موسوعة القرآن العظيم - ج ٢

دكتور عبد المنعم الحفني

موسوعة القرآن العظيم - ج ٢

المؤلف:

دكتور عبد المنعم الحفني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة مدبولي
الطبعة: ١
ISBN: 977-208-422-2
الصفحات: ١٢٤٤
الجزء ١ الجزء ٢

اتبعوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المهاجرين والأنصار فى غزوة تبوك ، فلما عانوا العسرة فى الظّهر ، وفى الزاد ، والماء ، كادوا أن يضلوا لو لا أن تاب الله عليهم التوبة الأولى بأن تدارك قلوبهم حتى لم تزغ وعفا عنهم ، ثم كانت التوبة الثانية أن استنقذهم من شدة العسرة ونكاية العدو ، فكانت توبته عليهم ليتوبوا أن وفّقهم أولا للتوبة ليتوبوا ، ثم كانت التوبة الثانية ، فلم يعجّل عقابهم ليتوبوا ، فتاب عليهم ليثبتوا على التوبة ، ولو لا أنهم سبق لهم فى علمه أن قضى لهم بالتوبة ما تابوا. وكانت التوبة التى تابها الله على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذنه للمنافقين فى القعود.

* * *

١٠٢٢ ـ فى أسباب نزول آيات سورة يونس

١ ـ فى قوله تعالى : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ) (٢) : قيل : الآية نزلت لإزالة العجب من عقولهم والشك فى نفوسهم ، وكان عجبهم أن يكون الرسول بشرا منهم ، وأن يكون له حق إنذار الناس وتبشيرهم ، ولما استمعوا له كان القرآن وهو يتلوه كالسحر المبين فوصفوه لذلك بأنه ساحر مبين.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١١) : قيل : الذى استعجل العقوبة كان النضر بن الحارث ، قال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء! وقيل : نزلت الآية فى الرجل يدعو على نفسه أو ماله أو ولده إذا غضب ، فلو استجيب ذلك منه كما يستجاب للخير ، لقضى إليهم أجلهم. والآية نزلت ذامّة الخلق الذميم الذى يحمل الناس أحيانا على الدعاء فى الشرّ ، فلو عجّل لهم هلكوا.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٢) : قيل : نزلت فى أبى حذيفة بن المغيرة ، وكانت تصيبه البأساء والشّدة والجهد ، فكان هذا هو حاله منها. وقيل : وهذه صفة الكثيرين ، والآية تعم الكافر وغيره ، وكما زيّن لهم الدعاء عند البلاء ، والإعراض عند الرخاء ، كذلك زين للمشركين أعمالهم من الكفر والمعاصى.

* * *

١٠٢٣ ـ فى أسباب نزول آيات سورة هود

١ ـ فى قوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ

١٠١

يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٥) : قيل : نزلت فى الأخنس بن شريق ، وكان يجالس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويحلف أنه ليحبه ، ويضمر خلاف ما يظهر. وقيل : كان الأخنس رجلا حلو الكلام والمنطق ، يلقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما يحب ، وينطوى له بقلبه على ما يسوء. ومعنى «يثنون صدورهم» يطوونها على الكفر. قيل كان الأخنس إذا رأى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثنى صدره وظهره ، أو طأطأ رأسه ، وغطى وجهه ، لكيلا يراه فيدعوه إلى الإيمان. وقال المنافقون : إذا أغلقنا أبوابنا ، واستغشينا ثيابنا ، وثنينا صدورنا على عداوة محمد ، فمن يعلم بنا؟ فنزلت الآية.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٨) : قيل : لما نزلت : (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤) (هود) قال ناس : إن الساعة اقتربت ، فتناهى قوم قليلا ، ثم عادوا إلى مكرهم مكر السوء ، فأنزل الله الآية.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ ...) (١٢) : قيل : كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل أن تنزل الآية قد همّ أن يدع نقد آلهتهم ، ومعنى الآية : هل أنت تارك ما فيه نقد آلهتهم كما سألوك؟ وذلك أنهم قالوا له : لو أتيتنا بكتاب ليس فيه نقد آلهتنا لاتّبعناك ، فهمّ النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يدع نقد آلهتهم ، فنزلت ، وهذا غير صحيح.

٤ ـ وفى قوله : (... أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ) (١٢) : قيل : قال ذلك عبد الله بن أمية بن المغيرة المخزومى.

٥ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (١٢) : قيل : لما همّ أن يدع نقد آلهتهم ، نزلت الآية تقول : يا محمد (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ ..).

٦ ـ وفى قوله تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ) (١١٤) : قيل : نزلت فى رجل من الأنصار هو أبو اليسر بن عمرو ، وقيل اسمه عبّاد ، خلا بامرأة فقبّلها وتلذذ بها فيما دون الفرج. وقيل : جاء إلى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إنى عالجت امرأة فى أقصى المدينة ، وإنى أصبت منها دون أن أمسها ، فاقض فىّ ما شئت. فقال عمر : لقد سترك الله ، لو سترت على نفسك! فلم يردّ عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شيئا ، فانطلق الرجل ، فأتبعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلا فدعاه ، فتلا عليه الآية ، فسأل رجل من القوم : هذا له خاصة؟ قال : «لا ، بل للناس كافة». وقيل : سأله الرجل : إلىّ هذه يا رسول الله؟ فقال : «لك ولمن عمل بها من أمتى ..» وروى أن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعرض عنه ، وأقيمت صلاة العصر ، فلما فرغ منها نزلت الآية ، فقال له : «أشهدت

١٠٢

معنا الصلاة»؟ قال : نعم. قال : «أذهب فإنها كفّارة لما فعلت». أو قال : «قم فصلّ أربع ركعات».

