موسوعة القرآن العظيم - ج ٢

دكتور عبد المنعم الحفني

موسوعة القرآن العظيم - ج ٢

المؤلف:

دكتور عبد المنعم الحفني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة مدبولي
الطبعة: ١
ISBN: 977-208-422-2
الصفحات: ١٢٤٤
الجزء ١ الجزء ٢

الآية نزلت فى العجم فهم هؤلاء الآخرون ، وهم كل من لم يكن عربيا ودخل الإسلام بعد النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى يوم القيامة. وفى الحديث قال : «رأيتنى اسقى غنما سودا ثم اتبعتها غنما عفرا» وطلب من أبى بكر أن يؤوّل الرؤيا ، قال : أما السود فالعرب ، وأما العفر فالعجم تتبعك بعد العرب.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (١١) : قيل : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب قائما يوم الجمعة ، فجاءت عير من الشام ، فانصرف الناس إلها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا ، هم : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلىّ ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبى وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة الجراح ، وسعيد بن الزبير ، وبلال ، وعبد الله بن مسعود ، فأنزلت هذه الآية. وقيل : بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب يوم الجمعة إذ أقبلت عير تحمل الطعام حتى نزلت بالبقيع ، فالتفت المصلون إليها وانفضوا عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتركوه ليس معه إلا عدد من الرجال ، فأنزل الله الآية. وقيل : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب وقد صلى الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين ، فدخل رجل فقال : إن دحية بن خليفة الكلبى قدم بتجارة ، وكان دحية إذا قدم تلقّاه أهله بالدفاف ، فخرج الناس فلم يظنوا إلا أنه ليس فى ترك الخطبة شيئ ، فأنزل الله تعالى الآية.

* * *

١٠٧٤ ـ فى أسباب نزول آيات سورة المنافقون

١ ـ فى قوله تعالى : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) (١) : قيل : نزلت فى عبد الله بن أبىّ بن سلول ، رأس النفاق فى المدينة ، أثناء غزوة بنى المصطلق ، فقال للأعراب يحرّضهم على المسلمين : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضّوا ، وقال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذل ، وفى رواية أخرى ، قال : والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال الأول : سمّن كلبك يأكلك. أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. وقال : كفّوا طعامكم عن هذا الرجل ، ولا تنفقوا على من عنده حتى ينفضّوا ويتركوه. فقال له زيد بن أرقم : أنت والله الذليل المنتقص من قومك ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى عزّ من الرحمن ومودة من المسلمين. والله لا أحبك بعد كلامك هذا أبدا. فقال عبد الله : اسكت إنما كنت ألعب. وقال زيد للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأرسل إليه فحلف وجحد ، وصدّقه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزلت الآية بتصديق زيد وتكذيب ابن أبى. وقيل : أن أنصاريا فى غزوة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدر

٢٠١

الماء ، فوجد عليه أعرابيا سبقه إليه ، وكان يملأ الحوض ويحيطه بحجارة ، ويغطيه إلى أن يأتى أصحابه ، فأراد الأنصارى أن تشرب ناقته فمنعه الأعرابى ، فانتزع الأنصارى حجرا من الحوض فغاض الماء ، فأمسك الأعرابى خشبة وضرب بها رأس الأنصارى فشجّه ، فأتى عبد الله بن أبىّ رأس المنافقين ، فقيل له ، فغضب وقال : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضّوا من حوله ـ يعنى الأعراب ، وكانوا يحضرون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند الطعام ، وقال عبد الله : إذا انفضّوا من عند محمد ، فأتوا محمدا بالطعام ، فليأكل هو ومن عنده. ثم قال لأصحابه : لئن رجعتم إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فلما حلف أنه لم يقل ذلك نزلت الآية.

٢ ـ فى قوله تعالى : (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢) : قيل : نزلت فى عبد الله بن أبىّ لمّا حلف أنه ما قال ، وحلف زيد بن أرقم أنه قال.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٤) : قيل : نزلت فى عبد الله بن أبى ، وجدّ بن قيس ، ومعتّب بن قشير ، وكانوا رأس النفاق ، وكانت بهم وسامة وجسامة وصحة وصباحة وذلاقة لسان ، وإذا قالوا سمعوا لهم ، فنزلت فيهم الآية.

٤ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) (٥) : قيل : نزلت سورة المنافقين فى تصديق زيد بن أرقم وتكذيب عبد الله بن أبىّ. ولمّا قيل لعبد الله : قد نزلت فيك آيات شديدة ، فاذهب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ليستغفر لك ، فألوى برأسه ، فنزلت الآية.

٥ ـ وفى قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٦) : قيل : لمّا مات عبد الله بن أبىّ بعد غزوة بنى المصطلق بأيام ، وكان المسلمون قد أوذوا منه أذى كبيرا ، سمع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بموته فاستغفر له ، وطلب ابنه قميص النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكفنه به ، فأعطاه قميصه ، فنزلت هذه الآية.

٦ ـ وفى قوله تعالى : (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) (٧) : قيل : نزلت لما قال ابن أبىّ : لا تنفقوا على من عند محمد حتى ينفضّوا من عنده. وقال لأصحابه : لئن رجعت إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذلّ. والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قيل : سمّن كلبك يأكلك. كفّوا طعامكم عن هذا الرجل ولا تنفقوا على من عنده حتى ينفضوا ويتركوه.

٢٠٢

٧ ـ وفى قوله تعالى : (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) (٨) : قيل : القائل ابن أبىّ. قيل : لما قال ذلك ورجع إلى المدينة ، لم يلبث إلا أياما يسيرة حتى مات ، وقيل فاستغفر له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وألبسه قميصه ، فنزلت هذه الآية (فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ). وروى أن عبد الله بن أبى بن سلول قال لأبيه : والذى لا إله إلا هو ، لا تدخل المدينة حتى تقول : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو الأعز وأنا الأذل ، فقاله.

