تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٥

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٥

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٩

اما تفسير قوله : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) ففيها تقديم يقول كان استواؤه على العرش قبل خلق السموات والأرض والله تعالى فوق العرش فهذا تفسيرهما (١٢).

قال مقاتل : واما قوله عزوجل (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ. وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ. ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) (١٣).

وقوله فى آية اخرى : (أَمِ السَّماءُ بَناها. رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها) الى قوله (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) (١٤) ، فكان هذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا ، وليس بمنتقض ولكن تفسيرهما فى وجوه تقديم الكلام مشتبه.

اما قوله : (أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) الى قوله (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) ففيها تقديم : «اى» وكان استوى الى السماء قبل ذلك. والسماء خلقت قبل الأرض ، وذلك «قوله» (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً) (١٥) ، كلاهما كانتا ماء ففتقهما الله ، فأبان بعضهما من بعض ، وخرج البخار من الماء كشبه الدخان ، فخلق سبع سموات منه فى يومين قبل خلق الأرض ، وكان موضع الكعبة زبدة على ظهر الماء ، فخلق الأرض بعد ذلك فبسطها من تحت الكعبة ، فذلك قوله : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) يعنى بعد خلق السموات (دحاها) يعنى بسطها من تحت الكعبة (١٦).

والخلاصة :

ان مقاتلا فسر الاستواء على العرش بالاستقرار ، وذكر ان الله تعالى فوق العرش.

وهذا يفيد التجسيم ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

وقد ذهب مقاتل الى ان الاستواء على العرش كان قبل خلق السماء والأرض ، وان الله خلق السماء أولا ، ثم خلق الأرض ثانيا.

__________________

(١٢) الامام محمد بن احمد الملطي (ت ٣٧٧ ه‍) : التنبيه والرد على اهل الأهواء والبدع : ٧ ، تحقيق محمد زاهد الكوثرى ط القاهرة ١٩٤٩ م.

(١٣) فصلت : ٩ ـ ١١.

(١٤) النازعات : ٢٧ ـ ٣٠.

(١٥) الأنبياء : ٣٠.

(١٦) الملطي : التنبيه والرد على اهل الأهواء والبدع ، تحقيق الكوثرى : ٧١ ، ٧٢.

١٠١

١ ـ الاستواء

نسب الى ابن عباس ان (استوى الى السماء) سورة البقرة : ٢٩ معناها (عمد الى خلق السماء) (١٧) او (قصدها) (١٨).

وفسرها ابو عبيدة ب «الاستواء والظهور (١٩)».

اما ابن قتيبة فقد فسر الاستواء الى السماء على انه عمد لها (وكل من كان يعمل عملا فتركه ـ بفراغ او غير فراغ ـ وعمد لغيره فقد استوى له واستوى اليه) (٢٠).

والاستواء فى «كلام العرب على جهتين : إحداهما ان يستوي الرجل وينتهى شبابه او يستوي عن اعوجاج ، فهذان وجهان ، ووجه ثابت ان تقول كان مقبلا على فلان ثم استوى على يشاتمنى والى سواء ، على معنى اقبل الى فهو قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) (٢١).

ويطلق الاستواء على الاستيلاء ، كقولهم استوى فلان على المملكة بمعنى استولى عليها وحازها ، ويطلق على العلو والارتفاع كقول القائل : استوى فلان على سريره بمعنى علوه عليه (٢٢).

وقد نفت المعتزلة الاستواء المادي لافضائه الى التجسيم ، فقالوا : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) سورة طه : ٥. اى استوى وملك وقهر (٢٣) كما يقال استوى الخليفة على العرش قال الشاعر :

__________________

(١٧) الفيروزآبادي : تفسير ابن عباس : ٥.

(١٨) الفراء : معاني القرآن : ١ / ٢٥.

(١٩) ابو عبيدة : مجاز القرآن : ٢ / ٢٣٧ ، ٢ / ١٥.

(٢٠) ابن قتيبة : تفسير غريب القرآن : ٤٥.

(٢١) الفراء : معاني القرآن : ١ / ٢٥ ، وانظر تفسير الطبري : ١ / ١٩١ ـ ١٩٢.

وجاء فى «رسالة فى تعريف علم التفسير» ـ وهي مخطوطة لم يذكر مؤلفها ـ تحت رقم ٢٢٠ مجاميع م بدار الكتب المصرية ورقة ٨١ : (ثم استوى اليه كالسهم المرسل الى قصده مستويا ، اى توجه اليه بالاستقامة ، من غير ان يلوى على شيء ، اى يعطف عليه ويميل اليه. واصل الاستواء ، طلب السواء وإطلاقه على الاعتدال لما فيه من التقوية .. إلخ).

والظاهر انه رد على الكشاف حيث قال الاستواء الاعتدال والاستقامة يقال استوى العود وغيره إذا قام واعتدل ثم قيل استوى اليه كالسهم المرسل إذا قصده قصدا مستويا من غير ان يلوى على شيء ومنه استعير قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) سورة البقرة : ٢٩.

(٢٢) الطبري ، تفسير : ١ / ١٩١ ـ ١٩٢.

(٢٣) الابانة : ٣٢ ، مقالات الاسلاميين : ١ / ٢٦١ ، الزركشي ، البرهان : ٢ / ٨٠ ، قال : (وعن المعتزلة استوى بمعنى «استولى وقهر» ورد بوجهين ... إلخ)

١٠٢

قد استوى بشر على العراق

من غير سيف ودم مهراق (٢٤)

وقال بعض المعتزلة ان كلمة استوى «معناها قصد او اقبل على خلق السموات» (٢٥).

وفى النهاية نرى ان تفسير مقاتل للاستواء بمعنى الاستقرار «والتمكن والقعود والجلوس» فوق العرش ـ تفسير يشعر بالتجسيم (اى بان الإله جسم) ، وهو تفسير غريب عن الإسلام ، لعل مقاتلا تاثر فيه بالاديان الاخرى التي نشأت فى بلدته بلخ ، كالزرادشتية والمانوية والبوذية والنصرانية.

وقد ذهب السلف الى ان الاستواء من المتشابه الذي نؤمن به مع التفويض والتنزيه.

اما الخلف فقد حملوه على معنى الملك والاستئثار بالملك ونحو ذلك .. على مقتضى اللغة ولسان والتخاطب.

ولا يسع المنصف الا ان يختار واحدا من هذين المذهبين بدون تجسيم ولا تعطيل.

