درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ١

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني

درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ١

المؤلف:

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني


المحقق: د. طلعت صلاح الفرحات / د. محمّد أديب شكور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر ناشرون وموزعون
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9957-07-514-9

الصفحات: ٨٣٢
الجزء ١ الجزء ٢

سبيل الله ، قال : قرنها سيف ، فقال (١) : قرن الرّجل إذا تقلّد سيفه وتنكّب قوسه (٢).

وعن عقبة قال : إنّ الله تعالى ليدخل الجنّة (٣) بالسّهم الواحد ثلاثة : صانعه الذي يحتسب بصنعته الخير والرّامي به والممدّ (٤) به. قال : وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اركبوا (٥) واركبوا وأن ترموا خير من أن تركبوا وكلّ شيء يلهو به الرّجل باطل (٦) إلّا رمي الرّجل بقوسه وتأديبه (٧) فرسه وملاعبته امرأته فإنّهنّ من الحقّ (٨).

وعن عروة البارقيّ قال : قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم) (٩).

والمراد بعدوّ الله (١٠) وعدوّهم قوم واحد وهم الكفّار ، (١٣٤ ظ) كما في قوله : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) [الممتحنة : ١](١١). وقيل : عدوّ الله الكفّار ، وعدوّنا أهل البغي من المؤمنين.

(وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ) : الجنّ ، عن ابن عبّاس (١٢). وقيل (١٣) : سوى بني قريظة والمعروفين من الأعداء.

٦١ ـ (لِلسَّلْمِ) : إلى السّلم (١٤).

(فَاجْنَحْ لَها) : ضمير المسالمة (١٥) أو الفعلة أو الخصلة (١٦).

__________________

(١) لعلها : يقال.

(٢) (وتنكب قوسه) ساقطة من ب. وينظر : لسان العرب ١٣ / ٣٣٩ (قرن).

(٣) ساقطة من ك.

(٤) النسخ الثلاث : المهدى. وينظر : سن ابن ماجه ٢ / ٩٤٠ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢٥٩.

(٥) في المصادر : ارموا ، وهو الصواب.

(٦) في ع : باطلا.

(٧) النسخ الثلاث : وتأدبه.

(٨) ينظر : سنن ابن ماجه ٢ / ٩٤٠ ، والسنن الكبرى للبيهقي ١٠ / ١٣ و ١٤.

(٩) صحيح البخاري ٣ / ١٠٤٨ ، ومسلم ٣ / ١٤٩٣ ، والسنن الكبرى للنسائي ٣ / ٣٩. وعروة البارقي ابن الجعد ، ويقال : ابن أبي الجعد ، صحابي ، روى عنه الشعبي وغيره ، ولي قضاء الكوفة ، ينظر : الطبقات الكبرى ٦ / ٣٤ ، ومعجم الصحابة ٢ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥ ، وتاريخ مدينة دمشق ٤٠ / ٢١٥.

(١٠) ليس في ك.

(١١) ينظر : زاد المسير ٣ / ٢٥٥ ، وتفسير القرطبي ٨ / ٣٨ ، والبحر المحيط ٤ / ٥٠٨.

(١٢) ينظر : الآحاد والمثاني ٥ / ١٥٨ ، والمعجم الكبير ١٧ / ١٨٩ ، ومجمع الزوائد ٧ / ٢٧.

(١٣) ينظر : تفسير الطبري ١٠ / ٤١ ـ ٤٢ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ١٦٧ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢٥٩.

(١٤) ينظر : زاد المسير ٣ / ٢٥٦ ، والتبيان في إعراب القرآن ٢ / ٦٣٠.

(١٥) في ك : للمسالمة.

(١٦) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٤١٦ ، والتفسير الكبير ١٥ / ١٨٧.

٧٤١

والآية غير منسوخة ، وقيام الدّلالة على امتناع مشركي (١) العرب لا يدلّ على أنّ الآية منسوخة في حقّ غيرهم (٢).

٦٢ ـ (أَيَّدَكَ) : «قوّاك» (٣).

(بِنَصْرِهِ) : ما قدّر الله من التّأييد بغير سبب ، (وَبِالْمُؤْمِنِينَ) : ما قدّره من التّأييد بسببهم (٤).

٦٣ ـ (وَأَلَّفَ) : والتّأليف : الجمع بين شيئين بتوفيق الطّبيعة دون القهر (٥).

والمراد به ما ألّف الله به قلوب أوليائه من معرفته والموالاة في ذاته (٦) من غير رحم ولا عصبة ولا جوار ولا (٧) صحبة ولا اصطلاح (٨) زمان ، فهم كنفس واحدة تجسّدت من جوهر طيّب ثمّ نطقت بروح الوحي معصومة من الفتن والبغضاء وأمراض الأهواء (٩). وقيل (١٠) : أراد التّأليف بين الأوس والخزرج من بعد ما كانت بينهم عداوة قديمة.

٦٤ ـ (وَمَنِ اتَّبَعَكَ) : في محلّ الخفض عطفا على الضّمير في (حَسْبُكَ) ، وقيل : الكاف في (حسبك) في محلّ النّصب ، وقيل : إنّه في محلّ الرّفع عطفا على اسم الله (١١).

وتأويله (١٢) : حسبك (١٣) تأييد الله بلا سبب وتأييد من اتّبعك من المؤمنين.

٦٥ ـ ثمّ تعبّد الله المؤمنين بمصابرة عشرة أمثالهم ووعد لهم النّصر عليها ، ثمّ نسخ هذا بالمصابرة لمثليهم (١٤). ولم يبلغنا أنّهم عملوا بهذا المنسوخ وغلبوا على هذه الشّريطة قبل نسخ الوجوب ، وأمّا بعد نسخ الوجوب (١٥) فقد بلغنا ذلك وأعظم منه (١٦).

__________________

(١) بعدها في ك : أهل ، وهي مقحمة.

(٢) ينظر : تفسير الطبري ١٠ / ٤٥ ، والتبيان في تفسير القرآن ٥ / ١٥٠ ، ونواسخ القرآن ١٦٧.

(٣) معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٤٢٣ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ١٦٧ ، والوجيز ١ / ٤٤٧.

(٤) ينظر : التفسير الكبير ١٥ / ١٨٨ ـ ١٨٩.

(٥) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ١٥١.

(٦) في ب : ذات ، والهاء ساقطة.

(٧) (لا) ساقطة من ع وب.

(٨) في الأصل وع : اسطلاح.

(٩) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ، والتفسير الكبير ١٥ / ١٨٩ ، والبحر المحيط ٤ / ٥١٠.

(١٠) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٤١٧ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢٦٠ ، والكشاف ٢ / ٢٣٤.

(١١) ينظر : التبيان في إعراب القرآن ٢ / ٦٣١ ، والمجيد ٣٨٧ ـ ٣٨٨ (تحقيق : د. إبراهيم الدليمي) ، والبحر المحيط ٤ / ٥١٠ ـ ٥١١.

(١٢) ساقطة من ب.

(١٣) (وقيل : الكاف ... وتأويله : حسبك) ساقطة من ك.

(١٤) في الأصل وك : بمثليهم. وينظر : الناسخ والمنسوخ للنحاس ٤٧٠ ، وللمقري ٩٤ ـ ٩٥ ، ونواسخ القرآن ١٦٨ ـ ١٦٩.

(١٥) (وأما بعد نسخ الوجوب) ساقطة من ب.

(١٦) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٥١١.

٧٤٢

(حَرِّضِ) : التّحريض : الحثّ (١) والإغراء.

وإنّما لم يقتصر على عدد واحد لئلّا يتوهّم أنّ الحكم أو الوعد مختصّ بالقليل دون الكثير أو الكثير دون القليل ، وليشترك (٢) فيه الحاذق والجاهل (٣).

٦٧ ـ (ما كانَ لِنَبِيٍّ) : إخبار عن ما مضى من شأن الأنبياء نزل (٤) على سبيل الإنكار والعتاب ، أي : ما جاز لنبيّ قطّ.

(أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) : يفتدون منه (٥).

(حَتَّى يُثْخِنَ) : إلى أن يثخن القتل في أعدائه (٦). ويحتمل إلى أن يتمكّن في الأرض التقتيل (٧). وقد كان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم منّ على أساراه وأنعم عليهم بقبول الفداء قبل أن يثخن في أعدائه القتل ، وكان ذلك بمشاورة بعض الصّحابة ، فعاتبه الله على ذلك ، وأخبر عن غرض أصحابه في قبول الفداء (٨).

