موسوعة القرآن العظيم - ج ٢

دكتور عبد المنعم الحفني

موسوعة القرآن العظيم - ج ٢

المؤلف:

دكتور عبد المنعم الحفني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة مدبولي
الطبعة: ١
ISBN: 977-208-422-2
الصفحات: ١٢٤٤
الجزء ١ الجزء ٢

٢ ـ وفى قوله تعالى : (ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) (٢٠٧) : قيل : لما نزلت (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ) (٢٠٥) رؤى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كأنه متحيّر ، فنزلت : (ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ) (٢٠٦) (ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) (٢٠٧) ، فطابت نفسه ، والمعنى ما أغنى عنهم الزمان الذى كانوا يمتعونه ، وقيل : كان عمر بن عبد العزيز إذا أصبح أمسك بلحيته ثم قرأ : (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) (٢٠٧) ثم يبكى ويقول :

نهارك يا مغرور سهو وغفلة

وليلك نوم والرّدى لك لازم

فلا أنت فى الأيقاظ يقظان حازم

ولا أنت فى النّوام ناج فسالم

تسرّ بما يفنى وتفرح بالمنى

كما سرّ باللذات فى النوم حالم

وتسعى إلى ما سوف تكره غبّه

كذلك فى الدنيا تعيش البهائم

٣ ـ وفى قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) (٢٠٧) : قيل : المراد أهل مكة أو المنكرون عموما ، وكانوا من المترفين ، وهؤلاء دائما هم المنكرون ، فكان المؤمنون يتعجبون من كفرهم وهم فى النعيم يرفلون ، فنزلت الآية.

٤ ـ وفى قوله تعالى : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢١٥) : قيل : لما نزلت (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (٢١٤) (الشعراء) بدأ بأهل بيته وفصيلته ، فشقّ ذلك على المسلمين ، فنزلت : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢١٥) (الشعراء) ، لأن عشيرته كان منها المؤمن والكافر ، فخصّ فى الآية الثانية المؤمنين منهم ومن الناس كافة.

٥ ـ وفى قوله تعالى : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) (٢٢٤) : قيل : تهاجى رجلان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أحدهما من الأنصار ، والآخر من قوم آخرين ، وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه وهم السفهاء ، فأنزل الله : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) (٢٢٦) الآيات. وقيل : لما نزلت «والشعراء» إلى قوله «ما لا يفعلون» ، قال عبد الله بن رواحة : قد علم الله أنى منهم ، فأنزل الله : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) إلى آخر السورة. وقيل : لما نزلت «والشعراء» الآية جاء عبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وحسّان بن ثابت ، وجميعهم شعراء ، فقالوا : يا رسول الله ، والله لقد أنزل الله هذه الآية وهو يعلم أنّا شعراء. هلكنا! فأنزل الله : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) الآية ، فدعاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتلاها عليهم. وقيل : لما نزلت (الشُّعَراءُ) جاء حسّان بن ثابت ، وكعب بن مالك ، وابن رواحة ، يبكون إلى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : يا نبىّ الله أنزل الله تعالى

١٤١

هذه الآية ، وهو تعالى يعلم أنّا شعراء؟ فقال : «اقرءوا ما بعدها» : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (٢٢٧) ، قال : أنتم! (وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) ـ أنتم! قال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «انتصروا ولا تقولوا إلا حقا ، ولا تذكروا الآباء والأمهات».

٦ ـ وفى قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ) (٢٢٥) : قيل : نزلت هذه الآية فى عبد الله بن الزّبعرى ، ومسافع بن عبد مناف ، وأمية بن أبى الصلت ، وكانوا كثيرى التجوال ، وجميعهم عادى الإسلام ، وكانوا أشداء على المسلمين ، ثم أسلم الزبعرى ومسافع.

٧ ـ وفى قوله تعالى : (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) (٢٢٦) : قيل : نزلت فى الشاعر أبى عزة الجمحىّ وكان مشركا وكاذبا ، حيث قال :

ألا أبلغا عنى النبىّ محمدا

بأنك حقّ والمليك حميد

ولكنى إذا ذكّرت بدرا وأهله

تأوّه منى أعظم وجلود

* * *

١٠٣٩ ـ فى أسباب نزول آيات سورة النمل

١ ـ فى قوله تعالى : (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) (٢٢) : قيل : الآية نزلت عن سبأ التى نعرفها باسم مأرب باليمن.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ) (٢٣) : قيل : هى بلقيس والاسم يونانى.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) : قيل : نزلت فى تسعة هم عظماء أهل هذه البلدة ، وكانوا يفسدون ويأمرون بالفساد ، والرهط ما دون العشرة.

٤ ـ وفى قوله تعالى : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) (٧٠) : قيل : نزلت فى المستهزئين الذين اقتسموا عقاب مكة.

٥ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (٧٦) : قيل : اختلف بنو إسرائيل فى كثير من الأشياء حتى لعن بعضهم بعضا ، فنزلت الآية ؛ والمعنى : أن هذا القرآن يبيّن لهم ما اختلفوا فيه لو أخذوا به ، واختلافهم كان حول ما حرّفوه من التوراة ، وما سقط من كتبهم من الأحكام.

٦ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) (٨٢) : قيل : هذه الدابة ليست خاصة خارقة للعادة ، وقيل :

١٤٢

هى إنسان متكلم يناظر أهل البدع والكفر ويجادلهم لينقطعوا ، فيهلك من هلك عن بيّنة ، ويحيا من حىّ عن بيّنة ، لأن وجود المناظرين والمحتجّين على أهل البدع كثير ، فلا آية خاصة بها.

