درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ١

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني

درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ١

المؤلف:

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني


المحقق: د. طلعت صلاح الفرحات / د. محمّد أديب شكور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر ناشرون وموزعون
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9957-07-514-9

الصفحات: ٨٣٢
الجزء ١ الجزء ٢

أفزعكم بكائي؟ فقال : نعم يا رسول الله ، فقال : إنّ القبر الذي رأيتموني أناجيه قبر آمنة بنت وهب وإنّي استأذنت ربّي في الاستغفار لها فلم يأذن لي ، وأنزل عليّ : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ [وَالَّذِينَ آمَنُوا (١)] أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) ، الآية ، فأخذني ما يأخذ الولد للوالدين من الرّقّة (٢). قال الأمير : ويمكن الجمع بين الرّوايتين : كان يستغفر لأبي طالب سنين حتى زار قبر أمّه (٣) يومئذ فأنزل الله الآية فانتهى عن استغفارهما.

قال ابن عبّاس : كانوا يستغفرون لهم حتى نزلت الآية فلمّا نزلت أمسكوا عن الاستغفار للأموات ولم ينههم عن الاستغفار للأحياء حتى يموتوا ثمّ أنزل (٤) : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ) ، الآية ، استغفر له ما كان حيّا فلمّا مات أمسك عن الاستغفار له (٥).

١١٤ ـ (الأوّاه) : كثير التّأوّه خوفا من الله عزوجل ، عن الأزهريّ (٦). وقال أبو عبيدة (٧) : الأوّاه : المتأوّه شفقا وفرقا ويقينا ولزوما للطّاعة. ويحتمل أنّه كان يتأوّه على هلاك قومه وكفرهم بالله ويتحلّم عنهم ولا يخاشنهم ولا يزيد على التّأوّه ؛ لأنّه لم يكن مأمورا بالقتال.

١١٥ ـ (لِيُضِلَّ) : الإضلال ههنا لومه وتخطئته وتضليله ومؤاخذته إيّاهم بما لا علم لهم به. ثمّ اختلفوا فقيل : نزلت الآية في مؤاخذة الله إيّاهم للعمل بالأحكام المنسوخة قبل العلم بالنّسخ كالصّلاة إلى بيت المقدس وشرب الخمر (٨) ، وقيل : نزلت في مؤاخذة الله إيّاهم (٩) بالاستغفار للمشركين قبل بيانه (١٠) أنّه لا يجوز.

وإنّما وصف بالعلم ؛ لأنّ (١١) هذا الحكم المذكور من قضية علمه وحكمته.

١١٦ ـ وإنّما وصف نفسه بأنّ (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ليبيّن جواز تصرّفاته (١٥٠ ظ) في مملكته من النّسخ والإضلال والمغفرة والعذاب وغير ذلك (١٢).

__________________

(١) مكانها في ك وبعدها في ع : معه ، وهي مقحمة.

(٢) ينظر : تاريخ المدينة المنورة ١ / ١١٨ ـ ١١٩ ، والمستدرك ٢ / ٣٣٧ ، وأسباب نزول الآيات ١٧٨.

(٣) في ك : قبره ، بدل (قبر أمه).

(٤) الآية التي بعدها.

(٥) ينظر : تفسير الطبري ١١ / ٥٩.

(٦) ينظر : لسان العرب ١٣ / ٤٧٢ (أوه).

(٧) ينظر : مجاز القرآن ١ / ٢٤٧.

(٨) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٤٥٣ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ٢٦٣ ، وتفسير البغوي ٢ / ٣٣٣.

(٩) (بالأحكام المنسوخة ... إياهم) ليس في ب.

(١٠) ساقطة من ك. وينظر : تفسير مجاهد ١ / ٢٨٨ ، والطبري ١١ / ٧٣ ، والبغوي ٢ / ٣٣٢.

(١١) النسخ الثلاث : لا.

(١٢) ينظر : فتح القدير ٢ / ٤١٢ ـ ٤١٣.

٨٠١

١١٧ ـ (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ) : وهو قوله : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) [التّوبة : ٤٣](١). والتّوبة على المهاجرين والأنصار عفوه عنهم زلّاتهم من التّخلّف وغير ذلك.

(فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) : وقت الضّيق والشّدّة ، كان الأمر قد بلغ إلى [أن](٢) نحر بعضهم ناقته فعصر أكراشها وشرب عصارتها. وعن مقاتل أنّ التّمرة كانت فيهم بين الاثنين والثّلاثة ، يلوك هذا ثمّ يعطي هذا (٣). وعن الحسن أنّهم كانوا يعتقبون على رواحلهم ، وزادهم شيء من دقيق (٤) الشّعير وإهالة (٥) منتنة. وعن عمر قال : أصابنا عطش شديد فدعا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمطر الله السّماء فعشنا بذلك (٦).

(كادَ يَزِيغُ (٧) قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) : لشدّة الابتلاء وقلّة الصّبر وكثرة الوسواس (٨).

١١٨ ـ (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) : أي : خلّفهم الله بتقديره ، أو الشّيطان بغروره ، أو أموالهم وأهلوهم بفتنتها. ويحتمل تخليف (٩) رسول الله إيّاهم عن مجلسه وحضرته ومهاجرته إيّاهم لخمسين (١٠) صباحا.

(بِما رَحُبَتْ) : أي : برحبها وسعتها (١١).

(وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ) : أي : صدورهم وقلوبهم (١٢). وضيق النّفس : أن تمتلئ بالحزن والهمّ حتى (١٣) تختنق فلا تسع شيئا.

(وَظَنُّوا) : أيقنوا (١٤). وإنّما استثنى الملجأ إليه للتّنبيه على رحمته ورأفته بعد ابتلائه ومحنته (١٥).

__________________

(١) ينظر : الوجيز ١ / ٤٨٥ ، وتفسير البغوي ٢ / ٣٣٣ ، وزاد المسير ٣ / ٣٤٧.

(٢) من ع.

(٣) (ثم يعطي هذا) ساقطة من ب.

(٤) في ع : دويق ، وفي ب : دونق.

(٥) شحم مذاب ، ينظر : لسان العرب ١١ / ٣٢ ، ومجمع البحرين ١ / ١٢٨ (أهل).

(٦) ينظر : تفسير الطبري ١١ / ٧٥ ـ ٧٦ ، والبغوي ٢ / ٣٣٣ ، وزاد المسير ٣ / ٣٤٧ ـ ٣٤٨.

(٧) في ع وب : تزيغ.

(٨) ينظر : زاد المسير ٣ / ٣٤٨ ، وتفسير القرطبي ٨ / ٢٨٠ ـ ٢٨١.

(٩) في ب : تخلف.

(١٠) في ع وب : بخمسين.

(١١) ينظر : تفسير غريب القرآن ١٩٣ ، والكشاف ٢ / ٣١٨ ، وزاد المسير ٣ / ٣٤٨.

(١٢) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ٣١٧ ، والكشاف ٢ / ٣١٨ ، وتفسير القرطبي ٨ / ٢٨٧.

(١٣) في ك : سمى.

(١٤) ينظر : تفسير غريب القرآن ١٩٣ ، وتفسير الطبري ١١ / ٧٧ ، والبغوي ٢ / ٣٣٧.

(١٥) في ك : ومحبته ، وهو تصحيف.

٨٠٢

وفي الآية دلالة أنّ توبة الله عليه توبة العبد.

