موسوعة القرآن العظيم - ج ١

دكتور عبد المنعم الحفني

موسوعة القرآن العظيم - ج ١

المؤلف:

دكتور عبد المنعم الحفني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة مدبولي
الطبعة: ١
ISBN: 977-208-442-2
الصفحات: ١٢٤٦
الجزء ١ الجزء ٢

وكخواتيم سورة البقرة وكلها دعاء ، وخواتيم سورة آل عمران ، وتحضّ على الصبر والمثابرة ؛ ووصايا وفرائض سورة النساء ، وكان الختام بها حسنا لأنها آخر ما نزل من الأحكام بعد حجّة الوداع ؛ والوعد والوعيد الذى ختمت به سورة الأنعام. ومن محاسن مناسبة الفواتح مع الخواتم ، فاتحة سورة المؤمنين التى تقول : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) (١) ، وفى الخاتمة قال تعالى : (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) (١١٧) ، فكانت الفاتحة نقيض الخاتمة.

* * *

٣٦. إلى أى حرف نصف القرآن ، وثلثه ، وسبعه ، وربعه؟

أحصى ذلك الحجّاج بن يوسف الثقفى ، فقد سأل القراء والحفّاظ والكتّاب : إلى أى حرف نصف القرآن؟ فقالوا : عند حرف الفاء من سورة (الكهف) الآية ١٩ ، من كلمة (وَلْيَتَلَطَّفْ).

وقيل : إن الثلث الأول : ينتهى عند حرف الميم من كلمة (الْعَظِيمِ) من الآية ١٢٩ من سورة براءة ؛ والثلث الثانى : عند حرف الميم من كلمة (حَمِيمٍ) من الآية ١٠١ من سورة الشعراء ؛ والثلث الثالث : ما بقى من القرآن.

وقيل السبع الأول : ينتهى عند حرف الدال من كلمة (صَدِيدٍ) ، من الآية ٥٥ من سورة النساء ؛ والسبع الثانى : عند حرف الباء من كلمة (حَبِطَتْ) ، من الآية ١٤٧ من سورة الأعراف ؛ والسبع الثالث : عند حرف الألف من كلمة (أُكُلُها) ، من الآية ٣٥ من سورة الرعد ؛ والسبع الرابع : عند حرف الألف من كلمة (مَنْسَكاً) من الآية ٣٤ من سورة الحج ؛ والسبع الخامس : عند حرف الهاء من كلمة (مُؤْمِنَةٍ) ، من الآية ٣٦ من سورة الأحزاب ؛ والسبع السادس : عند حرف الواو من كلمة (السَّوْءِ) ، من الآية ٦ من سورة الفتح ؛ والسبع السابع : ما بقى من القرآن.

وأما الربع الأول فينتهى بخاتمة سورة الأنعام ؛ والثانى : عند كلمة (لْيَتَلَطَّفْ) من الآية ١٩ من سورة الكهف ؛ والربع الثالث : بخاتمة سورة الزمر ؛ والربع الرابع : ما بقى من القرآن.

* * *

٣٧. تكرار العدد ٧ ، والعدد ١٧ ومضاعفاتهما فى القرآن

يأتى العدد سبعة صريحا فى القرآن ٢٤ مرة : فالسماوات سبع (البقرة ٢٩) ؛ والآيات فى ذلك سبع : البقرة ٢٩ ، والإسراء ٤٤ ، والمؤمنون ٨٦ ، وفصلت ١٢ ، والملك ٣ ، والطلاق ١٢ ، ونوح ١٥ ؛ والطرائق فوقنا سبع (المؤمنون ١٧) ؛ والمثانى سبع (الحجر

٤١

٨٧) ، وفاتحة الكتاب آياتها سبع آيات ، وبها كل حروف الهجاء إلا سبعة أحرف ، هى : ث ـ ج ـ خ ـ ز ـ ش ـ ظ ـ ف ؛ وكلمة الإنسان ، عدد حروفها سبعة ؛ ويمر الإنسان بسبعة أطوار فى قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) (المؤمنون ١٤) ؛ وصيام من لم يجد الهدى سبعة أيام إذا رجع (البقرة ١٩٦) ؛ وجهنم لها سبعة أبواب (الحجر ٤٤) ؛ وأهل الكهف سبعة (الكهف ٢٢) ؛ والبحر يمده من بعده سبعة أبحر (لقمان ٢٧) ؛ والأراضين سبع (الطلاق ١٢) ؛ وآيات خلق السموات والأرض سبع : الأعراف ٥٤ ، ويونس ٣ ، وهود ٧ ، والفرقان ، ٥٩ ، والسجدة ٤ ، وق ٣٨ ، والحديد ٤ ؛ وبعد خلق السموات والأرض يأتى استواؤه تعالى على العرش فى سبع آيات : طه ٥ ، والرعد ٢ ، والحديد ٤ ، والسجدة ٤ ، والفرقان ٥٩ ، ويونس ٣ ، والأعراف ٥٤ ؛ والقسم فى الآيات السبع الأولى من سورة الشمس بسبعة أشياء ، وكلمة «لا أقسم» تتكرر فى سبع آيات : الواقعة ٧٥ ، والمعارج ٤٠ ، والقيامة ١ ـ ٢ ؛ والحاقة ٣٨ ، والتكوير ١٥ ، والانشقاق ١٦ ، والبلد ١ ؛ وكلمة «لا تقتلوا» فى سبع آيات : النساء ٢٩ ، والمائدة ٩٥ ، والأنعام ١٥١ ، والأنعام ١٥١ ، ويوسف ١٠ ، والإسراء ٣١ ، والإسراء ٣٣ ؛ والحبة سبع سنابل (البقرة ٢٦١) ؛ وحلم الملك سبع بقرات عجاف ، وسبع بقرات سمان (يوسف ٤٣) ؛ والسنبلات الخضر سبع ، واليابسات سبع (يوسف ٤٣) ؛ وسنوات الشدة سبع (يوسف ٤٨) ؛ وسنوات الرخاء سبع (يوسف ٤٧).

والعدد سبعون من مضاعفات السبعة ، فسلسلة النار ذراعها سبعون ذراعا (الحاقة ٣٢) ؛ واختار موسى من قومه سبعين رجلا (الأعراف ١٥٥) ، والاستغفار سبعون مرة (المنافقون).

