موسوعة القرآن العظيم - ج ٢

دكتور عبد المنعم الحفني

موسوعة القرآن العظيم - ج ٢

المؤلف:

دكتور عبد المنعم الحفني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة مدبولي
الطبعة: ١
ISBN: 977-208-422-2
الصفحات: ١٢٤٤
الجزء ١ الجزء ٢

فليخرج. وإن كان من أهل العلم ومعروفا بالصلاح فلا ينبغى له أن يحضر ما فيه شبهة ، وعن عمران بن حصين قال : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن إجابة طعام الفاسقين» ، وهم الذين يقول الله تعالى فيهم : (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) (العنكبوت ٢٩) وعن جابر قال : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر».

* * *

١٦٥٩ ـ وليمة العرس وحضورها

وليمة العرس هى للاحتفال بالعرس ، وهى طعام مخصوص بذلك ويدعى إليه الأقارب والأصحاب ، وإقامة الولائم ابتهاجا بالعرس محمولة على الاستحباب ، وقيل : إن الوليمة واجبة إذ أمر بها النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد الرحمن بن عوف ، وقال له : «أو لم ولو بشاة» ، و «لو» ليست الامتناعية ، وإنما هى للتقليل. واستدل بالحديث على أن الشاة أقل ما يشرع للموسر ، وتقام الوليمة عند الدخول ، وتستدرك بعد الدخول إذا فاتت ، والنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أولم على بعض نسائه بأقل من الشاة ، وكانت وليمته على صفية : حيسا ، وهو تمر ودقيق وسمن ؛ وأولم على أخريات بمدّين من شعير ، وأخرج ابن سعد عن الواقدى قول أم سلمة : أن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمّا خطبها أدخلها بيت زينب بيت خزيمة ، فإذا جرّة فيها شىء من شعير ، فأخذته فطحنته ، ثم عصدته فى البرمة ، وأخذت شيئا من إهالة فأدمته ، فكان ذلك طعام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وعن أنس قال : «أولم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أم سلمة بتمر وسمن» وعن أسماء بنت عيسى : «أن علىّ بن أبى طالب أولم فى زواجه من فاطمة شطر صاع من شعير». وهذه ولائم من الماضى وتناسب أحوال هؤلاء الناس ، ونستنبط من ذلك أن الوليمة مستحبة ، ومن يقدر على الوليمة بأكثر من ذلك فليفعل ، ولا حدّ لأكثرها من غير إسراف ، ولا لأقلها من غير بخل ، ومهما تيسّر أجزأ ، وهى على قدر حال الزوج. وقد يتعدد زواج المسلم فلا يقصد إلى تفضيل بعض من يتزوج على بعض فى الوليمة ، وإنما التباين باعتبار أحواله من الثراء ، وباعتبار حسب المرأة ونسبها.

والوليمة أصلا تقام عن كل دعوة تتخذ لسرور ، احتفالا نكاح أو ختان وغيرهما ، وقد أولم إبراهيم كقوله تعالى : (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) (٢٦) (الذاريات) ، وقوله : (أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) (٦٩) (هود) وأشهر الولائم عند المسلمين ثمانية : الإعذار للختان ؛ والعقيقة للولادة وتختص باليوم السابع ، والخرس وهو طعام الولادة ؛ والنقيعة (من النقع أى الغبار) : وهى التى يصنعها القادم من السفر احتفالا بسلامة وصوله ، فأما التى يصنعها له الآخرون فهى التحفة ؛ والوكيرة (من الوكر أى السكن) : للسكن المتجدد ؛

٧٤١

والوضيمة : وهى طعام المأتم (سميت كذلك لأن الطعام يوضع فيها على وضم أى مائدة) ؛ والمأدبة لما يتّخذ بلا سبب ، فإن كانت لقوم مخصوصين فهى النقرى ؛ وإن كانت عامة فهى الجفلى. وقيل الوليمة خاصة فقط باحتفال الدخول على العروس ، فأما الاحتفال بالعقد عليها أو بخطبتها فهو الشندخ. وهناك غير هذه الولائم السابقة الحذاق وهى احتفال يجرى ابتهاجا بحذق الولد أو البنت لصنعة ، ومن ذلك أن يختم القرآن ويحذق تلاوته ؛ والخرس ، والإعذار ، والتوكير : وأنت فى إجابتها بالخيار. وكل ذلك من تقاليد الماضى وعاداته ؛ وأما وليمة العرس أو الإملاك ، فهى كما فى الحديث عن أبى هريرة : «الوليمة حقّ وسنّة». ومن السنة أن تجاب الوليمة. وليست لها مدة ، فعن حفصة بنت سيرين أن أباها لمّا تزوج دعا الصحابة سبعة أيام ، وفى الحديث عند عبد الرزاق : ثمانية أيام ، وفى حديث أبى داود والنسائى بطريق قتادة أن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الوليمة أول يوم حقّ ، والثانى معروف ، والثالث رياء وسمعة» ، وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا دعى أحدكم إلى الوليمة فليجب». وفى الحديث عن أنس : أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقام على صفية ثلاثة أيام حتى أعرس بها ؛ وفى الحديث عن ابن مسعود أخرجه الترمذى : «طعام أول يوم حقّ ، وطعام يوم الثانى حقّ ، وطعام يوم الثالث سمعة» ؛ وعن ابن عباس عن النبىّ قال : «طعام فى العرس يوم سنّة ، وطعام يومين فضل ، وطعام ثلاثة أيام رياء وسمعة» ، فالإجابة إذن فى اليوم الثالث مكروهة إذا كان المدعوون فى اليوم الثالث هم أنفسهم المدعوون فى اليوم الأول. وفى الحديث عن أبى موسى عن النبىّ قال : «فكّوا العانى ، وأجيبوا الداعى ، وعودوا المريض» وعن البراء بن عازب قال : أمرنا النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسبع ونهانا عن سبع ، وإجابة الداعى هى سابع ما أمرنا به». غير أن الوليمة للعرس لأكثر من يوم إسراف والله لا يحب المسرفين.

وشرط إجابة الوليمة : أن لا تكون الدعوة إليها مقتصرة على الأغنياء دون الفقراء ، وعن أبى هريرة قال : «شر الطعام الوليمة ، يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ، ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله». وعن ابن عباس قال : «بئس الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الشبعان ويحبس عنها الجيعان.» والمراد بطعام الوليمة وليمة العرس ، وإتيانها حق ، وكان ابن عمر يجيب دعوة وليمة العرس صائما ومفطرا ، فإن كان مفطرا فليطعم ، وإن كان صائما فليدع وليشتغل بالصلاة ليحصل له فضلها ، ويحصل لأهل البيت والحاضرين بركتها. والمفطر ولو حضر لم يجب عليه الأكل ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب ، فإن شاء طعم ، وإن شاء ترك».

* * *

٧٤٢

١٦٦٠ ـ النساء يحضرن العرس مع الرجال

فى الحديث عن سهل قال : لمّا عرّس أبو أسيد الساعدى دعا النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، فما صنع لهم طعاما ، ولا قرّبه إليهم ، إلّا امرأته أم أسيد ، بلّت تمرات فى تور من حجارة ، من الليل ، فلما فرغ النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الطعام أمالته له فسقته تتحفه بذلك» رواه البخارى. وقوله : بلّت تمرات يعنى صنعت شرابا لا يسكر فى العرس ؛ والتور : قدر ؛ وأمالته مرّسته بيدها ؛ وتتحفه به : تخصّه به. وفى الحديث ـ كما ترى : أن النساء يجوز حضورهن العرس مع الرجال والخدمة عليهم ، بشرط أمن الفتنة ومراعاة الستر.