٦٨ ـ (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) : أن لا يعذّب أهل بدر ، عن مجاهد والحسن وقتادة (٩). وقيل : أن (١٠) يرزق الإسلام بعض الأسارى. وقيل : أن لا يؤاخذ النّاس بالأوامر الشّرعيّة السّماعيّة قبل السّماع (١١). وقيل : أن تكون (١٢) الغنائم حلالا لأمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١٣) ، وذلك أنّ الكتاب السّابق ما تقدّم على هذه الحادثة من الآيات النّازلة من قوله : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (٤)) [النّجم : ٣ ـ ٤] ، وقوله : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ

__________________

(١) في ع : ليحث ، وفي ب : للحث. وينظر : معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٤٢٣ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ١٦٨ ـ ١٦٩ ، والتبيان في تفسير القرآن ٥ / ١٥٣.

(٢) في ك : وليشرك ، وفي ب : ليشترك.

(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٣٥ ، والبحر المحيط ٤ / ٥١١.

(٤) ساقطة من ب.

(٥) (يفتدون منه) ساقطة من ك.

(٦) ينظر : معاني القرآن الكريم ٣ / ١٧٠ ، وزاد المسير ٣ / ٢٥٩.

(٧) في الأصل وك وب : الثقيل ، ولعل الكلمة مقحمة. وينظر : معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٤٢٥ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ١٧٠.

(٨) ينظر : تفسير الطبري ١٠ / ٥٦ ـ ٥٧ ، والبغوي ٢ / ٢٦١ ـ ٢٦٢ ، والقرطبي ٨ / ٤٥ ـ ٤٦.

(٩) ينظر : تفسير الطبري ١٠ / ٦١ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ١٧١ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢٦٢.

(١٠) بعدها في ب : لا ، وهي مقحمة.

(١١) ينظر : تفسير الطبري ١٠ / ٦١ ـ ٦٢ ، والبغوي ٢ / ٢٦٢ ، وزاد المسير ٣ / ٢٥٩.

(١٢) في الأصل وع : يكون.

(١٣) ينظر : تفسير سفيان الثوري ١٢١ ـ ١٢٢ ، وتفسير القرآن ٢ / ٢٦٢ ، وتفسير غريب القرآن ١٨٠.

٧٤٣

فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ [فَانْتَهُوا] (١)) [الحشر : ٧] ، وقوله : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) [الأنفال : ١] ، فالنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم غير مخطئ مراد الله وما فيه المصلحة وما سيأذن الله (٢) له فيه ويجعله (١٣٥ و) شريعة له (٣) ، ولكنّه عجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليه وحيه ، وكان (٤) أصحابه غير مخطئين في طاعته ولكنّهم لم ينتظروا الوحي وعجلوا بالإشارة عليه. ويحتمل أنّ الكتاب السّابق قضاء الله وحكمه أن يغفر لنبيّه ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر.

٦٩ ـ الغنم : الاستفادة وإصابة (٥) الخير.

٧٠ ـ والخير المعلوم : الإيمان ، والخير الموعود : الثّواب ، وهو على سبيل التّفضيل على المأخوذ.

وقال العبّاس عمّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أبدلني الله مكان عشرين أوقية من الذّهب (٦) عشرين عبدا كلّهم يضرب بمال كثير وأدناهم يضرب بعشرين ألف درهم ، وأعطاني زمزم (٧) وما أحبّ أنّ لي بها جميع أموال بكّة ، وأنا أنتظر المغفرة من ربّي عزوجل ، هذا الذي أخلفه في نفسه وأمّا الذي أخلف على ولده فلا يحصيه إلّا الله عزوجل (٨).

٧١ ـ (وَإِنْ يُرِيدُوا) : نزلت في الذين عاهدوا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا يعودوا حربا عليه إن أطلقهم وردّهم إلى مأمنهم (٩).

(فَأَمْكَنَ) : مكّنك (مِنْهُمْ) وسلّطك عليهم.

٧٢ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) : كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار على أن يرث بعضهم بعضا ، وقطع الموالاة بينهم وبين (١٠) القاعدين من الهجرة المقيمين في دار الحرب إلّا (١١) على سبيل النّصرة في الدّين على غير المعاهدين بقضيّة هذه الآية ، وفائدته ترغيبهم في الهجرة

__________________

(١) من ع وب.

(٢) ليس في ع ، وبعدها : (له) ساقطة من ك.

(٣) ساقطة من ع.

(٤) النسخ الثلاث : وكانوا.

(٥) في ك : إصابة ، والواو ساقطة.

(٦) ساقطة من ك.

(٧) ساقطة من ك.

(٨) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٢٦٣ ، والكشاف ٢ / ٢٣٨ ، ومجمع البيان ٤ / ٤٩٦.

(٩) في ع : ما نهاهم. وينظر : التفسير الكبير ١٥ / ٢٠٦.

(١٠) في ع : ومن.

(١١) ساقطة من ب.

٧٤٤

وزجرهم (١) عن الإقامة في دار الحرب ، ثمّ نسخت بقوله : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) [الأنفال : ٧٥](٢).

ويحتمل أن تكون هذه الآية في الذين ليس لهم ذوو أرحام (٣) من المؤمنين ، فلا تكون منسوخة.

٧٣ ـ وفي قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) ، الآية دليل أنّ الكفر كلّه ملّة واحدة (٤).

(تَفْعَلُوهُ) : يعني النّصر الواجب المأمور به (٥).

٧٤ ـ وحكم الموالاة وقطعها أبهم الله تعالى حكم المقيمين في دار الحرب بتخصيص المهاجرين وحكم الممتنعين عن النّصرة بتخصيص الأنصار ، لترغيبهم (٦) بذلك في الهجرة والنّصرة.

٧٥ ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ) : ألحق الله (٧) المهاجرين الآخرين بالمهاجرين (٨) الأوّلين. فمن المهاجرين الآخرين عبّاس وابنا أخيه عقيل بن عبد المطّلب (٩) ونوفل بن الحارث.

وقد روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال لعبّاس : ختم الله بك الهجرة كما ختم بي النّبوّة (١٠) ، فقوله : (لا هجرة بعد الفتح) (١١) على فتح (١٢) بدر على هذه الرّواية. ويحتمل أنّ هجرة بني هاشم ختمت بفتح بدر وهجرة سائر النّاس ختمت بفتح مكّة.

وكما ألحق المهاجرين الآخرين بالأوّلين جعل أولي (١٣) الأرحام أولى بالميراث والموالاة من أصحاب العقود (١٤) والمؤاخاة بعد ارتفاع الهجرة المندوب (١٥) إليها ، والله أعلم.

__________________

(١) في ب : زجره.

(٢) ينظر : تفسير القرآن ٢ / ٢٦٢ ، والناسخ والمنسوخ للنحاس ٤٧٤ ـ ٤٧٥ ، ونواسخ القرآن ١٧٠ ـ ١٧١.

(٣) في ك وع : ذو الأرحام ، بدل (ذوو أرحام).

(٤) ينظر : التفسير الكبير ١٥ / ٢١١.

(٥) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٤١٩ ، وتفسير الطبري ١٠ / ٧٣ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ١٧٤.

(٦) في ك : ترغيبهم ، وفي ع : عنهم ، وفي ب : الأنصارية عنهم ، بدل (الأنصار ترغيبهم).

(٧) ليس في ع.

(٨) ساقطة من ب ، وبعدها : (فمن) ساقطة منها أيضا. وينظر : الكشاف ٢ / ٢٤٠.

(٩) كذا في نسخ التحقيق ، والصواب أنه عقيل بن أبي طالب.

(١٠) ينظر : مسند أبي يعلى ٥ / ٥٥ ، والمعجم الكبير ٦ / ١٥٤ ، ومجمع الزوائد ٩ / ٢٦٨ ـ ٢٦٩.

(١١) صحيح البخاري ٣ / ١٠٢٥ ، ومسلم ٣ / ١٤٨٨ ، وسنن الترمذي ٤ / ١٤٨.

(١٢) في ب : ختم ، وهو خطأ.

(١٣) ساقطة من ب.

(١٤) في الأصل وع : القعود ، وفي ب : القود.

(١٥) في ع : والمندوب ، والواو مقحمة.

٧٤٥

سورة التوبة

«مدنيّة كلّها» (١). وعن مجاهد أنّها آخر ما نزلت (٢). وعن عطاء عن ابن عبّاس : سور القرآن مئة وثلاث عشرة ، فكأنّه عدّ الأنفال والتّوبة سورة واحدة. وقال (٣) ابن عبّاس : قلت لعثمان : ما لكم عمدتم إلى الأنفال (٤) وهي من (٥) المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم (٦) بينهما ولم تكتبوا سطر : بسم الله الرّحمن الرّحيم ، قال (٧) : لأنّ سورة التّوبة آخر القرآن نزولا (١٣٥ ظ) وقصّتها تشبه بقصّة سورة الأنفال ، فقبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يبيّن لنا حكمها فقرنّا بينهما ولم نكتب بسم الله الرّحمن الرّحيم (٨) ، وكذلك روى القاضي أبو عاصم عن أبيّ بن كعب (٩). وهي مئة وثلاثون آية في غير عدد الكوفة (١٠).