عن (١) كعب بن مالك قال : لم أتخلّف عن رسول الله في (٢) غزوة غزاها حتى كانت غزوة تبوك إلّا بدرا ، ولم يعاتب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحدا تخلّف عن بدر ، إنّما خرج يريد العير فالتقوا عن غير موعد كما قال الله تعالى ، ولعمري إنّ أشرف مشاهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في النّاس لبدر ، وما أحب أنّي كنت شهدتها مكان بيعتي ليلة العقبة حيث تواثقنا على الإسلام ، ثمّ لم أتخلّف عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد (٣) في غزاة غزاها حتى كانت غزوة تبوك ، وهي آخر غزوة غزاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وآذن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم النّاس بالرّحيل وأراد أن يتأهّبوا أهبة غزوهم وذلك حين طاب الظّلال وطابت الثّمار ، وكان قلّ ما أراد غزوة إلّا ورّى بغيرها وكان يقول : الحرب خدعة ، فأراد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم غزوة تبوك أن يتأهّب النّاس (٤) أهبتهم ، وأنا أسير ما كنت قد جمعت راحلتين ، وأنا أقدر شيء في نفسي على الجهاد وخفّة الحاذ (٥) ، وأنا في ذلك أصغو إلى الظّلال وطيب الثّمار ، فلم أزل كذلك حتى قام النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم غاديا بالغداة وذلك يوم الخميس فأصبح غاديا ، قلت : أنطلق إلى السّوق وأشتري جهازي ثمّ ألحق بهم ، فانطلقت إلى السّوق بالغد فعسر عليّ بعض شأني فرجعت ، فقلت : أرجع غدا (٦) إن شاء الله فألحق بهم ، فعسر عليّ بعض شأني أيضا ، فلم أزل كذلك حتى التبس بي الذّنب تخلّفت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجعلت أمشي في الأسواق وأطوف بالمدينة يحزنني أن لا أرى [إلا](٧) رجلا مغموصا عليه في النّفاق ، وكان ليس أحد (٨) تخلّف إلا رأى أنّ ذلك سيخفى (٩) وكان النّاس كثيرا (١٠) لا يجمعهم ديوان ، وكان جميع (١٥١ و) من تخلّف عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بضعة وثمانين رجلا ، ولم يذكرني صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى بلغ تبوك ، قال : ما فعل كعب بن مالك؟ فقال رجل من قومي : خلّفه يا نبيّ الله برداه والنّظر في عطفيه ، فقال معاذ : بئس ما قال والله يا نبيّ الله لا نعلم إلّا خيرا ، قال : فبينا (١١) هم كذلك إذا هم برجل يزول به السّراب ، فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كن

__________________

(١) في الأصل وك وب : وعن.

(٢) في ك : عن.

(٣) ساقطة من ب ، وبعدها : غزاه ، بدل (غزاها).

(٤) ساقطة من ع.

(٥) في ك : الحاد ، وفي ب : الخاذ.

(٦) مكررة في الأصل.

(٧) يقتضيها السياق.

(٨) ساقطة من ع ، وكذا قوله : (إلا رأى) الآتي قريبا.

(٩) في الأصل : سنخفى.

(١٠) في ك : كثير ، وهو خطأ.

(١١) في ك : فبينما.

٨٠٣

أبا خيثمة ، فإذا هو أبو خيثمة (١). فلمّا قضى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم غزوة تبوك وقفل (٢) ودنا من المدينة جعلت أتذكّر بماذا أخرج من سخطة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأستعين على ذلك كلّ ذي رأي من أهلي ، حتى إذا قيل (٣) : النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مصبّحكم بالغداة ، زاح عنّي الباطل وعرفت أن لا أنجو إلّا بالصّدق. ودخل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ضحى وصلّى في المسجد ركعتين ، وكان إذا جاء من سفر فعل ذلك ، دخل المسجد فصلّى ركعتين ، ثمّ جلس فجعل يأتيه من تخلّف فيحلفون له ويعتذرون إليه ، فيستغفر لهم ويقبل علانيتهم ويكل سرّ أبدانهم إلى الله تعالى ، فدخلت المسجد فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالس ، فلمّا رآني تبسّم تبسّم (٤) المغضب فجلست بين يديه ، فقال : ألم تكن (٥) اتبعت ظهرك؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال : فما خلّفك؟ قلت : والله لو بين يدي أحد من النّاس غيرك جلست لخرجت من سخطه عليّ بغير عذر لقد أوتيت جدلا ولكن قد علمت يا نبيّ الله أنّي إن أخبرك اليوم بقول تجد عليّ فيه وهو حقّ فإنّي أرجو فيه عقبى الله وإن حدّثتك اليوم حديثا ترضى عني (٦) فيه وهو كذب أوشك الله أن يطلعك عليّ والله يا نبيّ الله ما كنت قطّ أيسر ولا أخفّ حادّا منّي حين تخلّفت عنك ، فقال : أمّا هذا فقد صدقكم الحديث قم حتى يقضي الله فيك ، فقمت ، فثار على أثري ناس من قومي يؤنّبونني ، فقالوا : والله ما نعلمك أذنبت ذنبا قبل هذا فهلّا اعتذرت إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعذر يرضى عنك فيه ، وكان استغفار النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم سيأتي من وراء ذنبك ولم تقف نفسك موقفا لا تدري ما ذا يقضي الله لك فيه ، فلم يزالوا يؤنّبونني حتى هممت أن أرجع فأكذّب (٧) نفسي ، فقلت : هل قال هذا القول أحد غيري؟ قالوا : نعم هلال بن أميّة ومرارة بن ربيعة ، ذكروا رجلين صالحين قد شهدا بدرا لي (٨) فيهما أسوة حسنة ، فقلت : والله لا أرجع إليه في هذا أبدا ولا أكذّب نفسي. قال : ونهى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم النّاس عن كلامنا أيّها الثّلاثة ، قال : فجعلت أخرج إلى السّوق فلا يكلّمني أحد ، وتنكّر لنا النّاس حتى ما هم بالذين نعرف ، وتنكّرت لنا الحيطان (٩) حتى ما هي بالحيطان التي نعرف ، وتنكّرت لنا الأرض حتى ما هي

__________________

(١) (فإذا هو أبو خيثمة) ساقطة من ب.

(٢) في ك وع : وتفل.

(٣) في ع : أقبل ، وفي ب : قتل.

(٤) ساقطة من ب.

(٥) (فقال ألم تكن) مكررة في ب.

(٦) النسخ الأربع : عنه ، والسياق يقتضي ما أثبت.

(٧) بعدها في ك : على ، وهي مقحمة.

(٨) في الأصل وع وب : إلي.

(٩) (حتى ما هم ... الحيطان) مكررة في ب.

٨٠٤

بالأرض التي نعرف (١) ، وكنت أقوى أصحابي فكنت أخرج وأطوف بالسّوق وإلى المسجد وأدخل فآتي النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأسلّم عليه فأقول : هل حرّك شفتيه (٢) بالسّلام ، فإذا قمت أصلّي إلى سارية فأقبلت قبل صلاتي نظر إليّ بمؤخّر عينه (٣) فإذا نظرت إليه أعرض عنّي ، واستكان صاحباي فجعلا يبكيان اللّيل والنّهار ولا يطلعان (١٥١ ظ) رؤوسهما. قال : فبينا أنا أطوف بالسّوق وإذا رجل نصرانيّ جاء بطعام له يبيعه يقول : من يدلّ على كعب بن مالك ، فطفق النّاس يشيرون له إليّ ، فأتاني بصحيفة من ملك غسّان فإذا فيها : أمّا بعد فإنّه بلغني أنّ صاحبك قد جفاك وأقصاك ولست بدار مضيعة ولا هوان فالحق بنا نواسك ، فقلت : هو أيضا من البلاء والشّرّ ، فسجرت لها التّنّور فأحرقتها. فلمّا مضت أربعون (٤) ليلة إذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أتاني فقال : اعتزل امرأتك ، فقلت : أطلّقها؟ قال : لا ولكن لا تقربها ، فجاءت امرأة هلال فقالت : يا نبيّ الله إنّ هلال بن أميّة شيخ ضعيف هل تأذن لي أخدمه؟ قال : نعم ولكن لا يقربنك ، فقالت : يا نبيّ الله (٥) والله ما به حركة لشيء ما زال مكبّا يبكي اللّيل والنّهار مذ كان من أمره ما كان. قال (٦) كعب : فلمّا طال عليّ البلاء اقتحمت على أبي قتادة حائطه ، وهو ابن عمّي ، فسلّمت عليه فلم يردّ عليّ ، فقلت : أنشدك الله يا أبا قتادة أتعلم أنّي أحبّ الله ورسوله؟ فسكت حتى قلتها ثلاثا ، فقال أبو قتادة في الثّالثة : الله ورسوله أعلم ، فلم أملك نفسي أن بكيت ، ثمّ اقتحمت الحائط خارجا. حتى إذا مضت خمسون ليلة من حيث نهى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن كلامنا صلّيت على ظهر بيت لنا صلاة (٧) الفجر ، ثمّ جلست وأنا في المنزلة التي قال الله : قد ضاقت علينا الأرض بما رحبت وضاقت علينا أنفسنا ، إذ سمعت نداء من ذروة سلع أن أبشر يا كعب بن مالك ، فخررت ساجدا وعلمت أنّ الله قد جاءنا بالفرج ، ثمّ جاء رجل يركض على فرس يبشّرني ، فكان الصّوت أسرع من فرسه ، فأعطيته ثوبي بشارة ولبست ثوبين آخرين. قال : وكانت توبتي نزلت ثلث اللّيل على النّبيّ (٨) صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت أمّ سلمة : يا رسول الله ألا نبشّر كعب ابن مالك؟ قال : إذا يحطمكم النّاس ويمنعونكم (٩) النّوم سائر اللّيل ، وكانت أمّ سلمة محسنة في

__________________

(١) (وتنكرت لنا الأرض ... نعرف) ساقطة من ب.