* * *

١٦٦١ ـ هل تشهد النساء على الزواج أو الطلاق؟

عقد الزواج عقد معاوضة مثل البيع ، فيمكن أن تشهد عليه النساء ، وفى الآية : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) (البقرة ٢٨٢) ، وشرط الشهادة أنها تنعقد لرجلين ، فإن لم يتوفر الرجلان فرجل وامرأتان ، غير أن ذلك فى الديون والبيوع بالأجل من غير كتابة ، وفى غير ذلك تجوز شهادة المرأة على السواء بالرجل ، ويشترط العدالة فى الشهود جميعا ، رجلين كانوا ، أو رجلا وامرأتين. وقوله «أن تضل احداهما» أى المرأتان ، أنّ إحداهما إذا نسيت ذكّرتها الأخرى. وشرط الرجلين : أن مجالس الزواج كان يحضرها قديما الرجال غالبا وتعزل عنها النساء. وفى النصرانية لا تشترط الشهادة ، وكذلك لا يوجد شرط الشهادة فى التوراة ، لا فى الزواج ولا فى الطلاق ، على عكس الإسلام فقد اشترط لهما الشهود ، واشترط أن يكونوا من الصالحين والصالحات ، لم يعرف عنهم فسق ظاهر ، وأن يكونوا من العقلاء الراشدين من النظراء لهما. ولا يحتج بالسنّة أنها قد مضت منذ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا تستشهد النساء فى الحدود ، ولا فى الزواج ، ولا فى الطلاق ، فقد كانت النساء وقتذاك فى عزلة ، ومجتمعاتنا فيها السيدات المرموقات ، والطبيبات الناجحات ، ومعلّمات الجامعة والمحاميات إلخ ، وهؤلاء يخرجن إلى الحياة العامة ويمارسنها كالرجال ، وشهادتهن صحيحة ومشروعة. وقد روى عبد الرزاق وسعيد بن منصور عن عطاء بن يسار : أن عمر بن الخطاب أجاز شهادة النساء مع رجل واحد فى النكاح وذلك هو ديننا السمح كما وصفه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

* * *

١٦٦٢ ـ صيغة الزواج

يشترط فى صيغة الزواج الإيجاب والقبول من المخطوبة والخاطب ، ولا يتم الزواج

٧٤٣

بالمراضاة والمعاطاة ، ولا بالإشارة والكتابة مع القدرة على اللفظ ، وبهذا يفترق عقد الزواج عن غيره من العقود ، ولا يتحقق الميثاق والالتزام بينهما إلا باللفظ والتوقيع ، وهذا هو الإيجاب ، ويقع بلفظ «زوّجت ، وأنكحت» والأصل فى ذلك قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها) (الأحزاب ٣٧) وقوله : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) (النساء ٢٢) ، لأن الأصل تحريم الفرج ، فينبغى لذلك أن يثبت سبب الحلّ شرعا. وأما القبول فيكفى فيه اللفظ الدال عليه صراحة ، مثل : «قبلت ، ورضيت» ، وتصح بداهة قيام الألفاظ المترادفة بعضها مقام بعض ، كأن تقول المرأة : «زوّجتك نفسى» ، ويقول الرجل : «قبلت النكاح» ، أو تقول : «أنكحتك نفسى» ، ويقول : «قبلت الزواج منك» ، وقد يقتصر الأمر على قول «قبلت» فقط. وتلاحظ أن الصيغة تكون فى الماضى بقولها «زوّجتك» وليس فى الحاضر «أتزوج» ، والماضى صريح فى الإنشاء ، والأصل أن يكون الإيجاب من المخطوبة ، والقبول من الخاطب ، غير أن المرأة تستحى أن تبدأ بالإيجاب ، فكان المشهور تقديم القبول على الإيجاب ، ولا يقبل عقد الزواج الخيار ، لأن فيه شائبة العبادة ، وفسخه محصور بالعيوب المنصوص عليها ، ولذا لا تجرى فيه الإقالة. والإشهار شرط فى الزواج ، لأنه لا زواج إلا بوليّ وشاهدين.

١٦٦٣ ـ هل للمرأة أو الرجل أن يشترط عند الزواج؟

للرجل والمرأة أن يشترطا عند عقد الزواج ، وفى الحديث عن عقبة عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أحق ما أوفيتم من الشرط أن توفوا به ، ما استحللتم به الفروج» ، أى أحق الشروط بالوفاء شروط الزواج ؛ وللمرأة مثلا أن تشترط على الرجل أن لا يتزوج عليها ، أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله. وما كان من شروط فى الصداق فيجب الوفاء بها ، وعن عمر قال : إذا تزوج الرجل والمرأة وشرط أن لا يخرجها لزم». وعند أحمد : يجب الوفاء بالشرط مطلقا. والشروط من مقتضى العقد وتستوى فى وجوب الوفاء بها ، كأن تشترط المرأة العشرة بالمعروف ، والإنفاق ، والكسوة ، والسكنى ، وأن لا يقصّر فى شىء من حقها. وقد يشترط الرجل عليها ألّا تخرج إلّا بإذنه ، ولا تمنعه نفسها ، ولا تتصرف فى ماله أو متاعه إلا برضاه. فإذا اشترطت المرأة على الرجل أن لا يطأها لم يجب الوفاء بشرطها ، لأن القاعدة كما فى حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن عائشة : «كل شرط ليس فى كتاب الله فهو باطل» ، والوطء من حقوق الزوج ، فإذا شرطت عليه إسقاطه كان شرطها باطل لأنه ليس فى كتاب الله. وفى الحديث أيضا عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «المسلمون عند شروطهم إلّا شرطا أحلّ حراما أو حرّم حلالا» ، وعنه كذلك : «المسلمون عند شروطهم ما وافق الحقّ». وعن جابر : أن أم

٧٤٤

مبشر بنت البراء بن معرور جاءت إلى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : إنى شرطت لزوجى أن لا أتزوج بعده. وفقال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن هذا لا يصلح». وإذا اشترطت المرأة على الرجل أن لا يتزوج عليها إلا إذا أعلمها ، أو أن تطلّق إذا رغبت فى ذلك ، وجب عليه الوفاء بشروطها. وقد حكم عمر بذلك وقال برواية عبد الرحمن بن غنم : لها شرطها» ، فقال الرجل : هلك الرجال! لا تشاء امرأة أن تطلق زوجها إلّا طلّقت! فقال عمر : المؤمنون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم. وقال : إن مقاطع الحقوق عند الشروط ، ولها ما اشترطت». وعن أبى هريرة عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يحلّ لامرأة أن تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها» أو قال : «لا يصلح لامرأة أن تشترط طلاق أختها لتكفئ إناءها» ، أو «لتستفرغ إناء صاحبتها ولتنكح» ومعنى الحديث : نهىّ المرأة أن تشترط على الرجل لتتزوجه أن يطلق زوجته ، فيصير لها من نفقته ومعاشرته ما كان للمطلقة ، وعبّر عن ذلك بقوله «تكفئ ما فى صحفتها». والمراد بأختها غيرها سواء كانت أختها من النسب أو الرضاع أو الدين ، ويلحق بذلك الكافرة فى الحكم وإن لم تكن أختا فى الدين وإنما أختها فى الجنس الآدمى ، أو أن يكون المعنى أن المرأة لا ينبغى أن تسأل زوجها أن يطلق ضرّتها لتنفرد به ، وذلك من الأدب العالى فى الإسلام ، وشبيه به قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للرجال : «لا يخطب الرجل على خطبة أخيه» ، فنهى المسلم أن يخطب المسلمة على المسلم ، ونهاه أن يخطب الكافرة أو المشركة على الكافر أو المشرك!

* * *

١٦٦٤ ـ المهر وأنواعه وأحواله

المهر ، ويسمى الصداق ، والفريضة ، والأجر ، كقوله تعالى : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) (النساء ٤) ، وقوله : (أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) (البقرة ٢٣٦) ، وقوله : (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) (النساء ٢٤) ، وقوله : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء ٢٥) ، فدلّت الآيات على وجوب المهر أو الصداق للمرأة ، وأنه عطيتها من الله تعالى ، بدليل قوله «نحلة» ، نقول : نحلت فلانا شيئا ، أى أعطيته عن طيب نفس ، والصداق عطية وحق ثابت قد فرضه الله للنساء ، لا ينازعهن فيه الرجال ، ولا تكون النحلة إلا المسماة المعلومة ، وهو من الدّين ، لأن كلمة «نحلة» تعنى الديانة والملّة. وقوله : «بإذن أهلهن» فيه أن الزواج لا بد فيه من موافقة أهل المرأة ، وأن يكون بوليّ وشاهدين ، وبمهر ثابت. وقد تهب المرأة صداقها لزوجها ، كقوله تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (٤) (النساء). والزواج حلّ ، والمهور أجور لأن ما يقابله المنفعة يسمى أجرا ، والمنفعة فى

