إفاضة العوائد - ج ١

آية الله السيّد محمّد رضا الگلپايگاني

إفاضة العوائد - ج ١

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد رضا الگلپايگاني


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

وهذا لوجود قرائن في المقام ، ولولاه لزم حمله على ما هو ظاهر فيه من التحريم الغير المنافي للصحة (١٩١) ، بل موجب لها في بعض المقامات ، كما عرفت.

هذا ، وقد يقال إن مقتضى القواعد وان كان كذلك إلّا ان في الاخبار ما يدل على أن التحريم ملازم للفساد شرعا ، مثل ما رواه في الكافي والفقيه عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام «سأله عن مملوك تزوج بغير اذن سيده ، فقال : ذاك إلى سيده إن شاء أجازه وإن شاء فرق بينهما ، قلنا أصلحك الله تعالى إن حكم بن عيينة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون : إن أصل النكاح فاسد ، ولا يحل إجازة السيد له ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام إنه لم يعص الله وانما عصى سيده ، فإذا أجاز فهو له جائز» (١). حيث أنه يدل على انه لو كان النكاح محرما شرعا لبطل ، بل يشعر بان الملازمة بين المعصية والفساد من المسلمات بين الأصحاب ، وإنما اشتبه من قال بفساد النكاح في الفرض ، من جهة تخيل ان التحريم المستلزم للفساد أعم من أن يكون متعلقا بعنوان المعاملة بأصل الشرع ، أو يكون من جهة وجوب متابعة السيد.

ويمكن أن يقال ليس المراد من المعصية في الرواية مخالفة النهي التحريمي ، بل مخالفة النهي الوضعي ، إذ من المتعارف إطلاق المعصية عرفا

______________________________________________________

(١٩١) لكن الظاهر أن النواهي المتعلقة بعنوان المعاملات ـ دون امر خارج عنها كالبيع وقت النداء ـ ظاهرة في الوضعي كما لا يخفى. ولعلّه الوجه في الإجماع المدعى على ذلك.

__________________

(١) وسائل الشيعة الجزء (١٤) الباب (٢٤) من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث (١).

٣٠١

على عقد لم يشرعه الشارع ولم يمضه (١٩٢) ومن المعلوم أن العصيان بهذا المعنى ملازم للفساد ، فتأمل.

______________________________________________________

(١٩٢) لكن الإنصاف أنه خلاف الظاهر ، فان إطلاق المعصية على مثل بيع الهواء كما ترى ، ولعلّه لذلك أو بعض ما يأتي امر بالتأمل.

ان قلت : إن المعصية في مورد الرواية ـ أعني معصية العبد للسيد ـ لم تكن تكليفية كما هو الظاهر من قول السائل (تزوج بغير اذن مولاه) وإلا كان الا نسب أن يقول (مع نهي مولاه) فحمل المعصية على التكليفي يستلزم خروج المورد.

قلت : أولا : أنه يحتمل قريبا أن يكون المراد من التزويج بغير الاذن هو التزويج مع النهي ، فان إطلاق تلك العبارة في هذا المعنى شايع ، وحملها عليه أظهر من حمل المعصية على مخالفة النهي الوضعي.

وثانيا : أنه لو سلّم ظهور المورد فيما ذكر ، نقول : خصوصية المورد لا تخصص عموم العلة ، والمعصية التي جعلت في الرواية علة للبطلان أعم من معصية الحكم الوضعي والتكليفي ، فإطلاقها يقتضي بطلان المعاملة المنهي عنها ، ولو بالنهي التكليفي. نعم لا يستفاد منها الا فساد ما كان بذاته منهيا عنه ، لا بعنوان آخر ، بل يستفاد منها الصحة فيه كما هو واضح.

والحاصل : أن دلالة الرواية على الفساد غير قابلة للإنكار. ويمكن أن يستدل له أيضا برواية تحف العقول ، حيث قال عليه‌السلام : (واما وجوه الحرام من البيع والشراء ، فكل امر يكون فيه مما هو منهي عنه من جهة أكله وشربه ـ إلى قوله ـ فجميع تقلّبه في ذلك حرام) (١) فانه عليه‌السلام ذكر في عداد ما فيه وجه من وجوه الفساد البيع بالربا الّذي لا فساد في متعلقه ، وإنما يكون الفساد في نفسه ، فكأن الرواية صريحة في أن المعاملة المحرمة في نفسها أيضا من وجوه الحرام. والظاهر أن المقصود من وجوه الحرام هو الفاسد من المعاملات ، ويكون وجوه الحرام ووجوه الحلال هما الوضعيّان أو ما يشملهما ، لا خصوص التكليفي ، نظير (أحل الله البيع) ويشهد له قوله عليه‌السلام : (وجميع

__________________

(١) وسائل الشيعة الجزء (١٢) الباب (٢) من أبواب ما يكتسب الحديث (١)

٣٠٢

فصل في المفاهيم

والمراد من المفهوم هو القضية الغير المذكورة التابعة للمذكورة لخصوصية مستفادة منها (١٩٣). واعلم ان النزاع في باب المفاهيم راجع

______________________________________________________

التقلّب فيه إلا في حال الضرورة) (١) فانه لا معنى لحرمة جميع التقلّبات في المأخوذ بالمعاملة المحرمة إلا البطلان.

والحاصل : أن الروايتين ظاهرتان في المقصود ، مع أنه نقل الأستاذ ـ دام بقاؤه ـ في مجلس الدرس عن سيده الأستاذ : تحقق الإجماع على بطلان المعاملة المنهي عنها بذاتها ، ولعله والخبرين يغنيان عن كلفة الاستدلال بشيء آخر.

لا يقال : إن الظهار محرم ، ومع ذلك تترتب عليه الآثار.

لأنا نقول : إن الظهار بمعناه المتداول بين أهل الجاهلية باطل لا يترتب عليه أثر في شرعنا ، لأنهم كانوا يعاملون معه معاملة الطلاق ، وتلك الآثار المترتبة عليه في شرعنا مترتبة على فاسدة والمنفي بالرواية أو الإجماع هو الآثار المترتبة على المعاملة ، مع قطع النّظر عن النهي.

