موسوعة القرآن العظيم - ج ٢

دكتور عبد المنعم الحفني

موسوعة القرآن العظيم - ج ٢

المؤلف:

دكتور عبد المنعم الحفني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة مدبولي
الطبعة: ١
ISBN: 977-208-422-2
الصفحات: ١٢٤٤
الجزء ١ الجزء ٢

الرُّسُلُ ...) ، قال عمر : فلكأنى لم أقرأها إلا يومئذ! ـ وعن أنس أنه سمع أبا بكر يقول : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) (١٨٥) (آل عمران) ، ويقول : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (٣٠) (الزمر). قال وخرج الناس يتلونهما فى سكك المدينة كأنهما لم يتنزلا قط إلا ذلك اليوم.

٤٩ ـ وفى قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (١٤٦) : قيل : لمّا انهزم المسلمون فى أحد سمع من يهتف : قتل محمد! فولّى من ولّى ، فأنزل الله الآية يثنى على من ثبت حول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقيل : صاح صوت شيطانى يوم أحد : قتل محمد ، فانهزم جماعة من المسلمين. قال كعب بن مالك : فكنت أول من عرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. رأيت عينيه من تحت المغفر تزهران ، فناديت بأعلى صوتى : هذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله الآية.

٥٠ ـ وفى قوله تعالى : (وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) (١٤٧) : قيل : قال ذلك الذين ثبتوا حول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى أحد بعد أن ولّى من ولّى من المسلمين ، فأنزل الله تعالى الآية بما قالوا.

٥١ ـ وفى قوله تعالى : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (١٥٢) : قيل : نزلت هذه الآية بعد أحد وهزيمة المسلمين لمّا عصوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم واشتغلوا بالغنائم ، وترك الرماة مراكزهم فكان ذلك السبب فى هزيمتهم ، فكانوا يقولون لبعضهم البعض ، كيف أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر؟ فنزلت الآية. وقيل : لما رجع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة بعد أحد وقد أصيبوا ، قال بعضهم لبعض : من أين أصابنا هذا! وقد وعدنا الله النصر! فنزلت الآية.

٥٢ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (١٥٥) : قيل : نزلت هذه الآية فيمن هرب إلى المدينة فى وقت الهزيمة فى أحد يوم التقى الجمعان ، استزّلهم الشيطان بخطاياهم السابقة وأنهم سيقتلون لو حاربوا ، فكرهوا الثبوت لئلا يقتلوا ، ومنهم : عثمان بن عفان ؛ وعيّر عبد الرحمن بن عوف عثمان فقال : شهدت بدرا ولم تشهد! وبايعت تحت الشجرة ولم تبايع! وقاتلت يوم الجمع ووليت مع من ولى!

٥٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (١٦١) : قيل : نزلت بسبب قطيفة حمراء فقدت فى

٤١

المغانم يوم بدر ، فقال بعض من كانوا مع النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لعل النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أخذها! فنزلت الآية. ويغل معناها يخون.

٥٤ ـ وفى قوله تعالى : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٦٥) : قيل : نزلت الآية لمّا قالوا بعد الهزيمة : من أين أصابنا هذا الانهزام والقتل ونحن نقاتل فى سبيل الله ووعدنا النصر؟ فردّ عليهم : (هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) لمخالفتهم الرماة ، وما من قوم لم يطيعوا نبيّهم فى حرب إلا انهزموا ، لأنهم لو أطاعوه لكانوا حزبه ، حزب الله ، وهم الغالبون. وأصابتهم مثليها كان يوم بدر ، بأن قتلوا للكفار سبعين ، وأسروا سبعين ، وحتى يوم أحد قتلوا لهم عشرين.

٥٥ ـ وفى قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (١٦٩) : قيل : الآية نزلت فى شهداء أحد ؛ وقيل نزلت فى شهداء بدر وكانوا أربعة عشر رجلا ، ثمانية من الأنصار وستة من المهاجرين. وقيل : نزلت فى شهداء بئر معونة ؛ وقيل : بل هى عامة فى جميع الشهداء. وقيل : إن أولياء الشهداء كانوا إذا أصابتهم نعمة وسرور تحسّروا وقالوا : نحن فى النعمة والسرور ، وآباؤنا وأبناؤنا وإخواننا فى القبور! فأنزل الله تعالى هذه الآية تنفيسا عنهم ، وإخبارا عن حال قتلاهم.

٥٦ ـ وفى قوله تعالى : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) (١٧٢) : قيل : نزلت الآية فى ابن الزبير وأبى بكر ، فإنهما فى أحد أصابهما القرح. وفى اليوم الثانى من أحد ، انتدب النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم سبعين ليخرجوا فى آثار كفّار قريش مخافة أن يرجعوا ، وليعلموا أنه ما تزال بالمسلمين قوة ، فخرج مع الخارجين رجلان. وقيل : كانا من بنى عبد الأشهل وكانا مثخنين بالجراح حتى أن أحدهما ليتوكأ على الآخر ، وفى هؤلاء نزلت الآية.

٥٧ ـ وفى قوله تعالى : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (١٧٣) : قيل : نزلت هذه الآية فى خروج النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بدر الصغرى لميعاد أبى سفيان الذى كان قد حدده فى أحد عند ما قال له : موعدنا بدر من العام المقبل. فقرب بدر جاءه نعيم بن مسعود الأشجعى فأخبره أن قريشا قد اجتمعت وأقبلت لحربه هى ومن انضاف إليها ، فأشفق المسلمون ، ولكنهم قالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل. فلما وصلوا بدرا لم يجدوا أحدا ، ولم يلقوا كيدا ، فنزلت الآية : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (١٧٤) (آل عمران).

٤٢

٥٨ ـ وفى قوله تعالى : (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١٧٦) : قيل : نزلت فى جماعة أسلموا ثم ارتدوا خوفا من المشركين ، فاغتمّ النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله الآية. وقيل : نزلت فى المنافقين ، ورؤساء اليهود. وقيل : إن أهل الكتاب لمّا لم يؤمنوا شقّ ذلك على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأن الناس ينظرون إليهم ويقولون إنهم أهل كتاب ، فلو كان محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الحق لاتّبعوه ، فنزلت الآية (وَلا يَحْزُنْكَ ...).

