ٢٦٨ ، ١)

ـ قضى أي أعلم وأخبر كقوله : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) (الإسراء : ٤) ، وعلى هذا الوجه أيضا يجوز ثناؤه ، ولا تمانع في جواز ذلك (م ، ح ، ٣٠٦ ، ١٢)

ـ قضى قد يكون أمر كقوله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣) ، وقوله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً) (الأحزاب : ٣٦) ، وهذا لا يجوز أن

١١٩

يضاف إلى الله إلّا في الخيرات (م ، ح ، ٣٠٦ ، ١٤)

ـ قد يكون في معنى" فرغ" ، كقوله : (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ) (القصص : ٢٩) ، لكن هذا النوع لا يجوز أن يضاف إلى الله لإضافة الشغل له بشيء أو فراغ له منه إلّا على مجاز اللغة في تحقيق انقضاء ما خلق (م ، ح ، ٣٠٦ ، ١٧)

ـ فإن قيل : أتقولون أنّ الله تعالى قضى المعاصي وقدّرها ، كما أنّه خلقها ، قلنا له : أجل : ذلك بمعنى أنّه خلقه وأوجده على حسب قصده وإرادته ، ولا نقول إنّه قضاه بمعنى أنّه أمر به ، ولا رضيه دينا وشرعا ، وأنّه يمدحه ويثيب عليه (ب ، ن ، ١٦٦ ، ٣)

ـ أمّا معنى وصفنا له بأنّه قضى ويقضي وقاض فعلى وجوه ، أحدها أن يكون بمعنى الخلق ، كقوله عزوجل (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) (فصّلت : ١٢) أي" خلقهنّ". ويكون بمعنى الإعلام ، كما قال تعالى (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ) (الإسراء : ٤) أي" أعلمناهم". ويكون بمعنى الحكم ، كما قال تعالى (وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ) (غافر : ٢٠) أي" يحكم به". ويكون بمعنى الأمر ، كما قال تعالى (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣) أي" أمر ربّك" (أ ، م ، ٤٨ ، ٢١)

ـ قال : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (البقرة : ١١٧) يعني : مخترعهما لا على مثال سبق ، فإذا قضى أمرا فإنما يقول له : كن ، فيكون ، يعني : أنّه يكون من دون تراخ ومعاناة ومشقّة ، وأنّه في حدوثه بأيسر مدّة بمنزلة قول القائل : (كن) ، ولو لا أنّ الأمر كذلك لما صحّ منه أن يفعل ما يقدر عليه إلّا ب (كن) ؛ لأنّه لا يجوز أن يحتاج هو في أفعاله إلى أمر يستغني عنه (ق ، م ١ ، ١٠٨ ، ٣)

ـ فأمّا قوله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ) (الحجر : ٦٦) فالمراد به الإعلام والإخبار ، ولذلك قال بعده : (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) (الحجر : ٦٦) ولا يليق ذلك إلّا بأن يكون المراد بما تقدّم : الإخبار دون الإيجاد (ق ، م ٢ ، ٤٣١ ، ١٢)

ـ (لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) (إبراهيم : ٢٢) لما قطع الأمر وفرغ منه ، وهو الحساب وتصادر الفريقين ودخول أحدهما الجنة ودخول الآخر النار (ز ، ك ٢ ، ٣٧٤ ، ٦)

ـ (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) (الإسراء : ٤) وأوحينا إليهم وحيا مقضيّا : أي مقطوعا مبتوتا بأنّهم يفسدون في الأرض لا محالة (ز ، ك ٢ ، ٤٣٨ ، ١٨)

ـ (وَقَضى رَبُّكَ) (الإسراء : ٢٣) وأمر أمرا مقطوعا به (ز ، ك ٢ ، ٤٤٤ ، ١٠)

ـ قضى أوفى الأجلين : أي سبق في قضائي وقدري أن أكلّمك وأستنبئك في وقت بعينه وقد وقّته لذلك فما جئت إلّا على ذلك القدر غير مستقدم ولا مستأخر. وقيل على مقدار من الزمان يوحي فيه إلى الأنبياء وهو رأس أربعين سنة (ز ، ك ٢ ، ٥٣٧ ، ٢٢)

ـ قضى لكم وقسّم ، لأنّ قضاياه وقسمه موصوفة بالنزول من السماء حيث كتب في اللوح كل كائن يكون (ز ، ك ٣ ، ٣٨٨ ، ١٢)

قطع

ـ إبراهيم (النظّام) يثبت لكل قطع أولا ابتدئ منه لا أوّل قبله (خ ، ن ، ٣٤ ، ١)

١٢٠