٧ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٩١) : قيل : الآية نزلت فى مكة التى عظّم الله حرمتها ، والمتحدث هو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

* * *

١٠٤٠ ـ فى أسباب نزول آيات سورة القصص

١ ـ فى قوله تعالى : (وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٥١) : قيل : نزلت الآية فى قريش ردا على من قال : هلا أوتى محمد القرآن جملة واحدة؟ والمعنى : أنه تعالى والى وتابع وأنزل القرآن يتبع بعضه بعضا ، وعدا ووعيدا ، وقصصا وعبرا ، ونصائح ومواعظ.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ) (٥٢) : قيل : نزلت فى عبد الله بن سلام ، وتميم الدارى ، والجارود العبدى ، وسلمان الفارسى ، أسلموا فنزلت فيهم هذه الآية والتى بعدها : (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (٥٤) : وقيل : هؤلاء قوم آمنوا قبل أن يبعث النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأدركه بعضهم.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (٥٦) : قيل : الآية نزلت فى أبى طالب عمّ النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٤ ـ وفى قوله تعالى : (وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٥٧) : قيل : هذا قول مشركى مكة ، والذى قال ذلك من قريش هو عثمان بن نوفل بن عبد مناف القرشى ، قال للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّا لنعلم أن قولك حق ، ولكن يمنعنا أن نتّبع الهدى معك ونؤمن بك ، مخافة أن يتخطفنا العرب من أرضنا ، فأجاب الله تعالى عما اعتلّ به فقال : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً) ، وذلك أن العرب فى الجاهلية كان يغير بعضهم على بعض ، ويقتل بعضهم بعضا ، بينما كان أهل مكة آمنين بحرمة البيت ، فمنع البيت عدوهم ، فلم يكونوا يخافون أن تستحل العرب حرمة البيت وتقاتلهم.

٥ ـ وفى قوله تعالى : (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا

١٤٣

ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) (٦١) : قيل : نزلت فى حمزة بن عبد المطلب ، وفى أبى جهل بن هشام. وقيل : نزلت فى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبى جهل. وقيل : نزلت فى حمزة وعلىّ ، وفى أبى جهل وعمارة بن الوليد ، وقيل : فى عمارة والوليد بن المغيرة. والصحيح أنها نزلت فى المؤمن والكافر على التعميم ، وفى كل كافر متّع فى الدنيا بالعافية والغنى ، وله فى الآخرة النار ، وفى كل مؤمن صبر على بلاء الدنيا ثقة بوعد الله وله فى الآخرة الجنة.

٦ ـ وفى قوله تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٦٨) : قيل : هو جواب الوليد بن المغيرة حين قال : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (٣١) (الزخرف) ، يعنى بذلك نفسه : أو عروة ابن مسعود الثقفى من الطائف. وقيل : هو جواب اليهود إذ قالوا : لو كان الرسول إلى محمد غير جبريل ، لآمنا به. والمعنى : وربّك يخلق ما يشاء من خلقه ويختار منهم من يشاء لطاعته ، أو لنبوته ، يعنى أنه تعالى خلق محمدا واختاره للنبوة ، وخلق الأنصار لدينه.

٧ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٨٥) : قيل : معاد الرجل بلده ، لأنه ينصرف ثم يعود ، والنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج من الغار ليلا ، مهاجرا إلى المدينة فى غير الطريق مخافة الطلب ، فلما رجع الى الطريق ونزل الجحفة ، عرف الطريق إلى مكة ، فاشتاق إليها ، فقال له جبريل : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ ..) ، أى إلى مكة ، ظاهرا عليها ، والآية نزلت إذن بالجحفة وليست بمكة ، ولا بالمدينة. والآية عموما فى كل من سافر وغادر الأهل والأحبة ، فيقولونها له ، متمنين له سلامة العودة.

* * *

١٠٤١ ـ فى أسباب نزول آيات سورة العنكبوت

١ ـ فى قوله تعالى : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (٢) : قيل : نزلت هذه الآية فى قوم من المؤمنين كانوا بمكة ، وكان الكفار من قريش يؤذونهم ويضربونهم على الإسلام ، كسلمة بن هشام ، وعيّاش بن أبى ربيعة ، والوليد بن الوليد ، وعمّار بن ياسر ، وياسر (أبوه) ، وسميّة (أمّه) ، وعدة من بنى مخزوم ، وغيرهم ، فكانت صدورهم تضيق لذلك ، وربما استنكروا أن يمكّن الله الكفار من المؤمنين ، فنزلت هذه الآية مسلية ومعلمة : أن هذه هى سيرة الله فى عباده ، اختبار للمؤمنين وفتنة. وقيل : الآية نزلت فى مهجع بن صالح مولى عمر بن الخطاب ، وكان أول قتيل من المسلمين يوم بدر ، رماه عامر بن الحضرمى بسهم فقتله ، فقال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سيد الشهداء مهجع ، وهو أول من يدعى إلى باب

١٤٤

الجنة من هذه الأمة» ، فجزع عليه أبواه وامرأته ، فنزلت الآية. وقيل : نزلت فى أناس كانوا بمكة من المسلمين ، فكتب إليهم أصحاب النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الحديبية أنه لا يقبل منكم إقرار الإسلام حتى تهاجروا ، فخرجوا فأتبعهم المشركون فآذوهم ، فنزلت الآية ، فكتبوا إليهم : نزلت فيكم آية كذا ، فقالوا : نخرج وإن اتّبعنا أحد قاتلناه ، فاتّبعهم المشركون فقاتلوهم ، فمنهم من قتل ، ومنهم من نجا ، فنزلت فيهم : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (١١٠) (النحل).

٢ ـ وفى قوله تعالى : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (٤) : قيل : نزلت فى الوليد بن المغيرة ، وأبى جهل ، والأسود ، والعاص بن هشام ، وشيبة ، وعتبة ، والوليد بن عتبة ، وعقبة بن أبى معيط ، وحنظلة بن أبى سفيان ، والعاص بن وائل.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) (٩) : قيل : نزلت الآيتان فى سعد بن أبى وقّاص ، قال : أنزلت فىّ أربع آيات ، فذكر قصة أمه «أم سعد» معه ، قالت له : أليس قد أمر الله بالبرّ؟ والله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا ، حتى أموت أو تكفر! قال : فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها (أى أدخلوا فيه شيئا ليفتحوه لينزلوا الطعام فيه) فنزلت هذه الآية. وفى رواية قال : كنت بارا بأمى ، فأسلمت فقالت : لتدعنّ دينك أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعيّر بى ويقال : يا قاتل أمه! قال : وبقيت يوما ويوما فقلت : يا أماه! لو كانت لك مائة نفس ، فخجرت نفسا نفسا ، ما تركت دينى هذا ، فإن شئت فكلى ، وإن شئت فلا تأكلى! قال : فلما رأت ذلك أكلت ونزلت : (وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ..) الآية. وقال ابن عباس : نزلت الآية فى عيّاش بن أبى ربيعة ـ أخى أبى جهل لأمه ، وقد فعلت أمه مثل ما فعلت أم سعد بن أبى وقاص. وعن ابن عباس أيضا قال : نزلت فى جميع الأمة إذ لا يصبر على بلاء الله إلا صدّيق.