ومن معجزات آية الكرسى أن الأفعال فيها سبعة ، والأسماء الموصولة سبعة ، وحروف العطف سبعة ؛ وترتيب كلمة «كرسيه» الثانية والأربعون ، وهو حاصل ضرب ٦ در ٧ ، وفى الآية اسم إشارة واحد هو «ذا» ، وترتيبه الواحد والعشرون يعنى حاصل ضرب ٣ در ٧. وهكذا فى آيات وسور كثيرة ، ففضلا عن المعمار الهندسى للسور ، هناك الهندسة الرياضية ، ولغة الرياضة المستخدمة بكثرة فى القرآن ، والحروف المقطّعة عددها ٧٨ ، وغير المكرر منها ١٤ ، يعنى ٧ در ٢.

واختلف المفسرون فى عدد آيات القرآن بحسب الوقف ، فقال بعضهم عددها ٦٢١٤ ، وقال آخرون ٦٢١٩ ، وبعضهم جعلها ٦٢٢٥ ، وفى المصحف الآن ٦٢٤٤ ، فأى عدد منها الصحيح؟ وغالبا أنه العدد ٦٢٤٤ لأنه يقبل القسمة على ٧.

* * *

٤٢

٣٨. أول سورة أنزلت ، وما تلاها

عن عائشة رضى الله عنها : أن أول سورة أنزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) ١ (العلق) ، ثم بعدها : (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) ١ (القلم) ، ثم بعدها : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) (١) ، ثم بعدها : (وَالضُّحى) (١) (الضحى).

وعن الزهرى : أول ما نزل سورة العلق ، وتنزّل منها قوله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (١) إلى قوله (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) (٥) ، فحزن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجعل يعلو شواهق الجبل ، فأتاه جبريل ، فقال له : «إنك نبىّ الله» ، فرجع إلى خديجة ، وقال : «دثرونى ، وصبّوا علىّ ماء باردا» ، فنزلت : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) (١) (المدثر).

والصحيح والثابت أن : أول سورة نزلت بمكة هى اقرأ ؛ وأول سورة نزلت بالمدينة هى البقرة ؛ وآخر سورة بمكة هى المطففين ؛ وآخر سورة بالمدينة هى النصر ؛ وقيل : أول سورة بالمدينة هى المطففين.

* * *

٣٩. أول آية نزلت من القرآن؟

إذا كنا قد حددنا أول آية نزلت من القرآن وهى اقرأ ، فإنه تتبقى شبهة أخرى إضافية عن موعد هذا النزول أو تاريخه؟ والجواب : أن القرآن قد ذكر أن الله تعالى أنزل أولى آياته فى رمضان ، فقال : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) (١٨٥) (البقرة) ، ووصف ذلك فقال : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) (٣) (الدخان) ، وحدّد التاريخ فقال : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (١) (القدر) ، وليلة القدر كما فى الحديث عند أحمد عن عبادة ابن الصامت : «فى رمضان فالتمسوها فى العشر الأواخر فإنها فى وتر إحدى وعشرين ، أو ثلاث وعشرين ، أو خمس وعشرين ، أو سبع وعشرين ، أو تسع وعشرين ، أو فى آخر ليلة». وروى عن ابن قلابة أنه قال : «ليلة القدر تنتقل فى العشر الأواخر» ، وعند الشافعى والحسن البصرى أنها ليلة غزوة بدر كما فى القرآن : (وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) (٤١) (الأنفال) ، وهى ليلة ١٧ من رمضان ، وفى صبيحتها كانت وقعة بدر.

* * *

٤٠. أول وآخر ما نزل من آيات القرآن؟

يزعم المستشرقون من النصارى واليهود أن هناك شبه حول أول وآخر ما نزل من القرآن ، ويشككون فى مصداقية علماء المسلمين ، بدعوى أنه حتى فيما نزل من أوائل القرآن أو أواخره فهم لا يعلمون شيئا!! ويسوقون كدليل على ذلك أن عائشة قالت : إن

٤٣

أول سورة : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) ، وروى ذلك عنها البخارى ، ومسلم ، والحاكم ، والبيهقى ، ويؤيدها أبو موسى الأشعرى كما جاء عند الطبرانى. إلا أن الشيخين يرويان أيضا عن جابر بن عبد الله : أول ما نزل إطلاقا كان قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) ، وكذلك روى البيهقى عن أبى ميسرة عمرو بن شرحبيل : أن الفاتحة كانت أول ما نزل من السور. وعن عكرمة والحسن : أن أول ما نزل من القرآن : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١) (الفاتحة) ؛ وأن أول ما نزل من السور : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (العلق).

والمنطقى أن يأتى فى رواية عائشة فى المقدمة قولها : أن الملك جاء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يتحنث أو يتعبّد مجاورا فى غار حراء ، فقال له : «اقرأ» ، فقال : «ما أنا بقارئ»؟ فكرر عليه ذلك ، وفى كل مرة يقول النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أنا بقارئ»؟ فيقول له الملك : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (١) (العلق) ـ حتى يبلغ فى السورة إلى (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) (٥). ثم إن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخرج من حراء ، فيسمع من خلفه النداء عليه : يا محمد! يا محمد! فيهمّ أن ينطلق هاربا ، فيقول له : لا تفعل. قل : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٢) ، حتى يبلغ : (وَلَا الضَّالِّينَ). ثم إن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتوجه إلى بيته يرجف فؤاده ، فتأمر زوجته أن يدثّروه ، فينزل الله عليه : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ) (٢).

وأما شبهة آخر ما نزل من القرآن ، فالخلاف حول ما إذا كانت الآية : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (٣) (المائدة) هى آخر ما نزل من القرآن ، لأن الآية صريحة تعلن أن الدين قد اكتمل ، وأن كلمة الإسلام قد تمّت ، صدقا فى الإخبار عن الله ، وعدلا فيما أنزله من أوامر ونواه ، وقال اليهود لعمر فى نزولها : «لو نزلت هذه الآية فينا لاتخذناها عيدا»! ـ غير أنّ الآية عن إكمال الدين ، وليست عن إكمال القرآن ، وكان نزولها فى عرفة ، يوم الجمعة التاسع من ذى الحجة سنة عشر هجرية ، وعاش النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعدها ٧٢ يوما ، استمر القرآن يتنزّل عليه فيها.