* * *

١٠٢٤ ـ فى أسباب نزول آيات سورة يوسف

١ ـ قيل : إن أهل مكة سألوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قصة يوسف فنزلت السورة. وقال سعد بن أبى وقاص : إن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يتلو عليهم القرآن كلما نزل ، فقال له الناس : لو قصصت علينا؟ فنزل : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ...) (٣) (يوسف) ، وقالوا : لو حدثتنا؟ فأنزل الله تعالى (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) (٢٣) (الزمر). وقيل : نزلت سورة يوسف فى مكة ردّا على من سأل النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قالوا : أخبرنا عن رجل من الأنبياء كان بالشام ، وأخرج ابنه إلى مصر ، فبكى عليه حتى عمى؟ ولم يكن بمكة أحد من أهل الكتاب ، ولا يعرف خبر الأنبياء ، وإنما وجّه اليهود من المدينة هذا السؤال لأهل مكة يسألونه عن هذا ، فأنزل الله عزوجل سورة يوسف جملة واحدة فيها كل ما فى التوراة من خبر وزيادة.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٢) : قيل : «أنزلناه» المقصود خبر يوسف ؛ ويروى أن اليهود قالوا : سلوه لم انتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر ، وعن خبر يوسف؟ فأنزل الله هذا بمكة موافقا للتوراة.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (١٠٦) : قيل : نزلت الآية فى قوم أقرّوا بالله خالقهم وخالق الأشياء كلها ، ومع ذلك ظلوا يعبدون الأوثان : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٨٧) (الزخرف). وقيل : الآية فى أهل الكتاب الذين يؤمنون بالله ويكفرون بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقيل : نزلت الآية فى تلبية مشركى العرب : لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه ما ملك. وقيل : هم النصارى ، أو أنهم المشبّهة : آمنوا مجملا وأشركوا مفصّلا. وقيل : هم المنافقون يقولون آمنا باللسان وقلوبهم كافرة. وقيل : نزلت هذه الآية فى قصة الدخان ، وذلك أن أهل مكة لمّا غشيهم الدخان فى سنىّ القحط قالوا : (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) (١٢) (الدخان) فذلك إيمانهم ، وأما شركهم فهو عودتهم إلى الكفر بعد كشف العذاب ، وبيان ذلك قوله : (إِنَّكُمْ عائِدُونَ) (١٥) (الدخان) ، والعود يكون بعد ابتداء ، فيكون معنى : (إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (١٠٦) (يوسف) ، أى وهم عائدون إلى الشرك.

* * *

١٠٣

١٠٢٥ ـ فى أسباب نزول آيات سورة الرعد

١ ـ فى قوله تعالى : (المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) (١) : قيل : نزلت حين قال المشركون للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنك تأتى بالقرآن من تلقاء نفسك.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) (٦) : قيل : كانوا يستعجلونه العذاب الذى يتوعّدهم به ، وطلبوا العقوبة قبل العافية. ومن التاريخ فإنهم يعرفون أن أمما كثيرة نزلت بها العقوبات ، فهى مسألة جدّ إذن وليست هزلا. وقيل إن أرجى آية فى القرآن هى قوله تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) ، يعنى يغفر لهم إذا آمنوا وتابوا ، فإذا أصرّوا على الكفر فهو ذو عقاب.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) (١٣) : قيل : نزلت الآية فى يهودى قال للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أخبرنى من أى شىء ربّك؟ أمن لؤلؤ ، أو من ياقوت؟ فجاءت صاعقة فأحرقته. وقيل : نزلت فى بعض كفّار العرب. وكان رجل من طواغيتهم قد بعث إليه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم نفرا من أصحابه يدعونه إلى الله ورسوله والإسلام ، فقال لهم : أخبرونى عن ربّ محمد ، ما هو؟ وممّ هو مصنوع؟ أفمن فضة ، أم من حديد ، أم من نحاس؟ فاستعظم القوم مقالته ، فقال : أجيب محمدا إلى ربّ لا يعرفه؟! فبعث النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليه مرارا ، وهو يقول مثل هذا ، فبينما النفر ينازعونه ويدعونه ، إذ ارتفعت سحابة فكانت فوق رءوسهم ، فرعدت وأبرقت ورمت بصاعقة ، فأحرقت الكافر وهم جلوس ، فرجعوا إلى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاستقبلهم بعض أصحابه ، فقالوا : احترق صاحبكم. فقالوا : من أين علمتم؟ قالوا : أوحى الله إلى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن الله تعالى شديد المحال أى شديد الانتقام. وقيل : نزلت الآية فى أربد بن ربيعة ، أخى لبيد بن ربيعة ، وفى عامر بن الطفيل ، فقد أقبل عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة العامريان يريدان النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو فى المسجد جالس فى نفر من أصحابه ، فدخلا المسجد ، فاستشرف الناس لجمال عامر وكان أعور ومن أجمل الناس ، فقال واحد من أصحاب النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذا يا رسول الله عامر بن الطفيل ، قد أقبل نحوك. فقال : «دعه ، فإن يرد الله به خيرا يهده». فأقبل عامر حتى قام عليه ، فقال : يا محمد ، ما لى إن أسلمت؟ قال : «لك ما للمسلمين ، وعليك ما على المسلمين». قال أتجعل لى الأمر من بعدك؟ قال : «ليس ذاك إلىّ ، إنما ذلك إلى الله يجعله حيث

١٠٤

يشاء» ، قال : أفتجعلنى على الوبر وأنت على المدر؟ (والوبر البادية ، والمدر الحضر) قال : «لا». قال : فما تجعل لى؟ قال : «أجعل لك أعنّة الخيل تغزو عليها فى سبيل الله؟» قال : أو ليس لى أعنة الخيل اليوم؟ قم معى أكلمك. فقام معه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وكان عامر أومأ إلى أربد : إذا رأيتنى أكلمه فدر من خلفه واضربه بالسيف. فجعل يخاصم النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويراجعه ، فاخترط أربد من سيفه شبرا ، ثم حبسه الله فلم يقدر على سلّه ، ويبست يده على سيفه ، وأرسل الله عليه الصاعقة فأحرقته ، وولى عامر هاربا ، وقال : يا محمد ، دعوت ربّك على أربد حتى قتلته! والله لأملأنها عليك خيلا جردا ، وفتيانا مردا! فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يمنعك الله من ذلك وأبناء قيلة» ـ يقصد الأوس والخزرج.

٤ ـ وفى قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) (١٩) : قيل : نزلت الآية فى حمزة بن عبد المطلب ، وأبى جهل ويضرب بهذا الأخير المثل فى العمى.

٥ ـ وفى قوله تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) (٢٧) : قيل : قال ذلك أهل مكة ، سألوا النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هلّا أنزلت عليك معجزة من ربّك مثل معجزة موسى فى فلق البحر ، ومعجزة عيسى فى إحياء الموتى؟

٦ ـ وفى قوله تعالى : (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ) (٣٠) : قيل : نزلت هذه الآية فى صلح الحديبية حين أرادوا أن يكتبوا الصلح ، فقال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلىّ : «أكتب : بسم الله الرحمن الرحيم» ، فقال سهيل بن عمرو والمشركون : ما نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة ـ يعنون مسيلمة الكذّاب. قالوا : اكتب «باسمك اللهم» فهكذا كان أهل الجاهلية يبدءون كتاباتهم ، فنزلت الآية. وقيل : نزلت الآية فى كفّار قريش حين قال لهم النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اسجدوا للرحمن» ، قالوا : ما الرحمن؟ فنزلت الآية. وقيل : سمع أبو جهل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدعو فى الحجر ويقول : «يا الله يا رحمن» ، فقال : كان محمد ينهانا عن عبادة الآلهة وهو يدعو إلهين ـ الله والرحمن! فنزلت هذه الآية : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) (١١٠) (الإسراء).