* * *

١٠٧٥ ـ فى أسباب نزول آيات سورة التغابن

١ ـ فى قوله تعالى : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) (٧) : قيل : نزلت فى العاص بن وائل السهمى مع خبّاب ، مثلها مثل الآية : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً (٧٧) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٧٨) كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (٧٩) وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً) (٨٠) وكان للخبّاب دين عند العاص ، فرفض أن يدفعه إلا فى الآخرة استهزاء بإيمان خبّاب ، فنزلت هذه الآية.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٤) : قيل : نزلت الآية فى عوف بن مالك الأشجعى ، كان ذا أهل وولد ، وكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورقّقوه فقالوا : إلى من تدعنا؟ فيرق فيقيم ، فنزلت الآية. وقيل : نزلت الآية فى رجال أسلموا من أهل مكة ، وأرادوا أن يأتوا النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم أن يأتوا النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما رأوا النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورأوا الناس قد فقهوا فى الدين ، فهمّوا أن يعاقبوا أزواجهم وأولادهم ، والعدو كما ترى ليس لذاته ، فهؤلاء أهلهم ، إلا أنهم فعلوا فعل العدو فصاروا عدوا ، ولا فعل أقبح من الحيلولة بين العبد وطاعة الله.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١٦) : قيل : هذه الآية نزلت بسبب قوم تأخروا عن الهجرة من دار الشرك إلى دار الإسلام بتثبيط أولادهم ، فيما جعل فتنة لهم من أموالهم وأولادهم أن تغلبهم الفتنة وتصدّهم عن الواجب لله من الهجرة من أرض الكفر إلى أرض الإسلام. وقيل : الآية نزلت لتخفف عن المسلمين أثر الآية الأخرى : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) (أل عمران ١٠٢) ، فقد اشتد على القوم ، وقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرّحت جباههم ، فأنزل الله تخفيفا عنهم : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ..)

* * *

٢٠٣

١٠٧٦ ـ فى أسباب نزول آيات سورة الطلاق

ـ فى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) (١) : قيل : الخطاب فى الآية للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، خوطب بلفظ الجماعة تعظيما وتفخيما ، وقصد بالآية جماعة المسلمين. وقيل : الآية نزلت عند ما طلق النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حفصة ثم راجعها ، قيل : إن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم طلّق حفصة فأتت أهلها ، فأنزل الله تعالى عليه : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ...) (١) (الطلاق). وقيل له : راجعها فإنها قوّامة صوّامة وهى من أزواجك فى الجنة. ونزل فى خروج المطلقة إلى أهلها قوله : (.. لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ...). وقيل : إن سبب نزول الآية أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم غضب على حفصة لمّا أسرّ إليها حديثا ، فأظهرته لعائشة ، فطلّقها تطليقة ، فنزلت الآية. والصحيح : أن الآية نزلت فى عبد الله بن عمر ، فقد طلق امرأته حائضا تطليقة واحدة ، فأمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر وتحيض ثم تطهر ، فإذا أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها ، فتلك العدة التى أمر الله تعالى أن يطلّق لها النساء. وكان هناك آخرون فعلوا مثل ابن عمر فمحتمل أنها نزلت فى واحد منهم ، أو فيهم جميعا لما تكررت المناسبة ، ومن هؤلاء : عبد الله بن عمرو بن العاص ، وعمرو بن سعيد بن العاص ، وعتبة بن غزوان. وأصحّ من ذلك أن الآية بيان لشرع مبتدأ. ولم يحدث أن طلق النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم امرأة من نسائه.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (.. وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ...) (٣) : قيل : نزلت فى عوف بن مالك الأشجعى ، وكان ابنه قد أسره المشركون ، فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشكو إليه الفاقة ، وأسر ابنه ، وجزع أمه عليه ، فقال عليه‌السلام : «اتق الله واصبر ، وآمرك وإياها أن تستكثرا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله» ، فعاد إلى بيته وقال لامرأته ، فقالت : نعم ما أمرنا به. فجعلا يقولان. وغفل العدو عن ابنه فساق غنمهم وهرب به إلى المدينة ، وكان أربعة آلاف شاة ، فنزلت الآية. وفى رواية أنه أصاب إبلا من العدو عددها خمسون ، وقيل : أصاب غنما ومتاعا ، وسأل الأب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أيحلّ لى أن آكل مما أتى به ابني؟ قال : «نعم» ، ونزلت الآية.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ

٢٠٤

يُسْراً) (٤) : قيل : لما نزلت عدّة النساء فى سورة البقرة فى المطلقة والمتوفى عنها زوجها ، قال أبىّ بن كعب : يا رسول الله ، إن ناسا يقولون قد بقى من النساء لم يذكر فيهن شىء : الصغار ، وذوات الحمل ، فنزلت الآية. وقيل : لمّا ذكر قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ..) (٢٢٨) (البقرة) ، قال خلاد بن النعمان : يا رسول الله ، فما عدّة التى لم تحصن ، وعدّة التى انقطع حيضها ، وعدّة الحبلى؟ فنزلت الآية ، ومعنى يئسن من المحيض : قعدن عن المحيض. وقيل : إن معاذ بن جبل سأل عن عدّة الكبيرة التى يئست ، فنزلت الآية. وقيل : الآية نزلت فى المستحاضة لا تدرى دم حيض هو أو دم علة؟

* * *

١٠٧٧ ـ فى أسباب نزول آيات سورة التحريم

١ ـ فى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١) : قيل : نزلت الآية فى حفصة لما خلا النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى بيتها بجاريته مارية ، وذلك أمر بعيد ، لأن جاريته كانت تسكن العوالى ولها دارها الخاصة بها ، فما حاجتها لحجرة حفصة ليجتمع بها النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟! وقيل إن حفصة شاهدتهما معا على سريرها وفى يوم عائشة ، وأنه سألها ألّا تخبر عائشة ، وحلف أن مارية عليه حرام إن قربها. وكانت حفصة قد غابت إلى بيت أبيها فلما حضرت وأبصرت ذلك عزّ عليها وقالت له : تدخلها فى بيتى! ـ تقصد مارية. ما صنعت بى هذا من بين نسائك إلا من هوانى عليك! قال لها : «لا تذكريه لأحد». ولم تحفظ حفصة السرّ وأذاعته لعائشة ، فغضب النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم منهما ومن نسائه لمّا ذاع الخبر بينهن ، وآلى لا يدخل عليهن شهرا ، فاعتزلهن تسعا وعشرين ليلة ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ ..) (١) (التحريم) ، والمناسبة مبتذلة ، ومستبعدة ، ومن الإسرائيليات ، وضمن التشنيعات على النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقيل : نزلت فى أم شريك التى وهبت نفسها للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يقبلها لأجل أزواجه ، فنزلت الآية ، والسبب ضعيف ، لأن ردّ الموهوبة ليس تحريما والآية عن التحريم! وقيل : نزلت فى عائشة وحفصة ، وكان النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدخل عند زينب فى غير يومها ، فيغيب عندها ، فعرفتا السبب أنه يشرب عندها عسلا ، فدبرتا أن تقولا له : إنى أجد منك ريح مغافير! أكلت مغافير؟ والمغافير نوع من شجر يفرز صمغا كالعسل ، رائحته كريهة وطعمه حلو. وكان النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يبغض أن تكون له رائحة غير طيبة ، فلما قالتا له ذلك وسألتاه : أكلت مغافير؟ قال : «لا» ، قالتا : فما هذه الريح؟ قال : «سقتنى زينب شربة عسل» ، فقالتا : جرس نحله العرفط ـ أى رعت النحل نبات العرفط وله رائحة كالخمر ،

