نهاية المأمول

الشيخ محمد علي الإجتهادي

نهاية المأمول

المؤلف:

الشيخ محمد علي الإجتهادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار النشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٥

لزوم التكرار فى قوله عليه‌السلام ولا ينقض اليقين بالشك اذ بعد افادة وجوب المضى على طبق اليقين السابق بمعونة القضية الاولى لا حاجة الى هذه القضية الثانية ؛ مضافا الى ما ذكر بعض الاعاظم فى : تقريراته المسماة بمصباح الاصول ، بانا لم نعثر على استعمال الجملة الاسمية فى مقام الطلب بان يقال زيد قائم مثلا ويراد به يجب عليه القيام الى ان قال مضافا الى انا لو سلمنا كونها فى مقام الطلب لا يستفاد منها وجوب المضى والجرى العملى على طبق اليقين بل تكون طلبا للمادة اى اليقين بالوضوء كما ان الجملة الفعلية فى مقام الطلب تكون طلبا للمادة فان قوله عليه‌السلام ، اعاد او يعيد ، طلب للاعادة فيكون قوله عليه‌السلام فانه على يقين من وضوئه طلبا لليقين بالوضوء ولا معنى له لكونه متيقنا بالوضوء على الفرض (انتهى).

وابعد منه كون الجزاء قوله لا ينقض .. الخ وقد ذكر فانّه على يقين للتمهيد.

قال الشيخ (ره) مع احتمال ان لا يكون قوله عليه‌السلام فانه على يقين علة قائمة مقام الجزاء بل يكون الجزاء مستفاد من قوله عليه‌السلام ولا ينقض ، وقوله فانه على يقين توطئة له ، والمعنى انه ان لم يستيقن النوم فهو متيقن لوضوئه السابق ويثبت على مقتضى يقينه (انتهى موضع الحاجة) حاصله ان قوله عليه‌السلام فانه على يقين من وضوئه قد ذكر توطئة للجواب

٤١

فكانه عليه‌السلام اراد ان يقر السائل على معتقده ويثبته عليه حتى يكون الجواب اوقع فى نفسه ، والمعنى انه ان لم يستيقن النوم فهو مستيقن بوضوئه السابق فيثبت وضوئه السابق ولا ينقضه فحينئذ يخرج قوله عليه‌السلام ولا ينقض اليقين بالشك من كونه كبرى كلية لتعيين حمل اللام حينئذ على العهد لسبق اليقين بالوضوء ، وفيه انه مخالف لما يقتضيه قرينة المقام من سوق الكلام فى اثبات المرام بما هو المرتكز فى الاذهان مع انه يلزم منه اختصاص قوله لا ينقض اليقين بالشك بخصوص باب الوضوء ويتعين ان يكون الالف واللام للعهد لسبق اليقين بالوضوء ولا يصلح لان يكون كبرى كلية فى جميع المقامات ، مضافا الى عدم صحة كون الجواب قوله عليه‌السلام ولا ينقض اليقين بالشك لكون الواو مانعا عن كونه جوابا قال السيد الحكيم فى شرحه على الكتاب (ما لفظه) ووجه كونه ابعد اولا انه خلاف ظاهر لفظ الواو فى قوله عليه‌السلام ولا ينقض اذ لو كان هو الجزاء لزم خلوه عنه انتهى ، ولكن لا يخفى ان دخول كلمة واو على الجزاء ليس محذورا اذ المفروض ان القضية الاولى تكون توطئة للجواب ولا ضير فى دخول كلمة واو على الجزاء مع ان اللازم دخول كلمة الفاء عليه اذ يكفى فى صحته دخول كلمة الفاء على ما هو توطئة للجواب

وقد انقدح بما ذكرنا ضعف احتمال اختصاص قضيّة لا تنقض الخ باليقين والشكّ فى باب الوضوء جدّا فانّه ينافيه ظهور التّعليل فى انّه بامر ارتكازى لا تعبّدى قطعا ويؤيّده تعليل الحكم

٤٢

بالمضى مع الشّكّ فى غير الوضوء فى غير هذه الرّواية بهذه القضيّة او ما يراد فها فتأمّل جيّدا.