(٢) في ب : شفته.

(٣) في ب : عينيه.

(٤) في ب : أربعين ، وهو خطأ.

(٥) (الله إن هلال ... يا نبي الله) ليس في ب.

(٦) في ب : قبل.

(٧) ساقطة من ع وب.

(٨) (على النبي) ليس في ب.

(٩) في ك : ويمنعوكم.

٨٠٥

شأني تحزن بأمري. فانطلقت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإذا هو جالس في المسجد (١) وحوله المسلمون وهو يستنير كاستنارة القمر ، وكان إذا سرّ بالأمر استنار ، فجئت وجلست بين يديه ، فقال : أبشر يا كعب بخير يوم أتى عليك مذ ولدتك أمّك ، فقلت : يا رسول الله أمن عند الله أم من (٢) عندك؟ قال : بل من عند الله ، ثمّ قرأ عليه : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) حتى (رَؤُفٌ رَحِيمٌ) [التّوبة : ١١٧] ، وفيها أنزل أيضا : (اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التّوبة : ١١٩] ، فقلت : يا نبيّ الله إنّ من توبتي أن لا أحدّث إلّا صدقا وأن أنخلع من مالي كلّه صدقة إلى الله تعالى وإلى رسوله ، فقال : أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك ، قلت : فإنّي أمسك سهمي الذي بخيبر. قال كعب : فما أنعم الله عليّ نعمة بعد الإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيث صدقته أنا وصاحباي أن لا نكون (٣) كذبنا فهلكنا كما هلكوا وإنّي لأرجو أن لا يكون الله أبلى أحدا من الصّدق (١٥٢ و) مثل الذي أبلاني ما تعمدت للكذب (٤) بعد ، وإنّي لأرجو أن يحفظني الله في ما بقي. قال الزهريّ : هذا ما انتهى إلينا من حديث كعب بن مالك (٥).

١١٩ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) : قال أبو بكر الصّدّيق : «إيّاكم والكذب فإنّ الكذب مجانب الإيمان» (٦) ، سئل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (أيكون المؤمن جبانا؟ قال : نعم ، فقيل : أيكون المؤمن بخيلا؟ قال : نعم ، فقيل : أيكون المؤمن كذّابا؟ قال (٧) : لا).

١٢٠ ـ (وَلا يَرْغَبُوا) : «ولا أن يرغبوا» (٨) ، ويحتمل أنّه مجزوم على النّهي. ورغبتهم بأنفسهم عن نفسه إيثارهم أنفسهم على نفسه (٩).

(ظَمَأٌ) : عطش (١٠).

(وَلا نَصَبٌ) : تعب (١١).

__________________

(١) (في المسجد) ساقطة من ك.

(٢) ساقطة من ك ، وب.

(٣) في ع وب : يكون ، وبعدها في ع : كذيبا ، بدل (كذبنا).

(٤) في ب : الكذب.

(٥) ينظر حديث كعب بن مالك في تفسير الطبري ١١ / ٨٠ ـ ٨٣ ، والبغوي ٢ / ٣٣٤ ـ ٣٣٧ ، والقرطبي ٨ / ٢٨٢ ـ ٢٨٧.

(٦) الزهد لابن المبارك ٢٥٥ ، والإيمان للعدني ١٢٣ ، والسنن الكبرى للبيهقي ١٠ / ١٩٦.

(٧) في ك : فقال. والحديث في الموطأ ٢ / ٩٩٠ ، ومكارم الأخلاق ٥٤ ، وشعب الإيمان ٤ / ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

(٨) تفسير البغوي ٢ / ٣٣٧.

(٩) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ٣١٩.

(١٠) ينظر : تفسير الطبري ١١ / ٨٦ ، ومعاني القرآن وإعرابه ٢ / ٤٧٥ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ٢٦٨.

(١١) ينظر : تفسير الطبري ١١ / ٨٦ ، ومعاني القرآن وإعرابه ٢ / ٤٧٥ ، وإعراب القرآن ٢ / ٢٣٩.

٨٠٦

(وَلا مَخْمَصَةٌ) : «مجاعة» (١).

والوطء : موضع القدم ، وكذلك الموطئ ، ويجوز أن يكون مصدرا (٢).

(يَغِيظُ الْكُفَّارَ) : صفة للموطئ ، أي : يغيظ الكفّار وطؤهم إيّاه (٣).

و (النّيل) : الإصابة (٤).

والضّمير في (بِهِ) عائد إلى كلّ واحد من الأشياء المذكورة (٥).

١٢١ ـ (قطع الوادي) : سلوكه. والوادي (٦) : ما بين العدوتين.

١٢٢ ـ (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا (٧) كَافَّةً) : قال الكلبيّ : لمّا أنزل الله عيوب المنافقين المتخلّفين (٨) قال المؤمنون : والله لا نتخلّف عن سريّة بعد هذا ، فكانوا يخرجون السّرايا ويتركون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة فأنزل (٩). قال الكلبيّ : وفيه وجه آخر وهو أنّ أحياء من بني أسد قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالنّساء والذّراري فنزلوا في سكك (١٠) المدينة وأفسدوا الطّرق (١١) على النّاس ، فأنزل الله تعالى هذه الآية يأمرهم بأن يفد من كلّ قبيلة وفد على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا يفدوا بأجمعهم (١٢). وعن مجاهد أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان أرسل بعض أصحابه إلى قبائل العرب (١٣) دعاة يدعونهم إلى الإسلام ويعلّمونهم الشّريعة ، فلمّا سمعوا ما نزل في المتخلّفين عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خافوا أن يكونوا من المتخلّفين فالتحقوا بالنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله الآية (١٤).

والمتفقّه في الدّين المنذر قومه إذا رجع هذا النّافر إن كان مع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة (١٥) ، والله أعلم بالمراد.

وقوله : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) يجوز أن يكون خبرا حقيقيّا ، فإنّهم لم ينفروا

__________________

(١) تفسير غريب القرآن ١٩٣ ، وإعراب القرآن ٢ / ٢٣٩ ، والعمدة في غريب القرآن ١٥٠.

(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٢١ ، والتبيان في إعراب القرآن ٢ / ٦٦٣ ، والبحر المحيط ٥ / ١١٥.

(٣) ينظر : إعراب القرآن ٢ / ٢٣٩.

(٤) ينظر : تفسير الطبري ١١ / ٨٦ ، والبغوي ٢ / ٣٣٨ ، والقرطبي ٨ / ٢٩١.

(٥) ينظر : البحر المحيط ٥ / ١١٥ ، وفتح القدير ٢ / ٤١٥.

(٦) (سلوكه والوادي) ساقطة من ب.

(٧) مكانها في ب : أن ينفروا.

(٨) في الأصل وب : المختلفين ، وفي ع : المخلفين.

(٩) ينظر : تفسير الطبري ١١ / ٩٠ ـ ٩١ ، والبغوي ٢ / ٣٣٩ ، وزاد المسير ٣ / ٣٥١.

(١٠) في ع : سلك.

(١١) في ك : الطريق.

(١٢) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٤٥٥ ، والتبيان في تفسير القرآن ٥ / ٣٢٣ ، وتفسير البغوي ٢ / ٣٣٩.

(١٣) ساقطة من ب.

(١٤) ينظر : تفسير مجاهد ١ / ٢٨٨ ـ ٢٨٩ ، والطبري ١١ / ٨٩ ـ ٩٠ ، والبغوي ٢ / ٣٣٩.

(١٥) في ك : في المدينة. وينظر : زاد المسير ٣ / ٣٥١ ، وتفسير البغوي ٢ / ٣٣٩ ، والقرطبي ٨ / ٢٩٤.

٨٠٧

كافّة قطّ منذ زمان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى زماننا هذا. ويجوز أن يكون خبرا بمعنى النّهي (١).

وفي الآية دلالة أنّ خبر الواحد يوجب العمل والحذر وإن لم يوجب العلم (٢) ؛ لأنّ (الطّائفة) اسم لواحد فصاعدا (٣).