٥٩ ـ وفى قوله تعالى : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (١٧٩) : قيل : إن الكفار لمّا سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يبيّن لهم من يؤمن منهم ، أنزل الله هذه الآية ، يعنى بها : لا تشتغلوا بما لا يعنيكم ، واشتغلوا بما يعنيكم وهو الإيمان.

٦٠ ـ وفى قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (١٨٠) : قيل : نزلت هذه الآية فى البخل بالمال ، والإنفاق فى سبيل الله ، وأداء الزكاة المفروضة. وقيل : إنما نزلت الآية فى أهل الكتاب وبخلهم ، ببيان ما علموه من أمر النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٦١ ـ وفى قوله تعالى : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) (١٨١) : قيل : لمّا أنزل الله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢٤٥) (البقرة) ، قال قوم من اليهود منهم حيى بنى أخطب ، أو فنحاص بن عازوراء : إن الله فقير ونحن أغنياء يقترض منا!! وقالوا هذا تمويها على ضعفائهم ، لا لأنهم يعتقدون هذا فعلا ، فهم أهل كتاب أولا وأخيرا ، ولكنهم بهذا القول كفروا ، لأنهم شككوا الضعفاء منهم ومن المؤمنين ، فنزلت الآية فيهم.

٦٢ ـ وفى قوله تعالى : (الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٨٣) : قيل : نزلت فى كعب بن الأشرف ، ومالك بن الصيف ، ووهب بن يهوذا ، وفنحاص بن عازوراء ، وجماعة أتوا النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا له : أتزعم ان الله أرسلك إلينا؟

٤٣

فلقد أنزل علينا كتابا عهد إلينا فيه إلا نؤمن لرسول يزعم أنه من عند الله حتى يأتينا بقربان تأكله النار؟ فإن جئتنا به صدّقناك ، فأنزل الله هذه الآية.

٦٣ ـ وفى قوله تعالى : (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (١٨٦) : قيل : نزلت بسبب أن أبا بكر سمع يهوديا يقول : إن الله فقير ونحن أغنياء ، ردّا على القرآن واستخفافا به ، حين أنزل الله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢٤٥) (البقرة) ، فلطمه ، فشكاه إلى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزلت الآية. وقيل : إن قائل «إن الله فقير ونحن أغنياء» هو فنحاص اليهودى ، وقيل هو كعب بن الأشرف ، ونزلت بسببه : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ..) الآية. وكان ابن الأشرف شاعرا يهجو النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ويؤلّب عليهم الكفّار ، ويشبّب بنساء المسلمين ، حتى تصدّى له محمد بن مسلمة وأصحابه ، فقتله القتلة المشهورة. وقيل : إن الآية نزلت فى ابن أبىّ لمّا أغلظ للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال عنه سعد ابن عبادة فى مرضه : اعف عنه واصفح ، فو الذى أنزل عليك الكتاب : لقد جاءك الله بالحق الذى نزل ، وقد شرق به ابن أبىّ ، ولذلك فعل به ما رأيت منه! فعفا عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونزلت الآية.

٦٤ ـ وفى قوله تعالى : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٨٨) : قيل : أنزلت هذه الآية فى أهل الكتاب ، سألهم النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن شىء فكتموه إياه ، وأخبروه بغيره ، وظنوا أنه قد انطلت عليه حيلتهم ، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم.

٦٥ ـ وفى قوله تعالى : (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) (١٩٥) : قيل : إن أم سلمة قالت للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا أسمع أن الله تعالى قد ذكر النساء فى الهجرة بشيء ، فأنزل الله الآية.

٦٦ ـ وفى قوله تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) (١٩٦) (آل عمران) : قيل : كانت للكفار تجارات وأموال وحركة فى البلاد ، بينما المسلمون بائسون وفقراء ، فنزلت هذه الآية فى الكفار ، تؤنس المسلمين وتسرّى عنهم ، كقوله تعالى : (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَ

٤٤

كَيْدِي مَتِينٌ) (٤٥) (القلم) ، وكقوله : (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (٤٤) (القلم).

٦٧ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (١٩٩) : قيل : نزلت الآية فى النجاشى لمّا مات ، فطلب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن يصلّوا عليه ، فقالوا : يا رسول الله ، نصلى على عبد حبشى؟! فنزلت الآية.

* * *

١٠١٦ ـ فى أسباب نزول آيات سورة النساء

١ ـ وفى قوله تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) (٢) : قيل : نزلت فى رجل من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم ، فلما بلغ اليتيم وطلب المال منعه عمه ، فنزلت الآية ، فأسرع العم بردّ المال مخافة قوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) ، وقال العمّ : نعوذ بالله من الحوب الكبير ـ والحوب هو الإثم ، فلما قبض الفتى المال أنفقه فى سبيل الله ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ثبت الأجر وبقى الوزر»؟ فسئل : كيف؟ قال : «ثبت الأجر للغلام ، وبقى الوزر على والده» ، لأن والده كان مشركا.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) (٣) : قيل : الآية نزلت فى اليتيمة تكون فى حجر وليّها تشاركه فى ماله ، فيعجبه مالها وجمالها ، فيريد أن يتزوجها من غير أن يقسط فى صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (٤) : قيل : كان الولى يأخذ مهر المرأة ولا يعطيها شيئا ، فنهوا عن ذلك ، وأمروا أن يدفعوا ذلك إليهن.

٤ ـ وفى قوله تعالى : (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) (٦) : قيل : نزلت فى

٤٥

ثابت بن رفاعة ، وفى عمّه ، فلما توفى رفاعة وترك ابنه وهو صغير ، أتى عم ثابت إلى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إن ابن أخى يتيم فى حجرى ، فما يحل لى من ماله ، ومتى أدفع إليه ماله؟ فأنزل الله الآية.

٥ ـ وفى قوله تعالى : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) (٧) : قيل : نزلت الآية فى أوس بن ثابت الأنصارى ، توفى وترك امرأة وثلاث بنات ، فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصيّاه ، فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته وبناته شيئا. وكانوا فى الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكرا ، ويقولون : لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل ، وطاعن بالرمح ، وضارب بالسيف ، وحاز الغنيمة ؛ فذكرت المرأة حالها للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدعاهما ، فقالا : يا رسول الله ، ولدها لا يركب فرسا ، ولا يحمل كلا ، ولا ينكأ عدوا. فأنزل الله هذه الآية ردا عليهما ، وإبطالا لقولهما وتصرّفهما بجهل.

