موسوعة القرآن العظيم - ج ٢

دكتور عبد المنعم الحفني

موسوعة القرآن العظيم - ج ٢

المؤلف:

دكتور عبد المنعم الحفني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة مدبولي
الطبعة: ١
ISBN: 977-208-422-2
الصفحات: ١٢٤٤
الجزء ١ الجزء ٢

٢٠٥٦ ـ كلوا الحلال الطيب

كان بعض الناس يحرّمون على أنفسهم أطعمة بعينها فنزل فيهم القرآن : (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) (البقرة ١٦٨) ، والحلال : هو ما لم يحرّمه الله ، والطيّب : هو السليم النظيف المستلذ ، ولذلك يمنع أكل الحيوان القذر. والحلال سمى حلالا لانحلال عقدة الخطر عنه. وقيل : النجاة فى ثلاثة : أكل الحلال ، وأداء الفرائض ، والاقتداء بالنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقيل : «خمس خصال بها تمام العلم : معرفة الله ، ومعرفة الحقّ ، وإخلاص العمل لله ، والعمل على السنّة ، وأكل الحلال ، فإن فقدت واحدة لم يرفع العمل. ولا يصحّ أكل الحلال إلا بالعلم ، ولا يكون الحلال حلالا حتى يصفو من ست خصال : الربا ، والحرام ، والسّحت ، والغلول ، والمكروه ، والشبهة». والسحت : المال الحرام ؛ والغلول : ما أخذ خيانة.

* * *

٢٠٥٧ ـ أحلّت الأنعام للمسلمين

الأنعام : هي الإبل والبقر والغنم ، وهي حلال للأكل كقوله تعالى : (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) (الحج ٣٠) ، يعنى إلا ما يتلى في الكتاب من المحرّمات ، وهي الميتة والموقوذة وأخواتها. وتسميتها بالأنعام للين مشيها ، وهي ثمانية أزواج ، وما انضاف إليها من سائر الحيوان يقال له أنعام بمجموعه معها ، وليس منها الخيل والبغال والحمير.

* * *

٢٠٥٨ ـ البحيرة والسائبة والوصيلة والحام

في القرآن : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (١٠٣) (المائدة) ، والبحيرة والسائبة والوصيلة والحام : أسماء من الجاهلية لأحوال من الحيوان حرّموه بها أو درجوا على العمل بمقتضاها ، ولا يهم المسلم الآن أن يلم بها لو لا أن يعرف لما ذا ذكرها الله في كتابه وحرّمها. وكانوا في الجاهلية إذا نتجت الناقة خمسة أبطن نظروا إلى الخامس ، فإن كان ذكرا ذبحوه فأكله الرجال دون النساء ، وإن كان أنثى جذعوا آذانها فقالوا هذه بحيرة : يعني مشقوقة الأذنين ، والشق فى الأذن يسمى بحرا ، ومن ثم فهى بحيرة ، ويخصّص درّها للطواغيت (بيوت الأصنام ، يعنى أهل الله) فلا يتعرض لها إنسان ، ولا يحلبها أحد من الناس بمقتضى الشق فى أذنها وهو علامة التخلية ؛ وأما السائبة فهي الناقة تلد عشر إناث ليس بينها ذكر فتسيّب ولا تركب ولا يجزّ وبرها ، ولا يحلب لبنها إلا لضيف. وقيل : كان الرجل إذا خرج لحاجة فقضيت ، سيّب من ماله ناقة أو نعجة فجعل لبنها للطواغيت ، وما تلد من شىء

١٠٠١

يسيّب كذلك وقيل : كان الرجل إذا قضيت حاجته أو عوفى من مرضه أو كثر ماله ، سيّب ناقة للآلهة لا يحمل عليها شىء. وفى الحديث : «أول من سيّب السوائب وعبد الأصنام أبو خزاعة عمرو بن عامر ، وفى رواية أخرى : إن أول من سيّب السوائب ، وأول من غيّر دين إبراهيم ، هو : عمرو بن لحى أخو بنى كعب. وأول من بحر البحائر رجل من بنى مدلج كانت له ناقتان فجدع آذانهما وحرّم ألبانهما ثم شرب ألبانهما بعد ذلك». وعمرو ابن لحى كان أحد رؤساء خزاعة الذين كانت لهم ولاية البيت بعد جرهم ، وكان أول من غيّر دين إبراهيم فأدخل الأصنام ، ودعا الرعاع من الناس إلى عبادتها والتقرّب بها ، وشرع لهم هذه الشرائع الجاهلية فى الأنعام وفى غيرها كما فى قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) (الأنعام ١٣٦). وأما الوصيلة فهي الناقة البكر ، تلد أنثى في أول بطن ، ثم «تصلها» بأنثى أخرى في البطن الثانية وليس بينهما ذكر فيسيّبونها لطواغيتهم ، وهي من الغنم إذا ولدت عشر إناث في خمسة أبطن ، توأمين توأمين فى كل بطن ، «تصل» بينها فتسمى «الوصيلة» وتترك. والحام : هو الفحل الذي يولد لولده ، فيقال حمى ولد الولد ظهره ، فهو حام ، ولا يحملون عليه ، ولا يجزّون له وبرا ، ولا يمنعونه من مرعى يرعاه ، ولا حوض يشرب منه ، حتى وإن كان الحوض لغير صاحبه ، وهذه العادات جاهلية وما شرعها الله ، ولا هى عنده قربة كما ادّعوا. ولا يوجد من ذلك شىء الآن ، والقرآن يؤرّخ لهذه العادات الاجتماعية ، وأبطلها فى حينها.

* * *

٢٠٥٩ ـ تحريم المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع

هذه جميعا تنطبق على الحيوان والطيور ، وهي من المحرّمات ، والمنخنقة : هي التى تموت خنقا ، والخنق هو حبس النّفس ، سواء فعل بها ذلك آدمى ، أو اتفق لها ذلك فى حبل ، أو بين عودين أو نحوه ، وكان أهل الجاهلية يخنقون الشاة ويأكلونها كنوع من الذبح. والموقوذة : هى التى ترمى ، أو تضرب بحجر أو عصا حتى تموت من غير تذكية. يقال وقذه وقذا وهو وقيذ. والوقذ : شدة الضرب ، وفلان وقيذ أى مثخن ضربا ، وكان أهل الجاهلية يقتلون الحيوان بضربه ثم يأكلونه. والصيد بالبندقية ، أو النبلة ، أو الحجر ، ليس وقذا ، وهو حلال. والمتردية : هى التى تسقط من العلو فتموت ، كأن تسقط من سطح البيت ، أو فى بئر ، أو من جبل ، والردى هو الهلاك ، سواء تردّت بنفسها ، أو أرداها غيرها. وإذا أصابتها البندقية فتردّت من الجبل إلى الأرض فهى حرام ، لأنها ربما ماتت بالصدمة ، وإن تردّت في بحر أو نهر فلا تؤكل ، لأنك لا تعلم إن كانت قد ماتت بالبندقية أو غرقا ، وكانوا فى الجاهلية يأكلون المتردّية ، لأنهم ما كانوا يعتقدون الميتة إلا ما مات من مرض ، وأما هذه الأسباب فهى كالذكاة ، والشرع حصر الذكاة فى صفة

١٠٠٢

مخصوصة وهي الذبح أو النحر. والنطيحة : هي الشاة أو الغزالة أو الجدي ، ينطحه آخر فيموت قبل أن يزكّى. وما أكل السبع : هو كل ما افترسه ذو ناب وأظفار من الحيوان ، كالأسد ، والثعلب ، والذئب ، والكلب ، والقط ، والعرسة ، والضبع ، فهذه كلها سباع ، وفي الكلام إضمار : أي ما أكل منه السبع. ويستثنى من كل ذلك ما يذكّى ، أي ما أدركت ذكاته وفيه حياة ، فإن الذكاة عاملة فيه ، والأكل منه مع ذلك مكروه وغير صحي ، لأن ما بقى قد تنتقل إليه عدوى من الحيوان المفترس ، من الفيروسات أو الأمراض ، وتتفشى في لحم الحيوان ، والذكاة عند العرب هو الذبح ، والذبح لا يطهّر لحم الحيوان من الميكروبات.

* * *

٢٠٦٠ ـ العتيرة نسخها الإسلام

العتيرة : ذبيحة كانوا يذبحونها في الجاهلية في رجب ، وقد نسخها الإسلام ولا يعني ذلك كراهية الذبيحة في رجب ، بل تباح فيه كغيره من الشهور.