ثم إنه نقل عن أبي حنيفة التمسّك لصحة العبادة بالنهي عنها ، كما استدل به غيره في المعاملات. والظاهر أن من لا يرى منافاة بين النهي وصحة العبادة ، بان يقول باجتماع الأمر والنهي ، وبعدم لزوم القرب ، وكفاية الجهة ، فيمكن ان يستدل به على الصحة بالتقريب الّذي مر ، واما القائل بالمنافاة عقلا ، فلا مجال له للاستدلال لها به ، لأن الصحة مع النهي محال بالفرض ، فلا بد أن يحمل النهي على ما لو لا النهي لكان عبادة أو على الإرشاد إلى عدم الأمر ، فتكون الحرمة تشريعية لا مولوية.

فصل في المفاهيم

(١٩٣) شرطية كانت أو غيرها ، موافقة للمنطوق كانت أو مخالفة ، خبرية كانت أو

__________________

(١) وسائل الشيعة الجزء (١٢) الباب (٢) من أبواب ما يكتسب به الحديث (١)

٣٠٣

إلى الصغرى وان القضية الكذائية هل لها مفهوم أو لا فلو أحرز المفهوم فلا إشكال في حجيته.

١ ـ مفهوم الشرط

ومن المفاهيم مفهوم الشرط ، واختلف في أن الجملة الشرطية هل تدل على الانتفاء عند الانتفاء ، كما تدل على الثبوت عند الثبوت إما بالوضع وإما بقرينة عامة يظهر منها ذلك ، بحيث لو أراد المتكلم غيره ، فلا بد له من إقامة قرينة خاصة أم لا؟

إذا عرفت هذا فنقول ما يحتمل ان يكون مدلولا للقضية أمور :

(أحدها) ـ أن يكون مدلولها مجرد الثبوت عند الثبوت على أي نحو كان ، ولو من باب المقارنات الاتفاقية ، من دون دلالة على الارتباط واللزوم أصلا ، فضلا عن أن تكون دالة على الحصر.

(ثانيها) ـ ان يكون مفادها ما ذكر مع زيادة ارتباط ولزوم بين المقدم والتالي ، بأي نحو من اللزوم ، سواء كان الأول علة للثاني أو الجزء الأخير لها ، أم كان الثاني علة للأول ، أم كانا معلولين لثالثة ونحو ذلك.

(ثالثها) ـ ان يكون اللزوم المستفاد منها تأثير المقدم في الجزاء ، سواء

______________________________________________________

إنشائية والظاهر أن تعريف المفهوم بذلك أولى من التعريف بأنه حكم لغير مذكور ، لأن الظاهر منه عدم اتحاد موضوع القضيتين ، وسيجيء اشتراط اتحادهما ، ويظهر من التعريف المذكور كون المفهوم من المداليل الالتزامية ، يحكم بها العقل لخصوصية مستفادة من اللفظ. وبهذا الاعتبار يعدّ من دلالة الألفاظ.

ثم إنه هل يطلق المفهوم على كل مدلول التزامي ، ويجري فيه النزاع كلوازم الأمارات مثلا؟ الظاهر عدم التزامهم بذلك ، وتحقيقه يحتاج إلى تأمل.

٣٠٤

كان علة تامة أم كان أحد اجزائها.

(رابعها) ـ ذلك مع زيادة أن المقدم علة تامة للتالي.

(خامسها) ـ أحد الأخيرين مع زيادة دلالتها على الحصر.

والإنصاف ان الاحتمال الأول ليس مفادا للقضية ، ولا يبعد دعوى ظهورها في ترتب التالي على المقدم (١٩٤) واما كون المقدم من قبيل العلة المنحصرة أو جزئها المنحصر ، فلا نجزم به بعد مراجعة الوجدان مرارا ، أترى أنه لو قال المتكلم (إن جاءك زيد فأكرمه) فسأل المخاطب إن لم يجئ ، ولكنه أكرمني هل أكرمه أولا ، فأجاب أكرمه هل يكون كلاما منافيا للظهور المنعقد لكلامه الأول (١٩٥). لا أظنك تجزم بذلك بعد التأمل.

واما الأدلة التي يستدل بها في المقام فكلها مخدوش.

(منها) ـ أن القضية المشتملة على كلمة (لو) تدل على امتناع التالي لامتناع المقدم بالاتفاق ، وبشهادة التبادر والوجدان. وليس ذلك إلّا لدلالتها على حصر العلة (١٩٦) ، إذ لو لا ذلك فمجرد امتناع العلة التي

______________________________________________________

١ ـ مفهوم الشرط

(١٩٤) الظاهر عدم ظهورها في الترتب أيضا ، بل المتيقن أنه يستفاد منها الملازمة بين المقدم والتالي ، وان كانا معلولين لعلة ثالثة. ولذا يصح قولنا (إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود) مع عدم الترتب ، نعم لا يبعد ظهورها في ذلك ابتداء في الإنشائيات. لكن الظاهر أن ذلك أيضا بدوي.

(١٩٥) الظاهر عدم المنافاة حتى بنحو يستلزم التخصيص ، مع انه لو استفيدت العلية المنحصرة لكان ذكر علة أخرى منافيا لها بنحو التباين ، فانه فرق بين تخصيص العام وبيان علة أخرى بعد إظهار انحصارها كما لا يخفى.

(١٩٦) الظاهر ان كلمة (لو) قد تستعمل لإثبات عدم العلة بعدم تحقق المعلول وجدانا ، كما في قوله ـ تبارك وتعالى ـ (لو كان فيهما آلهة إلّا الله لفسدتا)

٣٠٥

جعلت مدخولة لكلمة لو ، لا يستلزم انتفاء المعلول ، فعلم ان كلمة (لو) تدل على أن مدخولها علة منحصرة للجزاء. ومن البعيد التفكيك بينها وبين سائر أدوات الشرط.