٧٤٥

الزواج هى الحلّ. والمهور نوعان : المهر المسمّى ، ومهر المثل ، فأما المهر المسمى : فهو ما تراضى عليه الزوجان وسمّياه فى متن العقد ، ولا حدّ لكثير ، كقوله تعالى : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً) (النساء ٤) ، ويستحب أن يكون كمهر السنّة ، والمندوب شرعا ، ومعلوما بجهة من الجهات ، ويصحّ أن يكون نقدا ، أو مصاغا ، أو ثوبا ، أو عقارا ، أو منفعة ، وقد زوّج النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلا من أصحابه وجعل مهر المرأة أن يعلمها ما يحسن من القرآن. وإذا تزوجها بمهر سرا وبآخر جهرا ، فلها الأول سواء كان الزائد أو الناقص. ولا يجوز أن تهب المرأة نفسها للرجل لينكحها من غير مهر ، فإذا عقد عليها بلا ذكر للمهر ولم يشترط عدمه ، سمى ذلك تفويضا وتسمى الزوجة مفوّضة ، والتفويض على ضربين : تفويض بضع : وهو أن يتزوجها بغير صداق ، وهو المراد بإطلاق التفويض ؛ وتفويض مهر : وهو أن يجعل المهر إلى رأى أحد الزوجين أو رأى أجنبى ونحوه ، ويكون للمفوّضة مهر المثل ، ويقاس بمهر مثيلاتها ، وحالها فى الشرف والجمال والسّن ، والبكارة ، والعفة ، والأدب ، والعلم. ومعنى مهر مثيلاتها صداق نسائها : كأمها أو أختها ، أو عمّتها ، أو بنت عمّها. ومن عقد على امرأة ودخل بها ، ثم تبين فساد العقد لأنها أخته من الرضاعة ، أو لغير ذلك ، فإن لم يكن سمّى لها مهرا فى العقد استحقت مهر المثل. ومن أكره امرأة على الزنا فعليه مهر المثل ، وإن طاوعته لم يجب عليه شىء لأنها بغىّ. وإن طالبت المفوضة زوجها قبل الدخول بفرض مهر لها أجبر على ذلك ، فإن اتفقا على فرضه جاز ما فرضاه ، أو ما فرضه القاضى ، وليس لها المطالبة بما سواه ، لأن الزيادة ميل على الزوج ، والنقص ميل على المرأة ، ولا يجوز الدخول بالمرأة قبل أن يمهرها الزوج بشيء ، سواء كانت مفوضة أو مسمى لها ؛ ولها ، أن تمنع نفسها عليه حتى تتسلم صداقها. ويجوز تأجيل المهر وتعجيله ، كله أو بعضه ، أجلا معينا ظاهرا ، أو غير ظاهر ، كأن يكون أحد الأجلين : الموت أو الطلاق ، وإن كان بعضه حالا وبعضه مؤجلا ، فلها منع نفسها قبل قبض العاجل دون الآجل ، ولو بقى من المهر جنيه واحد كان كبقائه جميعه. ولا يبرأ الزوج من المهر إلا أن يسلمه إلى من يتسلم مال الزوجة وتقرّ بذلك فى العقد. والمهر فى الذمة دين ، فإن مات من هو عليه خصم من تركته. وقيل : يستحق المهر بالخلوة فى العقد الصحيح ، والخلوة فى النكاح الفاسد لا يجب بها شىء من المهر ، لأنه لم يجب العقد وإنما وجب بالوطء ، ولا أثر للمباشرة فيما دون الفرج ، كالقبلة ونحوها ، طالما لم يحدث وقاع ، وكذلك إن نظر إليها عريانة تغتسل ، وقيل بل يجب عليه المهر كله. وينصّف المهر بالطلاق قبل الدخول ، وللمفارقة باللعان ، وللمدخول بها فى نكاح ثان بعد أن خالعها بعد الدخول ثم تزوجها فى عدتها ، ثم طلقها ولم يدخل

٧٤٦

عليها. وكل فرقة قبل الدخول ، إن كانت من قبل المرأة ، كأن ترتد ، أو لإرضاعها من ينفسخ نكاحه بإرضاعه ، أو فسخ النكاح بعيبها ، أو فسخه لإعساره أو عيبه ، يسقط به مهرها كله ولا يجب لها متعة. وإن كانت الفرقة قبل الدخول بسبب الزوج ، كأن يرتد ، أو بالطلاق ، أو الخلع ، أو بإرضاع ينفسخ به النكاح ، يسقط نصف مهرها ، ويجب عليه نصفه ، وإن طلّقت بالإيلاء كان كطلاقه لها. وإن كانت العصمة بيدها فطلقت نفسها فإن مهرها لا يسقط. ومن وجب لها نصف المهر لم تجب لها المتعة ، سواء كان صداقها مسمّى أو لم يسم ، وإنما فرض لها بعد العقد. ويستحب أن تمتّع كل مطلقة ، وأما المتوفى عنها فلا متعة لها. وكل فرقة يتنصّف بها المهر المسمى توجب المتعة إذا كانت مفوّضة. وما يسقط به المسمّى من أنواع الفرقة ، كاختلاف الدين ، والفسخ ؛ بالرضاع ونحوه ، إذا جاء من قبلها ، لا تجب به متعة. وتسقط متعة المفوّضة إن كانت قد أبرأت زوجها من نصف المهر ثم طلقت قبل الدخول.

* * *

١٦٦٥ ـ المغالاة فى المهور

المهر أو الصداق هو ما يفرضه الرجل للمرأة على نفسه من مال ، تنتفع به شرعا ، وتقبضه معجّلا أو مؤجلا. وهو ليس مال يشترى به الرجل المرأة من أبيها أو من نفسها ، زعما بأن نظام المهور من مخلّفات عصور الجوارى ، فالفرق بين الأمة والحرّة ، أن الأمّة تشرى بثمن ، والحرّة تمهر ، والمهيرة من النساء هى الحرة الغالية المهر. ولو كان مهر المرأة ثمنا لها لكان من حقّ أبيها ، ولكن المهر هو حق خالص للمرأة ، وكان الرجل قبل الإسلام ـ إذا زوّج ابنته ـ أخذ مهرها دونها ، وكان كثير المساومة فى المهر فيغلب المتقدم لها ويقال لذلك إنه قد مهره ، أى غالبه فى المساومة فغلبه ، ولذلك جاءت الآية : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) (النساء ٤) ، فنهى الله تعالى الآباء أن يأخذوا صداق بناتهن ، وجعله حقا خالصا للمرأة. والصداق أصله من الصدق ، فهو المال الذى يصدق به الرجل وعدّه للمرأة بالزواج. والصدق هو الفضل ، وهو الصلاح ، والصداق هو الذى به يصدق الرجل خطبته للمرأة بالعمل ، أو يصادق على خطبتها ويخبرها بما يدفع لها من مال. والصداق ـ وليس المهر ـ مصطلح إسلامى. والنحلة فى الآية هى الفريضة أو الواجب ، ومعنى الآية : لا تتزوج المرأة إلا بشيء واجب لها يفرضه الرجل على نفسه عن طيب خاطر ويسمّيه ، إلا أن تتنازل المرأة عن شىء منه ، كما فى قوله : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ

٧٤٧

هَنِيئاً) (النساء ٤) ، والخطاب قد يكون للآباء ، فتأذن المرأة لأبيها أن يحجز لنفسه بعض صداقها ، أو يكون الخطاب للرجال الراغبين فى الزواج ، فبعد أن يسمّى الرجل صداقه ربما تتنازل المرأة له عن بعضه. والمهر لا يتقدّر أقله ولا أكثره ، وقد جاء عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما روى البخارى بطريق سهل بن سعد أنه قال للرجل العاجز عن أن يمهر من يريد الزواج بها : «اعطها ولو خاتما من حديد» ، فلما عجز الرجل حتى عن ذلك سأله : «ما معك من القرآن؟» قال : كذا وكذا. قال : «فقد زوجتكها بما معك من القرآن» ، وكذلك نزلت الآية : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) (النساء ٢٠) فأجاز الله تعالى كثرة المهر لمن يطيق ذلك ، كما أن الحديث السابق أجاز قلة المهر فقال : «ولو خاتما من حديد». وكان عمر بن الخطاب يقول للناس : لا تغالوا فى مهور النساء ، فقالت امرأة : ليس ذلك لك يا عمر! إن الله يقول «وآتيتم إحداهن قنطارا» فقال عمر : امرأة خاصمت عمر فخصمته» ، أو قال : «امرأة أصابت ورجل أخطأ!» أخرجه أبو يعلى ، وأصل قول عمر : لا تغالوا فى صدقات النساء».