٦ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (١٠) : قيل : نزلت فى رجل من غطفان يقال له مرثد بن زيد ، ولى مال ابن أخيه وهو يتيم صغير فأكله ، فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية.

٧ ـ وفى قوله تعالى : (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) (١٢) : قيل : هذه هى آية المواريث ، وهى ركن من أركان الدين ، وعمدة من عمد الأحكام ، وتشمل الفرائض وهى ثلث علم الموارث أو نصفه. وفى أسباب نزولها : أن امرأة سعد بن الربيع جاءت إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم تشكو له أخاه ، فإن سعدا لمّا توفى تركها وترك ابنتين ، وأخوه استولى على كل شىء ولا يريد إعطاءهن شيئا ، فاستدعاه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له : «ادفع إلى ابنتيه الثلثين ، وإلى امرأته الثمن ، ولك ما بقى» ، فنزلت آية المواريث. وقيل : إن آية المواريث نزلت فى جابر لمّا مرض وسأل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم كيف يصنع فى ماله وله ولد وبنت. وقيل : نزلت بسبب بنات عبد الرحمن بن ثابت أخى حسّان بن ثابت. وقيل : نزلت فى ورثة ثابت بن قيس بن شماس.

٨ ـ وفى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا

٤٦

تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) (١٩) (النساء) : قيل : نزلت فى المرأة يموت عنها زوجها فتؤول إلى أوليائه ، إن شاء بعضهم تزوجها ، وإن شاءوا زوّجوها ، وإن شاءوا لم يزوّجوها ، فهم أحق بها من أهلها ، فأنزلت الآية. وقيل : كان من عادتهم إذا مات الرجل أن يلقى ابنه من غيرها ، أو أقرب عصبته ، ثوبه على المرأة ، فيصير أحق بها من نفسها ومن أوليائها ، فإن شاء تزوّجها بغير صداق إلا ما أصدقها الميت ، وإن شاء زوّجها من غيره وأخذ صداقها ولم يعطها شيئا ، وإن شاء عضلها لتفتدى منه بما ورثته من الميت أو تموت فيرثها ، فأنزل الله الآية. وقيل : كان الوارث إن سبق فألقى عليها ثوبا فهو أحق بها ، وإن سبقته فذهبت إلى أهلها كانت أحق بنفسها. وكان يكون عند الرجل عجوز ونفسه تتوق إلى شابة ، فيكره فراق العجوز لمالها ، فيمسكها ولا يقربها حتى تفتدى منه بمالها ، أو تموت فيرثها ، فنزلت الآية. والمقصود من الآية إذهاب ما كانوا عليه فى الجاهلية ، وألّا تجعل النساء كالمال يورثن عن الرجال كما يورث المال.

٩ ـ وفى قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) : قيل : كان الناس يتزوجون امرأة الأب كرها ليرثوها ، وسمى لذلك زواج المقت ، أى الزواج الممقوت ، فنزلت الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) (النساء ١٩) ، فصاروا يتزوجونها برضاها ، فنزلت الآية : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) فصار حراما فى الأحوال كلها. وكان زواج امرأة الأب سائدا عند الأنصار ، ومباحا فى قريش ، ومن ذلك زواج عمرو بن أمية من امرأة أبيه بعد موته ، فولدت له ولدين هما : مسافر ، وأبو معيط ، وكان للمرأة من الأب أولاد منهم : أبو العيص وغيره ، فكان بنو أمية إخوة لمسافر وأبى معيط ، وفى نفس الوقت أعمامهما ؛ وكذلك زواج صفوان بن أمية من امرأة أبيه فاختة بنت الأسود ، وكان أبوه قد قتل عنها ؛ وزواج منظور بن زبّان ، خلف أباه على مليكة بنت خارجة ؛ وحصن بن أبى قيس تزوج امرأة أبيه كبيشة بنت معن ؛ والأسود بن خلف تزوج امرأة أبيه. وفى عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما توفى أبو قيس الأنصارى ، خطب ابنه امرأة أبيه ، فطلبت سؤال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أولا ، فأتته وأخبرته ، فنزلت الآية. وشبيه بالزواج من امرأة الأب ـ الزواج من الابنة ، وقد تزوج حاجب بن زرارة ابنته قبل نزول آية المحرّمات : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ) (النساء ٢٣) فنهى الله المسلمين عما كان عليه آباؤهم من هذه السيرة.

٤٧

١٠ ـ وفى قوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) (٢٤) : قيل : المراد بالمحصنات المسبيات ذوات الأزواج خاصة ، أى هن محرّمات إلا ما ملكت اليمين بالسبى من أرض الحرب ، فإنها تكون حلالا للذى تقع فى سهمه وإن كان لها زوج. ومناسبة نزول الآية أن المسلمين الذين غزوا أوطاس أصابوا سبابا فتحرّجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين ، فأنزل الله الآية ، تحللهن لهم إذا انقضت عدّتهن ، فالآية نزلت بسبب تحرّج أصحاب النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن وطء المسبيات ذوات الأزواج ، فأنزل الله الآية فى جوابهم.

١١ ـ وفى قوله تعالى : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (٣٢) : قيل : إن أم سلمة قالت : يغزو الرجال ولا يغزو النساء! وفى الميراث لنا النصف! فأنزل الله تعالى الآية. وقيل : إن أم سلمة قالت : كانوا فى الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان ، فلما ورثوا جعلوا للذكر مثل حظ الأنثيين ، فتمنى النساء أن لو جعلت أنصباء النساء كانصباء الرجال ، فنزلت الآية.