* * *

٢٠٦١ ـ لحوم الحمر الوحشية والخيل والبغال والإبل

قيل تبريرا لإباحتها الآية : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) (الأنعام ١٤٥) ، فالمحرمات هي هذه ، وكل محرّم حرّمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو جاء فى الكتاب ، مضموم إليها. وقيل : إن الآية تضمنت تحصيل كل شىء من الحيوان وغيره إلا ما استثنت ، وقد يقال لذلك : تباح لحوم السباع وسائر الحيوان إذن سوى الإنسان والخنزير ، إلّا أن هذه الحيوانات ذوات ناب وهى محرمة لذلك ، ويجمع إليها كل ما دلّ عليه الدليل بالتحريم. وقيل : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية وأمر بلحوم الخيل ، والأحرى النهي أيضا عن الخيل والبغال ، لشبهها الخلقي بالحمير ، ومن ذلك هيأتها وزهومة لحمها ، وغلظه ، وصفة أرواثها ، وأنها لا تجتر ، وإذا تأكد الشبه الخلقى والتحق به نفى الفارق بينها ، وبعد الشبه بالأنعام المتفق على أكلها ، تأكد القول بالمنع ، وفى الرواية عن خالد بن الوليد : أن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الخيل ، ولا ينتقص من الرواية أن خالدا لم يسمع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنفسه يوم خيبر ، لأنه لم يشهده ولم يكن قد أسلم. والنهى عن أكل الخيل والبغال والحمير كان عاما ، والدليل على ذلك قوله تعالى : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) (النحل ٨) ، فلو كانت ينتفع بها فى الأكل ، لكان امتنان الله بالأكل أعظم من امتنانه بالركوب والزينة ، لأن الأكل به بقاء الإنسان ، وحياة البنية ، وأما الركوب والزينة فمن الأمور الثانوية ، والامتنان لا يكون بأدنى النّعم وترك أعلاها. وعلى العكس جاء فى

١٠٠٣

الأنعام : (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ) (الحج ٣٠) ، ومنها الإبل والبقر والجاموس والغنم والمعز (الأنعام ١٤٣ / ١٤٤) ، والأنعام عموما هى المواشى ، والخيل والبغال والحمير ليست مواش ، ولكنها للركض والعدو. وألبان الأنعام حلال بعكس ألبان الخيل والحمير ، كقوله تعالى : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) (٢١) (المؤمنون) فنبّه إلى أن الأنعام للألبان وللحم ، وأما الخيل والبغال والحمير كما فى الآية الأسبق ، فللركوب والزينة ، والخيل كذلك للحرب ، كقوله : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) (الأنفال ٦٠). وعلى ذلك فالروايات فى تحليل لحم الخيل والحمر متهافتة ، وكذلك الروايات فى كراهية لحم الإبل.

* * *

٢٠٦٢ ـ لحم الميتة

الميتة : ما فارقته الروح من غير ذكاة مما يذبح ويؤكل ، كقوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) (البقرة ١٧٣) ، وفي الحديث : «أحلت لنا ميتتان : الحوت والجراد ...» ، والحوت أي السمك في قوله : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ) (المائدة ٩٦) ، وتحليل السمك ميتا بشرط أن لا يكون قد فسد ، والطافي منه فاسد وهو دليل الموت من مرض. وينتفع بالميتة فيدبغ جلدها ، والدبغ يطهّره لأنه يزيل الأوساخ عن الجلد فينتفع به يابسا ، والطهارة فى اللغة تتوجه نحو إزالة أوساخه ؛ وإن خشى منه المرض من الميتة فلا يجوز الانتفاع به ، وفى الحديث : «لا تنتفعوا من الميتة بشيء» ، «ولا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب» ، وفي القرآن : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) (المائدة ٣) فلم يخصّ وجها من وجه ، وفي الحديث : «أيّما إهاب دبغ فقد طهر» ، والإهاب هو الجلد. وشعر الميتة وصوفها طاهر طالما الحيوان ليس نجسا من قبل الموت ، وفي الحديث : «لا بأس بمسك الميتة إذا دبغ ، وصوفها وشعرها إذا غسل ، ومسكها هو الجلد». والفأرة والحشرة إذا وقعت فى الطعام وماتت فإنها تنجّسه وتفسده وتنقل إليه المرض ، وينبغى إلقاؤه ، وكذلك لو وقع طائر أو حيوان أو ذباب في القدر فلا يؤكل ما فيه. وأنفحة الميتة ولبنها وعظمها وبيضها نجس ، ومثلها القرن ، والظفر ، والحافر ، إلا إذا كانت قد ذكّيت. ولا يطعم الكلب المعلّم ولا الطير المعلّمة الميتة ، ويباح للمضطر أن يأكل من الميتة مقدار ما يسد رمقه ويأمن معه الموت ، كقوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (البقرة ١٧٣) ، والاضطرار لا يخلو أن يكون بإكراه من ظالم ، أو بجوع فى مخمصة يصيّره إليه العدم والغرث ـ أى الجوع ، فإذا أكل المسلم هذه المحرمات فإنه يكون قد أكره وغلب ، ومن ذلك إكراه المسلمين من الأسرى أو الدارسين أن يطعموا لحم الخنزير.

* * *

١٠٠٤

٢٠٦٣ ـ لحم الخنزير محرّم

حرّم لحم الخنزير أربع مرات في القرآن ، كقوله : (حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) (البقرة ١٧٣) ، وفي المرات الأربع خصّ اللحم من الخنزير ، ليدل على تحريم عين الخنزير ، ذكّى أو لم يذكّ ، وليعمّ الشحم واللحم وما هنا لك من الغضاريف وغيرها. واسم اللحم يقع على اللحم مع الشحم ، وناب اللحم عن الشحم لأنه دخل تحت اسم اللحم ، وجاء عند اليهود تحريم لحم الخنزير فى سفر الأحبار : «والخنزير فإنه ذو ظفر مشقوق ولكنه لا يجتر فهو رجس لكم» ، فشمل التحريم اللحم والشحم جميعا ، والشحم عموما من المحرّمات في اليهودية ، كقوله : «كل شحم من بقر أو ضأن أو معز لا تأكلوه» (أحبار ٧ / ٢٣) ، وفي القرآن عن ذلك : (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما) (الأنعام ١٤٦) ، والكلام فى الآية عن اليهود ، فإن كانت شحوم البقر والغنم محرّمة فمن باب أولى أن يكون شحم الخنزير محرّما. ولا خلاف في الإسلام أن جملة الخنزير محرمة. وخنزير الماء اسم على غير مسمى ، فإن كان اسمه خنزيرا إلا أنه من دواب البحر ، والمحرم هو خنزير البرّ ، ولا بأس أن يندرج معه خنزير الماء. وقيل : إن لفظة الخنزير في العربية رباعية ولكنها مشتقة من خرز العين ، واللفظة على ذلك ثلاثية. تقول : تخازر الرجل إذا ضيّق جفنه ليحدد النظر ؛ والخزر : ضيق العين وصغرها ، ورجل أخزر أي بيّن الخزر ، وكأنه ينظر بمؤخرة عينيه كالخنزير. وجمع الخنزير خنازير ؛ ويقال تخنزر أي فعل كالخنازير. والخنزير حيوان خلطة ، يعني يمكن أن يأتى الذكر الذكر ، وأن يأتى الكبير الصغير ، وأن تقوم الأنثى على الأنثى ، ولهذا كرهه المصريون القدماء والمسلمون ، إلا النصارى ، يحبون تربيته لأكل لحمه وشحمه وأعضائه جميعا. وقيل : إن الخنزير كان محرّما عند قدماء المصريين ، لأن إله الشر ست تلبّس به ، ولأن الخنزير يفعل أي شيء ، وقد يقتل الخنزير مثله ، وقد يقتل راعيه ، ونقل اليهود ذلك عن المصريين ونسوا سبب كراهيتهم له إلا أنه محرّم ، فتعللوا لتحريمه ولم يذكروا ما ذكرناه عنه ، إلا فقهاء الإسلام ، فإنهم يذهبون إلى ما نذهب إليه ، لأن الإسلام دين عقل ، وعقيدته مبنية على المقدمات السليمة ، ويستوي الخنزير فى التحريم مع الميتة والدم ، وكلها ناقلة للأمراض ومجلبة للأوبئة ، كأمراض ضعف المناعة ، والتهابات الكبد الوبائي ، والطفيليات ، بل ربما كانت هذه المحرمات أخطر مصادر العدوى للإنسان.

