نهاية المأمول

الشيخ محمد علي الإجتهادي

نهاية المأمول

المؤلف:

الشيخ محمد علي الإجتهادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار النشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٥

الاباحة وان كانت من الاحكام الغير الاقتضائية فى نفسها إلّا ان مقتضى قول السببية ان تكون اقتضائية.

فاذا كان قيام الخبر على الاباحة سببا لحدوث المصلحة المقتضية للاباحة فيكون فيه اقتضاء تساوى الفعل والترك كما فى بعض المباحات الواقعية التى لا يتغير بالشرط ونحوه فحينئذ يصير مباحا فعليا مزاحما لاقتضاء الحكم الوجوبى او التحريمى فيحكم فعلا بالإباحة لانه يكفى فيها عدم مقتضى الالزام ولا يزاحم بمقتضى الحكم الالزامى ما يقتضى الغير الالزامى يعنى الاباحة لكفاية عدم تمامية علة الحكم الالزامى فى الحكم بالاباحة وهذا كالحلية الفعلية الظاهرية الثابتة بدليل الحل فانها لا تجتمع مع الحكم الالزامى الفعلى لمكان التضاد بينهما فيكون الحكم الواقعى غير فعلى ويبقى ظهور الدليل فى كون الحلية الظاهرية حلية فعلية فى مقام الاثبات.

نعم يكون باب التّعارض من باب التّزاحم مطلقا لو كان قضيّة الاعتبار هو لزوم البناء والالتزام بما يؤدّى اليه من الاحكام لا مجرّد العمل على وفقه بلا لزوم الالتزام به وكونهما من تزاحم الواجبين حينئذ وان كان واضحا ضرورة عدم امكان الالتزام بحكمين فى موضوع واحد من الاحكام الّا انّه لا دليل نقلا ولا عقلا على الموافقة الالتزاميّة للأحكام الواقعيّة فضلا عن الظّاهريّة كما مرّ تحقيقه.

٣٤١

هذا ناظر الى كلام الشيخ (ره) فانه اطلق القول بالتزاحم على السببية مطلقا سواء قامت الامارة على الحكم الالزامى ام على غيره اى الحكم الغير الالزامى وفى الحقيقة كان مقصود المصنف الاستدراك عما حكم به من كون المتعارضين بينهما من تزاحم الواجبين فيما اذا كان مؤديين الى وجوب الضدين او لزوم المتناقضين لا فيما اذا كان مؤدى احدهما حكما غير الزامى وان ذا اى كون المتعارضين بينهما من تزاحم الواجبين حتى فيما اذا كان مؤدى احدهما حكما غير الزامى انما يتم فيما اذا كان الامر باتباع الخبر متكفلا للزوم الالتزام بالمؤدى علاوة على الدلالة على مجرد العمل على وفق المؤدى وان موافقة الالتزامية كالموافقة العملية عينا لا مجرد العمل على وقفه بلا لزوم الالتزام به وكونهما من تزاحم الواجبين حينئذ وان كان واضحا ضرورة عدم امكان الالتزام بحكمين فى موضوع واحد إلّا انه لا دليل نقلا ولا عقلا على الموافقة الالتزامية للاحكام الواقعية فضلا عن الظاهر به كما مر تحقيقه.

وحكم التّعارض بناء على السّببيّة فيما كان من باب التّزاحم هو التّخيير لو لم يكن احدهما معلوم الاهمّية او محتملها فى الجملة حسبما فصّلناه فى مسئلة الضّد والّا فالتّعيين.

حكم التعارض بناء على السببية فيما كان من تزاحم

٣٤٢

هو التخيير لو لم يكن احدهما معلوم الاهمية فاذا كان احدهما معلوم الاهمية لم يكن الحكم الالزامى الا متوجها اليه دون المهم ولذا تشبثنا بذيل قاعدة الترتب لتصحيح الامر بالمهم عند ترك الاهم وقد مر فى مبحث الضد واما اذا كان احدهما محتمل الاهمية كان المحتمل معلوم التنجز والآخر مشكوكة فلا يحكم العقل بالتخيير لكنه ليس مطلقا بل فى الجملة.

مثل ما اذا احتمل طرو عنوان على واحد منهما فى مرتبة اقتضاء المقتضى بحيث يكون مانعا عن فعلية الالزام المتعلق به ويكون تعيين الشارع له دون الآخر لاجل كون المقتضى فى الآخر مجامعا مع المانع فى مرتبة وجود المقتضى او احتمل كون الملاك فيه اشد ففى الصورتين لا يحكم العقل بالتخيير لاجل كون القدر المتيقن فى مقام الفراغ عن الاشتغال اليقين بالتكليف المنجز هو الاتيان بما يحتمل فيه المزية المنظورة لدى الشارع دون الآخر.