١ ـ (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ) : إنّ الله كان (١١) قد أنزل على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أوّل ما أنزل بالمدينة قوله : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) [الأنفال : ٥٨] ، فكانت ذمم (١٢) النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم منعقدة على هذه الشّريطة ، فلمّا فتح الله مكّة وانسلخ شهر رمضان ودخل أشهر الحجّ الأكبر وكثر من القبائل مكرها وغدرها ونكثها أمر الله تعالى نبيّه (١٣) أن ينبذ إليهم عهودهم ويعلمهم ذلك ليكونوا على سواء ، وأمرهم أن يردّوا العهود الزّائدة على أربعة أشهر إلى أربعة أشهر ، وبرفع (١٤) العهود النّاقصة إلى أربعة أشهر أوّلها غرّة شوّال ، وقيل : أوّلها يوم الحجّ الأكبر وذلك اليوم العاشر من ذي القعدة ، وكان الموسم انتقل إلى ذلك الوقت بنسيء الكفّار ، وآخرها انسلاخ الأشهر الأربعة المحرّمة بالذّمّة والعهد ، وقيل : انسلاخ الأشهر الحرم (١٥) انسلاخ رجب ،

__________________

(١) مجمع البيان ٥ / ٥ ، والبحر المحيط ٥ / ٦.

(٢) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ١٦٧ ، ومجمع البيان ٥ / ٥.

(٣) في ك : وعن.

(٤) (والتوبة سورة ... إلى الأنفال) ساقطة من ع.

(٥) ساقطة من ك.

(٦) في ك : فقريتم ، وبعدها : (بينهما) ساقطة منها. والمئين : ذوات مئة آية ، والمثاني : ما كان أقل من المئين ، ينظر : عون المعبود ٢ / ٣٥١.

(٧) ساقطة من ك.

(٨) ينظر : المستدرك ٢ / ٢٤١ و ٣٦٠ ، والأحاديث المختارة ١ / ٤٩٤ ـ ٤٩٥ ، وموارد الظمآن ١٢٥.

(٩) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٤٢٧ ، وزاد المسير ٣ / ٢٦٥.

(١٠) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ١٦٧ ، ومجمع البيان ٥ / ٥.

(١١) ساقطة من ك.

(١٢) في ب : ذم ، والميم الثانية ساقطة.

(١٣) ليس في ك.

(١٤) في ع وب : ويرفع.

(١٥) في ك : الحرام.

٧٤٦

كان قد بقي من مدّة بني ضمرة وهم من كنانة تسعة أشهر أوّلها غرّة ذي القعدة ، فأمر الله نبيّه أن يتمّ إليهم عهدهم إلى مدّتهم ، وقيل : فإذا انسلخ الأشهر الحرم في قوم (١) لم يكن لهم ذمّة فأجلهم رسول الله بخمسين يوما أوّلها يوم الحجّ الأكبر ، وليس هذا بسديد ؛ لأنّ من الحجّ الأكبر إلى انسلاخ المحرّم ثمانين يوما على (٢) التّخمين. وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد بعث أبا بكر إماما للنّاس في الحجّ ونزل (٣) جبريل عليه‌السلام وأمر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يبعث رجلا من أهل بيته بثلاث عشرة آية من أوّل هذه السّورة إلى الموقف والمنحر ليقرأ على النّاس ، فبعث عليّا فقرأها عليهم ، قالوا : برئنا منك ومن ابن عمّك وبرئتما منّا إلّا من الضّرب والطّعن ، ثمّ ندموا وأقاموا على العهد المذكور إلى أن دخلوا في الإسلام أفواجا (٤).

(براءة) : خبر ابتداء محذوف ، تقديره : هذه براءة ، كقوله (٥) : (سُورَةٌ أَنْزَلْناها) [النّور : ١](٦). وقيل : (براءة) : مبتدأ ، (إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ) خبره (٧) ، وكذلك (سورة) ، (أنزلناها) : خبره (٨).

وإنّما أسندت المعاهدة إلى المؤمنين ؛ لأنّ أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأمر المؤمنين واحد (٩).

٢ ـ (فَسِيحُوا) : تمهيل. والسّياحة هو الضّرب في الأرض (١٠).

٣ ـ (وَأَذانٌ) : إعلام (١١).

(الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) : من الحجّة المعروفة ذات الوقوف ، والحجّة الصّغرى هي العمرة.

وقيل : (الأكبر) : صفة اليوم ، وهو يوم عرفة فإنّ الوقوف فيه. وقيل : هو يوم النّحر لاشتماله على الرّمي والنّحر والحلق وطواف الزّيارة ، ثمّ غلب هذا الحجّ على حجّة أبي بكر سنة تسع وحجّة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسمّيت بحجّة الوداع (١٢).

__________________

(١) في ع : قوله.

(٢) في ب : إلى.

(٣) في ع وب : فنزل ، وبعدها : (جبريل) ليس في ب.

(٤) ينظر في هذه الأقوال : تفسير الطبري ١٠ / ٧٧ ـ ٨٧ ، والبغوي ٢ / ٢٦٦ ـ ٢٦٨ ، وزاد المسير ٣ / ٢٦٧ ـ ٢٦٨.

(٥) النسخ الثلاث : قوله.

(٦) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٤٢٠ ، وتفسير الطبري ١٠ / ٧٦ ، والبيان في غريب إعراب القرآن ١ / ٣٩٣.

(٧) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٤٢٨ ، وإعراب القرآن ٢ / ٢٠١ ، ومشكل إعراب القرآن ١ / ٣٢٢.

(٨) ينظر : مجاز القرآن ٢ / ٦٣ ، والمجيد ٣٤ (تحقيق : د. شنشول فريج عسكر).

(٩) ينظر : تفسير الطبري ١٠ / ٧٦ ، والقرطبي ٨ / ٦٣.

(١٠) ينظر : مجمع البيان ٥ / ٧ ، والتفسير الكبير ١٥ / ٢١٩.

(١١) ينظر : غريب القرآن وتفسيره ١٦١ ، وتفسير غريب القرآن ١٨٢ ، وتفسير الطبري ١٠ / ٨٧ ـ ٨٨.

(١٢) ينظر في هذه الأقوال : تفسير القرآن ٢ / ٢٦٦ ـ ٢٦٧ ، وتفسير الطبري ١٠ / ٨٨ ـ ٩٩ ، والبغوي ٢ / ٢٦٨.

٧٤٧

٤ ـ (الْمُتَّقِينَ) : المؤمنين الذين يتمّون ويتّقون نقضه من غير سبب موجب للنّقض (١).

٥ ـ (انْسَلَخَ) : انكشف ، فالأشهر ملابسة (٢) إيّانا فإذا مضت فكأنّها انسلخت عنّا (٣).

والمراد بالقعود الاعتراض ، كقوله : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) [الأعراف : ١٦]. (١٣٦ و).

(مَرْصَدٍ) : الطّريق الذي لا بدّ منه (٤).

(فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) : يعني بترك (٥) الاعتراض. والتّخلية أن تجعل الشّيء فارغا خاليا (٦). لمّا أمر الله برفع ذمم مشركي العرب [أراد](٧) أن يضع بين المسلمين وبينهم أسباب الرّسالة لئلّا تتقطّع السّبل (٨) فيتعذّر التّبليغ.

٦ ـ (اسْتَجارَكَ) : أي : طلب منك الجوار والإجارة (٩).

(مَأْمَنَهُ) : دار الحرب (١٠).

٧ ـ (كَيْفَ) : للتّعجّب (١١) ، وأسباب التّعجّب بعدها. والاستثناء عارض [بين التّعجّب](١٢) وأسبابه ، فهؤلاء المستثنون من تقدّم ذكرهم ، وقيل : قوم من بني بكر من كنانة ، وقيل : هم بنو خزيمة (١٣). ولمّا طال العارض بين التّعجّب وأسبابه أعاد التّعجّب ، وقريب منه قوله : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ) إلى أن قال : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا [كَفَرُوا] (١٤)) [البقرة : ٨٩] ، وقوله : (فَبِما نَقْضِهِمْ [مِيثاقَهُمْ])(١٥) إلى قوله : (فَبِظُلْمٍ) [النّساء : ١٥٥ ـ ١٦٠] ، وقوله :

__________________

(١) ينظر : مجمع البيان ٥ / ١٣ ، والدر المنثور ٣ / ٢١٢.

(٢) في ب : الملابسة.

(٣) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ١٧٣ ، ومجمع البيان ٥ / ١٣ ، والتفسير الكبير ١٥ / ٢٢٤.

(٤) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٤٢١ ، وتفسير غريب القرآن ١٨٣ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢٦٩.

(٥) في الأصل وع وب : لترك. وينظر : الكشاف ٢ / ٢٤٨ ، والبحر المحيط ٥ / ١٣.