١٢ ـ وفى قوله تعالى : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً) (٣٤) : قيل : الآية نزلت فى سعد بن الربيع ، نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن خارجة بن أبى زهير ، فلطمها ، فاشتكت للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «لتقتص من زوجها» فانصرفت مع أبيها لتقتص من زوجها ، فأرسل خلفها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «جبريل أتانى» فنزلت الآية. وقيل : إن امرأة أتت النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : إن زوجى لطم وجهى ، فقال : «بينكما القصاص» ، ونزلت الآية بغير ذلك. وقيل : نزلت الآية فى جميلة بنت أبىّ ، وفى زوجها ثابت بن قيس بن شماس. وقيل : نزلت فى عميرة بنت محمد بن مسلمة وفى زوجها سعد بن الربيع.

١٣ ـ وفى قوله تعالى : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) (٣٧) : قيل : نزلت فى اليهود فقد كان علماء إسرائيل

٤٨

يبخلون بما لديهم من العلم. وقيل : كان كردم بن زيد حليف كعب بن الأشرف ، وأسامة بن حبيب ، ونافع بن أبى نافع ، وبحرى بن عمرو ، وحيى بن أخطب ، ورفاعة بن زيد بن التابوت ، يأتون رجالا من الأنصار يتنصّحون لهم ، فيقولون : لا تنفقوا أموالكم ، فإنا نخشى عليكم الفقر فى ذهابها ، ولا تسارعوا فى النفقة فإنكم لا تدرون ما يكون ، يقصدون أن يمنعوهم من الإنفاق على المهاجرين ، فنزلت الآية.

١٤ ـ وفى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً) (٣٨) : قيل : نزلت فى مطعمى يوم بدر وهم رؤساء مكة ، أنفقوا على الناس ليخرجوا معهم إلى بدر ، ونفقة الرئاء لا تجزئ.

١٥ ـ وفى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ...) (٤٣) : قيل : كانوا يقيمون الصلاة وقد أخذوا من الخمر واتلفت عليهم أذهانهم ، فنزلت : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ ..) (٢١٩) (البقرة) ، فسأل عمر ربّه بيانا شافيا فيها : فنزلت (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ..) (٤٣) (النساء) ، فكانوا إذا أقاموا الصلاة ، ينادى المنادى : ألا يقربنّ الصلاة سكران. فسأل عمر ربّه بيانا شافيا فى الخمر ، فنزلت (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (٩١) (المائدة).

١٦ ـ وفى قوله تعالى : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) : قيل فى سبب الآية : أن قوما من الأنصار كانت أبواب دورهم شارعة فى المسجد ، فإذا أصابته أحدهم الجنابة اضطر إلى المرور فى المسجد. والجنب لا يمر فى المسجد إلا إذا عدم الماء ، فحينئذ يمكنه أن يتيمم ويمر فى المسجد ، والجنب أصلا لا يمر فى المسجد وهو جنب ، وقيل : إن الآية نزلت بسبب عبد الرحمن بن عوف وعلىّ بن طالب وآخرين ، دعاهم عبد الرحمن إلى الخمر فشربوا وأحدث منهم ، فلما حضرت الصلاة قدّموا عليا فقرأ : (قل يا أيها الكافرون ما أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون) فأنزل الله الآية.

١٧ ـ وفى قوله تعالى : (... وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً) (٤٣) : قيل : هذه آية التيمم ، نزلت فى عبد الرحمن بن عوف أصابته جنابة وهو جريح ، فرخّص له أن يتيمم ، ثم صارت الآية عامة. وقيل : أنزلت بسبب عدم وجود الماء مع الصحابة فى غزوة المريسيع حين انقطع عقد عائشة. وقيل : هلكت قلادة لعائشة كانت قد استعارتها من أختها أسماء ، فبعث النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى طلبها رجالا ، فحضرت الصلاة

٤٩

وليسوا على وضوء ، ولم يجدوا ماء ، فصلّوا وهم على غير وضوء ، فأنزل الله تعالى آية التيمم. وقيل : إن أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصابتهم جراحة ففشت فيهم ، ثم ابتلوا بالجنابة ، فشكوا ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزلت هذه الآية. وآية التيمم فى سورة المائدة بخلاف ذلك ، وتسمى آية الوضوء ، ولا يوجد التيمم إلا فى هاتين السورتين. والتيمم مما خصّت به هذه الآية على المسلمين.

١٨ ـ وفى قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤) وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً (٤٥) مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) (٤٦) : قيل : الآية نزلت فى رفاعة بن زيد بن التابوت من عظماء يهود المدينة ، وكان إذا كلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لوى لسانه ، وقال : أرعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك! ثم طعن فى الإسلام وعابه ، فأنزل الله هذه الآيات.

١٩ ـ وفى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) (٤٧) : قيل : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلّم رؤساء من أحبار يهود ، منهم عبد الله ابن صوريا الأعور ، وكعب بن أسد ، فقال لهم : «يا معشر يهود ، اتقوا الله وأسلموا ، فو الله إنكم لتعلمون أن الذى جئتكم به الحق» ، قالوا : ما نعرف ذلك يا محمد! وجحدوا ما عرفوا ، وأصرّوا على الكفر ، فأنزل الله فيهم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً ..) إل آخر الآية.

٢٠ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) (٤٨) (النساء) : قيل : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم تلا : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٥٣) (الزمر) ، فقال له رجل : والشرك؟! فنزلت : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ...).

٢١ ـ وفى قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) (٤٩) (النساء) : قيل : نزلت الآية فى اليهود ، قالوا : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى ...) (١١١) (البقرة) ، وقالوا : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ...) (١٨)

٥٠

(المائدة) ، وقالوا : لا ذنوب لنا ، وما فعلناه نهارا غفر لنا ليلا ، وما فعلناه ليلا غفر لنا نهارا ، ونحن كالأطفال فى عدم الذنوب. وكانوا يقدمون صبيانهم فى الصلاة بدعوى أنهم لا ذنوب عليهم ، فهذه هى تزكيتهم لأنفسهم ولأولادهم.

٢٢ ـ وفى قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) (٥١) : قيل : إن كعب بن الأشرف خرج فى سبعين راكبا من اليهود إلى مكة بعد وقعة أحد ، ليحالفوا قريشا على قتال المسلمين ، فنزل كعب على أبى سفيان ، ونزلت اليهود فى دور قريش ، فتعاقدوا وتعاهدوا ليجتمعن على قتال محمد ، فقال أبو سفيان : إنك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم ، ونحن أميون لا نعلم ، فأيّنا أهدى سبيلا وأقرب إلى الحق : نحن أم محمد؟ فقال كعب : أنتم والله أهدى سبيلا مما عليه محمد.