٢٠٥

فحرّم على نفسه عسل زينب ، فنزلت الآية. وقيل : إنه كان يشرب العسل عند حفصة وليس عند زينب ، وقيل : هى أم سلمة. وقيل : راجع عمر امرأته ، وتعللت بأن أزواج النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يراجعنه ، فأخذ ثوبه وخرج إلى حفصة يسألها : أتراجعين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قالت : نعم ، ولو أعلم أنك تكره ذلك ما فعلت. فلما بلغ عمر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هجر نساءه ، قال : رغم أنف حفصة! ونزلت الآية. ـ وهذا كله جهل وتصوّر بغير علم ورواياته مرسلة. والآية لا يعلم سببها إلا النبىّ ونساؤه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم نعرف أن أحدا من نسائه روت عن ذلك ، ولا النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلا ما جاء منه فى هذه السورة وغيرها من مراجعات بينه وبين وزوجاته. ولقد ذهب المفسرون مذاهب بعيدة فى تفسير الآية وغيرها ، عن أسبابها وأشخاصها ، وعن مناسبة نزولها. والصحيح أن هذه الآية وغيرها نزلت لرفع تضييق النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما وسّعه الله له ، بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١)؟

٢ ـ وفى قوله تعالى : (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (٢) : قيل : الآية نزلت فى اليمين ، والخطاب فيها للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم الأمة تقتدى به ، وقيل : إن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعتق رقبة فى تحريم مارية. والآية تفرض تحليل اليمين ، والتحلّة هى تحليله ، فكأن اليمين عقد والكفارة حلّ ، والآية على الصحيح ليست فى يمين مزعوم للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على مارية ولكنها بيان لشرع مبتدأ ولرفع التضييق فى اليمين على المسلمين.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) (٣) : قيل : مناسبة الآية تحريمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم مارية على نفسه واستكتامه حفصة ذلك. وقيل : أسرّ لحفصة أمر من سيخلفه على أمته من بعده ، وقال إنهما أبوها وأبو عائشة! وقال ابن عباس : أسرّ أمر الخلافة بعده إلى حفصة فذكرته حفصة ، وقيل : اطّلعت حفصة على النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع أم إبراهيم فقال : «لا تخبرى عائشة» ، وقال لها : «إن أباك وأباها سيملكان أو سيليان بعدى فلا تخبرى عائشة» ، فانطلقت حفصة وأخبرت عائشة ، فأظهره الله عليه ، فعرف بعضه وأعرض عن بعض. قيل : أعرض عن قوله : «إن أباك وأباها يكونان بعدى» ، وكره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن ينشر ذلك على الناس. وذلك كله جهل ، وتصوّر بغير علم ، ورجم بالغيب ، ورواياته مرسلة ، ولم يذع النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك ولا زوجاته ، إلا ما نزل من الآية ، ونفهم منه أنه حول إفشاء السرّ الذى يكون بين الزوجين مما يهدد الحياة الزوجية وذلك فى إطار تربوى للبيت المسلم.

٢٠٦

٤ ـ وفى قوله تعالى : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) (٤) : قيل : إن عمر بن الخطاب لما سمع أن نساء النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتظاهرن ضده ، ذهب إليه والغضب يرى فى وجهه ، فقال له : يا رسول الله ، ما يشق عليك فى شأن النساء! فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل ، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك. قال : وكلما تكلمت وأحمد الله ـ بكلام إلا رجوت أن يكون الله عزوجل يصدق قولى الذى أقول ، ونزلت هذه الآية ـ آية التخيير : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ ..) (٥) ، والآية ، (.. وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) (٤).

٥ ـ وفى قوله تعالى : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) (٥) : قيل : إن الآية نزلت على لسان عمر بن الخطاب. قال عمر : اجتمع نساء النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الغيرة عليه ، فقلت لهن : عسى ربّه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ، فنزلت الآية.

* * *

١٠٧٨ ـ فى أسباب نزول آيات سورة الملك

١ ـ فى قوله تعالى : (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١٤) : قيل : نزلت فى المشركين ، كانوا ينالون من النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيخبره جبريل عليه‌السلام ، فقال بعضهم : أسرّوا قولكم كى لا يسمع ربّ محمد ، فنزلت الآية.

* * *

١٠٧٩ ـ فى أسباب نزول آيات سورة القلم

١ ـ فى قوله تعالى : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) (٢) : قيل : كان المشركون يقولون للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنه مجنون ، وبه شيطان ، فنزلت الآية ، مثل قولهم : (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) (٦) (الحجر) ، فأنزل الله ردا عليهم وتكذيبا ، والنعمة هنا قسم ، وهو كما تقول : ما أنت بمجنون والحمد لله.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٤) : قيل : نزلت ثناء عليه ، لأنه امتثل تأديب الله ، والخلق هو الأدب ، وهو ما كان يأتمر به من أمر الله ، وينتهى عنه مما نهى عنه. وحقيقة الخلق هو ما يأخذ الإنسان نفسه من الأدب ، لأنه يصير كالخلقة فيه ، فلما سئلت عائشة عن خلقه ، قرأت (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) (١) (المؤمنون) إلى عشر آيات ،

٢٠٧

وقالت : ما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله ، ما دعاه أحد من الصحابة ولا من أهل بيته إلا قال : «لبيك» ، لذلك قال تعالى : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٤) ، ونزلت فيه الآية.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) (٦) : قيل : قالوا إن بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم شيطانا ، والمفتون هو الشيطان ، لأنه مفتون فى دينه ، وعنوا به أنه مجنون ، والآية نزلت فى الوليد بن المغيرة وأبى جهل ، والمعنى فسيعلمون غدا بأيهم المجنون ، أى الشيطان ، به صلى‌الله‌عليه‌وسلم أم بالوليد وبأبى جهل؟

٤ ـ وفى قوله تعالى : (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) (٨) : قيل : نزلت فى مشركى قريش وكانوا يدعونه إلى أن يكف عنهم ليكفّوا عنه ، فنهاه عن ممايلة المشركين.

٥ ـ وفى قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) (١٣) : قيل : نزلت فى الأسود بن عبد يغوث ، وعبد الرحمن بن الأسود ، والوليد بن المغيرة ، وأبى جهل. وكان الوليد قد عرض على الرسول مالا إن رجع عن دينه. و «العتل الزنيم» الشديد الخلق ، الأكول الشروب ، والظلوم للناس. وقيل : «الزنيم» كان رجلا من قريش له زنمة كزنمة الشاة ، وقيل : الزنيم ولد الزنا الملحق فى النسب بالقوم ، وكان الوليد دعيّا فى قريش ، ادّعاه أبوه ، والآية عرّفت بصفة فى الوليد لم يكتشفها أحد فيه إلا بعد أن مات ، فقد كانت له زنمة فى عنقه يداريها.