(٦) ينظر : لسان العرب ١٤ / ٢٣٧ (خلا).

(٧) يقتضيها السياق.

(٨) في ع : السبيل.

(٩) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٤٣١ ، وتفسير القرطبي ٨ / ٧٥.

(١٠) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٢٧٠.

(١١) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٤٢٣ ، والتبيان في تفسير القرآن ٥ / ١٧٦ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢٧٠.

(١٢) يقتضيها السياق.

(١٣) ينظر في هذه الأقوال : تفسير الطبري ١٠ / ١٠٥ ـ ١٠٧ ، والبغوي ٢ / ٢٧٠ ، ومجمع البيان ٥ / ١٨.

(١٤) من ب.

(١٥) من ع.

٧٤٨

(فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣)) إلى قوله : (مَدِينِينَ) [الواقعة : ٨٣ ـ ٨٦].

٨ ـ (إِلًّا) : الإلّ : «القرابة» (١) ، قال حسّان (٢) : [من الوافر]

لعمرك إنّ إلّك من قريش

كإلّ السّقب من رأل النّعام

والإلّ : العهد والذّمّة (٣) ، قال (٤) : [من البسيط]

كأنّه لم يكن بيني وبينكم

إلّ ولا خلّة ترعى ولا ذمم

والإلّ : اسم الله وربوبيّته (٥) ، قال أبو بكر الصّدّيق : ويحكم إنّ هذا لم يخرج من إلّ (٦).

٩ ـ (ثَمَناً قَلِيلاً) : الرّياسة والعصبيّة والخمر والزّنا والقمار (٧).

١٠ ـ (لا يَرْقُبُونَ) : الخبر الأوّل (٨) خبر عن نيّاتهم معلّق بشرط القدرة ، وهذا الخبر خبر عمّا هم يفعلون في الحال. وقيل : الخبران (٩) واحد والتّكرار للتّأكيد.

١٢ ـ (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) : نزلت في أبي سفيان بن حرب والحارث بن هاشم وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل ، أعانوا حلفاءهم من بني الدّئل بن (١٠) بكر على خزاعة حلفاء نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقدم على رسول الله عمرو بن سالم وبديل بن ورقاء (١١) المدينة مستنجدين ، وكان بديل يرتجز (١٢) :

لا همّ إنّي ناشد محمّدا

حلف أبينا وأبيه الأتلدا (١٣)

كنت (١٤) لنا ولدا وكنت والدا

__________________

(١) اللغات في القرآن ٢٧ ، وغريب القرآن وتفسيره ١٦١ ، وتفسير غريب القرآن ١٨٣.

(٢) شرح ديوانه ٤٦٥. والرّأل : ولد النّعام ، لسان العرب ١١ / ٢٦١ (رأل).

(٣) ينظر : غريب القرآن وتفسيره ١٦١ ، وتفسير غريب القرآن ١٨٣ ، واتفاق المباني وافتراق المعاني ٢٣١.

(٤) عزي إلى طريح بن إسماعيل الثّقفيّ في الأغاني ٤ / ٣٠٥ ، وتاريخ مدينة دمشق ٢٤ / ٤٧٣ ، وروايته : نسب ، بدل (ذمم).

(٥) ينظر : تفسير غريب القرآن ١٨٣ ، وتفسير الطبري ١٠ / ١٠٨ ، والقرطبي ٨ / ٧٩.

(٦) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ١٧٨ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢٧١ ، واتفاق المباني وافتراق المعاني ٢٣٢.

(٧) ينظر : إعراب القرآن ٢ / ٢٠٤ ، والكشاف ٢ / ٢٥٠.

(٨) ساقطة من ب.

(٩) في ب : الخبر.

(١٠) في ب : من. وينظر : تفسير البغوي ٢ / ٢٧١ ، والدر المنثور ٣ / ٢١٤.

(١١) في ب : روقاء.

(١٢) ينظر : السيرة النبوية ٤ / ٨٥٤ ـ ٨٥٥ ، والمنمق ٨٩ ـ ٩٠ ، والاكتفاء ٢ / ٢١٥ ـ ٢١٦ ، وعزي الرّجز فيها جميعا إلى عمرو بن سالم.

(١٣) النسخ الثلاث : الأبلدا.

(١٤) في ع وب : كتب ، وكذا ترد قريبا.

٧٤٩

ثمّت أسلمنا (١) ولم ننزع يدا

أبيض مثل البدر ينهو صعدا

إنّ قريشا أخلفوك (٢) الموعدا

ونقضوا ميثاقك المؤكّدا

فقال رسول الله : لا نصرني الله إن لم أنصركم ، ثمّ أمر النّاس (٣) أن يتجهّزوا إلى مكّة (٤).

وكان أبو سفيان يومئذ عند هرقل بالشّام ، فكتبت قريش إليه بالخبر ، فلمّا قرأ الكتاب استأذن هرقل في الرّجوع وقال : إنّ محمّدا كان عاهدنا سنين وهو يريد النكث ، قال هرقل : ولم ذلك؟ قال : لأنّا أعنّا حلفاءنا على حلفائه ، قال : هو معذور فإنّكم إذا قاتلتم حلفاءه فقد (٥) قاتلتموه. وانصرف أبو سفيان من الشّام يريد الإصلاح حتى دخل المدينة على فاطمة بنت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وطلب منها الإجارة فلم تفعل ، وطلب من الحسن والحسين فلم يفعلا ، ثمّ خرج إلى أبي بكر فردّه ، وإلى عمر فردّه وقال : والله لنضربنّ إستك يا أبا سفيان ، فقال : ما أسفهك يا ابن الخطّاب ، ثمّ خرج إلى عليّ رضي الله عنه وطلب منه الإجارة ، فقال عليّ : يا أبا سفيان أتظنّ برسول الله أنّه يردّ أمرك اخرج إلى النّاس واضرب (١٣٦ ظ) إحدى يديك على الأخرى وقل : أجرت بين النّاس ، فقال أبو سفيان : أهو كما تقول؟ قال عليّ : سترى (٦) ما يكون ، فخرج أبو سفيان فضرب إحدى يديه على الأخرى وقال : أجرت بين النّاس ، ورجع إلى مكّة وقال : أجرت بين النّاس ، قالوا : كيف؟ فأخبرهم بالقصّة ، قالوا : لم تفعل شيئا وإنّما استهزأ بك عليّ (٧).

ثمّ سار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في جيوشه إلى مكّة ، ولم يلق أحدا مقبلا ولا مدبرا إلّا حبسه لئلّا يخبر أهل مكّة بمسيره (٨) إليهم ، فخرج أبو سفيان متحسّسا (٩) أخبارهم فلقيه العبّاس في جوف اللّيل وأجاره وأردفه خلفه على بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى (١٠) أدخله عليه (١١) صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأحسّ به عمر فسابقه إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسبقه وحال بينه وبين أبي (١٢) سفيان ، ثمّ ردّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى مكّة ، فلمّا

__________________

(١) في ب : إسلامنا ، وبعدها : ينزع ، بدل (ننزع).

(٢) في ب : خلفوك.

(٣) في الأصل وك وب : أموالنا ، بدل (أمر الناس).

(٤) ينظر : تفسير القرطبي ٨ / ٨٧.

(٥) في ع : قد.

(٦) مكررة في ب.

(٧) ينظر : السيرة النبوية ٤ / ٨٥٥ ـ ٨٥٧.

(٨) في ع : بسيره.

(٩) في ب : متجسسا.

(١٠) في ك : على.

(١١) بعدها في ب : رسول الله ، وهي مقحمة.

(١٢) في ك : أبا ، وهو خطأ.

٧٥٠

كان ببعض الطّريق أمر عبّاسا ليتبعه فيحبسه على الطّريق ليمرّ به كتائب العسكر ، فلمّا لحقه العبّاس خافه أبو سفيان على نفسه وقال : أغدرا يا بني هاشم ، قال : كلّا ولكن أبصر كتائبنا (١) ، وكان كلّما مرّ عليه كتيبة قال : أفي هؤلاء محمّد؟ وكان عبّاس يقول : لا هؤلاء بنو فلان وهؤلاء بنو فلان حتى مرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كالبدر المنير تحت المغفر في ثلاثة آلاف فارس من الأنصار متكفرين بالسّلاح. وأسلم أبو سفيان ، فقال عبّاس : يا رسول الله إنّ أبا سفيان رجل (٢) يحبّ الصيّت فاجعل له شيئا يفتخر به ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. وانصرف أبو سفيان إلى مكّة ونادى : من دخل داري فهو آمن ، فقامت إليه امرأته هند وأخذت بسباله (٣) وقالت : اقتلوا هذا الخبيث ، فضربوه ضربا شديدا (٤).