* * *

٢٠٦٤ ـ اللحم كطعام

اللحم من جسم الحيوان أو الطير خلاف العظم ، وليس منه الشحم ولا الدهن. واللحم في القرآن في قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) (٣) (المائدة) ، ولحم الحيوانات والطيور الميتة حرام ، واللحم المباح هو اللحم المذكّى ، وهو

١٠٠٥

المشتهى فى الدنيا والآخرة ، كقوله : (وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) (٢٢) (الطور) ، وكذلك لحم الأسماك ، كقوله : (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا) (١٢) (فاطر).

٢٠٦٥ ـ لحم الطير

الطيور منها المحلل أكل لحمه كالطيور الداجنة ، ومنها المحرّم أكله مما يطعم الجيف كالنسور والغربان والخطاطيف والوطواط ، والرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم حرّم لحم كل ذى مخلب وهى الطيور الجوارح ، وكل طير صفيفه أكثر من رفيفه ، والصفيف هو بسط الجناحين من غير رفيف ، وكل طير بريا أو بحريا ليس له قانصة ولا حوصلة ولا صيصة ـ وهى الشوكة خلف رجل الطير خارجة عن الكف. ويباح من الطيور الدجاج ، والحبارى ، والبط ، والأوز ، والحمام ، والرومى ، والعصافير ، والقطا ، وطير الماء ، والطاوس ، والنعام. ويحرم ما يتغذى على الجلال (أى الروث أو البراز) ، والاستبراء يذهب الجلل ، وهو فى البط خمسة أيام ، وفى الفراخ ثلاثة ، وفى الغنم عشرة أيام ، وفى البقر ثلاثين يوما.

* * *

٢٠٦٦ ـ البيض وما يحلّ ويحرم منه

البيض يتبع الطيور فى التحليل والتحريم ، ويعرف من شكله بالنظر إلى طرفيه ، فإن تساويا فالبيضة لطائر حرام أكله ، وإن اختلف فكان أحد الطرفين عريضا مفرطحا كبيض الدجاج ، فهو لطائر حلال أكله. والبيض أكثر غذاء من كثير من الأطعمة ، وأخفّ فى الهضم من اللحوم ، والمسلوق منه أفضل.

* * *

٢٠٦٧ ـ الدم نجس حرام لا يؤكل

الدم محرّم بقوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ) (البقرة ١٧٣) ، وقوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) (المائدة ٣) ، وقوله : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ) (النحل ١١٥) ، وقوله : (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) (الأنعام ١٤٥) ، فلا يؤكل الدم ، ولكن قد ينتفع به في عمليات نقل الدم ، ويباح الدم في اللحم والعروق ، واليسير من الدم في البدن ، والدم على الثوب يصلّى فيه ، والمضطر قد يطعم الدم بقوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (البقرة ١٧٣) ، وقوله تعالى «الدم المسفوح» تقييد للدم ، لأن ما خالط اللحم من الدم محرّم بالإجماع ، وكذلك الكبد والطحال غير محرّمين وهما من الدم ، ودم الحيوانات البحرية كالسمك والحيتان غير محرم ، وإلا لشرعت ذكاتها ، أى ذبحها.

* * *

٢٠٦٨ ـ المحرّمات في الطعام

هذه شملتها الآية : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ

١٠٠٦

وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) (المائدة ٣) ، وكل ذلك لم يعد واردا الآن حيث يأكل الناس مما يذبح فى المجازر وتضطلع به الحكومات ، إلا أن يكون ذبحها فى البيوت. وكان أهل الجاهلية يخنقون الحيوان ولا يذبحونه ، فإذا مات أكلوه ، فهذه هى المنخنقة ، ومثل ذلك ما يفعل الآن فى الخارج من قبل البهيمة ، بمسدس فى الرأس ، فلا تذبح ولا يسيل لها دم. ومثل ذلك الموقوذة : وهى التى ترمى أو تضرب بحجر أو عصا حتى تموت من غير تذكية ؛ ومثله المتردّية : التى تسقط من حالق فتموت ، كأن يكون ذلك من فوق سطح مرتفع. والتحريم للتردّي ، أي للموت بالصدمة ؛ ومثل ذلك النطيحة : وهى البهيمة تنطحها أخرى أو تضربها سيارة أو يسقط عليها جدار فتموت قبل أن تذكّى. ويحرّم الأكل من فريسة لذى ناب أو ظفر كالذئب والثعلب ؛ ومثل ذلك فى المريضة فإنها كالفريسة ، تحذر لما فيها من أمراض. والذكاة فى اللغة أصلها التمام ، والذكاء الفطنة ، وأذكى النار أجّجها ، والرائحة الذكية هي الطيبة. والذكاة في الاصطلاح هو الذبح ، فإذا سال دم الحيوان فقد طيّب فيطهر من أمراض الدم ، ومن النجاسة إذا كان بنية القصد لله وذكر عليه اسمه. وإذا كان المقصود من الذكاة إنهار الدم فذلك ضرب من التعبّد ، للحديث : «إنما الذكاة فى الحلق واللّبّة» فبيّن محل الذبح وعيّن موضعه ، وفائدته : «ما أنهر الدّم وذكر اسم الله عليه فكل» أخرجه البخارى ، فإذا لم يجر الذبح بهذه النية ولا بصفته المخصوصة الضامنة للطهارة ، زال معه حظّ التعبّد ، فليس يؤكل الحيوان. ومن تمام التعبّد الحديث : «إن الله كتب الإحسان على كل شىء : فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته». وحسن القتلة إذا اضطر المسلم إلى قتل حيوان أو طير. وما ذبح على النّصب حرام ، لأنه وما أهل لغير الله واحد ، وكانت النّصب حجارة حول الكعبة يذبحون عليها لأصنامهم ، فحرّم ذلك على المسلمين.

* * *

٢٠٦٩ ـ المضطر قد يأكل المحرّم

المحرّمات حصرتها الآية : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (البقرة ١٧٣) ، و «إنما» كلمة موضوعة للحصر ، تتضمن النفي والإثبات ، فتثبت ما تناوله الخطاب وتنفي ما عداه ، وقد حصرت التحريم ، لا سيما وقد جاء بعد التحليل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) (البقرة ١٧٢) ، فأفادت الآية الإباحة على الإطلاق ، ثم عقبها بذكر المحرم بكلمة «إنما» الحاصرة ، فلا محرم يخرج عن هذه الآية ، وتؤكدها الآية الأخرى التي نزلت بعدها بعرفة. (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) (الأنعام ١٤٥). والميتة : هى ما فارقته الروح من

١٠٠٧

غير ذكاء مما يذبح ؛ وصيد البحر من الميتة ولكنه حلال ، وينتفع بإهاب الميتة بعد دبغه ، والدّبغ يطهّره ، وشعرها وصوفها طاهر. والدم : حرام نجس لا يؤكل ، وما خالط اللحم فغير محرّم. ونعلم أن الدم ناقل للايدز والتهاب الكبد الوبائى. وأما لحم الخنزير : فمحرم سواء ذكي أو لم يذكّى. فمن اضطر إلى شيء من هذه المحرمات فلا إثم عليه إذا أخذ منها بقدر ما يقيم أوده أو يذهب مجاعته ، فلا يسرف ولا يؤثرها ولديه البديل. وعمليات التصنيع قد يكون بها تطهير النجس منها. والاضطرار لا يخلو أن يكون بإكراه من ظالم ، أو بجوع في مخمصة ، كقوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣) (المائدة) ، والمخمصة : هي الجوع وخلاء البطن ، والاضطرار إلى أكل الميتة وسائر المحرمات لا يكون بنية الميل إلى الحرام ، وهو معنى «غير متجانف لإثم» و «غير باغ ولا عاد».

* * *

٢٠٧٠ ـ الأمر بالتسمية على الطعام

المسلم مأمور أن يذكر اسم الله على الطعام والشراب والذبح وكل مطعوم بقوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (الأنعام ١١٨) ، وقوله : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (الأنعام ١١٩) ، وقوله : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) (الأنعام ١٢١) ، وهذا نهي صريح على تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه ، وفى الحديث : «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل» ، والخطاب لا يشمل الناسي ، والشرط ليس بواجب عليه ، والرافض للتسمية متهاون فاسق لا تؤكل ذبيحته. وقيل للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري اذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال : «سمّوا عليه أنتم وكلوه» ، وفى رواية قالوا : أعاريب يأتوننا بلحمان وجبن وسمن ما ندري ما كنه إسلامهم؟ قال : «انظروا ما حرّم الله عليكم فأمسكوا عنه ، وما سكت عنه فقد عفا لكم عنه وما كان ربّك نسيا ، اذكروا اسم الله عليه» ، وقال : «المؤمن يذبح على اسم الله سمّى أو لم يسم» ، وقال : «ذبيحة المسلم حلال ، ذكر اسم الله أو لم يذكر».