٦ ـ وفى قوله تعالى : (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (١٤) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٥) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) (١٦) : قيل : هذا كله نزل فى الوليد بن المغيرة ، وليس فى القرآن أحد ذكرت عيوبه ما ذكره منها فى هذه الآيات ، فألحقت بالوليد العار فى الدنيا والآخرة ، كالوسم على الخرطوم وهو ما ابتلاه الله به فى الدنيا ، فى نفسه وماله وأهله ، من سوء وذل وصغار.

٧ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ) (١٧) : قيل : الآية نزلت فى أهل مكة ، ابتلوا وأعطاهم الله المال ليشكروا فبطروا وجحدوا وعادوا الإسلام ، فابتلاهم الله بالجوع كما ابتلى أصحاب الجنة ، وكانوا فى اليمن بالقرب منهم ، وكانت الجنة لرجل يؤدى حق الله ، فلما صارت لأولاده بخلوا ومنعوا خيرها ، وفكروا أن لا يجدّوا التمر إلا ليلا حتى لا يأتيهم المساكين ، فطاف عليها جبريل واقتلعها ، فنزلت الآية فيهم.

٨ ـ وفى قوله تعالى : (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ) (٤٣) : قيل : قال : سعيد بن جبير : الآية فى الذين كانوا يسمعون الأذان فلا

٢٠٨

يجيبون ، وقال كعب الأحبار : والله ما نزلت هذه الآية إلا فى الذين يتخلفون عن صلاة الجماعة.

٩ ـ وفى قوله تعالى : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ) (٤٨) : قيل : نزلت فى يونس عليه‌السلام وقصته مع الحوت معروفة. ونداؤه وهو مكظوم أى مغموم ، هو (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٨٧) (الأنبياء).

١٠ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) (٥١) : قيل : نزلت الآية فى أهل مكة ، وكانت فيهم العين ، وكان منهم رجل يمكث لا يأكل أياما ثم يرفع جانب الخباء فتمر به الإبل أو الغنم فيقول : لم أر كاليوم أبلا ولا غنما أحسن من هذه! فما تذهب قليلا حتى تسقط ، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب لهم النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالعين فوافقهم ، فعصم الله نبيّه ، ونزلت الآية ، ومعنى (لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ) أى يصيبونك بالعين. وقولهم (إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) ، لأنهم نسبوا إليه أن الشياطين تتلبسه ولهذا كان مجنونا.

* * *

١٠٨٠ ـ فى أسباب نزول آيات سورة الحاقة

١ ـ فى قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لا تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) (٤٢) : قيل : نزلت كردّ على ما قاله الوليد بن المغيرة : أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ساحر ، وقول عقبة : كاهن ، وقول أبى جهل : شاعر.

* * *

١٠٨١ ـ فى أسباب نزول آيات سورة المعارج

١ ـ فى قوله تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (١) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ) (٢) (المعارج) : قيل : نزلت فى النضر بن الحارث ، قال : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٣٢) (الأنفال) ، فاستجيب لسؤاله ، وقتل يوم بدر صبرا ، هو وعقبة ابى معيط ، ولم يقتل صبرا غيرهما. وقيل : السائل هنا هو الحارث بن النعمان الفهرى ، لمّا بلغه قول النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى علىّ : «من كنت مولاه فعلىّ مولاه» ، فركب ناقته وجاء حتى أناخها بالأبطح ثم قال : يا محمد ، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسوله ، فقبلناه منك ، وأن نصلى خمسا فقبلناه منك ، ونزكى فقبلناه منك ، وأن نصوم شهر رمضان فى كل عام فقبلناه منك ، وأن نحج فقبلناه

٢٠٩

منك ، ثم لم نرض بهذا حتى فضّلت ابن عمك علينا! أفهذا شىء منك أم من الله؟ فقال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والله الذى لا إله إلا هو ما هو إلا من الله» ، فولّى الحارث وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء ، أو ائتنا بعذاب أليم! فما وصل إلى ناقته حتى رماه الله بحجر فوقع على دماغه فقتله ، فنزلت الآية. وقيل : إن السائل هو أبو جهل. وقيل : نزلت (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) (١) ، فقال الناس : على من يقوم العذاب ، فأنزل الله (لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ) (٢). والصحيح أن الآية عامة والقرآن لا يتنزل لخدمة أشخاص ، وحكاية علىّ من تلفيقات الشيعة.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ) (٣٦) : قيل : نزلت فى جمع من المنافقين المستهزئين ، وكانوا يحضرون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا يؤمنون به.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ) (٣٨) : قيل : كان المشركون يجتمعون حول النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يستمعون كلامه فيكذّبونه ويكذبون عليه ، ويستهزءون بأصحابه ويقولون : لئن دخل هؤلاء الجنة لندخلها قبلهم ، ولئن أعطوا منها شيئا لنعطين أكثر منه ، فنزلت الآية.

* * *

١٠٨٢ ـ فى أسباب نزول آيات سورة نوح

١ ـ فى قوله تعالى : (وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) (٢٣) : قيل : هذه أصنام وصور كان قوم نوح يعبدونها. وقيل : الآية ليست فى قوم نوح ولكنها فى العرب ، وهذه الأصنام كان يعبدها العرب ولم يعبدها غيرهم ، وكانت ودّ ، وسواع ، ويغوث ، ويعوق ، ونسر ، أكبر أصنامهم وأعظمها عندهم ، فلذلك خصّوها بالذكر ، وقالوا يوصون بها : (لا تَذَرُنَ) يعنى لا تتركوا عبادتها. وودّ : هو أكبرها ، وكان على صورة رجل ، وأول صنم يعبدونه ، وسمّوه كذلك لودّهم له ؛ وسواع : كان لهذيل على صورة امرأة ؛ ويغوث : لغطيف ، ثم لغطفان ، وكان على صورة أسد ؛ وأما نسر : فكان لحمير على صورة نسر من الطيور ، وآية الأصنام تعترض كلام نوح ، ويستأنف نوح الكلام بعدها ، وإنما جاءت الآية تذكيرا بأصنام العرب كأصنام قوم نوح ، وذلك هو سبب نزولها وسط كلام نوح.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (٢٦) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) (٢٧) : قيل : سبب نزول الآية أن نوحا دعا على قومه ، لأن رجلا منهم ـ وكان يحمل طفلا ـ مرّ به ، فأشار على نوح وقال لطفله :

٢١٠

«أحذر هذا فإنه يضلك» ، فسأل الولد أباه أن ينزله ، وأمسك بحجر ورمى به نوحا فشجّ رأسه! فحينئذ غضب نوح ودعا عليهم ، ونزلت الآية. واستثنى نوح نفسه ووالديه ومن آمن به ، فنزلت الآية بهم : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً) (٢٨).