١٢٣ ـ (يَلُونَكُمْ) : يجاورونكم. وفيها دلالة على كراهة أن يترك أهل كلّ ثغر جهتهم ويسيروا (٤) إلى جهة أخرى إلّا بعد الكفاية والاستغناء ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (عصابتان من أمّتي أحرزهما الله تعالى من النّار عصابة تغزو الهند وعصابة تكون مع عيسى عليه‌السلام عند نزوله من السّماء) (٥).

أبو هريرة قال : وعدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غزوة الهند ، فإن أدركها (٦) أنفق فيها نفسي ومالي فإن قتلت كنت من أفضل الشّهداء وإن رجعت فأنا أبو (٧) هريرة المحرّر (٨).

وكتب عثمان بن عفّان من المدينة إلى عبد الله بن عامر بن كريز يأمره بأن يوجّه إلى ثغر الهند من يعلم علمه وينصرف إليه بخبره ، فوجّه (٩) حكيم بن حزام بن جبلة العبديّ ، فلمّا رجع أنفذه إلى عثمان فسأله عن حال البلاد ، فقال : يا أمير المؤمنين (١٥٢ ظ) ماؤها وشل وتمرها دقل (١٠) ولصّها بطل إن قلّ الجيش ضاعوا وإن كثروا بها جاعوا (١١).

١٢٤ ـ (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) : اتّصالها بما قبلها من حيث ذكر الذين يلوننا من الكفّار ، والمنافقون من جملتهم ؛ لأنّهم أقرب الكفّار (١٢) إلينا جوارا.

كانوا يتساءلون : (أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ) السّورة (إِيماناً) على وجه الإنكار (١٣).

وفي قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) ردّ من الله عليهم إنكارهم وبيان بأنّ المؤمنين ازدادوا

__________________

(١) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٤٧٥ ، وتفسير البغوي ٢ / ٣٣٩ ، ومجمع البيان ٥ / ١٤٤.

(٢) في ب : العمل ، وهو سهو.

(٣) ينظر : صحيح البخاري ٦ / ٢٦٤٧ ، وتفسير القرطبي ٨ / ٢٩٤.

(٤) النسخ الثلاث : ويسير ، وبعدها : (إلى جهة) ساقطة من ب.

(٥) ينظر : السنن الكبرى للنسائي ٣ / ٢٨ ، وللبيهقي ٩ / ١٧٦ ، والفردوس بمأثور الخطاب ٣ / ٤٨.

(٦) في ب : فأدركها ، بدل (فإن أدركها).

(٧) في ب : أبا ، وهو خطأ ، وبعدها : المحرور ، بدل (المحرر).

(٨) ينظر : الجهاد ٢ / ٦٦٨ و ٦٦٩ ، وسنن النسائي ٦ / ٤٢ ، والمستدرك ٣ / ٥٨٨.

(٩) في ك : فوجهه.

(١٠) في ب : وقل. والوشل : «الماء القليل يتحلّب من جبل أو صخرة يقطر منه قليلا قليلا لا يتّصل قطره» ، والدّقل من التّمر «أردأ أنواعه» ، لسان العرب ١١ / ٧٢٥ (وشل) ، و ٢٤٦ (دقل).

(١١) ينظر : تاريخ خليفة بن خياط ١٨٠ ، وفتوح البلدان ٤٢٠ ـ ٤٢١ ، ومعجم البلدان ٥ / ١٨٠.

(١٢) (والمنافقون ... الكفار) ساقطة من ب.

(١٣) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ٣٢٥ ، والكشاف ٢ / ٣٢٤ ، ومجمع البيان ٥ / ١٤٥.

٨٠٨

بهذه السّورة إيمانا.

١٢٥ ـ وقوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) قريبة من قوله : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) [البقرة : ٢٦].

١٢٦ ـ فتنتهم (فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) : إظهار نفاقهم (١) ، وعن مجاهد أنّها القحط والشّدّة (٢) ، وعن الحسن وقتادة أنّها الدّعوة إلى الجهاد (٣).

١٢٧ ـ (نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) : كان المنافقون إذا رأوا رسول الله قد غشي عليه ليوحى إليه نظر بعضهم إلى بعض (٤) يتفقّدون المسلمين المخلصين هل يجدونهم ناظرين (٥) إليهم متتبّعين أحوالهم فإن وجدوهم كذلك سكنوا ونكسوا (٦) رؤوسهم وقعدوا كارهين ، وإن لم يجدوهم كذلك تفرّصوا (٧) غفلتهم وانصرفوا خوف الفضيحة ، فأنزل الله الآية فيهم (٨).

وقوله : (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) يجوز أن يكون على وجه الإخبار ، ويجوز أن يكون على وجه الدّعاء (٩).

١٢٨ ـ (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ) : عن أبيّ بن كعب قال (١٠) : آخر آية أنزلت (١١) على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (لَقَدْ جاءَكُمْ) ، الآية (١٢).

(مِنْ أَنْفُسِكُمْ) : أي : من العرب (١٣). قال الزّجّاج (١٤) : معناه أنّه بشر مثلكم.

وفي الشّواذّ (١٥) : (أنفسكم) من النّفاسة وهي الكرم والرّفعة والقدر (١٦).

__________________

(١) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٣٤١ ، وزاد المسير ٣ / ٣٥٣ ، والتفسير الكبير ١٦ / ٢٣٣.

(٢) ينظر : تفسير مجاهد ١ / ٢٨٩ ، والبغوي ٢ / ٣٤١ ، والتفسير الكبير ١٦ / ٢٣٣.

(٣) ينظر : تفسير الطبري ١١ / ٩٨ ، والبغوي ٢ / ٣٤١ ، وزاد المسير ٣ / ٣٥٣.

(٤) (كان المنافقون ... بعض) ليس في ب.

(٥) في ب : ناظرهم.

(٦) ساقطة من ب.

(٧) في ك : تعرضوا ، وفي ب : تعصرضوا. وتفرّص : أصاب فرصة ، ينظر : لسان العرب ٧ / ٦٤ (فرص).

(٨) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٣٤١ ، ومجمع البيان ٥ / ١٤٨.

(٩) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٤٥٥ ، والكشاف ٢ / ٣٢٥ ، وتفسير القرطبي ٨ / ٣٠٠.

(١٠) في ب : قيل.

(١١) في ع : نزلت.

(١٢) ينظر : معاني القرآن الكريم ٣ / ٢٧٢ ، وتفسير البغوي ٢ / ٣٤٢ ، والكشاف ٢ / ٣٢٥.

(١٣) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٤٧٧ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ٢٧٠ ، وتفسير البغوي ٢ / ٣٤١.

(١٤) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٤٧٧.

(١٥) ينظر : مختصر في شواذ القراءات ٥٦ ، والمحتسب ١ / ٣٠٦ ، وتفسير البغوي ٢ / ٣٤١ ـ ٣٤٢.

(١٦) ينظر : تفسير القرطبي ٨ / ٣٠١ ، والبحر المحيط ٥ / ١٢١.

٨٠٩

(عَنِتُّمْ) : «أثمتم» (١) ، تقول : عزّ عليّ ما نزل بك.

(حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) : على إيمانكم ورشدكم (٢).

(بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) : مثل قوله : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) [آل عمران : ١٥٩].

في الحديث أنّ (٣) النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم ينتصر من مظلمة (٤) ظلمها قطّ ما لم (٥) تنتهك محارم الله سبحانه وتعالى ، فإذا انتهك شيء من محارم الله كان من أشدّ النّاس غضبا (٦). وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (ما خيّر (٧) بين أمرين إلّا اختار أيسرهما ما لم يكن مأثما) (٨). وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (ارحموا الضّعيفين النّساء والذّراري) (٩). وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (استوصوا بالنّساء خيرا فإنّهنّ عندكم عوان) (١٠). وقال يوم وفاته : (الصّلاة وما ملكت أيمانكم) (١١). والله أعلم.

__________________

(١) تفسير البغوي ٢ / ٣٤٢ ، ومجمع البيان ٥ / ١٤٩ ، وزاد المسير ٣ / ٣٥٤.

(٢) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٤٧٧ ، وتلخيص البيان ٦٧ ، والبحر المحيط ٥ / ١٢٢.

(٣) في ك : عن.

(٤) في ب : ظلمة.

(٥) في ك : ولم ، بدل (ما لم).

