درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ١

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني

درج الدّرر في تفسير القرآن ّالعظيم - ج ١

المؤلف:

عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني


المحقق: د. طلعت صلاح الفرحات / د. محمّد أديب شكور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر ناشرون وموزعون
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9957-07-514-9

الصفحات: ٨٣٢
الجزء ١ الجزء ٢

(رَحْمَتِكَ) : «جنّتك» (١).

١٥٢ ـ وفي قوله : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ) ، الآية ، دلالة على نسخ الوعيد ؛ لأنّه تعالى عفا عنهم وجعل القتل توبة لهم (٢).

١٥٣ ـ (عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا) : هي ما تاب عنها (٣) أصحاب الصّوامع وأمثالهم من التّهتّك والمجون. وقيل (٤) : التّوبة والإيمان واحد ، جمع بين اللّفظين للتّأكيد. وقيل : التّوبة ترك اعتقاد الكفر ، والإيمان ابتداء اعتقاد (٥) الإسلام ، وهما شيئان لا محالة.

١٥٤ ـ (سَكَتَ) : سكن (٦) ، ومنه السّكتة ، والسّكوت : الكفّ عن النّطق (٧).

(أَخَذَ الْأَلْواحَ) : أي : أعيد له ما تكسّر (٨) في لوحين. وقيل (٩) : أخذ الباقي ، وكانت فيه كفاية ؛ لأنّ الأحكام كانت فيه ، وإنّما ذهب الأخبار والأمثال والمواعظ.

(لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) : لأجل (١٠) وعيده يخافون. (١٢٥ ظ)

١٥٥ ـ (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) : من قومه (١١).

وقيل : اختار موسى عليه‌السلام من قومه ستّين شيخا ، لم يجد من الشّيوخ المرضيّين غيرهم ، فأمره الله بأن يختار من كلّ سبط شابّين ، فاختار فأصبحوا شيوخا ، ثمّ أراد موسى أن يخلف منهم اثنين ويذهب بالسّبعين ، فتشاجروا في ذلك ، فقال موسى : من قعد منكم كان له أجر من انطلق معي ، فقعد يوشع بن نون وكالوب ، وذهب موسى إلى الجبل ، فلمّا انتهى إلى سفحه تركهم هناك ، وصعد موسى الجبل ، وكلّمه الله تكليما ، وشاهد ما شاهد (١٢) ، ثمّ رجع إليهم كالشّمس الطّالعة فقالوا (١٣) : نحبّ أن نسمع كلام الله كما سمعته ، فأسمعهم الله كلامه ،

__________________

(١) ساقطة من ب. وينظر : الوجيز ١ / ٤١٥ ، ومجمع البيان ٤ / ٣٦٥.

(٢) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ٩٤ ـ ٩٥.

(٣) في ب : عن.

(٤) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٤ / ٥٥٢.

(٥) (الكفر والإيمان ابتداء اعتقاد) ساقطة من ك.

(٦) غريب القرآن وتفسيره ١٥٠ ، وتفسير غريب القرآن ١٧٣ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ٨٥.

(٧) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٣٧٩ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ٨٥ ، ومجمع البيان ٤ / ٣٦٥.

(٨) بعدها في ك : له ، وهي مقحمة. وينظر : معاني القرآن الكريم ٣ / ٨٥ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢٠٣.

(٩) ينظر : زاد المسير ٣ / ١٨١ ، والبحر المحيط ٤ / ٣٩٦.

(١٠) النسخ الثلاث : لأحد. وينظر : معاني القرآن للأخفش ٢ / ٥٣٥ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ٨٥ ـ ٨٦ ، والتفسير الكبير ١٥ / ١٥.

(١١) في ع : قوله. وينظر : مجاز القرآن ١ / ٢٢٩ ، وتفسير غريب القرآن ١٧٣ ، ومعاني القرآن وإعرابه ٢ / ٣٨٠.

(١٢) في ك : شهد.

(١٣) في ب : فقال.

٧٠١

فقالوا (١) : نحبّ أن نرى الله جهرة كما رأيته ، قال : إنّي لم أر الله جهرة ، ولم تسكن قلوبهم إلى قوله فأخذتهم الرّجفة ، فقال موسى : (رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ) فإنّك قادر على ما تشاء ولك السّبيل والحجّة ، ثمّ قال : (أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ) كما قالت الملائكة : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) [البقرة : ٣٠](٢) ، وقال نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (أتعذّبهم وأنا فيهم (٣)؟ أتعذّبهم وهم يستغفرون؟) (٤).

وإنّما علم موسى عليه‌السلام فعل السّفهاء بقوله تعالى : (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) [طه : ٨٥].

ثمّ أثنى عليه فقال : (إِنْ هِيَ إِلَّا (٥) فِتْنَتُكَ) : أي : ما هي إلّا ابتلاؤك وامتحانك ، فإنّه لا طير إلّا طيرك ولا إله غيرك.

(تُضِلُّ بِها) : بالفتنة (٦)(مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) : أي : بها وبغيرها.

١٥٦ ـ (وَاكْتُبْ) : «وأوجب» (٧).

(هُدْنا إِلَيْكَ) : «تبنا إليك» (٨) ، وقال ابن عرفة : سكنّا إلى أمرك ، ومنه الهوادة (٩). قيل (١٠) : ومن هذا اللّفظ اشتقاق لقب اليهود ، وقيل (١١) : بل اللّفظة من لقبهم.

(عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ) : أي : يسع كلّ شيء إن شئت.

(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) : بالآلاء والنّعماء (١٢).

(فَسَأَكْتُبُها) : أي : الحسنة في الدارين والرحمة (١٣) ، أو الآخرة (١٤) نفسها للمذكورين

__________________

(١) (نحب أن نسمع ... فقالوا) ساقطة من ك.

(٢) ينظر : التفسير الكبير ١٥ / ١٦ ـ ١٨ ، والبحر المحيط ٤ / ٣٩٧ ـ ٣٩٩.

(٣) (أتعذبهم وأنا فيهم) ليس في ب.

(٤) ينظر : السنن الكبرى للنسائي ١ / ١٩٥ ، وللبيهقي ٢ / ٢٥٢ ، وموارد الظمآن ١٥٧.

(٥) ليس في ب.

(٦) ساقطة من ب. وينظر : معاني القرآن الكريم ٣ / ٨٨.

(٧) في ع : وأواجب. وينظر : الوجيز ١ / ٤١٦ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢٠٤ ، وزاد المسير ٣ / ١٨٣.

(٨) (تبنا إليك) ساقطة من ب. وينظر : اللغات في القرآن ٢٥ ، وتفسير مجاهد ١ / ٢٤٧ ، وغريب القرآن وتفسيره ١٥١.

(٩) ينظر : لسان العرب ٣ / ٤٤٠ (هود).

(١٠) في ك : وقيل. وينظر : تفسير الطبري ٩ / ١٠٧ ، ولسان العرب ٣ / ٤٣٩ (هود).

(١١) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٤ / ٥٥٧ ـ ٥٥٨.

(١٢) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٤ / ٥٥٨.

(١٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٠٠.

(١٤) في ب : والآخرة ، بدل (أو الآخرة).

٧٠٢

خالصة يوم القيامة.

(بِآياتِنا) : كلّها.

١٥٧ ـ (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ) : يحتمل أنّها نزلت على موسى عليه‌السلام ، ويحتمل أنّها نزلت على نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم مستأنفة ليقطع دعاوى (١) اليهود والنّصارى عن الإيمان بالآيات.

وإنّما وصف بالأمّيّ لأنّه لم يكن يتلو قبله من كتاب ولا يخطّه بيمينه ، ولأنّه كان من أمّ القرى ، ولأنّه لم يكن من (٢) نسل أهل الكتاب (٣).

(يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) : دليل أنّ اسم الشّيء لا يغاير.

و (الإصر) (٤) : ما كلّفهم الله من الأحكام الثّقيلة.

(وَالْأَغْلالَ) : ما لزمهم من الضيق والحرج (٥) عقوبة لجرائمهم لقوله تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ) [النّساء : ١٦٠].

(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ) : أمثال ورقة وبحيرا الرّاهب ، والذين (آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ) : أمثال عبد الله بن سلام والقسّيسين والرّهبان ، والذين اتّبعوا (النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) : أمثال كعب الأحبار إلى يوم القيامة.