حاصله انه قد انقدح بما ذكرنا من ان الظاهر ان جواب الشرط فى قوله عليه‌السلام وإلّا فانه على يقين ... الخ محذوف قامت العلة مقامه لدلالتها عليه والغاء تقييد اليقين بالوضوء وجعل العلة نفس اليقين ، ضعف احتمال اختصاص قضية لا تنقض ... الخ باليقين والشك فى باب الوضوء اذ لو كان مراده من هذه العلة بيان مجرد حكم الوضوء لكان قوله عليه‌السلام لا حتى يستيقن كافيا فى بيانه والمناسب لعدم النقض هو جنس اليقين فى قبال الشك فيكون التعليل راجعا الى قاعدة ارتكازية وهى عدم نقض الامر المبرم وهو اليقين بالامر الغير المبرم وقضيته عدم اختصاص قوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين والشك بباب الوضوء ، بل دعوى الاختصاص ينافى ظهور التعليل فى انه راجع الى امر ارتكازى اذ معنى ان اليقين الذى يطرأ على موضوعه الشك مما يرتكز فى ذهن العرف والعقلاء صلاحيته للحكم بعدم جواز النقض من غير اختصاصه بباب دون باب بل تعم جميع الابواب فلا بد حينئذ من تعميم الحكم اذ لو بنى على تخصيصه بباب الوضوء كان التعليل تعبديا لا ارتكازيا وهو خلاف الاصل فى التعليل ، ويؤيده تعليل الحكم بالمضى مع الشك فى غير الوضوء فى غير هذه الرواية بهذه القضية او ما يرادفها فتأمل جيدا.

٤٣

هذا مع انّه لا موجب لاحتماله الّا احتمال كون اللّام فى اليقين للعهد اشارة الى اليقين فى فانه على يقين من وضوئه مع انّ الظّاهر انّه للجنس كما هو الأصل فيه.

هذا مع انه لا موجب لاحتمال الاختصاص بباب الوضوء إلّا احتمال كون اللام فى اليقين فى قوله عليه‌السلام ولا ينقض اليقين بالشك للعهد الذكرى حتى يكون اشارة الى اليقين فى قوله عليه‌السلام فانه على يقين من وضوئه ولا يجوز اطراده فى غيره مع ان الظاهر ان اللام فى اليقين للجنس لا للعهد كما هو اى كون اللام للجنس الاصل فيه اى فى اللام.

وسبق فانّه على يقين ... الخ لا يكون قرينة عليه مع كمال الملاءمة مع الجنس ايضا فافهم.

ان قلت دلالته على حجية الاستصحاب مطلقا موقوف على ان يكون اللام للجنس وليس كذلك بل هو للعهد الذكرى لسبق ذكر اليقين بالوضوء فيدل على حجية الاستصحاب فى باب الوضوء ، قلت سبق ذكر اليقين بالوضوء ، لا يكون قرينة على ارادة العهد من اللام مع كمال الملاءمة مع الجنس ، نعم كون اللام للعهد لا يكون إلّا مع سبق الذكر ولا ان كل ما كان له سبق الذكر يكون اللام فيه للعهد فان مع الملاءمة

٤٤

للاشارة الى الجنس الذى هو الاصل فى اللام وقيام قرينة المقام على الجنس لا يصار الى العهد الذكرى بمجرد السبق ولعل قوله فافهم اشارة : الى ان كمال الملاءمة لا يقتضى الحمل على الجنس لكمال الملاءمة مع العهد ايضا.

مع انه غير ظاهر فى اليقين بالوضوء لقوة احتمال ان يكون من وضوئه متعلقا بالظرف لا بيقين وكان المعنى فانه كان من طرف وضوئه على يقين وعليه لا يكون الاصغر الا اليقين لا اليقين بالوضوء كما لا يخفى على المتأمل وبالجملة لا يكاد يشك فى ظهور القضية فى عموم اليقين والشك خصوصا بعد ملاحظة تطبيقها فى الاخبار على غير الوضوء ايضا.