* * *

١٦٦٦ ـ هل يجوز الزواج بغير صداق؟

أخرج ابن ماجة ومسلم والنسائى والطبرانى وغيرهم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان فى المسجد ، وأن بنت حكيم (أم شريك) جاءته تهب نفسها له ، والحادثة رواها القرآن : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ) (الأحزاب ٥٠) ، يعنى فوّضت أمرها لله ولرسوله ، وإن شاء تزوجها هو ، وإن شاء زوّجها آخر. وفى رواية هشام بن سعد أن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم نظر إليها فصعّد النظر وصوّبه ، ثم قال : «ما لي فى النساء حاجة». وفى رواية أبى هريرة عند النسائى قال : «لا حاجة لى» ، ثم قال : «ولكن تملكين أمرك» قالت : نعم. فنظر فى وجوه القوم ، فدعا رجلا فقال : إنى أريد أن أزوّجك هذا ـ إن رضيت». قالت : ما رضيت لى فقد رضيت». وفى رواية أخرى لابن عباس : أن رجلا قال : إن هذه المرأة إن رضيت بى فزوّجها منى. قال له النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فما مهرها؟» قال الرجل : ما عندى شىء. قال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «امهرها ما قل أو كثر» ، قال الرجل : والذى بعثك بالحق ما أملك شيئا». وفى رواية ابن جريج أن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حينذاك قال له : «اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا». فذهب الرجل ثم رجع فقال : لا والله ما وجدت شيئا : قال له النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «انظر ولو خاتما من حديد» ، أو قال : «اذهب فاطلب ولو خاتما من حديد». وفى الرواية أن الرجل عاد فقال : لا والله يا رسول الله ، ولا خاتما من حديد». وفى الرواية عند مالك قال له الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هل عندك من شىء تصدقها به»؟ قال الرجل : ما عندى إلا إزارى هذا (يعنى

٧٤٨

ثوبى) ، فقال له : «إزارك إن أعطيتها جلست لا إزار لك» أو قال : «ما تصنع بإزارك إن لبسته؟» ولمّا همّ الرجل بالرحيل ناداه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسأله : «ما ذا معك من القرآن؟ أو قال : «فهل تقرأ من القرآن شيئا»؟ قال الرجل : سورة كذا وكذا. وفى رواية : أن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم زوّجها له على ما معه من القرآن ؛ وفى رواية أنه زوجها له على سورة من القرآن ، وفى رواية أخرى أن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم زوّجها منه على سورة البقرة ولم يكن عنده شىء. وفى الحديث عن أبى هريرة أن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له : «فعلّمها عشرين آية وهى امرأتك» ، وفى حديث ابن عباس أنه قال له : «أزوّجها منك على أن تعلّمها أربع أو خمس سور من كتاب الله» ، وعن ابن عباس أيضا : أن الرجل قال للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه يحفظ إنّا أعطيناك الكوثر ، فقال له النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أصدقها إياها». وفى الحديث عن ابن مسعود أنه قال له : «أنكحتكها على أن تقرئها وتعلمها ، وإذا رزقك الله عوّضتها» ؛ فتزوجها الرجل على ذلك». ومن حديث أنس فيما أخرجه ابن أبى شيبة والترمذى : أن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم سأل رجلا من أصحابه : «يا فلان هل تزوّجت»؟ قال : لا ، وليس عندى ما أتزوج به. قال : «أليس معك» قل هو الله أحد؟» ـ وفى كل ذلك ردّ على من يزعم أن أقل المهر ربع دينار ، باعتبار أن قطع يد السارق لأقل المال هو ربع دينار ، ومن ثم فأقل المهر ربع دينار كذلك ، والخاتم الحديد لا يساوى ربع دينار ، وقياس مقدار الصداق على مقدار نصاب السرقة باطل ، لأن القياس أولا فى مقابل النص غير صحيح ، واليد وهى عضو السرقة تقطع وليس كذلك الفرج ، فالقياس باطل ، ويجب فى القدر المسروق أن يردّه السارق وليس كذلك الصداق ، ثم إن اليد تقطع فى ربع دينار نكالا للمعصية ، فهل الزواج معصية ليماثل مقدار صداقه نصاب السرقة؟ والصحيح أنه ليس هناك حدّ لأقل المهر ، والأحاديث كثيرة فى أقل الصداق ، فعند ابن أبى شيبة من طريق أبى لبيبة : «من استحلّ بدرهم من النكاح فقد استحلّ» ، فالدرهم يصح مهرا ؛ وعند أبى داود عن جابر : «من أعطى فى صداق امرأة سويقا أو تمرا فقد استحلّ». (والسويق هو دقيق الحنطة والشعير) ؛ وعند الترمذى من حديث عامر بن ربيعة : أن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أجاز نكاح امرأة على نعلين ؛ وعند الدارقطنى من حديث أبى سعيد ضمن حديثه عن المهر قال : ولو على سواك من أراك ، وعند مسلم من حديث جابر : كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول الله حتى نهى عنها عمر. ويقصد بنستمتع : الزواج (زواج المتعة) ، وقال البيهقى تعليقا عليه : إنما نهى عمر عن النكاح (الزواج) إلى أجل لا عن قدر الصداق. بل إن قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ولو خاتما من حديد» خرج بلو مخرج المبالغة فى طلب التيسير على طلب الزواج ، ولم يرد عين الخاتم الحديد ، ولا قدر قيمته

٧٤٩

حقيقة ، ومن ثم لا ينبغى التعلّل بأن أقل الصداق هو ربع دينار ـ قيمة الخاتم الحديد. والمهم أن يكون هناك صداق ولو أقل القليل ، وكلّ بقدر وسعه ، ولا بد للصداق من منفعة ولو كان الصداق تعليم القرآن. بل إن أم سليم فيما أخرجه النسائى ، قالت لطلحة لمّا خطبها ـ وكان كافرا : والله ما مثلك يردّ ، ولكنك كافر وأنا مسلمة ، ولا يحلّ لى أن أتزوجك. فإن تسلم فذاك مهرى ولا أسألك غيره» ، فأسلم ، فكان ذلك مهرها. وأخرج النسائى عن أنس قال : تزوج أبو طلحة أم سليم ، فكان الإسلام صداقه لها. وعن ابن سعد أن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعتق صفية بنت حيىّ ، وجعل عتقها صداقها. والمهر بالعروض جائز فى الإسلام ، والعرض بفتح أوله وسكون ثانيه ، هو ما يقابل النقد ، وهو أى شىء بقدر وسع الرجل ومكانة المرأة ، فالكفاءة دائما شرط الزواج ، ومهر المثل من شروط الزواج كذلك.

والمهر يثبت بالزواج ولو لم ينصّ عليه فى العقد ، ومن يمن المرأة قلّة مهرها ، وقيل : إن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم تزوج عائشة وأمهرها ما قيمته دينارا ؛ وتزوج أم سلمة على مهر قيمته ربع دينار ، وعلى أثاث بيت عبارة عن رحى يد ، وجرّة ، ووسادة ؛ وزوّج ابنته فاطمة من علىّ بن أبى طالب على درع قميص حرب ، وعن أم سلمة وعائشة قالتا : أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن نجهّز فاطمة حتى ندخلها على علىّ بن أبى طالب ، فعمدنا إلى بيته ففرشناه ترابا ليّنا من أعراض البطحاء ، ثم حشونا مرفقتين ليفا ، فنفشناه بأيدينا ، ثم أطعمنا تمرا وزبيبا ، وسقينا ماء عذبا ، وعمدنا إلى عود فعرضناه فى جانب البيت ليلقى عليه الثوب ، ويعلّق عليه السقاء ، فما رأينا عرسا أحسن من عرس فاطمة!

