موسوعة القرآن العظيم - ج ٢

دكتور عبد المنعم الحفني

موسوعة القرآن العظيم - ج ٢

المؤلف:

دكتور عبد المنعم الحفني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة مدبولي
الطبعة: ١
ISBN: 977-208-422-2
الصفحات: ١٢٤٤
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

٣
٤

الباب التاسع

فى أسباب نزول آيات القرآن

الآيات فى القرآن بعضها ليس له سبب خاص مرتبط به فى نزوله ، وبعضها له أسبابه. والمراجع فى أسباب النزول كثيرة أفردها مشايخ أجلاء بعلم خاص ، سمّوه «علم أسباب النزول» ، ومن هؤلاء البخارى ، والمدينى ، والواحدى ، والجعبرى ، وابن حجر ، والسيوطى ، وكثيرون غيرهم.

وكان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم توجّه إليه الكثير من الأسئلة ، كما كانت تقع أحداث تتصل بالدعوة وسيرها ، وأحوال المسلمين والتشريع لهم ، وكانت تشكل وقتها أسبابا للنزول ، وعن ذلك تتنزل الآيات فى أعقابها ، أو تتأخر لفترة من الفترات. ومن أسباب النزول قد يحيط المسلم بالحكمة من الآية ، وما بها من أحكام ، فيزداد اقتناعه ، ويتلاشى شكه ، ويترسّخ إيمانه. وتلقى الأسباب أضواء على الآية ، فيزداد الفهم لما تتضمنه. والمثل على ذلك أن عروة بن الزبير لما قرأ الآية : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ) (١٥٨) (البقرة) ، تحصّلت له القناعة أنه لا جناح على من لا يطوّف بهما ، فصحّحت له خالته أم المؤمنين عائشة فهمه : أنه لا جناح على من يطّوف بهما ـ وهما اللذان كان يطوّف بهما الكفار فى الجاهلية ، فهذا هو الذى لا جناح فيه ، وأمّا الطواف بهما فهو فرض فى الإسلام ، وروت له عمّا كان فى الجاهلية وعمّا فعله الإسلام ، وتحرّج المسلمين أن يطّوفوا بهما فكان نزول الآية لتزيل هذا الحرج ، وتفرض هذا الطواف ، ولو لا أن عائشة روت له عن الأسباب ما كان قد فهم ، ولسلك فى الحج على مقدار فهمه هذا المنقوص.

ثم إن الإحاطة بأسباب الأحكام ـ كحكم الظهار ، لا يجعلها قاصرة على أصحاب الحكم وحدهم ، وهما هنا خولة وزوجها أوس بن الصامت. وأحيانا لا يخرج حكم الآية عن سبب النزول ، وفى معرفة شخوص الواقعة أو الحكم رفع للظلم عن آخرين قد يتهمون عن غير حق ، وفعلت ذلك عائشة لما اتّهم مروان أخاها عبد الرحمن ، أنه الذى نزلت فيه الآية : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (١٧) (الأحقاف) ، فردّت عليه وقالت : والله ما هو به! ولو شئت أن أسميه لسمّيته! وعائشة ثقة ، وأسباب النزول لا ينبغى أن تؤخذ إلا عن ثقة شاهد التنزيل ، ووقف على الأسباب. ويكون التعبير

٥

عن أسباب النزول إما صريحا فيقال : وسبب نزول الآية ، أو نزلت هذه الآية فى كذا ، أو يكون تعبيرا بالفاء ، كقول جابر : كانت اليهود تقول من آتى امرأة من دبرها جاء الولد أحول ، فأنزل الله (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) (البقرة ٢٢٣). وإذا كانت هناك أكثر من رواية فى أسباب النزول ، فإما أن رواية منها هى الصحيحة ، أو أنها المرجّحة ، أو أن الروايات تستوى فى الصحة ، أو أنها مردودة ، وقد يتكرر السبب لأكثر من آية ، فتتعدد الآيات للسبب الواحد. وقد يكون سبب الآية خاصا وإنما ألفاظها عامة ، ومن أسلوب الحكيم أن يسأل عن الشيء فيأتى جواب الآية عن شىء آخر هو الأهم والأولى بالرعاية ، ولا تعارض بين آيتين إحداهما تسأل عن شىء عام ، والأخرى عن شىء خاص ، فيبدو أنهما متناقضتان ولا تناقض. وغرضنا من هذا الباب أن يلم المسلم بأسباب النزول ، ليعرف أن الدين مرتبط بواقع الحياة ، وبمجريات الأمور مع الناس ، فإذا كانت الآية أو السورة عن قصة فإنه يعلم أن القصة ـ وهى من باب الأدب ـ ليست لذات القصة ، وإنما للفوائد المرجوّة منها ، والدروس المستفادة ، ولتسلية المؤمنين حتى يزدادوا إيمانا ، فالنهايات متشابهة وإن اختلفت الوقائع والأحداث ، وعبر الأمس هى نفسها عبر اليوم ، أو يعلم أنه مثلما كان الناس فى القديم يعانون ولهم مشاكلهم ، وكانوا يسألون فيها ليعرفوا الجواب ويعملوا بمقتضاه ، فكذلك ينبغى أن يكون الشأن اليوم ، والعلم بالأسباب يورث العلم بالمسببات.