٢ ـ الكرسي

(ا) ذهب مقاتل الى تفسير الكرسي تفسيرا ماديا ، وهذا مما يشعر بالتجسيم ، ويترتب عليه الاستقرار المكاني ولا يكون ذلك الا للجسم (٢٦) والإله منزه عن ذلك.

جاء ذلك فى تفسير آية الكرسي (البقرة / ٢٥٥) :

(اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) قال مقاتل ـ فى تفسير سنة ـ يعنى ريح من قبل الراس ، فيغشى العينين وهو وسنان ، بين النائم واليقظان. ثم قال جل ثناؤه : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ ، وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ. وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).

__________________

(٢٤) تنزيه القرآن عن المطاعن : ١٥٧ ـ ١٧٩ ، وانظر نفس البيت مع تبديل كلمة بشر بعمرو ، المواقف : ٢٩٧. ويضيف الإيجي بيتا آخر :

فلما علونا واستوينا عليهم

تركناهم صرعى لنسر وطائر

(٢٥) البغدادي : اصول الدين : ١١٢ ، والصواعق المرسلة : ٢ / ١٢٦ ، ١٣٥ وانظر ورقة ٨١ «رسالة فى تعريف علم التفسير» مخطوطة بدار الكتب المصرية.

(٢٦) لان كل متمكن على جسم لا محالة مقدر ، فاما ان يكون اكبر منه او أصغر منه او مساويا له ، كل ذلك لا يخلو من التقدير ، ولو جاز ان يماسه تعالى جسم من جهة ما لجاز ان يماسه فى سائر الجهات فيصير محاطا به.

(انظر ابن حنبل : الرد على الجهمية : ٣٣ ، الدارمي : رد الدارمي على بشير المريسي : ١٤)

١٠٣

قال مقاتل فى تفسير الكرسي : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) كلها كل قائمة للكرسي طولها مثل السموات السبع والأرضين السبع وما بينهما ، والسموات السبع والأرضون السبع تحت الكرسي فى الصغر كحلقة بأرض فلاة.

قال مقاتل : يحمل الكرسي اربعة أملاك ، لكل ملك اربعة وجوه ، اقدامهم تحت الصخر التي تحت الأرض السفلى مسيرة خمسمائة عام ، وما بين كل ارض مسيرة خمسمائة عام.

ملك وجهه على صورة الإنسان وهو سيد الصور ، وهو يسال «الله» الرزق للآدميين. وملك وجهه على صورة سيد الانعام ـ وهو الثور ـ يسال الرزق للبهائم ، ولم يزل الملك الذي على صورة الثور على وجهه كالغضاضة منذ عبد العجل من دون الرحمن عزوجل ، وملك وجهه على صورة سيد الطير وهو يسال الله عزوجل الرزق للطير ـ وهو النسر ـ وملك على صورة سيد السباع ـ وهو الأسد ـ وهو يسال الرزق للسباع (٢٧).

نرى مما سبق ان مقاتلا يفسر الكرسي تفسيرا ماديا ، ويذهب الى ان الكرسي يحمله اربعة أملاك.

ولم يذكر مقاتل الاسناد الذي اعتمد عليه ، بل أورد الأثر محذوف الاسناد ، مع انه من السمعيات التي لا تقبل الا إذا وردت فى القرآن ، او رويت عن المعصوم صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقد أورد الملطي فى كتابه التنبيه والرد الأثر الذي ذكره مقاتل واستنده الى وهب بن منبه (٢٨).

وذلك يجعلنا نعتقد انه من الاسرائيليات المرفوضة.

ثم ان القرآن الكريم قد اثبت العرض والاستواء فى آيات كثيرة (٢٩) ، وليس فى تلك الآيات شيء يدل على الاستقرار الحسى على العرش. او على التمكن بمكان.

(ب) لقد ذكر الملطي حديث الأوعال للرد على جهم بن صفوان الذي أنكر ان يكون الله على العرش ، وحديث الأوعال فيه علل قادحة (٣٠) وإليك نصه :

__________________

(٢٧) تفسير مقاتل : ١ / ٤٣ ا ، ب ، وانظر تحقيقنا له : ١ / ٢١٢ ـ ٢١٣.

(٢٨) الملطي : التنبيه والرد على اهل الأهواء والبدع : ٦٦ (قال : وعن وهب بن منبه ، قال : اربعة أملاك يحملون العرش على أكتافهم. لكل واحد منهم اربعة وجوه : وجه ثور ، ووجه اسد ، ووجه نسر ، ووجه انسان ، ولكل واحد منهم اربع اجنحة : اما جناحان فعلى وجهه ليحفظاه من ان ينظر الى العرش فيصفق ، فيهفو بهما ليس له كلام الا ان يقول قدوس الملك القوى ، ملات عظمته السموات والأرض ، ..).

(٢٩) منها فى البقرة / ٢٩ ، والرعد / ٢ ، والسجدة / ٤ ، والأعراف / ٥٤. وهود / ٧ ، وطه / ٥ ، والمؤمن ٧ ، والحاقة / ١٧ ، والزمر / ٧٥ ، والفرقان / ٥٩.

(٣٠) انظر مقال (اسطورة الأوعال) للكوثري فى مجلة الإسلام (العدد ٤١ من سنة ١٣٥٩ ه‍).

١٠٤

(عن العباس بن عبد المطلب قال : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جلوسا فى البطحاء ، إذ مرت سحابة فقال : ا تدرون ما هذه؟ قلنا : سحاب ، قال : والمزن. قلنا : والمزن. قال : والقتار فسكتنا. قال : ا تدرون كم بين السماء والأرض قلنا : الله ورسوله اعلم. قال : بينهما مسيرة خمسمائة عام ، الى ان ذكر السموات السبع ، ثم قال : وفوق السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض ، وفوق ذلك ثمانية او عال ، ما بين ركبهم واظلافهم كما بين السماء والأرض ، وفوق ذلك العرش وما بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض ، والله عزوجل فوق ذلك ، ولا يخفى عليه شيء من اعمال بنى آدم) (٣١)

«وحديث الأوعال أخرجه احمد فى مسنده بطريق عبد الرزاق ، عن يحيى بن العلاء ، عن شعيب بن خالد ، عن سماك بن حرب ، عن عبد الله بن عميرة ، عن العباس.

«وأخرجه ابو داود والترمذي وابن ماجه بطريق سماك ، عن ابن عميرة ، عن الأحنف بن قيس ، عن العباس ، بزيادة الأحنف بين ابن عميرة والعباس.