هذا يا أخى المسلم ويا أختى المسلمة كان صداق المسلمات الأوائل ، وكان جهازهن ، فلا تعقيد ولا غلو ، بل بساطة وفطرة ، وكان الزواج مجلبة للرضا والسكينة ، ومدعاة للرحمة والتوادّ. وآداب الزواج هذه فى الصداق والجهاز ليس منها شىء فى اليهودية ولا فى النصرانية ، وإنما ينفرد الإسلام بها ، ويتميز بتعاليمه الرشيدة فيها ، ويؤسّسها على الفهم الواعى للحكمة من الزواج ، فليس المهم بهرج الدنيا ، وإنما أن يكمل نصف الدين ، وتستقيم الحياة بشريك يعين عليها ويكون به إعمار الدنيا وإنجاب صالحين يعبدون الله. ولله الحمد والمنّة.

* * *

١٦٦٧ ـ تحريم الشغار لأنه بلا صداق

الشغار : هو أن يقول الرجل للرجل : زوّجنى ابنتك وأزوّجك ابنتى ؛ أو زوّجنى أختك وأزوّجك أختى ، أو زوّجنى ابنة اختك وأنا أزوّجك ابنة أختى. والشغار عند الجمهور

٧٥٠

باطل ، فعن أنس مرفوعا : «لا شغار فى الإسلام» وعن جابر مرفوعا : «نهى عن الشغار ، والشغار أن ينكح هذه بهذه بغير صداق : بضع هذه صداق هذه ، وبضع هذه صداق هذه». والمشاغرة فيها خلو بضع كل منهما من الصداق ، وذلك مخالف لشروط عقد النكاح ، والبضع هو الفرج ، وليس صداقا ، وترك ذكر الصداق هو علّة البطلان.

* * *

١٦٦٨ ـ هل تهب المرأة نفسها للزواج؟

فى الآية : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) (الأحزاب ٥٠) أن من الممكن أن تعرض المرأة نفسها للزواج ، وقد يظن البعض أن هناك من النساء المسلمات من عرضن أنفسهن على النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليتزوجهن ، وأورد بعض المفسرين أسماء نساء فعلن ذلك ، غير أن الثابت أنه ما من امرأة عرضت عليه نفسها ؛ ولم يحدث أن تزوّج واحدة وهبت له نفسها. والآية فيها «إن» تكررت مرتين ، وهى للافتراض ، يعنى : بفرض أن امرأة تهب نفسها للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ وقيل تفسير الهبة فى الزواج : أنها زواج بلا مهر ، وأن الواهبة تفوّض نفسها إليه فيكون هو وليّها ، وفى حالة النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإنه ولى كل المؤمنات. ولو كان هذا التفسير صحيحا فإن الزواج يكون باطلا ، لأنه لا علاقة جنسية يمكن أن تقوم بين رجل وامرأة إلا بالزواج ، ولا زواج إلا بمهر ، ولا ينعقد الزواج أصلا بلفظ الهبة ، بأن تقول المرأة : وهبت نفسى لك ، فشرط انعقاد الزواج أن يكون بلفظ النكاح أو التزويج ، وهما اللفظان الصريحان اللذان ورد بهما انعقاد الزواج فى القرآن والسنّة. وقيل : إن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعطى رخصة الزواج «هبة» ، أى بلا مهر ، والدليل على ذلك أن الآية نفسها اشتملت على تحليل من دفع لهن مهورا فقال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَ) (الأحزاب ٥٠) ثم قال بعد ذلك : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) (الأحزاب ٥٠) ، وكأن الآية بشطريها تتضمن تحليل الزواج ممن دفع إليها أجرها أو مهرها ، وأيضا أن تتنازل عن هذا الأجر. وعلى ذلك فالهبة : هى أن ترضى المرأة بالزواج بلا مهر ، وهذا هو الصحيح فى تفسير هذه الآية.

* * *

١٦٦٩ ـ هل تعرض المرأة نفسها على الرجل الصالح؟

عرضت خديجة نفسها على النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الجاهلية ، فقالت له : يا ابن عمّ ، إنى قد رغبت فيك لقرابتك ، وسطتك فى قومك ، وأمانتك ، وحسن خلقك ، وصدق حديثك».

٧٥١

والسّلطة هى الأفضلية. والخلق إذن هو ما أعجب خديجة فى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم تكن وسامته أو شبابه هو ما أعجبها فيه. ولم تكن خديجة كما زعم المستشرقون : امرأة معها المال وتريد زوجا شابا بعد أن جرّبت الزواج بالكهول وتوفوا عنها وتركوها أرملة ، وإنما كانت خديجة من أشرف النساء نسبا ، وأكثرهن مالا وأدبا وعلما وخلقا. ولم يكن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ممن يمكن أن يتزوج من تعرض عليه نفسها ، مهما كانت ، فعن أنس : أن امرأة قدمت على النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم تعرض عليه نفسها وقالت : يا رسول الله ألك بى حاجة»؟ وعن سهل بن سعد : أن امرأة عرضت نفسها على النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وزوّجها لرجل لم يكن معه ما يصدقها به سوى ما يحفظ من القرآن ، فملّكها له بما معه منه. ونعلم من ذلك أنه لا تعارض بين أن يكون الحياء مطلوبا فى المرأة ، وأن تعرض نفسها للزواج على رجل صالح ، وتبدى له رغبتها فيه.

* * *

١٦٧٠ ـ هل يعرض الرجل ابنته أو أخته للزواج؟

فى الرواية عن عبد الله بن عمر : أن عمر بن الخطاب حين تأيّمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة ـ وكان من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتوفى بالمدينة ـ قال عمر : أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة ، فقال سأنظر فى أمرى ، فلبثت ليال ثم لقينى ، فقال : قد بدا لى أن لا أتزوج يومى هذا. قال عمر : فلقيت أبا بكر الصدّيق فقلت له : إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر ، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلىّ شيئا ، وكدت أوجد عليه وعلى عثمان ، فلبثت ليال ثم خطبها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأنكحتها إياه : أخرجه البخارى. ومعنى تأيّمت : فقدت زوجها ، وأوجد عليه : استشعر الغضب عليه. وفى هذه الرواية نفيد جواز عرض المسلم ابنته على من يعتقد خيره وصلاحه ، ولا استحياء فى ذلك.

* * *

١٦٧١ ـ لا تخطب المرأة فى عدّتها

للرجل أن يعرض لخطبة المرأة المطلّقة المبتوتة ، أو التى مات زوجها ، فى عدّتها ، تعريضا وليس تصريحا ، لقول الله عزوجل : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ) (البقرة ٢٣٥) ؛ والتعريض : هو أن يذكر ما يدل به على رغبته فى الزواج منها ، دون أن يقول لها ذلك مباشرة. ولا تثريب على الرجل أن يضمر فى نفسه أن يخطبها عند انتهاء عدّتها ، وليس له أن يواعدها سرا إلا أن تكون

٧٥٢

المواعدة ليقول لها قولا معروفا ، ولا يجوز أن يعقد عليها فى العدّة إلا أن تنقضى. وعلّة المنع من التصريح فى العدّة : أن المرأة تكون فيها محبوسة على ماء الميت أو المطلّق ، ولأن التصريح ذريعة إلى العقد ، والعقد ذريعة إلى الوقاع.

* * *

١٦٧٢ ـ محارم الزواج فى الإسلام واليهودية والنصرانية

محارم الزواج فى اليهودية يشملها سفر الأحبار من أسفار التوراة ، دوّنوه ابتداء من العودة من سبى بابل (الجيل الخامس قبل المسيح) ، ولم يكتبه موسى ، ولم يمله على أحد ، ومؤلفه مجهول. والأم فى اليهودية محرّمة ، والأخت من الأب أو الأم ، وبنت الابن أو الابنة ، والخالة ، وزوجة العم ، وزوجة الابن ، وزوجة الأخ ، ولا يجوز الجمع بين المرأة وابنتها ، ولا الزواج من ابنة الزوجة ، ولا ابنة ابنتها ، ولا الجمع بين الأختين. وتحرم الزوجة فى طمثها ، وزوجة الصاحب ، ويحرم الذكر على الذكر ، ويحرم إتيان البهائم أو أن تأتى البهائم المرأة. وفى النصرانية نفس الشيء بزيادة بطلان زواج المطلقة. والتحريم يحفظ النسل من الضعف ، ويقى من وراثة الأمراض والعيوب الخلقية والنفسية والعقلية. والمحارم فى الإسلام ، تشملهم الآية المعروفة بآية تحريم المحارم ، وتقول. (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) (٢٣) (النساء) ، بالإضافة إلى تحريم حليلة الأب ، فحرّم الله سبعا من النسب ، وستا من رضاع وصهر ، وألحقت السنّة المتواترة محرما سابعا وهو الجمع بين المرأة وعمّتها. وثبت فى الرواية عن ابن عباس ، قال وحرّم من النسب سبع ، ومن الصهر سبع. وقيل المحرّم السابع هو قوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) (النساء ٢٤) ، فالسبع المحرّمات من النسب ، هن : الأمهات ، والبنات ، والأخوات ، والعمّات ، والخالات ، وبنات الأخ ، وبنات الأخت ؛ والسبع المحرمات بالصهر والرضاع : الأمهات من الرضاع ، والأخوات من الرضاع ، وأمهات النساء ، والربائب (بنات الزوجة) ، وحلائل الأبناء ، والجمع بين الأختين ، والمحرّمة السابعة : من كانت زوجة للأب ، كقوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) (النساء ٢٢) ، وهؤلاء لا يجوز نكاح واحدة منهن ، إلا أمهات النساء اللواتى لم يدخل بهن أزواجهن ، فالعقد على الابنة وإن لم يدخل بها يحرّم الأم ، ولا تحرم الابنة إلا بالدخول بالأم. والأم والريبية سواء ، لا تحرم منهما واحدة إلا بالدخول بالأخرى. وفى رأى أن الأم إذا وطئها بزنا ، أو قبّلها ، أو لمسها بشهوة ، حرّمت عليه