حاصله ان حمل اللام على العهد انما يقتضى اختصاص الحكم باليقين بالوضوء لو كان لفظة من وضوئه متعلقة بلفظة يقين بنفسها فيكون اليقين بالوضوء حينئذ فى الصغرى خاصا وهو اليقين بالوضوء اى فانه على اليقين بوضوئه ولا ينقض اليقين بالوضوء ابدا بالشك واما اذا كان متعلقا بالظرف اى بلفظة (على يقين) لا على نفس اليقين بحيث كان المعنى هكذا اى فانه من وضوئه على يقين فلا يكون اليقين حينئذ خاصا حتى يكون اللام فى الكبرى للاشارة اليه مع انه لو كان الظاهر منه هو الخصوصية فلا بد من رفع اليد عن الظاهر ويقال ان اليقين بالوضوء

٤٥

بما هو وضوء لا مدخلية له بقرينة قوله لا ينقض اليقين بالشك ابدا لان اليقين بالوضوء بما هو وضوء لا يكاد ان يكون منطبقا مع هذا الكبرى فلو كان اللام للعهد انما يتم المطلوب بعد اهمال تقييد اليقين بالوضوء وبالجملة لا يكاد يشك فى ظهور القضية فى عموم اليقين والشك خصوصا بعد ملاحظة تطبيقها فى الاخبار على غير الوضوء ايضا.

فى تفصيل الشيخ بين الشك فى المقتضى

والشك فى الرافع

ثم لا يخفى حسن اسناد النقض وهو ضد الابرام الى اليقين ولو كان متعلقا بما ليس فيه اقتضاء البقاء والاستمرار لما يتخيل فيه من الاستحكام بخلاف الظن فانه يظن انه ليس فيه ابرام واستحكام وان كان متعلقا بما فيه اقتضاء ذلك.

هذا شروع فى الرد على الشيخ اعلى الله مقامه حيث استشكل تبعا للمحقق الخوانساري (قدس‌سره) فى دلالة الاخبار على ثبوت الاستصحاب لو كان الشك فى البقاء مستندا الى الشك فى المقتضى ، قال (قد) : بعد نقل اخبار الباب عامتها وخاصتها والتكلم فيها نقضا وابراما ، ما هذا لفظه ثم اختصاص الاخبار الخاصة بالقول المختار واضح.

٤٦

واما الاخبار العامة ، فالمعروف بين المتأخرين الاستدلال بها على حجية الاستصحاب فى جميع الموارد ، وفيه تأمل قد فتح بابه المحقق الخوانساري فى شرح الدروس ، ثم افاد فى توضيح وجه التأمل ، ما حاصله ان النقض بحسب اللغة ضد الابرام الذى هو فى الاصل فتل الحبل يقال ابرم الحبل اذا احكم فتله فلا بد ان يكون متعلق النقض ذا اجزاء محكمة تاليفا وتركيبا ، كما ان متعلق الابرام لا بد ان يكون ذا اجزاء منفكة متفاسخة ، واسناد النقض استعارة الى اليقين كما فى الاخبار وان كان حسنا لكمال شباهته بسبب ما فيه من الاتقان والاستحكام وعقد القلب بالمتيقن بالشىء الذى يكون ذا اجزاء مبرمة ، إلّا ان اليقين حيث يكون منتقضا بنفسه قدا بطرو الشك. فلا يعقل النهى عن نقضه بالشك لعدم صحة تعلق التكليف إلّا بامر اختيارى فلا بد ان يكون المراد من اليقين هو المتيقن كى يصح تعلق النهى بنقضه ، والمتيقن وان كان بظاهره عاما لما له مقتضى البقاء ولغيره ، إلّا انه لا بد بملاحظة نسبة النقض الذى لا يتعلق إلّا بما يكون ذا اجزاء مبرمة اليه من رفع اليد عن ظاهره بتخصيصه بماله مقتضى البقاء الذى هو الاقرب الى الامر المبرم عملا بقاعدة اذا تعذرت الحقيقة تعين الحمل على اقرب المجازات اليها ، هذا خلاصة ما افاده (قدس‌سره) فى وجه التأمل والاشكال واختصاص الاخبار بالقول المختار وهو التفصيل بين الشك فى المقتضى فلا يكون الاستصحاب حجة فيه والشك فى الرافع فيكون حجة فيه ، واورد عليه المصنف بان اختصاص مواردها بما اختاره (قدس‌سره) ممنوع لشمولها

٤٧

للشك فى المقتضى ايضا حيث ان اسناد النقض الى اليقين بعد تعذر ارادة المعنى الحقيقى ليس بملاحظة متعلقه اى المتيقن حتى يوجب تخصيصه بماله مقتضى البقاء الذى هو الاقرب الى الامر المبرم عملا بقاعدة اذا تعذرت الحقيقة تعين الحمل على اقرب المجازات بل بملاحظة نفسه وان المصحح لاستعمال النقض فى المقام كونه متعلقا باليقين ولو كان متعلقا بما ليس فيه اقتضاء البقاء والاستمرار لما يتخيل فى اليقين من الاستحكام بخلاف الظن فانه يطن انه ليس فيه ابرام واستحكام.