٤ ـ وفى قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ) (١٠) : قيل : نزلت فى المنافقين ، كانوا يدّعون أنهم آمنوا بالله ، فكلما فتنوا ارتدوا عن إيمانهم ، ولا يصبرون على الأذية فى الله. وقيل : نزلت فى عيّاش بن أبى ربيعة ، أسلم وهاجر ، ثم أوذى وضرب ، فارتد. والذى عذّبه هو أبو جهل ، والحارث ، وكانا أخويه لأمه ، ثم إنه أسلم وحسن إسلامه وعاش بعد ذلك دهرا.

١٤٥

٥ ـ وفى قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٥١) : قيل : الآية جواب لقول كفار مكة (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٥٠). وسبب نزولها أنهم أتوا النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكتف ، أى عظم عريض ، وكان مكتوبا عليه بعض العبارات من التوراة ، فقال النبىّ : «كفى بقوم ضلالة أن يرغبوا عمّا جاء به نبيّهم إلى ما جاء به نبىّ غير نبيّهم ، أو كتاب غير كتابهم» ، فأنزل الله تعالى الآية : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ ...) أخرجه الدارمى.

٦ ـ وفى قوله تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٣) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) (٥٤) : قيل : نزلت فى عبد الله بن أبى أمية وأصحابه من المشركين حين قالوا : (أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) (٩٢) (الإسراء).

٧ ـ وفى قوله تعالى : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) (٥٦) : قيل : نزلت الآية فى تحريض المؤمنين الذين كانوا بمكة على الهجرة ، فأخبرهم الله تعالى بسعة أرضه ، وأن البقاء فى بقعة على أذى الكفار ليس بصواب. وقيل : إن الأرض التى فيها الظلم والمنكر تترتب فيها هذه الآية وتلزم الهجرة عنها إلى بلد حقّ.

٨ ـ وفى قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٦٠) : قيل : عن ابن عمر قال : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى دخل بعض حيطان (حدائق) الأنصار ، فجعل يلتقط من الثمر ويأكل ، فقال : «يا ابن عمر مالك لا تأكل؟» قال : لا أشتهيه. فقال : «لكنى اشتهيته ، وهذه صبيحة رابعة لم أذق طعاما ، ولو شئت لدعوت ربّى فأعطانى مثل ملك كسرى وقيصر ، فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت فى قوم يخبئون رزق سنتهم ويضعف اليقين!» قال ابن عمر : والله ما برحنا حتى نزلت الآية. وحديث ابن عمر ضعيف ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدخر لأهله قوت سنتهم ، وكان الصحابة يفعلون ذلك وهم القدوة. وفى الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمّا زادت شدّة المسلمين بمكة ، قال لهم : «اخرجوا إلى المدينة وهاجروا ولا تجاوروا الظلمة» ، قالوا : ليس لنا بها دار ، ولا عقار ، ولا من يطعمنا ولا من يسقينا ، فنزلت الآية.

٩ ـ وفى قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ) (٦٧) : قيل : قالوا : ما يمنعنا يا محمد أن ندخل فى دينك إلا مخافة أن يتخطفنا الناس لقلتنا ولكثرة الأعراب عنا ، فنزلت الآية وفيها الجواب

١٤٦

عليهم : (.. أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ) ، يعنى وهل ذلك يسوّغ لكم أن تكونوا على الشرك وتكفروا بنعمة الإيمان عليكم؟ أو هل لأنكم كنتم بمنأى عن عدوان الأعراب؟ أم أن ذلك أدعى لكم أن تؤمنوا بالله وتحمدوه على هذه النعمة؟!

* * *

١٠٤٢ ـ فى أسباب نزول آيات سورة الروم

١ ـ وفى قوله تعالى : (غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) (٤) : قيل : نزلت هذه الآية لمّا قهر الفرس الروم ، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم على الفرس ، لأنهم وإياهم أهل كتاب ، وفى ذلك نزل قوله تعالى : (.. وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (٥) ؛ وكانت قريش تحب ظهور فارس ، لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا يؤمنون بالبعث ، فتحدّى المشركون المسلمين أن يكون ذلك صحيحا ، وتراهنوا ولم يكن الرهان قد حرّم ، وطالت المدة فاستمرت تسع سنوات إلى أن انتصر الروم على الفرس ، وتحقق أن القرآن صحيح من لدن الله ، وأن محمدا نبىّ حقا وصادق أمين. والبضع : بين الثلاث والتسع والعشر. وكان ظهور الروم على فارس يوم الحديبية ، فابتهج النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفرح المسلمون. و (أَدْنَى الْأَرْضِ) هى أذرعات فى الشام ، يعنى أقرب الأرض إلى مكة ، وإلى فارس ، وإلى الروم.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢٧) : قيل : نزلت الآية تردّ على الكفار أن يتعجّبوا من إحياء الموتى.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٢٨) : قيل : كان أهل الشرك يلبون فيقولون : لبّيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك! فأنزل الله : (هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ) ، والمعنى هل يرضى أحدكم أن يكون عبيدكم شركاءكم فى الأموال والتجارة كنفسه؟ فإن لم ترضوا ذلك لأنفسكم ، فكيف جعلتم لله شركاء؟ وقيل : لمّا جعل كفار مكة أصنامهم شركاء لله وأصرّوا على قولهم ، أنزل الله الآية فيها دحض دعواهم وبيان تهافتها.

٤ ـ وفى قوله تعالى : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ وَما آتَيْتُمْ

١٤٧

مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) (٣٩) : قيل : هذه الآية نزلت فى الهبة الثواب وما جرى مجراها مما يصنعه الإنسان ليجازى عليه ، فهو وإن كان لا إثم فيه فلا أجر عليه. وأصل الربا ربوان : ربا حلال ، وربا حرام ، والحلال هو ما كان هبة لوجه الله ، والحرام ما كان يلتمس له أجر أفضل منه. والآية فيمن يهب بطلب الزيادة من أموال الناس فى المكافأة.

٥ ـ وفى قوله تعالى : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) (٦٠) : قيل : من الذين لا يوقنون وكانوا يحاولون دائما أن يستخفوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويستفزّوه عن دينه : النضر بن الحارث ، وفيه نزلت الآية.