وفيه انه من الممكن أن يقال إن امتناع التالي يستفاد من مفاد كلمة (لو) كامتناع المقدم في عرض واحد (١٩٧) لا أنه مستفاد من حصر العلة. هذا مضافا إلى أن مجرد الاستبعاد لا يعد دليلا يعتمد عليه.

و (منها) ـ انه بعد فهم اللزوم بين المقدم والتالي ، يحمل على العلية المنحصرة ، لكونها أكمل افراد اللزوم (١٩٨).

______________________________________________________

وفي هذا المقام لا تستفاد العلية المنحصرة ، كما لا يتوقف إثبات مثل ذلك المقصود عليها ، لأن عدم المعلول كاشف عن عدم وجود العلة منحصرة كانت أم متعددة ، فان عدم الفساد يدل على عدم التعدد ، سواء كان للفساد علة أخرى معدومة مثل التعدد أم كانت منحصرة.

وقد تستعمل لبيان انتفاء المعلول الموجود على تقدير انتفاء العلة الخاصة مثلا ، مثل (لولاك لما خلقت الأفلاك) ، أو (لو لا على لهلك عمر) وفي هذا المقام وإن كان يستفاد عدم علة فعلا للمعلول المذكور غير ما ذكر بعد (لو) بحيث لو لم يكن ، لم يكن هذا المعلول موجودا ، وكانت القضية مسوقة لذلك ، لكن هل ذلك من عدم العلة أصلا ومن رأس ، أو عدمها فعلا وان كانت متعددة بالذات؟ فلا دلالة لها على أحدهما ، فانها تستعمل في الثاني أيضا بلا تحمل ، كما تقول (لو لا إحسانك لمتّ) فكيف كان لا يستفاد من القضية المشتملة على (لو) انحصار العلة ذاتا فتأمل.

(١٩٧) الظاهر ان امتناع الثّاني فيما يستفاد انما يستفاد من حصر العلة ولو فعلا ، لا انه يستفاد من كلمة (لو) ابتداء ، والدليل على ذلك الوجدان ، فان قضية لو لا علي عليه‌السلام لهلك عمر يستفاد منها أن العلة لعدم هلاك عمر منحصرة ولو فعلا بوجود على ـ سلام الله عليه ـ وذلك واضح.

(١٩٨) قد يجاب عن ذلك بعدم إمكان طرو التقييد في المعنى المستفاد من

٣٠٦

وفيه (أولا) ان انحصار العلية في شيء لا يوجب أكمليتها ، إذ بعد كون شيء علة ، فوجود شيء آخر مثله في العلية لا يوجب نقصا فيه ، كما أن عدمه ليس كمالا له ، كما هو واضح.

و (ثانيا) انصراف الشيء إلى الفرد الكامل ممنوع ، لأنه ليس منشأ للانصراف ، وهل ترى من نفسك أن الإنسان ينصرف إلى خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ والحاصل أن ميزان الانصراف أنس اللفظ إلى معنى خاص ، بحيث يفهم العرف منه ذلك المعنى ، وأكملية الشيء لا ربط لها بهذا المقام.

و (منها) ـ ان اللزوم المستفاد من الجملة يحمل على العلية المنحصرة بمقدمات الحكمة ، كما أن الطلب يحمل على النفسيّ عند الإطلاق دون الغيري ، كما أنه يحمل على التعييني دون التخييري.

وفيه (أولا) انه ليس حمل الطلب على النفسيّ والتعييني من جهة الإطلاق ، بل يحمل على النفسيّ عند الشك في كونه نفسيا أو غيريا ، وعلى التعييني عند الشك في كونه تعيينيا أو تخييريا ، إما من جهة ظهوره عرفا فيها عند خلو اللفظ عما يدل على غيرهما ، وإما من جهة أن الطلب المتعلق بشيء حجة عقلا على كونه واجبا نفسيا تعيينيا ، بمعنى أنه لو كان كذلك في الواقع لصحت العقوبة على مخالفته ، ولا يجوز عند العقل الإتيان بما يحتمل أن يكون بدلا له.

______________________________________________________

أداة الشرط ، لأنه معنى حرفي ، ولا إطلاق فيه أصلا ، حتى يقال بعدمه في مورد بالانصراف.

وفيه : أنه قد مر في المعاني الحرفية إمكان طرو التقييد فيها ، فراجع والعمدة في الجواب ما في المتن.

٣٠٧

(ثانيا) أنه لو سلم أن حمله عليهما إنما يكون من جهة مقدمات الإطلاق ، فقياس ما نحن فيه عليه قياس مع الفارق ، فان حمل الطلب على النفسيّ والتعييني عند الإطلاق ، إنما هو من جهة أنهما قسمان من الطلب في قبال قسمين آخرين منه ، ولكل من الأقسام أثر خاص ، فلو لم يحمل على قسم خاص ، فلا بد من الالتزام بالإهمال. والمفروض كونه في مقام البيان ، فيجب أن يحمل على ما هو أخف مئونة من الأقسام ، والنفسيّ أخف مئونة من الغيري ، فان الغيري يحتاج إلى لحاظ الغير ، وكذا التعييني أخف مئونة من التخييري ، لأنه يحتاج إلى ذكر البدل. وهذا بخلاف انحصار العلة ، فانه عنوان منتزع من عدم علة أخرى. ومن المعلوم أن وجود علة أخرى وعدمها ليسا موجبين لتفاوت العلة أصلا ، فلو أراد بيان الانحصار يحتاج إلى دال مستقل آخر ، كما أنه لو أراد بيان عدمه ، يحتاج إلى مبين آخر فافهم (١٩٩).