وفى الرواية عن البراء : أن آخر ما نزل من القرآن : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) (١٧٦) (النساء). وعن ابن عباس ، فيما أخرجه النسائى ، قال : إن آخر ما نزل قول الله تعالى فى سورة البقرة : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٢٨١). وقال سعيد بن جبير : آخر ما نزل من القرآن كله : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) ، فقال جبريل للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا محمد ، ضعها فى رأس ثمانين ومائتين من البقرة». قال : وعاش النبىّ بعد نزول هذه الآية تسع ليال ، ثم مات يوم الاثنين لليلتين

٤٤

خلتا من ربيع الأول. وقال ابن جريج : آخر آية نزلت : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٢٨١) (البقرة). وقال : إن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عاش بعدها تسع ليال ، وبدأ المرض به يوم السبت ، ومات يوم الاثنين. ولم ينزل بعدها شيئ.

وقيل : إنها نزلت قبل موته بسبع ليال ؛ وروى بثلاث ليال ، أو ثلاث ساعات.

* * *

٤١. أجمل قول فى القرآن

قوله تعالى : (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٧٤) (آل عمران) هو أجمل قول فى القرآن ، لأنه قول يبقى رجاء الراجى.

* * *

٤٢. أرجى آية فى القرآن

لما أنزل الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١١) (النور) ، العشر آيات حتى : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢٢) ، قال أبو بكر ـ وكان ينفق على مسطح بن أثاثة من الذين اشتركوا فى الإفك ، وكان إنفاقه عليه بسبب قرابته له وفقر مسطح ، قال : والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذى قال عن عائشة ، فأنزل الله تعالى (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ) ، إلى قوله : (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، فقيل : هذه أرجى آية فى كتاب الله ـ أى هذه الآية الأخيرة : (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). وقيل أن أبا بكر لما سمعها قال : والله لأحب أن يغفر الله لى ، أو قال : لا أنزعها منه أبدا ، فأرجع إلى مسطح النفقة.

وقيل : هذه أرجى آية فى كتاب الله من حيث لطف الله بالقذفة. وأما أرجى آية عموما فهى قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) (٤٧) (الأحزاب) ، والآية : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (٢٢) (الشورى) ، وقوله تعالى : (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) (١٩) (الشورى).

* * *

٤٣. أرجى آية للموحّدين

قال ابن عباس : أرجى آية هى الآية : (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ

٤٥

وَتَوَلَّى) (٤٨) (طه) ، لأنها تقصر العذاب على المكذّبين للأنبياء وللبعث والحساب ، المعرضين عن الإيمان ، فأمّا من وحّد الله وآمن ، فله الجنة ، فالآية لذلك أرجى آية للموحّدين.

* * *

٤٤. أوسع وأرجى آية فى القرآن

هى الآية : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٥٣) (الزمر) ، قال علىّ بن أبى طالب : هى أوسع آية فى القرآن ؛ وقال عبد الله بن عمر : هى أرجى آية فى القرآن ، فردّ عليهما ابن عباس ، وقال : أرجى آية فى القرآن : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) (٦) (الرعد).

وقيل : إن عليّا قال لأهل العراق : إنكم تقولون : إن أرجى آية فى كتاب الله : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) (الزمر) ، قالوا : إنا نقول ذلك. قال : ولكنا أهل البيت نقول : إن أرجى آية فى كتاب الله قوله تعالى : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) (٥) (الضحى).

* * *

٤٥. أرجى وأحسن آية فى القرآن

فى الرواية أن الصحابة تذاكروا القرآن ، فقال أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه : قرأت القرآن من أوله إلى آخره ، فلم أر فيه أرجى وأحسن من قوله تبارك وتعالى : (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) (٨٤) (الإسراء) ، فإنه لا يشاكل بالعبد إلا العصيان ، ولا يشاكل بالربّ إلا الغفران.

وقال عمر بن الخطاب : قرأت القرآن من أوله إلى آخره ، فلم أر فيه آية أرجى وأحسن من قوله تعالى : (حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (٣) (غافر) ، فإنه تعالى قدّم غفران الذنوب على قبول التوبة.

وقال عثمان بن عفان : قرأت جميع القرآن من أوله إلى آخره ، فلم أر آية أحسن وأرجى من قوله تعالى : (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٤٩) (الحجر).

وقال علىّ بن أبى طالب : قرأت القرآن من أوله إلى آخره فلم أر أحسن وأرجى من قوله تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٥٣) (الزمر).

٤٦

وقال أحدهم معلقا : قرأت القرآن من أوله إلى آخره ، فلم أر أحسن وأرجى من قوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (٨٢) (الأنعام).

* * *

٤٦. أحبّ آية إلى علىّ بن أبى طالب

عن الترمذى ، عن علىّ بن أبى طالب ، قال : ما فى القرآن آية أحب إلىّ من هذه الآية : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٤٨) (النساء).

* * *

٤٧. آية فى القرآن لم يعمل بها أحد إلا على بن أبى طالب

هى الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٢) (المجادلة). قال علىّ : فى كتاب الله آية ما عمل بها أحد قبلى ولا بعدى». وكان لعلىّ دينار جعله دراهم ، فإذا ناجى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم تصدّق بدرهم إلى أن نفدت الدراهم.

* * *

٤٨. آية هى رحى آى القرآن

هى الآية : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ) (١٣١) (النساء) ، فجميع آى القرآن يدور عليها ، وهى لذلك رحى آى القرآن.

* * *

٤٩. آية كان يجب أن يتخذ اليوم الذى أنزلت فيه عيدا

هى الآية : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (٣) (المائدة) ، ويروى أن جماعة من اليهود جاءوا إلى عمر فقالوا : يا أمير المؤمنين ، آية فى كتابكم تقرءونها ، لو علينا أنزلت معشر اليهود ، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا ، قال : أى آية؟ قالوا : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ...) الآية ، فقال عمر : إنى لأعلم اليوم الذى أنزلت فيه ، والمكان الذى أنزلت فيه : نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعرفة فى يوم جمعة. وقيل نزلت يوم فتح مكة. وقيل : لما نزلت بكى عمر ، فسأله الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما يبكيك»؟ ، قال : أبكانى أنّا كنا فى زيادة من ديننا ، فأمّا إذا كمل فإنه لم يكمل شىء إلا نقص. قيل : وبعدها نزل قرآن كثير ، ونزلت آية الربا ، وآية الكلالة إلى غير ذلك الأمر الذى يدل على أن الدين لم يكمل ، وإنما كمال الدين كان عند ما أمر بالحج بهذه الآية.