* * *

١٠٤٣ ـ فى أسباب نزول آيات سورة لقمان

١ ـ فى قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (٦) : قيل : نزلت فى النضر بن الحارث ، لأنه اشترى كتب الأعاجم : رستم واسفنديار ، فكان يجلس بمكة ، فإذا قالت قريش : إن محمدا قال كذا ، ضحك منه ، وحدّثهم بأحاديث ملوك فارس ، ويقول : حديثى أحسن من حديث محمد. وكان يشترى المغنيات ، فلا يظفر بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته ، فيقول : أطعميه واسقيه وغنّى له! ويقول : هذا خير مما يدعوك إليه محمد من صلاة وصيام ، وأن تقاتل بين يديه؟ فنزلت فيه وفيمن يستمع إليه ، هذه الآية.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١٥) : قيل : نزلت الآيتان فى شأن سعد بن أبى وقاص ، وكانت أمه حمنة بنت أبى سفيان بن أمية قد أقسمت ألا تأكل إلا إذا كفر. وقال لها سعد : يا أماه! لو كانت لك مائة نفس ، فخرجت نفسا نفسا ، ما تركت دينى هذا! فإن شئت فكلى ، وإن شئت فلا تأكلى! فلما رأت إصراره أكلت ، ونزلت الآية. وقيل : نزلت فى عيّاش بن أبى ربيعة ، أخى أبى جهل لأمه ، وقد فعلت أمه مثلما فعلت أم سعد مع سعد. وقيل : الآية عامة ونزلت فى جميع الأمة.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) (٢٠) : قيل : نزلت فى النضر بن الحارث ، وكان يقول : ان الملائكة بنات الله.

١٤٨

٤ ـ وفى قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٢٧) : قيل : إن سبب هذه الآية أن اليهود قالت : يا محمد ، كيف عنينا بهذا القول : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٨٥) : (الإسراء) ، ونحن قد أتينا التوراة فيها كلام الله وأحكامه ، وعندك أنها تبيان كل شىء! فقال لهم : «التوراة قليل من كثير» ، ونزلت هذه الآية بالمدينة.

٥ ـ وفى قوله تعالى : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (٢٨) : قيل : نزلت الآية فى أبىّ بن خلف ، وأبىّ الأسدين ، ومنبّه ونبيه ابني الحجاج بن السباق ، قالوا للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن الله تعالى خلقنا أطوارا : نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم عظاما. ثم تقول : إننا نبعث خلقا جديدا جميعا فى ساعة واحدة. فأنزل الله تعالى : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (٢٨) (لقمان).

٦ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (٣٤) : قيل : نزلت الآية فى رجل من أهل البادية ، اسمه الوارث بن عمرو بن حارثة ، أتى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : امرأتى حبلى ، فأخبرنى ما ذا تلد؟ وبلادنا جدبة ، فأخبرنى متى ينزل الغيث؟ وقد علمت متى ولدت ، فأخبرنى متى أموت؟ وقد علمت ما عملت اليوم ، فأخبرنى ما ذا أعمل غدا؟ وأخبرنى متى تقوم الساعة؟ فأنزل الله هذه الآية.

* * *

١٠٤٤ ـ فى أسباب نزول آيات سورة السجدة

١ ـ فى قوله تعالى : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (١٦) : قيل : عن أنس بن مالك قال : إن هذه الآية نزلت فى انتظار الصلاة التى تدعى العتمة. والمراد بالآية انتظار صلاة العشاء الآخرة ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يؤخرها إلى نحو ثلث الليل ، وكانوا فى الجاهلية ينامون أول الغروب ، ومن أى وقت شاء الإنسان ، فجاء انتظار وقت العشاء غريبا شاقا.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) (١٨) : قيل : نزلت الآية فى علىّ بن أبى طالب ، والوليد بن عقبة بن أبى معيط ، فقد تلاحيا فقال له الوليد : أنا أبسط منك لسانا ، وأحدّ سنانا ، وأردّ للكتيبة جسدا ، فقال له علىّ : اسكت فإنك فاسق! فنزلت الآية ، وعلى ذلك فالآية مدنية لأن الوليد كان بالمدينة ، قيل : الوليد ما كان يستطيع أن يلاحى عليا فى المدينة ، والغالب أن الذى لاحاه عقبة الأب ، وعقبة لم يذهب إلى المدينة وتوفى عقب بدر ، والآية على ذلك مكية.

١٤٩

٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٢٨) : قيل : إن المؤمنين كانوا يقولون للكافرين : سيحكم الله بيننا يوم القيامة ، فيثيب المحسن ويعاقب المسيء. فقال الكفار استهزاء : متى يوم الفتح؟! فنزلت الآية.

* * *

١٠٤٥ ـ فى أسباب نزول آيات سورة الأحزاب

١ ـ فى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) (١) : قيل : لما هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة وكان يحب إسلام اليهود : قريظة ، والنضير ، وبنى قينقاع ، فكان يلين لهم جانبه ، ويكرم صغيرهم وكبيرهم ، وإذا أتى منهم قبيح تجاوز عنه ، وكان يسمع منهم ، فنزلت الآية. وقيل : نزلت فى أبى سفيان بن حرب ، وعكرمة بن أبى جهل ، وأبى الأعور عمرو بن سفيان ، نزلوا المدينة وطلبوا من النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يرفض ذكر آلهتهم اللات والعزى ومناة ، وأن يقول إن لها شفاعة ومنعة لمن عبدها ، فإذا فعل تركوه وشأنه ، فشقّ على النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما قالوا ، وأمر أن يخرجوا من المدينة ، وبسبب ذلك نزلت الآية. وقيل : أن أهل مكة دعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يرجع عن دينه ويعطوه شطر أموالهم ، ويزوّجه شيبة بن ربيعة ابنتيه ، فنزلت الآية ، والآية الأخرى : (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (٣) (الأحزاب) ، أى كافيا لك ما تخافه منهم.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) (٤) : قيل : نزلت فى رجل من قريش كان يدعى «ذا القلبين» من دهائه. وقيل : نزلت فى جميل بن معمر الفهرى وكان حافظا ، فقالوا : ما يحفظ هذه الأشياء إلا وله قلبان. وقيل : نزلت فى رجل من بنى فهم ، قال : إن فى جوفى لقلبين أعقل بكل واحد منهما أعقل من عقل محمد! وقيل : إن محمدا له قلبان ، فربما يكون فى الشيء فينزع فى غيره. وقيل : نزلت الآية تمثيلا فى زيد بن حارثة لما تبنّاه النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٥) : قيل : نزلت فى زيد بن حارثة وكان يدعى زيد بن محمد لمّا تبنّاه النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو بعد صغير ، فنزلت الآية تحظر أن ينسب المتبنّى إلا لأبيه ، فإن لم يكن له أب معروف ينسب إلى ولائه ، فإن لم يكن له ولاء معروف أطلقوا عليه الأخ فلان ، ونادوه يا أخى ،

١٥٠

يعنى فى الدين ، لقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (١٠) (الحجرات) ، ولا يجرى هذا المجرى على من غلب عليه اسم التبنّي كالمقداد بن عمرو ، فلم يكن يعرف إلا باسمه المقداد بن الأسود ، وكان الأسود عبد يغوث قد تبنّاه فى الجاهلية وعرف به.