* * *

١٠١٣ ـ فى أسباب نزول آيات سورة الفاتحة

قيل : نزلت سورة الفاتحة أو سورة الحمد بينما جبريل عند النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجاء ملك يبشّر بها وبخواتيم سورة البقرة ، وتلاها جبريل. وهى أم القرآن ، ولا صلاة لمن لم يقرأ بها فى كل ركعة.

* * *

١٠١٤ ـ فى أسباب نزول آيات سورة البقرة

١ ـ فى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (٤) : قيل : المراد مؤمنو أهل الكتاب كعبد الله بن سلام ، وفيه نزلت هذه الآية ، وأما الآية الأخرى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (٣) (البقرة) فقد نزلت فى مؤمنى العرب. وقيل الآيتان جميعا فى المؤمنين.

٢ ـ وفى قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (٨) : قيل : المراد بالناس المنافقون ، وفى المنافقين نزلت فى سورة البقرة ثلاث عشرة آية.

٦

٣ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٦) : قيل : نزلت فى رؤساء اليهود ، ومنهم : حيىّ بن أخطب ، وكعب بن الأشرف ونظرائهما. وقيل : نزلت فيمن قتل يوم بدر من قادة الأحزاب ، والأول أصح.

٤ ـ وفى قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) (١٣) : قيل : نزلت فى المنافقين من أهل يثرب ، والسفهاء يعنون بهم أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقيل : نزلت فى شأن اليهود ، وفيمن آمن منهم ، كعبد الله بن سلام وأصحابه ، وهؤلاء عندهم هم الجهّال والخرقاء والسفهاء كما فى الآية.

٥ ـ وفى قوله : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) (١٤) : قيل : نزلت فى عبد الله بن أبىّ وأصحابه ، فكانوا يلتقون بالمؤمنين كأبى بكر ، فيقول عبد الله بن أبى : مرحبا بالصدّيق ، ويقول فى عمر : مرحبا بسيد بنى عدىّ ، وفى علىّ : مرحبا بابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وختنه ، سيد بنى هاشم ، خلا رسول الله ، فإذا افترقوا عن المؤمنين قال لأصحابه : أرأيتم كيف فعلت؟ فافعلوا كما فعلت ، فلما أخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما يضمره عبد الله بن أبىّ وأصحابه ، نزلت الآية.

٦ ـ وفى قوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) (١٩) : قيل : هذه الآية نزلت فى أحوال المنافقين ، تشبيها لها بما فى الصيب من الظلمات والرعد والبرق والصواعق.

٧ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٢٣) : قيل : نزلت الآية فى المشركين ، فإنهم لما سمعوا القرآن قالوا : ما يشبه هذا كلام الله ، وإنا لفى شك منه ، وفى الآية التى قبلها الدلالة على وحدانية الله وقدرته ، وفى هذه الآية الدلالة على نبوّة نبيّه ، ولهذا نزلت.

٨ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) (٢٦) : قيل : لما ضرب الله مثل الذى استوقد نارا ، ومثل الصيب من السماء للمنافقين ، قالوا : إن الله أعلى وأجل أن يضرب هذه الأمثال ، فنزلت الآية. وقيل : ضرب الله مثلا بالذباب : (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً) (٧٣) (الحج) ، وبالعنكبوت : (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً) (٤١) (العنكبوت) ، فقالوا : إن الله أجلّ من أن يضرب المثل بهذه الحشرات ، فنزلت الآية. وقالت اليهود : ما يشبه هذا كلام الله ، فأنزل الله الآية.

٧

٩ ـ وفى قوله تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٤٤) : قيل : نزلت فى يهود المدينة كانوا يقولون للعرب من جيرانهم عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اثبتوا على الذى أنتم عليه وما يأمركم به محمد ، فإن أمره حق ، ولا يفعلون هم ذلك. وكان أحبارهم يحضّون على طاعة الله وكانوا هم يواقعون المعاصى ، ويحضّون على الصدقة ويبخلون ، فنزلت الآية فيهم ، تطالبهم بحقائق المعانى. والآية عامة فى كل الناس.

١٠ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٦٢) : قيل : إن سلمان سأل النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أهل دين كان معهم ، وذكر لهم من صلاتهم وعبادتهم ، فنزلت الآية. وقيل : لما قصّ سلمان قصة أصحابه ، قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هم فى النار» ، قال سلمان : فأظلمت الدنيا فى وجهى ، فنزلت الآية فكأنما كشف عنى جبل. وقيل : نزلت هذه الآية فى أصحاب سلمان خصيصا.

١١ ـ وفى قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (٦٥) : قيل : نزلت فى أصحاب السبت ، نهاهم ربّهم أن يعملوا فى يوم السبت ، فاحتال أهل قرية على البحر أن يصيدوا يوم السبت ، فعاقبهم الله لعدوانهم على السبت واستحلوا الصيد فيه ، فمسخوا قردة ، أى سقطوا أدبيا عند الله ، ولم تعد لهم منزلة ، وصاروا مقلّدين لا فاعلين ، يعنى ألغيت عقولهم ، فكانوا نكالا لمن يعمل بعدهم مثل ذلك الذنب.