* * *

٢٠٧١ ـ الزروع والخضرة

الزروع : ما زرع الزارع بإلقاء البذر فى الأرض وتعهده بالسقيا ، كقوله تعالى : (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) (٦٤) (الواقعة). وتختلف الزروع في الألوان والطعوم كقوله : (زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) (الزمر ٢١) ، وقوله : (وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) (الأنعام ١٤١) ، والخضر والخضرة سواء ، كقوله تعالى : (فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً) (الأنعام ٩٩) كالبقدونس والجرجير ،

١٠٠٨

والشيح والخسّ ، والنعناع ، ومن شأنها تسكين العطش ، وتساعد على النوم الهادئ ، وتؤكل ؛ وتعصر للزيت ، وتستخدم في الصناعات ، وجميعها تمتاز بالخواص الكيميائية عالية القيمة ، سواء كأغذية ، أو كمصادر للعناصر الدوائية أو الصناعية ، ومنها ما لا غنى للإنسان عنه كالحنطة ، والذرة ، والشعير ، والأرز ، وبعضها يحلّ أكله طالما يخلو من السمّيات ، ولا تحلّ إذا رعا الدود فيها والسوس ، وتكره ذوات الرائحة الكريهة كالفجل والبصل والثوم ، وتحرّم التي تسقى بالنجاسات أو تسمّد بها ، والتي تروى بماء الصرف الصحي ، وزكاة الزروع والخضرة تجب إذا بلغ إيرادها النصاب ، ومقدارها العشر فيما يروى بالمطر أو مياه الأنهار ، وربع العشر إذا رويت بالسواقي والمواتير. (انظر أيضا المزارعة والمساقاة).

* * *

٢٠٧٢ ـ أمثلة من الأطعمة من الزروع

تأتى الآية : (يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها) (البقرة ٦١) ضمن تحسّر بنى إسرائيل على ما كان لهم من أطعمة فى مصر ، فطلبوا من موسى أن يدعو لهم الله أن ينبت لهم من خيرات أرض مصر البقل : وهو كل نبات ليس له ساق مقارنة بالأشجار التي لها سوق ، والبقول غنية بالبروتينات ، وبها الكثير من المعادن والدهون ، وهي علاج للكثير من أمراض الهضم ، وسوء التغذية ، والسكر ، وضغط الدم ؛ والقثاء : وهو من أنواع الخيار ويتميز بالفيتامينات ، ومليّن ، ومنشّط للخلايا ، وفاتح للشهية ؛ والفوم : لغة هو الثوم ، وقيل هو الحمّص ، والأول مطهّر للمعدة ، ويشفى التهابات اللثة ، ويخفض الدهون والكولسترول فى الدم ، وضغط الدم ، والسكر ، وأما الحمص : فمن القطّانيات ، ويؤكل نيئا ومطبوخا ، وهو غنى بالبروتينات ويخفض الكولسترول والضغط ، ويعتبر غذاء كاملا ؛ والعدس : من أغنى البقول بالسعرات الحرارية ، وهو غذاء كامل للفقراء ولذا يعطى في السجون ، فضلا عن أنه طعام شهي ، ويضاف أحيانا إلى الأرز أو الفول ، ويسهل هضمه ، ويعطى الصحة والعافية ، وفى الحديث : «عليكم بالعدس فإنه مبارك مقدس ، وأنه يرقّ القلب ، ويكثر الدم ، وباركه سبعون نبيا ، آخرهم عيسى ابن مريم». وكان عمر بن عبد العزيز يأكل يوما خبزا بزيت ، ويوما بلحم ، ويوما بعدس. والعدس والزيت طعام الصالحين. وهو مما يخفّف البدن ، ولا تسوء به المعدة كما تسوء من اللحم ، وثبت أن من يأكل عدسا طوال عمره يمكن أن يستغنى عن كل طعام آخر ؛ والثوم والبصل : من أعظم فاتحات الشهية ، ومن أشهر الأدوية لكل الأمراض ، ومن عصيرهما مع الزبّادى وزيت الزيتون تزيد مناعة الجسم للأمراض ، ويقل الكولسترول فى الدم ، ونسبة كبيرة من

١٠٠٩

السكر ، وتلتئم الالتهابات في الجسم. وثبت أنهما مطهران للرئتين ، ويعالجان الربو وضيق التنفّس ، بسبب تأثيرهما المضاد لمادة الهستامين المسببة للضيق والربو ، ويميتان الميكروبات والبكتريا ، ويعالجان النزلات الشعبية. ولم تعرف فوائد الثوم والبصل إلا مؤخرا ، فسبحان الذي نبّه إلى ذلك في القرآن منذ ما يزيد على ألف وأربعمائة سنة ، وفي سنة ٩٢٧ نشرت المجلة الطبية الأمريكية أنهما ينقّيان الدم ، ولهما تأثير مهدئ ، وطارد للبلغم ، ومعالج للأرق ، ولاضطراب الأعصاب ، والسعال ، ومتاعب الشعب الهوائية. وأثبت العالم باستير أنهما ذوا فعالية ضد الميكروبات التي تسبب متاعب الجهاز الهضمي ، وضد ميكروب الدرن ، والسّل ، والدوسنتاريا ، ويحتويان على مركبات لها فعالية المضادات الحيوية ومضادات الفيروسات ، ويفيدان لذلك في علاج البرد ونزلاته ، وأمكن أن يستخلص منهما مركب دايفينيل أمين المستخدم فى علاج السكر ، ويخفضان سكر الدم ، ويزيدان إفراز البنسلين وتقليل هدمه في الجسم ، وعلاج مضاعفات مرض السكر مثل زيادة دهون الدم والجلطة وضغط الدم المرتفع ، ويفيد مضغ الثوم والبصل لمدة من ثلاث دقائق إلى ثماني دقائق في القضاء تماما على ميكروبات الفم المسببة للأمراض ، واستخدم الجنود الروس بخار البصل المتصاعد من معالجته على النار ، علاجا للجروح والشفاء منها سريعا ، وتسكين آلامها ، وثبت أنهما يفيدان في علاج حبّ الشباب والدمامل ، ويفيد خليط شراب البصل مع عسل النحل في علاج البرد والكحة بتناول ثلاث أو أربع ملاعق للكبار ، وملعقة واحدة للأطفال كل أربع ساعات. واستخدم البصل منذ القدم في علاج أمراض القلب ، سواء طازجا أو حساء ، أو مطبوخا ، أو مشويا ، وكمنشط للرغبات الجنسية. ومن شأن المادة الطيّارة بهما إذابة أغلب الكوليسترول في الدم فى زمن قياسي ، وكذلك الجلطات على جدران الشرايين التاجيّة ، والدهون الثلاثية على أجهزة الجسم وأنسجته. ولو قارنا البصل بالفياجرا مثلا ، لوجدنا أن للفياجرا تأثيرا ضارا على القلب بما يبذل الإنسان من جهد في العمليات الجنسية لا يتناسب مع حالته الصحية ، بينما تعاطي البصل يزيد القدرة الجنسية وكفاءة الدورة الدموية على أداء الجهد المطلوب. ويزيد تناول نصف بصلة من الحجم المتوسط أو ما يعادلها من عصير البصل يوميا ، من مستوى الدهون عالية الكثافةHDL في نحو ٧٥ خ من المرضى ، وهذا مؤشر على أن البصل مفيد في علاج جلطة القلب ، بشرط أن يؤخذ طازجا وليس مطبوخا. ويمنع الثوم تكوين مادة الفيبرين المسببة للجلطة. والثوم والبصل كلاهما مصدر لمضادات الأكسدة التي تساعد على الوقاية من السرطان ، وخاصة سرطان الفم ، والبصل الأخضر أو الأبيض أقوى من الأحمر في ذلك ، ويفيد البصل فى علاج تورمات وآلام المفاصل ، وذلك بشيء ست بصلات متوسطة الحجم فى فرن البوتاجاز ، وتوضع على المفصل ويضغط عليها برباط ضاغط.