والّا لصحّ ان يسند الى نفس ما فيه المقتضى له مع ركاكة مثل نقضت الحجر من مكانه ولما صحّ ان يقال انتقض اليقين باشتعال السّراج فيما اذا شكّ فى بقائه للشّك فى استعداده مع بداهة صحّته وحسنه.

وان لم يحسن اسناد النقض الى اليقين إلّا اذا كان متعلقا بما فيه اقتضاء البقاء والاستمرار ولم يكن المصحح له ما فى اليقين من الابرام والاستحكام لصح اسناد النقض الى نفس ما فيه اقتضاء البقاء كما فى نقصت الحجر مع انه لا يصح فلا يقال نقضت الحجر من مكانه مع ان كونه فى مكانه مما فيه الاقتضاء اذ لا ينفصل عن مكانه إلّا برافع ، ولما صح اسناد النقض الى اليقين المتعلق بما ليس فيه اقتضاء البقاء كما فى انتقض اليقين باشتعال السراج فيما اذا شك فى بقائه للشك فى استعداده مع

٤٨

بداهة صحته وحسنه ، فيعرف من هذا كله ان حسن اسناد النقض الى اليقين ليس بملاك تعلقه بما فيه اقتضاء البقاء والاستمرار بل بملاك كون نفس اليقين مما يتخيل فيه الاستحكام.

وبالجملة لا يكاد يشكّ فى انّ اليقين كالبيعة والعهد انّما يكون حسن اسناد النّقض اليه بملاحظته لا بملاحظة متعلّقه فلا موجب لارادة ما هو اقرب الى الامر المبرم او اشبه بالمتين المستحكم ممّا فيه اقتضاء البقاء لقاعدة اذا تعذرت الحقيقة فاقرب المجازات اولى بعد تعذّر ارادة مثل ذلك الأمر ممّا يصحّ اسناد النّقض اليه حقيقة.

وبالجملة لا يكاد يشك فى ان اليقين كالبيعة والعهد انما يكون حسن اسناد النقض اليه بملاحظة نفس اليقين والبيعة والعهد مما يترقب فيه البقاء والدوام لا بملاحظة متعلق اليقين وشبهه كى يجب ملاحظة الدوام والبقاء فيه حتى ينطبق على مورد الشك فى الرافع خاصة ولا موجب لارادة ما هو اقرب الى الامر المبرم واشبه بالمتين المستحكم مما فيه اقتضاء البقاء لقاعدة اذا تعذرت الحقيقة فاقرب المجازات اولى بعد تعذر ارادة مثل ذلك الامر مما يصح اسناد النقض اليه حقيقة.

والحاصل ان النقض لما كان فى اللغة ضد الابرام فلا بد ان يتعلق بماله ابرام واستحكام ، وفى اخبار الباب قد تعلق النقض بما هو

٤٩

كذلك فى حد ذاته حيث ان اليقين من حيث هو مع قطع النظر عن متعلقه امر مبرم مستحكم ولو لم يكن فى متعلقه مقتض للبقاء فيشمل اخبار الباب مورد الشك فى المقتضى ايضا.

فان قلت نعم ولكنّه حيث لا انتقاض لليقين فى باب الاستصحاب حقيقة فلو لم يكن هناك اقتضاء البقاء فى المتيقّن لما صحّ اسناد الانتقاض اليه بوجه ولو مجازا بخلاف ما اذا كان هناك فانّه وان لم يكن معه ايضا انتقاض حقيقة الّا انّه صحّ اسناده اليه مجازا فانّ اليقين معه كانّه تعلّق بامر مستمرّ مستحكم قد انحل وانفصم بسبب الشّك فيه من جهة الشّك فى رافعه.