١٢ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٦٧) : قيل : نزلت فى قوم موسى لمّا وجدوا قتيلا بين أظهرهم ، واشتبه أمر قاتله عليهم ، ووقع بينهم خلاف ، فأمرهم بذبح بقرة ، فسألوه أن يبيّن ما هى ، ثم إنهم ضربوا الميت ببعض عظم البقرة ، فأحياه الله ، وأخبر عن قاتله ثم مات. والقصة دليل على أن شرع من قبلنا شرع لنا ، وعلى الأخذ بالقسامة ، بقسم المقتول أن دمه عند فلان ، وباللّوث وهى الإمارة تغلب على الظن بصدق مدعى القتل ، كشهادة الواحد على رؤية القتل.

١٣ ـ وفى قوله تعالى : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٧٥) : قيل : نزلت فى اليهود ، والخطاب لأصحاب النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان للأنصار حرص على إسلام اليهود ، بسبب ما بينهما من تحالف وجوار.

٨

١٤ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٧٦) : قيل : نزلت فى اليهود ، قالوا لبعضهم البعض لا تحدّثوا المسلمين بما نتفق عليه فيما بيننا حتى لا يتخذوه حجة عليكم. وقيل : إن عليا تسلل إلى يهود قريظة يوم خيبر ، فسمعهم يسبّون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويعرضون له وأنهم نقضوا العهد. فعاد يسأل النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا يذهب إليهم ، وأصر النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الذهاب ، فلمّا واجههم قال لهم : «أنقضتم العهد أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته» ، فقالوا له : ما كنت جاهلا يا محمد ، فلا تجهل علينا! من حدّثك بهذا؟ ما خرج هذا الخبر إلا من عندنا (خبر نقضهم العهد). وقيل : نزلت فى جماعة من اليهود كانوا إذا لقوا الذين آمنوا يقولون آمنا أن صاحبكم رسول الله ، ولكنه مبعوث إليكم خاصة. وقيل : نزلت فى ناس من اليهود نافقوا وكان يأتون المؤمنين من العرب بما تحدثوا به ، فقالوا لبعضهم البعض : أتحدثونهم بما وعدكم الله من العذاب ، ليقولوا : نحن أحب وأكرم إلى الله منكم.

١٥ ـ وفى قوله : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (٧٨) : قيل : هؤلاء هم اليهود الأميون الذين لا يعرفون القراءة ولا الكتابة ، والآية دليل على أن من اليهود من لم يكن يعرف ما الكتاب وكانوا يجهلون دينهم.

١٦ ـ وفى قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) (٧٩) : قيل : نزلت فى أحبار اليهود المتقدمين ، وضعوا كتابا من عندهم قالوا إنه التوراة ، وصنّفوه أبوابا وأسفارا ، وقالوا إن التوراة أو الكتاب بخلاف لوحي الشهادة ، وحرّفوا فى الشريعة ، وحللوا وحرّموا ، ومن ذلك أنهم أحلوا قتل غير اليهود ، والاستيلاء على أموالهم وأراضيهم ، وقالوا لن يضرنا ذنب فنحن أحباء الله وأبناؤه ووعدنا هذه الأرض فمن كان عليها فلا حق له فيها ، وقالوا لن يعذبنا الله ، وإن عذبنا فأربعين يوما مقدار أيام العجل ، ولذلك نزلت الآية فى هؤلاء.

١٧ ـ وفى قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (٨٥) : قيل : نزلت فى بنى قينقاع وقريظة والنضير من اليهود ، وكان بنو قينقاع أعداء قريظة ، والأوس حلفاء بنى قينقاع ،

٩

والخزرج حلفاء بنى قريظة ؛ والنضير والأوس والخزرج إخوان ، وقريظة والنضير إخوان ؛ ثم افترقوا ، واقتتلوا ، ووقعوا أسارى ، فكانوا يفدون أساراهم ، فعيّرهم الله بذلك.

١٨ ـ قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) (٨٩) : قيل : القرآن مصدّق لما معهم ، وكانوا من قبل يعيّرون الذين كفروا ويتكبّرون بما عندهم من الكتاب ، فلما نزل القرآن يعادل ما عندهم كفروا به ، فنزلت الآية تفضح عنصريتهم وتبيّن أن إيمانهم ليس لله ، فلأن القرآن يصدّق على التوراة فكان الأحرى بهم أن يؤمنوا بالقرآن طالما هم يؤمنون بالتوراة ، وطالما أن عندهم ما يدلهم على كونه منزّلا من عند الله.