٤ ـ وفى قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً) (٦) : قيل : لمّا قال الله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ..) (الأحزاب) ، نزلت الآية (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ..) ليكتمل الكلام فى بيت النبوة كله بالتمام ، فالنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو أبو المؤمنين ، وزوجاته أمهاتهم : أمهات النساء والرجال لا فرق ، والنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو أبو النساء والرجال لا فرق.

٥ ـ وفى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) (٩) : قيل : كان ذلك فى وقعة الخندق سنة أربع ، وجرت وبنو قريظة فى يوم واحد ، ومضت بين بنى قريظة وبنى النضير أربع سنوات.

٦ ـ وفى قوله تعالى : (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) (١٠) : قيل : الذى جاء من أعلى من قبل المشرق : عوف بن مالك فى بنى نصر ، وعيينة بن حصن فى أهل نجد ، وطليحة بن خويلد الأسدي فى بنى أسد ، ومن بطن الوادى من قبل المغرب : أبو سفيان بن حرب على أهل مكة ، ويزيد بن جحش على قريش ، وأبو الأعور السلمى ومعه حيىّ بن أخطب اليهودى فى يهود بنى قريظة ، مع عامر بن الطفيل من الناحية المقابلة للخندق.

٧ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) (١٢) : قيل : إن طعمة بن أبيرق ، ومعتب بن قشير ، وجماعة نحو من سبعين رجلا ، قالوا يوم الخندق : كيف يعدنا كنوز كسرى وقيصر ولا يستطيع أحدنا أن يتبرّز؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وكان النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد وعد المؤمنين قصور الحيرة ومدائن كسرى ، وقصور الحمر من أرض الروم ، وقصور صنعاء ، فقال المنافقون : ألا تعجبون ، يحدّثكم ويمنّيكم ويعدكم الباطل ، ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى ، وأنها تفتح لكم ، وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تتبرّزوا ، فنزل القرآن : (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً)

١٥١

(١٢) : وقيل : نزلت هذه الآية فى معتب بن قشير الأنصارى وهو صاحب هذه المقالة. وقيل : إن أوس بن قيظى طلب الإذن أن يرجع قومه إلى نسائهم وأبنائهم بدعوى أن بيوتهم عورة وخارج المدينة ، فنزلت الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها).

٨ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً) (١٣) : قيل : إن الطائفة كانت اليهود ، قالوا لعبد الله بن أبىّ بن سلول وأصحابه من المنافقين : ما الذى يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبى سفيان وأصحابه؟! فارجعوا إلى المدينة فإننا مع القوم فأنتم آمنون.

٩ ـ وفى قوله تعالى : (.. وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً) (١٣) : قيل : هذه الآية نزلت فى قبيلتين من الأنصار : بنى حارثة ، وبنى سلمة ، همّوا أن يتركوا مراكزهم يوم الخندق ، وفيهم أنزل الله تعالى : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) (آل عمران ١٢٢) ، فلما نزلت هذه الآية قالوا : والله ما ساءنا ما كنا هممنا به ، إن الله وليّنا. وقيل : الذى استأذنه منهم رجلان من الأنصار من بنى حارثة ، أحدهما أبو عرابة بن أوس ، والآخر أوس بن قيظى ، وقيل : ورجع ثمانون رجلا بغير إذنه. وقيل الذى قال : (بُيُوتَنا عَوْرَةٌ ..) هو أوس بين قيظى نيابة عن ملأ من قومه.

١٠ ـ وفى قوله تعالى : (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً) (١٥) : قيل : هم بنو حارثة ، همّوا يوم أحد أن ينسحبوا مع بنى سلمة ، فلما نزل فيهم ما نزل ، عاهدوا الله ألا يعودوا لمثلها. وقيل : هم سبعون رجلا بايعوا النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة العقبة.

١١ ـ وفى قوله تعالى : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً) (١٨) : قيل : هم المنافقون أصحاب عبد الله بن أبىّ واليهود من بنى قريظة ، وكانوا يستخفّون بالنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقالوا : هو هالك ومن معه!

١٢ ـ وفى قوله تعالى : (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً) (٢٢) : قيل : لما رأى المسلمون الأحزاب يوم الخندق قالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله» فنزلت مقالتهم آية.

١٣ ـ وفى قوله تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (٢٣) : قيل : بعد بدر تمنى الكثيرون ممن لم يحضروها

١٥٢

لو كانوا يحضرون قتالا من أجل الإسلام ، فلما كان يوم أحد وانهزم من انهزم ، تجلّدت فئة حتى قتلوا ، ومنهم أنس بن النضر ، عم أنس بن مالك ، فلما انكشف المسلمون قال : اللهم إنى ابرأ إليك مما جاء به هؤلاء ـ يقصد المشركين ، وباشر القتال وقال : إيها إنها ريح الجنة! إنى لأجدها! ومضى حتى استشهد ، قال أنس : فما عرفناه إلا ببنانه ، ووجدنا فيه بضعا وثمانين جراحة ، وفيه وفى أمثاله نزلت : (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ ...) والآية عتاب فى حقّ من انهزم.

١٤ ـ وفى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (٢٨) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) (٢٩) : قيل : إن نساء النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم تظاهرن ، وجاء عمر بن الخطاب يتحرّى الأمر ، فقال له النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هن حولى كما ترى يسألننى النفقة» ، فقام أبو بكر إلى عائشة يحاسبها ، وقام عمر إلى حفصة ، وكلاهما يقول : تسألن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما ليس عنده؟! فقلن : والله لا نسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شيئا أبدا ليس عنده. ثم اعتزلهن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم شهرا أو تسعة وعشرين يوما ، ثم نزلت هذه الآية.