١٠١٠

٢٠٧٣ ـ الثمار والفاكهة

الثمر في اللغة جنى الشجر ، فالتمر مثلا هو ثمر النخل ، والفاكهة هي الثمار كلها ، ومن شأن تناولها أن تفكه لها النفس ، أي تطيب وتلتذ. وفي الآية : (فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها) (فاطر ٢٨) أن الثمرات فيها الأحمر والأصفر ، والأخضر والأبيض ، والأسود وغير ذلك ، ومثلما نوّع في الألوان نوّع في المذاق ، ويحفل القرآن بأصناف الفاكهة ، كالأعناب ، والرمان ؛ والزيتون زراعة ، كقوله تعالى : (جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) (الأنعام ١٤١). وتحرّم الثمار والفواكه إذا سقيت بالنجاسة أو سمّدت بها. ومن يعبر على شجر مثمر فله أن يأكل منه بشرط أن لا يحمل ، إن لم يكن الشجر داخل حديقة مسوّرة وكان جائعا ، ولو لم يكن مضطرا ، فإن كان الشجر داخل مزرعة أو بستان لم يجز الدخول إلا للضرورة ، وليس له أن يضرب الشجر بالأحجار لينزل الثمر.

* * *

٢٠٧٤ ـ التمر كغذاء

التمر : ثمر النخل ، ويأتي عن النخل فى القرآن ٢٠ مرة ، ومن أوصافها فيه قوله : (وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ) (١١) (الرحمن) أي ذات الليف ، فإن النخلة تكمّ بالليف ؛ وقوله : (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ) (١٠) (ق) والباسقات هي الطوال ، وصفا للنخل ، لاستقامة سوقها واستوائه وامتداده ؛ وطلعه هو أول ما يخرج من ثمره قبل أن ينشق ، والنضيد هو المتراكب قد نضّد بعضه على بعض ، فإذا خرج من أكمامه لم يعد نضيدا ، وفى الآية : (وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ) (١٤٨) (الشعراء) ، أن الطلعة تطلع من النخلة كنصل السيف ، فى جوفها شماريخ ، ويقال للطلع هضيم طالما لم يخرج من كفرّاه ، ويتهشّم فى الفم ، والكفرّى هو وعاء طلع النخل. وفى الآية : (وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ) (الأنعام ٩٩) ، والقنوان جمع قنو وهو العذق وهو عنقود النخلة ، وقيل هو الجمّار ، ومنه الدانى القريب ، والنائى البعيد ، وخصّ الدانية بالذكر لأن من الامتنان بالنّعم أن تكون فى متناول اليد. وفي الآية : (انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ) (الأنعام ٩٩) تنبيه إلى ما يطرأ على ثمر النخل من تغيرات لا بد لها من مغيّر ، وهى دليل على وجود الله تعالى ، وعلى علمه وقدرته ، فالنخلة ؛ إذا أثمرت كانت أولا طلعا ، ثم إغريضا ، ثم بلحا ، ثم سيابا ، ثم جدالا إذا اخضرّ واستدار قبل أن يشتد ، ثم بسرا إذا عظم ، ثم زهوا إذا احمر ، ثم موكّتا إذا بدت فيه نقط الإرطاب ، فإذا كان الإرطاب من جهة الذّنب فهى مذنّبة ، فإذا لانت فهي ثعدة ، فإذا بلغ الإرطاب نصفها فهي مجزّعة ، فإذا بلغ ثلثيها فهى حلقانة ، فإذا عمّها الإرطاب فهي

١٠١١

منسبتة ، ثم تيبس فتصير تمرا. وكما ترى فإن لكل حالة اسما ، وكثرة الأسماء بحسب الأحوال من دلائل عبقرية اللغة ، وكان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحب الرطب ، ولا يرى أن البيت تكتمل له الأسباب إلا لو كان به التمر ، وكان يحب الرطب بالقثّاء ، وقال فى النخلة : «من الشجر شجرة تكون مثل المسلم ، وهي النخلة» ، وفي القرآن عن مريم لمّا ولدت عيسى : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا) (٢٥) (مريم) ، وفى الرواية أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لو علم الله أن شيئا للنفساء خير من الرطب لأمر مريم به» ، وقال : «ليس للنفساء مثل الرطب ، ولا للمريض مثل العسل» ، وقال : «أطعموا نفساءكم الولد ، الرّطب ، فإن لم يكن رطب فثمر ، وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم» ، وفى حديث عائشة : توفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد شبعنا من الأسودين : «التمر والماء» ، فكأن أغلب طعامه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان هذين ، وقرنت التمر بالماء لمضرة شرب الماء صرفا بدون أكل ، ولا يستمتع بالتمر إلا بالماء. وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينصح بتعاطى سبع تمرات فى الصباح لما فى التمر من فوائد صحية بالغة وقيمة غذائية عظيمة.

* * *

٢٠٧٥ ـ طعام أهل الكتاب حلّ للمسلمين

أهل الكتاب : هم اليهود والنصارى ، والطعام : اسم لما يؤكل ، والذبائح منه ، وفي الآية : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) (المائدة ٥) إخبار بأن جميع ما يأكله أهل الكتاب حلّ ، إلا ما حرّمه الله على المسلمين كلحم الخنزير والميتة والدم ، وما لم يذكر اسم الله عليه ، لقوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) (الأنعام ١٢١) ، وتحليل الأكل من ذبيحة النصارى واليهود باعتبار أنهم يذكرون اسم الله عند الذبح ، فإن كانوا ممن لا يذكرون اسم الله كما هو الحال الآن ، فالأكل من ذبائحهم فسق ، إلا الفاكهة والأسماك فجائز أكلها ، فأما ما كان صنعه لا تعلّق فيه بالدّين ، كخبز الدقيق ، وعصر الزيت ونحو ذلك فهذا جائز أكله ، وأمّا ما تدخل فيه التزكية التي تحتاج إلى الدّين والنيّة ، فما لم يذبح ويذكر عليه اسم الله فأكله حرام. ويحلّ للمسلم من ذبائح أهل الكتاب ما يحل لهم منها ، فاليهود لا يأكلون الطريف من الحيوان ، وهو الرئتان إن كانتا مصابتين بمرض كالدرن وغيره ، ولا يطعمون الشحوم المحضة من الذبائح. ولا بأس بأكل طعام الهندوس والصينيين واليابانيين والملاحدة ما لم يكن من ذبائحهم ويحتاج إلى ذكاة ، وجبنهم حرام أكله لما فيه من أنفحة الميتة.

* * *

١٠١٢

٢٠٧٦ ـ العقيقة وهل تجب على المسلم؟

العقيقة : هى اسم لما يذبح عن المولود ، قيل هي اسم الشاة المذبوحة عن الولد ، أصلها الشعر الذي يخرج على رأس المولود ، وسميت الشاة التي تذبح عنه بذلك لأن هذا الشعر يحلق عند الذبح. وقيل : الاسم مأخوذ من العق وهو الشق والقطع ، وهي عقيقة لأنها تشق وتقطع. وقيل : الشاة التي تذبح ، والشعر ، كلّ يسمى عقيقة ، ويقال عقّ يعق إذا حلق عن ابنه عقيقته وذبح شاة. وقيل : هي عقيقة لأنها معقوقة ـ بمعنى مذبوحة ، وسمى الشعر باسمها لأنها تعق عنه. وقيل : كل مولود من البهائم فشعره عقيقة ، فإذا سقط ذهب عقّه ، وفى الحديث : «للغلام عقيقتان ، وللجارية عقيقة» ، وفي رواية : «عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة» ، وقيل : العقيقة من الجاهلية ، بدعة ولا تجب ، وليست سنة. وقيل : إن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل عنها فقال : «لا أحب العقوق» ، كأنه كره الاسم ، يقصد به عقوق الوالدين وهو أن يعصيهما الولد ويشق عصا طاعتهما ، وقال : «من ولد له ولد فأحبّ أن ينسك عنه فليفعل» ، فكأن الأولى تسميتها «نسيكة» أو «ذبيحة» ، وأن لا تسمى عقيقة ، وقيل : العقيقة من باب ذبيحة الأضحى ، من قوله تعالى : (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) (١٠٧) (الصافات) ، وقيل : الأمر فيها الحديث : «نسخ الأضحى كل ذبح» أخرجه الدارقطني ، وهو حديث في إسناده ضعف ، والصحيح أن العقيقة مستحبة لأنها من أعمال البرّ ، وقد عقّ إبراهيم عن ابنه إسماعيل بكبش سمين ، ويعقّ اليهود لذلك عن الولد كبشا ولا يعقّون عن البنت ، وقد عقّ النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الحسن والحسين كبشا كبشا ، والغنم تتعيّن للعقيقة ، ويجزئ الإبل والبقر والجاموس ، ولا فرق بين ولد وبنت فكلاهما يعق عنه ، غير أن الولد يعق عنه بكبش فهذا أنسب باعتبار الذكورة! والبنت يعق عنها بشاة باعتبار الأنوثة! وقد يستعاض للولد عن الكبش بشاتين! والفلسفة في الذبح للعقيقة أنها إماطة للأذى ، أي استجلابا للبركة ، واستبعادا للشرّ والمرض ، وفي الحديث : «في الغلام عقيقة فاهرقوا عنه الدم ، وأميطوا عنه الأذى» ، وقيل : الأذى آثار الولادة من دم وغيره فينظّف ويتطهّر. وكانوا في الجاهلية إذا أهرقوا الدم مسحوا به رأس الغلام ، فنهى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك وأمر بأن يمسح على رأسه بالطيب ، وأن يسمّى عند الذبح ، فيقال : «بسم الله والله أكبر ، عقيقة فلان» ، وتؤدّى العقيقة فى الأسبوع الأول ، ويستحب في اليوم السابع ، فإن لم يتيسر ففي اليوم الرابع عشر ، أو الواحد والعشرين ، وأول السبعة اليوم الذي يلي الولادة. ويكره حلق رأس البنت. ويبدو أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر فاطمة أن تعق عن ولديها بزنة شعر الولد فضة ، ويحتمل أنه قال لها ذلك لضيق ما عندهم حينئذ ، فأرشدها إلى نوع من الصدقة أخفّ ، ثم إنه لمّا تيسّر له عن قرب عقّ عنهما بكبشين ، وإذن فالمسألة بحسب الوسع ، والأنسب الصدقة.