١٥٩ ـ (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ) : أمّة منقرضة (٦) في سالف الزّمان ، تقديره : ومن الأمّة أمّة (٧) يهدون بالحقّ ، قال (٨) : (مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) [الأعراف : ١٦٨] ، ثمّ قال : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) [الأعراف : ١٦٩]. وقيل : الأمّة الهادية قوم استقاموا على شرائع التّوراة قبل نسخها بقوله : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ (١٢٦ و) دِيناً) [آل عمران : ٨٥]. وقيل : المراد بها عبد الله بن سلام وأصحابه (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَ) [الأعراف : ١٥٧]. وقيل : المراد بها قوم وقعوا بأرض وراء الصّين رآهم نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة المعراج ودعاهم إلى الإسلام وتحويل السّبت إلى الجمعة على سنّة الإسلام ، فأجابوه وآمنوا به.

__________________

(١) في ك : دوي.

(٢) في ب : كان ، بدل (لم يكن من).

(٣) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٤ / ٥٥٩ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢٠٥ ، والقرطبي ٧ / ٢٩٨ ـ ٢٩٩.

(٤) في ع : والأمر. وينظر : تفسير غريب القرآن ١٧٣ ، وتفسير الطبري ٩ / ١١٥ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ٩٠.

(٥) في ب : والخروج. وينظر : معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٣٨١ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢٠٦ ، والكشاف ٢ / ١٦٦.

(٦) في ك : متفرقة.

(٧) ساقطة من ب.

(٨) في ك : وقال.

٧٠٣

وقيل : هؤلاء القوم على شريعة التّوراة بعد ، وهم معذورون ؛ لأنّهم لم يروا نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يسمعوا القرآن ولم يبلغهم خبر الإسلام على سبيل التّواتر والاستفاضة ، فإنّ جهة الوصول إليهم جهة واحدة وهي واد من رمل جار يخسف بمن يجتازه إلّا يوم السّبت ، ولا يستنكر أن يكونوا قد غيّروا وبدّلوا في أيّامنا ، وكانوا (١) كما وصفهم الله تعالى حالة نزول الآية : (يَهْدُونَ بِالْحَقِّ) : أي : يهدون من يصل إليهم من كفّار نواحيهم ويهدون صبيانهم بالقول الحقّ والأمر الحقّ (٢).

(وَبِهِ يَعْدِلُونَ) : في ما بينهم.

١٦٠ ـ (فَانْبَجَسَتْ) : «انفجرت» (٣).

١٦٣ ـ (وَسْئَلْهُمْ) : وفائدة السّؤال التّقرير (٤).

(عَنِ الْقَرْيَةِ) : عمّا أصاب أهلها إذ (٥) اعتدوا في أمر السّبت.

(حِيتانُهُمْ) : جمع حوت ، كغيلان جمع غول ، والحوت : السّمكة (٦).

(شُرَّعاً) : قال أبو عبيدة معمر (٧) : شوارع في الماء : بادية ، قال اللّيث : حيتان شروع : رافعة رؤوسها (٨).

(وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ) : «لا يفعلون السّبت» (٩) ، والسّبت مصدر (١٠).

(كَذلِكَ) : يحتمل معنيين : التّشبيه بالإتيان ، أي : لا تأتيهم شرّعا ، والثّاني : أن يبتدئ ، أي (١١) : كما أخبرناك (نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ)(١٢).

١٦٤ ـ (وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ (١٣) مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ) : قيل : الأمّة السّائلة المبالغون في الأمر

__________________

(١) ساقطة من ب.

(٢) ينظر في هذه الأقوال : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ٦ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢٠٦ ، والقرطبي ٧ / ٣٠٢.

(٣) غريب القرآن وتفسيره ١٥١ ، وتفسير غريب القرآن ١٧٣ ، والعمدة في غريب القرآن ١٣٨.

(٤) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٣٨٤ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ٩٢ ، والوجيز ١ / ٤١٨.

(٥) النسخ الثلاث : إذا.

(٦) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٣٨٤ ، ومجمع البيان ٤ / ٣٨٠.

(٧) ينظر : مجاز القرآن ١ / ٢٣١.

(٨) ينظر : العين ١ / ٢٥٤ (شرع).

(٩) معاني القرآن للفراء ١ / ٣٩٨ ، والتبيان في تفسير القرآن ٥ / ١٢ ، وتفسير القرطبي ٧ / ٣٠٥.

(١٠) الكشاف ٢ / ١٧١.

(١١) ساقطة من ع.

(١٢) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٣٨٥ ، والتبيان في تفسير القرآن ٥ / ١٢.

(١٣) ليس في ب.

٧٠٤

بالمعروف والنّهي عن المنكر ، قالوا هذه المقالة بمسمع من المعتدين لتأكيد الزّجر. وقيل : هم المداهنون. وقيل : هم المعتدون أنفسهم ، سألوا على وجه الاستهزاء (١).

١٦٦ ـ (فَلَمَّا عَتَوْا) : الآية كالبدل عن الآية الأولى (٢).

(قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) : كالبيان للعذاب البئيس (٣).

١٦٧ ـ (تَأَذَّنَ) وآذن بمعنى ، كتوعّد وأوعد (٤). وعن الزّجّاج : معناه : تألّى (٥) ربك.

و (المبعوثون) : هم المسلّطون عليهم من كافر ومسلم (٦). وفي فحوى الآية بشارة لنا بالاستيلاء على الدّجّال (٧) وأتباعه ، ودلالة على بقاء بقيّة من هؤلاء الأرجاس إلى انتهاء الدّنيا مقهورين مسخّرين.

١٦٨ ـ (وَقَطَّعْناهُمْ) : فرّقناهم (٨) في أيّام بختنصر وبعده.

(وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) : «الوصف» (٩).

(يَرْجِعُونَ) : يتوبون (١٠).

١٦٩ ـ (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ) : نزلت في يهود عصر الوحي ومن يجانسهم (١١). وقيل : نزلت في الجائرين (١٢) من فقهاء الأمّة وقضاتها.

(الخلف) بسكون اللام : العقب السوء (١٣).

(وَرِثُوا الْكِتابَ) : أي : وجدوه عن آبائهم ومقدّميهم (١٤).

__________________

(١) ينظر في هذه الأقوال : تفسير الطبري ٩ / ١٢٥ ـ ١٣١.

(٢) يريد الآية ١٦٥ : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ. (١٦٥)). وذكر الزمخشري أنها تكرير لها ، ينظر : الكشاف ٢ / ١٧٣.

(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ١٧٣ ، والبحر المحيط ٤ / ٤١١.

(٤) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٢٠٩.

(٥) في ب : يأتي. وتألّى : حلف وأقسم. وينظر : معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٣٨٧.

(٦) ينظر : الكشاف ٢ / ١٧٣ ، وتفسير القرطبي ٧ / ٣٠٩.

(٧) في ك : الرجال.

(٨) تفسير غريب القرآن ١٧٤ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ٩٨ ، والوجيز ١ / ٤١٩.

(٩) الكشاف ٢ / ١٧٣.

(١٠) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٢١٠ ، وزاد المسير ٣ / ١٩٠ ، والبحر المحيط ٤ / ٤١٣.

(١١) ينظر : زاد المسير ٣ / ١٩٠.

(١٢) في ب : الجبارين.

(١٣) ينظر : معاني القرآن الكريم ٣ / ٩٩.

(١٤) في ب : مقدميهم ، والواو ساقطة. وينظر : تفسير البغوي ٢ / ٢١٠.

٧٠٥

(يَأْخُذُونَ) : على إظهار ما في الكتاب وكتمانه منافع هذا الزمان (الْأَدْنى) رشوة (١).

(سَيُغْفَرُ) : أي : يغفر لنا أخذ هذه الرشوة الواحدة ، وهم مصرّون وفي عزمهم أنّه إن (يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ) ، وهذا القول منهم كفر وافتراء على الله تعالى وتألّ عليه ؛ لأنّ الله تعالى لم يعد ولم يوجب لمصرّ (٢) على الصّغيرة مغفرة فكيف لمصرّ على الكبيرة (٣).