١٩ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٩١) : قيل : نزلت تنفى عن اليهود إيمانهم المدّعى بالله ، فلو كانوا مؤمنين فلم قتلوا النبيين ، كزكريا ويحيى ـ وكما قيل ـ وعيسى ابن مريم؟

٢٠ ـ وفى قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) (٩٢) : قيل : نزلت بسبب اتخاذهم العجل ، صنعوه من ذهب ، وصنعه لهم السامرى ، فلما غاب موسى على الجبل ، وكان قد وعدهم أنه يغيب شهرا ، فزاد الشهر عشرة أيام ، صنعوا العجل ليحتفلوا ويصخبوا ، وفى ذلك نزلت الآية.

٢١ ـ وفى قوله : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٩٤) : قيل : نزلت فى اليهود ، قالوا إن لنا الجنة من دون الناس ، فنزلت الآية تؤكد أنهم كاذبون ، فلو كانت لهم الجنة لتمنوا الموت حالا ، ولكنهم يخشونه لما يعلمون أنهم ارتكبوه من مظالم.

٢٢ ـ وفى قوله تعالى : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) (٩٦) : قيل : نزلت فى اليهود وتنبّه إلى صفة فيهم هى حبّهم للدنيا ، يتمنون لو يعيش الواحد منهم ألف سنة ، فلو كانوا سيدخلون الجنة لما تمنوا أن يعمّروا ، ومهما تمنّوا أن يطول بهم العمر فهم حتما إلى العذاب فى نهاية الأمر.

٢٣ ـ فى قوله تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٩٧) مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) (٩٨) : قيل : سبب نزولها أن اليهود قالوا للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ليس من نبىّ من

١٠

الأنبياء إلا يأتيه ملك من الملائكة من عند ربّه بالرسالة وبالوحى ، فمن صاحبك حتى نتابعك؟ قال : جبريل ، قالوا : ذاك الذى ينزل بالحرب وبالقتال! ذاك عدوّنا! لو قلت ميكائيل الذى ينزل بالقطر وبالرحمة ، لتابعناك ، فأنزل الله الآية. أخرجه الترمذى.

٢٤ ـ وفى قوله تعالى : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) (٩٨) : قيل : خصّ الله جبريل وميكائيل لأن اليهود ذكروا أن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوحى إليه جبريل ، وهو عدو اليهود ، لأنه ينزل بالغلظة والشدة والحرب والهلاك ، فلو كان يوحى إليه ميكائيل لكان أفضل ، فميكائيل هو ملاك اليهود ، لأنه ينزل بالقطر والرحمة (والقطر هو المطر) ، وهو عن يمين الربّ ، بينما جبريل عن يساره ، فنزلت الآية بسببهما.

٢٥ ـ وفى قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ) (٩٩) : قيل : هذا جواب لليهودى ابن صوريا ، قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا محمد ، ما جئتنا بشيء نعرفه ، وما أنزلت عليك من آية بينة فنتبعك بها؟ فأنزل الله هذه الآية.

٢٦ ـ وفى قوله : (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (١٠٠) :

قيل : نزلت فى نقضهم للعهود التى كانت بينهم وبين النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كفعل قريظة والنضير ، كقوله : (الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) (٥٦).

٢٧ ـ وفى قوله : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (١٠٢) : قيل : لمّا نزل القرآن يذكّر بالمرسلين ، قال بعض أحبار اليهود : ألا تعجبون لمحمد؟! يزعم أن ابن داود كان نبيا! والله ما كان إلا ساحرا! فنزلت هذه الآية تنفى عن سليمان السحر ، والسحر سواء لمن يمارسه أو يتعلمه كفر ، واليهود كفروا لتعلمهم السحر ، والشياطين والملكان كفروا لممارستهم السحر فى بابل ، والسحر أصله التمويه بالحيل.

٢٨ ـ وفى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٠٤) : قيل : كان اليهود يخاطبون النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقولون (راعِنا) (النساء ٤٦) ، وقلدهم المسلمون عليها ، وفى المخاطبة بها جفاء ، ونهاهم سعد بن معاذ لمّا رآهم يقلدون اليهود فيها ، فنزلت الآية تنهى عن ذلك وتأمر المسلمين أن يتخيّروا لمخاطبة النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحسن الألفاظ وأرق المعانى.

١١

٢٩ ـ وفى قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٠٦) : قيل : سبب نزول الآية أن القرآن لما نزل به الأمر بتوجيه القبلة إلى الكعبة ، طعن اليهود فى الإسلام ، وقالوا : إن محمدا يأمر أصحابه بالشىء ثم ينهاهم عنه ، فما من أحد وضع هذا القرآن إلا هو ، ولهذا ناقض بعضه بعضا ، فأنزل الله (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (١٠١) (النحل) وأنزل (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) (١٠٦). وفى قوله (نُنْسِها) قيل : كان ربما ينزل على النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الوحى بالليل ، فينساه بالنهار ، فأنزل الله الآية ، وهذا غير معقول ، لأنه لو كان هذا صحيحا لكان غير مؤتمن على الرسالة ، وقوله «إذا» فيه إثبات أنه ما تبدّلت آية بآية ، ولا نسخت آية بآية.