١٥ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (٣٥) : قيل : روى الترمذى عن أم عمارة الأنصارية : أنها أتت النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : ما أرى كل شىء إلا للرجال ، وما أرى النساء يذكرن بشيء ، فنزلت هذه الآية.

١٦ ـ وفى قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (٣٦) : قيل : سبب نزول الآية : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطب زينب بنت جحش ، وكان بنت عمته ، فظنت أن الخطبة لنفسه ، فلما تبين أنه يريدها لزيد بن حارثة ، كرهت وأبت وامتنعت ، فنزلت الآية. وقيل : الآية نزلت فى أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط ، وكانت قد وهبت نفسها للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فزوّجها من زيد بن حارثة ، فكرهت ذلك هى وأخوها ، وقالا : إنما أردنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فزوّجنا غيره ، فنزلت الآية بسبب ذلك.

١٧ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها

١٥٣

وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) (٣٧) : قيل : نزلت فى زينب بنت جحش وزيد بن حارثة ، فقد جاء زيد يشكو إلى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من زينب ، فقال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أمسك عليك أهلك» ، فنزلت : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ).

١٨ ـ وفى قوله تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (٤٠) : قيل : لمّا تزوّج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زينب بنت جحش قال الناس : تزوج امرأة ابنه ، فنزلت الآية.

١٩ ـ وفى قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (٤٣) : قيل : لمّا نزلت الآية (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) (الأحزاب ٥٦) ، قال أبو بكر : يا رسول الله ، ما أنزل الله عليك خبرا إلا أشركتا فيه؟ فنزلت الآية : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) (الأحزاب ٤٣).

٢٠ ـ وفى قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) (٤٧) : قيل : لمّا نزلت (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) (الفتح ٢) قال رجال من المؤمنين : هنيئا لك يا رسول الله! قد علمنا ما يفعل بك ، فما ذا يفعل بنا؟ فأنزل الله : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ) (الفتح ٥) ، وأنزل فى سورة الأحزاب : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) (٤٧) (الأحزاب). وقيل : لما نزلت : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) (الأحقاف ٩) نزل بعدها (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) (الفتح ٢) ، فقالوا : يا رسول الله قد علمنا ما يفعل بك ، فما يفعل بنا؟ فنزل : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) (٤٧) (الأحزاب). وهذا كلام ملفّق وغير صحيح ، لأن سورة الأحزاب سابقة على سورة الفتح ، على عكس ما يروى فى الرواية هنا.

٢١ ـ وفى قوله تعالى : (... وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ ...) (٥٠) : قيل : إن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطب أم هانئ بنت أبى طالب ، فاعتذرت إليه لكثرة عيالها ، ولأن حقّ الزوج عظيم فخشيت أن تضيعه ، فعذرها ، ثم أنزل الله تعالى الآية ، فلم تكن تحلّ له رغم قرابتهما ، لأنها لم تهاجر ، وكانت من الطلقاء. أى الذى أطلق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم سراحهم يوم فتح مكة بقوله : «اذهبوا فأنتم الطلقاء» ، والصحيح أنه لم يخطب أم هانئ إطلاقا ، لأنها كانت من سكان مكة طوال عمرها ، وكانت أكبر سنا لا تصلح أصلا للزواج ، ولو كانت تصلح للزواج لتزوجت منه أو من غيره ولكنها لم تفعل ولم يتقدم للزواج منها أحد.

٢٢ ـ وفى قوله تعالى : (... وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ

١٥٤

يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٥٠) : قيل : نزلت فى اللاتى وهبن أنفسهن له ، وقال المرجفون : كان عنده أربع منهن : ميمونة بنت الحارث ، وزينب بنت خزيمة ـ أم المساكين الأنصارية ، وأم شريك بنت جابر ، وخولة بنت حكيم. وقيل : بل واحدة فقط هى ميمونة ، وقيل بل زينب بنت خزيمة ، وقيل بل أم شريك ، وقيل بل أم حكيم. وقيل : الآية نزلت فى واهبة أباحتها له ولكنه لم يقبلها ، وهى أم شريك واسمها غزية أو غزيلة ؛ وقيل : هى ليلى بنت حكيم ، أو ميمونة بنت الحارثة ، ولم يثبت أنه تزوجها. والثابت أنه لم يكن عند النبىّ امرأة موهوبة قط!

٢٣ ـ وفى قوله تعالى : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً) (٥١) : قيل : كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد همّ بطلاق بعض نسائه فقلن له اقسم لنا ما شئت. فكان ممن أوى عائشة ، وحفصة ، وأم سلمة ، وزينب ، فكانت قسمتهن من نفسه وماله سواء بينهم ؛ وكان ممن أرجى : سودة ، وجويرية ، وأم حبيبة ، وميمونة ، وصفية ، فكان يقسم لهن ما شاء ، ونزلت الآية فى ذلك. ومسألة «همّ بطلاق بعض نسائه» كذب وبهتان ، ونساؤه فى الحقيقة أربع فقط لا غير ، هن : عائشة ، وحفصة ، وأم سلمة ، وزينب. وأما سودة فلم يكن يقربها ، وأما الباقيات فلم يتزوجهن كهيئة الزواج ، بل كانت لهن حكايات مختلفة ، وكل واحدة لها ظروفها ، وكان يأويهن إليه لظروفهن. وأما من كن يرجئهن فهؤلاء هن الواهبات ، ولم يحدث أن كانت فى بيته امرأة وهبت نفسها له. ومن اللاتى عزلهن مريم القبطية وكانت سريّة ، ومع ذلك فالآية بلا تحديد أسماء فيها توسعة على النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأنه كما قيل كانت القسمة بينهن واجبة عليه ، فلما كبر فى السن ما عاد يستطيع القسمة ، فأباح له ربّه تركها ، ونزلت الآية بذلك ، إلا أنه يقسم لهن من تلقاء نفسه بقدر وسعه. ولا يعنى المبيت عند إحداهن مسائل جنسية كما قد يتبادر إلى الذهن ، وإنما هى المعايشة والملاطفة والإحسان وتقوى الله.

٢٣ ـ وفى قوله تعالى : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) (٥٢) : قيل : خيّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أزواجه ، فاخترن الله ورسوله ، فأنزل الله : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ ..). وقيل : لما نزلت : (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً ..) (٥٣) ، حرّم عليه أن يتزوج غيرهن. غير أن هذا الرأى غير سليم ، لأن تحريم زواجه من أخريات فى الآية ٥٢ ، وتحريم

١٥٥

زواجهن بعده فى الآية ٥٣ ، يعنى أنه كان لاحقا وليس سابقا ، على عكس الرأى السالف.