وكان خالد بن الوليد على الميمنة فاستقبله جمع من المشركين وعليهم حماس (٥) بن قيس ومقيس بن ضبابة وعكرمة بن أبي جهل فقاتلهم خالد حتى هزمهم ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد نهاه عن ذلك ، فلمّا (٦) علم بذلك قال : عسى أن يكون خيرا. وروى ابن (٧) إسحق أنّهم قتلوا من المسلمين كرز بن جابر وحنش بن خالد ، وأصيب من مزينة سلمة بن الميلاء ، وأصيب من المشركين قريب من اثني عشر أو ثلاثة عشر ، ثمّ هزموا (٨).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إنّي أعوذ من صنيع خالد) لم يكن في هذا اليوم وإنّما كان من (٩) قبله.

وجمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأنصار حواليه يوم فتح مكّة ثمّ أمرهم بأن (١٠) يحضروا أوباش قريش ، قال أبو هريرة : وما كنّا إلا قادرين على قتل (١١) من نشاء أن نقتله ، فجاء أبو سفيان وقال : يا رسول الله أبيدت خضراء قريش لا قريش بعد هذا اليوم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من أغلق بابه على نفسه فهو آمن (١٢) ، واستثنى أربعة من المشركين وأمر بقتلهم (١٣).

وأجارت أمّ هانئ رجلين من مخزوم ، فأراد أخوها عليّ بن أبي طالب أن

__________________

(١) في ب : كاهنا ، وهو خطأ.

(٢) ساقطة من ك.

(٣) أي : بمقدّم لحيته ، ينظر : لسان العرب ١١ / ٣٢١ ـ ٣٢٢ (سبل).

(٤) ينظر : السيرة النبوية ٤ / ٨٥٩ ـ ٨٦٤.

(٥) في ب : أحماس.

(٦) في ع : فلم.

(٧) في ك : أبو.

(٨) ينظر : السيرة النبوية ٤ / ٨٦٥ ـ ٨٦٧.

(٩) ساقطة من ك. وينظر : الديات ٥٠ ، والسنن الكبرى للنسائي ٣ / ٤٧٤ ، وصحيح ابن حبان ١١ / ٥٣.

(١٠) في ك : أن.

(١١) في ك وب : قتله ، والهاء مقحمة.

(١٢) ينظر : صحيح مسلم ٤ / ١٤٠٧ ، وصحيح ابن حبان ١١ / ٧٤ ـ ٧٥.

(١٣) ينظر : مصنف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٠٢ ، وشرح معاني الآثار ٣ / ٣١٤.

٧٥١

يقتلهما (١) ، فجاءت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تشكوه والنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلّي صلاة (١٣٧ و) الضّحى ، وذلك قبل أن دخل مكّة ، فقال : أجرنا من أجرت (٢).

وعن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : يا أبا هريرة اهتف بالأنصار ، فنادى : يا معشر الأنصار أجيبوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجاؤوا كأنّما كانوا على ميعاد ، ثمّ قال : اسلكوا هذا الطّريق ولا يشرفن أحد عليكم إلا أنمتموه ، أي : قتلتموه (٣).

وسار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى دخل المسجد ، وما قتل ذلك اليوم إلّا أربعة ، ودخل صناديد قريش الكعبة يظنّون أنّ السّيف لا يرفع عنهم ، فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعضادتي الباب وقال : ما تظنّون؟ فقالوا (٤) : نقول : أخ وابن عم حليم رحيم ، فقال رسول الله (٥) صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّي أقول كما قال يوسف عليه‌السلام : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ [الْيَوْمَ] (٦)) ، الآية [يوسف : ٩٢] ، فخرجوا من الكعبة كأنّما نشروا من القبر ، ودخلوا في الإسلام (٧).

قالت عائشة : ما من بلدة إلّا فتحت بالسّيف إلّا المدينة فإنّها فتحت بلا إله إلّا الله (٨).

وقوله : (وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ) [الفتح : ٢٢] في شأن أسد وغطفان ، وقيل : في الحديبية (٩). وكذلك قوله : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ) [الفتح : ٢٤] كان المشركون (١٠) بعثوا أربعين رجلا ، وقيل : اثنا عشر لاغتيال أصحاب (١١) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الحديبية فأظهرهم الله عليهم فأخذوهم وجاؤوا بهم إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأطلقهم (١٢).

قد دلّ كتاب الله وتواترت الرّوايات وأجمع أصحاب السّير أنّ مكّة فتحت عنوة ثمّ منّ عليهم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأطلقهم ولم يقسم أموالهم فسمّوا طلقاء (١٣) ، فمن قال : فتحت صلحا (١٤) ، فقد

__________________

(١) في ك وع : يقتلها.

(٢) ينظر : مصنف ابن أبي شيبة ٦ / ٥١٠ ، ومسند أبي عوانة ٤ / ٢٩١ ـ ٢٩٢ ، وشرح معاني الآثار ٣ / ٣٢٣.

(٣) ينظر : سنن الدارقطني ٣ / ٥٩ ، والمستدرك ٢ / ٦٢ ، والسنن الكبرى للبيهقي ٩ / ١١٨.

(٤) في ك وع : فقال ، وبعدها في ك : يقول ، بدل (نقول).

(٥) (رسول الله) ليست في ك وب.

(٦) من ع.

(٧) ينظر : شرح معاني الآثار ٣ / ٣٢٥ ، والسنن الكبرى للبيهقي ٩ / ١١٨.

(٨) وهو حديث مروي عن عائشة رضي الله عنها في الضعفاء الكبير ٤ / ٥٨ ، والمجروحين ٢ / ٢٨٩ ، والكامل في ضعفاء الرجال ٦ / ١٧١ ، وفيها جميعا أن المدينة فتحت بالقرآن.

(٩) ينظر : تفسير القرطبي ١٦ / ٢٨٠.

(١٠) في ك : كانوا المشركين ، بدل (كان المشركون).

(١١) ساقطة من ع.

(١٢) ينظر : صحيح مسلم ٣ / ١٤٤٢ ، وأخبار مكة ٥ / ٩٠ ، والسنن الكبرى للبيهقي ٦ / ٣١٨ ـ ٣١٩.

(١٣) وهذا قول أبي حنيفة ومالك والأوزاعي ، ينظر : شرح معاني الآثار ٣ / ٣١١ ، والبحر الرائق ٢ / ٢٦٠ ، وحاشية رد المحتار ٢ / ١٧٦.

(١٤) وهو قول الشافعي وأحمد ، ينظر : الأم ٧ / ٣٦٢ ، وفتح الباري ٨ / ١٢ ، وعون المعبود ٥ / ٣٤٦.

٧٥٢

خالف الكتاب والسّنّة وخرق الإجماع.

١٤ ـ (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ) : الشّفاء : إزاحة الأذى من مرض أو غضب أو حزن (١).

وكان شفاء المؤمنين حين صعد بلال على سطح الكعبة ورفع صوت الأذان ، قال خالد بن أسيد : الحمد لله الذي لم يبق أسيدا (٢) إلى هذا اليوم (٣) ، وقال الحارث [بن](٤) هشام : إن كنت لأبغض أن ينهق عليها (٥) ابن أبي رباح ، وقال سهيل بن عمرو : دعوه إنّ لها (٦) ربّا إن شاء أن ينصرها نصرها ، وقالت جويرية بنت أبي جهل حين سمعت اسم رسول الله في الأذان : والله لقد رفع ذكرك ، ولّما (٧) سمعت قوله : قد قامت الصّلاة قالت : أمّا القيام فسأقوم ولكنّي لا أحبّ قاتل أخيه أبدا. والمؤمنون يسمعون منهم أحاديثهم هذه ويضحكون عليهم.

١٦ ـ (وَلِيجَةً) : هو الذي يلج عليك وتلج عليه على كلّ حال ولا يكتم عنه سرّه (٨).

١٧ ـ (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ) : نزلت في الرّدّ على المشركين حين افتخروا بعمارة المسجد الحرام وسقي الحجيج (٩). وإنّما نزلت هذه السّورة في آخر ما نزلت في المدينة في أيّام فتح مكّة ، وتوفّي [رسول](١٠) الله قبل أن يبيّن موضعها ، فالظّاهر أنّ المفتخرين أبو سفيان والحارث بن هشام وعكرمة ابن أبي جهل وسهيل بن عمرو (١١) وخالد بن أسيد.

(ما كان) : أي : لم يكن معتدّا به ولم يصحّ ولم يقع موقعه فعلهم ذلك (١٢).

و (العمارة) : ضدّ التّخريب.

(شهادتهم على أنفسهم بالكفر) : (١٣٧ ظ) جهرهم به وإن لم يعدّوه كفرا (١٣).

١٨ ـ وإنّما تصحّ (١٤) العمارة ممّن آمن بالله.

١٩ ـ (أَجَعَلْتُمْ) : فضيلة ، (سِقايَةَ الْحاجِ) كفضيلة من (آمَنَ بِاللهِ). قال الحسن

__________________

(١) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ١٨٥.