(٦) ينظر : مسند الحميدي ١ / ١٢٥ ، والتمهيد ٨ / ١٤٩.

(٧) في ك : خيرت ، وبعدها فيها : اخترت ، بدل (اختار).

(٨) مسند الحميدي ١ / ١٢٥ ، ومسند إسحق بن راهويه ٢ / ٢٩٣ ، والسنن الكبرى للنسائي ٥ / ٣٧٠.

(٩) لم أقف عليه بهذا اللفظ ، وذكر أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عن قتل النساء والذراري ، ينظر : الدراية ٢ / ١١٦ ، ونقل أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أحرّج مال الضّعيفين اليتيم والمرأة» ، صحيح ابن حبان ١٢ / ٣٧٦ ، والمستدرك ٤ / ١٤٢ ، وموارد الظمآن ٣٠٨.

(١٠) الزهد لهناد ١ / ٢٨٠ ، وسنن ابن ماجه ١ / ٥٩٤.

(١١) المنتخب من مسند عبد بن حميد ٣٦٥ ، والسنن الكبرى للنسائي ٤ / ٢٥٨ ، والمعجم الكبير ٢٣ / ٣٠٦.

٨١٠

سورة يونس عليه‌السلام

مكيّة كلّها (١) ، وعن ابن عبّاس إلّا ثلاث آيات : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ) ، الآيات [يونس : ٩٤ ـ ٩٦](٢). وقيل (٣) : الآية نزلت في يهود المدينة وهي قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) [يونس : ٤٠]. وهي مئة وتسع (٤) آيات (٥) إلّا عند أهل الشّام (٦).

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١ ـ (الر) : «أنا الله أرى» (٧). وقيل (٨) : قسم ، أقسم بأنيّته (٩) ولطفه وربوبيّته. وقيل : إشارة إلى رأفة الله تعالى ورحمته وبرّه ببريّته (١٠) ، أو إشارة إلى القرآن والذّكر (١١).

(تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) : جملة مركّبة من مبتدأ وخبر (١٢) ، وقيل : خبر لمبتدأ مضمر.

(الْحَكِيمِ) : المشتمل على الحكم (١٣). والدّلالات في الخبر أنّ القرآن شافع مشفّع وماحل مصدّق (١٤).

٢ ـ (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً) : استفهام تعجّب وإنكار الشّيء المستبعد جوازه على قضيّة العادة والطّبيعة (١٥).

و (النّاس) (١٦) : قريش (١٥٣ و) وأمثالهم (١٧).

__________________

(١) ينظر : زاد المسير ٤ / ٣ ، وتفسير القرطبي ٨ / ٣٠٤ ، والبحر المحيط ٥ / ١٢٥.

(٢) ينظر : مجمع البيان ٥ / ١٥٠ ، وزاد المسير ٤ / ٣ ، وتفسير القرطبي ٨ / ٣٠٤.

(٣) ينظر : مجمع البيان ٥ / ١٥٠ ، وزاد المسير ٤ / ٣ ، والتفسير الكبير ١٧ / ٢.

(٤) النسخ الثلاث : وسبع ، وهو خطأ.

(٥) (وقيل الآية ... آيات) ليس في ب.

(٦) ينظر : مجمع البيان ٥ / ١٥٠.

(٧) تفسير الطبري ١١ / ١٠٥ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ٢٧٥ ، والوجيز ١ / ٤٨٩.

(٨) ينظر : إعراب القرآن ٢ / ٢٤٣ ، وزاد المسير ٤ / ٤ ، وتفسير القرطبي ٨ / ٣٠٤.

(٩) أنيّة الشّيء وأنيّته : ذاته ، وذلك إشارة إلى وجوده ، وهو لفظ محدث ليس من كلام العرب ، ينظر : مفردات ألفاظ القرآن ٩٥ (أنا).

(١٠) في ع : وبريته.

(١١) ينظر : تفسير الطبري ١١ / ١٠٦ ، وزاد المسير ٤ / ٤.

(١٢) ينظر : إعراب القرآن ٢ / ٢٤٤ ، وتفسير القرطبي ٨ / ٣٠٥ ، وفتح القدير ٢ / ٤٢١.

(١٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٢٦ ، والتفسير الكبير ١٧ / ٤ ، والبحر المحيط ٥ / ١٢٦.

(١٤) ينظر : غريب الحديث لابن سلام ٤ / ١٧٤ ، والمجازات النبوية ٣٠٧ ، وموارد الظمآن ٤٤٣. والماحل : الخصم المجادل ، أو الساعي ، ينظر : لسان العرب ١١ / ٦١٩ (محل).

(١٥) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ٣٣٣ ، والكشاف ٢ / ٣٢٦ ، والتفسير الكبير ١٧ / ٥ و ٦.

(١٦) (تعجب ... والناس) ساقطة من ب.

(١٧) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٥ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ٢٧٦ ، والوجيز ١ / ٤٨٩.

٨١١

(أَنْ أَوْحَيْنا) : في محلّ الرّفع على أنّه اسم (كان) (١).

(إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) : هو خيرة الله من خلقه خاتم النّبيّين أبو القاسم محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب (٢).

(أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) : ترجمة للوحي (٣).

(أَنْ) : بأنّ (لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ)(٤) : «منزلة رفيعة» (٥). عن القتبيّ (٦) : ما قدّموه من عمل صالح ، وعن (٧) أبي سعيد الخدريّ : محمّد شفيع صدق لهم يوم القيامة (٨) ، وعن زيد بن أسلم أنّه (٩) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (أنا فرطكم على الحوض) (١٠).

(قالَ الْكافِرُونَ) : حكاية لقولهم الذي قالوه عند (١١) تعجّبهم بالوحي النّازل على محمّد (١٢).

٣ ـ (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) : قال ابن سابط : يدبّر أمر الرّسالة أربعة أملاك : جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل عليهم‌السلام ، فأمّا جبريل فعلى (١٣) الرّياح والجنود وأما ميكائيل فعلى القطر والنّبات وأمّا ملك الموت فعلى الأنفس وأمّا إسرافيل فينزل عليهم بما يؤمرون (١٤). وهذا على المجاز ، وهو في تفسير قوله : (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (٥)) [النّازعات : ٥] ، فأمّا حقيقة التّدبير فهي لله تعالى.

(ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) : يكفي كلّ شيء ولا يكفيه شيء ، ويغني عن كلّ شيء ولا يغني منه شيء.

__________________

(١) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٤٥٧ ، وإعراب القرآن ٢ / ٢٤٤ ، ومشكل إعراب القرآن ١ / ٣٣٩.

(٢) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٣٤٣.

(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٢٧ ، والتفسير الكبير ١٧ / ٦ ، والبحر المحيط ٥ / ١٢٦.

(٤) ينظر : إعراب القرآن ٢ / ٢٤٤ ، والبحر المحيط ٥ / ١٢٧.

(٥) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٦ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ٢٧٧ ، وتفسير البغوي ٢ / ٣٤٣.

(٦) ينظر : تفسير غريب القرآن ١٩٤.

(٧) النسخ الثلاث : عن ، والواو ساقطة.

(٨) ينظر : تفسير الطبري ١١ / ١٠٩ ، والتبيان في تفسير القرآن ٥ / ٣٣٣ ، ومجمع البيان ٥ / ١٥٣.

(٩) في ب : أن ، والهاء ساقطة. وينظر : تفسير الطبري ١١ / ١٠٩.

(١٠) صحيح البخاري ٥ / ٢٤٠٤ ، ومسلم ٤ / ١٧٩٢ ، والسنن الأبين ١٧٥ و ١٧٦.

(١١) في ك : منذ.

(١٢) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ٣٣٤.

(١٣) النسخ الثلاث : فعل ، وكذا ترد مرّتين قريبا.

(١٤) ينظر : زاد المسير ٨ / ١٧١ ، وتفسير القرطبي ٨ / ٣٠٨ ، والبحر المحيط ٥ / ١٢٨.

٨١٢

٤ ـ (وَعْدَ اللهِ حَقًّا) : أي : وعدا حقّا (١).

(بِالْقِسْطِ) : أي : بأعمالهم التي أقسطوا فيها ، وقيل : إنّ الله يجزيهم بالقسط ولا يبخسهم شيئا (٢).

(حَمِيمٍ) : ماء مسخن (٣) ، ومنه الحمام والمستحم. وحميم جهنّم يشوي الوجوه بئس الشّراب.