ومما استدل به المثبتون إطلاق ترتب الجزاء على الشرط. وتقريب الاستدلال به أن مقتضى إطلاق ذلك أن يكون الجزاء مستندا إلى خصوص الشرط دائما ، سواء وجد شيء آخر سابقا عليه أو مقارنا له أم لا. وهذا لا ينطبق إلا على العلة المنحصرة ، فانه لو تعددت العلة ، فلو كانت سابقة على ما ذكر في القضية ، يكون الجزاء مستندا إليها ، وإن كانت مقارنة له ، يكون الجزاء مستندا إلى مجموع العلتين.

والجواب أنه لو تكرر المسبب بتعدد الأسباب ، يلزم إهمال السبب

______________________________________________________

(١٩٩) لعله إشارة إلى ان المتكلم إذا كان بصدد بيان تمام العلل ، واقتصر على ذكر واحدة أو اثنتين ، يستفاد منه الانحصار لكن لا يخفى أن ذلك منحصر في مثل المقام ، وهو قرينة خارجية غير مدلول أداة الشرط ، بما هو ، كما هو مورد النزاع.

٣٠٨

أو استناد المسبب إلى مجموع السببين ، فيحفظ الإطلاق المستفاد من القضية ، وهو أنه متى يوجد الشرط يترتب عليه الجزاء ، من دون لزوم القول بالحصر. واما لو فرضنا أن الجزاء واحد على كل حال ، فاللازم على تقدير تعدد الأسباب وإن كان عدم ترتبه على الشرط أصلا أحيانا ، وعدم كونه مستقلا كذلك لكنك عرفت مما تقدم أنا لم نسلم دلالة القضية على كون الشرط علة تامة ، بل المقدار المسلم وقوع الجزاء عقيب الشرط مع ربط بينهما ، ويكفى في الربط كونه صالحا للتأثير فيه (٢٠٠) ، وان منع من تأثيره سبق علة أخرى.

______________________________________________________

(٢٠٠) الظاهر أنه فيما تستفاد العلية تستفاد العلية الفعلية لا مجرد الصلاحية ، نعم لو أحرز عدم قابلية المحل في مورد ، فذلك قرينة قطعية على إرادة خلاف الظاهر ، فاللازم الحمل على الظاهر ما لم يكشف الخلاف.

وقرّر الإطلاق في الفصول بتقريب آخر ، وهو ان ظاهر اللفظ في مثل (ان جاءك زيد فأكرمه) ان المجيء بنفسه علة لوجوب الإكرام ، لا ان العلة هي القدر المشترك بينه وبين شيء أو أشياء أخر. وانما ذكر المجيء من باب ذكر أحد الافراد ، نظير ما يأتي من الأستاذ ـ دام بقاؤه ـ في تقريب عدم الحاجة إلى مقدمات الحكمة في المطلق : من أن ظاهر اسناد الحكم إلى المطلق أنه بنفسه موضوع للحكم ، لا ان الموضوع هو الخاصّ ، وأسند إلى المطلق من باب اتحاده مع الخاصّ.

وقد أجيب عنه : بأن الظاهر من القضية المذكورة ليس إلا أن ذات زيد بما هي ليست موضوعا للقضية ، من دون قيد خارج وأما أن القيد خصوص المجيء أو جيء به من باب المثال ، أو أنه أحد الافراد ، فلا ظهور لها فيه.

لكن الظاهر عدم تماميته : لأن الظاهر من القضية أن المجيء بنفسه مؤثر في الإكرام ودخيل فيه ، فالأولى في الجواب أن يقال : إن ظهور القضية في تأثير خصوص المجيء مما لا ينكر ، لكن الطبيعة إذا كانت بوجودها الساري مؤثرة في شيء ، فيصح إسناد المؤثرية إلى كل فرد منها بالخصوص ، كما يصح الإسناد إلى أصل الطبيعة. فكما

٣٠٩

ثم إن كل من استدل على ثبوت المفهوم بالإطلاق المستفاد من الحكمة ، فكلامه ـ على فرض تماميته ـ خارج عن المدعى ، لأن المدعى ثبوت المفهوم للقضية الشرطية دائما ، وأن القضية الشرطية تنحل إلى عقد إيجابي وسلبي ، والإطلاق المستفاد من المقدمات ليس دائميا ، لأنه تابع لوجود المقدمات.

حجة المنكرين أمور : (الأول) : أن ما استدل به السيد (قدس‌سره) من أن تأثير الشرط هو تعليق الحكم عليه ، وليس يمتنع ان يخلفه وينوب منابه شرط آخر يجري مجراه ، ولا يخرج عن كونه شرطا ، فان قوله تعالى : (فاستشهدوا شهيدين من رجالكم) (١) يمنع عن قبول الشاهد الواحد حتى ينضم إليه شاهد آخر ، فانضمام الثاني إلى الأول شرط في القبول. ثم علمنا أن ضم اليمين يقوم مقامه أيضا ، فنيابة بعض الشروط عن بعض أكثر من أن تحصى ، مثل الشمس فان انتفاءها لا يستلزم انتفاء الحرارة ، لاحتمال قيام النار مقامها. والأمثلة لذلك كثيرة عقلا وشرعا انتهى).

والظاهر انه (قدس‌سره) قد استظهر من كلام القائلين بالمفهوم أن ذلك من جهة الشرطية ، وأن لازمها انتفاء المشروط بانتفاء الشرط ، فورود ما أفاده على هذا الكلام واضح لا إشكال فيه. ولكن المدعين لم

______________________________________________________

يصح أن يقال : (النار محرقة) كذلك يصح أن يقال (هذه النار المخصوصة محرقة). نعم لو كان المؤثر صرف الطبيعة بحيث لا يسري التأثير إلى الخارجيات ، فلا يكون الإسناد إلى الافراد الا من باب الاتحاد.

إذا عرفت ذلك تعلم أن استظهار العلية لخصوص الشرط من القضية ، لا يلازم الانحصار ، ومن دونه لا تدل على المفهوم.

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٨٢.

٣١٠

يتشبثوا بمجرد إطلاق الشرط ، بل يدعون ظهور الجملة في كون مدخول أداة الشرط علة منحصرة للجزاء ، فلا يصح التقابل معهم الا بنفي هذا الظهور.