(وَدَرَسُوا ما فِيهِ) : قيل : مستأنف ، والواو لعطف جملة على جملة (٤) ، (١٢٦ ظ) كقوله : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦)) [الضّحى : ٦] ، أي : وجدك يتيما وضالا وعائلا (٥) فآوى وهدى وأغنى.

١٧٠ ـ (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ) : عطف على (الَّذِينَ) في الآية المتقدّمة ، ويجوز أن يكون مبتدأ ، وخبره : نوفّيهم أجورهم ، مضمرا بدليل المظهر (٦) ، وقيل : خبره : (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ) على اعتبار أنّ (الَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ) و (الْمُصْلِحِينَ) شيء واحد (٧).

١٧١ ـ (نَتَقْنَا) : النّتق : رفع المظل على ما تحته (٨) ، في حديث علي : البيت المعمور نتاق الكعبة من فوقها (٩) ، ومنه نتق السّقاء وهو أن يرفعه فينفضه (١٠) ، ومنه المرأة النّاتق وهي كثيرة الولد (١١) ؛ لأنّها كالمظلة على أولادها ، وفي الحديث : (عليكم بالأبكار فإنّهنّ أطيب أفواها وأنتق أرحاما) (١٢).

١٧٢ ـ (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ) : عن أبي العالية (١٣) عن أبيّ بن كعب قال : جمعهم يومئذ جميعا ما هو كائن منه إلى يوم القيامة ، فجعلهم أزواجا (١٤) في صورهم ، ثمّ استنطقهم وأخذ عليهم

__________________

(١) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٢١٠.

(٢) في ب : بمصر ، وكذا ترد قريبا.

(٣) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٣٨٨ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢١٠.

(٤) ينظر : مجمع البيان ٤ / ٣٨٨ ، وزاد المسير ٣ / ١٩١.

(٥) ليس في ك.

(٦) في نسخ التحقيق : المضمر ، والسياق يقتضي ما أثبت.

(٧) ينظر : مجمع البيان ٤ / ٣٨٧ ، والتبيان في إعراب القرآن ١ / ٦٠٢ ، والبحر المحيط ٤ / ٤١٦.

(٨) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٢١١.

(٩) ينظر : نوادر الأصول ٤ / ١٨٩.

(١٠) ينظر : تفسير غريب القرآن ١٧٤ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ١٠١.

(١١) ينظر : معاني القرآن الكريم ٣ / ١٠١ ، ومجمع البيان ٤ / ٣٨٨ ـ ٣٨٩ ، ولسان العرب ١٠ / ٣٥٢ (نتق).

(١٢) سنن ابن ماجه ١ / ٥٩٨ ، والآحاد والمثاني ٤ / ٥ ، ومصباح الزجاجة ٢ / ٩٨.

(١٣) (عن أبي العالية) ساقطة من ك.

(١٤) كذا في النسخ الأربع ، ولعل الصواب : أرواحا.

٧٠٦

العهد والميثاق (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا) قال : فإنّي أشهد عليكم السّموات السّبع والأرضين السّبع وأشهد عليكم أباكم آدم (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ) : لم نعلم بهذا ، اعلموا أنّه لا إله غيري ولا ربّ غيري فلا تشركوا بي شيئا فإنّي سأرسل إليكم رسلي يذكّرونكم عهدي وميثاقي ، وأنزل عليكم كتبي ، قالوا : (شَهِدْنا) : بأنّك إلهنا وربّنا (١) لا ربّ لنا غيرك ولا إله لنا غيرك ، فأقرّوا له (٢) يومئذ بالطّاعة.

ورفع عليهم أباهم آدم فنظر إليهم فرأى الغنيّ والفقير وحسن الصّورة ودون ذلك ، فقال : ربّ لو سوّيت بين عبادك ، فقال : إنّي أحببت أن أشكر ، ورأى فيهم الأنبياء مثل السّرج عليهم النّور وخصّوا بميثاق آخر في الرّسالة والنّبوّة وهو الذي يقول الله عزوجل : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ) الآية [الأحزاب : ٧] ، وهو الذي يقول : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) [الرّوم : ٣٠] ، وفي ذلك قال : (هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى (٥٦)) [النّجم : ٥٦] ، أي : أخذ عليه الميثاق مع النّذر الأولى (٣) ، وفي ذلك : (وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ) [الأعراف : ١٠٢] ، وفي ذلك قال : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) [يونس : ٧٤] ، فكان في علمه يوم أمروا به من يكذّب ومن يصدّق به. قال : فكان روح عيسى عليه‌السلام من تلك الأرواح التي أخذ الله عليها العهد والميثاق من زمان آدم عليه‌السلام ، فأرسل [الله](٤) ذلك الروح إلى مريم حين انتبذت من أهلها مكانا شرقيّا فحملته ، أي : فحملت الذي خاطبها (٥) وهو روح عيسى عليه‌السلام ، دخل في فيها (٦).

وروي في إخراج الذّرّيّة من صلب آدم عليه‌السلام أمثال الذّرّ روايات كثيرة عن ابن عبّاس ، وإلى هذا القول ذهب أكثر أهل السّنّة ، قالوا : أخرج ذلك اليوم أولاد صلبه من صلبه ، وأولاد أولاده من أولاده ، وأولاد أولادهم من أولادهم ، وكذلك إلى انقطاع النّسل ، وكانوا أقلّ وأصغر وأخفى من الذّرّ لا محالة ، فإنّ الذّرّ مركّب من أجزاء كثيرة فلا شكّ أنّهم كانوا أصغر وأخفى حين كانوا كمنا إلّا أنّ الله تعالى أنماهم بعد (١٢٧ و) الإخراج كما شاء فجعلهم أرواحا كما قال أبيّ ، وأمثال الذّرّ كما قال ابن عبّاس ، فأسمعهم وبصّرهم وأنطقهم بمشهد أبيهم آدم

__________________

(١) في ك : ومولانا.

(٢) ساقطة من ب. وينظر : زاد المسير ٣ / ١٩٣ ، والدر المنثور ٣ / ١٤٢.

(٣) (وفي ذلك قال ... مع النذر الأولى) ليس في ع.

(٤) من ك.

(٥) في ب : خاطبته.

(٦) ينظر : الدر المنثور ٣ / ١٤٢.

٧٠٧

عليه‌السلام ليشهد عليهم (١). قال : وفائدة ذلك أحد أشياء أربعة : إمّا تطييب قلب آدم عليه‌السلام وتسليته بشبه عذر من النّاكثين ، وإمّا تذكّر الأنبياء والصّدّيقين ذلك الميثاق في مدّة أعمارهم ، كالمستيقظ يذكّر ما رأى فيذكره بعينه وصورته ، أو تذكير (٢) غيرهم كالسّكران يفعل شيئا في سكره ثمّ يتخيّله فيتفكّر فيه ، وليس يبعد أن يكون توهّم الناسخ (٣) من جري هذا الميثاق ، وإمّا ما (٤) تذكره من هبة آدم عليه‌السلام من (٥) داود عليه‌السلام سنين من عمره ويجوز (٦) ذلك ، وإمّا معنى لم يطلعنا الله عليه (٧). وقيل : المراد بالإخراج إخراج المواليد في كلّ عصر وقرن ، والميثاق الإلهام في قلوب ذوي العقول قبل (٨) اختيارهم الكفر أو الكتاب السّماويّ والأخبار المتواترة. والمأخوذ به ما هو موافق لظاهر الكتاب وعليه الجمهور (٩).

(مِنْ ظُهُورِهِمْ) : بدل (مِنْ بَنِي آدَمَ)(١٠) ، وهو عطف البيان.

(وَأَشْهَدَهُمْ) : «أي : أشهد بعضهم على بعض» (١١).

(شَهِدْنا) : من كلامهم (١٢).

[(أَنْ تَقُولُوا) :](١٣) تقديره : لأن لا تقولوا ، أي : لردّ قولهم هذا وللنفي اتجاهه من أيّ وجه.

١٧٣ ـ (أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا) : لّما كان أخذ هذا الميثاق ممّا يذكره الأنبياء والصّدّيقون (١٤) ويتحيله الشّهداء والصّالحون ويعترف به العوامّ والمقلّدون مع ما نبّه الله عليه كافّة النّاس في القرآن المعجز لم تصحّ دعوى المنكرين بأنّهم (١٥) كانوا مجيبين من جهة آبائهم الأوّلين (١٦).