* * *

٤٧

٥٠. أعظم آية فى اشتياق المحب لحبيبه

هى الآية : (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى) (٨٣) (طه) ، وهى أعظم آية فى التعبير عن اشتياق المحب لحبيبه ، فقد قال الله لموسى ذلك وهو يعلم السبب ، فأجابه موسى بأجمل ردّ من حبيب لمحبوبه ، قال : (هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) (٨٤) (طه) ، فقد اضطرب موسى وهو فى الحضرة الإلهية ، فأجاب بغير الجواب على السؤال ، فقد سأله عن السبب الذى أعجله ، فأخبر عن مجيئهم على أثره ، وقال : (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) فكنّى عن الشوق ، وأنه ما ابتغى إلا الرضا. ومثل ذلك روى عن عائشة رضى الله عنها ، إذا أوت إلى فراشها ، كانت تقول : هاتوا المجيد. ـ تكنّى عن المصحف ، وتأخذه إلى صدرها ، وتنام معه ساكنة ، راضية ، مطمئنة. وكان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول ويفعل مثل ذلك ، فإذا أمطرت خلع قميصه يتلقى المطر على جسمه ويقول منشرحا : «إنه حديث عهد بربّى» يقصد المطر يقدم من السماء من عند ربّه ، فيحبه حبّه لربّه ، ويطلبه طاهرا قبل أنّ يدنّس. فهذا من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن حواريته عائشة رضى الله عنها أم المؤمنين ، وفى الحديث القدسى أنه تعالى قال : «طال شوق الأبرار إلى لقائى ، وأنا إلى لقائهم أشوق».

* * *

٥١. آية القرّاء العاملين العالمين

هى الآية : (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ) (٢٩) (فاطر) ، وهى فيما ينبغى أن يتخلّق به قارئ القرآن.

* * *

٥٢. أحكم آية فى القرآن

هما آيتان : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٨) (الزلزلة) ، اعتبرهما ابن مسعود آية واحدة ، وقال : هذه أحكم آية فى القرآن. وقال فيهما كعب الأحبار : أنزل الله على محمد آيتين أحصتا ما فى التوراة والإنجيل والزبور والصّحف.

* * *

٥٣. الآية الجامعة الفاذة

هما آيتان : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٨) (الزلزلة) ، والوصف جعلهما آية ، وقال عنهما النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما جاء فى الصحيح : «هى الجامعة الفاذّة» ، فلأنها تجمع العلم كله هى جامعة ، وهى الفاذة لفرادتها.

٤٨

وعن عائشة أنها كانت ترى فى حبّة العنب الواحدة مثاقيل ذرّ كثيرة ، فلا غرابة أن تكون الآية الواحدة جامعة وفاذة. وعن سعد بن أبى وقاص ، أنه كان يرى فى الثمرة مثاقيل ذرّ كثيرة. واستهول الأعرابى أن يحاسبنا الله على مثقال الذرّة فقال : وا سوأتاه! فعقب النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «لقد دخل قلب الأعرابى الإيمان» ، أو قال : «قد فقه». وقال فى الآية الصعصعة عمّ الفرزدق : لا أبالى ألا أسمع من القرآن غيرها! حسبى ، فقد انتهت الموعظة!

إن من يعتدى ويكسب إثما

وزن مثقال ذرة سيراه

ويجازى بفعله الشرّ شرّا

وبعض الجميل أيضا جزاه

* * *

٥٤. آية من جوامع الدعاء

هى الآية : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ) (٢٠١) (البقرة) ، وهى تعمّ الدنيا والآخرة ، وحسنتا الدنيا والآخرة هما ما فيهما من نعم ، وقوله تعالى (حَسَنَةً) تحتمل كل الحسنات على البدل ، ومن ذلك : العافية ، والصحة ، وكفاف المال ، والعلم ، والعبادة ، والزوجة الطيبة ، والذرّية الصالحة إلخ ؛ وحسنة الآخرة هى الجنة ، وقوله (وَقِنا عَذابَ النَّارِ) دعاء مؤكد لطلب دخول الجنة ، كقول الصحابى للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنا إنما أقول فى دعائى : «اللهم ادخلنى الجنة وعافنى من النار». وقيل لأنس : أدع الله لنا ، فقال : «اللهم آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار». قالوا : زدنا؟ قال : «ما تريدون؟ قد سألت الدنيا والآخرة». وكانت هذه أكثر دعوة يدعو بها النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان يأمر أن تكون أكثر ما يدعو به المسلم فى المواقف.

* * *

٥٥. أجمع آية فى القرآن

هى الآية : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٩٠) (النحل) ، قال فيها ابن مسعود : هذه أجمع آية فى القرآن لخير يمتثل ، ولشرّ يجتنب. وقال فيها أبو طالب لما سمع أنها نزلت على ابن أخيه : اتّبعوا ابن أخى فو الله إنه لا يأمر إلا بمحاسن الأخلاق.

وقال عثمان بن مظعون : ما أسلمت ابتداء إلا حياء من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى نزلت هذه الآية وأنا عنده ، فاستقر الإيمان فى قلبى ، فقرأتها على الوليد بن المغيرة فقال : يا بن أخى ، أعد! فأعدت ، فقال : والله إن له لحلاوة (يقصد القرآن) ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أصله لمورق ، وأعلاه لمثمر ، وما هو بقول بشر!