* * *

١٠٨٣ ـ فى أسباب نزول آيات سورة الجن

١ ـ فى قوله تعالى : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً) (١) : قيل : عن ابن عباس : ما قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الجن ولا رآهم ، وإنما أوحى إليه قول الجن ، أنهم استمعوا إلى تلاوته للقرآن وهو يصلى بأصحابه صلاة الفجر ، قيل كان فى مكان يقال له بطن نخلة من تهامة ، فنزلت الآية.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) (٦) : قيل : أنه لما بعث النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، خرج أناس من بنى تميم هربا ، فأتوا على ملأة من الأرض ، وكانوا إذا أمسوا بمثلها يقول شيخهم : إنا نعوذ بعزيز هذا الوادى من الجن الليلة ، فقيل لهم : إنما سبيلكم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ؛ من أقرّ بها آمن على دمه وماله. فرجعوا ودخلوا الإسلام ، فكانوا لا يرون إلا أن هذه الآية نزلت فيهم ، والصحيح أنها نزلت فى كل من يعوذ بالجن وهم كثر فى كل العالم ، حتى فى أوروبا وأمريكا ، ومن غير المسلمين من النصارى واليهود. وقيل : إن رجلا من تيم كان يسير فى فلاة فغلبه النوم ، فنزل عن راحلته وأناخها يريد أن ينام ، فتعوّذ بجن الوادى ، فرأى فى منامه من يأمره : إذا نزلت واديا لا تعذ بالجن ، وإنما بربّ محمد. فلما كان الصبح غذّ السير إلى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأسلم ، فكانوا يرون أنه هو الذى أنزل الله فيه : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) (٦).

٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) (١٦) : قيل : نزلت فى كفار قريش حين منع المطر سبع سنين.

٤ ـ وفى قوله تعالى : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) (١٨) : قيل : قالت الجن كيف لنا أن ندعو فى المساجد ونأتى فيها الصلاة؟ فنزلت : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ ..) أى بنيت لذكر الله ، يذكره البشر وليس الجن ؛ والصحيح أن الذين قالوا ذلك المشركون ، كانوا يريدون أن يدعوا لله وللأصنام.

٥ ـ وفى قوله تعالى : (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) (١٩) :

٢١١

قيل : هذا من قول الجن لما رجعوا إلى قومهم وأخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وائتمامهم به فى الركوع والسجود. والصحيح أنهم المشركون وليسوا الجن ، وكان المشركون يركبون بعضهم بعضا ليسمعوا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ القرآن ويصلّى بأصحابه ، حردا عليهم.

٦ ـ وفى قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) (٢٠) : قيل : سبب نزولها أن كفار قريش قالوا للنبىّ صلى الله عليه وسلم : إنك جئت بأمر عظيم ، وقد عاديت الناس كلهم ، فارجع عن هذا فنحن نجيرك. فنزلت الآية.

٧ ـ وفى قوله تعالى : (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) (٢٢) : قيل : إن كفار قريش قالوا للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اترك ما تدعو إليه ونحن نجيرك ، فنزلت (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ ..). وقيل : إن ابن مسعود والنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم انطلقا حتى أتيا الحجون ، فتقدم إلى الناس وازدحموا عليه ، فقال سيد لهم يقال له وردان : أنا أزجلهم عنك (أى أمنعهم وأبعدهم) ، فقال له النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنى لن يجيرنى من الله أحد» ، يعنى لن يجيرنى مع إجارة الله لى ، فنزلت الآية ، ومعنى : (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً ..) أى نصيرا ومولى وحرزا ومذهبا ومسلكا.

* * *

١٠٨٤ ـ فى أسباب نزول آيات سورة المزمل

١ ـ فى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) (١) : قيل : إن قريشا اجتمعت فى دار الندوة ، فقالوا : سمّوا هذا الرجل اسما يصدر عنه الناس. قالوا : كاهن؟ قالوا : ليس بكاهن. قالوا : مجنون؟ قالوا : ليس بمجنون. قالوا : ساحر؟ قالوا : ليس بساحر. فبلغ ذلك النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتزمّل فى ثيابه ، فأتاه جبريل فقال : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) : يعنى يا أيها المتلفف بثيابه.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) (٢) : قيل : قالت عائشة : إن الله عزوجل افترض قيام الليل فى أول هذه السورة ، فقام النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه حولا ، وأمسك الله عزوجل خاتمتها التى تقول : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ..) (٢٠) ، أمسكها اثنى عشر شهرا فى السماء ، حتى أنزلها فى آخر هذه السورة للتخفيف ، فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة. وقيل : لما أنزل فى أولها قوله : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) (١) كانوا يقومون نحوا من قيامهم فى شهر رمضان ، حتى نزل آخرها وهو قوله : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ..) (٢٠) ، وكان بين أولها وآخرها نحو من سنة.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ ..) (٢٠) : قيل :

٢١٢

مكث النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه عشر سنين يقومون الليل ، فنزل بعد عشر سنين : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ ..) (٢٠) ، فخفّف عنهم.

٤ ـ وفى قوله تعالى : (.. فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢٠) : قيل : لما نزلت : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) (١) قاموا حتى ورمت أقدامهم وسوقهم ، ثم نزل قوله تعالى : (.. فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ..)

* * *

١٠٨٥ ـ فى أسباب نزول آيات سورة المدثر

١ ـ فى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) (١) : قيل : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يحدث عن فترة الوحى قال : «فبينما أنا أمشى سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسى ، فإذا الملك الذى جاءنى بحراء ، فجثثت منه فرقا» ، فرجعت فقلت : زمّلونى زمّلونى! فدثّرونى. فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) (١). وعن جابر عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : جاورت بحراء شهرا ، فلما قضيت جوارى نزلت فاستبطنت بطن الوادى ، فنوديت ، فنظرت أمامى وخلفى ، وعن يمينى وعن شمالى ، فلم أر أحدا. ثم نوديت فنظرت فلم أر أحدا ، ثم نوديت فرفعت رأسى ، فإذا الملك الذى جاءنى بحراء ـ يعنى جبريل ـ فأخذتنى رجفة شديدة ، فأتيت خديجة ، فقلت : دثّرونى! فدثّرونى فصبّوا علىّ ماء ، فأنزل الله (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) (١). وقيل : بلغ النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قول كفار مكة أنت ساحر ، فوجد من ذلك غما ، وحمّ ، فتدثّر بثيابه ، فقال الله تعالى (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ) (٢). وقيل : اجتمع أبو لهب ، وأبو سفيان ، والوليد بن المغيرة ، والنضر بن الحارث ، وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل ، ومطعم بن عدى ، وقالوا : قد اجتمعت وفود العرب فى أيام الحج ، وهم يتساءلون عن أمر محمد ، وقد اختلفتم فى الإخبار عنه ، فمن قائل يقول : مجنون ، وآخر يقول : شاعر ، وتعلم العرب إن هذا كله لا يجتمع فى رجل واحد ، فسمّوا محمدا باسم واحد يجتمعون عليه وتسمّيه به العرب ، فقام منهم رجل فقال : شاعر؟ فقال الوليد : سمعت كلام ابن الأبرص وأمية بن أبى الصلت ، وما يشبه كلام محمد كلام واحد منهما ، فقالوا : الكاهن؟ فقال : الكاهن يصدق ويكذب ، وما كذب محمد قط. فقام آخر فقال : مجنون؟ فقال الوليد : المجنون يخنق الناس ، وما خنق محمد أحدا قطّ. وانصرف الوليد إلى بيته ، فقالوا : صبأ الوليد بن المغيرة. فدخل أبو جهل وقال : مالك يا أبا عبد شمس؟ هذه قريش تجمع لك شيئا يعطونكه ، وزعموا أنك احتجبت وصبأت! فقال الوليد : ما لى إلى ذلك حاجة