__________________

(١) (ليشهد عليهم) ساقطة من ع ، وبعدها في ك : قالوا ، بدل (قال).

(٢) في ع : تذكر ، وفي ب : يذكر.

(٣) كذا في نسخ التحقيق ، ولعل الصواب : التناسخ.

(٤) ساقطة من ك ، وبعدها في ع : نذكره ، بدل (تذكره).

(٥) لعلها مقحمة.

(٦) في ب : ونحو.

(٧) في ك : عليها.

(٨) في ك : قيل.

(٩) ينظر في هذه الأقوال : تفسير الطبري ٩ / ١٤٨ ـ ١٥٩ ، والدر المنثور ٣ / ١٤٢ ـ ١٤٥.

(١٠) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٣٩٠ ، ومشكل إعراب القرآن ١ / ٣٠٦ ، والتفسير الكبير ١٥ / ٤٧.

(١١) تفسير البغوي ٢ / ٢١٢ ، وزاد المسير ٣ / ١٩٣.

(١٢) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ٣٠ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢١٢.

(١٣) من المصحف ، ويقتضيها السياق. وينظر : معاني القرآن الكريم ٣ / ١٠٣ ، والتبيان في تفسير القرآن ٥ / ٢٧ و ٢٨.

(١٤) بعدها في ب : والشهداء.

(١٥) في ب : كأنهم ، وهو تحريف.

(١٦) ينظر : الوجيز ١ / ٤٢١ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢١٣ ، وزاد المسير ٣ / ١٩٤.

٧٠٨

١٧٥ ـ (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا) : نزلت في بلعام بن باعور ، كان في مدينة الجبّارين ، وكان من ذرّيّة لوط عليه‌السلام ، وكان يعرف اسم الله الأعظم فدعا به على بني إسرائيل فحبسوا في التّيه أربعين سنة ، فدعا موسى عليه‌السلام بإذن الله تعالى بنزع (١) الاسم الأعظم عنه. ويروى أنّه كان في زمن يوشع عليه‌السلام ، لمّا حاصر (٢) يوشع هذه المدينة طلب بالق من بلعام أن يدعو عليهم ، وكان يعرفه أنّه مجاب الدّعوة ، فلم يفعل بلعام وقال : هؤلاء أولياء (٣) ربّي لا أدعو عليهم ، فرشا بالق امرأته بأموال كثيرة ولؤلؤ وحليّ فاستزلّته امرأته ، فركب أتانا له وخرج إلى صومعته ليدعو على بني إسرائيل فلم تسر تحته (٤) الأتان ، فنزل عنها وتوجّه إلى صومعته (٥) راجلا ، فاستقبله ملك من الملائكة وأخذ عليه الطّريق ، فخرّ ساجدا ودعا الله تعالى ليخليه ، فانكشف عنه الملك ، فلمّا انتهى إلى الصّومعة وتهيّأ للدّعاء نساه الله ذلك الاسم ، وصار كافرا بعزمه على الدّعاء لنصرة الكافرين على المؤمنين ، فلمّا نسي الاسم غضب وسخط على ربّه ، ورجع إلى (٦) بالق وعلّمه حيلة وهي أن يسرّح إلى بني إسرائيل جواري حسانا ليزنوا بهنّ فيخذلهم الله تعالى (٧).

وعن مجاهد والمعتمر بن سليمان عن أبيه أنّ بلعام كان نبيّا (٨) ، وهذا (٩) محمول على أنّه كان نبيّا عند نفسه ، أو عند النّاس ، أو يشبه الأنبياء لاطّلاعه على شيء من الغيب على سبيل التّبع والاتفاق كالشّهداء (١٢٧ ظ) لا على سبيل التّخصيص والاجتباء كالأنبياء.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص وسعيد بن المسيب أنّ الآية نزلت في أميّة بن [أبي](١٠) الصلت ، كان قد قرأ الكتب ووجد فيها نبيّا يبعث من العرب ، فطمع أن يكون هو ذلك ، وكان مع ذك فاجرا خبيثا يقول بلسانه غير ما يفعله بأركانه ، فلمّا بعث نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم كذّب به حسدا ولم يؤمن ومات كافرا ، وفيه قال (١١) صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (هو رجل آمن بلسانه وكفر قلبه (١٢)).

__________________

(١) في الأصل وع وب : بإنزاع ، وبعدها : (الأعظم) ليس في ك.

(٢) في ب : حصر.

(٣) ساقطة من ب.

(٤) في ب : تحت ، والهاء ساقطة.

(٥) (ليدعو ... صومعته) ساقطة من ك.

(٦) في ب : على.

(٧) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ١٦٦ ـ ١٦٩ ، والبغوي ٢ / ٢١٣ ـ ٢١٤.

(٨) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ١٦٤ ـ ١٦٥ ، والقرطبي ٧ / ٣٢٠.

(٩) في ك : وهو.

(١٠) من مصادر التخريج ، ينظر : تفسير الطبري ٩ / ١٦٢ ـ ١٦٣ ، والبغوي ٢ / ٢١٤ ـ ٢١٥ ، والقرطبي ٧ / ٣٢٠.

(١١) في ك : وقال ، والواو مقحمة.

(١٢) في ب : بقلبه. وفي المصادر : آمن شعره ، ينظر : التمهيد ٤ / ٧ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢١٥ ، وفيض القدير ١ / ٥٩.

٧٠٩

وقيل : نزلت في راهب بن (١) صيفيّ ، كان يلبس المسوح وتنسّك في الجاهليّة ، ثمّ عادى نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذهب إلى قيصر مستمدّا ، فأهلكه الله تعالى في الطّريق.

وقيل (٢) : نزلت على وجه المثل في كلّ يهوديّ ونصرانيّ.

(فَأَتْبَعَهُ) : لحقه (٣) ، يقال : ما زلت أتبعه حتى اتبعته ، وقال الفرّاء : تبعه وأتبعه بمعنى ، كلحقه وألحقه (٤).

١٧٦ ـ (لَرَفَعْناهُ بِها (٥)) : أي : لشرفناه بالآيات وعصمناه عن صفة الإخلاد إلى الأرض واتّباع الهوى (٦).

(وَلكِنَّهُ) : ولكن لم نشأ عصمته ف (أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) : والإخلاد إلى الأرض هو لزوم المكان والتثبط والتقاعد (٧).

و (الْكَلْبِ) : سباع.

و (اللهث) : إخراج اللّسان (٨). إذا أخرج الكلب لسانه من حرّ أو عطش لم يمسكه بزجر ولا تخلية ، كذلك المنسلخ من الآيات لم ينزجر عن كفره بإنذار ولا تخلية (٩).

و (الحمل على الشّيء) : قصده على وجه الطّرد ، وكأنّه أخذ من (١٠) حمل السّلاح عليه.

١٧٧ ـ (ساءَ) : بئس ، و (الْقَوْمُ) : مرتفع ، و (مَثَلاً) : نصب على التّفسير (١١).

١٧٨ ـ (مَنْ يَهْدِ اللهُ) : الهداية : التّوفيق للاهتداء ، و (الإضلال) : الخذلان (١٢).

واتّصالها بما قبلها من حيث (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها) [الأعراف : ١٧٦].

١٧٩ ـ (ذَرَأْنا) : أي : شئنا بذرئهم مصيرهم.

__________________

(١) في ك وع : من. وهو أبو عامر بن صيفي الراهب ، ينظر : تفسير الطبري ٩ / ١٦٣ ، ومجمع البيان ٤ / ٣٩٥ ، وتفسير القرطبي ٧ / ٣٢٠.

(٢) ينظر : معاني القرآن الكريم ٣ / ١٠٥ ، والتبيان في تفسير القرآن ٥ / ٣١ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢١٥.

(٣) ينظر : تفسير غريب القرآن ١٧٤.

(٤) ينظر : مجمع البيان ٤ / ٣٩٤ ، ولسان العرب ٨ / ٢٨ (تبع).

(٥) ليس في ك ، وبعدها في الأصل وك وب : تشرفناه ، بدل (لشرفناه).