٣٠ ـ وفى قوله تعالى : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) (١٠٨) : قيل : سؤال اليهود لموسى أن يريهم الله جهرة ، والآية نزلت فى سؤال العرب أن يأتى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالله والملائكة ، أو أن يجعل لهم الصفا ذهبا ، أو ينزّل عليهم كتابا من السماء يقرءونه ، أو يفجّر لهم أنهارا فيتّبعونه ويصدّقونه ، فنزلت الآية.

٣١ ـ وفى قوله : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٠٩) : قيل : نزلت الآية فى حيىّ بن أخطب ، وأبى ياسر بن أخطب ، وكانا من أشد اليهود حسدا للعرب إذ خصّهم الله برسول ، وكانا جاهدين فى ردّ الناس عن الإسلام ما استطاعا ، فأنزل الله فيهما : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ...) الآية.

٣٢ ـ وفى قوله : (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٠٩) : قيل : إن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل وقعة بدر ، مرّ بمجلس فيه عبد الله بن أبىّ بن سلول قبل أن يسلم ، ونزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن ، وقال ابن سلول : أيها المرء (يقصد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم) إن كان ما تقول صحيحا فلا تؤذنا به فى مجالسنا ، فارجع إلى رحلك ، فمن جاءك منا فاقصص عليه ، وركب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصار إلى سعد بن عبادة فشكا له ، فقال سعد : بأبى أنت وأمى! اعف عنه واصفح ، فو الذى أنزل عليك الكتاب بالحق ، لقد جاء الله بالحق الذى أنزل عليك ، فنزلت الآية. فلما كانت بدر وانتصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقفل عائدا ومعه أسارى من صناديد قريش ، قال عبد الله بن أبى بن سلول ومن معه عن المشركين : هذا أمر قد توجّه ... يعنى استقر وبانت نتائجه ، فبايعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأسلموا.

١٢

٣٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (١١٣) : قيل : قدم أهل نجران على النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكانوا من النصارى ، فأتتهم أحبار اليهود ، فتنازعوا عند النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقالت كل فرقة منهم للأخرى : لستم على شىء ، فنزلت الآية.

٣٤ ـ وفى قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١١٤) : قيل : نزلت فى الكفار تنهى أن يدخلوا المسجد الحرام ، وكان النداء الذى أصدره النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى ذلك : «ألا لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان».

وقبل ذلك منع المشركون النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين أن يصلّوا فى الكعبة ، وصدّوهم عنها يوم الحديبية فنزلت الآية.

٣٥ ـ وفى قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ) (١١٥) : قيل : نزلت فيمن صلّى إلى غير القبلة فى ليلة مظلمة. وكانوا مع النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى سفر فى ليلة مظلمة ، فلم يدروا أين القبلة ، فصلى كل رجل منهم على حاله ، فلما أصبحوا ذكروا ذلك للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزلت الآية. وقيل : كان النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلى تطوعا على راحلته أينما توجهت به فأنزلت الآية. وقيل : لمّا عاب اليهود على المسلمين تركهم لبيت المقدس قبلة لهم ، قالوا ما ولّاهم عن قبلتهم؟ فنزلت الآية.

٣٦ ـ وفى قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (١١٨) : قيل : الذى قال ذلك هو رافع بن خزيمة.

٣٧ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) (١١٩) : قيل : نزلت فى قول أحدهم : «لو أنزل الله بأسه على اليهود لآمنوا».

٣٨ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (١٢٥) : قيل : نزلت فى قول عمر للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لو صليت خلف المقام؟ فنزلت الآية ..

٣٩ ـ وفى قوله تعالى : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (١٣٠) : قيل : من سفه نفسه هم اليهود والنصارى ؛ وقيل : إن عبد الله بن سلام دعا ابني أخيه : سلمة ومهاجرا ، إلى الإسلام ، فأسلم سلمة ، وأبى مهاجر ، فنزلت الآية فى مهاجر.

١٣

٤٠ ـ وفى قوله تعالى : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٣٥) : قيل : قال ابن صوريا اليهودى للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما الهدى إلا ما نحن عليه ، فاتّبعنا يا محمد تهتد. وقالت النصارى مثل ذلك ، فأنزل الله فيهم الآية.

٤١ ـ وفى قوله تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١٤٢) : قيل : المراد بالسفهاء يهود المدينة ، قالوا للكفار : قد اشتاق محمد إلى مولده ، وعن قريب يرجع إلى دينكم. وقالوا : قد التبس عليه أمره وتحيّر. وقالوا : ما ولّاهم عن قبلتهم ، واستهزءوا بالمسلمين.

٤٢ ـ وفى قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١٤٣) : قيل : نزلت فيمن مات وهو يصلى إلى بيت المقدس ، فلمّا وجه النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الناس إلى الكعبة ، قالوا : يا رسول الله ، كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلّون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله الآية.

٤٣ ـ وفى قوله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (١٤٤) : قيل : كان النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا صلى نحو بيت المقدس رفع رأسه إلى السماء ينظر ما يؤمر به ، وكان يحب أن يصلى إلى الكعبة ، فأنزل الله الآية. وقيل : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر ، وكان لا يوجه وجهه نحو الكعبة ، فأنزل الله الآية.