حاصل الاشكال انه سلمنا استعمال النقض فى الرواية انما هو بلحاظ تعلقه باليقين نفسه ولكن لا انتقاض لليقين فى باب الاستصحاب حقيقة ، بمعنى ان الشك لم يكن ناقضا لليقين فى مورده من جهة اختلاف متعلقهما زمانا وان كلما تعلق به اليقين السابق لم يتعلق به الشك اللاحق ، فاذا تيقن بالوضوء مثلا فى اول النهار وشك فى الوضوء فى وسطه فهذا مجرى الاستصحاب ولا انتقاض فان ما تعلق به اليقين السابق وهو الوضوء فى اول النهار لم يتعلق به الشك اللاحق فالشك فى مورد الاستصحاب مجامع لليقين لا ناقض له ولأجله لا يكون رفع اليد عن العمل نقضا لليقين بل انما يكون نقضا للمتيقن فالنقض حقيقة يستند

٥٠

الى المتيقن وحينئذ لا بد ان يكون فيه جهة مصححة لاسناد النقض اليه وليس الا كون المتيقن واجدا لمقتضى البقاء فلو لم يكن هناك اى فى مورد الاستصحاب اقتضاء البقاء فى المتيقن لما صح استناد النقض اليه بوجه ولو مجازا كما فى مورد الشك فى المقتضى بخلاف ما اذا كان هناك اى فى مورد الاستصحاب اقتضاء البقاء فى المتيقن كما فى الشك فى الرافع فانه وان لم يكن معه ايضا انتقاض حقيقة لان اليقين السابق لم يرتفع من أصله إلّا انه صح اسناد النقض اليه مجازا فان اليقين معه كانه تعلق بامر مستمر مستحكم قد انحل وانفصم بسبب الشك فيه من جهة الشك فى رافعه.

قلت الظّاهر انّ وجه الاسناد هو لحاظ اتّحاد متعلّقى اليقين والشّكّ ذاتا وعدم ملاحظة تعدّدهما زمانا وهو كاف عرفا فى صحّة اسناد النّقض اليه واستعارته له بلا تفاوت فى ذلك اصلا فى نظر اهل العرف بينما كان هناك اقتضاء البقاء وما لم يكن وكونه مع المقتضى اقرب بالانتقاض واشبه لا يقتضى تعيينه لاجل قاعدة اذا تعذرت الحقيقة فانّ الاعتبار فى الأقربية انّما هو بنظر العرف لا الاعتبار وقد عرفت عدم التّفاوت بحسب نظر اهله هذا كلّه فى المادّة.

حاصله ان وجه اسناد النقض الى اليقين فى مورد الاستصحاب هو لحاظ اتحاد متعلقى اليقين والشك ذاتا وعدم ملاحظة تعددهما زمانا

٥١

وهو اى الاتحاد ذاتا كاف عرفا فى صحة اسناد النقض اليه واستعارته له ومن البين ان بهذا الاعتبار يكون متعلقى اليقين والشك متحدين فيصح نسبة نقض اليقين الى الشك فيكون نقضه به منهيا شرعا فيجب المضى على طبق اليقين والغاء الشك عملا وعليه فلا تفاوت اصلا فى نظر العرف بين ما كان هناك اقتضاء البقاء وما لم يكن ومجرد كونه مع المقتضى للبقاء اقرب بالانتقاض واشبه لا يقتضى تعيينه لاجل قاعدة اذا تعذرت الحقيقة فاقرب المجازات اولى مع ان مجرد الاولوية غير كافية فى العلاقة المصححة بل تمام الملاك فى الصحة مساعدة نظر العرف لا الاعتبار وقد عرفت عدم التفاوت بحسب نظر اهله.

وبالجملة انه ان لوحظ متعلق اليقين والشك بالنظر الدقى فلا يصدق نقض اليقين بالشك ، وان لوحظ متعلق اليقين والشك بالنظر المسامحى العرفى والغاء خصوصية الزمان فيصدق نقض اليقين بالشك حتى فى موارد الشك فى المقتضى وحيث ان متعلق اليقين والشك ملحوظ بنظر العرف والخصوصية من حيث الزمان ملغاة ، فتستفاد من قوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك حجية الاستصحاب مطلقا هذا كله فى المادة.

وامّا الهيئة فلا محالة يكون المراد منها النّهى عن الانتقاض بحسب البناء والعمل لا الحقيقة لعدم كون الانتقاض بحسبها تحت الاختيار سواء كان متعلّقا باليقين كما هو ظاهر القضيّة او بالمتيقن او بآثار اليقين بناء على التّصرّف فيها بالتّجوّز او

٥٢

الاضمار بداهة انّه كما لا يتعلّق النّقض الاختيارى القابل لورود النّهى عليه بنفس اليقين كذلك لا يتعلّق بما كان على يقين منه او احكام اليقين فلا يكاد يجدى التّصرّف بذلك فى بقاء الصّيغة على حقيقتها فلا مجوّز له فضلا عن الملزم كما توهّم.