٢١٣

ولكن فكرت فى محمد ، فقلت : ما يكون من الساحر؟ فقيل : يفرّق بين الأب وابنه ، وبين الأخ وأخيه ، وبين المرأة وزوجها ، فقلت : إنه ساحر. فشاع هذا فى الناس ، وصاحوا يقولون : إن محمدا ساحر. ورجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بيته محزونا فتدثّر بقطيفة ، ونزلت (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ) (٢) إلى قوله : (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) (٧).

٢ ـ وفى قوله تعالى : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً) (١٣) : قيل : كان الوليد يقول : أنا الوحيد ابن الوحيد ، ليس لى فى العرب نظير ، ولا لأبى المغيرة نظير ، وكان يسمّى «الوحيد». وكانت ثروته ألف ألف دينار ، وكان له بستان لا ينقطع خيره شتاء ولا صيفا ، وكان له عشرة أولاد ، وقيل اثنا عشر ، وقيل : كانوا اثنى عشر : سبعة ولدوا بمكة ، وخمسة ولدوا بالطائف. وقيل : كانوا ثلاثة عشر ولدا. وقال مقاتل : كانوا سبعة كلهم رجال ، أسلم منهم ثلاثة : خالد بن الوليد ، وهشام بن الوليد ، والوليد بن الوليد. فنزلت الآية (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً) (١٣).

٣ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) (٢٥) : قيل : لما نزلت (حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (٣) (غافر) ، سمع الوليد من يقرؤها فقال : والله لقد سمعت كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن ، وإن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وإن ليعلو ولا يعلى عليه ، وما يقول هذا بشر. فقالت قريش : صبأ الوليد ، لتصبون قريش كلها! وكان يقال للوليد ريحانة قريش ، فقال أبو جهل : أنا أكفيكموه. فمضى إليه حزينا ، فقال له : ما لى أراك حزينا؟ فقال له : وما لى لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينوك بها على كبر سنك ، ويزعمون أنك زيّنت كلام محمد ، وتدخل على ابن أبى كبشة (يعنى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وابن أبى قحافة (يعنى أبا بكر) لتنال من فضل طعامهما. فغضب الوليد وتكبّر ، وقال : أنا أحتاج إلى محمد وصاحبه؟ فأنتم تعرفون قدر مالى! واللات والعزى ما بى حاجة إلى ذلك ، وإنما أنتم تزعمون أن محمدا مجنون ، فهل رأيتموه قطّ يخنق؟ قالوا : لا والله! قال : وتزعمون أنه شاعر ، فهل رأيتموه نطق شعرا قطّ؟ قالوا : لا والله! قال : وتزعمون أنه كذّاب ، فهل جرّبتم عليه كذبا قطّ؟ قالوا : لا والله! قال : فتزعمون أنه كاهن ، فهل رأيتموه تكهن قطّ ولقد رأينا للكهنة أسجاعا وتخالجا ، فهل رأيتموه كذلك؟

٢١٤

قالوا : لا والله! قال : فما هو إذن؟ ثم إن الوليد فكّر فى نفسه ، ثم نظر ، ثم عبس ، فقال : لا بدّ إذن أنه ساحر! أما رأيتموه يفرّق بين الرجل وأهله وولده ومواليه؟! فنزل قوله تعالى : (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ..) (١٨) إلى قوله : (إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) (٢٥).

٤ ـ وفى قوله تعالى : (إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) (٢٥) : قيل : نزلت فى قول قريش أن «سيارا» عبد بنى الحضرمى كان يعلّمه. وقيل الذى كان يعلمه «عدىّ الحضرمى» الكاهن.

٥ ـ وفى قوله تعالى : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) (٣٠) : قيل : قال ناس من اليهود لأناس من أصحاب النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل يعلم نبيكم عدد خزنة جهنم؟ قالوا : لا ندرى حتى نسأل نبينا. فجاءوا إلى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاستقدم اليهود فسألوه : يا أبا القاسم ، كم عدد خزنة جنهم؟ قال : «هكذا وهكذا» فى مرة عشرة ، وفى مرة تسعة ، فنزلت : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) (٣٠). وقيل : لمّا سألوه نزل عليه ساعتئذ : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) (٣٠).

٦ ـ وفى قوله تعالى : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ) (٣١) : قيل : لما نزل (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) (٣٠) ، قال أبو جهل لقريش : ثكلتكم أمهاتكم! أسمع ابن أبى كبشة (يقصد النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم) يخبركم أن خزنة جهنم تسعة عشر ، وأنتم الدّهم (أى العدد) ، والشجعان ، فيعجز كل عشرة رجال منكم أن يبطشوا برجل واحد منهم؟! فأنزل الله : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً ..). وقيل : لما نزلت : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) (٣٠) قال رجل من قريش يدعى الحرث بن كلدة : لا يهولنكم التسعة عشر. أنا أدفع بمنكبى الأيمن عشرة (يقصد عشرة رجال) ، وبمنكبى الأيسر التسعة ، ثم تمرون إلى الجنة ـ يقولها مستهزئا. فنزلت : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً ..) ، أى لم يجعلهم رجالا فتتعاطون مغالبتهم.

٧ ـ وفى قوله تعالى : (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) (٥٢) : قيل : إن أبا جهل وجماعة من قريش قالوا : يا محمد ، ايتنا بكتب من ربّ العالمين مكتوب فيها : إنى قد أرسلت لكم محمدا. فنزلت الآية. وعن ابن عباس : كانوا يقولون إن كان محمد صادقا فليصبح عند كل رجل منا صحيفته ، فيها براءته وأمنه من النار ، فنزلت الآية. وقيل : قال المشركون بلغنا أن الرجل من بنى إسرائيل كان يصبح عند رأسه مكتوبا ذنبه وكفارته ، فأتنا بمثل ذلك ، فنزلت الآية.