٢٣ ـ وفى قوله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (٥٤) : قيل : إن أهل الكتاب قالوا : زعم محمد أنه أوتى ما أوتى فى تواضع ، وله تسع نسوة ، وليس همّه إلا النكاح ، فأى ملك أفضل من هذا؟ فأنزل الله : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ ...) الآية.

٢٤ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً) (٥٨) : قيل : لما فتح الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة ، رفض عثمان بن أبى طلحة الحجبى العبدرى ، وابن عمه شيبة بن عثمان بن أبى طلحة ـ وكانا كافرين ـ أن يعطيا مفتاح الكعبة للعباس بن عبد المطلب ، ثم دفعاه إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقالا له : خذه بأمانة الله ، ودخل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكعبة ، فكسر ما فيها من أوثان ، وأخرج مقام إبراهيم ، ونزل عليه جبريل بهذه الآية ، فأعاد المفتاح لعثمان وشيبة وقال لهما : «خذاه خالدة تالدة ، لا ينزعه منكما إلا ظالم». والأظهر فى الآية أنها عامة فى جميع الناس.

٢٥ ـ وفى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (٥٩) (النساء) : قيل : نزلت الآية فى عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدى السهمى ، إذا بعثه النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى سرية. وكان عبد الله من أصحاب بدر وفيه دعابة ، ومن دعابته أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمّا أمره على السرية ، قال لهم عبد الله أن يجمعوا حطبا ويوقدوا

٥١

نارا ، فلما أوقدوها أمرهم بالتفحّم فيها وقال : ألم يأمركم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بطاعتى؟ وقال : من أطاع أميرى فقد أطاعنى؟ فقالوا : ما آمنا بالله واتبعنا رسوله إلا لننجو من النار! ولمّا سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم القصة صوّب فعلهم ، وقال : «لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق» ، فلم يطيعونه دون غيره؟ ولم يخصونه بالطاعة وما أمرهم به الرسول لله ، وليس له صلة بما كلفهم به وعهد فيه إلى عبد الله بالإمارة ليقوم به؟ والطاعة لا تكون إلا فى المعروف ، ثم إن الآية لم تسألهم لم لم تطيعوه ، ولذلك نستبعد هذه القصة كسبب لنزول الآية. وقوله (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ..) يناسبه أن ينزل فى ذلك ما يرشدهم إلى ما يفعلونه عند التنازع : وهو الردّ إلى الله والرسول ـ أى إلى كتابه ثم سنّة النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد وفاته ، وكذلك الاجتهاد القائم على الاستنباط ، كقوله تعالى : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً) (٨٣) (النساء).

٢٦ ـ وفى قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) (٦٠) : قيل : كان بين رجل من المنافقين ويهودى خصومة ، فدعا اليهود إلى تحكيم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة ، فرفض المنافق ، ودعا إلى تحكيم كعب بن الأشرف ـ وهو الطاغوت ، أى ذو الطغيان ، فأبى اليهودى أن يخاصمه إلا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما رأى المنافق إصراره ذهبا إلى الرسول فحكم لليهودى ، ولم يرض المنافق ، وانطلقا إلى أبى بكر فحكم لليهودى ، فانطلقا إلى عمر وقصّا عليه القصة ، وأنهما احتكما إلى الرسول وأبى بكر فحكما لليهودى ، فانتضى عمر سيفه ليضرب المنافق لأنه لم يرض بحكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزلت الآية. وقال جبريل : إن عمر فرق بين الحق والباطل ، فسمى الفاروق.

٢٧ ـ وفى قوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً) (٦٢) : قيل : نزلت فى شأن الذين بنوا المسجد الضرار ، فلما أظهر الله نفاقهم وأمرهم بهدم المسجد ، حلفوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دفاعا عن أنفسهم : ما أردنا ببناء المسجد إلا طاعة الله وموافقة الكتاب.

٢٨ ـ وفى قوله تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٦٥) : قيل : نزلت فى الزبير مع الأنصارى ،

٥٢

وكانت الخصومة فى سقى بستان ، فقال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم للزبير : «اسق ارضك ثم ارسل الماء إلى أرض جارك» ، فقال الخصم : «أراك تحابى ابن عمتك! فتلوّن وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال للزبير : «اسق ثم احبس حتى يبلغ الجدر» أى حائط المزرعة ، ونزلت الآية.

٢٩ ـ وفى قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) (٦٦) : قيل : سبب نزولها أن ثابت بن قيس بن شماس تفاخر هو ويهودى ، فقال اليهودى : والله لقد كتب علينا أن نقتل أنفسنا فقتلنا ، وبلغ القتلى سبعين ألفا ، فقال ثابت : والله لو كتب علينا أن اقتلوا أنفسكم لفعلنا ، فنزلت الآية.

٣٠ ـ وفى قوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (٦٩) : قيل : هذه الآية تفسير لقوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (٧) (الفاتحة) ، وهى المراد فى قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى مرض موته : «اللهم الرفيق الأعلى». وقيل : إنما نزلت هذه الآية لمّا قال عبد الله بن زيد بن عبد ربّه الأنصارى : يا رسول الله ، إذا مت ومتنا ، كنت فى عليين ، لا نراك ولا نجتمع بك» ، وذكر حزنه على ذلك ، فنزلت هذه الآية. وقيل : الآية نزلت فى ثوبان مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان شديد الحب له ، قليل الصبر عنه ، فأتاه ذات يوم وقد تغيّر لونه ونحل جسمه ، يعرف فى وجهه الحزن فقال له : «يا ثوبان ، ما غيّر لونك؟» فقال : يا رسول الله ، ما بى ضرّ ولا وجع ، غير أنى إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ، ثم ذكرت الآخرة ، وأخاف ألا أراك هناك ، لأنى عرفت أنك ترفع مع النبيين ، وأنى إن دخلت الجنة كنت فى منزلة هى أدنى من منزلتك ولن أراك أبدا ، فكأنى ما دخلت الجنة! فأنزل الله هذه الآية. وقيل : إن أصحابه قالوا : ما ينبغى أن نفارقك فى الدنيا ، فإنك إن فارقتنا رفعت فوقنا. فأنزل الله تعالى الآية.