«وقد تواترت نصوص ابن معين واحمد والبخاري ومسلم وابراهيم الحربي والنسائي وابن عدى وابن العربي وابن الجوزي وابى حيان على انه غير صحيح».

قال ابن معين : لا تزول الجهالة عن الرجل برواية مثل سماك عنه ، كما فى شرح علل الترمذي لابن رجب.

وعبد الله بن عميرة المذكور فى السند لم يرو عنه سوى سماك مطلقا ، وقال احمد عن يحيى بن العلاء فى سنده «كذاب يضح الحديث» (٣٢) وقال ابو حيان فى تفسير قوله تعالى (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) (٣٣) : وذكروا فى صفات هؤلاء الثمانية اشكالا متكاذبة ضربنا عن ذكرها صفحا.

وقد آيد ابن جرير تفسير الثمانية بثمانية صفوف من الملائكة بأسانيد سردها واغفل عن ذكر خرافة الأوعال فى تفسير الآية.

والعرش فى الآية هو العرش الذي يستظل به يوم القيامة من يستحق الاظلال ، وإضافته الى الله تعالى اضافة تشريف كما لا يخفى.

__________________

(٣١) الملطي : التنبيه والرد : ٩٨.

(٣٢) محمد زاهد الكوثرى : مقالات الكوثرى مطبعة الأنوار بالقاهرة : ٢٠٨.

(٣٣) سورة الحاقة : ١٧.

١٠٥

ومن راجع أساطير اليونانيين الأقدمين فى آلهتهم وركوبهم عروشا ومراكب علم مصدر تلك الخرافة (٣٤)

(ج) الكرسي عند المفسرين :

ذهب سعيد بن جبير وابن عباس الى ان الكرسي علمه تعالى ، وذلك لدلالة قوله تعالى ذكره فى آية الكرسي «ولا يؤوده حفظهما» ، على ان ذلك كذلك. فأخبر انه لا يؤوده حفظ ما علم ، وأحاط به مما فى السموات والأرض ، كما اخبر عن ملائكته انهم قالوا فى دعائهم : (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) (٣٥) فأخبر تعالى ذكره ان علمه وسع كل شيء ، فكذلك وسع كرسيه السموات والأرض. واصل الكرسي العلم ، ومنه قيل للصحيفة يكون فيها علم مكتوب : كراسة ، ومنه قول الراجز ـ فى صفة قانص :

حتى إذا ما اجتازها تكرسا (٣٦) وقد فسر ابو موسى ، والسدى ، والضحاك ، وسفيان ، وعمار الكرسي بانه (موضع القدمين ، وهو الذي يوضع تحت العرش الذي يجعل الملوك عليه اقدامهم) (٣٧) (وذهب الضحاك والحسن الى ان الكرسي : العرش (٣٨) (وروى عن ابى عبد الله جعفر بن محمد انه قال : العرش والسموات والأرضون

__________________

(٣٤) ومن المناسب ان نذكر ان الدكتور مهدى حسين يرى ان لفظ الكرسي بمعناه : المقعد العظيم دخل قديما من الصينية وان أصله الصيني KauTszو المراد منه المقعد العظيم مع ظهر رفيع يعتمد عليه Kazكما تصوره الرسامون عرش بوذا «وعروش» الملوك وقد ادخلت فيه الراء «R» فأصبح ـ Kau ـ r ـ Tazو يعنى الكرسي كما هو الحال فى الكلمات الصينية التي انتقلت الى اللغات الهندية. (مجلة الجمعية الآسيوية الملكية «فى بومباى» ج ٢٨ / ١ ص ١٩ ـ ٢١) ويضيف حسين ابن فيض الله الهمداني انه قد يكون اللفظ الصيني انتقل الى اللغات الهندية والفارسية القديمة «البهلوية» ثم الى الآرامية ومن الآرامية والسريانية أخذته العرب لا من الصينية مباشرة (راجع الرازي : الزينة : ٢ / ١٥٠ هامش رقم ١) ويرى الأستاذ جيفرى ان العرب أخذته من الآرامية ، انظر :

A. jefferey. Foreign Vocabulary of The Quran P. ٤٢.

وربما تاثر مقاتل فى تفسيره المادي للكرسي بالمسيحية التي كانت موجودة فى مدينة بلخ.

وقد جاء فى إنجيل متى الاصحاح الخامس الآية ٢٤ ـ ٢٥ (واما انا فأقول لكم لا تحلفوا البتة لا بالسماء لأنها كرسي الله ، ولا بالأرض لأنها موطئ قدمه)

(٣٥) غافر : ٧.

(٣٦) الطبري ، تفسير : ٣ / ٩ ـ ١١ ، وانظر الراغب الاصفهانى : مفردات غريب القرآن : ٤٤١ عن ابن عباس ، وابن قتيبة ، الاختلاف فى اللفظ : ٣٩ ، والرازي : الزينة فى الكلمات العربية الاسلامية : ٢ / ١٥١.

(٣٧) الطبري ، تفسير : ٣ / ٩ ـ ١١.

(٣٨) الطبري ، تفسير : ٣ / ١٥ ، المطهر بن طاهر المقدسي : البدء والتاريخ : ١ / ١١٦.

١٠٦

وجميع ما خلق الله فى جوف الكرسي كحلقة ألقيتها فى فلاة ، وذلك قوله عزوجل : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) (٣٩) (البقرة / ٢٥٥).

وعن ابى ذر قال : «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : ما الكرسي فى العرش الا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهر فلاة من الأرض (٤٠)».

وقد اختلف اللغويون فى تفسير معنى الكرسي ، فالأصمعى قال : الكراسة : الكتاب ، سميت بذلك لأنه جمع فيها العلم والحكمة (٤١) ويقال للعلماء (الكراسي) لأنه المعتمد عليهم ، كما يقال ارتاد الأرض ، يعنى بذلك ان الأرض تصلح بهم. ومنه قول الشاعر :

يحف بهم بيض الوجوه وعصبة

كراسي بالأحداث حين تنوب (٤٢)

والعرب تسمى اصل كل شيء الكرسي ، يقال : فلان كريم الكرسي : اى كريم الأصل (٤٣) ويذهب الزجاج الى ان الكرسي فى اللغة الشيء الذي يعتمد عليه ويجلس عليه (٤٤) اما الزمخشري فيذهب الى ان الكرسي منسوب الى كرسي الملك ، كقولهم دهري (٤٥) وأخيرا ، نرى ان مقاتلا فسر الكرسي تفسيرا ماديا واعتمد فى وصفه على الاسرائيليات ، ولذلك نرفض ما رواه مقاتل فى وصف الكرسي ، ونقول : اما ان يكون من المتشابه الذي نؤمن به مع التفويض والتنزيه ، او نحمله على معنى من المعاني اللغوية التي أوردناها.