(٢) في الأصل وك : أسيد.

(٣) ينظر : مصنف ابن أبي شيبة ٧ / ٣٩٩.

(٤) من ب.

(٥) بعدها في ك وع : ايا ، وهي مقحمة.

(٦) في ع : ودعره بن ايا ، بدل (دعوه إن لها).

(٧) في ك : وأما.

(٨) ينظر : تفسير الطبري ١٠ / ١١٩ ، وتلخيص البيان ٥٨ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢٧٣.

(٩) ينظر : الوجيز ١ / ٤٥٦ ـ ٤٥٧ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢٧٣ ، والكشاف ٢ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤.

(١٠) يقتضيها السياق.

(١١) (بن عمرو) ساقطة من ب.

(١٢) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٢٧٣ ـ ٢٧٤ ، والكشاف ٢ / ٢٥٣ ، والبحر المحيط ٥ / ٢٠.

(١٣) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٢٧٤ ، والكشاف ٢ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤ ، والتفسير الكبير ١٦ / ٨.

(١٤) في الأصل وك وع : صح.

٧٥٣

البصريّ : لّما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تدعوها فإنّ لكم فيها أجرا (١). فلولا أنّ الآيات نزلت في فتح مكّة ولكنّ رسول الله ولّى السّقاية عمّه عبّاسا وأولاده بعد الفتح ، ورآهم (٢) يوم الفتح وقال : انزحوا ولو لا أن يزاحمكم النّاس لنزحت معكم (٣) ، وأذن في البيتوتة بمكّة لأجل السّقاية ليالي منى ، فصار عبّاس جامعا بين السّقاية وبين الهجرة والجهاد ، وفاز بكلتي الفضيلتين ، ثمّ نال فضيلة الاستسقاء على منبر رسول الله في أيّام عمر ، مع ما خصّه الله تعالى من عمومة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وولاية مواليه وذرّيّته وأبوّة خلفائه من غير منازع ولا مدافع ، فلله الحمد.

٢٠ ـ (أَعْظَمُ دَرَجَةً) : شرفا ، أو ثواب الدّنيا ليصحّ التّفضيل على الكفّار ، وإن حمل على درجات الآخرة كان التّفضيل على سبيل التّوسع (٤) والمجاز.

٢١ ـ (نَعِيمٌ) : رفع لقوله : (لَهُمْ) ، فيحسن (٥) الوقوف على (جنّات). ويجوز أن يكون متعلّقا ب (جنّات) ، فيوقف على (لهم).

٢٣ ـ (اسْتَحَبُّوا) : اختاروا وارتضوا (٦).

٢٤ ـ (وَعَشِيرَتُكُمْ) : قرابتكم (٧).

(كَسادَها) : أراد ضدّ الرّواج.

(بِأَمْرِهِ) : بفتح مكّة ، عن مجاهد (٨). ويحتمل أنّها نزلت بعد فتح مكّة ، والأمر الموعود فتح تبوك ، أو تخريب مسجد ضرار ، أو صدّ المشركين عن المسجد الحرام ، أو الموت الذي لا بدّ منه.

٢٥ ـ (لَقَدْ نَصَرَكُمُ [اللهُ] (٩)) : لمّا فرغ رسول الله من فتح مكّة وكسر الأصنام ورجع إليه خالد وسائر السّرايا قصد إلى حنين ، وحنين واد بين مكّة والطّائف ، فقصد إلى حنين يغزو العرب [الذين](١٠) كانوا تجمّعوا لقتاله ، ثلاثين ألفا (١١) من هوازن وثقيف وهلال وجشم

__________________

(١) ينظر : تفسير القرآن ٢ / ٢٦٩ ، وتفسير الطبري ١٠ / ١٢٣ ـ ١٢٤ ، والتفسير الكبير ١٦ / ١١.

(٢) في ب : وأولاده ، وبعدها : (يوم الفتح) ساقطة منها.

(٣) ساقطة من ب.

(٤) في ب : التوسيع.

(٥) في ب : ويحسن ، وبعدها في ع وب : الوقف ، بدل (الوقوف).

(٦) ينظر : تفسير الطبري ١٠ / ١٢٦ ، والوجيز ١ / ٤٥٨ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢٧٧.

(٧) ساقطة من ك وب. وينظر : مجمع البيان ٥ / ٣٠ ، وزاد المسير ٣ / ٢٨١.

(٨) ينظر : تفسيره ١ / ٢٧٥.

(٩) من ك وب. وينظر في قصة غزوة حنين : تفسير البغوي ٢ / ٢٧٧ ـ ٢٨٠ ، والقرطبي ٨ / ٩٦ ـ ١٠٠.

(١٠) يقتضيها السياق.

(١١) في الأصل وك وب : ألف.

٧٥٤

يقودهم مالك بن عوف النّصري (١) ، وكان حمل مع نفسه دريد بن الصمة الجشميّ ليستعين برأيه ، وكان دريد معروفا بالبأس والنّجدة وأصالة الرّأي ، وكان قد بلغ مئة وعشرين سنة وذهب بصره ، وحمله مالك مع نفسه ، وكلّف النّاس على (٢) حمل البيوت والأثقال إلى المعركة ، فلمّا نزلوا ببعض المنازل سمع دريد جلبة وأصواتا مختلفة فسأل مالكا (٣) عنها ، فقال : هذه أصوات الصّبيان والنّساء يختلف النّاس على حمل بيوتهم إلى المعركة ليقاتلوا فيها ويحموها عن النّهب والسّلب ، قال دريد : بئس الرّأي ما رأيت يا مالك فإنّ هؤلاء يزيدون المقاتلين شغلا وخوفا وفشلا وجبنا ، فلم يلتفت مالك إلى قول دريد ، حتى إذا كان يوم اللّقاء جاء بأجفان سيوف النّاس إلى دريد وهو في الخيمة ، وقال دريد : ما هذه؟ قال : هذه أجفان السّيوف أخذتها لأكسرها إذا اشتدّ الأمر ، قال دريد (٤) : ولماذا تكسرها؟ قال : ليعلموا أنّه لا سبيل إلى غمدها وإلى الانهزام ، فضحك دريد وقال : يا مالك إنّك راعي الغنم فشأنك به ودع أمر القتال ، (١٣٨ و) أترى [إلى](٥) هؤلاء القوم لئن انهزموا ليمنعنهم (٦) كسر أجفان سيوفهم فيصبرون على القتل لمكانها.

وإنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لّما خرج من مكّة استعار (٧) من صفوان بن أميّة مئة درع ، وكان صفوان مؤجلا إلى أربعة أشهر ليسلم ، ولم يسلم بعد ، فخرج مع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمكان دروعه. وكان (٨) النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عشرة آلاف فارس ، وأمر أبا سفيان فخرج في ألفي فارس من طلقاء مكّة ، فكانوا اثني عشر ألفا ، فلمّا اقتربوا إلى العدوّ صعد (٩) عبّاس على بعض التّلول واطّلع على عسكر المسلمين وأعجبته الكثرة ونادى : يا رسول الله لن نغلب اليوم عن قلّة ، فقال رسول الله : مه يا عمّ (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) [آل عمران : ١٢٦] ، فلم تمض عليهم ساعة حتى التقت الفئتان ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يومئذ (١٠) راكبا بغلته الشّهباء ، وكان العبّاس آخذا (١١)

__________________

(١) في ك وع : النضري ، وفي ب : النضروي.

(٢) في ك : إلى.

(٣) النسخ الأربع : مالك ، والصواب ما أثبت.

(٤) بعدها في ك : قال ، وهي مقحمة.

(٥) من ب.

(٦) في ك : ليمنعهم.

(٧) في ب : استعان ، وهو تحريف.

(٨) بعدها في ب : مع ، وهي مقحمة.

(٩) في ع : وصعد ، والواو مقحمة.

(١٠) ساقطة من ك ، وبعدها في الأصل وع وب : بغلة ، بدل (بغلته).

(١١) النسخ الثلاث : آخذ ، وكذا ترد قريبا.