٥ ـ (ضِياءً) : مصدر كالبناء (٤). والضّياء أغلب من النّور ؛ لأنّه يتعدّى إلى غير ذاته أبدا ، والنّور قد يتعدّى وقد لا يتعدّى (٥).

روي أنّ كعبا لقي عبد الله بن عمرو بن العاص والنّاس حوله يستفتونه ، قال : هلك أخي عبد الله عند هذا يكون الخبر (٦) اذهب إليه فقل له : لا تكذبنّ على الله ، فإن غضب (٧) فدعه وإن لم يغضب فاسأله ، فأتاه فقال : إنّ كعبا يقول لك (٨) لا تكذبنّ على الله ، قال : نصح لي أخي من كذب على الله سوّد الله وجهه يوم القيامة ، قال : إنّه يسألك عن الشّمس والقمر أهما في السّموات السّبع أم في السّماء (٩) الدّنيا أم في الهواء دون الفلك؟ قال : بل هما في السّموات السّبع (١٠) ووجوههما إلى العرش وأقفيتهما إلى الأرض ، قال : (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً (١٦)) [نوح : ١٦](١١). وقيل : الشّمس في السّماء الرّابعة والقمر في السّماء الدّنيا (١٢). وقيل : الشّمس في الفلك الرّابع والقمر في الفلك الأدنى ، والأفلاك غير السّموات ، وقيل : السّماء والهواء واحد.

(إِلَّا بِالْحَقِّ) : إلّا بأمره الحقّ (١٣) بقضيّة حكمه من غير لهو ولا عبث (١٤).

__________________

(١) (أي وعدا حقا) ساقطة من ب. وينظر : مشكل إعراب القرآن ١ / ٣٣٩ ، وتفسير البغوي ٢ / ٣٤٣ ، والكشاف ٢ / ٣٢٩.

(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٢٩ ، ومجمع البيان ٥ / ١٥٦ ، والتفسير الكبير ١٧ / ٣١ ـ ٣٢.

(٣) ينظر : غريب القرآن وتفسيره ١٦٩ ، وتفسير الطبري ١١ / ١١٣ ـ ١١٤ ، والتفسير الكبير ١٧ / ٣٢.

(٤) ينظر : مجمع البيان ٥ / ١٥٧ ، والتفسير الكبير ١٧ / ٣٤ ، وفتح القدير ٢ / ٤٢٥.

(٥) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ٣٣٩ ، والبحر المحيط ٥ / ١٢٩ ـ ١٣٠.

(٦) في ك وب : الغبن ، وفي ع : الفتن.

(٧) (فإن غضب) ساقطة من ك.

(٨) ساقطة من ب.

(٩) في ك : سماء.

(١٠) ساقطة من ب.

(١١) ينظر : تفسير مجاهد ٢ / ٦٩٥ ـ ٦٩٦ ، وتفسير القرآن ٣ / ٣١٩ ، وفتح القدير ٢ / ٤٢٦ و ٥ / ٢٩٩.

(١٢) ينظر : زاد المسير ٨ / ٩٩.

(١٣) ساقطة من ب.

(١٤) ينظر : البحر المحيط ٥ / ١٣٠.

٨١٣

٦ ـ (لَآياتٍ) : دلائل وحدانيّة الله تعالى ودلائل انقضاء الدّنيا والمآل (١).

٧ ـ (لا يَرْجُونَ) : أبو عبيدة : لا يخافون (٢).

(لِقاءَنا) : الحساب والعرض ، وقيل : لقاء الله (٣). هم (٤) الذين أيسوا عن لقائه لجهلهم به.

(وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) : الذين آثروا شهواتها على السّعي للآخرة (٥) ، وقنعوا بالحياة الدّنيا ؛ لأنّها مبلغهم من العلم فليست لهم همّة الآخرة (٦).

روي أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث أبا عبيدة الجرّاح إلى البحرين يأتي (٧) بجزيتها ، وكان هو صالح أهل البحرين وأمّر عليهم العلاء بن الحضرميّ ، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدومه.

(١٥٣ ظ) فوافت (٨) صلاة الفجر مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلمّا صلّى صلاة الفجر وانصرف تعرّضوا له فتبسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين رآهم وقال : أظنّكم قد سمعتم أنّ (٩) أبا عبيدة قد جاء (١٠) وجاء بشيء ، قالوا : أجل يا رسول الله ، فقال : أبشروا وأمّلوا ما يسرّكم فو الله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط الدّنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتلهيكم كما ألهتهم ، وروي : فتهلككم كما أهلكتهم (١١).

(وَاطْمَأَنُّوا) : أخلدوا إليها لجهلهم بالآخرة ولكراهة ما قدّمت أيديهم. هم الذين يحجبهم المحسوس عن المعقول.

٩ ـ (يَهْدِيهِمْ) : إلى الفلاح.

(بِإِيمانِهِمْ) : بنور إيمانهم وبسبب إيمانهم (١٢).

__________________

(١) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ٣٤٠ ، ومجمع البيان ٥ / ١٥٨.

(٢) وهو قول ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن ١٩٤ ، وعزي إلى ابن عباس ومقاتل والكلبي في التفسير الكبير ١٧ / ٣٨.

(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٨ / ٣١٢.

(٤) ساقطة من ك.

(٥) في الأصل وع وب : الآخرة.

(٦) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ٣٤١ ، والكشاف ٢ / ٣٣٠.

(٧) بعدها في ك : هو ، وهي مقحمة ، و (إلى البحرين يأتي) مكررة في ب.

(٨) في ب : فوافقت.

(٩) ساقطة من ك.

(١٠) بعدها في ك : بوحي.

(١١) (وروي ... أهلكتهم) ساقطة من ب. وينظر : مسند أحمد ٤ / ١٣٧ ، وصحيح مسلم ٨ / ٢١٢ ، والمعجم الكبير ١٧ / ٢٤ ـ ٢٦.

(١٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٣٠ ، والبحر المحيط ٥ / ١٣١.

٨١٤

(فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) : في العقبى.

١٠ ـ (دَعْواهُمْ فِيها) : أوّل دعواهم (١). دليل على تعجّبهم بكلّ ما يشاهدونه لحسنه وبهجته.

(وَآخِرُ دَعْواهُمْ) : دليل على إعجابهم بما يشاهدونه لما يعود إليهم من نفع أو لذّة.

(وَتَحِيَّتُهُمْ) : دليل على أمنهم وطهارة صدورهم من الغلّ واستراحتهم من الذّلّة.

١١ ـ (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ) : نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة وأمثاله حيث قالوا : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) [الأنفال : ٣٢](٢). وقيل (٣) : في شأن من يدعو على نفسه وولده ودابّته وعبده في غضبه. وقيل : في شأن المستعجل بشرّ يتوهّمه خيرا.

(اسْتِعْجالَهُمْ) : كاستعجالهم (٤).

(فَنَذَرُ) : عطف مستقبل على ماض (٥) في جواب (لو) كما سبق (٦).

١٢ ـ (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ) : نزل في هشام بن المغيرة (٧). وقيل : عامّة (٨) في من لزم هوى النّفس والطّبيعة واستهان بالعقل والشّريعة. وفيها تنبيه على قبح (٩) هذه الخصلة.

(لِجَنْبِهِ) : أي : مضطجعا على جنبه ، وهو حال مسّ الضرّ أو الدّعاء (١٠).

(مَرَّ) : ذهب عن باب الدّعاء معرضا إلى شهواته (١١). وقال الفرّاء (١٢) : معناه : استمرّ على طريقته.

١٤ ـ (لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) : لننظر إلى المشاهد (١٣) من كيفيّة أعمالكم التي قدّرناها

__________________

(١) (فيها أول دعواهم) ليس في ك.

(٢) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٣٤٦ ، وزاد المسير ٤ / ١١ ، وتفسير القرطبي ٨ / ٣١٥.

(٣) ينظر : تفسير غريب القرآن ١٩٤ ، وتفسير الطبري ١١ / ١٢١ ـ ١٢٢ ، والبغوي ٢ / ٣٤٥.

(٤) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٤٥٨ ، وإعراب القرآن ٢ / ٢٤٧ ، ومشكل إعراب القرآن ١ / ٣٤٠.

(٥) في ك وع : ما مر.

(٦) ينظر : التبيان في إعراب القرآن ٢ / ٦٦٧.

(٧) ينظر : زاد المسير ٤ / ١١ ، والبحر المحيط ٥ / ١٣٣.

(٨) (وقيل عامة) ساقطة من ب.

(٩) في ب : فتح.