٤٤ ـ وفى قوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) (١٥٤) : قيل : نزلت لمّا قتل تميم بن الحمام ببدر ، وقيل هو عمير بن الحمام.

٤٥ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ) (١٥٨) : قيل : قالت الأنصار إنما أمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر به بين الصفا والمروة فأنزل الله الآية. وقيل : إن الناس سألوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كنا نطوف فى الجاهلية بين الصفا والمروة ، والله تعالى انزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا ، فهل علينا حرج أن نطوف بالصفا والمروة؟ فأنزل الله الآية. وقال أبو بكر : هما تطوع : (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ) (١٥٨). وقيل كان على الصفا صنم يسمى إسافا ، وعلى المروة صنم يسمى نائلة ، فكانوا يتمسحون بهما إذا طافوا ، فامتنع المسلمون من الطواف بينهما من أجل ذلك ، فانزلت الآية.

١٤

٤٦ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (١٥٩) : قيل : هم أحبار اليهود ورهبان النصارى كتموا بعثة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكتم اليهود أمر الرجم ، وقيل : المراد كل من كتم الحق ، فالآية نزلت فى كل من كتم علما يعلمه.

٤٧ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) (١٦٣) : قيل : قال أهل مكة من الكفار للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنسب لنا ربّك؟ فنزلت : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (١) (الإخلاص) ، وقال يهود المدينة للمسلمين : انسبوا لنا ربّكم ، فنزلت الآية.

٤٨ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (١٦٤) : قيل : لما نزلت (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ...) (البقرة) قال بعضهم : كيف يسع الناس إله واحد؟! فنزلت : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ...) ، وقيل : لما نزلت : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ، قالوا : هل من دليل على ذلك ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ..) ، فكأنهم طلبوا آية ، فبيّن لهم دليل التوحيد ، وأن هذا العالم والبناء العجيب لا بدّ له من بان وصانع.

٤٩ ـ وفى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (١٦٨) : قيل : نزلت فى ثقيف وخزاعة وبنى مدلج فيما حرّموه على أنفسهم من الأنعام.

٥٠ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) (١٧٠) : قيل : دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اليهود إلى الإسلام ورغّبهم فيه وحذّرهم عذاب الله ونقمته ، فقال رافع بن حريملة ، ومالك بن عوف : بل نتّبع ما وجدنا عليه آباءنا ، فهم كانوا أعلم وخيرا منا ، ونزلت الآية فى ذلك.

٥١ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٧٤) : قيل : نزلت فى رؤساء اليهود وعلمائهم وكانوا يكتمون ما عندهم من الكتاب نظير منافع الدنيا وما كانوا يأخذونه من الرشاد ، والآية تتناول من المسلمين مما يكتم الحق بسبب دنيا يصيبها.

٥٢ ـ وفى قوله تعالى : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ

١٥

آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (١٧٧) : قيل : الآية نزلت لتحسم الخلاف بين اليهود والمسلمين حول القبلة ، فالبرّ ليس التولية إلى مشرق أو مغرب ، وإنما البر هذه الوجوه الثمانية للخير. وقيل إن اليهود والنصارى كانوا يختلفون حول القبلة ، أهي إلى الشرق أم إلى الغرب فنزلت الآية. وقيل إن رجلا سأل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن البر فأنزل الله الآية.

٥٣ ـ وفى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٧٨) : قيل : نزلت هذه الآية فى قبيلتين من قبائل العرب اقتتلتا فقالوا : نقتل بعبدنا فلان بن فلان ، وبأمتنا فلانة بنت فلان ، فنزلت الآية تنهى عن البغى فى القصاص ، وتفنن الحرّ بالحر ، والعبد بالعبد ، والأنثى بالأنثى ، ولا خلاف فى أن القصاص فى القتل لا يقيمه إلا أولوا الأمر ولم يعد هناك الآن عبيد ولا إماء.

٥٤ ـ وفى قوله تعالى : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (١٨٤) : قيل : نزلت فى قيس بن السائب وكان يفطر ويطعم كل يوم مسكينا.

٥٥ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (١٨٦) : قيل : سأل اليهود : كيف يسمع ربّنا وبيننا وبين السماء خمسمائة عام ، وغلظ كل سماء مثل ذلك؟ فنزلت الآية ، وسببها أن قوما قالوا للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أقريب ربّنا فنناجيه ، أم بعيد فنناديه؟ فنزلت. وقيل نزلت : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر ٦٠) ، فقالوا : فى أى ساعة ندعوه؟ فنزلت الآية كلها.

٥٦ ـ وفى قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) (١٨٧) : قيل : لمّا نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء فى رمضان كله ، فكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله الآية. والرفث : كناية عن الجماع ؛ وتختانون أنفسكم : من الخيانة ، يعنى يفعلون المحظور من الأكل والجماع فى ليالى الصوم خيانة لأنفسهم ؛

١٦

وباشروهن : يعنى جامعوهن ، وقيل : إنهم كانوا إذا اعتكفوا فخرج الرجل لحاجته فلقى امرأته جامعها إن شاء ، فنزلت الآية.