(الثاني) ـ أنه لو دل لكان بإحدى الدلالات ، والملازمة كبطلان التالي واضحة. وأجيب بمنع بطلان التالي ، وأن الالتزام ثابت. وقد عرفت الكلام في ذلك.

(الثالث) ـ قوله تعالى : (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا) وفيه أن القائل بالمفهوم يشترط أن لا يكون الشرط محققا للموضوع ، والشرط في القضية المذكورة محقق للموضوع ، فان الإكراه لا يتحقق إلّا مع إرادة التحصن.

هذا مضافا إلى ان استعمال القضية الشرطية فيما لا مفهوم له أحيانا مما لا ينكر ، إنما الكلام في ظهورها فيما له مفهوم وضعا أو بقرينة عامة وعدمه ، والمدعى يقول بالأول. ومجرد الاستعمال بقرائن خارجية في بعض المقامات لا ينافى دعواه.

ينبغي التنبيه على أمور

(الأول) أن المفهوم لو قلنا به هو انتفاء سنخ الحكم عن الموضوع المذكور في القضية في غير مورد الشرط لا شخصه ، ضرورة أن ارتفاع شخص الحكم بارتفاع بعض قيود الموضوع عقلي. وهذا ليس من المفهوم المتنازع فيه ، وهكذا مفهوم الوصف وباقي المفاهيم التي وقعت موردا للنزاع ، فيكون مورد النزاع منحصرا فيما كان الحكم بسنخه قابلا للثبوت وعدمه في غير مورد الشرط.

ومن هنا ظهر انه ليس من باب المفهوم الحكم بالانتفاء عند

٣١١

الانتفاء في باب الوصايا والأوقاف ونظائرهما ، فانه لو أوصى بثلث ما له مثلا للعلماء ، فمن كان خارجا عن العنوان لا يكون موردا لهذه الوصية قطعا ، ولا يمكن ان يكون المال ـ بعد انتقاله إلى العلماء بموت الموصى ، وكونه ملكا لهم ـ مالا لغيرهم. وهكذا حال الوقف وأمثاله ، فعدم كون المال لغير المتصف في مثال الوصية ، وكذا عدمه لغير المتصف بعنوان الموقوف عليه ، فيما لو وقف على عنوان خاص ليس من باب مفهوم اللفظ.

هذا وقد خالف فيما ذكرنا ـ من أن المناط في باب المفهوم انتفاء سنخ الحكم ـ بعض أساطين الفن ، وجعل المفهوم في قولنا (أكرم زيدا ان جاءك) انتفاء شخص الوجوب المتحقق في هذه القضية ، على تقدير انتفاء الشرط ، ولعل نظره إلى أن هيئة افعل موضوعة بالوضع العام والموضوع له الخاصّ بإزاء جزئيات الطلب ، فما هو جزاء في القضية المذكورة هو الوجود الجزئي الشخصي المتعلق بإكرام زيد ، دون حقيقة الوجوب المتعلق بإكرام زيد ، ولم تحضرني عبارته حتى أتأمل في مراده (قدس‌سره).

أقول : لو كان الوجه ما ذكرنا ، ففيه (أولا) ما عرفت في تحقيق معنى الحروف ، وانها موضوعة كأسماء الأجناس للمعنى العام ، ومستعملة فيه حينئذ لا مورد لهذا الكلام.

و (ثانيا) ان الشرط ـ في قولنا إن جاءك زيد فأكرمه ـ يستدعى حقيقة إيجاب الإكرام ، لا الإيجاب الجزئي الشخصي المتحقق بجميع الخصوصيات ، إذ ليس لنا شرط في القضايا الشرطية يكون كذلك ، غاية الأمر حقيقة الإيجاب لا تتحقق الا في ضمن الإيجاب الخاصّ ، ونسلم منك أنه ليس لتلك الحقيقة لفظ موضوع ، ولكنا نفهم أن الإيجاب الجزئي المدلول عليه باللفظ الخاصّ ليس معلولا للشرط المذكور في

٣١٢

القضية ، بل المعلول هو الحقيقة الموجودة في ضمنه. وحينئذ فبعد فهم حصر السبب من القضية لازمه ارتفاع حقيقة وجوب إكرام زيد في مورد عدم الشرط.

(الثاني) أنه لا بد ـ في مفهوم القضية الشرطية على القول به ـ من حفظ الموضوع مع تمام ما اعتبر قيدا في الموضوع أو الشرط أو في طرف الجزاء ، وينحصر اختلافه مع المنطوق في امرين : ـ

(أحدهما) ـ انتفاء الشرط في المفهوم وثبوته في المنطوق.

(ثانيهما) ـ ان يكون الحكم الثابت في المفهوم نقيض ما ثبت في المنطوق ، فمفهوم قولك : ـ إن جاءك زيد راكبا يوم الجمعة فاضربه ضربا شديدا ـ إن لم يجئك زيد راكبا يوم الجمعة ، فلا يجب عليك أن تضربه ضربا شديدا.

ومن الاعتبارات الراجعة إلى القضية الشرطية الكل المجموعي ، فلو قال : إن جاءك زيد فتصدق بكل مالك ، على نحو الكل المجموعي ، فمفهومه عدم وجوب التصدق بمجموع المال على تقدير عدم الشرط. وهذا مما لا إشكال فيه. أما لو وقع العموم الاستغراقي في موضوع الجزاء ، فهل تقتضي القاعدة مراعاته في طرف المفهوم ، فيكون المفهوم من قولنا : ـ (ان جاءك زيد فأكرم كل عالم على نحو الاستغراق الأفرادي ـ عدم وجوب إكرام الكل على تقدير عدم الشرط ، حتى لا ينافى وجوب إكرام البعض أو عدم مراعاته ، حتى يكون المفهوم من القضية المذكورة السالبة الكلية.