٢٤ ـ وفى قوله تعالى : (وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ...) (٥٢) : قيل : نزلت الآية بسبب أسماء بنت عميس ، فقد أعجب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حسنها حين مات عنها زوجها جعفر بن أبى طالب ، فأراد أن يتزوجها ، فنزلت الآية ، والحديث ضعيف ومتهافت.

٢٥ ـ وفى قوله تعالى : (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ ..) (٥٢) : قيل : كان البدل فى الجاهلية بأن ينزل الرجل عن امرأته لآخر وينزل الآخر عن امرأته له ، فأنزل الله عزوجل الآية. وقيل : إن عيينة بن حصن الفزّارى دخل على النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلا استئذان وعنده عائشة ، فعاتبه النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال : يا عيينة فأين الاستئذان؟ فسأله عيينة : عمّن تكون التى جواره؟ وهل يقبل أن يبادلها معه بأخرى من أحسن الخلق؟ فقال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا عيينة ، إن الله قد حرّم ذلك» والحادثة برمتها مختلفة ، ومن أراجيف المرجفين والمنافقين والرافضة.

٢٦ ـ وفى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً) (٥٣) : قيل : الآية نزلت لتعليم المسلمين آداب الدعوة إلى الطعام والجلوس مع النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وسبب نزولها أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما تزوج زينب بنت جحش أولم عليها ، ودعا الناس ، فلما طعموا ولم يبارحوا ، ثقلوا على النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى أن انصرفوا أخيرا. فألقى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم سترا على زوجته ونزلت الآية. وقيل لذلك هذه الآية نزلت فى الثقلاء.

٢٧ ـ وفى قوله تعالى : (فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ...) (٥٣) : قيل : نزلت هذه الآية ـ آية الحجاب ـ لمّا تزوج النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم زينب بنت جحش ، أو لم ودعا الناس ، فلما طعموا ، جلس جماعة يتحدثون فى البيت ، وزوجته تجلس وقد ولّت وجهها إلى الحائط ، فثقلوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما ذهبوا ألقى الستر على باب حجرته ، ونزلت الآية. وقيل : سببها أن عمر قال للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا رسول الله ، إن نساءك يدخل عليهن البرّ والفاجر ، فلو أمرتهن أن يحتجبن؟ فنزلت الآية. وقيل : إن عمر بن الخطاب أمر نساء النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحجاب ، فقالت زينب بنت جحش : يا ابن الخطاب ، أنك تغار علينا ، والوحى ينزل فى بيوتنا؟! فأنزل الله تعالى : (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ...) (٥٣)

١٥٦

(الأحزاب). وقيل : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يطعم ومعه بعض أصحابه ، فأصابت يد رجل منهم يد عائشة ، فكره ذلك النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزلت آية الحجاب. وقيل : إن الذى حدث معه ذلك هو عمر بن الخطاب.

٢٨ ـ وفى قوله تعالى : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً) (٥٣) : قيل : نزلت فى رجل قال : لو قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تزوجت عائشة ، فأنزل الله الآية ، وكذلك الآية : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ..) (٦) (الأحزاب) ، أى أمهات المؤمنين فلا يجوز أن يتزوجوا منهن وهن أمهاتهم. وقيل : أن طلحة بن عبيد الله هو الذى قال ذلك وندم على ما قال وكفّر. وروى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أبلغ بما قال فتأذّى به. وهذا من الإسرائيليات ، ومن تشنيعات المنافقين والمرجفين الجهّال. ومن ذلك ما رووه فى سبب نزول الآية : أن رجلا من المنافقين قال حين تزوّج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أم سلمة بعد أبى سلمة ، وحفصة بعد خنيس بن حذافة : ما بال محمد يتزوج نساءنا كلما مات منا واحد؟ والله لو قد مات ، لأجلنا السهام على نسائه ؛ فنزلت الآية فى هذا.

٢٩ ـ فى قوله تعالى : (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) (٥٥) : قيل : لما نزلت آية الحجاب فى زوجات النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال الآباء والأبناء والأقارب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ونحن أيضا نكلمهن من وراء حجاب؟ فنزلت الآية.

٣٠ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) (٥٧) : قيل : قال ابن عباس : نزلت الآية فى المنافقين الذى طعنوا على النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين اتخذ صفية بنت حيىّ. وقيل : نزلت الآية فى عبد الله بن أبىّ وناس معه ، قذفوا عائشة فى حديث الإفك ، فخطب النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «من يعذرنى من رجل يؤذينى ويجمع فى بيته من يؤذينى؟» ، فنزلت الآية.

٣١ ـ وفى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (٥٨) : قيل : نزلت فى عمر بن الخطاب ، رأى جارية من الأنصار ، كره منها ما رأى من زينتها ، فضربها ، فخرج أهلها ، فآذوا عمر باللسان ، فأنزل الله هذه الآية وقوله تعالى : (بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) فيه أن عمر لم يضرب الجارية ، وما ضرب عمر ولا أبو بكر امرأة قطّ لأى سبب من الأسباب.

٣٢ ـ وفى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَ

١٥٧

مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٥٩) : قيل : كانت عادة العربيات التبذّل ، وكن يلبسن ويسلكن ما يجعلهن مطمع الطامعين ، فنزلت الآية تأمر زوجات النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبناته ونساء المؤمنين أن يرخين عليهن جلابيبهن إذا أردن الخروج لحاجة ، فكن بعد ذلك يعرفن فلا يؤذين.

٣٣ ـ وفى قوله تعالى : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً) (٦٠) : قيل : نزلت هذه الآية فى «المنافقين وأصحاب الفواحش والمرجفين». وهم شىء واحد عبّر عنهم بثلاثة ألفاظ ، «والذين فى قلوبهم مرض» ، يعنى الذين يضمرون الزنا ، و «المرجفون» هم المروّجون للأكاذيب والشائعات.

* * *

١٠٤٦ ـ فى أسباب نزول آيات سورة سبأ

١ ـ فى قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ ..) (٣) : قيل : نزلت هذه الآية لأن أبا سفيان كان يقول لكفّار مكة : واللات والعزى لا تأتينا الساعة أبدا ولا نبعث ، فأنزل الله إلى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ ..).