(١٠) ينظر : تفسير الطبري ١١ / ١٢٢ ، والكشاف ٢ / ٣٣٢ ، ومجمع البيان ٥ / ١٦٢ و ١٦٣.

(١١) ينظر : زاد المسير ٤ / ١٢ ، والبحر المحيط ٥ / ١٣٤ ، وفتح القدير ٢ / ٤٢٩.

(١٢) ينظر : معاني القرآن ١ / ٤٥٩.

(١٣) في ع : المشاهدة.

٨١٥

في سابق (١) علمنا وعلمناها من سابق مشيئتنا. وفائدة النّظر إيجاب الجزاء (٢).

وعن عرباض بن سارية الأسلميّ قال : وعظنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب ، فقال رجل من أصحابه : إنّ هذه موعظة مودّع فما تعهد إلينا يا رسول الله؟ فقال (٣) : أوصيكم بتقوى الله وبالسّمع والطّاعة وإن كان عبدا حبشيّا ، أي : الذي عليكم ، فإنّه من يعش منكم ير (٤) اختلافا كثيرا وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّها ضلالة ومن أدركته منكم فعليه بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين عضّوا عليها بالنّواجذ (٥).

١٥ ـ (قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ) : الكلبيّ : وهم خمسة نفر : الوليد بن المغيرة المخزوميّ والعاص بن وائل السّهميّ والأسود بن عبد يغوث (٦) والأسود بن عبد المطّلب والحارث بن غيطلة ، فقتل الله كلّ واحد منهم بغير قتلة صاحبه ، وفيهم قوله : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥)) [الحجر : ٩٥](٧).

(ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) : له معنيان : أحدهما : محاولتهم سبيلا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإتيانه بما يقترحونه (٨) ، والثّاني : طمعهم أن لا يكون في الثاني (٩) سبّ آلهتهم والنّهي عن عبادتهم وأن يكون محلّلا لما يحبّونه محرّما لما يكرهونه (١٥٤ و) على قضيّة شهواتهم (١٠).

وقوله : (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ) : الآية منسوخة بقوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح : ٢](١١).

١٦ ـ وفي قوله : (لَوْ شاءَ اللهُ (١٢) ما تَلَوْتُهُ) دلالة أنّ القرآن لم يكن مقدورا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنّه لم يمكنه أن يأتي بمثله (١٣).

__________________

(١) النسخ الثلاث : وسابق ، بدل (في سابق) ، وبعدها : (وعلمناها) ساقطة من ع.

(٢) ينظر : مجمع البيان ٥ / ١٦٤.

(٣) في ك : قال.

(٤) في ب : يرى.

(٥) ينظر : سنن الترمذي ٥ / ٤٤ ، والسنة للمروزي ٢٦ ، والسنن الواردة في الفتن ٢ / ٣٧٥.

(٦) (والأسود بن عبد يغوث) ساقطة من ب.

(٧) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٣٤٧ ، والتفسير الكبير ١٧ / ٥٥ ، والبحر المحيط ٥ / ١٣٥ ـ ١٣٦.

(٨) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٣٤ ، والتفسير الكبير ١٧ / ٥٦ ، والبحر المحيط ٥ / ١٣٦.

(٩) في ك : الها.

(١٠) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٣ / ١١ ، ومعاني القرآن الكريم ٢ / ٢٨٢ ، والتبيان في تفسير القرآن ٥ / ٣٥٠.

(١١) ينظر : الناسخ والمنسوخ لابن حزم ٤١ ، وقلائد المرجان ١٢١.

(١٢) (لو شاء الله) ليس في ك.

(١٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٣٥ ، وفتح القدير ٢ / ٤٣٠.

٨١٦

(عُمُراً) : «حينا» (١)(مِنْ قَبْلِهِ)؛ لأنّه قد بلغ أشدّه وأونس منه الرشد ولم يكن يتعاطى من القرآن شيئا حتى اكتهل ثمّ انتصب قارئا من غير كتابة ولا تعلّم (٢).

١٧ ـ (فَمَنْ أَظْلَمُ) : اتّصالها بما قبلها من حيث مطالبتهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يفتري على الله (٣).

١٨ ـ (ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) : ذوات (٤) معبوديهم.

(أَتُنَبِّئُونَ [اللهَ] (٥)) : أتخبرون الله بلا شيء. وقيل (٦) : أتنبّهون الله على شيء جهله ولم يعلمه.

وبما (٧) لا يعلمه الله في السّموات ولا في الأرض صفات معبوديهم.

١٩ ـ (كَلِمَةٌ سَبَقَتْ) : هي كلمة التّمهيل والتّأجيل إلى حين (٨).

٢٠ ـ (إِنَّمَا الْغَيْبُ) : علم (٩) ما كتمه الله عن خلقه من الآيات الملجئة متى يكون وأنّى يكون (١٠).

٢١ ـ (وَإِذا) : ظرف ، والعامل فيه (١١)(إِذا) الثّانية مع صلتها.

(لَهُمْ مَكْرٌ) : إضافة الشّرط المتقدّم والخير القادم (١٢) إلى آلهتهم وإلى النّجوم والأيّام (١٣).

و (اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً) : بالطّبع على قلوبهم وباستدراجهم وبإهلاك (١٤) الأوّلين وإتباع الآخرين كذلك يفعل بالمجرمين.

٢٢ ـ (حَتَّى) : غاية للتّسيير (١٥) المتقدّم.

__________________

(١) غريب القرآن وتفسيره ١٦٩ ، والعمدة في غريب القرآن ١٥١ ، وتفسير البغوي ٢ / ٣٤٧.

(٢) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٣ / ١١ ، وفتح القدير ٢ / ٤٣١.

(٣) ينظر : التفسير الكبير ١٧ / ٥٨ ، والبحر المحيط ٥ / ١٣٧ ـ ١٣٨.

(٤) في ب : ذات.

(٥) من ب.

(٦) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٣٦ ، والبحر المحيط ٥ / ١٣٨.

(٧) في ك : وما.

(٨) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٣٤٨ ، وزاد المسير ٤ / ١٥.

(٩) في ع : على.

(١٠) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٣٤٨ ، وزاد المسير ٤ / ١٦ ، وفتح القدير ٢ / ٤٣٤.

(١١) بعدها في النسخ الأربع : الثانية ، وهي مقحمة.

(١٢) في ع : العادم.

(١٣) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٣٤٩ ، وزاد المسير ٤ / ١٧ ، والتفسير الكبير ١٧ / ٦٥.

(١٤) في ب : وباستهلاك. وينظر : تفسير الطبري ١١ / ١٣٠ ـ ١٣١ ، والبحر المحيط ٥ / ١٤٠.

(١٥) في ك وب : للتيسير. وينظر : الكشاف ٢ / ٣٣٨ ، وفتح القدير ٢ / ٤٣٤.

٨١٧

(فِي الْفُلْكِ) : جماعة بدلالة قوله : (وَجَرَيْنَ بِهِمْ)(١).

(جاءَتْها) : عائد إلى الفلك ، وقيل : إلى الرّيح الطّيّبة (٢).

اختصاص العصوف بالرّيح يغني عن علامة التّأنيث (٣) ، قال الفرّاء (٤) : تقول : ريح عاصف وعاصفة (٥) على لغتين ، وأعصفت أيضا.

(الْمَوْجُ) : فورة الشّيء الكثير.

(مِنْ كُلِ (٦) مَكانٍ) : من أمكنة الموج (٧).

(وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) : أي : ظنّوا أنّهم هالكون ، يقال : فلان محاط به ، أي : هالك سدّت عليه سبيل النّجاة (٨).

(دَعَوُا اللهَ) : أي : فدعوا الله (٩).

(مِنْ هذِهِ) : أي : الرّيح العاصفة ، أو المحنة ، أو البليّة (١٠) ، أو الحالة.

٢٤ ـ (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا) : إنّما وقع تمثيل الحياة الدّنيا بالنّبات الحصيد (١١) بعد الاكتهال لسرعة زوالها عند الكمال. والمراد من التّمثيل التّزهيد والتّنبيه (١٢).

(قادِرُونَ عَلَيْها) : «على الانتفاع بها» (١٣).

(أَتاها أَمْرُنا) : قضاؤنا وحكمنا بهلاكها ويبسها وجدبها (١٤).

(حَصِيداً) : مستأصلا (١٥).

__________________

(١) ينظر : معاني القرآن للأخفش ٢ / ٥٦٦.