٧٥٣

ابنتها. ولا تحلّ أم المزنى بها ، ولا بناتها ، لآباء الزانى ولا لأولاده. وقالوا : إذا عقد الرجل على الابنة ولم يرها ، ولا جامعها ثم طلّقها ، فلا تحلّ له أمها. وفى الحديث : «إذا نكح الرجل المرأة فلا يحلّ له أن يتزوج أمها ، دخل بالبنت أو لم يدخل ، وإذا تزوج الأم فلم يدخل بها ، ثم طلقها ، فإن شاء تزوج البنت».

* * *

١٦٧٣ ـ الشروط فى النكاح الصحيح

شروط النكاح الصحيح على ثلاثة أقسام : الأول : ما يلزم الوفاء به ، ويعود إلى الزوجة نفعه ، مثل أن تشترط أن لا يخرجها من دارها أو بلدها ، فإن لم يف فلها فسخ النكاح ؛ فإن شرطت عليه أن يطلّق ضرّتها ـ قيل : يلزمه الشرط لأنه لا ينافى العقد ؛ والثانى : ما يبطل الشروط ولكنه لا يبطل العقد ، كما إذا اشترط أن لا مهر لها ، أولا ينفق عليها ، فهذان شرطان باطلان لأنهما يتضمنان إسقاط حقوق تجب بالعقد ؛ والثالث : ما يبطل النكاح من أصله ، كما لو اشترط أن يكون النكاح لمدة ، أو أن يطلقها بوقت بعينه ، أو أن يعلّق الزواج على رضا والديها ، فالنكاح صحيح والشرط باطل.

* * *

١٦٧٣ ـ أهلية المتعاقدين على الزواج

يشترط فى الخاطب والمخطوبة : العقل ، والبلوغ ، والرشد ، حتى مع الولى ، فمن غير المعقول أن تزوّج غير الرشيدة وإن كان الأوائل قد أجازوا ذلك ، وخلوهما من المحرمات ، وأن يتعيّنا بشخصيتهما ، وأن يتوفر فى العقد القصد ، والرضا ، والاختيار ، فلا إكراه فى الزواج ، ولا يعتد برضا الهازل ، والساهى ، والنائم ، والمغمى عليه ، والسكران ، ولا يجوز للسفيه أن يعقد لنفسه أو يعقد له آخر لأن الزواج يتطلب تصرفات مالية من مهر نفقة وهو ممنوع عنها ، أفلا يمنع من باب أولى من الزواج وهو الذى له متطلبات وأهداف عليا؟ ولا يصح لوكيل المرأة أن يزوجها إلا لمن أوكلته لزواجها ، ولو فعل غير ذلك كان فضوليا.

والخلاصة : أن الأهلية شرط الزواج ، وأنه يحظر زواج غير العاقل ، وغير الراشد ، وغير البالغ ، حيث أن الزواج الصحيح يقتضى اكتمال البنت نفسيا ، وعقليا ، وبدنيا ، وفسيولوجيا ، وبيولوجيا ، واجتماعيا ، وهذا هو معنى أهلية المتعاقد على الزواج ، وينبغى أن تحضر مجلس العقد وتنطق بالقبول وتوقع على العقد بنفسها.

* * *

١٦٧٤ ـ الزواج الباطل والفاسد

يبطل الزواج من المرأة : المتزوجة ، والمعتدة ، فإذا علم الرجل والمرأة التحريم فالوطء

٧٥٤

زنا ؛ ويحرم الزواج من المرتدة عن الإسلام. وإذا تزوجت المرأة زواجا فاسدا لم يجز تزويجها لغير من تزوجها حتى يطلقها أو يفسخ زواجه بها ، فإن تزوجت بآخر قبل التفريق بينهما لم يصحّ زواجها الثانى ، ولم يجز تزويجها لثالث حتى يطلق الأولان ؛ أو يفسخ زواجهما ، فإن فرّق بينهما قبل الدخول فلا مهر لها تطالب به ، وإن فرّق بينهما بعد الدخول لها المهر المسمى ، أو مهر المثل. ولا حدّ فى الوطء فى الزواج الفاسد ، وتعتد الموطوءة بزواج فاسد كعدّة المطلقة ، ولا نفقة لها إلا للحامل.

* * *

١٦٧٥ ـ عورة الرجل والمرأة

العورة : هى ما يستره الإنسان من أعضائه أنفة وحياء ، وكل أمر يستحيا منه مطالعة العورات من المحرّمات ، وكان آدم وحواء أول من استحيا من العورة ، كقوله تعالى : (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) (الأعراف ٢٢) ، وقوله : (ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَ) (٥٨) (النور). والعورات جمع عورة ، والمقصود بالعورات فى الآية السابقة الساعات التى يحتمل أن تنكشف فيها العورة ، وهى : (مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ) (٥٨) (النور) ، ولا يعنى أن مطالعة العورات محرّم فقط فى هذه الثلاث ، فإنما كشف العورة ومطالعتها عموما غير مباح. وحدّ عورة الرجل : ما بين السرّة والركبة ، وليست السرّة والركبتان منها ؛ والمرأة جميعها عورة إلا الوجه والكفّين ، ولا ينكشف منها شىء فى الصلاة غير ذلك ، ويعفى عن اليسير من عورتها قياسا على يسير عورة الرجل ، والواجب أن تستر نفسها بما يستر لون بشرتها ، ولا تبطل الصلاة إن انكشف الشيء اليسير ، وهو ما لا يفحش. ومن لا يجد ما يستر عورته يصلى قاعدا ويومى ، وليس عليه إعادة ، وإن لم يجد إلا ثوبا نجسا صلّى فيه ولا يصلى عريانا ؛ وإن لم يجد إلا ما يستر بعض العورة ستر مقدمته ومؤخرته ؛ ولا بأس على المصلى أن يصلى بالثوب الواحد إذا كان يستر عورته وعلى عاتقه بعضه ؛ والمستحب للمرأة أن تصلى فى ثوب سابغ ، وخمار يغطى رأسها وعنقها ، ويجزئها من اللباس ما يسترها الستر الواجب. ويجب ستر العورة عند الاغتسال ؛ وستر عورة الميت عند غسله ؛ ويباح للزوجين النظر إلى عورتيهما حتى الملامسة ، ويكره النظر إلى الفرج ؛ ويكره للرجل أن ينظر عورة الرجل ، كما يكره للمرأة أن تنظر عورة المرأة. ويكره للرجل أن ينظر إلى ما يظهر من ذوات المحارم : كالساقين ، والرقبة ، والصدر ، وإلى ساق أمه وصدرها ؛ ويباح للطبيب النظر إلى ما تدعو إليه الحاجة من بدن المرأة وعورتها ، وللشاهد أن ينظر إلى وجه

٧٥٥

المشهود عليها ؛ وللبائع أن ينظر إلى وجه المشترية ، وللشيخ الطاعن ، والغلام ما دام طفلا ، والرجل إذا أمن الفتنة ؛ ولا تثريب أن ينظر الرجل إلى المرأة العجوز التى لا يشتهى مثلها ، والطفلة التى لا تصلح للزواج ؛ ولا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجل إلا إلى مثل ما يجوز له أن ينظره منها ؛ ويباح للرجل أن ينظر إلى المرأة التى يريد أن يتزوجها ، بإذنها أو بغير إذنها من غير خلوة بها ، وأن يردد النظر ويتأملها ويطالع وجهها.