* * *

٢١٥

١٠٨٦ ـ فى أسباب نزول آيات سورة القيامة

١ ـ فى قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) (٣) : قيل : نزلت هذه الآية فى عدىّ بن ربيعة ، قال للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : حدثنى عن يوم القيامة متى تكون؟ وكيف أمرها وحالها؟ فأخبره النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك ، فقال له : لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك يا محمد ، ولم أو من به ـ أى يوم القيامة ـ ، أو يجمع الله العظام؟ فنزلت الآية. وقيل : نزلت فى عدو الله أبى جهل حين أنكر البعث بعد الموت.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) (١٧) : قيل : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا نزل عليه القرآن يحرك به لسانه ، يريد أن يحفظه ، فأنزل الله الآية ، فكان يحرّك به شفتيه. وفى رواية أخرى : أن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يعانى من التنزيل شدّة ، وكان يحرّك شفتيه ، فأنزل الله عزوجل : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) (١٦) ، فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع ، وإذا انطلق جبريل ، قرأه.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (٣١) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (٣٣) أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) (٣٥) : قيل : لما نزلت (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) (٣٠) (المدثر) ، قال أبو جهل لقريش : ثكلتكم أمهاتكم ، يخبركم ابن أبى كبشة (أى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقولها استهزاء ، والكبشة المعروفة هى الحفنة) ، أن خزنة جهنم تسعة عشر وأنتم الدّهم (الصناديد)! أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم؟! فأوحى الله إلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يأتى أبا جهل فيقول له : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) (٣٥). وعند النسائى عن سعيد بن جبير ، أنه سأل ابن عباس عن قوله تعالى : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) (٣٥) ، قال له : أشيء قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قبل نفسه أم أمره الله به؟ يقصد قوله : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) قال : بل قاله من قبل نفسه ثم أنزله الله. وفى الرواية : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج من المسجد (يقصد الكعبة) ذات يوم فاستقبله أبو جهل على الباب مما يلى باب بنى مخزوم ، فأخذ رسول الله بيده فهزّه مرة أو مرتين ثم قال (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) ، فقال له أبو جهل : أتهددني؟ فو الله إنى لأعز أهل الوادى وأكرمه! فنزلت الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما قالها لأبى جهل. وفى رواية : أن أبا جهل بن هشام أقبل يتبختر ، فأخذ النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيده فقال : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) (٣٥) ، فقال أبو جهل : ما تستطيع أنت ولا ربّك لى شيئا! إنى لأعز من مشى بين جبليها! (يقصد جبلي مكة) فلما كان يوم بدر أشرف على المسلمين فقال : لا يعبد الله بعد هذا اليوم أبدا. فضرب الله عنقه ، وقتله شرّ قتلة.

٢١٦

٤ ـ وفى قوله تعالى : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) (٤٠) : قيل : كان النبىّ إذا قرأها قال : «سبحانك اللهم» ويبكى ، وعن ابن عباس كان يقول : من قرأ (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) إلى آخرها ، إماما كان أو غيره ، فليقل : سبحانك اللهم ، ويبكى.

* * *

١٠٨٧ ـ فى أسباب نزول آيات سورة الإنسان

١ ـ فى قوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) (٨) : قيل : نزلت فى أسارى أهل الشرك ، فكانوا يأسرونهم ويعذبونهم ، فنزلت فيهم ، فكان النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأمرهم بالإصلاح إليهم. وقيل : الآية نزلت فيمن تكفل بأسرى بدر وهم سبعة من المهاجرين : أبو بكر ، وعمر ، وعلىّ ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد ، وأبو عبيدة. وقيل : نزلت فى رجل من الأنصار أطعم فى يوم واحد مسكينا ويتيما وأسيرا. وقيل : نزلت فى علىّ وفاطمة وجارية لهما اسمها فضة ، ولم يصح ذلك ولم يثبت وهذا من دعاوى الشيعة.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) (١٢) : قيل : هذه الآية نزلت فى جميع الأبرار ومن فعل فعلا حسنا.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) (٢٤) : قيل : إن أبا جهل قال : إن رأيت محمدا يصلى لأطأن على عنقه ، فأنزل الله الآية. ويقال : نزلت فى عتبة بن ربيعة ، والوليد بن المغيرة ، وكانا أتيا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعرضان عليه الأموال والتزويج ، على أن يترك ذكر النبوة ، ففيهما نزلت الآية. وقيل : الذى عرض التزويج عتبة بن ربيعة ، قال : إن بناتى من أجمل نساء قريش ، فأنا أزوجك ابنتىّ من غير مهر وارجع عن هذا الأمر. وقال الوليد : إن كنت صنعت ما صنعت لأجل المال ، فأنا أعطيك من المال حتى ترضى ، وارجع عن هذا الأمر ، فنزلت الآية.

٤ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً) (٢٧) : قيل : نزلت فى أهل مكة بحبهم للدنيا وتركهم للآخرة ؛ وقيل نزلت فى اليهود بكتمانهم صحة نبوة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ وقيل : نزلت فى المنافقين لاستبطانهم الكفر وطلب الدنيا. والآية تعمّ.

* * *

١٠٨٨ ـ فى أسباب نزول آيات سورة المرسلات

١ ـ فى قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (٤٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (٤٩) :

٢١٧

قيل : نزلت فى ثقيف ، امتنعوا عن الصلاة ، فنزل فيهم ذلك ، فقال لهم النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أسلموا» وأمرهم بالصلاة ، فقالوا : لا ننحنى فإنها مسبة علينا ، فقال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا خير فى دين ليس فيه ركوع ولا سجود». والآية حجة على وجود الركوع كركن من الصلاة.

* * *

١٠٨٩ ـ فى أسباب نزول آيات سورة النبأ

١ ـ فى قوله تعالى : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) (١) : قيل : كانت قريش تجلس لما نزل القرآن فتحدّث فيما بينهم ، فمنهم المصدّق ، ومنهم المكذّب بالقرآن وبالرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزلت.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) (٤٠) : قيل : المراد بها كفّار قريش ومشركى العرب ، لأنهم قالوا : لا نبعث. والعذاب القريب هو عذاب الآخرة ، وقيل : الكافر هو أبو جهل. وقيل : المرء فى الآية المقصود به أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومى ، وأما الكافر فهو أخوه الأسود ابن عبد الأسد. وقيل : الكافر هو إبليس.

* * *

١٠٩٠ ـ فى أسباب نزول آيات سورة النازعات

١ ـ فى قوله تعالى : (يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) (١٠) : قيل : نزلت فى المكذّبين المنكرين للبعث ؛ والحافرة هى القبور ، والمعنى إننا لمردودون فى قبورنا أحياء ، كقولهم (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً ..) (الإسراء ٤٩) ، فقال كفار قريش : لئن حيينا بعد الموت لنخسرن ، فنزلت : (قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) (١٢) (النازعات).