تقريب الانحصار والاختصاص بالشك فى الرافع مع احراز المقتضى من قبل الهيئة ، بان الحرمة لا تكون متعلقة إلّا بالمقدور ونقض اليقين بالشك امر قهرى غير قابل لذلك وحينئذ يراد منه المتيقن ، وحيث ان الاقرب الى المعنى الحقيقى للنقض رفع اليد عن الشىء المستمر وهو ما يشك فى الرافع مع احراز المقتضى انحصر مدلوله فيه.

هذا حاصل ما افاده شيخنا الاعظم فى توجيه الانحصار من قبل الهيئة ، واورد عليه المصنف بان المراد من النهى عن النقض ليس هو النقض الحقيقى فان النقض الحقيقى ليس تحت الاختيار على كل حال سواء كان المراد هو نقض اليقين بنفسه او نقض المتيقن او آثار اليقين بناء على التصرف فيها بالتجوز بارادة المتيقن او الاضمار اى اضمار لفظ الآثار بل المراد منها النهى عن الانتقاض بحسب البناء والعمل ، والنقض كذلك قابل لتعلق النهى به لانه تحت الاختيار وان اسند الى اليقين بنفسه من غير حاجة الى التصرف فى ظاهر القضية بارادة المتيقن او آثار اليقين حتى يصير النقض اختياريا قابلا لتعلق النهى به بل لا مجوز لذلك اصلا فضلا عن الملزم ، فتحصل ان هاهنا

٥٣

امور اربعة اليقين واحكامه والمتيقن واحكامه ، وكل منها لا يتعلق النهى به حقيقة ، بداهة انه كما لا يتعلق النقض الاختيارى القابل لورود النهى عليه بنفس اليقين كذلك لا يتعلق بما كان على يقين منه او احكام اليقين ، اما عدم كون النقض اختياريا بالنسبة الى اليقين فظاهر واما عدم كون المتيقن اختياريا فلعدم تعلق القدرة والارادة بالموضوعات الخارجية غالبا رفعا وابقاء ، واما عدم كونه اختياريا بالنسبة الى احكام اليقين لوضوح عدم المكنة للمكلف على ابقاء الاحكام الشرعية التى زمام وضعها ورفعها بيد الشارع وكذا الحال فى احكام المتيقن ومن هنا يتوجه النظر فيما افاده الشيخ (ره) فى وجه لزوم التصرف فى اليقين لما عرفت من ان النقض بالنسبة الى ما كان منه على يقين كنفس اليقين ليس باختيارى فاذن لا يجدى التصرف فى القضية بالتجوز فى الكلمة او الاضمار فى صيرورة النقض اختياريا قابلا لتعلق النهى به حقيقة كما افاده شيخنا الاعظم (قدس‌سره).

لا يقال لا محيص عنه فانّ النّهى عن النّقض بحسب العمل لا يكاد يراد بالنّسبة الى اليقين وآثاره لمنافاته مع المورد

حاصل الاشكال ، انه لا محيص عن التصرف فى القضية بان يراد من اليقين المتيقن او آثار اليقين فان النهى عن النقض بحسب العمل لا يكاد يراد بالنسبة الى اليقين وآثاره لمنافاته مع المورد ، لان مورد السؤال

٥٤

فى الرواية الشك فى بقاء الوضوء بعد اليقين وليس اليقين بالوضوء شطرا او شرطا ماخوذا فى الطهارة الواقعية التى هى شرط فى الصلاة نعم : لو كان لوصف اليقين اثر شرعى مترتب عليه فيصح النهى عن نقضه عملا واما اذا لم يكن لوصف اليقين اثر شرعى كما فى المورد بل كان الاثر مترتبا على نفس المتيقن فلا محالة يكون المراد من اليقين المتيقن او آثار اليقين.

فانّه يقال انما يلزم لو كان اليقين ملحوظا بنفسه وبالنّظر الاستقلالى لا ما اذا كان ملحوظا بنحو المرآتية وبالنّظر الآلي.

حاصله ان المنافاة مع المورد انما يلزم والاشكال انما يتم لو كان اليقين ملحوظا بنفسه وبالنظر الاستقلالى لا ما اذا كان ملحوظا بنحو المرآتية وبالنظر الآلي بان ينتقل الذهن من لزوم الاخذ به الى لزوم الاخذ بالمتيقن بناء وعملا عند الشك فيصح اسناد النقض العملى الى اليقين بلحاظ متعلقه او بلحاظ آثاره.