٢ ـ وفى قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) (١٥) : قيل : أتى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجل من غطيف من سبأ ، يقول : يا رسول الله ، إن سبأ قوم كان لهم فى الجاهلية عزّ ، وإنى أخشى أن يعادوا الإسلام ، أو أن يسلموا ثم يرتدوا. ألا أقاتل من أدبر من منهم بمن أقبل؟ فأذن لى فى قتالهم ، وأمرنى ، فلما خرج من عنده سأل عنه : «ما فعل الغطيفى؟» فأخبر أنه قد سار. فأرسل فى أثره فردّ ، وأتاه وهو فى نفر من أصحابه فقال : «ادع القوم فمن أسلم منهم فاقبل منه ، ومن لم يسلم فلا تعجل حتى أحدّث إليك». فأنزل فى سبأ ما أنزل.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ...) (٣١) : قيل : نزلت فى أبى جهل بن هشام فهو الذى قال ذلك. وقيل : إن أهل الكتاب قالوا للمشركين : أن صفة محمد فى كتابنا ، فسلوه ، فلما سألوه ، وافق على ما قال أهل الكتاب ، فقال المشركون : لن نؤمن بهذا الكتاب ولا بالذى أنزل قبله ، بل نكفر بالجميع.

٤ ـ وفى قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) (٣٤) : قيل : إن شريكين خرج أحدهما إلى الشام وبقى الآخر ، فلما بعث النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كتب إلى صاحبه يخبره بما كان ، فقال فيما كتب : لم يتبعه أحد من قريش إلا

١٥٨

أراذلة الناس ومساكينهم. ولما عاد الشريك توجه إلى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسأله : إلام تدعو؟ واستمع له ثم قال : أشهد أنك رسول الله ، فسأله : وما علّمك ذلك؟ قال : لم يبعث نبىّ إلا اتبعه أراذلة الناس ومساكينهم ، فنزلت الآية ، فأرسل اليه النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله قد أنزل تصديق ما قلت». وكذلك فى المذاهب الاجتماعية فإن علامة صدق المذهب أن يعتنقه البسطاء والضعفاء والمضطهدون كما فى حالة المذهب الاشتراكى.

* * *

١٠٤٧ ـ فى أسباب نزول آيات سورة فاطر

١ ـ فى قوله تعالى : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) (٨) : قيل : نزلت فى العاص بن وائل السهمى ، والأسود بن المطلب ، أو أنها نزلت فى أبى جهل بن هشام ، أو فيهم جميعا وفى كفار قريش واليهود والنصارى. وقيل : أنزلت هذه الآية حيث قال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم أعزّ دينك بعمر بن الخطاب أو بأبى جهل بن هشام» ، فهدى الله عمر وأضلّ أبا جهل ، فالذى زيّن له سوء عمله أبو جهل.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ) (٢٩) : قيل عن ابن عباس : إن حصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف القرشى ، نزلت فيه الآية ؛ والصحيح أن الآية عامة.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ) (٣٥) : قيل : إن رجلا سأل النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إن النوم مما يقرّ الله به أعيننا فى الدنيا ، فهل فى الجنة نوم؟ قال : «لا ، إن النوم شريك الموت ، وليس فى الجنة موت» ، قال : فما راحتهم؟ قال : «ليس فيها لغوب كل أمرهم راحة» ، فنزلت : (لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ) (٣٥).

٦١٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) (٤٢) (فاطر) : قيل : هؤلاء هم قريش ، أقسموا قبل أن يبعث الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا يكونوا مثل من كذّبوا رسلهم من مختلف الأقوام ، وأن يؤمنوا لو جاءهم نذير ، ليكونوا أهدى الأمم ، فلما جاءهم ما تمنوا نفروا ولم يؤمنوا.

* * *

١٠٤٨ ـ فى أسباب نزول آيات سورة يس

١ ـ فى قوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ) (٨) :

١٥٩

قيل : أن أبى جهل بن هشام ، كان قد حلف لئن رأى محمدا يصلى ليرضخن رأسه بحجر ، وحاول ذلك فما استطاع ، وكذلك حاول صاحبه الوليد بن المغيرة ، وآخر معهما ، فكأنما غلّت أيديهم ، فنزلت الآية. والإقماح : أن ترتفع الرأس كما الدابة إذا جذب لجامها ، ويقال أقمحه الغل إذا ترك رأسه مرفوعا من شدّة ضيقه. والآية مثل ضربه الله تعالى لهم فى امتناعهم من الهدى ، كامتناع المغلول. وربما هى مثل لما يفعل بالغافلين المعرضين غدا فى النار من وضع الأغلال فى أعناقهم والسلاسل : (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ) (٧١) (غافر).

٢ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) (١٢) : قيل : نزلت فى بنى سلمة من الأنصار حين أرادوا أن يتركوا ديارهم وينتقلوا إلى جوار مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن آثاركم تكتب» فلم ينتقلوا. والآثار هى الخطا من الديار إلى المسجد ، فكلما بعدت الديار زاد الثواب ، وأراد لهم النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم زيادة الثواب.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) (٧٧) : قيل : نزلت فى عبد الله بن أبىّ ، أو العاص بن وائل السهمى ، أو أبىّ بن خلف الجمحى ، وهو الذى تشير الآية إليه بكلمة (الْإِنْسانُ). قيل : إنه أتى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعظم حائل ـ يعنى متآكل ، فقال : يا محمد ، أترى أن الله يحيى هذا بعد ما رمّ؟ فقال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم ، ويبعثك الله ويدخلك النار» ، فنزلت الآية. وكذلك نزلت الآيتان بعدها (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (٧٩) (يس).

* * *

١٠٤٩ ـ فى أسباب نزول آيات سورة الصافات

١ ـ فى قوله تعالى : (إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ) (٤) : قيل : قال كفار مكة : أجعل محمد الآلهة إلها واحدا؟! وكيف يسع هذا الخلق فرد إله؟! فنزلت الآية تأكيدا لوحدانيته تعالى.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) (٦٤) : قيل : إن أبا جهل لما سمع فى القرآن أن فى الجحيم شجرة اسمها الزقوم ، قال جهلا منه : وكيف تقوم شجرة وسط النار؟ فأنزل الله الآية عقوبة له ولأصحابه ، لأن من خلق النار لا يستبعد أن يخلق شجرة من جنسها لا تقوى النار عليها ، وتلك هى شجرة الزقوم التى تزقم الأنوف والحلوق برائحتها الكريهة وطعمها المنتن.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ)

١٦٠