(٦) ينظر : معاني القرآن الكريم ٣ / ١٠٦ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢١٥ ـ ٢١٦.

(٧) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ١٧٠ ـ ١٧١ ، ومعاني القرآن وإعرابه ٢ / ٣٩١.

(٨) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤١٧.

(٩) ينظر : تأويل مشكل القرآن ٣٦٩ ، وتفسير الطبري ٩ / ١٧٢ ـ ١٧٣ ، والتبيان في تفسير القرآن ٥ / ٣٤.

(١٠) (أخذ من) مكررة في ب.

(١١) ينظر : مشكل إعراب القرآن ١ / ٣٠٦ ، ومجمع البيان ٤ / ٣٩٤ ، والتبيان في إعراب القرآن ١ / ٦٠٤.

(١٢) ينظر : التفسير الكبير ١٥ / ٥٩.

٧١٠

واللام لام الغرض ، كقوله : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) ، الآية [مريم : ٧١] ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن) (١) ، يدلّ عليه أنّ الله تعالى كان عند ذرء الشّقيّ عالما بمصيره لا محالة فلو لم يشأ مصيره لما ذرأه ، ألا ترى أنّ الحكيم لا يغشى النّساء إذا لم يرد النّسل ، ولم يتمتّع بالشّهوات إذا لم يرد السّمن.

وقوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)) [الذّاريات : ٥٦] ليس بمناقض لهذه الآية ؛ لأنّ العبادة ليست بمضادّة (لِجَهَنَّمَ) ، ولاحتماله أوجها سبعة : أحدها : التّسخير لقوله : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، الآية [الرّعد : ١٥] ، والثّاني : إظهار الخضوع لا القيام بالأوامر ، والثّالث : العبوديّة وهي الكينونة لا العبادة ، والرّابع : حالة الطّفولة قد خلقوا على الفطرة ، والخامس : الاقتضاء والاستحقاق كقول الوالدة لولدها : ما ولدتك إلّا لتكبر فتحسن إليّ ، والسّادس : العموم بمعنى الخصوص فيصرف إلى أهل السّعادة ، والسّابع : كون اللام في قوله : (لِيَعْبُدُونِ) لام العاقبة والمآل وذلك عند معاينة البأس. فلو كان يحتمل معنى واحدا لا يصحّ دعوى التّناقض ، كيف وقد احتمل الأوجه.

١٨٠ ـ (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) : اتّصالها بما قبلها من حيث ذكر الكفّار وهم ملحدون (٢).

(الأسماء) : التّسميات التي يكلّم (٣) الله بها. و (الحسنى) : (١٢٨ و) تأنيث الأحسن (٤).

(الَّذِينَ (٥) يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) : الذين اشتقّوا لأصنامهم أسماء من أسماء الله عزوجل ، كاللّات من الله ، والعزّى من العزيز (٦) ، والذين أنكروا إطلاق تسميتين على مسمّى واحد فقالوا : (وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا) [الفرقان : ٦٠]. ويدخل في جملة هؤلاء الذين قالوا : أسماء الله مخلوقة ، والذين أطلقوا على الله اسم الجسم (٧) ، والذين فرّقوا بين الأسماء المشتقّة من صفات (٨) الذّات وبين الأسماء المشتقّة من صفات الفعل.

١٨١ ـ (أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ) : هم أهل السّنّة والجماعة. وتفسير السّنّة أن يسلكوا

__________________

(١) سنن أبي داود ٤ / ٣١٩ ، والسنن الكبرى للنسائي ٦ / ٦ ، والعلل المتناهية ٢ / ٨٣٧.

(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٢٦.

(٣) في ب : تكلم. وينظر : تفسير القرطبي ٧ / ٣٢٦.

(٤) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٢١٧ ، وزاد المسير ٣ / ١٩٨ ، وتفسير القرطبي ٧ / ٣٢٧.

(٥) ليس في ك.

(٦) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ١٧٨ ، والوجيز ١ / ٤٢٣ ، والكشاف ٢ / ١٨١.

(٧) في ب : الجنس.

(٨) في ب : صفة.

٧١١

طريق السّلف في كراهة الكلام والجدال في الدّين ، والتّعسّف (١) في تأويل متشابهات كلام ربّ العالمين وحديث رسوله خاتم النّبيّين ، وأن (٢) يجتهدوا في الفروع بالبحث (٣) عن النّاسخ والمنسوخ ، والظّاهر القريب والخفيّ البعيد ، وأن يميزوا الصّحيح من السّقيم ، والمتواتر من الآحاد ، والمتعارف المعتاد بين النّاس من النّادر والشّادّ ، وأن يتحرّوا الأشبه فالأشبه ، ويجتنبوا إهمال الحوادث كما يجتنبون مخالفة الأصول الشّرعيّة وتفسير الجماعة ، والالتجاء (٤) إلى الكلمة السّواء عند اقتتال المقتتلين.

وهذه (٥) الآية حجّة في صحّة الإجماع (٦) ؛ لأنّ الله تعالى زكّاهم وعدلهم في أحكامهم.

١٨٢ ـ (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) : أنكروها سرّا وجهرا ، أو أنكروها سرّا مع الإقرار بها جهرا ، وأنكروا ظاهرها المعروف أو تفسيرها المجمع عليه أو سرّها المكتوم لتعسّف في التّأويل من غير حجّة ودليل.

(سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) : قال الخليل (٧) : «سنطوي عمرهم في اغترار منهم» ، وقال الضّحّاك : كلّما جدّدوا (٨) معصية جدّدنا لهم نعمة ، وقال القتبيّ : هو أن يدنيهم (٩) من بأسه قليلا قليلا. واستدراج الشّيء : تحصيله على المهلة والتّدريج (١٠).

١٨٣ ـ (كَيْدِي) : مكري (١١) ، (مَتِينٌ) : قويّ شديد وثيق (١٢).

١٨٤ ـ (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) : قيل : صعد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات ليلة (١٣) الصّفا فلم يزل يدعو قريشا فخذا فخذا حتى أصبح ، فقال أناس منهم : أصبح الرّجل مجنونا ، فأنزل الله (١٤).

والمراد بالاستفهام أحد شيئين : إمّا الحثّ والإغراء ، وإمّا التّقرير والإثبات ، أي : تفكّروا

__________________

(١) مكررة في الأصل وع.

(٢) النسخ الثلاث : فأن.

(٣) ساقطة من ك.

(٤) في الأصل وع وب : الالتجاء ، والواو ساقطة.

(٥) مكانها في ب : وفي هذه.

(٦) في ب : الاجتماع.

(٧) زاد المسير ٣ / ٢٠٠ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٢٨.

(٨) في الأصل وب : جردوا ، وبعدها في ب : جردنا ، بدل (جددنا). وقول الضحاك في تفسير البغوي ٢ / ٢١٨ ، ومجمع البيان ٤ / ٤٠٢ ، وزاد المسير ٣ / ٢٠٠.

(٩) في ك : يدنيه. وقول القتبي في زاد المسير ٢ / ٢٠٠ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٢٨.

(١٠) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٢١٨.

(١١) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ١٨١ ، ومجمل اللغة ٤ / ٢٠٧ ، والوجيز ١ / ٤٢٣.

(١٢) ينظر : غريب القرآن وتفسيره ١٥٤ ، وتفسير غريب القرآن ١٧٥ ، وتلخيص البيان ٥٢.

(١٣) بعدها في ك : إلى ، وهي مقحمة.

(١٤) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ١٨٢ ، والبغوي ٢ / ٢١٩ ، والكشاف ٢ / ١٨٢.

٧١٢

وعلموا ثمّ أنكروا وجحدوا (١).

(بِصاحِبِهِمْ)(٢) : الصّاحب : الذي بينك وبينه شأن من خلاف ووفاق.

و (ما)(٣) : للنّفي ، و (مِنْ) : لتأكيد النّفي.

و (الجنّة) : «الجنون» (٤) ، ككلّة البصر وكلوله.

١٨٥ ـ (يَنْظُرُوا) : نظر القلب إن شاء الله ولذلك عمّ المخلوقات كلّها بقوله : (وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ).

(وَأَنْ عَسى) : في محلّ النّصب معطوفا على قوله (٥) : (ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ) ، أو محلّ الخفض معطوفا على قوله (٦) : (مَلَكُوتِ السَّماواتِ).