٣١ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً) (٨٣) : قيل : لمّا اعتزل النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم نساءه دخل عمر بن الخطاب المسجد ، فإذا الناس ينكتون بالحصى ويقولون : طلّق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نساءه! فقام على باب المسجد فنادى بأعلى صوته : لم يطلق نساءه ، فنزلت هذه الآية ، وقال عمر : وكنت أنا الذى

٥٣

استنبطت ذلك الأمر. والآية تعنى : أنهم إذا سمعوا ما فيه أمن لهم أو خوف أفشوه وأظهروه وتحدّثوا به قبل أن يقفوا على حقيقته ، ويظنون أنه لا إثم عليهم فى ذلك. ولو سكتوا حتى ينكره النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنفسه ، أو أهل العلم والاختصاص من بعده لكان ذلك أوفق وأفضل ، لأن أهل العلم هم الذين لديهم المعرفة لما ينبغى أن يفشى منه أو أن يكتم.

٣٢ ـ وفى قوله تعالى : (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً) (٨٤) : قيل : نزلت هذه الآية فى بدر الصغرى ، فإن أبا سفيان لما انصرف من أحد ، واعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم موسم بدر الصغرى. فلمّا جاء الميعاد خرج إليها رسول الله فى سبعين راكبا ، فلم يحضر أبو سفيان ، ولم يقع قتال. والآية فيها الأمر بالقتال ، والإعراض عن أراجيفهم ، وأخذ الأمور بجدية ، وإن لم يقم معه أحد فليكن قيامه ولو بنفسه فقط ، وقيل : ولهذا ينبغى لكل مؤمن أن يجاهد ولو وحده ، وفى الحديث : «والله لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتى» ، وعن أبى بكر قال فى وقت الردّة : «ولو خالفتنى يمينى لجاهدتها بشمالى».

٣٣ ـ وفى قوله تعالى : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) (٨٨) : قيل : نزلت فى عبد الله بن أبىّ وأصحابه الذى خذلوا الله يوم أحد ، ورجعوا بعسكرهم بعد أن خرجوا ، فانقسم المسلمون حيالهم فرقتين ، فرقة تقول نقتلهم ، وفرقة تنكر ذلك ، فنزلت الآية. وقيل : نزلت الآية فى قوم بمكة آمنوا وتركوا الهجرة ، وقالوا : إن ظهر محمد فقد عرف أننا معه ، وإن ظهر قومنا فهذا أحب إلينا ، فصار المسلمون فيهم فئتين ، قوم يتولونهم ، وقوم يتبرءون منهم ، فنزلت الآية. وقيل : نزلت فى قوم جاءوا إلى المدينة وأظهروا الإسلام ، فأصابهم وباء المدينة وحماها ، فأركسوا فخرجوا من المدينة فاستقبلهم نفر من أصحاب النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا : ما لكم رجعتم؟ قالوا : أصابنا وباء المدينة فاجتويناها. فقالوا : تأسّوا بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأقيموا ، وقال بعضهم : نافقوا ، وقال بعضهم : ولم ينافقون وهم مسلمون؟ فليذهبوا لو شاءوا ، فنزلت الآية. وقيل : نزلت فى جماعة قدموا المدينة وأسلموا ثم ارتدوا ، وادّعوا أنهم يخرجون ليأتوا بضائع يتّجرون فيها ، وخرجوا ولم يعودوا ، فانقسموا فيهم ، فقالت فئة هم مؤمنون ، فبيّن الله نفاقهم وأنزل هذه الآية فيهم.

٣٤ ـ وفى قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ

٥٤

اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) (٩٠) : قيل : الآية نزلت فى هلال بن عويمر ، وسراقة بن جعشم ، وخزيمة بن عامر بن عبد مناف ، وكان بينهم وبين النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عهد. وقيل : أراد بالذى بينكم وبينهم ميثاق : خزاعة ، وقيل : هم بنو بكر بن زيد بن مناة. وقيل : الذين بينهم وبين النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ميثاق بنو مدلج ، وكان بينهم وبين قريش عهد ، وبين قريش وبين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عهد ، فهؤلاء تضيق صدورهم أن يقاتلوكم. وقيل : الآية نزلت لما أراد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يرسل خالد بن الوليد إلى بنى مدلج ، فأتى سراقة بن مالك المدلجى يرجوه ليوادعهم ، ففعل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك وأمر خالدا به ، فكان من وصل إليهم كان معهم على عهدهم. وقيل إن هلال بن عويمر الأسلمى ، كان بينه وبين المسلمين عهد ، وقصده ناس من قومه فكره أن يقاتل المسلمين ويقاتل قومه معا.

٣٥ ـ وفى قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) (٩٢) : قيل : كان الحارث بن يزيد من بنى عامر بن لؤى يعذّب عياش بن أبى ربيعة مع أبى جهل ، ثم خرج الحارث مهاجرا فلقيه عيّاش بالحرة ، فعلاه بالسيف وهو يحسب أنه كافر ، ثم جاء النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره ، فنزلت الآية.

٣٦ ـ وفى قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) (٩٣) : قيل : نزلت الآية فى مقيس بن صبابة ، ذلك أنه كان قد أسلم هو وأخوه هشام بن صبابة ، فوجد هشاما قتيلا فى بنى النجار ، فأخبر بذلك النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكتب له إليهم أن يدفعوا إليه قاتل أخيه ، وأرسل معه رجلا من بنى فهر ، فقال بنو النجار : والله ما نعلم له قاتلا ولكنا نؤدى الدية ، فأعطوه مائة من الإبل ، ثم انصرفا راجعين إلى المدينة ، فعدا مقيس على الفهرى فقتله بأخيه ، وأخذ الإبل ، وانصرف إلى مكة كافرا مرتدا ، فقال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا أؤمنه فى حلّ ولا حرم ، فقتل يوم فتح مكة وهو متعلق بالكعبة ، وفى ذلك نزلت الآية.