* * *

١٦٧٦ ـ رفضه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تكون لابنته ضرّة؟

فى الصحيح عن المسور بن مخرمة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول وهو على المنبر : «إن بنى هشام بن المغيرة استأذنوا فى أن ينكحوا ابنتهم علىّ بن أبى طالب ، فلا آذن ، ثم لا آذن ، ثم لا آذن ، إلا أن يريد ابن أبى طالب أن يطلّق ابنتى وينكح ابنتهم ، فإنما هى بضعة منى ، يريبنى ما أرابها ، ويؤذينى ما آذاها» والضرّة للمرأة هى امرأة زوجها ، أطلق عليها ذلك لأنها تضرّ بالزوجة الأخرى ، وقيل فى الأمثال الحسد داء الضرائر ، ولا تأتى المضرّة إلّا من الضرّة. والحكاية أن علىّ بن أبى طالب زوج فاطمة بنت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أراد خطبة بنت أبى جهل عليها ، فقال النبىّ مغضبا ما قاله على الناس ، وكانت فاطمة قد سمعت بنبإ هذه الخطبة ، وفى الرواية عند ابن حبان أنها جاءت إلى أبيها وقالت : إن الناس يزعمون أنك لا تغضب لبناتك ، وهذا علىّ ناكح بنت أبى جهل؟!! والرواية عند الحاكم : أن عليا خطب بنت أبى جهل ، فقال له أهلها : لا نزوّجك على فاطمة. وفى رواية أخرى : أن عليا خطب بنت أبى جهل إلى عمها الحارث بن هاشم ، وجاء إلى النبىّ يستشيره فقال له : «أعن حسبها تسألنى»؟ فقال : لا ، ولكن أتأمرنى بها؟ قال : «لا ، فاطمة بضعة منى ، ولا أحسب إلا أنها تحزن أو تجزع». وفى رواية الزهرى زاد أن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال على المنبر : وإنى لست أحرّم حلالا ولا أحلل حراما ، ولكن والله لا تجمع بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبنت عدو الله عند رجل أبدا» ، وذلك إذن مفاد القصة ، فلم يشأ النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يحرّم على علىّ أن يتزوج إطلاقا ، وإنما كان اعتراضه أن يجمع بين ابنته كرسول الله وبين ابنة عدو الله أبى جهل فى بيت واحد ، وعلّل ذلك بأن هذا الجمع بينهما يؤذيه شخصيا كما يؤذى ابنته ، ولو لا هذه العلّة لما أنكر هذا الزواج ، لأنه لا يمكن أن يحرّم الحلال ، أى أن عليّا له أن يتزوج مثنى وثلاث ورباع ، وبنت أبى جهل له حلال لو لم تكن عنده فاطمة ، والحرام فى ذلك هو الجمع بينهما فذلك الذى يؤذى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويؤذى ابنته فاطمة. وقوله فاطمة مضغة منى ، أو بضعة منى ، أى قطعة منه ، يؤذيه ما يؤذيها ، وكانت فاطمة قد عانت كثيرا بوفاة أمها ،

٧٥٦

ثم بوفاة أخواتها الواحدة بعد الأخرى ، حتى صارت وحدها لا أنيس لها يخفّف عنها ، فرّق لها قلب النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنكر أن يؤذيها زوجها. وفى رواية لمسلم زاد على ما سبق قوله : «يريبنى ما يريبها» ، «وأنا أخاف أن تفتن فى دينها» ، يعنى أنها فى حالة الغيرة قد يقع منها فى حق زوجها ما لا يليق بها. وقد جاهر النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإنكار هذه الزيجة ليمنع فى الحال ما يمكن أن يترتب عليها من أضرار فى المآل. وربما كان استنكاره تنبيها إلى استهجان الزواج بأكثر من واحدة ، وترسيخا لمعنى التوجيه الإلهى : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) (النساء ٣) ، (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) (النساء ١٢٩). ولقد انتقد المستشرقون والعلمانيون اختصاص فاطمة بهذا المنع من أن تكون لها ضرّة ، فلما ذا لم يكن ذلك فى اعتباره صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يتزوج على بنت أبى بكر ، وبنت عمر ، وعلى زوجاته الأخريات؟ ولما ذا لم ير أن الغيرة تضرّهن؟ ولما ذا لم يخش على دينهن من الافتتان؟! وقال هؤلاء : إن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على العكس كان يستكثر من الزوجات ، وكانت لهن معه جولات وصولات ، ولم يراع فى حقهن ما راعاه فى حقّ فاطمة؟! وحاصل الجواب : أن زوجاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم كن يجدن المؤانسة منه شخصيا ، فكان يزيل وحشتهن ويلاطفهن ، ويطيّب خواطرهن ، ويحسن إليهن فيخفف من غلواء غيرتهن ، وأما فاطمة فلو ذهب عنها علىّ إلى غيرها ، فمن يتبقّى لها وقد فقدت الأم والأخوات؟ ولم تكن لها بنات يؤنسنها ، وكانت كثيرة المرض ، شديدة الحزن ، تعيش فى فقر عجيب وتتحمل ذلك رغم صحتها المتهافتة؟ والأهم من ذلك أنه ما كان يرضى أحدا أن تجتمع بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبنت عدو الله أبى جهل تحت سقف واحد ورجل واحد ، فهذا كثير على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى فاطمة! ناهيك عن أن فاعل ذلك هو علىّ بن أبى طالب ركن الدعوة الركين كما قيل ، وله المنزلة الكبرى من النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى أنزله منه بمنزلة هارون من موسى كما قالوا ، فكيف يأتيه الأذى منه بالذات؟! ذلك إذن هو سبب اعتراض النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يحدث أن حلل حراما ولا حرّم حلالا كما قالوا وادّعوا ، ولم يزن بميزانين ، ولا كال بمكيالين.

* * *

١٦٧٧ ـ لا ينكح المسلم زوجة أبيه

نكاح زوجة الأب منهىّ عنه فى اليهودية (تثنية الاشتراع ٢٢ / ٣٠) ، مثله مثل نكاح الأب لزوجة ابنه (سفر الأحبار ١٨ / ٧ ـ ١٥). وفى الجاهلية كان يجوز للابن أن يتزوج حليلة أبيه إذا طلقها أو مات عنها ، فلما جاء الإسلام حرّمته الآية : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً) (النساء : ٢٢) وروى ابن أبى

٧٥٧

حاتم عن أسباب نزولها : أنّ أبا قيس بن السلت وكان من صالحى الأنصار ، خطب ابنه قيس امرأة أبيه بعد وفاة الأب ، فقالت له : إنما أعدّك ولدا ، وأنت من صالحى قومك! ولكنى آتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم». فأتته وقالت : إن أبا قيس توفى ، فجاءنى ابنه قيس يخطبنى وهو من صالحى قومه ، وإنما كنت أعدّه ولدا ، فما ترى؟ فنزلت الآية : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً) (٢٢) (النساء) وقوله تعالى : «إلا ما قد سلف» دلّ على أن زواج الابن من حليلة أبيه كان معمولا به قبل الإسلام ، وكان النضر بن كنانة من زواج كهذا ، وكان يقول عن نفسه «ولدت من نكاح لا من سفاح» ، فدلّ على أنهم فى الجاهلية كانوا يعدّونه نكاحا. وعن ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية يحرمون ما حرّم الله إلّا امرأة الأب ، والجمع بين الأختين ، فأنزل الله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) (النساء ٢٢) ، (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) (النساء ٢٣) ، ووصف الله هذا الزواج بالفحش والمقت ، وأطلق عليه المسلمون «زواج المقت» ، لأنه كان مقيتا. والمقت هو البغض ؛ وقوله «ساء سبيلا» : لأنه يؤدى إلى أن يمقت الابن أباه بعد أن يتزوج امرأته ، والنفس البشرية جبلت على أن من يتزوج امرأة يبغض من كان زوجها قبله ، ويغار إذا تذكرته الزوجة بالخير ، ولهذا حرّمت أمهات المؤمنين على المسلمين ، لأنهن أمهات لهم ، لكونهن زوجات النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو كالأب ، وحقّه أعظم من حق الآباء ، فهو رسول الأمة ، ومبلّغها ، ومربّيها ، ومشرّعها ، فوجب أن يكون حقّ زوجاته أعظم من حقّ الأمهات. ولو أجيز زواج نساء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأبغضه من يتزوج منهن ، فنأى الله بالمسلمين عن ذلك ، إذ كيف يجتمع للمسلم أن يتلقى دينه وعقيدته عن من يبغضه؟ وإنما يجادل فى ذلك المستشرقون والعلمانيون والعلمانيات عن جهل وتعصّب مقيتين. والذى يزنى بامرأة أبيه ، تحرم عليه فروعها كما تحرم هى على فروعه ، ومثله الذى يزنى بأم زوجته فإن زوجته ، تحرم عليه حرمة مؤبدة. والذى عليه النصارى فى أمريكا وأوروبا بخلاف ذلك تماما ، فالرجل يمكن أن يتزوج امرأة أبيه المطلقة أو المتوفى عنها ، وأن يتزوج أم زوجته إذا توفت زوجته أو طلّقها ، وكانت أمها مطلقة أو أرملة ، وأن يستمر زواجه من زوجته ولو زنا بأمها!!