وفائدة النّظر في المخلوقات الاستدلال بها على صانعها (٧).

(بَعْدَهُ) : بعد الحديث ، أو بعد تمام الأجل (٨).

١٨٧ ـ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ) : لا يتولى مخلوق إلى علم (٩) أوانها حقيقة ، إنّ واحدا من المخلوقين لو توصّل (١٠) إليه من جهة الوحي أو الأمارات المتقدّمة وتعيّنت له السّاعة بكميّة الأيّام والسّاعات والدّقائق لتنكّرت بكميّة الأعداد والأنفاس والأصوات (١٢٨ ظ) واللّحظات والخطرات ، كيف وهي ممكنة في كلّ لحظة غير واجبة (١١).

(أَيَّانَ) : سؤال عن الوقت ، يليها الاسم تارة والفعل أخرى ، وهي مركّبة من أيّ أوان (١٢).

__________________

(١) ينظر : المجيد ٣٢٧ (تحقيق : د. إبراهيم الدليمي) ، والبحر المحيط ٤ / ٤٢٩.

(٢) في الأصل وع وب : لصاحبهم ، وهو خطأ.

(٣) في ب : ومن ، وهو خطأ. وينظر : التبيان في إعراب القرآن ١ / ٦٠٥ ، والدر المصون ٥ / ٥٢٥.

(٤) غريب القرآن وتفسيره ١٥٤ ، وتفسير غريب القرآن ١٧٥.

(٥) في الآية السابقة.

(٦) (ما بصاحبهم من جنة ... قوله) ليس في ب. وينظر : إعراب القرآن ٢ / ١٦٥ ، ومشكل إعراب القرآن ١ / ٣٠٦ ، والتبيان في إعراب القرآن ١ / ٦٠٥.

(٧) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٣٩٢ ، والتبيان في تفسير القرآن ٥ / ٤٤ ، وزاد المسير ٣ / ٢٠١.

(٨) ينظر : تفسير القرطبي ٧ / ٣٣٤ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٣١.

(٩) (مخلوق إلى علم) ساقطة من ب.

(١٠) في ب : تصل.

(١١) في الأصل وب : أواجبة ، والهمزة مقحمة.

(١٢) في ك وب : وأن. وينظر : المجيد ٣٢٩ ـ ٣٣٠ (تحقيق : د. إبراهيم الدليمي) ، والبحر المحيط ٤ / ٤١٨ ، والدر المصون ٥ / ٥٢٩ ـ ٥٣٠.

٧١٣

(مُرْساها) : مواضع إرسائها (١). والإرساء : الثّبوت والقيام (٢).

(لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها) : لا يظهرها لوقتها (٣) غيره.

(ثَقُلَتْ) : أي : عظم واستصعب وقوعها (٤) ، أو علمها على أهل السّموات والأرض (٥).

وفائدة الكتمان استواء الأوّلين والآخرين في الإنذار بالسّاعة وعظم شأن المباغتة والمفاجأة (٦).

(حَفِيٌّ) : مبالغ في البرّ أو السّؤال ، يقال : استحفى السّؤال ، وأحفى في السّؤال (٧) ، قال الله تعالى : (إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا) [محمّد : ٣٧].

(لا يَعْلَمُونَ) : أنّ علمها خاصّة لا يجلّيها لوقتها إلّا هو ، فيظنّون أنّهم يقفون عليها بالبحث عنها (٨).

١٨٨ ـ (قُلْ لا أَمْلِكُ) : اتّصالها بما قبلها من حيث نفي علم السّاعة (٩).

عن ابن عبّاس أنّ قريشا قالت لرسول الله : ألا يخبرك ربّك بالسّعر لنشتري الطّعام في الرخص وبالخصب (١٠) والجدب لننتقل من الجدب إلى الخصب (١١) قبل أن تجدب الأرض ، فأنزل الله الآية (١٢).

(مِنَ الْخَيْرِ) : من حوائج النّفس (١٣) ، قال الله تعالى : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨)) [العاديات : ٨].

(السُّوءُ) : ما يسوء النّفس من المصائب الدّنياويّة (١٤).

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٣١.

(٢) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٣٩٣ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ١١٠ ، والتبيان في تفسير القرآن ٥ / ٤٧.

(٣) (لا يظهرها لوقتها) ساقطة من ك وب. وينظر : غريب القرآن وتفسيره ١٥٥ ، وتفسير غريب القرآن ١٧٥ ، ومعاني القرآن وإعرابه ٢ / ٣٩٣.

(٤) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٣٩٣ ، والتبيان في تفسير القرآن ٥ / ٤٧ ، وزاد المسير ٣ / ٢٠٢.

(٥) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٣٩٩ ، وتفسير غريب القرآن ١٧٥ ، وتفسير الطبري ٩ / ١٨٥.

(٦) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٣٢.

(٧) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٣٩٣ ـ ٣٩٤ ، والتفسير الكبير ١٥ / ٨١ ـ ٨٢ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٣٢.

(٨) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ١٨٩ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٣٣.

(٩) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٣٣.

(١٠) في الأصل وب : بالخصب ، والباء ساقطة.

(١١) النسخ الأربع : الخصب إلى الجدب ، بدل (الجدب إلى الخصب) ، والسياق يقتضي ما أثبت.

(١٢) ينظر : الوجيز ١ / ٤٢٥ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢٢٠ ، وزاد المسير ٣ / ٢٠٣.

(١٣) ينظر : التفسير الكبير ١٥ / ٨٤.

(١٤) ينظر : زاد المسير ٣ / ٢٠٤.

٧١٤

١٨٩ و ١٩٠ ـ ظاهر قوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) ينبئ أنّه (١) آدم عليه‌السلام ، و (زَوْجَها) : حوّاء (٢) ، هكذا ذكر الكلبيّ وغيره ، قالوا : لمّا حبلت حوّاء جاءها إبليس متصوّرا بصورة مجهولة متسمّيّا بالحارث ، وأوهمها أنّها تلد بهيمة ، أو تلد من فيها أو منخريها ، أو تلد ولدا لا يعيش ، فذكرت ذلك لآدم فأشفقا من ذلك ، و (دَعَوَا اللهَ) سبحانه وتعالى ، وزعم إبليس أنّه عبد صالح مجاب الدّعوة ، ومنّاهما أنّهما إن سمّيا الولد باسمه ووهباه منه دعا الله لهما (٣) ، فشرطا له ذلك ، وولدت حوّاء غلاما صالحا فسمّياه عبد الحارث (٤) كما يقول الصّديق للصّديق : ولدي هذا عبدك ، على وجه الإكرام ، ولم يعلما مراد إبليس من ذلك ولا عرفاه ، فأعظم الله تعالى شأن تلك التّسمية ، وأعظم الإنكار عليهما لمكان (٥) نبوّة آدم عليه‌السلام ورفعة رتبته ، ولعلمه سبحانه وتعالى بإبليس وبما يريد من تأسيس قاعدة الشّرك والإفك.

وليس يبعد (٦) هذه الزّلّة والأكل من الشّجرة في حالة واحدة بغرور واحد لما يروى (٧) أنّ قابيل ولد في الجنّة ، ويدلّ عليه ضمير الجمع في قوله : (اهْبِطُوا) [البقرة : ٣٦] ، والولادة تتصوّر في الجنّة كما يتصوّر (٨) خلق حوّاء فيها من ضلع آدم.

وقيل (٩) : قوله : (صالِحاً) يرجع إلى الجنس ، و (جَعَلا) : يرجع إلى التّوأمين فإنّ حوّاء كانت تلد في كلّ بطن توأمين ذكرا وأنثى ، فهما اللذان (١٠) جعلا له شركاء لا آدم (١١) وحوّاء.

وقيل (١٢) : (جَعَلا) يرجع إلى جنس الذّكر وجنس الأنثى من جملة الأولاد والذّرّيّة لقوله تعالى : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ).

وقيل (١٣) : الإشراك فعل الذّرّيّة وإنّما أسند إلى الأبوين مجازا.

__________________

(١) ساقطة من ك ، وفي ع : أن ، والهاء ساقطة.

(٢) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ١٩٠ ـ ١٩١ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ١١٣ ، والتبيان في تفسير القرآن ٥ / ٥٢.