__________________

(٣٩) الزينة : ٢ / ١٦٠ وانظر نفس الخبر عن عطاء : لسان العرب مادة (كرسي).

(٤٠) الطبري ، تفسير : ٣ / ٩ ـ ١١.

(٤١) الزينة : ٢ / ١٥٢ ، قال العجاج :

يا صاح هل تعرف رسما مكرسا

قال : نعم أعرفه وابلسا

انظر البيت فى لسان العرب مادة (كرسي).

(٤٢) الطبري ، تفسير : ٢ / ٩ ـ ١١ عن سعيد بن جبير.

وانظر البيت فى الزينة : ٢ / ١٥١ ، وفى أساس البلاغة نقلا عن قطرب مادة (كرسي)

(٤٣) الطبري : تفسير : ٣ / ٩ ـ ١١ ، والزمخشري : الأساس مادة (كرسي) ، ولسان العرب مادة (كرسي).

(٤٤) لسان العرب ، مادة (كرسي).

(٤٥) الأساس مادة (كرسي).

١٠٧

٣ ـ العرش.

جمع مقاتل فى تفسير العرش بين التجسيم والتفويض ، ففي تفسير الآية ١٧ من سورة الحاقة : قال مقاتل : (ويحمل عرش ربك فوقهم) على رءوسهم (يومئذ ثمانية) من الكروبيين لا يعلم كثرتهم احد الا الله عزوجل (٤٦).

كما فسر العرش فى سورة يوسف بالسرير ، قال (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) رفع يوسف أبويه على السرير وجعل أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره وكانت امه راحيل قد ماتت وخالته تحت يعقوب عليه‌السلام وهي التي رفعها على السرير (٤٧) وقد جسم تجسيما صريحا حين ذكر ان الله استقر (٤٨) فوق العرش (٤٩) وفى سورة المؤمن : (غافر) / ١٥ يقول مقاتل : (رفيع الدرجات) يقول : انا فوق السموات ، لأنها ارتفعت من الأرض سبع سموات (ذو العرش) يعنى هو عليه يعنى على العرش (٥٠) وكلمة العرش لها فى اللغة عدة معان مختلفة ، فتاتى بمعنى السرير الذي يتخذه الملك (٥١) وقد اختار هذا مقاتل فى تاويل قوله تعالى : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) قال : اى رفعهما على السرير (٥٢) وقد ذهب الى هذا التفسير مفسرون آخرون (٥٣) كابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك (٥٤) وقال ابو عبيدة فى قوله تعالى : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) مجازه على السرير وقال ايضا فى قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) الأعراف / ٥٤ ، يونس / ٣» ،

__________________

(٤٦) تفسير مقاتل : ٢ / ٢٠١ ا ، وانظر تحقيقنا له : ٤ / ٤٢٣.

(٤٧) تفسير مقاتل : ١ / ١٨٥ ب ، وانظر تحقيقنا له : ٢ / ٣٥٠ ـ ٣٥١.

(٤٨) تفسير مقاتل : ٣ / ٢ تفسير (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) سورة طه : ٥ ، وانظر تحقيقنا له : ٣ / ٢١ ـ ٢٢.

(٤٩) الملطي : التنبيه والرد : ٧١.

(٥٠) تفسير مقاتل : ٢ / ١٢٨ ا ، وانظر تحقيقنا له : ٣ / ٧٠٨ ، وفى سورة الزمر / ٧٥ يقول مقاتل : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) يعنى تحت العرش (تفسير مقاتل ٢ / ١٢٦ ب) وانظر تحقيقنا له : ٣ / ٦٨٩.

(٥١) الزينة : ٢ / ١٥٥ ، والبدء والتاريخ : ١ / ١٦٥ ـ ١٦٦.

(٥٢) تفسير مقاتل : ١ / ١٨٥ ب ، وانظر تحقيقنا له : ٢ / ٢٥٠ ـ ٢٥١.

(٥٣) الزينة : ٢ / ١٥٥.

(٥٤) الطبري ، تفسير : ١٣ / ٦٧ ـ ٦٨.

١٠٨

مجازه ظهر على العرش وعلا عليه ، ويقال استويت على ظهر الفرس وعلى ظهر البيت (٥٥) كذلك جاءت كلمة العرش بمعنى الملك (٥٦) ، وبمعنى المظلة وسقف البيت (٥٧) كقوله تعالى : (وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) (٥٨) ونقول فى العرش ما قلناه فى الاستواء والكرسي ، فاما ان يكون من المتشابه الذي نؤمن به مع التفويض والتنزيه واما ان نحمله على معنى من المعاني اللغوية المذكورة.

٤ ـ يمين الله

قال تعالى فى سورة الزمر / ٦٧ : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ).

قال مقاتل فى تفسيرها :

(وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) نزلت فى المشركين يقول : وما عظموا الله حق عظمته (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) مطويات يوم القيامة بيمينه فيها تقديم ، فهما كلاهما فى يمينه يعنى فى قبضته اليمنى ، قال ابن عباس : يقبض على الأرض والسموات جميعا فما يرى طرفهما من قبضته ويده الاخرى يمين) (٥٩)

٥ ـ الساق

قال تعالى فى سورة القلم / ٤٢ : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ).

وقد روى مقاتل عن ابن مسعود فى قوله : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) يعنى عن ساقه اليمنى فيضيء نور ساقه الأرض فذلك قوله : (أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) يعنى نور ساقه اليمنى. هذا قول عبد الله بن مسعود. رضى الله عنه.

__________________

(٥٥) مجاز القرآن : ١ / ٢٧٣.

(٥٦) البغدادي ، اصول الدين : ١١٣. وانظر الزينة : ٢ / ١٥٨.

(٥٧) الزينة : ٢ / ١٥٥. ولسان العرب. والصحاح. وأساس البلاغة مادة : (عرش)

(٥٨) البقرة : ٢٥٩. والكهف : ٤٢.

(٥٩) تفسير مقاتل : ٢ / ١٢٦ ا ، وانظر تحقيقنا له ، ٢ / ٦٨٥ ـ ٦٨٦.