١٠١٣

٢٠٧٧ ـ هل يأكل المسلم إلى أن يشبع؟

المسلم يجوز له أن يأكل حتى يشبع ، وفي حديث أنس عن تكثير الطعام ببركة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال إنهم أكلوا حتى شبعوا ، وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت : شبعنا من الأسودين ، التمر والماء. وقالت : الآن نشبع من التمر. ووصف أنس صوت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : سمعته ضعيفا أعرف فيه الجوع ، وكأن أنس لم يسمع في صوته صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما تكلم وقتها ـ الفخامة المعهودة فيه ، فحمل ذلك على الجوع بقرينة الحال التي كانوا فيها. وقيل : وفي ذلك ردّ على من يكذّب الأحاديث التي يذكر فيها أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يجوع ، ويحتجون بالحديث : «أبيت يطعمني ربّي ويسقيني». وربما كان جوعه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليتأسّى به أصحابه ، ولا سيما من لا يجد مددا وأدركه ألم الجوع ، لعله يصبر فيضاعف له الأجر. وإذا كان الشبع جائز في الإسلام فتركه أفضل صحيا ونفسيا واقتصاديا وتربويا ، والأكثر من ذلك أن تركه مندوب إليه دينيا ، فعن سلمان وأبي جحفة أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا في الآخرة». والشبع وإن كان مباحا ، فله حدّ لا بد أن ينتهي إليه ، وما زاد على الحدّ فهو سرف ، والمطلق منه ما عان الآكل على طاعة ربّه ، والمنهىّ عنه هو الشبع الذي يثقل المعدة ويثبّط صاحبه عن القيام للعبادة أو أداء ما يجب عليه ، ويفضى إلى البطر والأشر والنوم والكسل. وقد ينتهى الأمر بكراهية الشبع إلى التحريم بحسب ما يترتب عليه من المفسدة. وشبع المسلم على أي حال هو الشبع الذي يحضّ عليه الحديث : «ما ملأ آدميّ وعاء شرا من بطن! حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن غلب الآدمى نفسه فثلث للطعام ، وثلث للشراب ، وثلث للنفس». ولو سمع حكيم الأطباء بقراط أو إبقراط هذه القسمة لعجب من هذه الحكمة. وقال الغزالى : ما سمعت كلاما في قلة الأكل أحكم من هذا! ـ ولقد بلغ من حكمة المسلمين أن اختلفوا فى حدّ الجوع ، فلو أن الجائع أقبل على الخبز وحده ولم يبال إن كان معه أدم أم لا ، فهو قطعا جائع ، وإن طلب معه الأدم ـ أى الغموس ، فهو ليس بجائع هذا الجوع المعهود ، وهو الجوع الذي جعلوا من علاماته أنه إذا وقع ريق الجائع على الأرض لم يقع عليه الذباب! والشبع عند المسلمين مراتب ، وليس من ذلك شىء في اليهودية ولا فى النصرانية ، ولا فى أى من المذاهب الفلسفية والنفسية فى الجوع والشبع فى أى من بلاد الدنيا إلا عندنا نحن المسلمين ، وخاصة عند الصوفية ، ومنهم أهل الصّفّة المشهورين. ومراتب الشبع عند المسلمين تنحصر فى سبع : المرتبة الأولى : ما تقوم به الحياة والشبع فيها واجب ؛ والثانية : أن يزيد حتى يصوم ويصلى عن قيام ـ وهو واجب أيضا ؛ والثالثة : أن يزيد الشبع حتى يقوى المسلم على أداء النوافل ـ وهذا مستحب ؛ والرابعة : أن يزيد الشبع حتى يقدر على التكسّب ـ وهو

١٠١٤

مستحب أيضا ؛ والخامسة : أن يملأ ثلث بطنه كما في الحديث ، وهذا جائز ؛ والسادسة : أن يزيد الشبع على ذلك ، وبه يثقل البدن ويكثر النوم ـ وهذا مكروه ؛ والسابعة : أن يزيد الشبع حتى يتضرر وهو ما يسمى البطنة ، وهذه منهىّ عنها وحرام.

* * *

٢٠٧٨ ـ لما ذا يقال طعام المسلم يكفى الاثنين؟

في الحديث عن أبي هريرة أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «طعام الاثنين يكفي الثلاثة ، وطعام الثلاثة يكفى الأربعة» ، والمعنى أن الطعام الذي يشبع الواحد يكفي قوت الاثنين ، وأن قوت الاثنين يشبع الأربعة. والمراد المواساة ، وأنه ينبغي للاثنين إدخال ثالث لطعامهما ، وإدخال رابع أيضا بحسب من يحضر. والحديث عند ابن ماجة : «طعام الواحد يكفى الاثنين ، وطعام الاثنين يكفي الثلاثة والأربعة ، وطعام الأربعة يكفي الخمسة والستة». وفي قصة أضياف أبي بكر قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس» ويشرح ذلك الحديث : «كلوا جميعا ولا تفرّقوا فإن طعام الواحد يكفي الاثنين» ، بمعنى أن الكفاية تنشأ عن بركة الاجتماع ، وأن الجمع كلما كثر ازدادت البركة ، وهذا هو ما يميز الإسلام كفلسفة ، فهو يختلف عن سائر الأديان والمذاهب التي تحض على الفردية وتنمّيها وترسّخها. والإسلام دين «جماعى» ـ أو أنه ـ لمن لا يؤمن به دينا ـ مذهب فلسفي وإيديولوجية تطبيقية «جماعية». وهذه الأحاديث للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحضّ على الاجتماع على الطعام ، وتستحب من المسلمين أن لا يأكل كلّ منهم وحده ، ولا يساكن نفسه ويعتزل الناس ، ولا يعمل بمعزل عن الآخرين ، ويحفل القرآن بالآيات التي تحض على «الجماعية» ، كقوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (٦) ، والدعاء فيها من الجماعة ولصالح الجماعة. ويسمى المسلمون ذلك «مواساة» ، فإذا تحققت المواساة حصلت معها البركة الموعودة التي قال الله تعالى فيها : (لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) (الأعراف ٩٦) ، فتتنزّل البركات وتعمّ الحاضرين. ومن دروس هذه الأحاديث : أن المرء لا ينبغى أن يستحقر ما عنده فيمتنع من تقديمه ، فإن القليل قد يحصل به الاكتفاء ، ولو بسدّ الرمق ، وإقامة البنية ، وليس حقيقة الشبع. و «المواساة» و «البركة» من المصطلح الإسلامى المتفرّد.