(٣) النسخ الثلاث : بهما.

(٤) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ١٩٣ ، والحجة في القراءات السبع ١٦٨ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢٢١.

(٥) في ع : بمكان.

(٦) في ب : بتعد.

(٧) في ب : يرى ، والواو ساقطة.

(٨) في الأصل وك وب : تصور.

(٩) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ٥٣ ـ ٥٤ ، ومجمع البيان ٤ / ٤٠٩ ، وزاد المسير ٣ / ٢٠٦.

(١٠) في ب : للذين.

(١١) في ك : كآدم ، وفي ع وب : لآدم ، بدل (لا آدم).

(١٢) ينظر : معاني القرآن الكريم ٣ / ١١٦ ، والتبيان في تفسير القرآن ٥ / ٥٢ ـ ٥٣ ، ومجمع البيان ٤ / ٤٠٩.

(١٣) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٢٢١.

٧١٥

وقيل (١) : (النّفس الواحدة) غير آدم من (٢) الآباء فإنّهم آحاد إلى نوح عليه‌السلام ، و (الزّوج) غير حوّاء من الأمّهات لقوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها) [الرّوم : ٢١].

وقيل (٣) : الخطاب متوجّه إلى العرب من أولاد عدنان خاصّة ، وإنّ (٤) المراد بالنّفس واحد من آبائهم.

(تَغَشَّاها) : غشيها.

(حَمْلاً خَفِيفاً) : أي : النّطفة (٥).

(فَمَرَّتْ بِهِ) : أي : قامت وقعدت من غير مشقّة (٦).

(أَثْقَلَتْ) : صارت ثقيلة بالحمل (٧).

(صالِحاً) : بشرا سويّا ، أو بشرا يولد من موضع الولادة ، أو ولدا يعيش (٨).

(شُرَكاءَ) : مصدر (٩) يراد به الاسم. والمراد من الجمع الوحدان (١٠) كقوله : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ) [آل عمران : ٣٩].

١٩١ ـ (ما) : يرجع إلى الجماد من الأصنام (١١).

(وَهُمْ) : راجع إلى الذين (١٢) صوّر على مثالهم من طواغيت الإنس والجنّ ، أو إلى الأصنام على ما يعتقدون فيها من الحياة والعقل (١٣).

__________________

(١) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ١٩٧ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ١١٧.

(٢) في ك : ومن ، والواو مقحمة.

(٣) ينظر : زاد المسير ٣ / ٢٠٦ ، والتفسير الكبير ١٥ / ٨٧.

(٤) في ك : فإن.

(٥) بعدها في ك : به ، وهي مقحمة. وينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٤٠٠ ، وتفسير الطبري ٩ / ١٩١ ، ومعاني القرآن وإعرابه ٢ / ٣٩٥.

(٦) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٤٠٠ ، وتفسير الطبري ٩ / ١٩١ ، ومعاني القرآن وإعرابه ٢ / ٣٩٥.

(٧) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ١٩٢ ، والبغوي ٢ / ٢٢٠ ـ ٢٢١ ، وزاد المسير ٣ / ٢٠٤.

(٨) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ١٩٢ ـ ١٩٣.

(٩) ينظر : الحجة في القراءات السبع ١٦٨ ، وزاد المسير ٣ / ٢٠٥. وهذا على قراءة من قرأ : (شركا) ، وهي قراءة نافع وأبي بكر عن عاصم ، ينظر : السبعة ٢٩٩ ، وحجة القراءات ٣٠٤.

(١٠) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ١٩٨ ، والبغوي ٢ / ٢٢١ ، وزاد المسير ٣ / ٢٠٥. وهذا على قراءة باقي السبعة : (شركاء).

(١١) ينظر : مجمع البيان ٤ / ٤١١ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٣٨.

(١٢) بعدها في ب : هم ، وهي مقحمة.

(١٣) ينظر : مجمع البيان ٤ / ٤١١ ، وزاد المسير ٣ / ٢٠٦.

٧١٦

١٩٣ ـ (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى) : الآية غاية في نفي الخير عن هذه المعبودات من حيث إنّ اتّباع الهوى عند الدّعاء مقدور لعابديها غير مقدور لها فهي أوضع رتبة من عابديها (١).

و (الصّامت) : ضدّ النّاطق.

١٩٤ ـ (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ) : سادتهم المعبودون من جملة الملائكة والأنبياء والطّواغيت ، وإنّ المماثلة بالعبوديّة. ويحتمل أنّهم الأصنام (٢).

(عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) : أي : كعباد.

(فَادْعُوهُمْ) : التّحدّي (٣) بدعاء مستجاب ، وأنّى لهم من جهة معبوديهم ، فإنّ استجابة الدّعاء قضاء الحاجة أو الجزاء عليه (٤) ، ولا يقدر عليها إلّا الله.

١٩٥ ـ (يَبْطِشُونَ) : البطش : الأخذ (٥).

والمراد بهذه الأشياء نفي الأفعال دون الأعضاء ، كما تقول لضعيف : ألك بدن يحتمل هذا الثقل؟ أو معدة تحتمل هذا الطّعام (٦).

وهذه الآية غاية في نفي الخير عنهم أيضا من حيث إنّهم أوضع من عابديهم (٧). فإن كانت الآيات في الأصنام المنحوتة والمنصوبة فبعضها على اعتبار كونها جمادا وبعضها على اعتبار اعتقاد المشركين أو على سبيل التّشبيه ، وإن كانت بعضها في الأصنام وبعضها في الملائكة والأنبياء والطّواغيت فذلك اعتبار أوهام المخاطبين وعقولهم كأنّ بعضهم لا يعرف إلّا ما يشاهد وبعضهم متوهّم وراء المشاهدات أزواجا (٨) وأنفسا ، فعمّهم بالإنكار بهذه الآيات بعضها في بعض.

١٩٦ ـ (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي) : فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقول هذا القول (٩).

١٩٨ ـ (وَتَراهُمْ) : خطاب للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١٠). والضّمير عائد إلى الأصنام (١١) ، وقيل (١٢) : إلى المخاطبين.

__________________

(١) (غير مقدور لها ... عابديها) مكررة في ب.

(٢) في ك : الأمثال. وينظر : تفسير البغوي ٢ / ٢٢٢ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٣٩.

(٣) في ك وع : المتحدي ، وفي ب : المستحدي.

(٤) في ب : عليها.

(٥) ينظر : مجمع البيان ٤ / ٤١٣ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٣٥.

(٦) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٤١.

(٧) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٢٢٣ ، وزاد المسير ٣ / ٢٠٧ ، والتفسير الكبير ١٥ / ٩٢ ـ ٩٣.

(٨) في ب : أرواحا.

(٩) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ٢٠٢ ، والتبيان في تفسير القرآن ٥ / ٦٠ ، ومجمع البيان ٤ / ٤١٣.

(١٠) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ٢٠٢ ، والتبيان في تفسير القرآن ٥ / ٦٢ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢٢٣.

(١١) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٤٠١ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ١١٨ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢٢٣.

(١٢) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ٦٢ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢٢٣ ، وزاد المسير ٣ / ٢٠٨.

٧١٧

١٩٩ ـ (الْعَفْوَ) : الصّفح والمتاركة ، وذلك قبل آية السّيف (١) ، أو بعد ما يظهرون من أنفسهم الإيمان ، أو خاصّة في الذّراري والنّسوان. وعن (٢) ابن عبّاس العفو : الزّكاة (٣).

و (العرف) : المعروف كلّه (٤). وقيل (٥) : إنّه كلمة الإخلاص ، وكذلك قوله (٦) : (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (١)) [المرسلات : ١] هم (٧) الأنبياء الذين أرسلوا بكلمة لا إله إلّا الله.

٢٠٠ ـ (النّزغ) : الهمز (٨) والوسوسة والأذى والإغراء (٩).

٢٠١ ـ (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا) : مبتدأ ، وجملة (إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ) خبره.

(فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) : لمفاجأة الإبصار حالة التّذكير (١٠).

و (التّذكير :) ذكر الله (١١).

و (الإبصار) : إبصار الخير والشّرّ على سبيل التّمييز بعد إمدادهم (١٢).