٧ ـ وفى قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) (٣١) : قيل : الآية متصلة بما قبلها : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) (٢٧) ، وذلك أن نفرا من مشركى مكة فيهم أبو جهل ،

١٠٥

وعبد الله بن أمية المخزومى ، جلسوا خلف الكعبة ثم أرسلوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأتاهم ، فقال له عبد الله : إن سرّك أن نتبعك ، فسيّر لنا جبال مكة بالقرآن ، فأذهبها عنا حتى تنفسّح ، واجعل لنا فيها عيونا وأنهارا ، فلست كما زعمت ، بأهون على ربك من داود حين سخّر له الجبال تسير معه. وسخّر لنا الريح نركبها إلى الشام نقضى ميرتنا وحاجاتنا ثم نرجع من يومنا ، فقد كان سليمان سخّرت له الريح كما زعمت ، فلست أهون على ربّك من سليمان بن داود. وأحيى لنا قصيّا جدّك ، أو من شئت من موتانا لنسأله : أحقّ ما تقول أنت أم باطل؟ فإن عيسى كان يحيى الموتى ، ولست أهون على الله منه. فأنزل الله تعالى الآية.

٨ ـ وفى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ) (٣٦) : قيل : نزلت فى أمثال عبد الله بن سلام ، وكان من أهل الكتاب ، وكان يفرح بنزول القرآن. وقيل كان من أهل الكتاب من يفرح بنزول القرآن لأنه يصدّق كتبهم. والأحزاب هم المتحزبون على النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان فيهم من ينكر بعض ما فى القرآن.

٩ ـ وفى قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) (٣٨) : قيل : طالبوا النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يأتيهم بآية فنزلت : (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ ...) ، أى لم يكن له أن يأتى قومه بعمل خارق إلا إذا أذن له الله تعالى.

١٠ ـ وفى قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) (٣٨) : قيل : عاب اليهود على النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كثرة زواجه ، وقالوا : إن همّته فى النساء والنكاح ، ولو كان نبيا لشغله أمر النبوة عن النساء ، فأنزل الله هذه الآية.

١١ ـ وفى قوله تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) (٤٣) : قيل : نزلت فى عبد الله بن سلام ، وكان قد شهد على اليهود أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مذكور فى التوراة ، وأنه نبىّ من عند الله. وقال عبد الله بن سلام : نزلت فى آيات من كتاب الله. نزلت فى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (١٠) (الأحقاف) ، ونزلت فى : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) (٤٣) (الرعد).

* * *

١٠٦

١٠٢٦ ـ فى أسباب نزول آيات سورة إبراهيم

١ ـ فى قوله تعالى : (الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (١) : قيل : نزلت فيمن كفر بعيسى ، وهؤلاء هم الذين آمنوا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأما من آمنوا بعيسى فهم الذين كفروا بمحمد ، وإخراج من لم يؤمن من الظلمات يعنى إخراجه من الكفر ، والآية نزلت فى هؤلاء.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (١٥) : قيل : نزلت فى أبى جهل ، والاستفتاح هو الاستنصار ، وكان أبو جهل نموذجا للجبار العنيد ، والجبّار هو المتكبر ، والعنيد المصرّ على انحرافه وخروجه ، والرسل هم الذين استفتحوا بالله أى استنصروه ، وأبو جهل استفتح عناده وجبروته فخاب استفتاحه وقتل فى بدر الكبرى.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) (٢٧) : قيل : كان سبب نزول هذه الآية ما روى عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمّا وصف مساءلة منكر ونكير ، وما يكون من جواب الميت ، فقال عمر : يا رسول الله ، أيكون معى؟؟ قال : «نعم» ، قال عمر : كفيت إذن. فأنزل الله هذه الآية.

٤ ـ وفى قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) (٢٨) : قيل : الآية نزلت فى مشركى قريش حين بعث الله النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم منهم وفيهم فكفروا. وقيل : نزلت فى المشركين الذين قاتلوا النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم بدر. وقيل : هم قريش الذين نحروا يوم بدر. وقيل : نزلت فى الأفجرين من قريش : بنى مخزوم ، وبنى أمية ، فأما بنو أمية فمتّعوا إلى حين ، وأما بنو مخزوم فأهلكوا يوم بدر. وقيل : هم متنصرة العرب : جبلة بن الأيهم وأصحابه حين لطم ، فجعل له عمر القصاص بمثله فلم يرض ، وأنف فارتد متنصّرا ، ولحق بالروم فى جماعة من قومه. وقيل : الآية عامة فى جميع المشركين.

٥ ـ وفى قوله تعالى : (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٥٢) : قيل : نزلت هذه الآية فى أبى بكر الصدّيق ، وهو غير صحيح فلا مناسبة للآية مع أبى بكر ولكنها عامة للناس كافة.

* * *

١٠٢٧ ـ فى أسباب نزول آيات سورة الحجر

١ ـ فى قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) (٢٤) : قيل : نزلت فيمن يخرجون للجهاد فى سبيل الله ، ومن يتقاعسون. وقيل وهو قول سقيم : إن امرأة جميلة كانت تصلى خلف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكان بعضهم يتقدم حين يكون الصف

١٠٧

الأول لئلا يراها ، وبعضهم يتأخر حتى يكون فى الصف المؤخر فيراها ، وإذا ركع ينظر من تحت إبطيه ، وهذا الكلام من الإسرائيليات ، فليس هكذا خلق المسلمين ، وما ربّاهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ذلك ، ثم إن النساء كن يصلين فى مؤخرة المسجد وليس خلف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم! فاتقوا الله!

٢ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) (٤٥) : قيل : إن سلمان الفارسى لمّا سمع الآية : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ) (٤٣) (الرعد) ، اختفى ثلاثة أيام من شدة الخوف ، فجىء به للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسأله ، فقال : يا رسول الله ، أنزلت هذه الآية : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ) ، فو الذى بعثك بالحق لقد قطعت قلبى! فأنزل الله : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) (٤٥).

٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) (٤٧) :

قيل : نزلت فى أبى بكر وعمر وعلىّ والصحابة. قيل : وأىّ غل؟ قيل : غل الجاهلية. إن بنى تميم وبنى عدى وبنى هاشم كانت بينهم فى الجاهلية عداوة ، فلمّا أسلم هؤلاء تحابوا.