٧٥٥

بلجامها وسفيان بن الحارث (١) بن عبد المطّلب آخذا بثغرها ، وعليّ يقاتل بين يدي رسول الله ، فأمر مالك بن عوف جموعه أن يحملوا على المسلمين حملة واحدة لم يقم لها المسلمون وانكشفوا عن رسول الله (٢) ، وكان كما قال الله تعالى : (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ). وإنّما ابتلوا (٣) لكلمة عبّاس وإعجابه بالكثرة ، وكما كان عبّاس أعجب بالكثرة كان كثير من النّاس أعجبوا بها ، فلم يبق مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلّا عبّاس وعليّ والفضل (٤) بن عبّاس وسفيان بن الحارث بن عبد المطّلب وربيعة بن الحارث وأيمن بن عبيدة وأسامة بن زيد ورجل آخر ، وفي ذلك يقول ابن (٥) عبّاس : [من الطويل]

نصرنا رسول الله في الحرب سبعة

وقد فرّ من قد فرّ منهم فأقشعوا

وثامننا لاقى الحمام بسيفه

بما مسّه في الله لا يتوجّع

وفرح أبو سفيان بن حرب ومن معه من طلقاء مكّة فشمتوا بالمسلمين ، وقال أبو سفيان : اليوم بطل السّحر ، فقال (٦) له صفوان بن أميّة وهو كافر : فضّ الله فاك لأن يربّنا رجل من قريش خير من أن يربّنا رجل من هوازن. ثمّ أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمّه عبّاسا لينادي بالأنصار ، وكان جهوريّ الصّوت ، فقال : يا أصحاب بيعة العقبة ويا أصحاب بيعة الشّجرة ويا أصحاب سورة البقرة ، فعرفوا صوته ورجعوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٧). ونزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن بغلته وسلّ سيفه وباشر الحرب بنفسه ، وكان يقول : (أنا النّبيّ لا كذب أنا ابن عبد المطّلب) ، فأنزل الله سكينته عليه وعليهم وأنزل جنودا لم تروها ، وهزم الكفّار بعد أن قتلوا منهم مقتلة عظيمة حتى أنّ الرّجل الواحد من المسلمين قد تولّى قتل ثلاثين ، أربعين ، خمسين نفسا من الكفّار. والتجأ مالك بن عوف إلى الطّائف مذعورا مدحورا في نفر يسير من الأشقياء ، وغنم المسلمون أموالهم ونساءهم وذراريهم ، وبلغ عدد السّبي ستّة آلاف رأس. وعثر رجل من الأنصار على دريد بن الصمة يريد قتله ، قال دريد : ومن أنت؟ فتعرّف له الرّجل ، قال (٨) دريد : أما إنّي قد أنعمت على (٩) (١٣٨ ظ) أمّهاتك وفككت من الرّقّ ثلاثا من جدّاتك قبل أن خلقت ، وسمّاهنّ له ،

__________________

(١) (بن الحارث) ساقطة من ك.

(٢) (عن رسول الله) ليس في ب.

(٣) في الأصل وع وب : ابتلوه.

(٤) في ب : والفضلين.

(٥) لعلها مقحمة ؛ لأن الشعر نسب إلى العباس بن عبد المطلب في الجليس الصالح ١ / ٣٩٧ ، ومجمع البيان ٥ / ٣٤ ـ ٣٥ ، وتفسير القرطبي ٨ / ٩٨. وأقشع القوم : تفرّقوا ، لسان العرب ٨ / ٢٧٤ (قشع).

(٦) في ب : وقال.

(٧) (ويا أصحاب سورة البقرة ... صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ليس في ب.

(٨) في ع : قيل.

(٩) في ب : منعت ، بدل (أنعمت على) ، وبعدها : وملكت ، بدل (وفككت).

٧٥٦

فضرب الرّجل بسيفه ضربة في عنقه فلم يخدشه خدشة فكأنّما ضرب على صمدة (١) ، فقال دريد : بئس شيء سلحته أمّك خذ سيفك من وراء المحمل واضربني به ولا تضرب على العظم ولا على الجلد المنزى ولكن اتبع اللّحم ، ففعل الرّجل كما علّمه دريد فاحتزّ رأسه. وأعطى رسول الله أبا سفيان وأصحابه من هذه الغنيمة أموالا كثيرة يؤلّف قلوبهم بذكر الله ، واستوحش الأنصار بذلك ، ثمّ رضوا بحكم الله ورسوله ، فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أما ترضون أن يرجع النّاس إلى ديارهم بالأموال وترجعون إلى دياركم بنبيّ الله فاستهلوا بالرّضا والحمد لله.

(مَواطِنَ) : جمع موطن ، وهو موضع القرار والسّكون (٢).

و (الرّحب) : «السّعة» (٣). وقوله : (بِما رَحُبَتْ) ، أي : ضاقت برحبها ومع رحبها (٤) ، وذلك من شدّة الخوف وانسداد سبيل الهزيمة بالدهش واستقبال العدوّ من (٥) كلّ وجه.

٢٧ ـ وقوله : (ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ) يحتمل أنّها عامّة ، ويحتمل أنّها في الذين أتوا رسول الله مستسلمين يفدون الأسارى فمنّ عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٦).

٢٨ ـ (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) : الحال تدلّ [على](٧) أنّهم مشركو العرب ؛ لأنّهم كانوا يقربون المسجد الحرام ويختلفون إليه بالحجّ والعمرة دون سائر النّاس ، وإن (٨) اعتبرنا بالغالب من إطلاق الكتاب والسّنّة دلّ [على](٩) ذلك أيضا (١٠).

وهم عبدة الأوثان دون سائر الكفّار (١١) ؛ لأنّ الله تعالى يقول : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) [الحجّ : ١٧] ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (من أسلم من أهل الكتاب كان أجره مرّتين وله ما لنا وعليه ما علينا ومن أسلم من المشركين كان له ما لنا وعليه ما علينا) (١٢). وإن اعتبرنا الشّأن والنّزول دلّ ذلك أيضا ، قال أبو هريرة : كنت

__________________

(١) في ب : صمة. والصّمدة والصّمدة : «صخرة راسية في الأرض مستوية بمتن الأرض وربّما ارتفعت شيئا قليلا» ، لسان العرب ٣ / ٢٥٩ (صمد).

(٢) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٤٣٩ ، ولسان العرب ١٣ / ٤٥١ (وطن).

(٣) تفسير القرطبي ٨ / ١٠١ ، ولسان العرب ١ / ٤١٣ (رحب).

(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٦٠ ، وتفسير القرطبي ٨ / ١٠١.

(٥) في ب : ومن ، والواو مقحمة.

(٦) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٦٠ ، وتفسير القرطبي ٨ / ١٠٢ ، والبحر المحيط ٥ / ٢٧ ـ ٢٨.

(٧) من ع.

(٨) في ب : وإنما.

(٩) من ك.

(١٠) ينظر : أحكام القرآن للجصاص ٤ / ٢٧٩.

(١١) ينظر : تفسير القرطبي ٨ / ١٠٥ ، وهو قول أبي حنيفة.

(١٢) ينظر : مسند الروياني ٢ / ٢٨٩ ، والمعجم الكبير ٨ / ١٩٠ ، ومجمع الزوائد ١ / ٩٣.

٧٥٧

مع عليّ بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنادى بأربع : أنّه لا يدخل الجنّة إلّا نفس مسلمة ولا يحجّ بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريانا ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فأجله إلى أربعة أشهر (١). وهكذا روى مقسم عن ابن عبّاس في حديث طويل (٢).

ودلّته (٣) الدّلائل أن عرفة ، في حرمة قربان المشركين ، كالمسجد الحرام ، وعرفة ليست من الحرم فهي كسائر مساجد الإسلام (٤).

ودلّ كتاب الله أنّ المستجير مستثنى من جملة المشركين ، ويجوز له أن ينتهي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المسجد الحرام حتى يسمع كلام الله ثمّ يعود إلى مأمنه. أبو الزّبير عن جابر في هذه الآية (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) إلا أن يكون عبدا أو أحدا من أهل الجزية (٥).

وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الآية قال : قال المؤمنون (٦) : كنّا نصيب من متاجر المشركين ، فوعدهم الله أن يغنيهم (٧) من فضله عوضا لهم (٨) ، قال الطحاوي (٩) : العوض هي الجزية المذكورة بعد هذه (١٠) ، وقال الفرّاء (١١) : العوض هو خصب تبالة وجرش (١٢) أسلموا وحملوا طعامهم إلى مكّة.

(النّجس) : شيء مستقذر (١٣) ، وإذا (١٣٩ و) قرنت به الرّجس كسر النّون ، قيل : رجس نجس (١٤).

__________________

(١) ينظر : مسند إسحق بن راهويه ١ / ٤٤٧ ، وسنن الدارمي ١ / ٣٩٣ و ٢ / ٣٠٩ ، والمستدرك ٢ / ٣٦١.

(٢) ينظر : سنن الترمذي ٥ / ٢٧٥ ، والمعجم الكبير ١١ / ٤٠٠ ، والمستدرك ٣ / ٥٣.

(٣) لعل الهاء مقحمة.

(٤) ينظر : أحكام القرآن للجصاص ٤ / ٢٧٩.

(٥) ينظر : تفسير القرآن ٢ / ٢٧١ ـ ٢٧٢ ، وتفسير الطبري ١٠ / ١٣٩ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ١٩٥.

(٦) ساقطة من ك.

(٧) بعدها في الأصل وب : الله.

(٨) ينظر : تفسير مجاهد ١ / ٢٧٦.