٥٧ ـ وفى قوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (١٨٧) : قيل : كان أصحاب النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسى. وكان قيس بن صرمة الأنصارى صائما ، وكان يعمل فى النخيل بالنهار ، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها : أعندك طعام؟ قالت : لا ، ولكن انطلق فأطلب لك ، وكان يومه يعمل ، فغلبته عيناه ونام حتى الصباح ، فذهب للعمل ، ولمّا انتصف النهار غشى عليه ، فذكر ذلك للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزلت الآية.

٥٨ ـ وفى قوله تعالى : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) (١٨٧) : قيل : كان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم فى رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود ، ولا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رؤيتهما ، فأنزل الله (مِنَ الْفَجْرِ) ، فعلموا أنه إنما يعنى بذلك بياض النهار ، ولمّا سئل النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الخيط الأبيض والخيط الأسود قال : «هو سواد الليل وبياض النهار» ، وسمى الفجر خيطا لأن ما يبدو من البياض يرى ممتدا كالخيط.

٥٩ ـ وفى قوله تعالى : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) (١٨٧) : قيل : كان الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد ، جامع إن شاء ، فنزلت الآية ، فبيّنت أن الجماع يفسد الاعتكاف.

٦٠ ـ وفى قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (١٨٨) : قيل : نزلت فى عبدان بن أشوع الحضرمى ، ادّعى مالا على امرئ القيس الكندى ، واختصما إلى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنكر امرؤ القيس وأراد أن يحلف ، فنزلت هذه الآية ، فكفّ عن اليمين ، وحكّم عبدان فى أرضه ولم يخاصمه. والآية تنهى عن رشاء الحكام فى الحقوق بغير الحق. وحكام اليوم عين الرشاء لا مظنة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

٦١ ـ وفى قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ) (١٨٩) : قيل : هذا مما سأل عنه اليهود واعترضوا به على النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال معاذ بن جبل : يا رسول الله ، إن اليهود تغشانا ويكثرون مسألتنا عن الأهلة ، فما بال الهلال يبدو دقيقا ثم

١٧

يزيد ويستوى ويستدير ، ثم يتنقص حتى يعود كما كان؟ فأنزل الله هذه الآية. وقيل : إن سبب نزولها قوم من المسلمين سألوا النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الهلال وما سبب محاقه وكماله ومخالفته لحال الشمس ، فنزلت الآية.

٦٢ ـ وفى قوله تعالى : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (١٨٩) : قيل : الآية تتصل بما قبلها عن مواقيت الحج والسؤال عن الأهلة ، وتجمع بين كل ذلك ونزلت فيه جميعا. وكان الأنصار إذا حجوا وعادوا لا يدخلون من أبواب بيوتهم بل من سقف البيت ، بأن يتسنّموا ظهور بيتهم بسلم أو غيره ، وكذلك إذا أهلوا بالحج أو العمرة فإنهم إذا خرجوا من البيت وأرادوا أن يعودوا فى شأن من الشئون فإنهم لا يدخلون من الباب وإنما من سقف الدار. وكانوا يرون هذا من النسك والبر ، فردّت الآية عليهم وبيّنت أن البرّ هو امتثال أوامر الله. وقيل : الناس جميعا وليس الأنصار وحدهم ، كانوا فى الجاهلية وفى أول الإسلام يفعلون ذلك ، فإذا كانت بيوتهم فى الحضر من البناء فإنهم يصعدون إلى السقف من ظهر البيت بسلم ، وإذا كانت بيوتهم من الشّعر ـ يعنى أنهم أهل خيام ـ يدخلون من خلف الخيمة ، إلا من كان من الحمس. ولمّا أهل النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالعمرة زمن الحديبية دخل حجرته ودخل خلفه أنصارىّ من بنى سلمة وخرق عادة قومه ، فسأله النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لم دخلت وأنت قد أحرمت» ، فقال : دخلت أنت فدخلت بدخولك. فقال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنى أحمس» أى من قوم لا يدينون بذلك ، فقال له الرجل : دينى هو دينك ، فنزلت الآية. والحمس هم المتشددون فى الدين ، والحماسة الشدّة ، وهى هنا إتيان البيوت من أبوابها.

٦٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (١٩٠) : قيل : هذه أول آية نزلت فى الأمر بالقتال ، وكان القتال محظورا قبل الهجرة ، والأمر بالقتال نزل فيمن يقاتلون المسلمين ونهى عن العدوان ، وسبب الآية أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمّا خرج مع أصحابه إلى مكة للعمرة ، نزل بالحديبية فصدّه المشركون عن البيت ، وأقام بالحديبية شهرا ، فصالحوه على أن يرجع من عامه ، على أن تخلى له مكة فى العام المقبل ثلاثة أيام ، وصالحوه على أن لا يكون بينهم قتال عشر سنين ، ورجع إلى المدينة ، فلما كان من قابل ، تجهّز لعمرة القضاء ، وخاف المسلمون غدر الكفار ، وكرهوا القتال فى الحرم وفى الشهر الحرام ، فنزلت الآية تحلّ القتال إن قاتلهم الكفّار ، فكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقاتل من قاتله ، ويكف عمن كفّ عنه.