٤٩

والعدل فى الآية : هو الإنصاف ؛ والإحسان : هو فعل كل ما هو مندوب إليه ؛ وإيتاء ذى القربى : أى القرابة ، مثل قوله : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) (٢٦) (الإسراء) ، يعنى صلته. وخصّ ذوى القربة لأن حقوقهم أوكد ، وصلتهم أوجب ، لتأكيد حقّ الرحم التى اشتق الله اسمها من اسمه ، وجعل صلتها من صلته ؛ والفحشاء : هى الفحش ، وهو كل قبيح من قول أو فعل ؛ والمنكر : ما أنكره الشرع بالنهى عنه ، وهو يعمّ جميع المعاصى والرذائل والدناءات على اختلاف أنواعها ؛ والبغى : هو الكبر ، والظلم ، والحقد ، والتعدّى ، وحقيقة تجاوز الحدّ ، وهو داخل تحت المنكر ، لكنه تعالى خصّه بالذكر اهتماما به لشدة ضرره.

* * *

٥٦. أجمع آية لمكارم الأخلاق

هى الآية : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (١٩٩) (الأعراف) ، وهى من ثلاث كلمات وتضمنت قواعد الشريعة فى المأمورات والمنهيات. وقيل فيها : ما أنزل الله هذه الآية إلا فى أخلاق الناس ، وأن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما سمعها من جبريل سأله عنها ، فاستأذنه ليسأل ربّه ، ثم رجع فقال : «إن الله تعالى يأمرك أن تعفو عمّن ظلمك ، وتعطى من حرمك ، وتصل من قطعك» ؛ وقال فيها جعفر الصادق : أمر الله نبيّه بمكارم الأخلاق فى هذه الآية ، وليس فى القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية ، وفى الحديث : «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» أخرجه الحاكم.

* * *

٥٧. آية جمعت كل ما فى كتب الأنبياء

هى الآية : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) (٥٢) (النور) ، فهى فى الفرائض بقوله : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ) ؛ وفى السنن بقوله : (وَرَسُولَهُ) ؛ وفيما مضى من العمر ، بقوله : (وَيَخْشَ اللهَ) ؛ وفيما بقى من العمر بقوله : (فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) ، فالفائز من نجا من النار وأدخل الجنة ، فهذه آية جمعت كل ما فى كتب الأنبياء ، وهى خلاصة كل الرسالات ، ومما يقال له «جوامع الكلم».

* * *

٥٨. آية تكفى الناس جميعا

هى الآية : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (٣) (الطلاق) ، اجتزأها أبو ذرّ وقال : إنى لأعلم آية لو أخذ بها الناس لكفتهم ، هى قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ).

٥٠

٥٩. آية العز فى القرآن

هى الآية : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) (١١١) (الإسراء) ، فلأنها نفت أن يكون لله ولد أو شريك أو ناصر يذل له إذا احتاجه ، سمّيت «آية العزّ» ، فالله عزيز بنفسه ، والتكبير هو قول «الله أكبر» وهى أبلغ لفظة للعرب فى معنى التعظيم والإجلال.

* * *

٦٠. أكبر آية فى القرآن فرجا

هى الآية : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (٣) (الطلاق) ، فبالتقوى يجعل له مخرجا من كل شىء ضاق على الناس ، ومخرجا من شبهات الأمور ، ويخصّه بالفرج من كل شدة وضيق وكرب ، ويرزقه من حيث لا يدرى ، ومن حيث يرجو ولا يأمل.

* * *

٦١. أطول آية فى القرآن

هى الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٢٨٢) (البقرة) ، وهى ، المسماة «آية الدّين» ، وتتناول جميع المداينات ، وتشتمل على ثلاثين حكما. والدّين عبارة عن كل معاملة يكون أحد العوضين فيها نقدا ، والآخر فى الذمة نسيئة. والعين نقيض الدين ، والعين : ما كان حاضرا ؛ والدين : ما كان غائبا. والكتابة مأمور بها فى الدّين والأجل ، ويكتبان بجميع صفتهما المعربة عنهما ، والمعرّفة للقاضى بما يحكم به. والأمر بالكتابة : لحفظ الأموال وإزالة الريب. والتقىّ لا تضره الكتابة. وقيل : من أدان فليكتب ، ومن باع فليشهد. والأمن قد يعفى من الكتابة ، إلا أن الكتابة فى الدين أفضل ، وتحاجّ صاحب الحق. والإشهاد حزم ، والائتمان فى الحل والسعة ، والإشهاد فى حالة عدم

٥١

الكتابة ، وهو طلب الشهادة ، وشرطه معاينة الشاهد لما يشهد به لا من يشهد بالاستدلال. وسبيل الشهادة اليقين ، وتقضى باليمين مع الشاهد ، ولذلك كانت شهادة المرأتين كشهادة رجل واحد ، لأن المرأة أكثر نسيانا ، والنساء عموما أقل خبرة بالحياة ، وأدنى تعليما ، وأبعد عن شئون المال ، ولم يعرف أن النساء يقترضن أو يقمن بالتجارة لأنفسهن ، وإلا ففي المسائل غير المال فإن المرأة الواحدة قد تشهد وشهادتها صحيحة ، والأولى الكتابة فهى أثبت للحق وأعدل من الإشهاد الشفهى ، وهى أصحّ من الشهادة ، وأذهب للريبة.

* * *

٦٢. أشد آية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

هى الآية : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) (٣٧) (الأحزاب) ، وعن عائشة قالت : ما أنزل الله على رسوله آية أشد عليه من هذه الآية. وقالت : لو كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كاتما شيئا من الوحى لكتم هذه الآية.

* * *

٦٣. الآية الأصل فى الشركة بين المخلوقين ونفيها عن الله

هى الآية : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) (٢٨) (الروم) ، يعنى أنكم لا ترضون أن يكون عبيدكم شركاءكم فيما تملكون ، لهم ما لكم ، فإن كنتم لا ترضونه لأنفسكم ، فكيف ترضونه لله؟! وجوابهم : ليس عبيدنا شركاءنا فيما نملك. فقال لهم : فكيف يتصوّر أن تنزّهوا نفوسكم عن مشاركة عبيدكم ، وتجعلوا عبيد الله شركاء له فيما خلق؟ ـ كقول النصارى : إن المسيح ابن الله ، أو هو الله ، فجعلوه شريكا له وهو من خلقه ، فحكمهم فاسد.

* * *

٦٤. آيتان ما أشدهما على الذين يجادلون فى القرآن

هى الآية : (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) (٤) (غافر) ، والآية : (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) (١٧٦) (البقرة).