كما هو الظّاهر فى مثل قضيّة لا تنقض اليقين حيث تكون ظاهرة عرفا فى انّها كناية عن لزوم البناء والعمل بالتزام حكم مماثل للمتيقّن تعبّدا اذا كان حكما ولحكمه اذا كان موضوعا

٥٥

لا عبارة عن لزوم العمل بآثار نفس اليقين بالالتزام بحكم مماثل لحكمه شرعا.

حاصله ، ان الظاهر فى مثل قضية ولا ينقض اليقين بالشك هو كون اليقين فيها ملحوظا بنحو المرآتية ، حيث تكون القضية ظاهرة عرفا فى انها كناية عن لزوم البناء والعمل بالتزام حكم مماثل للمتيقن تعبدا اذا كان حكما ولحكمه واثره اذا كان موضوعا لا عبارة عن لزوم العمل بآثار نفس اليقين بالالتزام بحكم مماثل لحكم اليقين شرعا

وذلك لسراية الالية والمرآتيّة من اليقين الخارجى الى مفهومه الكلّى فيؤخذ فى موضوع الحكم فى مقام بيان حكمه مع عدم دخله فيه اصلا كما ربّما يؤخذ فيما له دخل فيه او تمام الدّخل فافهم.

هذا تعليل لكون اليقين فى الرواية ملحوظا بنحو المرآتية واشارة الى دفع ما ربما يمكن ان يتوهم من ان اليقين فى الرواية كيف يكون ملحوظا بنحو المرآتية وآلة للمتيقن وطريقا اليه مع ان اليقين الذى يكون كذلك هو اليقين الخارجى الذى هو مصداق مفهوم اليقين لا نفس المفهوم ، اذ هو بنفسه لا يكون مرآتا لشىء حتى يلاحظ آليا ولا ريب ان المراد باليقين فى الرواية هو مفهوم اليقين لا مصداقه

٥٦

حاصل الدفع ان اليقين الخارجى الذى هو مصداق من مصاديق اليقين كما انه آلة ومرآة للمتيقن فكذلك المفهوم الكلى وهو فى الالية والاستقلالية تابع لمصاديقه فاذا كان المراد من المصاديق هو الآلي فلا جرم يسرى الالية الى مقام المفهوم كما انه يسرى الالية الى مقام المفهوم كما انه يسرى الاستقلالية منها اليه فحينئذ تارة يؤخذ اليقين فى موضوع الحكم طريقا محضا فى مقام بيان حكم الموضوع بلا دخل اليقين الملحوظ فى الموضوع واقعا اصلا بل تمام الموضوع هو ذات المتيقن كما ربما يؤخذ اليقين فى موضوع الحكم موضوعا تمامه او جزئه.

ومما ذكرنا كله ظهر ان مفاد الاخبار هو حجية الاستصحاب مطلقا كما ذهب اليه المشهور.

ثمّ انّه حيث كان كلّ من الحكم الشّرعى وموضوعه مع الشّكّ قابلا للتنزيل بلا تصرّف وتأويل غاية الأمر تنزيل الموضوع بجعل مماثل حكمه وتنزيل الحكم بجعل مثله كما اشير اليه آنفا كان قضيّة لا تنقض ظاهرة فى اعتبار الاستصحاب فى الشّبهات الحكميّة والموضوعيّة واختصاص المورد بالأخيرة لا يوجب تخصيصها بها خصوصا بعد ملاحظة انّها قضيّة كلّية ارتكازيّة قد اتى بها فى غير مورد لأجل الاستدلال بها على حكم المورد فتأمّل.