٣٧ ـ وفى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ

٥٥

فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (٩٤) : قيل : هذه الآية نزلت فى قوم من المسلمين مرّوا فى سفرهم برجل معه جمل وغنيمة يبيعها ، فسلم على القوم ، وقال : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فحمل عليه أحدهم فقتله. فلما ذكر ذلك للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم شقّ عليه ونزلت الآية. وقيل : كان رجل فى غنيمة له ، فلحقه المسلمون ، فقال : السلام عليكم ، فقتلوه وأخذوا غنيمته ، فأنزل الله الآية ، وحمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ديته إلى أهله ، وردّ عليه غنيماته. وكان القاتل اسمه : محلم بن جثامة ، والمقتول : عامر بن الأضبط ، فدعا النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على محلم ، فما عاش بعد ذلك إلا سبعا. وقيل : إن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث جيشا من المسلمين إلى المشركين ، فقاتلوهم قتالا شديدا ، فحمل رجل مسلم على رجل من المشركين بالرمح ، فلما غشيه قال المشرك : أشهد أن لا إله إلا الله. إنى مسلم. فطعنه المسلم فقتله ، وأتى إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يولول : هلكت وقصّ القصة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فهلا شققت عن بطنه فعلمت ما فى قلبه! فلا أنت قبلت ما تكلم به ، ولا أنت تعلم ما فى قلبه». وقيل إن القاتل : أسامة بن زيد ، والمقتول مرداس بن نهيك ، وقوله تعالى (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً ...) نزلت فى مرداس. وقيل : إن مسلما قدم إلى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من اليمن ، فلقيته سرية من المسلمين ، فقال لهم : أنا مؤمن ، فلم يقبلوا منه وقتلوه ، فجاء أخوه إلى النبىّ يشكو أمره ، فنزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا ...) ، وأعطاه النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم دية أخيه.

٣٨ ـ وفى قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) (٩٥) : قيل : نزلت الآية أولا «لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون» ، يعنى بدون «غير أولى الضرر» ، فلمّا كان المسلمون يكتبونها ، وكان ابن أم مكتوم حاضرا ، قال للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنا ضرير ، فنزلت مكانها (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ...).

٣٩ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً) (٩٧) : قيل : الآية نزلت فى المسلمين الذين كانوا يكتمون إسلامهم واستمروا فى سكنى مكة ولم يهاجروا ، فكانوا إذا خرج الكفار أخرجوهم معهم ، ويتحرّج هؤلاء أن لا يخرجوا ، فكانوا يصابون فى المعارك ويموتون ، فهؤلاء (الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي

٥٦

أَنْفُسِهِمْ ...) ، ومنهم : قيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو قيس بن الفاكهة بن المغيرة ، والوليد بن عتبة بن ربيعة ، وعمرو بن أمية بن سفيان ، وعلى بن أمية بن خلف ، والحارث بن زمعة بن الأسود ، والعاص بن منبه بن الحجاج ، وقتلوا ببدر ، وفيهم نزلت الآية. وكتب المسلمون لمن كان فى مكة بضرورة الهجرة حتى لا يقعوا فى نفس المشكلة التى وقع فيها إخوانهم ، فخرجوا فلحق بهم المشركون ، ففتنوهم فرجعوا ، فنزلت : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ) (العنكبوت ١٠) ، وكتبوا إلى إخوانهم فى المدينة فتحزنوا عليهم ، فنزلت : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ...) (النحل ١١٠) الآية.

٤٠ ـ وفى قوله تعالى : (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (١٠٠) : قيل : نزلت الآية فى ضمرة بن جندب ـ أو أنه ضمرة بن العيص ، أو العيص بن ضمرة ، وقيل رجل من بنى ضمرة ، أو من بنى ليث ، أو من بنى كنانة ، أو من بنى بكر ، وكان كبير السن وأراد أن يهاجر من أرض الشرك إلى المدينة ـ قال : إنى لغنى ، وإنى لذو حيلة ، يردّ على الآية : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) (٩٨) (النساء) ، فتجهّز يريد النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأدركه الموت بالتنعيم ، فنزلت هذه الآية : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ..). وقيل : إن جندبا كان بمكة ، فمرض فقال لبنيه : أخرجونى من مكة فقد قتلنى غمّها ، فقالوا : إلى أين؟ فأومأ بيده ناحية المدينة يريد الهجرة ، فخرجوا به ، فلما بلغوا به أضاة بنى غفار مات ، فأنزل الله فيه : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ...). وقيل : إن أكثم بن صيفى أرسل إلى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسأله : من أنت لله وبم جئت؟ فتلا النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعض آيات القرآن على من أرسله ، ومنها : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٩٠) (النحل) ، فلما سمع أكثم ، قال : أى قوم ، إنه يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن ملائمها ، وركب بعيره يريد المدينة فمات فى الطريق ، فنزلت الآية : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ..).

٤١ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً) (١٠١) : قيل : كان المسلمون بعسفان فاستقبلهم المشركون وعليهم خالد بن الوليد ، وكانوا بين المسلمين والقبلة ، فصلى

٥٧

النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمسلمين الظهر ، فقال المشركون : قد كانوا على حال لو أصبنا غرّتهم. وقالوا : وتأتى عليهم الآن صلاة هى أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم. فنزل جبريل على النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهذه الآية بين الظهر والعصر : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً ..) (١٠٢). وفى هذه الآية صلاة الخوف وصلاة السفر ، وكان الغالب على المسلمين الخوف فى الأسفار. فلما آمنوا سألوا : ما لنا نقصر وقد أمنّا؟ فقال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته».