١٠٩

قال مقاتل : وقال ابن عباس رضى الله عنه فى قوله (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) يعنى عن شدة الآخرة كقوله قامت الحرب على ساق ، قال : يكشف عن غطاء الآخرة وأهوالها (٦٠) وقال تعالى فى سورة الزمر / ٦٩ : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها). قال مقاتل : يعنى بنور ساقه فذلك قوله تعالى ، (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) (٦١)

٦ ـ تجسيم بالتلميح لا بالتصريح

هناك آيات فسرها مقاتل تفسيرا يشعر بالتجسيم او يحتمل التجسيم ، وكان من المحتمل ان تمر هذه الآيات بدون اى اعتراض ، لو لا ما سبق لنا معرفته عن مقاتل بانه من المجسمة.

من ذلك تفسير قوله تعالى فى الأنفال / ٤٣ : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٦٢).

وفى سورة الإنسان / ٢٠ يقول تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً) وقد جمع مقاتل فى تفسيرها بين الاسرائيليات والتشبيه (٦٣) وأخيرا نقول ، فسر مقاتل اليمين بالقبضة.

وقد ذهب كثير من المفسرين فى تفسير اليمين الى انها لا تعنى اليد الحقيقة ، وأخرجوها على سبيل الاستعارة والمجاز.

وفسر ثعلب قوله تعالى : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) (الزمر / ٦٧) فقال : هو كما تقول الدر بيدي ، والشيء فى يدي (٦٤) اما الساق فيكفى فيها ما رواه مقاتل عن ابن عباس فى قوله ـ تعالى ـ : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) يعنى عن شدة الآخرة كما تقول قامت الحرب على ساق.

ونحن إزاء جميع ما ورد فى القرآن من المتشابه نؤمن به مع التفويض والتنزيه. او نؤوله بما يناسب السياق ومقتضى اللغة.

__________________

(٦٠) تفسير مقاتل : ٢ / ٢٠٦ ا ، وانظر تحقيقنا له : ٤ / ٤٠٨ ـ ٤١١.

(٦١) تفسير مقاتل : ٢ / ١٢٦ ا ، وانظر تحقيقنا له : ٣ / ٦٨٧ ـ ٦٨٨.

(٦٢) تفسير مقاتل : ١ / ١٤٦ ا. قال (لما التقوا ببدر قلل الله المشركين فى أعين الناس ..) وانظر تحقيقي له ٢ / ١١٧.

(٦٣) تفسير مقاتل : ٢ / ٢٢١ وانظر تحقيقي له : ٤ / ٥٢٨ ـ ٥٣١ يقول فى صفة رجل من اهل الجنة (فيأتيه رسول رب العزة فيقول له السلام عليك يا ولى الله ان الله يقرئك السلام وهو عنك راض فلو لا ان الله تعالى لم يقض عليه الموت لمات من الفرح فذلك قوله (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً) سورة الإنسان / ٢٠.

(٦٤) ثعلب. مجالس ثعلب : ٢ / ٤٦٩.

١١٠

«الفصل الرابع»

تعقيب وانصاف

١ ـ كلمة انصاف لمقاتل المتكلم.

٢ ـ الرؤية عند مقاتل.

٣ ـ مقاتل والارجاء.

١١١
١١٢

ـ ١ ـ

كلمة انصاف لمقاتل المتكلم

انفردت كتب الفرق بنسبتها الى مقاتل القول «بان الله لحم ودم ...» ولم يرد ذلك فى تفسير مقاتل مطلقا.

وما صحت نسبته اليه من التجسيم والتشبيه فى الاستواء ، والفوقية ، وصفة العرش والكرسي ، واليمين والساق ـ اقوال يشترك فيها مقاتل مع بعض السلف.

بقي قوله باللحم والدم. وقد كانت بعض هذه الكتب تروى كلام خصومها بشيء من التحامل وربما أضافت الى الرجل ما لم يقله. رغبة فى تنفير الناس من معتقده السيئ ، مما حمل السكسكي فى برهانه على ان يذهب الى ان مقاتل بن سليمان المفسر غير مقاتل بن سليمان القائل باللحم والدم (١).

غير ان الكوثرى خالفه وقال انهما شخص واحد «(٢)».

وبعض أئمة الكلام ومؤرخى الفرق اثنوا على مقاتل واعتبروه أساسا وركيزة لدفع الزيغ والإلحاد.

فالشهرستاني جعل مقاتلا من أئمة السلف. وقرنه بالإمام مالك بن انس حيث قال :

(ان السلف من اصحاب الحديث لما رأوا توغل المعتزلة فى علم الله ومخالفة السنة التي عهدوها من الائمة الراشدين. ونصرهم جماعة من بنى أمية على قولهم بالقدر ، وجماعة من خلفاء بنى العباس على قولهم بنفي الصفات وخلق القرآن تحيروا فى تقرير مذهب اهل السنة والجماعة فى متشابهات آيات الكتاب واخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فاما احمد بن حنبل وداود بن على الاصفهانى وجماعة من أئمة السلف ـ فجروا على منهاج السلف المتقدمين عليهم من اصحاب الحديث مثل مالك بن انس ومقاتل ابن سليمان وسلكوا طريق السلامة فقالوا نؤمن بما ورد به الكتاب والسنة ، ولا نتعرض للتأويل بعد ان نعلم قطعا ان الله عزوجل لا يشبه شيئا من المخلوقات وان كل ما تمثل فى الوهم فانه خالقه ومقدره. وكانوا يتحرزون عن التشبيه الى غاية ان قالوا من حرك يده عند قراءته «خلقت بيدي» او أشار بأصابعه عند رواية ـ قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن ـ وجب قطع يده وقطع إصبعه) (٣).

__________________

(١ ، ٢) الفرق بين الفرق : للبغدادي ، تحقيق الكوثرى سنة ١٩٤٨ م : ١٣٩ هامش.

(٣) الامام ابو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت سنة ٥٤٨ ه‍ ، الملل والنحل : ١٤٥ ـ ١٤٦. صححه وعلق عليه : احمد فهمي. مطبعة حجازي بالقاهرة سنة ١٩٤٨ م.

١١٣

اما الامام الشافعي فقد جعل الناس فى تفسير القرآن عيالا على مقاتل ابن سليمان.

ويذكر الدكتور صبحى الصالح ان مقاتلا من كبار علماء المسلمين ومفسريهم (٤).

ونحن نذكر جيدا قول الامام على لابنه : يا بنى اعرف الرجال بالحق ، ولا تعرف الحق بالرجال.