٢٠٢ ـ (لا يُقْصِرُونَ) : ولا يكفون (١٣) بأنفسهم أيضا عن الغيّ (١٤).

٢٠٣ ـ (وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ) : كانت قريش إذا سكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أيّاما (قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها) ألفاظا حسنة فتقوّلتها ، يطالبون بالآيات على ظنّ أنّه ربّما انقطع ، فأنزل الله (١٥).

٢٠٤ ـ (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ) : عن أبي هريرة وابن المسيب أنّها نزلت في الصّلاة (١٦). وعن مجاهد أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقرأ في الصّلاة (١٧) (١٢٩ ظ) فسمع قراءة فتى من الأنصار ، فأنزل

__________________

(١) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ، والبغوي ٢ / ٢٢٤ ، وزاد المسير ٢ / ٢٠٩.

(٢) في ك : عن.

(٣) ينظر : زاد المسير ٣ / ٢٠٨ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٤٤.

(٤) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ٢٠٧ ، والتبيان في تفسير القرآن ٥ / ٦٢ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢٢٤.

(٥) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٢٢٤ ، والقرطبي ٧ / ٣٤٦.

(٦) ساقطة من ب.

(٧) في ب : فهم ، وبعدها (الذين) ساقطة منها.

(٨) في ك : الهمزة.

(٩) ينظر : مجمع البيان ٤ / ٤١٤ ، وتفسير القرطبي ٧ / ٣٤٨ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٣٥.

(١٠) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ٦٥ ، والتفسير الكبير ١٥ / ١٠٠.

(١١) ينظر : زاد المسير ٣ / ٢٠٩ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٤٦.

(١٢) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ٢١١.

(١٣) في ع وب : يكفرون.

(١٤) ينظر : تلخيص البيان ٥٢ ـ ٥٣ ، ومجمع البيان ٤ / ٤١٧.

(١٥) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٢٢٥ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٤٧ ـ ٤٤٨.

(١٦) ينظر : سنن الدارقطني ١ / ٣٢٦ ، والسنن الكبرى للبيهقي ٢ / ١٥٥ ، والتمهيد ١١ / ٣٠.

(١٧) (وعن مجاهد ... الصلاة) ليس في ب.

٧١٨

[الله](١). وعن أبي هريرة عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : (إنّما جعل الإمام إماما ليؤتمّ به) ... الخبر (٢). وعن جابر مرفوعا : (من كان له إمام (٣) فقراءة الإمام له قراءة) (٤). وعن مجاهد أنّها نزلت في الخطبة (٥). ويجوز أنّها نزلت فيهما (٦).

و (الإنصات) : سكوت في استماع (٧).

٢٠٥ ـ (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) : أي : راقب بالقلب (٨).

(وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) : إبانة بالتّسبيح والتّهليل ، أو القراءة في الصّلاة (٩).

(وَالْآصالِ) : جمع أصيل ، وهو ما بين العصر إلى المغرب (١٠).

٢٠٦ ـ ([إِنَ] (١١) الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) : هم الذين علمهم (١٢) به علم المشاهدة من غير اجتهاد وكسب ، وهم الملائكة والأنبياء والصّدّيقون والشّهداء.

والفائدة عن الإخبار عن (١٣) حالهم هو التّطميع لمن اقتدى بهم أن يلحقهم في رتبتهم بإذن الله تعالى (١٤).

__________________

(١) من ع. وينظر : تفسير مجاهد ١ / ٢٥٦ ، والطبري ٩ / ٢١٦ ، والسنن الكبرى للبيهقي ٢ / ١٥٥.

(٢) ينظر : صحيح البخاري ١ / ١٤٩ ، ومسلم ١ / ٣٠٨ ، وابن حبان ٥ / ٤٦٠.

(٣) (من كان له إمام) مكررة في ب.

(٤) سنن الدارقطني ١ / ٣٢٣ ، والقراءة خلف الإمام ١٥٢ ، والفردوس بمأثور الخطاب ٣ / ٥١٣.

(٥) ينظر : السنن الكبرى للبيهقي ٢ / ١٥٥ ، والتمهيد ١١ / ٣٠ ، وتلخيص الحبير ٢ / ٥٧.

(٦) النسخ الثلاث : فيها. وينظر : تفسير القرآن ٢ / ٢٤٧ ، وتفسير الطبري ٩ / ٢١٩ ـ ٢٢٠ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ١٢٢.

(٧) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ٦٨ ، والتفسير الكبير ١٥ / ١٠٢ ، وشرح سنن ابن ماجه ٦١.

(٨) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٤٩.

(٩) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٢٢٦ ، وزاد المسير ٣ / ٢١٢.

(١٠) ينظر : تفسير الطبري ٩ / ٢٢٢ ، والعمدة في غريب القرآن ١٤١ ، والتبيان في تفسير القرآن ٥ / ٦٨ ـ ٦٩.

(١١) من ع.

(١٢) بعدها في ك : الله.

(١٣) في ع : وعن ، وبعدها : وهو ، بدل (هو) ، والواو في الموضعين مقحمة.

(١٤) ينظر : التفسير الكبير ١٥ / ١١٠.

٧١٩

سورة الأنفال

مدنيّة ، نزلت بعد سورة البقرة بالمدينة (١). وعن ابن عبّاس وقتادة : إلّا سبع آيات نزلن بمكّة ، [أولها](٢) قوله : (وَإِذْ (٣) يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنفال : ٣٠]. وقيل (٤) : نزلت آية واحدة بمكّة ، وهي قوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ) [الأنفال : ٦٤]. وهي ستّ وسبعون آية حجازي بصري (٥).

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١ ـ (يَسْئَلُونَكَ [عَنِ الْأَنْفالِ] (٦)) : نزلت في غزوة بدر في شهر رمضان سنة اثنتين (٧).

وسبب غزوة بدر أنّ عيرا لقريش (٨) قدم من الشّام ، فيهم أبو سفيان وعمرو بن العاص ، فأراد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يخرج إليهم فيغير عليهم ، فخرج وهو يريد العير ، والله يريد النّفير ، فكان ما أراد الله ، وذلك (٩) أنّ أبا سفيان سمع بخروج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأرسل ضمضم بن عمرو الغفاريّ إلى مكّة مستنجدا مستنفرا ، وكانت عاتكة بنت عبد المطّلب قد رأت في المنام قبل مقدم ضمضم أنّ رجلا أقدم على بعير له فوقف بالأبطح وقال : انفروا يا آل غدر (١٠) إلى مصارعكم في ثلاث ، ثمّ صعد أبا قبيس وصرخ ثلاثا ، ثمّ أخذ صخرة وأرسلها من رأس الجبل فأقبلت تهوي حتى إذا كانت في أسفله ارفضّت فما بقيت دار من دور قريش إلّا دخل فيها (١١) بعضها ، فقصّت عاتكة رؤياها على أخيها العبّاس بن عبد المطّلب ، وكانا يكتمان إيمانهما ، فقصّ عبّاس على الوليد بن عتبة ، وكان صديقا له ، فذكرها الوليد لأبيه فتحدّث (١٢) بها ، ففشا الحديث في ما بين النّاس ، قال (١٣) عبّاس : غدوت إلى الكعبة لأطوف بها فإذا أبو جهل في نفر من قريش يتحدّثون عن (١٤)

__________________

(١) في ك وع : بمدينة. وينظر : الكشاف ٢ / ١٩٣.

(٢) يقتضيها السياق. وينظر : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ٧١ ، ومجمع البيان ٤ / ٤٢٢ ، وزاد المسير ٣ / ٢١٤.

(٣) في ع : أو ، وهو خطأ.

(٤) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٥٢.

(٥) ينظر : التبيان في تفسير القرآن ٥ / ٧١ ، ومجمع البيان ٤ / ٤٢٢.

(٦) من ع.

(٧) ينظر : معاني القرآن الكريم ٣ / ١٢٧.

(٨) في ك : عير قريش ، بدل (عيرا لقريش).

(٩) مكررة في ب.

(١٠) في ع : عدراء.

(١١) في ب : دخلها ، بدل (دخل فيها).

(١٢) في الأصل وع : ويتحدث ، وفي ب : وتحدث.

(١٣) بعدها في ب : ابن ، وهي مقحمة.

(١٤) في ب : في.

٧٢٠