٤ ـ وفى قوله تعالى : (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٤٩) : قيل : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج إلى الصحابة وهم يضحكون ، فقال : «أتضحكون وبين أيديكم الجنة والنار؟» فشقّ ذلك عليهم ، فنزلت الآية. وعن ابن عمر : أن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم اطّلع عليهم من الباب الذى يدخل منه بنو شيبة وهم يضحكون ، فقال : «ما لكم تضحكون؟» ثم أدبر ، حتى إذا كان عند الحجر رجع القهقرى فقال لهم : إنى لما خرجت جاءنى جبريل فقال : يا محمد ، لم تغبط عبادى من رحمتى : (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) (٥٠).

٥ ـ وفى قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧) لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) (٨٨) : قيل : إن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وافى سبع قوافل ليهود قريظة والنضير فى يوم واحد ، فيها البرّ والطيب والجوهر وأمتعة البحر ، فقال المسلمون : لو كانت هذه الأموال لنا لتقوّينا بها وأنفقناها فى سبيل الله ، فأنزل الله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) فهى خير لكم من القوافل السبع ، فلا تمدّن أعينكم إليها ؛ و (أَزْواجاً مِنْهُمْ) : أى أمثالا فى النّعم ، أى الأغنياء بعضهم أمثال بعض فى الغنى فهم أزواج. وقيل : إن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ضاف ضيفا ، ولم يكن عنده شىء يصلحه ، فأرسل إلى رجل من اليهود ليسلفه دقيقا إلى هلال رجب ، فاشترط اليهودى الرهن ، فقال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أما والله إنى لأمين فى السماء ، وأمين فى الأرض ، ولئن أسلفنى

١٠٨

أو باعنى لأؤدين إليه» ، فنزلت هذه الآية : (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) (٨٨) ، كأنه يعزّيه عن الدنيا. والحديث به ضعف ، فلما ذا يقترض من يهودى دون المسلمين ، ثم إن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يتعامل بالربا ، والمسألة لا تحتاج لأنه مجرد ضيف!

٦ ـ وفى قوله تعالى : (كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ) (٩٠) : قيل : نزلت فى العاص بن وائل ، وعتبة ، وشيبة ابني ربيعة ، وأبى جهل بن هشام ، وابن البخترى بن هشام ، والنضر بن الحارث ، وأمية بن خلف ، ومنبّه بن الحجاج ، فهؤلاء التسعة هم المقتسمون : اقتسموا القرآن ، ففرّقوه ، وبدّدوه ، وحرّفوه.

* * *

١٠٢٨ ـ فى أسباب نزول آيات سورة النحل

١ ـ فى قوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (١) : قيل : كان كفّار قريش يستعجلون العذاب استهزاء ، حتى قال النضر بن الحارث : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٣٢) (الأنفال) ، فاستعجل العذاب. وقيل : لما نزلت : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) (١) (القمر) ، قال الكفار : «إن هذا ـ أى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يزعم أن القيامة قد قربت ، فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون» ، فأمسكوا وانتظروا قرب الساعة ، فامتدت الأيام ، فقالوا : ما نرى شيئا ، فنزلت : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) (١) (الأنبياء) ، فأشفقوا وانتظروا ، فامتدت الأيام ، فقالوا : ما نرى شيئا ، فنزلت : (أَتى أَمْرُ اللهِ) ، فخاف المسلمون ، فنزلت : (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) ، فاطمأنوا ، وقال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بعثت أنا والساعة كهاتين» وأشار بإصبعيه ، السبابة والتى تليها. يقول : «إن كادت لتسبقنى فسبقتها». ونلاحظ أن هناك أخطاء فى الترتيب الذى قالوا به للآيات عن الساعة ، لأنه لا يصح أن تأتى آية سورة الأنبياء قبل آية سورة النحل ، لأن سورة النحل نزلت قبل سورة الأنبياء!.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) (٢) : قيل : نزلت ردّا على قولهم : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (٣١) (الزخرف).

٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٢٤) : قيل : القائل النضر بن الحارث ، ونزلت فيه الآية ، وكان قد اشترى من الحيرة كتبا ، كان يقرأ منها على قريش ويقول : ما يقرأ محمد على أصحابه إلّا كتبا كهذه فيها أساطير الأولين.

٤ ـ وفى قوله تعالى : (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ

١٠٩

السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) (٢٦) : قيل : نزلت فى النمرود وقومه فى قصة إبراهيم فى سورة إبراهيم ، أرادوا صعود السماء فبنوا الصّرح ليصعدوا منه ، فخرّ. وقيل : نزلت فى بختنصر وأصحابه. وقيل : المراد «المقتسمون» الذى ذكرهم الله فى سورة الحجر.

٥ ـ وفى قوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٣٨) : قيل : كان لرجل من المسلمين على مشرك دين ، فتقاضاه ، فقال فيما قال : والذى أرجوه بعد الموت أنه كذا وكذا ، فأقسم المشرك بالله لا يبعث الله من يموت ، فنزلت الآية.

٦ ـ وفى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٤١) : قيل : نزلت فى صهيب ، وبلال ، وخبّاب ، وعمّار ، عذّبهم أهل مكة ليقروا بما أرادوه منهم أن يقرّوا به ، فلما فعلوا خلّوهم فهاجروا إلى المدينة. وقيل : نزلت فى أبى جندل بن سهيل. والمراد بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ) هم أصحاب النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذين ظلمهم المشركون بمكة وأخرجوهم فهاجروا إلى الحبشة ، ثم قدموا إلى المدينة من بعد. والآية تعمّ الجميع.

٧ ـ وفى قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٤٣) : قيل : نزلت فى مشركى مكة حيث أنكروا نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا ، فهلا بعث إلينا ملكا ، فردّ الله عليهم.

٨ ـ وفى قوله تعالى : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٧٦) : قيل : كان الأبكم عبدا عند عثمان بن عفان ، والذى يأمر بالعدل هو عثمان ، وكان يعرض على الأبكم الإسلام فيأبى. وقيل : المثل أيضا لأبى بكر ومولى له كافر. وقيل : الأبكم هو أبو جهل ، والذى يأمر بالعدل عمّار بن ياسر العنسى ، وكان أبو جهل يعذّبه على الإسلام ويعذب أمه سمية ، وكانت مولاة لأبى جهل. وقيل : الأبكم هو أبىّ بن خلف ، وكان لا ينطق بخير ، وهو كلّ على مولاه ، أى على قومه ، لأنه كان يؤذيهم ويؤذى عثمان بن مظعون. وقيل : نزلت فى هشام بن عمرو بن الحارث ، وكان كافرا قليل الخير يعادى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقيل : إن الأبكم الكافر ، والذى يأمر بالعدل المؤمن ، لأن الآية تعمّ.