واما اذا احتمل طرو عنوان آخر على واحد منهما بخصوصه الذى صار سببا وداعيا للشارع على تعيين ما هو مقترن به مع كونهما فى وجود المقتضى لهما سيان بلا صلاحية ذلك العنوان الطارى للمانعية فى رتبة اقتضاء المقتضى فحينئذ يكون ملاك الحكم بالتخيير موجودا فيهما معا.

وإلّا اى وان لم يكن احدهما معلوم الاهمية او محتملها فى الجملة حسبما بيناه لك (فالتعيين).

٣٤٣

وفيما لم يكن من باب التّزاحم هو لزوم الاخذ بما دل على الحكم الإلزامي لو لم يكن فى الآخر مقتضيا لغير الإلزامي وإلّا فلا بأس باخذه والعمل عليه لما اشرنا اليه من وجهه آنفا فافهم.

وفيما لم يكن من باب التزاحم مثل ما اذا كان مؤدى احدهما حكما غير الزامى فانه حينئذ لا يزاحم الآخر فيجب الاخذ بما دل على الحكم الالزامى عقلا وجوبا او حرمة لا بما دل على حكم غير الزامى فى ذلك الموضوع ، لوضوح ان الاخذ به موافق لمؤدى كلا الدليلين نعم لو قلنا بان حكم الغير الالزامى ايضا يكون عن اقتضاء عدم الالزام فيزاحم به حينئذ ما يقتضى الالزامى فلا بأس باخذه اى بغير الالزامى والعمل عليه لما اشرنا اليه من وجهه آنفا فافهم.

هذا هو قضيّة القاعدة فى تعارض الامارات لا الجمع بينها بالتصّرف فى احد المتعارضين او فى كليهما كما هو قضيّة ما يتراءى ممّا قيل من انّ الجمع مهما امكن اولى من الطّرح.

التساقط فى الجملة على التفصيل المتقدم ، هو مقتضى القاعدة

٣٤٤

الاولية فى تعارض الامارات لا الجمع بينها بالتصرف فى احد المتعارض او فى كليهما كما هو اى الجمع بينها بالتصرف فى احدهما او كليهما ، قضية ما يتراءى مما قيل من ان الجمع مهما امكن اولى من الطرح وهذه قضية مشهورة قد ادعى الاجماع عليها كما عن غوالى اللئالى ، والدليل على العمل بها مضافا الى الاجماع المحكى عن غوالى اللئالى امرين (احدهما) ما حكاه الشيخ (ره) من ان الاصل فى الدليلين الاعمال فيجب الجمع بينهما مهما امكن.

(وثانيهما) ما حكاه المحقق القمى (اعلى الله مقامه) قال فى القوانين وقد استدل بعضهم فى تقديم الجمع بين الدليلين بان دلالة اللفظ على جزء مفهومه دلالة تابعة للدلالة على كل مفهومه ودلالته على كل مفهومه اصلية فاذا عملنا بكل واحد منهما من وجه دون آخر فقد تركنا العمل بالدلالة التابعة واذا عملنا باحدهما وتركنا العمل بالآخر بالكلية تركنا العمل بالدلالة الاصلية ولا شك فى ان الاول اولى.

(ثم قال) واعترضه العلامة فى النهاية على ما نقل عنه بان العمل بكل منهما من وجه عمل بالدلالة التابعة من الدليلين معا والعمل باحدهما دون الآخر عمل بالدلالة الاصلية والتابعة فى احد الدليلين وابطالهما فى الآخر ولا شك فى اولوية العمل بالاصل وتابع على العمل بالتابعين وابطال الاصلين (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

٣٤٥

اذ لا دليل عليه فيما لا يساعد عليه العرف ممّا كان المجموع او احدهما قرينة عرفيّة على التّصرف فى احدهما بعينه او فيهما كما عرفته فى الصّورة السّابقة.

حاصل الكلام ، انه لا دليل على ما قيل من ان الجمع مهما امكن اولى من الطرح فيما اذا لم يساعد عليه العرف مما كان المجموع او احدهما قرينة عرفية على التصرف فى احدهما بعينه او فيهما ، فاذا ساعد عليه العرف بحيث كان المجموع قرينة على التصرف فى كليهما جميعا او كان احدهما المعين قرينة على التصرف فى الآخر دخل فى الظاهر والاظهر وكان هو من الجمع المقبول.