(٢) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٤٦٠ ، وإعراب القرآن ٢ / ٢٥٠ ، والكشاف ٢ / ٣٣٩.

(٣) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ٣٦٠ ، وتفسير البغوي ٢ / ٣٤٩.

(٤) ينظر : معاني القرآن ١ / ٤٦٠.

(٥) ساقطة من ب.

(٦) النسخ الثلاث : بكل ، بدل (من كل).

(٧) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٣ / ١٣ ـ ١٤ ، والكشاف ٢ / ٣٣٩ ، وزاد المسير ٤ / ١٨.

(٨) ينظر : غريب القرآن وتفسيره ١٧٠ ، وتفسير غريب القرآن ١٩٥ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ٢٨٥.

(٩) ينظر : تفسير الطبري ١١ / ١٣٢.

(١٠) في ع : النكبة. وينظر : التفسير الكبير ١٧ / ٧٠ ، وتفسير القرطبي ٨ / ٣٢٦.

(١١) في ب : للحصيد.

(١٢) ينظر : تفسير القرطبي ٨ / ٣٢٧ ، والبحر المحيط ٥ / ١٤٤.

(١٣) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ١٥ ، وإعراب القرآن ٢ / ٢٥١ ، ومجمع البيان ٥ / ١٧٦.

(١٤) ينظر : تفسير الطبري ١١ / ١٣٤ ، والبغوي ٢ / ٣٥٠ ، وزاد المسير ٤ / ٢٠.

(١٥) غريب القرآن وتفسيره ١٧٠ ، والعمدة في غريب القرآن ١٥٢ ، والكشاف ٢ / ٣٤١.

٨١٨

٢٥ ـ (دارِ السَّلامِ) : دار السّلامة من الآفات (١) ، فالسّلام والسّلامة بمعنى كاللّذاذ واللّذاذة (٢). وقيل : السّلام اسم الله تعالى (٣) ، عن مالك بن يزيد الأشجعيّ قال : الإسلام ثلاث مئة وخمسة عشر سهما فإذا كان يوم القيامة أقبل في صورة حسنة يجرّ ثوبه حتى ينتهي إلى الله تعالى فيقول : يا ربّ أنت السّلام وأنا الإسلام منك بدأت وإليك أعود اللهمّ من جاء متمسّكا بسهم من سهامي فأدخله الجنّة (٤).

٢٦ ـ (الْحُسْنى) : الجنّة ، و (الزّيادة) : النّظر إلى الله تعالى (٥) ، تواترت الأخبار (٦).

(وَلا يَرْهَقُ) : ولا يلحق ولا يصيب ، ومنه المراهق (٧).

(قَتَرٌ) : غبار العرصات ودخان الدّركات (٨).

٢٧ ـ (جَزاءُ سَيِّئَةٍ) : لهم جزاء سيّئة (٩).

٢٨ ـ (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ) : أي : واذكر يوم نحشرهم ، أو نذكرهم يوم نحشرهم (١٠).

(مَكانَكُمْ) : أي : قفوا والزموا مكانكم ، وذلك قوله : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) (٢٤) [الصّافّات : ٢٤](١١).

(فَزَيَّلْنا) : ميّزنا بينهم بعد وقفهم مسؤولين (١٢) ، قال الله تعالى : (١٥٤ ظ) (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا) [الفتح : ٢٥] : لو تميّز المؤمنون من الكافرين (١٣).

٢٩ ـ (إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) : قول الأصنام المصوّرة (١٤). وقيل (١٥) : قول

__________________

(١) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٣ / ١٥ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ٢٨٨ ، وتفسير البغوي ٢ / ٣٥٠.

(٢) ينظر : مجمع البيان ٥ / ١٧٧ ، والتفسير الكبير ١٧ / ٧٥ ، وتفسير القرطبي ٨ / ٣٢٨.

(٣) ينظر : تفسير الطبري ١١ / ١٣٦ ، ومعاني القرآن وإعرابه ٣ / ١٥ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ٢٨٨.

(٤) ينظر : الفردوس بمأثور الخطاب ٥ / ٤٥١.

(٥) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٤٦١ ، ومعاني القرآن وإعرابه ٣ / ١٥ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ٢٨٨ ـ ٢٨٩.

(٦) ينظر : الرد على الزنادقة والجهمية ٣٤ ، والإيمان لابن منده ٢ / ٧٧٢ ـ ٧٧٤ ، واعتقاد أهل السنة ٣ / ٤٥٤ ـ ٤٦٥.

(٧) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ٣٦٥ ، ومجمع البيان ٥ / ١٧٧ ، والبحر المحيط ٥ / ١٤٨.

(٨) في ب : الدكان. وينظر : تفسير الطبري ١١ / ١٤٣ ، والكشاف ٢ / ٣٤٢ ، والبحر المحيط ٥ / ١٤٨.

(٩) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٤٦١ ، وتفسير الطبري ١١ / ١٤٤ ، والوجيز ١ / ٤٩٦.

(١٠) ينظر : البحر المحيط ٥ / ١٥٣.

(١١) ينظر : تفسير الطبري ١١ / ١٤٦ ، والبغوي ٢ / ٣٥١ ـ ٣٥٢ ، ومجمع البيان ٥ / ١٨١ ـ ١٨٢.

(١٢) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٤٦٢ ، وغريب القرآن وتفسيره ١٧٠ ، وتفسير البغوي ٢ / ٣٥٢.

(١٣) ينظر : تفسير البغوي ٤ / ٢٠٤ ، والنسفي ٤ / ١٥٨ ، وروح المعاني ٢٦ / ١١٥.

(١٤) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٣٥٢ ، والكشاف ٢ / ٣٤٤ ، وزاد المسير ٤ / ٢٤.

(١٥) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٤٤.

٨١٩

الملائكة وعزير وعيسى عليهم‌السلام ، كما قال عيسى : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ) ، الآية [المائدة : ١١٧] ، وقول الملائكة (١) : (سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا) [سبأ : ٤١]. ويحتمل أنّ الأرواح الخبيثة من طواغيت الإنس والجنّ تتبرّأ عن عابديها وتستشهد (٢) الله كاذبة كما يحلفون به كاذبين.

٣٠ ـ (وَرُدُّوا إِلَى اللهِ) : أعيدوا إلى جزائه (٣).

٣١ ـ (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ) : اتّصالها بما قبلها من حيث سبق ذكر الإشراك (٤).

(أَفَلا تَتَّقُونَ) : سخط الله بطاعته (٥) ، أو تتّقون الإشراك بالله بتوحيده (٦).

٣٢ ـ (فَذلِكُمُ) : إشارة إلى الله الرّازق من السّماء والأرض المالك للسّمع والبصر المدبّر للأمر (٧).

(رَبُّكُمُ) : سيّدكم وخالقكم (٨).

(الْحَقُّ) : الشّيء الواجب كونه ووجوده ، الباطل نفيه وجحوده (٩).

(فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) : إنكار عليهم على قضيّة انقسام الكلام فإنّه حقّ وباطل ، فإذا استحقّ الحقّ نفى للغير (١٠) الباطل ، واتّباع الباطل الضّلال (١١).

٣٣ ـ (كَذلِكَ) : أي : كما أنّه ليس بعد الحقّ إلّا الضّلال ، أو كما يصرفون ، أو كما فسقوا ، أو كما نخبرك (١٢).

(أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) : ترجمة الكلمة (١٣).

__________________

(١) (وعزير ... وقول الملائكة) ليس في ع.

(٢) في ع وب : ويستشهد. وينظر : مجمع البيان ٥ / ١٨٢.

(٣) ينظر : مجمع البيان ٥ / ١٨٢ ، والبحر المحيط ٥ / ١٥٥ ، وفتح القدير ٢ / ٤٤٠.

(٤) ينظر : التفسير الكبير ١٧ / ٨٦.

(٥) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ٣٧١.

(٦) ينظر : تفسير الطبري ١١ / ١٥٠ ، والبغوي ٢ / ٣٥٢ ، وزاد المسير ٤ / ٢٦.

(٧) ينظر : تفسير الطبري ١١ / ١٥٠ ، والتبيان في تفسير القرآن ٥ / ٣٧٢.

(٨) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ٣٧٢.

(٩) ينظر : زاد المسير ٤ / ٢٦.

(١٠) في ك : الغير.

(١١) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ٣٧٢.

(١٢) ينظر : فتح القدير ٢ / ٤٤٤.

(١٣) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٣ / ١٨ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ٢٩٢.

٨٢٠