٩ ـ وفى قوله تعالى : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) (٨٣) : قيل : إن أعرابيا أتى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسأله ، فقرأ النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً

١١٠

(٨٠)) (النحل) ، فقال الأعرابى : نعم ، ثم قرأ عليه : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) (٨٠) (النحل) ، قال : نعم. ثم قرأ عليه كل ذلك وهو يقول نعم. حتى بلغ : (كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) (٨١) (النحل) ، فولّى الأعرابى ، فأنزل الله (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) (٨٣) (النحل).

١٠ ـ وفى قوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) (٩١) : قيل : نزلت فى التزام الحلف الذى كان فى الجاهلية ، وجاء الإسلام بالوفاء به ، وفى ذلك قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا حلف فى الإسلام ، وأيّما حلف كان فى الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة» أخرجه مسلم. وقيل : نزلت هذه الآية فى بيعة النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

١١ ـ وفى قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (٩٢) : قيل : شبّهت هذه الآية الذى يحلف ويعاهد ويبرم عهده ثم ينقضه ، بالمرأة تغزل غزلها وتفتله محكما ثم تحلّه ، ويروى أن امرأة حمقاء كانت بمكة تسمى ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرّة ، كانت تفعل ذلك ، فبها وقع التشبيه. وقيل : ذلك مثل لم يضرب على امرأة معينة.

١٢ ـ وفى قوله تعالى : (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٩٥) : قيل : نزلت فى امرئ القيس بن عابس الكندى وخصمه ابن أسوع ، اختصما فى أرض فأراد امرؤ القيس أن يحلف ، فلما نزلت هذه الآية فيه رجع وأقرّ بحق الرجل عليه.

١٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (١٠٣) : قيل : إن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كثيرا ما كان يجلس إلى غلام نصرانى يقال له جبر ، عبد بنى الحضرمى ، وكان يقرأ الكتب ويعلّمه. وقيل اسمه يعيش. وقيل : كان غلاما لبنى عامر بن لؤى. وقيل : علّمه اثنان أحدهما اسمه نبت ، والآخر أبو فكيهة. وقيل : علّمه نصرانى اسمه بلعام. وقيل : علّمه أبو ميسرة. وقيل : هو عدّاس غلام عتبة بن ربيعة. وقيل : اسمه عابس غلام حويطب بن عبد العزّى. والسؤال هو : علّمه ما ذا؟ والقرآن موسوعة لا أول لها ولا آخر ، ويباين بشدّة كتب الأولين ، سواء فى موضوعاته ، أو أحكامه ، أو قصصه ، أو أسلوبه. فعلّمه ما ذا؟

١١١

١٤ ـ وفى قوله تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١٠٦) : قيل : نزلت فى عبد الله بن سعد بن أبى سرح ، ومقيس بن صبابة ، وعبد الله بن خطل ، وقيس بن الوليد بن المغيرة ، أكرهوا على أن يكفروا بعد إيمانهم. وقيل : نزلت فى عمّار بن ياسر ، أخذه المشركون وعذّبوه ليكفر ، فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها ، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال له : «كيف تجد قلبك»؟ قال : مطمئن بالإيمان. قال : «فإن عادوا فعدّ». وقيل : إن ناسا من أهل مكة آمنوا ، فكتب إليهم بعض أصحاب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة : أن هاجروا إلينا ، فإنّا لا نراكم منا حتى تهاجروا إلينا ، فخرجوا يريدون المدينة حتى أدركتهم قريش بالطريق ففتنوهم ، فكفروا مكرهين ، ففيهم نزلت الآية.

١٥ ـ وفى قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (١١٠) : قيل : نزلت فى عبد الله بن أبى سرح ، وكان قد ارتدّ ولحق بالمشركين ، ثم إنه يوم فتح مكة استجار بعثمان فأجاره النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

١٦ ـ وفى قوله تعالى : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) (١١٢) : قيل : نزلت فى مضر ، كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد دعا عليهم وقال : «اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنيّ يوسف» ، لأنهم كفروا بما أوتوا وجحدوا ، فابتلوا بالقحط بكفرهم.

١٧ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (١٢٦) : قيل : الآية مدنية مع أن السورة مكية ، ونزلت فى شأن التمثيل بحمزة فى يوم أحد ؛ وقيل الآية عامة ومكية ومعناها متناسق مع المعانى قبلها وبعدها. وقيل : بعد دفن قتلى أحد نزلت الآيات ابتداء من الآية : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ ...) (١٢٥) ، وانتهاء بالآية : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ ...) (١٢٨). وقيل : إن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمّا قتل حمزة وقف عليه وقال : «لأمثلن بسبعين منهم مكانك» ، فنزل جبريل وقرأ عليه : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ...) إلى آخر السورة ، فكفّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأمسك عمّا أراد. وقيل : لمّا كان يوم أحد ، أصيب من الأنصار أربعة وستون ، ومن المهاجرين ستة ، منهم حمزة ، فمثّلوا بهم ، فقالت الأنصار : لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربينّ عليهم. فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ ...) الآية. وقيل : لمّا انصرف المشركون عن قتلى أحد ، انصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرأى

١١٢

منظرا ساءه : رأى حمزة قد شقّ بطنه واصطلم (يعنى قطع) أنفه ، وجدعت أذناه (يعنى قطعتا) ، فقال : «لو لا أن يحزن النساء أو تكون سنة بعدى لتركته حتى يبعثه الله من بطون السباع والطير. لأمثلنّ مكانه بسبعين رجلا» ، ثم عاد ببردة وغطى بها وجهه فخرجت رجلاه ، فغطى وجهه وجعل على رجليه من الإذخر (نبات طيب الرائحة) ، ثم قدّمه فكبّر عليه عشرا ، ثم جعل يجاء بالموتى الواحد تلو الآخر فيوضع ، وحمزة مكانه ، حتى صلى عليه سبعين صلاة ، وكان القتلى سبعين ، فلما دفنوا وفرغ منهم ، نزلت هذه الآية : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (١٢٥) (النحل) ، إلى قوله : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) (١٢٧) (النحل) ، فصبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يمثّل بأحد. وقيل : إنما نزلت هذه الآية فيمن أصيب بظلامة ، ألّا ينال من ظالمه ، إذا تمكّن ، إلا مثل ظلامته لا يتعداه إلى غيره.