ومن هنا وقع النزاع بين إمامي الفن الشيخ محمد تقي وشيخنا المرتضى قدس‌سرهما في حديث إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء ، فادعى الأول بداهة أن المفهوم هو الإيجاب الكلي واستدل ـ في الطهارة على ما هو ببالي ـ بان العموم لوحظ مرآة وآلة لملاحظة الافراد ،

٣١٣

فكأنه لم يذكر في القضية الا الأحكام الجزئية المتعلقة بالافراد ، فيكون تعليق هذا الحكم ـ المنحل إلى أحكام جزئية عديدة على بلوغ الكرية ـ منحلا إلى تعليقات عديدة ، ولازم حصر العلة كما هو المفروض أنه في صورة انتفاء الكرية ينقلب كل نفى إلى الإثبات.

ويمكن أن يستدل لهذا المطلب بوجه آخر ، وهو أنه بعد فرض حصر العلة في الكرية يلزم ان لا يكون لبعض افراد العام علة أخرى إذ لو كان لبعض الافراد علة أخرى يتحصل المجموع من علتين وهذا خلف ولازم ذلك في القضية المذكورة الإيجاب الكلي في صورة عدم الكرية وهذا واضح.

والحق أن القضية المذكورة وأمثالها ظاهرة في أن عمومها ملحوظ وأن المفهوم في القضية المذكورة هو الإيجاب الجزئي ، والدليل على ذلك التبادر (٢٠١) ولا ينافى دعوى التبادر المذكور ما تقدم سابقا من إنكار أصل المفهوم في القضايا الشرطية ، فان هذا التبادر المدعى هنا يكون في

______________________________________________________

(٢٠١) قد يقال : باستحالة ما ادعى التبادر عليه في المتن ، بتقريب أن المنشأ إذا كان هو الحكم على كل واحد من الافراد استغراقا ، فلا يكون الملحوظ والمجعول في القضية إلا كل واحد من الأحكام ، ومعلوم أن النسبة الملحوظة هي التي علقت على الشرط ، ولم يلحظ شيء واحد حتى يقال : انه معلّق على الشرط ، وبانتفاء الشرط ينتفي هذا الواحد ، والجامع بين الافراد وإن كان واحدا لكن لم يلحظ في المقام إلا مرآتا لملاحظة الافراد. ومعلوم أن الملحوظ كذلك غير قابل للحمل والإسناد استقلالا ، حتى تعلق النسبة إليه على الشرط ، فلا يكون المعلق على الكرّية في المثال إلا عدم انفعال الماء بملاقاة كل فرد من افراد النجاسات ، ولازمه على القول بالمفهوم كون الكرّية علة منحصرة لعدم انفعال الماء بملاقاة كل فرد من افراد النجاسات.

وفيه : أن لازم تعليق الحكم كذلك وان كان ما ذكر ، لكن يمكن التعليق

٣١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بنحو يكون المعلّق على الشرط أمرا واحدا ، وذلك لأنه لا إشكال في ان النسبة في العام الاستغراقي وان كانت متعددة انحلالا ، لكنها شيء واحد ابتداء ، ضرورة انه فرق بين أكرم زيدا ، وأكرم عمراً ، وأكرم خالدا ، وأكرم كل واحد منهم ، فان الإنشاء في الثاني واحد بخلاف الأول.

إذا عرفت ذلك فنقول : تعليق الحكم وارتباطه في العام الاستغراقي يتصور على وجهين : (أحدهما): ـ تعليقه وارتباطه على نحو المرآتية ، بحيث يكون المرتبط والمعلق انحلالا جميع الأحكام ، ومقتضاه على المفهوم الدلالة على الحصر كما مر.

(ثانيهما) : تعليقه وارتباطه بنحو الموضوعية ، بحيث تكون نفس تلك النسبة ـ المنشأة الواحدة ابتداء ـ منظورا إليها بالنظرة الثانية مستقلا عند التعليق ، وتكون هي المعلقة على الشرط بلا لحاظ المرآتية. ومقتضاه انتفاء تلك النسبة الواحدة عند انتفاء الشرط ، وهو أعم من انتفاء جميع الأحكام ، ولا يستفاد من المفهوم الإيجاب الجزئي. وأما كون تلك النسبة غير ملحوظة في مقام الجعل استقلالا ، فلا يضر بإمكان تعليقها بنحو الموضوعية ، لأن خصوصية تلك النسبة ليست إلّا كنفسها في عدم لحاظها باللحاظ الاستقلالي ، فكما يمكن لحاظها ثانيا وارتباطها بالشرط مع أنها معنى حرفي غير مستقل في اللحاظ ، كذلك يمكن تعليق تلك النسبة المتخصصة بهذه الخصوصية ، التي يكون طرفها شيئا واحدا ابتداء ، ومتعددا بالانحلال بلحاظها ثانيا عند التعليق ، إن قلنا بان التعليق يحتاج إلى النظرة الثانوية.

وأما إن قلنا بان التعليق في القضايا الشرطية عبارة عن فرض وجود الشرط أولا ، ثم إنشاء الحكم في هذا الفرض ، فلعل الأمر أسهل ، لأن النسبة الواحدة المنشأة بعد فرض الشرط ، يمكن أن تكون منظورا إليها بما هي واحدة ، ويمكن أن تكون منظورا إليها بما هي متعددة انحلالا.

هذا غاية التقريب في إثبات الإمكان لما ادعي التبادر عليه ، ومع ذلك يحتاج إلى مزيد تأمل ، خصوصا على التقريب الثاني ، لأن معنى العام الاستغراقي عدم كون الجامع ملحوظا الا مرآتا ، بلا لحاظ وحدتها الذاتيّة ، وهو مناف للحاظ الوحدة فافهم.