٤٢ ـ وفى قوله تعالى : (.. وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) (١٠٢) : قيل : الآية فى وجوب حمل السلاح فى الصلاة عند الخوف من عدو ، ثم رخّص فى المطر وضعه ، لأن السلاح يبتل فيصدأ الحديد ويثقل. وقيل : نزلت الآية فى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم «بطن نخلة» ، وبطن نخلة قرية قرب المدينة فى الطريق إلى البصرة ، وفيها انهزم المشركون وغنم المسلمون ، وكان يوما مطيرا ، وخرج النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقضاء حاجته ، واضعا سلاحه ، فرآه الكفار منقطعا عن أصحابه ، فقصده غورث بن الحارث ، فانحدر عليه من الجبل بسيطه ، فقال : ما يمنعك منى اليوم؟ فقال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الله» ، ثم قال : «اللهم اكفنى الغورث بما شئت» ، فأهوى بالسيف إلى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليضربه ، فانزلقت قدمه وزلت ، وانكب لوجهه وسقط السيف من يده ، فأخذه النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وقال : «ما يمنعك منى يا غورث؟» فقال : لا أحد ، فقال : «تشهد لى بالحق وأعطيك سيفك؟» ، قال : لا ، ولكن أشهد ألا أقاتلك بعد هذا ولا أعين عليك عدوا. فدفع إليه السيف ، ونزلت الآية رخصة فى وضع السلاح فى المطر.

٤٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) (١٠٤) : قيل : نزلت فى حرب أحد حيث أمر النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالخروج فى آثار المشركين ، وكانت بالمسلمين جراحات ، وكان قد أمر ألا يخرج معه إلا من كان فى الوقعة. وقيل : الآية نزلت فى كل جهاد.

٤٤ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) (١٠٥) : قيل : نزلت هذه الآية فى رجل يدعى بشير بن الحارث ، عدا

٥٨

على مشربة رفاعة بن زيد ، عمّ قتادة بن النعمان ، فنقبها من ظهرها ، وسرق الطعام ودرعين ، فأتى قتادة النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره بذلك ، فدعا بشيرا فسأله وأنكر ، ورمى بالسرقة رجلا يدعى لبيد بن سهل من أهل الدار وكان ذا حسب ونسب ، فنزل القرآن بتكذيب بشير وبراءة لبيد ، وهرب بشير إلى مكة وجعل يقع فى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفى المسلمين ، فنزل فيه : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ ...) (النساء ١١٥) ، وقيل : كان بنو أبيرق ثلاثة أخوة : بشر ، وبشير ، ومبشر ، وكان لهم ابن عم اسمه أسير بن عروة ، ونقب الأربعة مشربة لرفاعة بن زيد فى الليل ، وسرقوا أدرعا وطعاما ، وقيل إن السارق بشير وحده ، وكان يكنّى أبا طعمة ، أخذ درعا كان فى جراب فيه دقيق ، فكان الدقيق ينتثر من خرق فى الجراب حتى انتهى إلى داره ، فجاء ابن أخى رفاعة يشكوهم إلى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجاء أسير ابن عروة إلى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يجادل عنهم ، ونسب إلى ابن أخى رفاعة أنه اتهمهم بالسرقة ورماهم بها من غير بيّنة ، وكاد النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصدقه ، وأنزل : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (١١٢) (النساء) وكانوا قد اتهموا أثناء ذلك لبيد بن سهل وكان يهوديا ، وقيل : زيد بن السمين وهو يهودى أيضا ، أو أنهم اتهموا رجلا من الأنصار ، وكان بريئا. فلما أنزل الله ما أنزل ، هرب ابن أبيرق السارق إلى مكة ، ونزل على سلامة بنت سعد بن شهيد ، فقال فيه حسّان بن ثابت بيتا من الشعر يعرض فيه بها :

وقد أنزلته بنت سعد وأصبحت

ينازعها جلد استها وتنازعه

ظننتم بأن يخفى الذى قد صنعتموا

وفينا نبىّ عند الوحى واضعه

فلما بلغها أخذت رحل ابن أبيرق فألقته خارج بيتها ، فهرب إلى خيبر وارتد. ثم أنه نقب بيتا ذات ليلة ليسرق ، فسقط عليه الحائط فمات مرتدا. وقيل قبل موته ، أراد النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقطع يده ، فجاءت اليهود شاكين السلاح ، فأخذوه وهربوا ، فنزلت : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) (١٠٩) (النساء). وقيل : لما سرق الدرع اتخذ حفرة فى بيته وجعل الدرع تحت التراب ، وقيل : إنهم سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يبرئ ابن أبيرق لأنه كان مطاعا فى قومه ، ويلحق التهمة بيهودى!! فنبّه الله تعالى نبيّه فقال : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ ...) (١١٣) (النساء). وقال فى تدبيرهم : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (١١٤) (النساء).

٥٩

٤٥ ـ وفى قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (١٠٦) : قيل : لما همّوا أن يقطعوا يد اليهودى بسبب السرقة ، أمر النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالاستغفار عن هذا الخطأ الذى كاد يقع فيه المسلمون.

٤٦ ـ وفى قوله تعالى : (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً) (١٠٧) : قيل : نزلت فى أسير بن عروة وجداله عن السارق الحقيقى.

٤٧ ـ وفى قوله تعالى : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) (١٠٨) : قيل : نزلت لمّا سرق الدرع ، وجعل له بشير بن أبيرق حفرة فى بيته جعل فيها الدرع وأهال عليه التراب.

٤٨ ـ وفى قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً) (١١٠) : قيل : نزلت على بنى أبيرق يعرض عليهم التوبة. وقيل : الآية أيضا فى شأن وحشى قاتل حمزة ، أشرك بالله وقتل حمزة ، ثم جاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : إنى لنادم ، فهل لى من توبة ، فنزلت الآية ، وقيل : المراد بالآية العموم والشمول لجميع الخلق.

٤٩ ـ وفى قوله تعالى : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) : قيل : نزلت فى أهل مكة أن عبدوا الأصنام وكانوا يجعلون لها أسماء الإناث ، اعتقادا منهم أن الآلهة إناث ، حتى أن كلّ حىّ كان له صنم ، كان يقال عنه : أنثى بنى فلان ، وحتى الملائكة ، قالوا عنها إنها بنات الله أى جعلوها إناثا ، ولهذا السبب نزلت الآية.

٥٠ ـ وفى قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) (١١٣) : قيل : نزلت لأنهم سألوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يبرئ ابن أبيرق من التهمة ويلحقها باليهودى ، فتفضّل الله على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونبّهه على ذلك وأعلمه به.

٥١ ـ وفى قوله تعالى : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (١١٥) إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) (١١٦) : قيل : نزلت الآيتان بسبب ابن أبيرق السارق لمّا حكم عليه النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالقطع فهرب إلى مكة وارتد. وقيل : لما صار

٦٠