* * *

١٠٢٩ ـ فى أسباب نزول آيات سورة الإسراء

١ ـ فى قوله تعالى : (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً) (١١) : قيل : نزلت فى النضر بن الحارث وكان يدعو ويقول : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٣٢) (الأنفال) ، والمعنى عام : وهو أن ندعو فى طلب المحظور كدعوتنا فى طلب المباح.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١٥) : قيل : نزلت فى الوليد ابن المغيرة ، قال لأهل مكة : اتبعونى واكفروا بمحمد ، وعلىّ أوزاركم ، فنزلت هذه الآية ـ أى أن الوليد لا يحمل آثامكم وإنما إثم كل واحد عليه.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) (٢٤) : قيل : نزلت الآية فى سعد بن أبى وقّاص ، فإنه أسلم فهددت أمه بإلقاء نفسها فى الرمضاء متجرّده ، فذكر ذلك لسعد ، فقال : لتمت! فنزلت الآية خاصة فى الدعاء للأبوين.

٤ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) (٢٨) : قيل : نزلت الآية فى قوم كانوا يسألون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيأبى أن يعطيهم ، لأنه كان يعلم منهم نفقة المال فى الفساد ، فكان يعرض عنهم رغبة فى الأجر فى

١١٣

منعهم لئلا يعينهم على فسادهم. وقيل : جاء ناس من مزينة إلى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يستحملونه ، فقال «لا أجد ما أحملكم عليه» ، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ، فأنزل الله الآية.

٥ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً) (٤٥) : قيل : نزلت فى قوم كانوا يؤذون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا قرأ القرآن ، وهم : أبو جهل ، وأبو سفيان ، والنضر بن الحارث ، وأم جميل امرأة أبى لهب ، وحويطب ، فحجب الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أبصارهم كلما همّ يقرأ القرآن ، وكانوا يمرون به ولا يرونه. ولما جاءته أم جميل فى المسجد بسبب سورة (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) فيها وفى زوجها لم تره كما كان يخشى أبو بكر. وقيل : لما نزلت سورة (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفى يدها حجر وهى تقول :

مذمّما عصينا ... وأمره أبينا ... ودينه قلينا

والنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاعد فى المسجد ومعه أبو بكر ، فلما رآها أبو بكر قال : يا رسول الله ، لقد أقبلت وأنا أخاف أن تراك! قال : «إنها لن ترانى» ، وقرأ القرآن يعتصم به ، يقول : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً) (٤٥) (الإسراء) ، فكانت تقفت على أبى بكر ولا ترى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقيل : لمّا نزلت (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) جاءت امرأة أبى لهب إلى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعه أبو بكر ، فقال أبو بكر : لو تنحيت عنها لئلا تسمعك ما يؤذيك فإنها امرأة بذية ، فقال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنه سيحال بينى وبينها» ، فلم تره.

٦ ـ وفى قوله تعالى : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) (٤٧) : قيل : نزلت حين دعا عتبة أشراف قريش إلى طعام صنعه لهم ، فدخل عليهم النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقرأ عليهم القرآن ، ودعاهم إلى الله ، فتناجوا يقولون : ساحر! ومجنون!.

وقيل : أمر النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليا أن يتخذ طعاما ويدعو إليه أشراف قريش من المشركين ، ففعل علىّ ذلك ، ودخل عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودعاهم إلى التوحيد ، وقال : «قولوا لا إله إلا الله لتطيعكم عليها العرب وتدين لكم العجم» فأبوا ، وكانوا يستمعون ويتناجون : هو ساحر! وهو مسحور! فنزلت الآية.

٧ ـ وفى قوله تعالى : (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً) (٥٣) : قيل : نزلت فى عمر بن الخطاب ، شتمه عربى ، وسبّه عمر وهمّ بقتله ، فكادت تقع فتنة ، فأنزل الله الآية. وقيل : نزلت لمّا قال المسلمون

١١٤

لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ائذن لنا فى قتالهم فقد طال إيذاؤهم إيانا. فقال : «لم أومر بعد بالقتال» ، فأنزل الله الآية.

٨ ـ وفى قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً) (٥٦) : قيل : لمّا ابتليت قريش بالقحط وشكوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنزل الله هذه الآية ـ أى ادعوا الذين تعبدون من دون الله وزعمتم أنهم آلهة ، فإنهم لا يملكون كشف الضرّ عنكم ، ولا تغيير ما أنتم فيه من حال إلى حال.

٩ ـ وفى قوله تعالى : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) (٥٩) : قيل : إن أهل مكة سألوا النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا ، وأن ينحّى عنهم الجبال ليزرعوا. فإن كفروا بعد ذلك أهلكوا ، فنزلت الآية. والمعنى : وما منعنا من إرسال الآيات إلا تكذيب الأولين ، فقد آتى ثمود الناقة ، آية واضحة دالة على صدق صالح ، وعلى قدرة الله ، فكذّبوا مع ذلك ، فالآيات ليست ضرورية للإيمان ، وإنما طريق الدعوة هو العقل والحوار.

١٠ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) (٦٠) : قيل : الرؤيا فى هذه الآية هى رؤيا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه يدخل مكة فى سنة الحديبية ، فردّ فافتتن المسلمون لذلك ، فنزلت الآية. فلما كان العام المقبل دخلها وانزل الله : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) (٢٧) (الفتح). وقيل : هذه الرؤيا هى أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يرى بنى أمية ينزون على منبره نزوة القردة ، فاغتم لذلك ، وما استجمع ضاحكا من يومئذ حتى مات ، فنزلت الآية. والرواية متهافتة. وقيل : لما روى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم رؤياه وأنه ذهب إلى بيت المقدس وعاد فى نفس الليلة ارتد كثير ممن كان قد أسلم ، فأنزل الله فيمن ارتد عن الإسلام الآية : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ). وقيل : إنه لمّا أسرى به أصبح يحدث نفرا من قريش يستهزءون به ، فطلبوا منه آية ، فوصف لهم بيت المقدس ، وذكر لهم قصة العير ، فقال الوليد بن المغيرة : هذا ساحر! فأنزل الله (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ). وأما قوله : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) الآية ، قيل لمّا ذكر الله الزقوم خوّف به هذا الحىّ من قريش فقال أبو جهل : هل تدرون ما هذا الزقوم الذى يخوفكم به محمد؟ قالوا : لا ، قال : الثريد بالزبد! أما لئن أمكننا منها لنزقمنها زقما ، فأنزل الله (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) (٦٠)

١١٥

(الإسراء) ، وأنزل : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (٤٥) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) (٤٦) (الدخان).