* * *

٦٥. آية عظيمة من أمهات الأحكام

هى الآية : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ

٥٢

وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (١٧٧) (البقرة) ، وهى من أمهات الأحكام لأنها تضمنت ست عشرة قاعدة ، هى : الإيمان بالله وبأسمائه وصفاته ؛ والنشر والحشر ؛ والميزان ؛ والصراط ؛ والحوض ؛ والشفاعة ؛ والجنّة والنار ؛ والملائكة ؛ والكتب المنزّلة وأنها حقّ من عند الله ؛ والنبيين ؛ وإنفاق المال فيما يعنّ من الواجب والمندوب ؛ وإيصال القرابة وترك قطعهم ؛ وتفقد اليتامى والمساكين ؛ ومراعاة ابن السبيل المنقطع به والسؤّال وفكّ الرقاب ؛ والمحافظة على الصلاة ؛ وإيتاء الزكاة.

* * *

٦٦. آية التيمم

هى الآية : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) (٤٣) (النساء) ، نزلت لما فقدت عائشة قلادة لها فتوقفت القافلة للبحث عنها ، وحضرت الصلاة وليس معهم ماء ، فنزلت الآية ترخّص لهم التيمم.

* * *

٦٧. آية اليتامى

هى الآية : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) (٢) (النساء) ، والإيتاء الإعطاء ، واليتيم هو من لا أب أو أم له ، أو توفى والده وكان طفلا ، ولا يتم مع البلوغ ، وكان يقال للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «يتيم أبى طالب» باعتبار ما كان. وفى الآية النهى عن إبدال أموال اليتامى بالرديء من أموال الوصىّ على اليتيم ، والمعنى : لا تأكلوا أموال اليتامى ـ وهى محرّمة خبيثة ، ولا تدعوا الطيب من أموالكم ، وكان أهل الجاهلية لا يورثون النساء والصبيان ويأخذ الأكبر من الأولاد الميراث كله ..

* * *

٦٨. آية الفرائض

هى الآية : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ

٥٣

يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١١) وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) (١٢) (النساء) ، قيل إنها ثلث العلم ، أو نصفه ، وأنها عمدة الأحكام ، وتسمى آية الفرائض ، وفى الحديث : «تعلموا الفرائض وعلّموه الناس فإنه نصف العلم ، وهو أول شىء ينسى ، وأول شىء ينزع من أمتى» أخرجه الدار قطنى.

* * *

٦٩. آية الاستئذان

هى الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) (النور) ، خصّ بها أكثر الناس للاستئذان ، ويروى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسل غلاما من الأنصار يقال له مدلج إلى عمر بن الخطّاب ظهيرة ليدعوه ، فوجده نائما قد أغلق عليه الباب ، فدقّ عليه الغلام ، فناداه عمر ودخل ، فاستيقظ عمر ، وانكشف منه شىء ؛ فقال : وددت أن الله نهى أبناءنا ونساءنا وخدمنا عن الدخول علينا فى هذه الساعات إلا بإذن ، ثم انطلق إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فوجد هذه الآية قد أنزلت ، فخرّ ساجدا لله.

* * *

٧٠. آخر آية نزلت من السماء

هى الآية (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (١١٠) (الكهف) ، ختم بها الله تعالى البيان ، قيل : ومعنى (لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) أن لا يرائي بعمله أحدا. وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أتخوّف على أمتى من بعدى الشرك والشهوة الخفية» ، وسئل : أو تشرك أمتك من بعدك؟ قال : لا يعبدون شمسا ولا قمرا ، ولا حجرا ولا وثنا ، لكنهم يراءون بأعمالهم». قيل : والرياء ، أشرك هو؟ قال : «نعم». قيل : فما الشهوة الخفية؟ قال : «يصبح أحدهم صائما ، فتعرض له شهوات الدنيا فيفطر». وقيل الشهوة الخفية من قبل النساء. وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من صلّى صلاة يرائي بها فقد أشرك ، ومن صام صياما يرائي به فقد أشرك» ثم تلا : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (١١٠) (الكهف). وفى الحديث عن أبى بكر أن

٥٤

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ذكر الله الشرك ، قال : هو فيكم أخفى من دبيب النمل ، وسأدلك على شىء إذا فعلته أذهب عنك صغار الشرك وكباره. تقول : اللهم إنى أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم ، وأستغفرك لما لا أعلم ، تقولها ثلاث مرات» ، ودواء الرياء من قول لقمان : كتمان العمل.

* * *

٧١. آية الحجاب

هى الآية : (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) (٥٣) (الأحزاب) ، وسببها أمر قعود بعض المدعوين فى بيت زينب لما تزوجها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد زيد بن حارثة ، فإن زينب تأذّت من جلوسهم ، وكانت تقعد غير بعيد ووجهها إلى الحائط ، فلما انصرفوا قامت وقام النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأسدل الستار على بابه ، ونزلت الآية.

وقيل : إن الآية نزلت فى غير ذلك ، فقد أثر عن عمر بن الخطاب قوله : وافقت ربّى فى ثلاث : فى مقام إبراهيم ، وفى الحجاب ، وفى أسرى بدر. وفى رواية عمر : قلت يا رسول الله ، لو ضربت على نسائك الحجاب ، فإنه يدخل عليهن البرّ والفاجر ، فأنزل الله الآية. وكان نزولها يوم بنى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بزينب. والمتاع فى الآية هو أى شىء يمكن أن يستعيره الناس منهم من متاع الدنيا ، كالأوعية ، أو متاع الدين كصحف القرآن ، فأذن الله فى مسألتهن من وراء حجاب فى حاجة تعرض ، أو مسألة يستفتين فيها.

والحجاب أنفى للريبة ، وأبعد للتهمة ، وأقوى فى الحماية ، وأطهر لقلوب المؤمنين ، ولقلوب نساء النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من الخواطر التى قد تعرض للرجال فى أمر النساء ، وللنساء فى أمر الرجال.

* * *

٧٢. آية الامتحان

هى الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (١٠) (الممتحنة).

* * *

٧٣. آية الكلالة اسمها آية الصيف

الكلالة تأتى فى القرآن مرتين ، فى المرة الأولى : (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ

٥٥

وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ) (١٢) (النساء) ، وفى المرة الثانية : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) (١٧٦) (النساء).