(٩) أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزديّ ، صاحب (شرح معاني الآثار) ، كان على مذهب الشافعي فانتقل إلى مذهب أبي حنيفة رحمهما‌الله ، ت ٣٢١ ه‍ ، ينظر : الأنساب ١ / ١٢٠ وينظر ، ومعجم البلدان ٤ / ٢٢ ، والبداية والنهاية ١١ / ١٩٨.

(١٠) بعدها في ب : الجزية ، وهي مقحمة. وعزي هذا القول إلى قتادة والضحاك في تفسير الطبري ١٠ / ١٣٨ ـ ١٤٠ ، والبغوي ٢ / ٢٨٢ ، وزاد المسير ٣ / ٢٨٤.

(١١) ينظر : معاني القرآن ١ / ٤٣١.

(١٢) تبالة : موضع ببلاد اليمن ، وجرش : مدينة عظيمة باليمن ، ينظر : معجم البلدان ٢ / ٩ و ١٢٦.

(١٣) ينظر : تفسير غريب القرآن ١٨٤.

(١٤) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٤٣٠ ، ومعاني القرآن وإعرابه ٢ / ٤٤١ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢٨١.

٧٥٨

(عَيْلَةً) : فقرا (١). ووجه تعليق الموعود بالمشيئة تصوّر موت كثير منهم (٢) قبل إنجاز الوعد وتصوّر فقر كثير منهم مع وجود الشّرط وهو خوف العيلة بسائر أسباب الفقر ، وكلّ ذلك بتقدير الله.

٢٩ ـ (قاتِلُوا الَّذِينَ) : عامّة في قتال أهل الكفر (٣) ، وتقديرها : والذين لا يحرّمون ، والذين لا يدينون. وقد خرج من (٤) عمومها النّساء والذّرّيّة والمشايخ غير ذي الرّأي والعميان والزّمنى (٥) والأساقفة والرّهابين الذين وقع الأمن من جهتهم. قال عليّ : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا بعث جيشا من المسلمين (٦) قال : انطلقوا بسم الله في سبيل الله ، إلى أن قال : ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا شيخا كبيرا (٧). وعن ابن عبّاس قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا بعث جيوشه قال : اغزوا بسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله لا تغدروا ولا تمثّلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصّوامع (٨). وكذا أوصى أبو بكر الصّدّيق إلى يزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة حين (٩) بعثهم إلى الشّام (١٠).

ويحتمل أنّ الآية خاصّة في المقاتلين دون من وقع الأمن من جهتهم (١١) ، وإلى هذا أشار صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين رأى امرأة مقتولة (١٢).

و (الجزية) : اسم المقضيّ عن الرّقاب (١٣). والظّاهر أن يكفّ عن قتالهم (١٤).

(حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) : نقدا ، إلّا أنّ الدّلالة قامت على وجوب الكفّ بالالتزام على شرط اليسار.

(عَنْ يَدٍ) : عن نعمة منكم عليهم وذمّة منكم لهم (١٥). وقيل (١٦) : عن قهر. وقيل (١٧) : عن

__________________

(١) معاني القرآن للفراء ١ / ٤٣١ ، وغريب القرآن وتفسيره ١٦٢ ، وتفسير غريب القرآن ١٨٤.

(٢) ساقطة من ب.

(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٨ / ١٠٩ ـ ١١٠.

(٤) في ع وب : عن.

(٥) في ك وع : والزمن.

(٦) في ك : المشركين ، وهو خطأ.

(٧) ينظر : السنن الكبرى للبيهقي ٩ / ٩٠ ، وتلخيص الحبير ٤ / ١٠٣.

(٨) ينظر : مسند أبي يعلى ٤ / ٤٢٢ ، والمعجم الكبير ١١ / ٢٢٤ ، ومجمع الزوائد ٥ / ٣١٦.

(٩) ساقطة من ب.

(١٠) ينظر : السنن الكبرى للبيهقي ٩ / ٨٥ ، وتحفة الأحوذي ٥ / ١٥٩.

(١١) ينظر : أحكام القرآن للجصاص ٤ / ٢٨٩ ـ ٢٩٠ ، وزاد المسير ٣ / ٢٨٦ ، وتفسير القرطبي ٨ / ١١٢.

(١٢) ينظر : الموطأ ٢ / ٤٤٧ ، وصحيح البخاري ٣ / ١٠٩٨ ، ومسلم ٣ / ١٣٦٤.

(١٣) ينظر : تفسير الطبري ١٠ / ١٤١ ، والبغوي ٢ / ٢٨٢.

(١٤) ينظر : تفسير القرطبي ٨ / ١١٢ ـ ١١٣.

(١٥) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٤٤٢ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ١٩٨ ـ ١٩٩ ، وتلخيص البيان ٥٩.

(١٦) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٤٤٢ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ١٩٩ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢٨٢.

(١٧) ينظر : أحكام القرآن للجصاص ٤ / ٢٩٢ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢٨٢ ، والكشاف ٢ / ٢٦٢.

٧٥٩

نقد ، كقوله في حديث الرّبا : (يدا بيد).

ومقدار الجزية ما روي عن عمر أنّه بعث حذيفة بن (١) اليمان وعثمان بن حنيف إلى السّواد حتى وضعا عليهم الجزية ، فصنّفا (٢) النّاس ثلاثة أصناف (٣) ، ووضعا على الأغنياء ثمانية وأربعين درهما ، وعلى الأوساط المعتملين أربعة وعشرين (٤) ، وعلى الفقراء المكتسبين اثني عشر درهما ، ولم يوجبا على النّساء والصّبيان والفقراء الذين لا يقدرون على الكسب شيئا (٥).

ودلّت الآية على سقوط الجزية بالموت والإسلام لفوات القتال (٦).

وفي الآية جواز أخذ الجزية عن (٧) أهل الكتاب ، وليس فيها نفي جوازه عن غيرهم ، وقد صحّ عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم جواز أخذها عن عبدة الأوثان من العجم وعن مجوس هجر وهم عبدة النّيران (٨).

٣٠ ـ (عُزَيْرٌ) : بن سويا ، من أولاد فنحس بن عازور بن هارون بن عمران.

وكان عزير يوم سبى بختنصر بني إسرائيل ابن ستّ سنين معه أمّه ، ثمّ ماتت أمّه وتكفّله دانيال عليه‌السلام وعلّمه الكتابة قصدا من التّوراة ، وهما دعوا كيرش الملك ملك فارس إلى توحيد الله ودينه وعمارة بيت المقدس وردّ خزائنه وأهله إليه ، ثمّ توفّي دانيال وهو ابن مئة وثلاثين سنة فخلفه عزير وهو ابن ثلاث وتسعين سنة فصار قاضي القضاة وحكم الحكماء.

وقد ذهب أكثر التّوراة عن اليهود ولم يبق منها نسخة إلّا نسخة الصّابئين باليمن ، ونسخة مدفونة ببيت المقدس بحث عنها المسيح عليه‌السلام (١٣٩ ظ) فكتبها لهم عزير بإذن الله تعالى وإلهامه بخمسة أقلام ، وكان (٩) يستمدّ بقلم من تلك الأقلام فيكتب (١٠) به ما شاء الله فإذا انقطع المداد كسر القلم ورمى به وأخذ قلما آخر ، فانتهت التّوراة بانتهاء هذه الأقلام الخمسة ، وكان ذلك آية من آيات الله تعالى معجزة لعزير عليه‌السلام. فلمّا فرغ من الكتابة مرض من يومه فختم على التّوراة وسلّمها إلى رجل صالح يسمى زكريّا وأوصى إليه إملاء التّوراة إلى بني إسرائيل ، وتوفّي عزير وتوفّي بعده بيومين هذا الرّجل الصّالح ، وصارت التّوراة عند ينجايل بن

__________________

(١) ساقطة من ع.

(٢) في ك وع : فصنعا.

(٣) في ع : أنصاف.

(٤) في ب : وعشرون ، وهو خطأ.

(٥) ينظر : أحكام القرآن للجصاص ٤ / ٢٩٠ ، والكشاف ٢ / ٢٦٣ ، وشرح الزرقاني ٢ / ١٨٧ ، وهو قول الحنفية.

(٦) ينظر : أحكام القرآن للجصاص ٤ / ٢٩٥ ، والتفسير الكبير ١٦ / ٣٢ ، وتفسير القرطبي ٨ / ١١٣ ـ ١١٤ ، وهو قول الحنفية أيضا.

(٧) في ك : على.

(٨) ينظر : أحكام القرآن للجصاص ٤ / ٢٨٣ ـ ٢٨٦ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢٨٢ ـ ٢٨٣ ، والقرطبي ٨ / ١١٠ ـ ١١١.

(٩) في ب : ولكن.

(١٠) في ب : فكتب ، والياء ساقطة.

٧٦٠