* * *

١٦٧٨ ـ لمتزوجة لا يجوز أن تتزوج على زوجها

فى قوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) (النساء ٢٤) تحريم للنساء ذوات الأزواج ، فلا يتزوج الرجل امرأة متزوجة من آخر ولو كانت وزوجها على غير دينه ، ولا يتزوج الرجل من المرأة المحصنة ، أى العفيفة ، يغصبها على الزواج منه ، ولو كان زواجا بشهود ومهر

٧٥٨

وولى ، ولا يتزوج بأكثر من أربع ، أو بأكثر من واحدة كما فى قوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) (النساء ٣) ، وقوله : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) (النساء ١٢٩).

* * *

١٦٧٩ ـ زواج المتعة محرّم

استدل من يقول بتحليل زواج المتعة فى الإسلام بالآية : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) (النساء ٢٤) ، واحتجوا لذلك بأن زواج المتعة مشروع بنصّ الآية ، وهو قول الشيعة ، وذهب الشافعى وطائفة من العلماء إلى أنه قد أبيح ثم نسخ ، ثم أبيح ثم نسخ ، مرتين. وقال آخرون : إنما أبيح مرة ثم نسخ ولم يبح بعد ذلك. وفى رواية أحمد : أن زواج المتعة أباحته الضرورة. والثابت عن علىّ بن أبى طالب قوله : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن نكاح المتعة». والقول إذن بأن زواج المتعة هو زواج ، قول خطأ ، لأنه لم يرد أنه زواج. وفى صحيح مسلم عن الربيع بن سبرة بن معبد الجهنى عن أبيه : أنه غزا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم فتح مكة فقال : «يا أيها الناس ،! إنى كنت أذنت لكم فى الاستمتاع من النساء ، وإن الله قد حرّم ذلك إلى يوم القيامة ، فمن كان عنده منهن شىء فليخل سبيله ، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا». وقال : «وإنما كانت (يقصد المتعة) لمن لم يجد ، فلما أنزل النكاح ، والطلاق ، والعدّة ، والميراث بين الزوج والمرأة نسخت». وعن أبى ذر قال : إنما أحلت لنا أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم متعة النساء : ثلاثة أيام ، ثم نهى عنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «كانت المتعة لخوفنا ولحربنا». وعن أبى هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج معه المسلمون فى غزوة تبوك فنزلوا بثنية الوداع ، فرأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم النساء يبكين فقال : «ما هذا؟» قيل : نساء تمتّع بهن أزواجهن ثم فارقوهن فقال : «حرّم أو هدم المتعة النكاح والطلاق والعدّة والميراث». والعقل والمنطق يقضيان بتفسير آية المتعة كالآتى : وكما تستمتعون بهن فآتوهن مهورهن فى مقابلة ذلك. وهو تفسير يتكرر معناه فى آيات مثل : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) (النساء ٤) ، وقوله : (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ) (النساء ١٩) وقوله : (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) (النساء ٢١). وآية المتعة إذن ليست للمتعة وتفسيرها مختلف عما ادّعاه القائلون بالمتعة. والعرف وجمهور العلماء والناس ضد زواج المتعة هذا ، وهو امتهان لكرامة المرأة ، وكرامة أبويها وأسرتها ولا يمكن أن يقبله والد أو والدة أو امرأة ممن وصفهن الله تعالى بالمحصنات أى العفيفات. وعن ابن أبى مليكة برواية البيهقى ، قال : سئلت عائشة زوجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن متعة النساء (أى زواج المتعة) فقالت : بينى وبينهم كتاب الله عزوجل. وقرأت هذه الآية : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلى

٧٥٩

أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) (المؤمنون ٧) فمن ابتغى وراء ما زوّجه الله أو ملّكه ، فقد عدا» ، فاستنبطت من الآية أنه لا وجود لزواج المتعة. وزواج المتعة هو نكاح مؤقت ، قيل : وقّت بثلاثة أيام بلياليهن ، يتوافق الرجل والمرأة على ذلك ، فإن أحبّا أن يتزايدا فلهما ذلك ، وإن أرادا أن يتتاركا أو يتفارقا فلهما ذلك. وأيّما زواج علّق على وقت فهو باطل ، ولو نوى الزوجان عند العقد أن يتفارقا بعد مدة لا يصح زواجهما ، وناكح المتعة زان ولا يعزّر.

ومثل زواج المتعة ما يسمى «زواج الأخدان» ، من قوله تعالى : (وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) (النساء ٢٥) وهو المعروف حاليا «بالزواج العرفى» ، أو «الزواج السرّى». ومن رأى من يأخذون به أن ما استتر فلا بأس به ، وما ظهر فهو لوم. ومثل ذلك أيضا نكاح البدل ، وقد أخرج الدارقطنى من حديث أبى هريرة ، قال : كان البدل فى الجاهلية أن يقول الرجل للرجل أنزل لى عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي وأزيدك». والبدل قائم حاليا ويشرّعه البعض ، طالما أن الطرفين قد طلقا زوجتيهما ، وكلاهما يتزوج الأخرى بعد العدّة ، وهو «زواج هوى» وليس زواجا كما ينبغى ، تراعى فيه الأصول الاجتماعية والعرف الأخلاقى وجوهر الشريعة.

* * *

١٦٨٠ ـ الزواج المؤقت محرّم

الفرق بين زواج المتعة والزواج المؤقت : أن زواج المتعة ليس زواجا ، لأن الزواج يكون فى بدايته عقد وفى نهايته طلاق. وأما المتعة : فهى اتفاق بين الرجل والمرأة على أن يقضى معها وقتا معلوما يتمتع بها فيه ، فإذا انقضى الوقت فارقها بدون طلاق. وزواج المتعة ـ أو بالأحرى المتعة فقط بلا زواج ـ لا يكون فيها شهود ، ولا عقد ، ولا التزام بالولد إذا حملت المرأة ، ولا يرث الرجل المرأة إذا ماتت ، ولا ترثه ، ولا يرثه ابنها ، وليس لها عليه نفقة ، ولا صداق.

والزواج المؤقت : فيه الزواج بلفظ الزواج أو النكاح ، والشاهدان ، وعقد الزواج ، والصداق ، ويتوفر به الإيجاب والقبول ، ولكنه مرهون بمدة ، فإذا انقضت المدة فإما يستمر الزواج وإما الطلاق ، وللزوجة كامل حقوقها ، فهو زواج كالزواج الصحيح ، إلا أنه مشروط بشروط المدة ، وهذا يفقده معنى الزواج ، فالزواج الحقيقى للتكاثر ، وحفظ النسل وتنشئتهم ، وإنجاب البنين ، وتربيتهم ، وتكوين الأسرة ورعايتها ، وفيه السكينة والمودة والرحمة ، وذلك لا يتوفر إلا إذا قام الزواج بنيّة الاستمرار فيه. والزواج لو تم والزوج ينوى التطليق بعد مدة فهو زواج شكلى وفاقد لمعناه ، كأن يكون الرجل فى بلد غير بلده ،

٧٦٠