* * *

٢٠٧٩ ـ هل يفرق الإسلام بين الأعمى والبصير على الطعام؟

في القرآن لا ينجس بالمرض أو العمى أو العرج ، وعلى عكس ذلك في اليهودية والنصرانية ، ففي سفر الأحبار ، الفصل الثالث عشر ، يعدّ المرض نجسا (العبارة ٤٥ مثلا) ،

١٠١٥

وليس كذلك الحال في الإسلام ، فلقد كان الناس من قبل الإسلام على طريقة اليهود أو النصارى ، فإذا اجتمعوا للأكل عزلوا الأعمى على حدة ، والأعرج على حدة ، والمريض على حدة ، لتقصيرهم عن أكل الأصحاء ، فإذا اجتمعوا بهم تفضّلوا عليهم إذا شاءوا ، وكان الأعمى يتحرّج أن يأكل طعام غيره ، وأن يدس يده في الطعام فتصطدم بأيدي غيره ، ولذلك كانوا يعزلونهم ، وكان الزمني يتحرجون كذلك ويؤثرون العزلة ، فنزلت الآية : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) (النور ٦١) ، لرفع الحرج عن هؤلاء ، وإباحة أن يشاركوا الآخرين طعامهم ، وساووا بينهم ، وذلك من الأدب العالي ، وفيه من الرقي الحضاري والإنساني ما يجعل الإسلام لا شبيه له ولا ضريب.

* * *

٢٠٨٠ ـ هل المسلم أكول؟

من مأثورات الإسلام ردّا على المتخرّسين الحديث عن نافع قال : كان ابن عمر لا يأكل حتى يؤتى بمسكين يأكل معه ، فأدخلت رجلا يأكل معه ، فأكل كثيرا فقال : يا نافع ، لا تدخل هذا علىّ ، سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «المؤمن يأكل فى معى واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء». والمعنى أن المؤمن قنوع ، ونزوعه إلى الزهد والأخروية ، بينما الكافر ـ ومثله العلماني والعولمي وأشباههم من الماديين ، يفرطون فى الطعام ، ويتهافتون على الماديات ، ولا يسأمون ولا ترتوى شهواتهم إليها. والحديث فى رواية أخرى : «إن المؤمن يأكل في معى واحد ، وإن الكافر ـ أو المنافق فلا أدرى أيهما ـ يأكل في سبعة أمعاء» ، وفى رواية أخرى قال : «يأكل المسلم في معى واحد ، والكافر يأكل فى سبعة أمعاء». وعن أبى هريرة : أن رجلا كان يأكل أكلا كثيرا فأسلم ، فكان يأكل أكلا قليلا ، فذكر ذلك للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «إن المؤمن يأكل في معي واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء». وأخرج ابن أبى شيبة وأبو يعلي والبزار والطبراني أن هذا الرجل هو جهجاه الغفاري ، قدم في نفر من قومه يريدون الإسلام ، فحضروا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المغرب ، فلمّا سلّم قال : «ليأخذ كل رجل بيد جليسه» ، وكان الجهجاه هذا طويلا عريضا لم يتقدم ليأخذه أحد ، فذهب به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى منزله ، فحلب له عنزا ، فأتى عليه ، فحلب له آخر حتى حلب سبعة أعنز ، فأتى عليها ، ثم أتى له بصنيع برمة فأتى عليها ، حتى قالت أم أيمن : أجاع الله من أجاع رسول الله! فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مه يا أم أيمن : «أكل رزقه ، ورزقنا على الله!». فلما كانت الليلة الثانية وصلّى المغرب صنع ما صنع في التي قبلها ، فحلب له الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنزا واحدا وارتوى الرجل وشبع ولم يطلب آخر ، وتعجبت أم أيمن ، فقال لها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنه أكل فى معى واحد الليلة وهو مؤمن ، وأكل قبل ذلك فى سبعة أمعاء.

١٠١٦

الكافر يأكل في سبعة أمعاء ، والمؤمن يأكل في معي واحد». وعند الطبراني الرجل اسمه غزوان ، وحلب له سبعة شياه فشرب لبنها كله ، فلمّا أسلم مسح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على صدره ، فلما أصبح حلب له شاة واحدة فلم يتم لبنها ، وسأله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مالك يا أبا غزوان»؟ قال : والذي بعثك نبيا لقد رويت. قال له : «إنك أمس كان لك سبعة أمعاء وليس لك اليوم إلا معى واحد». وبرواية أحمد فإن الرجل هو أبو بصرة الغفاري ، أو أنه أبو فضلة أو نضرة الغفاري. والمراد بالحديث ليس ظاهره ، وإنما هو مثل يضرب للمؤمن وزهده فى الدنيا ، والكافر وحرصه عليها ، فكان المؤمن لتقلله من الدنيا يأكل فى معى واحد ، والكافر لشدّة رغبته فيها واستكثاره منها يأكل فى سبعة أمعاء ، فليس المراد حقيقة الأمعاء ، ولا خصوص الأكل ، وإنما المراد التقلل من الدنيا والاستكثار منها ، فعبّر عن الدنيا بالأكل ، وعن أسباب ذلك بالأمعاء. أو أن المعنى أن المؤمن يأكل الحلال ، والكافر يأكل الحرام.

والحلال أقل من الحرام في الوجود. أو أن الحديث يحتمل على الرغبة في الدنيا ، كما نقول فلان يأكل الدنيا أكلا ، بينما المؤمن لا يتناول منها إلا القليل ، ويستكثر منها الكافر. والحديث يحضّ على قلة الأكل إذا علمنا أن كثرة الأكل صفة الكافر ، والمؤمن يأنف أن يتصف بصفة للكافر ، كما يقول الله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) (محمد ١٢). غير أنه يوجد بين الكفّار من يأكل أقل ، وعكسه بين المؤمنين ، وكم من كافر أسلم فلم يتغير مقدار أكله. والحديث في مجمله : أن الإيمان قد غيّر هذا الرجل ، وكان في كفره يأكل في سبعة أمعاء ، فصار في إسلامه يأكل في جزء من سبعة أجزاء مما كان يكفيه وهو كافر. ومن شأن المؤمن التقلل من الأكل لاشتغاله بأسباب العبادة ، ولعلمه أن مقصود الشرع من الأكل ما يسدّ الجوع ويمسك الرمق ويعين على العبادة ، بينما الكافر لا يقف مع مقصود الشرع بل هو تابع لشهوة نفسه ، فصار أكل المؤمن إذا قورن بأكل الكافر كأنه بقدر السبع منه. والمراد بالمؤمن في الحديث : التام الإيمان ، والذي يحسن إسلامه ويكمل إيمانه ، ويشتغل فكره فيما يصير إليه من الموت وما بعده ، فتمنعه شدة الخوف وكثرة الفكر والإشفاق على نفسه من استيفاء شهوته ، كما في الحديث : «من كثر تفكّره قلّ طعامه ، ومن قلّ تفكّره كثر طعامه وقسا قلبه» ، والحديث الآخر : «إن هذه الدنيا حلوة خضرة ، فمن أخذها بإشراق نفس كان كالذي يأكل ولا يشبع» ، وعلى هذا فالمؤمن من يقتصد في مطعمه ، والكافر من شأن كفره الشره فيأكل بالنهم كما تأكل البهيمة ، ولا يأكل بالمصلحة لقيام البنية. والمؤمن يسمى الله عند طعامه وشرابه فلا يشركه الشيطان ، فيكفيه القليل ، والكافر لا يسمى فيشركه الشيطان. وفي الحديث عند مسلم : «إن الشيطان يستحق الطعام إن لم يذكر اسم الله تعالى عليه». والمؤمن يقل حرصه على الطعام فيبارك له فيه ، وفي مأكله ، فيشبع

١٠١٧

من القليل ، والكافر طامح البصر إلى المأكل كالأنعام ، فلا يشبعه القليل. وتفاوت الأمعاء حقيقة في التشريح ، وهي سبعة في الإنسان : المعدة ، ثم ثلاثة أمعاء متصلة بها هي البواب ، والصائم ، والرقيق ، وكلها أمعاء رقيقة أو دقيقة ، ثم الأمعاء الغليظة وهي ثلاثة أيضا : الأعور والقولون ، والمستقيم ، وكل ذلك سبعة. والمؤمن يشبعه ملء معي واحد. ويحتمل أن الأمعاء السبعة هي صفات سبع ، وهي : الحرص ، والشره ، وطول الأمل ، والطمع ، وسوء الطبع ، والحسد ، وحبّ السمن ، وكلها صفات للكافر ، بينما للمؤمن خلة ظاهرة هي الزهد في الدنيا. وربما كانت الأمعاء السبعة إشارة إلى الشهوات السبع الملازمة للطعام وهي : شهوة الطبع ، وشهوة النفس ، وشهوة العين ، وشهوة الفم ، وشهوة الأذن ، وشهوة الأنف ، وشهوة الجوع وهي الضرورية التي يأكل بها المؤمن ، وأما الكافر فيأكل بالجميع. أو أن الأمعاء السبعة كناية عن الحواس الخمس والشهوة والحاجة. وكما ترى أيها المسلم أن الحديث فيه فلسفة عظيمة وحكمة بالغة. وكان العقلاء في الجاهلية والإسلام يتمدحون بقلة الأكل ، ويذمّون بكثرة الأكل ، وعن حاتم الطائي قال :