والكلالة هو الرجل (أو المرأة) يموت وليس له ولد ، ولا زوجة ، وله إخوة وأخوات. وهذه الآية الأخيرة هى التى يقال لها آية الميراث فى الكلالة ، وقيل هى آخر آية نزلت من القرآن بسبب جابر بن عبد الله ، وكان النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتجهّز لحجة الوداع ، وكان جابر قد أغمى عليه واحتار كيف يفعل فى ماله وهو كلالة. وقيل بل آخر آية هى : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٢٨١) (البقرة) ، وأما آية الميراث فى الكلالة فهى التى يسمونها آية الصيف ، لأن نزولها كان فى الصيف ، بينما آية الكلالة الأولى كان نزولها فى الشتاء.

* * *

٧٤. آية الوضوء

هى الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٦) (المائدة) وفيها رخصة التيمم.

* * *

٧٥. آية التوحيد

هى الآية : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) (١٦٣) (البقرة) ، وفيها وجوب إظهار التوحيد وعدم جواز كتمانه ، وأنه على من يضطلع بذلك أن يقدّم البرهان على ما يقول ، وثنّى به فى الآية : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (١٦٤) (البقرة) ، فدعا إلى النظر والتفكّر والتدبّر فى عجائب صنع الكون ، ليعلم كل منكر وجاحد أن الكون لا بد له من فاعل لا يشبهه فى شىء.

وفى الرواية : أن كفار قريش قالوا : يا محمد ، انسب لنا ربّك ، فأنزل الله تعالى سورة الإخلاص (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، وأنزل هذه الآية التى صار اسمها آية التوحيد ، وقيل : كان للمشركين ثلاثمائة وستون صنما ، فبين الله تعالى أنه واحد. وقيل لما نزلت : (وَإِلهُكُمْ

٥٦

إِلهٌ واحِدٌ) قال كفار قريش : كيف يسع الناس إله واحد؟! وما الدليل على ذلك؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وفيها دليل التوحيد ، وأن هذا العالم بناء عجيب لا بد له من بان وصانع ، وجمع فيها السموات لأنها أجناس مختلفة ، ووحّد الأرض لأنها أرض واحدة. وآية السموات : أنها بغير عمد ظاهر ، ولا علائق من فوقها ، خرقا للعادة والقوانين ، فدلّ ذلك على القدرة. وآية الأرض : بحارها وأنهارها ، ومعادنها ، وشجرها ، وسهلها ، ووعرها. وآية الليل والنهار : اختلافهما فى الأوصاف من النور والظلمة ، والطول والقصر. وآية الفلك : أنها تجرى فى البحار. والفلك هى السفن. والفلك مذكر ومؤنث ، ومفرد وجمع. ووجه الإعجاز فى الفلك تسخيرها لتجرى على وجه الماء ، ووقوفها فوقه مع ثقلها. وقيل : أول من صنع الفلك على غير مثال نوح ، بوحى من الله ، فصنعها على هيئة جؤجؤ الطير ـ أى صدره ، فتكون عريضة من أمام ونحيفة من الخلف. والآية دليل على وجوب ركوب البحر لتجارة أو غيرها. وآية المطر : إنعاشه الأرض فيخرج الزرع وتكون الأرزاق ، ويسيل المطر فيصنع الأنهار ، ويسكن الأرض لتكون الينابيع يرتوى منها الناس والحيوان فى غير وقت المطر. وحيثما كان الزرع كان الحيوان من كل نوع. وآية الرياح : تصريفها وإرسالها عقيما وملقّحة. وصرا ، وصرصرا ، ورخاء ، وطيبة ، ومبشّرة ، وحارة ، وباردة ، ولينة ، وعاصفة ، وقاصفة ، واختلاف طبائعها من اختلاف طبائع فصول السنة. وآية السحاب : أنه مسخّر بين السماء والأرض ، وسمى سحابا لانسحابه فى الهواء ، وتسخيره بعثه من مكان إلى مكان ، ولو لا السحاب ما كان المطر. فهذه الآيات شملت الأصول الخمسة : المكان من سماء وأرض ، والأرض ، التى هى التراب ؛ والزمان من ليل ونهار ؛ والماء ؛ والهواء ، وهى دلالات على وحدانيته تعالى وقدرته ، ولذلك أعقبها بقوله : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ليدل بها على صدق الخبر عما ذكره قبلها من وحدانيته ورحمته ورأفته بخلقه ، وفى الحديث : «ويل لمن قرأ هذه الآية فمجّ بها» أى لم يحفل بها ولم يعتبرها.

* * *

٧٦. آية الكرسى أعظم آية فى القرآن

هى الآية : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (٢٥٥) (البقرة) ، وكلماتها خمسون كلمة تشملها عشر جمل مستقلة ، وتبدأ باسم الله ، وهو أجلّ أسمائه

٥٧

تعالى ، ويتكرر فيها ظاهرا ومضمرا ، تمجيدا للواحد الأحد ثمانى عشرة مرة ، وقيل : هى ثلث القرآن ، أو ربعه ، ويندب المؤمنون إلى قراءتها دبر كل صلاة ، وبالمقارنة بغيرها من الآيات هى سيدة آى القرآن ، وأعظم وأشرف آية فيه ، لأنها تحتوى جميع العلوم فى التوحيد ؛ والفاتحة بالمقارنة إليها هى أم القرآن ، باعتبار القرآن توحيد ، وعبادة ، ووعظ ، وتذكير ، فهى أوسع من آية الكرسى وأشمل ، بينما آية الكرسى أعمق فى تناولها للتوحيد ، وأعظم من (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (١) التى فيها التوحيد كله ، وتعدّ مثلها ثلث القرآن ، ومن ثم قيل : إن من يواظب على قراءة آية الكرسى يصبح من الصدّيقين أو العابدين ، ويسمونها كذلك ولية الله ، وقارئها من أولياء الله ، وله أجر الشاكرين ، وثواب النبيين ، وعطاء الصدّيقين. وكان نزول آية الكرسى على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلا ، فاستدعى زيدا ليمليها عليه. وقيل : إن اسم الله الأعظم فيها هو (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) ، ويأتى فى القرآن ثلاث مرات ، فى البقرة فى قوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (٢٥٥) ، وفى آل عمران وفى قوله تعالى : (الم (١) اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (٢) ، وفى طه فى قوله تعالى : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً) (١١١).