١١ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) (٧٣) : قيل : كان النبىّ يستلم الحجر الأسود فى طوافه ، فمنعته قريش ، وقالوا : لا ندعك تستلم حتى تلم بآلهتنا ، فحدّث نفسه وقال : «وما علىّ أن ألمّ بها بعد أن يدعونى استلم الحجر ، والله يعلم إنى لها كاره». فأبى الله تعالى وأنزل عليه هذه الآية. والرواية متهافتة كما ترى. وقيل : نزلت فى وفد ثقيف ، أتوا النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسألوه شططا ، وقالوا : متّعنا بآلهتنا سنة حتى نأخذ ما يهدى لها ، فإذا أخذناه كسرناها وأسلمنا. وحرّم وادينا كما حرّمت مكة لتعرف العرب فضلنا! فهمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن يعطيهم ذلك. فنزلت الآية. والرواية متهافتة أيضا. وقيل : إن قريشا خلوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات ليلة إلى الصبح يكلمونه ويفخّمونه ، ويسوّدونه ، ويقاربونه ، وطلبوا إليه أن يطرد عنهم السقّاط والموالى حتى يجلسوا معه ويسمعوا منه ، فهمّ بذلك حتى نهى عنه ، والرواية متهافتة.

١٢ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً) (٧٦) : قيل : إن اليهود أتوا النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : إن كنت نبيا فالحق بالشام ، فإن الشام أرض المحشر وأرض الأنبياء ، قيل : فصدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما قالوا (!!) ، فغزا غزوة تبوك يريد الشام ، فلما بلغ تبوك أنزل الله آيات من سورة الأسراء (سورة بنى إسرائيل) بعد ما ختمت السورة بالآية : (إِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها) ، وأمره الله تعالى بالرجوع إلى المدينة ، وأسرّ إليه أن يقول كقوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) (٨٠) (الإسراء) ، فهذه الآيات نزلت فى رجعته من تبوك. والرواية كلها مرسلة وضعيفة!

١٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) (٨٠) : قيل : الآية بمناسبة خروجه من مكة بالهجرة ودخولها يوم الفتح آمنا. قيل : كان النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة ثم أمره بالهجرة فنزلت الآية والصحيح أن الآية عامة.

١٤ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً) (٨٣) : قيل : نزلت فى الوليد بن المغيرة ، والآية عامة.

١٥ ـ وفى قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٨٥) : قيل : بينما كان النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يجلس وهو متكئ ، مرّت جماعة من

١١٦

قريش ، فقالوا لبعضهم البعض : اسألوه عن الروح؟ فسألوه : فأمسك النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لبعض الوقت ولم يردّ عليهم ، فنزل عليه الوحى فقال : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ..) الآية. وقيل : الآية لذلك مدنية وهو هراء ، لأن قريشا يمكن أن تسأل أيضا عن الروح. وقيل : لما سمع اليهود الآية قالوا : كيف لم نؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتينا التوراة وهى الحكمة ، ومن يؤتى الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا؟ هل عنيتنا أم قومك؟ فقال : «كلا» ، وفى هذا المعنى نزلت : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٢٧) (لقمان). وقيل : إن السائلين عن الروح كانت قريش ، قالت لهم اليهود : سلوه عن أصحاب الكهف ، وعن ذى القرنين ، وعن الروح ، فإن أخبركم عن اثنين وأمسك عن واحدة فهو نبىّ ، فأخبرهم خبر أصحاب الكهف ، وخبر ذى القرنين ، وقال فى الروح (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) ، أى من الأمر الذى لا يعلمه إلا الله.

١٦ ـ وفى قوله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (٨٨) : قيل : أتى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم سلام بن مشكم فى عامة من يهود فقالوا له : كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا؟ وهذا الذى جئت به لا نراه متناسقا مع كتابنا التوراة ، فأنزل علينا كتابا نعرفه ، وإلا جئناك بمثل ما تأتى به ، فأنزل الله (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ ..) الآية.

١٧ ـ وفى قوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) (٩٠) : قيل : نزلت فى رؤساء قريش ، مثل : عتبة وشيبة ابني ربيعة ، وسفيان بن حرب ، والنضر بن الحارث ، وأبى جهل ، وعبد الله بن أبى أمية ، وأمية بن خلف ، وأبى البخترى ، والوليد بن المغيرة وغيرهم ، اجتمعوا بالنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقالوا : لن نؤمن لك حتى تسأل ربّك أن يسيّر عنا هذه الجبال التى قد ضيّقت علينا ، ويبسط لنا بلادنا ، وليخرق لنا فيها أنهارا كأنهار الشام ، وليبعث لنا من مضى من آبائنا ، وليكن فيمن يبعث قصىّ بن كلاب ، فإنه كان شيخ صدق ، فنسألهم عما تقول أحقّ هو أم باطل؟ وسله أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك ، واسأله فليجعل لك جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يغنيك بها عمّا نراك تبتغى ، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش ، كما نلتمسه ، حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربّك إن كنت رسولا كما تزعم؟ فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أنا بفاعل ، وما أنا بالذى يسأل ربّه هذا ، وما بعثت بهذا إليكم ، ولكن الله بعثنى بشيرا ونذيرا ، فإن تقبلوا منى ما جئتكم به فهو حظكم فى الدنيا والآخرة ، وإن تردّوه علىّ ، أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بينى وبينكم». قالوا : فأسقط علينا كسفا كما زعمت أن ربّك إن شاء فعل ، فإنا لن نؤمن لك

١١٧

إلا أن تفعل؟ قال : «ذلك إلى الله عزوجل ، إن شاء يفعله بكم فعل». قالوا : لن نؤمن بك أبدا حتى تتخذ إلى السماء سلّما ، ثم ترقى فيه وإنّا ننظر حتى تأتيها ، ثم تأتى معك بصك معه أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول؟ وانصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أهله حزينا آسفا لما فاته مما كان يطمع به من قومه حين دعوه ، ومما كان يطمع به من مساعدتهم إياه ، فأنزل الله تعالى الآية.

١٨ ـ وفى قوله تعالى : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) (٩٦) : قيل : إن كفّار قريش حين سمعوا قوله : (هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) (٩٣) (الإسراء) ، قالوا : فمن يشهد لك أنك رسول الله؟ فنزلت الآية.