فنقول سحقا لمقاتل ان كان قد قال بان الله لحم ودم ، بيد ان الإنصاف يقتضينا ان نذكر ان هذا القول لم ينسب لمقاتل فى اى كتاب من كتب التراجم او التاريخ ، وانما نسب اليه فى كتب الفرق وحدها ، وكتب الفرق كانت تحكى كلام الخصوم بشيء من المبالغة أحيانا.

فواجبنا ان نأخذ آراء مقاتل من كتبه هو ، ومن حسن الحظ ان بعضها مخطوط فى المتاحف ، ونحن فى سبيلنا اليه.

يقول الدكتور محمد يوسف موسى (٥) :

(ونعتقد انه اولى بالباحث المنصف ان يتشدد فى قبول كلام الخصم عن الخصم وفى نسبة ما ينسبه له ، وبخاصة كتاب الفرق بين الفرق للبغدادي ، وكتاب الملل والنحل للشهرستاني ـ من أهم المراجع فى المذاهب الاسلامية ، وصاحب الاول ـ كما يذكر الامام فخر الدين الرازي ـ كان شديد التعصب على المخالفين ولا يكاد يحكى مذاهبهم على وجوهها ، وعنه أخذ الشهرستاني مذاهب الفرق الاسلامية) (٦).

وإذا طالعنا كتاب التنبيه والرد للملطى المتوفى سنة ٣٧٧ ه‍ «وهو من اقدم ما الف فى شرح احوال الفرق (٧)» ـ رأيناه يثنى على مقاتل بن سليمان بل يعتبره ملجأ وسندا فى الرد على الزنادقة الذين شكوا فى القرآن ، وزعموا ان فيه متشابها ، ويقول : (فمن طلب علم ما أشكل عليه من ذلك عند اهل العلم به من ثقات العلماء وجد مطلبه ، ولعمري ان اهل الأهواء فى مثل ذلك اختلفوا وضلوا ، وهذه جملة جاءت بها الرواية ، وأخذناها عن الثقات عن مقاتل بن سليمان ان تدبرت ذلك نفعك ان شاء الله. قال مقاتل ...) (٨) ونقل عنه أربعا وعشرين صفحة فى تاويل متشابه القرآن.

__________________

(٤) النظم الاسلامية : ١٧٩ ، حيث يقول : واشتهر امر جهم بعد مناظرة بينه وبين شخص من كبار علماء المسلمين ومفسريهم هو «مقاتل بن سليمان» الذي كان من مثبتى الصفات لله. بينما كان جهم متأثرا باستاذه ـ الجعد بن درهم ـ فى تجريد الله عن الصفات.

(٥) دائرة المعارف الاسلامية : ٦ / ٢١٠.

(٦) مناظرات الرازي طبع الهند عام : ١٣١٥ ه‍ : ٢٥.

(٧) مقدمة الكتاب ، الكوثرى.

(٨) انظر التنبيه والرد للملطى. تحقيق الكوثرى : ٥٨ ـ ٨٢.

١١٤

والظاهرة الجديرة بالملاحظة ان تفسير مقاتل قد خلا خلوا تاما من القول باللحم والدم المنسوب اليه فى كتب النحل ، فاما ان يكون مقاتل قال ذلك فى صدر حياته ثم عدل عنه ، او يكون خصومه تقولوه عليه ، او يكون القائل باللحم والدم مقاتل ابن سليمان آخر ، غير مقاتل بن سليمان المفسر ، كما ذكر ذلك السكسكي فى برهانه ، او يكون رواة تفسير مقاتل هذبوه وحذفوا منه القول باللحم والدم ، او يكون مقاتل قال ذلك فى علم الكلام ، او عند جداله مع جهم فى الصفات ، ولم يقله فى تفسير القرآن الكريم.

اما ترجيح احد هذه الفروض ، فهو ما أرجو ان اهتدى اليه ان شاء الله.

ـ ٢ ـ

رؤية الله عند مقاتل

ذهب مقاتل الى اثبات الصفات ، كما فسر القرآن على اثبات رؤية الله يوم القيامة.

وقد أنكر جهم رؤية الله يوم القيامة (٩) ، اعتمادا على قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) (١٠).

اما مقاتل فقد اثبت الرؤية اعتمادا على قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) ـ (القيامة / ٢٢ ، ٢٣).

وقوله تعالى : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (المطففين / ١٥).

وقوله سبحانه : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (البقرة / ٢١٠) (١١).

وقوله تعالى : (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) (الأحزاب / ٤٤).

وقد فسر هذه الآيات على اثبات رؤية الله تعالى يوم القيامة ، اما الآيات التي تنفى رؤية الله مثل (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) فقد أولها مقاتل بان الخلق لا يرون الله فى الدنيا دون الآخرة ، ولا فى السموات (١٢) دون الجنة. قال مقاتل : «واما قوله جل ثناؤه (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) (١٣) وقال فى آية اخرى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ)

__________________

(٩) التنبيه والرد : ١١١ ، الغنية : ١ / ٩٠.

(١٠) سورة الانعام : ١٠٣.

وانظر : جهم بن صفوان واثره فى التفكير الإسلامي ، خالد العسلي : ٩٨.

(١١) انظر تفسير مقاتل لهذه الآية فى : ١ / ٣٣ ا.

وفيه ما يشعر بالتجسيم ـ الذي يتنزه الله عنه ـ. او انظر تحقيقي لتفسير مقاتل : ١ / ١٨٠.

(١٢) هذه نزعة حشوية عند مقاتل يثبت ان الله فى السماوات ، وإذا تحدد له مكان صار جسما وصار حادثا ، وكل ذلك مما يتنزه عنه الله.

(١٣) سورة الانعام : ١٠٢.

١١٥

فكان هذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا ، وليس بمنتقض ولكنها فى تفسير الخواص فى المواطن المختلفة.

فاما تفسير (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) يعنى لا يراه الخلق فى الدنيا دون الآخرة ولا فى السموات دون الجنة وقوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ ، إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) يعنى يوم القيامة (ناضرة) يعنى الحسن والبياض يعلوها النور (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) ينظرون الى الله عزوجل يومئذ معاينة ـ فهذا تفسيرهما (١٤).

ومن متشابه آيات الرؤية قوله سبحانه لموسى (لَنْ تَرانِي) الأعراف / ١٤٣ ، وقوله سبحانه حكاية عن محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) النجم / ١٣.

وقد أول مقاتل الآيتين بان قوله تعالى لموسى (لَنْ تَرانِي) يعنى فى الدنيا ، فاما فى الجنة فان موسى وغيره يرونه فى الجنة معاينة. واما قوله عن محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) فقال : رآه فى الجنة ليلة اسرى به.