٦٤ ـ وفى قوله تعالى : (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى

١٨

يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) (١٩١) : قيل : نزلت الآية فى شأن عمرو بن الحضرمى حين قتله واقد بن عبد الله التميمى فى آخر يوم من رجب الشهر الحرام الممنوع فيه ذلك.

٦٥ ـ وفى قوله تعالى : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (١٩٤) : قيل : نزلت هذه الآية فى عمرة القضاء عام الحديبية ، وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج معتمرا حتى بلغ الحديبية فى ذى القعدة سنة ست ، فصدّه المشركون كفار قريش عن البيت فانصرف ، ووعده الله سبحانه أن سيدخله ، فدخله سنة سبع ، وقضى نسكه ، فنزلت هذه الآية. وقيل : إن المشركين قالوا للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنهيت يا محمد عن القتال فى الشهر الحرام؟ قال : نعم ، فأرادوا قتاله ، فنزلت الآية. والمعنى : إن استحلوا ذلك فقاتلهم ، فأباح الله بالآية مدافعتهم. والقول الأول هو الأشهر وعليه الأكثر.

٦٦ ـ وفى قوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (١٩٥) : قال أبو أيوب الأنصارى : أنزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار ، لمّا نصر الله نبيه وأظهر دينه ، فقلنا : هلموا نقيم فى أموالنا ونصلحها. فأنزل الله عزوجل الآية. والإلقاء باليد إلى التهلكة أن نقيم فى أموالنا ونصلحها وندع الجهاد. وفى رواية أخرى قال : أنزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار لمّا أعز الله الإسلام وكثر ناصروه ، فقال بعضنا لبعض سرا دون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن أموالنا قد ضاعت ، وإن الله قد أعزّ الإسلام وكثر ناصروه ، فلو أقمنا فى أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها؟ فأنزل الله على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم يرد عليه ما قلنا : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ، فكانت التهلكة هى الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو.

٦٧ ـ وفى قوله تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) (١٩٦) : قيل : الآية نزلت فى أدائهما والإتيان بهما ، وتمامهما بعد الشروع فيهما ، فمن أحرم بنسك وجب عليه المضى فيه ولا يفسخه. وإتمامها هو أن تحرم بهما من دويرة أهلك ، وأن تخرج قاصدا لهما لا لتجارة ولا لغير ذلك ، وألا يستحلّ فيهما ما لا ينبغى للمحرم. والآية دليل على وجوب العمرة.

٦٨ ـ وفى قوله تعالى : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (١٩٦) : قيل : إن كعب بن عجرة رآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقمل يتساقط على وجهه من رأسه ، فأمره أن يحلق وهو محرم بالحديبية وقد حصر المسلمون ، وأن يصوم

١٩

ثلاثة أيام ، أو يطعم ستة مساكين ، أو يهدى شاة ، ونزلت هذه الآية. والإجماع على أن المحرم ممنوع من حلق شعره إلا فى حالة العلة.

٦٩ ـ وفى قوله تعالى : (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (١٩٦) : قيل : الآية فى المحصرين ، يحصرون حتى يفوتهم الحج ، ثم يصلون إلى البيت الحرام فيحلّون بعمرة ، ثم يقضون الحج من قابل ، فهؤلاء قد تمتعوا بما بين العمرة إلى حج القضاء.

٧٠ ـ وفى قوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ) (١٩٧) : قيل : كان أهل اليمن يحجون ولا يتزوّدون ، ويقولون نحن متوكلون ، فأنزل الله الآية.

٧١ ـ وفى قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) (١٩٨) : قيل : كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا فى الجاهلية ، فتأثموا أن يتّجروا فى موسم الحج ، فسألوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك ، فنزلت الآية عن التجارة فى مواسم الحج. وفى ذلك قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للذى سأله عن التجارة فى الحج : «إن لك حجا».

٧٢ ـ وفى قوله تعالى : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٩٩) : قيل : الخطاب للحمس وهم المتحمّسون فى دينهم ، وكانوا لا يقفون مع الناس بعرفات بل بالمزدلفة وهى من الحرم ، ويقولون : نحن قطين الله ـ يعنى سكان البيت من قطن يقطن أى يسكن ، وقطين جمع قاطن ، فقيل لهم أفيضوا مع الجملة.

٧٣ ـ وفى قوله تعالى : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) (٢٠٠) : قيل : كان أهل الجاهلية يقفون فى موسم الحج يفاخرون بآبائهم فأنزل الله الآية. وقيل : كانوا إذا قضوا مناسكهم وقفوا عند الجمرة ، وذكروا آباءهم وفعالهم فى الجاهلية فنزلت الآية. وقيل : كانوا إذا جاء الموقف دعوا : اللهم اجعله عام غيث ، وعام خصب ، وعام ولاء ، ولا يذكرون من أمر الآخرة شيئا ، فأنزل فيهم : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ) (٢٠١) (البقرة).

٧٤ ـ وفى قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي

٢٠