فإنك إن أعطيت بطنك سؤله

وفرجك ، نالا منتهى الذم أجمعا

* * *

٢٠٨١ ـ كيف يستقبل المسلم طعامه؟

عن أبي هريرة قال : ما عاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم طعاما قطّ : إن اشتهاه أكله ، وإن كرهه تركه. ـ والطعام الذي لا يعاب هو الحلال ، فأما الحرام فيذمّ وينهى عنه. وقد يعاب الطعام من جهة الصنعة ولا يعاب من جهة الخلقة ، لأن ما خلق الله لا يعاب ، ويعاب ما صنع البشر. وربما كان التوقف عن الحكم أصحّ ، لأن العيب في صنعة الصانع يكسر قلبه ، ومن آداب الطعام أن لا يعاب. وترك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم للطعام المعيب يعني أن لا يقربه ولا يشتهيه ، ويسكت عنه فلا يذمّه ، وذلك من حسن الأدب ، فقد لا يشتهي المرء شيئا ويشتهيه غيره ، وكلّ مأذون في أكله من قبل الشرع ليس فيه عيب. والطعام لا يحلو إلا إذا أتاه المرء عن جوع ، ومن فلسفة الصيام التربوية أنه لتعويد الخلق على أن يجوعوا عن حق ، فإذا طعموا كانت للأكل حلاوة ولو كان صنعه معيبا.

* * *

٢٠٨٢ ـ كيف يبدأ المسلم طعامه؟

من آداب الطعام عند اليهود التسمية وهي ذكر الله في ابتداء الأكل ، ونقله عنهم النصارى. والمسلمون على التسمية ، فعن عائشة فيما أخرجه أبو داود والترمذي عن النبيّ

١٠١٨

صلى‌الله‌عليه‌وسلم قوله : «إذا أكل أحدكم طعاما فليقل بسم الله ، فإن نسى في أوله فليقل بسم الله في أوله وآخره». والمسلم على قوله : «بسم الله الرحمن الرحيم» ، فإن قال «بسم الله» كفاه ونهج على السنّة. وعند الغزالي أن المسلم الجيد هو من يقول بسم الله مع كل لقمة! ويستحب الغزالي للمسلم أن يقول مع اللقمة الأولى بسم الله ، ومع الثانية بسم الله الرحمن ، ومع الثالثة بسم الله الرحمن الرحيم! والغزالى مغال. وعن عمر بن أبى سلمة أنه لما كان غلاما أكل مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكان من تربيته صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن قال له : «يا غلام : سمّ الله ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك» ، والمسلمون على وجوب التسمية والأكل باليمين ، ومما يلي الأكل. ويدل على وجوب الأكل باليمين ورود الوعيد في الأكل بالشمال ـ إلا إذا كان أعسر أي يستخدم الشمال دائما. وعن سلمة بن الأكوع فيما أورده مسلم : أن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأي رجلا يأكل بشماله فقال له : «كل بيمينك». ومضمون هذه الأحاديث : استحباب الأكل والشرب باليمين ، وكراهة ذلك بالشمال ، وكذلك كل أخذ وعطاء ، إلا في حالات العذر من مرض أو جراحة فلا كراهة. واليمين مباركة ، وشرّف الله أصحاب الجنّة ونسبهم إلى اليمين ، فقال : (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) (٢٧) (الواقعة) ، وقال : (فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) (٩١) (الواقعة) ، ونسب أهل الكفر والعصيان إلى الشمال فقال : (وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ) (٤١) (الواقعة). ومن الآداب المناسبة لمكارم الأخلاق والسيرة الحسنة عند المسلمين ، اختصاص اليمين بالأعمال الشريفة والأحوال النظيفة. وعن عائشة رضى الله عنها قالت : كان النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحبّ التيمن ما استطاع فى طهوره وتنعّله وترجّله ، وفي شأنه كله». ومن مشمولات اليمين أن يكون الأكل من جهة اليمين ، وتقديمه كذلك من على اليمين. والمسلمون الأوائل كانوا يأكلون على الموائد والسفر والأخونة. وقال أنس بإخراج البخارى : أن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يأكل على السفرة وهى المائدة ، وأصلها ما كان يتخذه المسافر لزاده.

* * *

٢٠٨٣ ـ كيف ينهى المسلم طعامه؟

إذا كان اليهود والنصارى يسمون الله على الطعام كالمسلمين ، فإن المسلمين ينفردون بحمد الله بعد الطعام ، وعن أبى أمامة : أن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا رفع مائدته قال : «الحمد لله كثيرا حمدا طيبا مباركا فيه ، غير مكفيّ ، ولا مودّع ، ولا مستغنى عنه ربّنا». وقال مرة : «الحمد لله الذي كفانا وأروانا ، غير مكفيّ ولا مكفور» ، وقال مرة : «لك الحمد ربّنا غير مكفيّ ولا مودّع ولا مستغنى ربّنا». وقوله «غير مكفيّ» يعنى غير مردود عليه إنعامه ، أو غير محتاج إلى أحد ، ولكنه الذى يكفي الآخرين ، أو أن غير مكفي أى غير مكافأ على نعمه. وللنسائي عن طريق عبد الرحمن بن جبير أن النبىّ كان إذا قرّب إليه طعامه يقول : «بسم الله» ، فإذا

١٠١٩

فرغ قال : «اللهم أطعمت ، وسقيت ، وأغنيت ، وأقنيت ، وهديت ، وأحييت ، فلك الحمد على ما أعطيت». وهذا تعليم لم يرد مثله في أي من أسفار اليهود الخمسة والأربعين ولا أسفار النصارى الواحد والعشرين ، ولم تتضمنه أية نصوص فرعونية ولا بابلية ولا آشورية. فالحمد لله على الإسلام ، وعلى القرآن ، وعلى نبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

* * *

١٣ ـ الحجّ والعمرة

* * *

٢٠٨٤ ـ ما هى العمرة؟ وهل هى واجبة أم سنة؟

العمرة : فى اللغة : الزيارة ؛ وقيل إنها مشتقة من عمار المسجد الحرام. وقيل : إنها واجبة ، وقيل : إنها تطوّع ، وسئل النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل العمرة واجبة؟ فقال : «لا ، وأن تعتمر خير لك» أخرجه الترمذى. غير أنه فى الآية : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) (١٩٦) (البقرة) دليل على وجوب العمرة ، لأنه تعالى أمر باتمامها كما أمر بإتمام الحج. وقيل : الآية لا حجة فيها للوجوب ، لأنه تعالى قرنها فى وجوب الإتمام لا فى الابتداء ، فأمر أن يتم العمرة من بدأها ، ولم يأمر بابتدائها ، ولو حجّ عشر حجج ، أو اعتمر عشر عمر ، لزم الإتمام فى جميعها ، فالآية إذن لإلزام الإتمام لا لإلزام الابتداء. ثم إن العمرة لو كانت كالحج لكان بها الوقوف بعرفة ، ولتساوت مع الحج فى أفعاله ، فعلمنا أن العمرة ليست كالحج. ومن الذين قالوا : إن العمرة واجبة وجوب الحج من استطاع إليه سبيلا : عمر بن الخطاب ، وعلىّ بن أبى طالب ، وابن عباس ، والشافعى ، ومسروق ، والشعبى ؛ وقال الثورى : سمعنا أنها واجبة ؛ وقال مالك : العمرة سنّة ، ولا نعلم أحدا أرخص فى تركها ؛ وقال أبو حنيفة : هى سنة ثابتة ؛ وقال ابن عمر : ليس من خلق الله أحد إلا عليه حجة وعمرة واجبتان من استطاع إلى ذلك سبيلا ، فما زاد بعدهما فهو خير وتطوّع. وفى الحديث : «العمرة إلى العمرة كفّارة لما بينهما» ، والمراد تكفير الصغائر دون الكبائر ، لأن التكفير عن الكبائر يكون باجتنابها ، والاجتناب عام لجميع العمر ، وأما العمرة فتكفيرها مقيّد بزمانها. وفى الحديث «تابعوا بين الحج والعمرة فإن متابعة بينهما تنفى الذنوب والفقر» ، وفي ذلك دلالة على استحباب الاستكثار من العمرة ، والرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يفعلها إلا من سنة إلى سنة ، وهى جائزة فى جميع الأيام لمن لم يكن متلبسا بأعمال الحج باجتنابها.

* * *

١٠٢٠