والله فى الآية مبتدأ ، و «لا إله» مبتدأ ثان ، و «إلا هو» بدل من «لا إله» ، أو أن «الله لا إله إلا هو» ابتداء وخبر ، فأخبر أنه تعالى المنفرد بالإلهية لجميع الخلائق ؛ و «الحىّ القيوم» بدل من «هو» ونعت لله ، أو خبر بعد خبر على إضمار مبتدأ. واليهود يدعون بالعبرانية فيقولون : «أياهيا شراهيا» ، يعنى «يا حىّ يا قيّوم.»

والله تعالى حىّ قيّوم كما وصف نفسه ، لأنه لا يموت ، ولا يحول ، ولا يزول ، وببقائه حيا تبقى الأشياء بمقاديرها ، وتستمر الأمور فى مصاريفها. وهو «القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم» ، لأنه يقوم بتدبير ما يخلق ، ويقوم على كل نفس بما كسبت ، ويعلم بها ولا يخفى عليه شىء منها. ومن تمام القيومية أنه لا تعتريه سنة ولا نوم ، وفرق بين السنة وهى من الرأس ، والنعاس ويكون فى العين ، والنوم الذى هو فى القلب ، ولا يصاب به الإنسان إلا اعتراه الفتور ، ولحقه الملل ، وأصابه التعب والرهق ، ولو كان الله ينام لم تمسك السماء ولا الأرض ، وإنما كل ما فيهما ملك يمينه ، ورهن مشيئته. وقوله «ما فى السموات وما فى الأرض» يقصد به جملة الموجودات ، وليس الإنسان وحده كما يدّعى المستشرقون ، وإلا لكان استخدم من بدلا من ما ، كما فى قوله «من ذا الذى يشفع عنه إلا بإذنه» ، فإن من للعاقل. وقيل : الآية دليل على وجود الشفاعة ، وأن الله يأذن بها لمن يستحقها ، ويرضى أن يتولاها من له عنده تعالى عهد بذلك ، كما فى قوله : (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ

٥٨

عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) (٨٧) (مريم) ، والعهد هو الإذن ، كما فى قوله : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) (٢٦) (النجم) ، فهؤلاء الملائكة أوكل الله بهم الشفاعة ، كما فى قوله : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) (٢٨) (الأنبياء) ، فمن تقبل توبته من قبل أن يأتيه الموت ، يرضى له أن يشفع فيه.

وقيل : الشفاعة للمؤمنين شفاعتان : شفاعة فيمن لم يصل إلى النار ، وشفاعة فيمن وصل إليها ودخلها. وقيل شفاعة نبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاث شفاعات ، وقيل اثنتان ، وقيل خمس ، وكل ذلك من الغيب ولا علم لنا به إلا الظن ، ولا يعلم الغيب إلا الله ، وعلمه به كعلمه بالشهادة ، ولا يطلع على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ملكا كان أو نبيا.

والكرسى فى قوله تعالى (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) هو علمه تعالى الذى وسع كل شىء ، كقوله : (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) (٧) (غافر). وقال بعضهم الكرسى هو العرش ، وكلاهما مصطلح متميز عن الآخر ، فكيف يكون أيهما الآخر؟ والكرسى الذى يسع السموات والأرض كناية عن عظم ملكه تعالى ، وجلال سلطانه ، يقرّب الله تعالى به ما لا يمكن أن يتصوره أو يتخيله أو يعيه ذهن الإنسان ، بما هو محسوس ومشاهد من حياته اليومية ، وإلا فما حاجته تعالى إلى الكرسى؟ هل هو ليجلس عليه مثلنا؟ أم أن المعنى أنه تعالى أكبر وأعظم حتى أنه لو كان له كرسى لكان فى وسع السموات والأرض. وفى الحديث : «ما السموات السبع مع الكرسى إلا كحلقة ملقاة فى أرض فلاة ، وفضل العرش على الكرسى كفضل الفلاة على الحلقة». والآية يستفاد منها : عظم قدرة الله الذى لا يئوده حفظ هذا الملك العظيم ، فهو العلىّ فوق خلقه ، وهو الكبير المتعال. وهذا هو ما تنبّه إليه آية الكرسى ، مما جعلها سيدة آيات القرآن.

* * *

٧٧. آية التصوير

هى الآية : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٦) (آل عمران) ، وفيها التعظيم لله تعالى ، ومن ضمنها الردّ على النصارى فى قولهم أن عيسى من المصوّرين أى الخالقين ، يشبّهونه بالله. وذلك مما لا يوافق عليه عاقل. وفى الآية الردّ على الطبائعيين الذين يجعلون الطبيعة فاعلة مستبدة.

* * *

٥٩

٧٨. آية السيف

هى الآية : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (٥) (التوبة) ، والآية : (فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) (٩١) (النساء). (انظر باب الحرب والسلم فى القرآن).

* * *

٧٩. آية القتال فى القرآن

هى الآية : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا) (١٩٠) (البقرة) ، والآية :

(قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) (٢٩) (التوبة) ، والآية (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) (٣٦) (التوبة).

* * *

٨٠. آية الوصية

هى الآية : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) (١٨٠) (البقرة) ، وليس فى القرآن ذكر للوصية إلا فى ثلاث آيات : فى هذه الآية ، وفى سورة النساء فى قوله تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ) (١١) ، وفى سورة المائدة فى قوله تعالى : (حِينَ الْوَصِيَّةِ) (١٠٦) ، وآية الوصية فى سورة البقرة أتمها وأكملها ، ونزلت قبل نزول الفرائض والمواريث.

* * *

٨١. آية من الآيات الأمهات

هى آيتان وليست آية واحدة ، باسم آية المواريث ، تقول : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١١) وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) (١٢) (النساء) ، وهى من الآيات الأمهات ، التى هى ركن الدين وأساس الأحكام ، والعلم الذى تبشّر به من أهم وأعقد علوم القرآن ، وهو أول ما يتركه الناس من

٦٠