٥٧

حاصله انه بعد كون اليقين مرآة للمتيقن توجه نظر الحاكم الى المتيقن فان المتيقن ملحوظ بالاستقلال فحينئذ للحاكم ان ينزل المشكوك منزلة المتيقن فان كان موضوعا كان جعل الحكم المماثل بلسان تنزيل الموضوع المشكوك منزلة المتيقن ، وان كان حكما. كان تنزيل الحكم المشكوك منزلة المتيقن بجعل مثله ، وحيث كان كل من الحكم الشرعى وموضوعه قابلا للتنزيل بلا تصرف وتأويل غاية الامر تنزيل الموضوع بجعل مماثل حكمه وتنزيل الحكم بجعل مثله كما اشير اليه آنفا كان قضية لا تنقض ظاهرة فى اعتبار الاستصحاب فى الشبهات الحكمية والموضوعية والعموم المستفاد من وقوع اسم الجنس تلو النهى او النفى يشملهما معا ، وكون المورد من قبيل الشبهة الموضوعية لا يوجب تخصيص الرواية بها اذ خصوص المورد لا يكون مخصصا للعموم خصوصا بعد ملاحظة انها قضية كلية ارتكازية قد اتى بها فى غير المورد لاجل الاستدلال بها على حكم المورد فتأمل ولعله اشارة الى انها وان كانت قضية ارتكازية قد اتى بها لاجل الاستدلال بها على حكم المورد إلّا ان المورد فى الجميع مختص بالموضوع فقط.

ومنها صحيحة اخرى لزرارة قال : قلت له اصاب ثوبى دم رعاف او غيره او شىء من المنى فعلمت اثره الى ان اصيب له الماء فحضرت الصّلاة ونسيت انّ بثوبى شيئا وصلّيت ثمّ انّى ذكرت

٥٨

بعد ذلك قال تعيد الصلاة وتغسله قلت فان لم اكن رايت موضعه وعلمت انه قد اصابه فطلبته ولم اقدر عليه فلما صليت وجدته قال (ع) تغسله وتعيد قلت فان ظننته انه قد اصابه ولم اتيقن ذلك فنظرت فلم ار شيئا فصليت فرأيت فيه قال تغسله ولا تعيد الصلاة قلت لم ذلك قال لانك كنت على يقين من طهارتك فشككت فليس ينبغى لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا قلت فانى قد علمت انه قد اصابه ولم ادر اين هو فاغسله قال تغسل من ثوبك الناحية التى ترى انه قد اصابها حتى تكون على يقين من طهارتك قلت فهل على ان شككت فى انه اصابه شىء ان انظر فيه قال لا ولكنك انما تريد ان تذهب الشك الذى وقع فى نفسك قلت ان رايته فى ثوبى وانا فى الصلاة قال تنقص الصلاة وتعيد اذا شككت فى موضع منه ثم رايته وان لم تشك ثم رايته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة لانك لا تدرى لعله شىء اوقع عليك فليس ينبغى لك ان تنقض اليقين بالشك.

ومن الاخبار العامة التى استدل بها على حجية الاستصحاب مطلقا.

صحيحة اخرى لزرارة قد رواها فى الوسائل مضمرة عن الشيخ (قده) ورواها مستندة الى الصدوق فى العلل.

قال : فى العلل عن ابيه عن على بن ابراهيم عن ابيه عن حماد عن

٥٩

حريز عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام مثله ، وعن الحدائق وهذه الرواية وان كانت مضمرة فى التهذيب إلّا انها متصلة بالباقر عليه‌السلام فى علل الشرائع ، وفى الفرائد منها صحيحة اخرى لزرارة مضمرة ايضا ، وكيف كان فالرواية تشتمل على أسئلة عديدة عن احكام متعددة ،

السؤال الاول :

من حكم الاتيان بالصلاة مع النجاسة نسيانا مع العلم بالنجاسة اولا ، فاجاب الامام عليه‌السلام بوجوب اعادة الصلاة ووجوب الغسل.

(قال قلت اصاب ثوبى دم رعاف او غيره او شىء من منى فعلّمت اثره الى ان اصيب له الماء فاصبت وحضرت الصلاة ونسيت ان بثوبى شيئا وصليت ثم انى ذكرت بعد ذلك قال تعيد الصلاة وتغسله).

السؤال الثانى :

عن العلم الاجمالى بنجاسة الثوب والصلاة معها ، فاجاب الامام عليه‌السلام بوجوب الاعادة وعدم الفرق بين العلم الاجمالى بالنجاسة والعلم التفصيلى بها (قلت فان لم اكن رايت موضعه وعلمت انه قد اصابه فطلبته فلم اقدر عليه فلما صليت وجدته قال تغسله وتعيد).

السؤال الثالث :

عن الظن بالنجاسة والصلاة معها ، فاجاب عليه‌السلام بوجوب الغسل وعدم وجوب الاعادة لكونه على يقين من الطهارة فشك وليس ينبغى نقض اليقين بالشك (قلت فان ظننت انه قد اصابه ولم اتيقن ذلك فنظرت

٦٠