ولا يخلو تفسير مقاتل لهذه الآيات من نزعة التشبيه والتجسيم ـ وهي نزعة فاسدة ـ فى خلال هذا التفسير العظيم (١٥).

وقد كان الامام الشافعي يعتقد رؤية الله يوم القيامة (١٦) ويقول : (لو لم يعرف ابن إدريس انه سيرى ربه ما عبده فى هذه الدنيا) (١٧).

ونسب الأشعري (١٨) الى بعض المسلمين اعتقادهم : ان اهل الجنة يرون ربهم

__________________

(١٤) الملطي ، التنبيه والرد ، تحقيق الكوثرى : ٦٣.

(١٥) انظر نص كلام مقاتل فى تفسيره : ١ / ٣٣ مخطوطة احمد الثالث ، وانظر تحقيقنا له : ١ / ١٨٠ ، وفى التنبيه والرد على اهل الأهواء والبدع : ٦٣ ـ ٦٤ ، حيث يقول : قال مقاتل : واما قوله حيث قال موسى لربه عزوجل (رب أرني انظر إليك قال لن تراني) وقال فى آية اخرى لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ولقد رآه نزلة اخرى) فكان هذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا وليس بمنتقض ولكنهما فى تفسير الخواص فى المواطن المختلفة ، فاما تفسير قوله جل اسمه لموسى (لَنْ تَرانِي) ، قال موسى لما سمع كلام ربه بأرض القدس اشتاق الى رؤيته فقال (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) فقال الله عزوجل (لَنْ تَرانِي) يعنى فى الدنيا فاما فى الجنة فان موسى وغيره يرونه فى الجنة معاينة.

واما تفسير قوله لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) فقال : رآه فى الجنة ليلة اسرى به ، تصديق ذلك قوله : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) فذلك قوله : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) (سورة النجم / ١٤ ـ ١٧) يقول ما زاغ بصر محمد عن رؤية ربه حين رآه ، نظر اليه فى جنة المأوى وما ظلم ، كما قال موسى (تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ..) إلخ.

(١٦) السبكى ، طبقات الشافعية : ١ / ١١٥ ، محمد ابو زهرة : الشافعي : ١٣٧ ط ٢.

(١٧) السبكى ، طبقات الشافعية : ١ / ١١٥.

(١٨) مقالات الاسلاميين : ١ / ٢٦٤.

١١٦

يوم القيامة ، ولكن ليس بالقوة الموضوعة فى العين بل بقوة خرى موهوبة من الله وقد سماها بعضهم «الحاسة السادسة (١٩)».

وقد يدوا اعتقادهم فى رؤية الله يوم القيامة بالآيات التي تثبت الرؤية وسبق أن ذكرها مقاتل ، وقروا مثله بعدم جواز رؤيته تعالى فى الدنيا (٢٠) ، ونه تعالى يرى باصار يوم القيامة ، كما يرى القمر ليلة البدر ، يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون ، لأنهم محجوبون عن الرؤية (٢١) كما قال تعالى (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) وقد فسر مجاهد المكي (ت ١٠٢ ه‍) قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ ، إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) بقوله : هو م من ان تدركه الأبصار (٢٢) ، وقال : «تنظر منه الثواب» (٢٣)».

اما عطية العوفى الكوفي (ت ١١١ ه‍ / ٧٢٩ م) فقد فسر الآية السابقة بقوله : «هم ينظرون الى الله لا تحيط ابصارهم به من عظمته ، وبصره يحيط بهم ، فذلك قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) (٢٤).

وقد وردت فى البخاري وغيره من كتب الصحاح أحاديث تثبت رؤية الله تعالى ، «وان المؤمنين يرونه يوم القيامة كما ترى الشمس فى يوم صحو ليس به غيم ، وكما يرى القمر ليلة البدر لا يشك فى رؤيته» (٢٥).

وقد أول المعتزلة النظر الى الله بانتظار ثوابه.

__________________

(١٩) قال ضرار وحفص الفرد : ان الله لا يرى بالأبصار ولكن يخلق لنا يوم القيامة حاسة سادسة غير حواسنا هذه فندركه بها ، وندرك ما هو بتلك الحواس. (مقالات الاسلاميين : ١ / ٢٦٤)

(٢٠) اختلف الصحابة فى رؤية النبي ربه ليلة الاسراء ، والمتفق عليه عند أكثرهم انه رآه (النووي بستان العارفين : ٥٩ ـ ٦٠) وهذا ما اختاره مقاتل ، وعلل ذلك بان النبي كان فى الجنة والله يرى فى الجنة. وقد نفت السيدة عائشة ان يكون النبي راى ربه. انظر الطبري ، تفسير : ٧ / ٣٠٠ ، والبخاري : ٤ / ٢٧٥ ، كتاب التوحيد ، والترمذي : ٢ / ١٨٩.

(٢١) مقالات الاسلاميين : ١ / ٣٢.

(٢٢) الطبري ، تفسير : ٧ / ٢٩٩ ، وانظر ابن تيمية تفسير سورة الإخلاص : ٩٤ (القاهرة سنة ١٣٢٣ ه‍)

(٢٣) الطبري ، تفسير : ٢٩ / ١٩٢.

(٢٤) الطبري ، تفسير : ٧ / ٢٩٩.

(٢٥) البخاري ، (كتاب الرقاع) : ١ / ١٤٠ ، (كتاب مواقيت الصلاة) : ١ / ١٠٥) ، وسنن النسائي باب الرؤية : ٤ / ٣٢٢ ، وابن ماجه المقدمة حديث رقم ١٧٧ ـ ١٨٠ ، ومسلم ، كتاب الايمان حديث رقم ٢٩٩ ـ ٣٠٢ ، كتاب الزهد حديث رقم ١١٦.

١١٧

ـ ٣ ـ

مقاتل والارجاء (٢٦)

اتهم مقاتل بانه من أول المرجئة ، كما اتهم ابو حنيفة بذلك.

والمرجئة فرقة وقفت موقفا حياديا من الخلاف الذي وقع فى عصر الصحابة ـ بعد مقتل عثمان رضى الله عنه ـ والخلاف الذي كان فى العصر الأموي ، وأرجأت الحكم على الجميع الى الله سبحانه (٢٧).

وذهبت طائفة من المرجئة الى ان الله يعفو عن كل الذنوب ما عدا الكفر ، فلا تضر مع الايمان معصيته كما لا تنفع مع الكفر طاعة (٢٨).