٢ ـ وفى قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا) (٣٨) : قيل : طغى أى تجاوز الحدّ فى العصيان ، ونزلت الآية فى النضر وابنه الحارث ، وهى عامة فى كل كافر آثر الحياة الدنيا على الآخرة. وقيل : نزلت فى مصعب بن عمير وأخيه عامر بن عمير ، وكان عامر قد أسر يوم بدر ، فقال لمن أسروه : أنا أخو مصعب ، فلم يشدوه فى الوثاق وأكرموه ، فلما علم مصعب أمرهم أن يشدّوا وثاق أسيرهم ، فأمه غنية وبوسعها أن تفتديه.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) (٤١) : قيل : الآية فى مصعب بن عمير ، وفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نفسه يوم أحد حين تفرّق الناس عن مصعب حتى نفذت فيه السهام ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عند الله احتسبك». وقيل : نزلت هذه الآية فى أبى بكر الصدّيق ، فقد كان له غلام يأتيه بالطعام ،

٢١٨

وكان فى كل مرة يسأله : من أين أتيت بهذا؟ فأتاه يوما بطعام فلم يسأله ، فقال له الغلام : لم لم تسألنى؟ فقال : نسيت ، فمن أين لك الطعام؟ فقال : تكهنت لقوم فى الجاهلية فأعطونيه ، فتقيأه أبو بكر لساعته. وقال : يا ربّ ، ما بقى فى العروق فأنت حبسته! فنزلت الآية. وقيل : نزلت فى من همّ بمعصية وقدر عليها فى خلوة ثم تركها من خوف الله.

٤ ـ وفى قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) (٤٢) : قيل : سأل مشركو مكة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم استهزاء : متى تكون الساعة؟ فأنزل الله تعالى الآية. وقيل : لم يزل النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسأل عن الساعة حتى نزلت هذه الآية : (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها) (٤٤) (النازعات) ، فكأنهم لما أكثروا عليه السؤال ، سأل الله أن يعرف جوابه ، فقيل له : لا تسأل ، فلست فى شىء من ذلك.

١٠٩١ ـ فى أسباب نزول آيات سورة عبس

١ ـ فى قوله تعالى : (عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) (٢) : قيل : نزلت فى ابن أم مكتوم ، وكان أعمى ، واسمه عمرو ، وأبوه قيس بن زائدة الأصم ، وهو ابن خال خديجة ، وكان عند النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعض أشراف قريش وقد طمع فى إسلامهم ، وجاءه ابن أم مكتوم ، فكره النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم منه أن يقطع عليه كلامه ، فأعرض عنه ، ففيه نزلت. وقيل : كان عند النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الوليد بن المغيرة ، وأمية بن خلف ، وعتبة بن ربيعة. وكان النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا التقى ابن ام مكتوم بعد ذلك يقول له : «مرحبا بمن عاتبنى فيه ربي».

* * *

٢ ـ وفى قوله تعالى : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) (١٧) : قيل : نزلت فى عتبة بن أبى لهب ، وكان قد آمن ، فلما نزلت : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) (١) ارتدّ ، وقال : آمنت بالقرآن كله إلا النجم ، فنزلت الآية فيه.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) (٣٧) : قيل : هذه الآيات نزلت فى فرار التبرؤ ، فقابيل يوم القيامة يفر من أخيه هابيل ؛ وإبراهيم يفر من أبيه ؛ ونوح من ابنه ؛ ولوط من امرأته ؛ وأول من يفر يوم القيامة من أبيه إبراهيم ، وأول من يفر من ابنه نوح ، وأول من يفر من امرأته لوط.

١٠٩٢ ـ فى أسباب نزول آيات سورة التكوير

١ ـ فى قوله تعالى : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (٩) : قيل : كانوا فى الجاهلية يقتل أحدهم ابنته ، فعاتبهم الله على ذلك وتوعّدهم.

٢١٩

٢ ـ وفى قوله تعالى : (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) (٢٣) : قيل : أراد النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يرى جبريل فى الصورة التى يكون بها عند ربّه عزوجل ، فأتاه وقد سدّ الأفق ، فلما نظر إليه النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرّ مغشيا عليه ، فقال المشركون إنه مجنون ، فنزلت (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) (٢٣). وقيل : نزلت لمّا رأى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم جبريل فى صورته ، ورآه من قبل المشرق ، لأن هذا الأفق إذا كانت منه تطلع الشمس فهو مبين.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢٩) : قيل : لما نزلت (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) (٢٨) (التكوير) ، قال أبو جهل : الأمر إلينا إذن ، إن شئنا استقمنا ، وإن شئنا لم نستقم. فنزلت : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢٩). وقيل إن مقالة أبى جهل هى بعينها مقالة القدرية ، فإنه يتكلم عن القدر ، وأبو جهل إذن رأس القدرية. وهذا كلام جديد فى التأريخ لفرقة القدرية ، من القدر والقدرة بمعنى الاستطاعة ، يقولون : إن الإنسان مريد لأفعاله قادر عليها. والقدرية بهذا المعنى كأصحاب مذهب حرية الإرادة. والآية لا تنفى حرية الإرادة ، ولكنها تنفى أن لا يكون لله تعالى دور فى هداية الإنسان ، لأنه تعالى هداه هداية دلالة ، ويهديه هداية معونة. ومن جهة أخرى فإن مشيئة الخلق بخلاف مشيئة الخالق ، فمشيئة الخلق اختيار بين أمرين كل منهما ممكن الوقوع ، فيترجّح أحدهما لمزيد مصلحة وفائدة ، ولكن مشيئة الله هى اختياره الثابت إذا لا يصح لديه تردّد ولا إمكان حكمين. والإنسان قد يريد الهداية وتقصر عنها ظروفه أو إمكاناته ، فإذا شاء الله له الهداية هيّأ له أسبابها ويسّرها ، فذلك معنى (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢٩) ، أى أنه تعالى إذا رأى من العبد أخذا بما هداه إليه دلالة ، ساعده على الهداية معونة.

* * *

١٠٩٣ ـ فى أسباب نزول آيات سورة الانفطار

١ ـ فى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) (٦) : قيل : نزلت فى الوليد بن المغيرة ؛ وقيل : نزلت فى أبىّ بن خلف ؛ وقيل : نزلت فى الأسد بن كلدة الجمحى.

* * *

١٠٩٤ ـ فى أسباب نزول آيات سورة المطففين

٢ ـ فى قوله تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) (١) : قيل : قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة ، كان أهلها من أخبث الناس كيلا فأنزل الله عزوجل : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) فأحسنوا الكيل بعد ذلك. وقيل : نزلت السورة فى رجل يعرف بأبى جهينة ، واسمه عمرو ، وكان له مكيالان ،

٢٢٠