١٩ ـ وفى قوله تعالى : (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) (١٠٧) : قيل : نزلت فى أصحاب العلم من كافة الأمم ، كانوا يسمعون للقرآن فيعرفون أنه من عند الله ، فيسجدون مسبّحين إكبارا وخشوعا لكلامه تعالى. وقوله «من قبله» أى من قبل نزول القرآن وبعثة النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقيل : المقصود بالآية مؤمنو أهل الكتاب ، أو المتعلمون عامة الذين يتوخّون الحق. وقيل : هم من ولد إسماعيل الذين تمسكوا بالحنيفية إلى أن بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٢٠ ـ وفى قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) (١١٠) : قيل : تهجّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة ، فقال فى دعائه : «يا رحمن يا رحيم» ، فسمعه رجل من المشركين ، وكان باليمامة رجل يسمى «الرحمن» ، فقال ذلك السامع : ما بال محمد يدعو رحمان اليمامة؟! فنزلت الآية ، مبيّنة أن الله والرحمن اسمان لمسمى واحد ، فإن دعوناه بالله فهو ذلك ، وإن دعوناه بالرحمن فهو ذاك. وقيل : كانوا يكتبون فى صدر الكتب «باسمك اللهم» ، فنزلت : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (٣٠) (النمل) ، فكتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فقال المشركون : هذا الرحيم نعرفه ، فما الرحمن؟ فنزلت الآية. وقيل : إن اليهود قالت : ما لنا لا نسمع فى القرآن اسما هو فى التوراة كثير؟ يعنون الرحمن ، فنزلت الآية. وهذا الخبر غير صحيح ، لأن اسم الرحمن ينفرد به القرآن ، وليس فى أسفار موسى الخمسة وهى المعروفة باسم التوراة اسم الرحمن!!

٢١ ـ وفى قوله تعالى : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) (١١٠) : قيل : كان الأعراب يجهرون بتشهّدهم فى الصلاة فنزلت الآية فى ذلك لإخفاء التشهّد.

١١٨

٢٢ ـ وفى قوله تعالى : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) (١١١) : قيل : إن اليهود ادّعوا أنهم أبناء الله وأصفياؤه وأحبّاؤه. وقال النصارى : اتخذ الله ولدا. وقال مشركو العرب : لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك. وقال الصابئون والمجوس : لو لا أولياء الله لذلّ. فأنزل الله الآية.

* * *

١٠٣٠ ـ فى أسباب نزول آيات سورة الكهف

١ ـ قيل : بعث كفّار مكة إلى أهل الكتاب ، يسألونهم ما يمتحنون به النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا : سلوه عن رجل طوّاف فى الأرض؟ وعن فتية ما يدرى ما صنعوا؟ وعن الروح؟ فنزلت سورة الكهف. وقيل : إن قريشا بعثوا النضر بن الحارث ، وعقبة بن أبى معيط ، إلى أحبار يهود بالمدينة ، وقالوا لهما : سلاهم عن محمد ، وصفا لهم صفته ، وأخبراهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول ، وعندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء؟ فخرجا حتى قدما المدينة ، فسألوا أحبار يهود عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ووصفا لهم أمره ، وأخبراهم ببعض قوله ، وقالا لهم : إنكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا؟ فقال لهم أحبار يهود : سلوه عن ثلاث نأمركم بهن ، فإن أخبركم بهن فهو نبى مرسل ، وإن لم يفعل فالرجل متقوّل سلوه عن فتية ذهبوا فى الدهر الأول ، ما كان أمرهم فإنه قد كان لهم حديث عجيب؟ وسلوه عن رجل طوّاف قد بلغ مشارف الأرض ومغاربها ، ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ، ما هى؟ فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه فإنه نبىّ ، وإن لم يفعل فهو رجل متقوّل ، فاصنعوا فى أمره ما بدا لكم. فأقبل النضر بن الحارث وعقبة بن أبى معيط حتى قدما مكة على قريش ، فقالا : يا معشر قريش ، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد ، فقد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء أمرونا بها ، فإن أخبركم عنها فهو نبىّ ، وإن لم يفعل فالرجل متقوّل. فجاءوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقالوا له ما أمروا به. وانصرفوا عنه ، فمكث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه وحيا ، ولا يأتيه جبريل ، حتى أرجف أهل مكة ، وخاضوا فيه بما لا يحمد. وأحزن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكث الوحى عنه ، وشقّ عليه ما يتكلم به أهل مكة ، ثم جاءه جبريل بسورة أصحاب الكهف ، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم ، وخبر ما سألوه من أمر الفتية ، والرجل الطّواف ، والروح. وقال لجبريل : «لقد احتبست عنى يا جبريل حتى سؤت ظنا» ، فقال جبريل : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) (٦٤) (مريم).

١١٩

٢ ـ وفى قوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) (٦) : قيل : اجتمع عتبة بن ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، والنضر بن الحارث ، وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل ، والأسود بن المطلب ، وأبو البخترى ، فى نفر من قريش ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد كبر عليه ما يرى من خلاف قومه فيه ، وإنكارهم ما جاء به من النصيحة ، فأحزنه حزنا شديدا ، فأنزل الله (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ ..) الآية.

٣ ـ وفى قوله تعالى : (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) (٢٢) : قيل : نزلت لمّا اختلف النصارى واليهود فى عدد أهل الكهف ، فالنصارى من اليعاقبة من نجران ، قالوا : ثلاثة رابعهم كلبهم ؛ وقال النسطورية : خمسة سادسهم كلبهم ؛ وقال اليهود سبعة ثامنهم كلبهم ، والسبعة نهاية العدد عندهم ، كالعشرة عند العرب.

٤ ـ وفى قوله تعالى : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً) (٢٤) : قيل : عاتب الله تعالى نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم على قوله للكفّار حين سألوه عن الروح والفتية أصحاب الكهف وذى القرنين : «غدا أخبركم بجواب أسئلتكم» ، ولم يستثن فى ذلك ، فاحتبس الوحى عنه خمسة عشر يوما ، وقيل أربعين ليلة ، حتى شق عليه وأرجف الكفّار به ، فنزلت عليه الآية.

٥ ـ وفى قوله تعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (٢٨) : قيل : نزلت فى أمية بن خلف الجمحى ، لأنه دعا النبىّ أن يتجرّد عن الفقراء ويتقرّب لصناديد أهل مكة ، فحذّره الله منه ومن نصيحته. وقيل : دخل عيينة بن حصن على النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعنده سلمان ، فقال عيينة : إذا نحن أتيناك فأخرج هذا وأدخلنا! فنزلت.

٦ ـ وفى قوله تعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ..) (٢٨) : قيل : جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : عيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس ، فقالوا : يا رسول الله ، إنك لو جلست فى صدر المجلس ، ونحيّت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم ـ يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين ، وكان عليهم جباب الصوف لم يكن عليهم غيرها. قال : جلسنا إليك ، وحادثناك ، وأخذنا عنك. فأنزل الله تعالى الآية.

١٢٠