وقد وجد الفساق فى هذا المذهب الفاسد ما يشبع نهمهم ويبرر مفاسدهم فاستتر به كل مفسد مستهتر ، قال زيد بن على بن الحسين «ابرا من المرجئة الذين اطمعوا الفساق فى عفو الله» (٢٩).

وقالت المعتزلة ان مرتكب الكبيرة مخلد فى النار ، وأطلقوا لقب المرجئة على كل من لا يقول بذلك ، ما دام يرى ان صاحب الكبيرة ليس مخلدا ، ولو كان يقول انه يعذب بمقدار ما أذنب (٣٠).

(وقد عد من المرجئة على هذا النحو عدد كبير غير ابى حنيفة وأصحابه ، ومنهم

__________________

(٢٦) الارجاء على معنيين : أحدهما بمعنى التأخير ، كما فى قوله تعالى : (ارجه وأخاه) ، والثاني إعطاء الرجاء (الملل والنحل : ١ / ٢٢٢)

(٢٧) اعتمدت المرجئة فى ذلك الأصل على حديث رواه ابو بكر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو : «ستكون فتن القاعد فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي فيها ـ الا فان نزلت ـ او وقعت ـ فمن كانت له ابل فليلحق بإبله ، ومن كانت له غنم فيلحق بغنمه ، ومن كانت له ارض فليلحق بأرضه». قال رجل من الصحابة : ومن لم تكن له ابل ولا غنم ولا ارض؟ قال رسول الله «ليعمد الى سيفه فليدعه على حده بحجر ثم لينج ان استطاع النجاة» ..

لكن فى هذا الحديث مقالا ، وان كانت فى الصحيحين أحاديث تقارب معناه العام وتختلف عنه اختلافا يسيرا.

(انظر دكتور صبحى الصالح : النظم الاسلامية : ١٤٣ ط ١)

(٢٨) قسم عبد القاهر المرجئة الى ثلاثة اصناف ،) الفرق بين الفرق : ٢٠ ، تحقيق الكوثرى ط سنة ١٩٤٨ م).

وقسم ابو الحسن الملطي المرجئة الى اثنتى عشرة فرقة ، (التنبيه والرد للملطى : ١٣٩ تحقيق الكوثرى ط سنة ١٩٤٩ م).

اما الشهرستاني فقسم المرجئة الى اربعة اصناف : مرجئة الخوارج ، ومرجئة القدرية ، ومرجئة الجبرية ، والمرجئة الخالصة ، (الملل والنحل : ٢٢٢ ـ ٢٢٣ تحقيق احمد فهمي ط سنة ١٩٤٨ م).

والأشعري حدد المرجئة باثنتي عشرة فرقة (مقالات الاسلاميين : ١ / ١٩٧)

(٢٩) محمد ابو زهرة ، ابو حنيفة : ١٣٧ ط دار الفكر العربي سنة ١٩٦٠ م.

(٣٠) الملل والنحل : ١ / ٢٢٦ ، وانظر دكتور صبحى الصالح : النظم الاسلامية : ١٤٩ ط بيروت سنة ١٩٦٥ م (دار العلم للملايين).

١١٨

الحسن بن محمد بن على بن ابى طالب ، وسعيد بن جبير ، وطلق بن حبيب ، وعمرو ابن مرة ، ومحارب بن دثار ، ومقاتل بن سليمان ، وحماد بن ابى سليمان ، وقديد ابن جعفر ، وهؤلاء من أئمة الفقه والحديث لم يكفروا اصحاب الكبائر الكبيرة ، او يحكموا بتخليدهم فى النار) (٣١).

وقد قسم العلماء المرجئة الى قسمين :

١ ـ مرجئة السنة وهم الذين قرروا ان مرتكب الكبيرة يعذب بمقدار ما أذنب ، ولا يخلد فى النار ، وقد يتغمده الله برحمته (٣٢).

ويمكن ان يعد من هذا الصنف مقاتل بن سليمان وابو حنيفة وأصحابه وغيرهم ممن سبق ذكرهم.

٢ ـ ومرجئة البدعة وهم الذين ذهبوا الى انه لا يضر مع الايمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة «(٣٣)».

ولقد صحح الشهرستاني ما اتهم به مقاتل من الارجاء فقال :

(ويحكى عن مقاتل بن سليمان ان المعصية لا تضر صاحب التوحيد والايمان وانه لا يدخل النار مؤمن.

والصحيح من النقل عنه ان المؤمن العاصي يعذب يوم القيامة على الصراط وهو على متن جهنم يصيبه لفح النار ولهبها فيتألم بذلك على قدر المعصية ، ثم يدخل الجنة ، ومثل ذلك بالحبة على المقلاة المؤججة بالنار) (٣٤).

وإذا قرانا تفسير مقاتل أدركنا انه ليس من مرجئة البدعة (الذين يقولون لا تضر مع الايمان معصية ولا تنفع مع الكفر طاعة).

وفى تفسير بعض الآيات نشم رائحة الارجاء عند مقاتل (٣٥) ، لكنه ليس ارجاء البدعة. بل هو ارجاء السنة (٣٦) او اقرب الأشياء الى ارجاء السنة.

__________________

(٣١) محمد ابو زهرة فى (ابو حنيفة) : ١٣٧ ط دار الفكر العربي سنة ١٩٦٠ م ، (تاريخ المذاهب الاسلامية) : ١٤٥ ، واحمد أمين فى. ضحى الإسلام : ٣ / ٢٢٣.

(٣٢ ، ٣٣) محمد ابو زهرة ، تاريخ المذاهب الاسلامية : ١٤٥. وقارن : الدكتور صبحى الصالح ، النظم الاسلامية : ١٤٨ ـ ١٤٩.

(٣٤) الشهرستاني ، الملل والنحل : ٢٢٨ تحقيق احمد فهمي. واحمد أمين ، ضحى الإسلام : ٣ / ٢٢٣.

(٣٥) انظر تفسير مقاتل لقوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) سورة الحجرات : ١٤. قال : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ) يعنى ولما يدخل التصديق.

تفسير مقاتل : ٢ / ١٦٧ ا ، وانظر تحقيقنا له : ٤ / ٩٨ ـ ٩٩.

(٣٦) انظر تفسير مقاتل للآية ١٢٤ وما بعدها من سورة الشعراء ، حيث يذهب الى ان العمل من لوازم الايمان. (تفسير مقاتل : ٢ / ٥٥ ب ، ٥٦ ا) وانظر تحقيقنا له : ٣ / ٢٨٢ ـ ٢٨٣.

١١٩
١٢٠