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم ان الظاهر عدم ثمرة عملية للنزاع في المثال ، لعدم كون فرد من النجاسات مشكوكا فيه من حيث المنجسية ، حتى يستفاد حكمه من المفهوم على الإيجاب الكلي ، بل المعلوم من الخارج ـ مع قطع النّظر عن ذلك المفهوم ـ أن كل نجس منجّس للماء القليل على القول بانفعاله. نعم إطلاق الحكم بحيث يشمل ورود الماء على النجاسة محل الكلام ، وكذلك منجسية خصوص الدم الغير المستبين ، فلو جرى مثل ذلك النزاع في الإطلاق ، يمكن التمسك بالمفهوم لرفع الشك في المثالين ، على القول باستفادة إيجاب الكلي عند انتفاء الشرط ، مثل أن يقال هل كما يستفاد من منطوق (إذا بلغ الماء قدر كر.). عدم نجاسة الكر مطلقا بأي نحو لاقاه النجس ، كذلك يستفاد من المفهوم النجاسة مع عدم الكرية بأي نحو لاقاه النجس ، أم لا يستفاد منه الا عدم العصمة بنحو الإطلاق؟

وبعبارة أخرى : هل المفهوم يفيد إطلاق السلب عند عدم الشرط ، أم لا يفيد إلّا سلب الإطلاق؟ والثمرة على كل منهما واضحة ، لكن الظاهر عدم جريان النزاع في الإطلاق ، لأنه ليس من قيود الكلام حتى يصح الاكتفاء بسلبه في المفهوم ، بل الإطلاق في المفهوم والمنطوق يعرض على الحكم بنهج واحد ، لأن معناه ليس إلّا لحاظ الذات ، بلا لحاظ قيد معها حتى السريان ، سواء أحرزنا ذلك بالمقدمات أم بالظهور اللفظي ، كما سيجيء في بيان الإطلاق إن شاء الله تعالى.

ومعلوم أن تعليق الحكم على الذات بلا لحاظ شيء ، لا يدل إلا على انتفاء الحكم عن تلك الذات عند عدم الشرط ، من دون نظر إلى نفي الإطلاق ولا إلى غيره من القيود. ومقدمات الحكمة على تماميتها تجري في المنطوق والمفهوم ، وكذلك الاستظهار اللفظي لو تم يجري فيهما. نعم لو كان الإطلاق في قضية من قيود الكلام ، أو كان معناه لحاظ الشمول والسريان ـ كما نسب إلى مشهور المتقدمين ـ لكان المفهوم أعم من نفي الحكم ونفي الإطلاق ، كما مر في العموم على الخلاف. وأما على المختار فلا مانع من إطلاق المفهوم.

ولعل ما نقل عن السيد (قدس‌سره) ـ من عدم نجاسة الماء القليل إذا ورد على النجاسة ـ مبني على المشهور في معنى الإطلاق ، أو على إنكار المفهوم ، أو عدم

٣١٦

كيفية مفهوم القضية ، وفائدته أنه لو علمنا من الخارج أن القضية المشتملة على الكل الاستغراقي جيء بها لبيان المفهوم ، وبنينا على الأخذ بالمفهوم في قضية شخصية من جهة وجود القرائن الخارجية ، نأخذ به على نحو ما ذكرنا فلا تغفل.

وأما الاستدلال الأول فجوابه أن العموم وإن لوحظ مرآة في الحكم الّذي أسند إلى موضوعه ، إلا انه لا منافاة بين هذا وبين ملاحظة هذا العموم الاستغراقي امرا وحدانيا ، بملاحظة التعليق على الشرط. وهذا أمر واضح لا يحتاج إمكانه في مرحلة الثبوت إلى مزيد برهان. وأما الدليل عليه في مرحلة الإثبات ، فهو التبادر ، فان مفهوم قولنا لو كان معك الأمير ، فلا تخف أحدا ليس انه في صورة عدم كون الأمير يجب الخوف من كل أحد (٢٠٢).

وأما الاستدلال الثاني ، فهو مبنى على الالتزام بان تالي الأدوات علة ، وهذا غير مسلم حتى بناء على القول بالمفهوم ، إذ يكفى في المعنى المستفاد من تعليق الجزاء كون تالي الأدوات جزءا أخيرا للعلة ، إما

______________________________________________________

استفادة الإيجاب الكلي منه ، أو على عدم كون قضية (إذا بلغ.). في مقام البيان ، بان تكون في مقام بيان المانع من الانفعال في موارد تمامية المقتضى ، لا في مقام تعداد المقتضى ، فلا إطلاق لها. لكنّ الظاهر من مثل تلك القضايا ـ ولو بمناسبة الحكم والموضوع ـ أن المقتضي نفس الملاقاة بأيّ نحو كان ، كما يقال السكّين يقطع اليد ، فانه معلوم انه يقطع بالإمرار.

(٢٠٢) لا يخفى أن عدم الدلالة على عموم السلب في المثال مستند إلى القرينة ، فان الأمر بعدم الخوف مع الأمير ، لا يكون إلا ممن يكون مقتضى الخوف فيه موجودا ، لكن لا يبعد تبادر ما استظهر ولو مع عدم القرينة ، مثل قولك (إن رزقت ولدا فأعتق كل عبيدك) فانه لا يفهم منه الا عدم إعتاق كل العبيد إن لم ترزق الولد لا بعضهم.

٣١٧

منحصرا بناء على القول بالمفهوم ، أو أعم من ذلك بناء على عدمه (٢٠٣).

(الثالث) أنه لو تعددت القضايا وكان الجزاء واحدا ، فلا يمكن الجمع بين مداليلها الأولية ، ضرورة وقوع التعارض بين مفهوم كل منها مع منطوق الأخرى ، فلا بد من التصرف اما بتخصيص مفهوم كل منها بمنطوق الأخرى ، وإما بحملها على بيان مجرد الوجود عند الوجود. والفرق بينهما أنه على الأول يؤخذ بالمفهوم في غير مورد المنطوق ، بخلاف الثاني ، وإما بحمل الشرط في كل من القضايا على جزء السبب ، وأخذ المفهوم من المجموع. واما بالالتزام بأن المذكور في القضايا مصداق للسبب ، وما هو سبب هو الجامع بين ما ذكر. ولعل الأظهر هو الوجه الثاني عرفا (٢٠٤).

______________________________________________________

(٢٠٣) لا يخفى أنه إن دلت القضية على انحصار العلة في تالي الأدوات ، ولو كان جزء العلة ، وقلنا بدلالة القضية على أن المعلّق على الشرط كل واحد من الأحكام المنشأة ، لا النسبة الواحدة ـ التي سبق ذكرها في الحاشية السابقة ـ فتدل القضية على عموم السلب ، كما هو واضح ، ولا وجه لإنكاره. نعم لو استظهر من القضية أن المعلق على الشرط تلك النسبة الواحدة ، فلا تدل الا على سلب العموم ، ولو مع استفادة انحصار العلة والتمامية ، لعدم المنافاة بين انتفاء تلك النسبة الواحدة ، مع عدم انتفاء بعض الأحكام المندرجة تحته مستندة إلى علة أخرى ، بان تكون علة المجموع منحصرة ، لكن في بعض الافراد علة أخرى تؤثر عند عدم علة المجموع مثلا.

فالأولى في الجواب الإحالة إلى ما استظهره أولا ، من كون العلة علة للنسبة ، لا لكل واحد من المندرجات تحتها ، ولا إلى عدم استفادة تمامية العلة من القضية ، نعم لو كان المراد من جزء العلة العلة لبعض الأحكام لا تمامها ، وإنما أسند العلية في الكل ، لأنها متممة للكل لصح الجواب ، لكنه خلاف الظاهر جدا.

(٢٠٤) قد يقال بأظهرية الأول لشيوع التقييد والتخصيص ، حتى قيل ما من

٣١٨

وأما احتمال أخذ إحدى القضايا منطوقا ومفهوما ، فلا وجه له أصلا ، فانه يوجب طرح غيرها كما لا يخفى.

٢ ـ مفهوم الوصف

ومن جملة المفاهيم التي قد وقع النزاع في ثبوتها مفهوم الوصف (٢٠٥). والحق عدم دلالة القضية المشتملة على ذكر الوصف على عدم سنخ الحكم في غير مورده ، لا وضعا ولا من جهة قرينة عامة. والتحقيق عدم دلالتها على كون الوصف المذكور في القضية علة للحكم ،

______________________________________________________

عام الا وقد خصّ ، فكيف يرفع اليد عن ظهور القضية الشرطية في المفهوم ، لعدم لزوم التقييد أو التخصيص في المفهوم؟

لكنه مخدوش بالفرق بين تخصيص العام المستفاد عمومه من ظاهر اللفظ ، أو تقييد المطلق المستفاد إطلاقه من مقدمات الحكمة ، أو الظهور على خلاف فيه ، فانهما شائعان كما ذكر ، وبين تخصيص العام المستفاد عمومه ببركة ظهور القضية في حصر العلة ، أو تقييد المطلق المستفاد إطلاقه من ذلك الظهور ، فان التخصيص والتقييد في المقامين كاشف عن عدم حصر العلة ، وهو مناف للدلالة على الحصر ، فلا بد في مثل المقام من رفع اليد عن استفادة الحصر لخصوصية المقام ، لو لم نقل بعدم الدلالة عليه رأسا. نعم لو كان مستند المفهوم إطلاق ترتب الجزاء على الشرط ، فالأولى تقييد مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر ، لكن تقريبه غير تام كما مرّ في المتن.

٢ ـ مفهوم الوصف :

(٢٠٥) قد يتمسك لمفهوم الوصف بما مرّ من الفصول التمسك به في مفهوم الشرط ، وهو ظهور القضية في أن الموضوع ـ بما هو متصف بشخص هذا الوصف ـ موضوع للحكم لا بما هو جامع بينه وبين وصف آخر.

٣١٩

فضلا عن كونه علة منحصرة ، لاحتمال كون ذكره في القضية من جهة وجود مانع من تعلق الحكم بالمطلق في مرحلة الإثبات ، وإن كان ثابتا له في مرحلة الثبوت ، أو لكون الاهتمام بشأنه ، أو لعدم احتياج غيره إلى الذّكر ، وغير ذلك من النكات.

نعم قد تستظهر العلية من جهة المناسبة بين الحكم والموضوع ، كوجوب الإكرام المتعلق بالعالم ، أو وجوب التبين المتعلق بخبر الفاسق ، ولا فرق في ما ذكرنا بين الوصف المعتمد على الموصوف وغيره. نعم لازم التقييد بالوصف عدم شمول الحكم في تلك القضية لغير مورد الوصف ، وهذا غير المفهوم المتنازع فيه ، كما عرفت.

ومن هنا يظهر أن بعض الكلمات التي تنقل عن الاعلام في الاستدلال على المقام ليس في محله ، مثل ما قيل : (إنه لو لم يكن للوصف مفهوم لما صح القول بالتخصيص في مثل قولنا أكرم العلماء الطوال) ، ولما صح حمل المطلق على المقيد ، إذ لا تنافي بينهما إلا من جهة دلالة المقيد على سلب الحكم من غيره ، إذ هذه الكلمات أجنبية عما نحن بصدده ، ضرورة أن نفى وجوب إكرام القصار ليس من جهة أن تقييد العلماء بالوصف دل على عدم الحكم في غير مورده ، حتى يكون من باب المفهوم ، بل من حيث أن وجوب الإكرام في غير المنصوص يحتاج إلى دليل ، والنص لا يشمله.

______________________________________________________

وفيه ـ مضافا إلى عدم الدلالة على دخل الوصف أصلا ـ أنه على فرض الدلالة لا تدل القضية الا على كون هذا الوصف بشخصه موضوعا للحكم لا بجامعه. وأما أنه منحصر فلا دلالة لها عليه ، فانه يصح اسناد الحكم إلى كل واحد من الافراد ، إذا كانت الطبيعة بوجودها الساري موضوعا للحكم ، كما إذا كان بشخصه موضوعا للحكم. وقد مر مفصلا في مفهوم الشرط.

٣٢٠