وامّا ما استدل عليه من الاجماع المنقول فى كلام صاحب غوالى اللئالى ومن ان دلالة اللفظ على تمام معناه اصلية وعلى جزئه تبعية وعلى تقدير الجمع يلزم طرح دلالة تبعية وعلى تقدير الطرح يلزم طرح دلالة اصلية والاول اولى ومن ان الاصل فى الدليلين الاعمال فيجب الجمع مهما امكن لاستحالة الترجيح بلا مرجح فغير صحيح جدا ، اما الاول فلانه ان اريد من الجمع الذى هو معقد الجمع فى الجملة هو الجمع الذى يساعد عليه العرف ، ففيه ان الاجماع عليه بحسب الظاهر وان كان مسلما بعد البناء على عدم قدح الشيخ والمحقق القمى (قدس‌سرهما) إلّا انه لا يجدى فى دعوى الكلية وان اريد

٣٤٦

منه الجمع مطلقا وعلى سبيل القضية الكلية بحيث يعم التأويل والحمل على خلاف الظاهر المتفاهم عرفا فللمنع منه مجال واسع وامّا الثانى فلانه ان كان المراد الجمع الذى يساعد عليه العرف كما فى العام والخاص ونحوهما فهو حق لكن لا للاولوية المذكورة بل لما ذكرنا من مساعدة العرف وان كان المراد مطلق الجمع فالأولوية المذكورة ممنوعة وعلى فرضها لا دليل على اعتبارها وبهذا ظهر ما فى كلام العلامة (اعلى الله مقامه) إذ الأولوية ممنوعة فيه ايضا وعلى فرضها لا دليل على اعتبارها.

وامّا الثالث ان كان المراد وجوب الجمع مع الامكان عرفا كما حمله عليه بعضهم فلا كلام فان كان المراد وجوب الجمع مطلقا فان كان المراد منه عموم ما دل على حجية كل خبر فهو مسلم إلّا انه يجب الخروج عنه بسبب الاخبار العلاجية لارجحيتها وان كان الكلام مع الغض عن اخبار العلاج فيجب الرجوع الى الاصل المؤسس فى باب التعارض مع انه غير محصل المراد من اصل حيث ان فى الطرح ليس ترجيحا من غير مرجح.

هذا مضافا الى ان العمل بظاهر القضية مما يوجب سد بات التعارض وترك العمل بالاخبار العلاجية الآمرة بعضها بالترجيح وبعضها بالتخيير رأسا الا فيما لم يمكن بينهما بوجه من الوجوه اصلا كما فى النصين المتعارضين وهو شاذ نادر.

قال الشيخ (ره) ولا يخفى ان العمل بهذه القضية على ظاهرها

٣٤٧

يوجب سدّ باب الترجيح والهرج فى الفقه كما لا يخفى ولا دليل عليه بل الدليل على خلافه من الاجماع والنص (انتهى) يعنى بالنص الاخبار العلاجية.

وبالجملة انه لا دليل على الجمع المذكور فيما لا يساعد عليه العرف مما كان المجموع او احدهما قرينة عرفية على التصرف فى احدهما بعينه او فيهما سوى الامرين المذكورين آنفا وقد عرفت فسادهما جميعا بل عرفت انه يلزم من العمل به سد باب التعارض وترك العمل بالاخبار العلاجية الآمرة بعضها بالترجيح وبعضها بالتخيير ويوجب الهرج فى الفقه.

مع انّ فى الجمع كذلك ايضا طرحا للامارة او الامارتين ضرورة سقوط اصالة الظّهور فى احدهما او كليهما معه وقد عرفت انّ التّعارض بين الظّهورين فيما كان سنداهما قطعيّين وفى السّندين اذا كانا ظنيّين.

اى مع ان فى الجمع بين الامارات كذلك اى بالتصرف فى احد المتعارضين او كليهما جميعا فيما لا يساعد عليه العرف مما كان المجموع او احدهما قرينة عرفية على التصرف فى احدهما بعينه او فيهما ايضا طرحا للامارة او الامارتين ، ففى الاول طرح لامارة واحدة هى وظهور الدليل المتصرف فيه وفى الثانى طرح للامارتين وهما ظهور

٣٤٨

الدليلين المتعارضين.

وبالجملة ان فى الجمع كذلك طرحا للامارة او الامارتين مع ان الجمع بين المتعارضين مقبول اذا كان جمعا لا طرحا لظهور واحد منهما او كليهما اذ لو كان طرحا كان خارجا عن مورد القاعدة الناطقة باولوية الجمع من الطرح ، وحينئذ يلزم من الجمع عدمه وما يلزم من وجوده عدمه فهو باطل.

وقد عرفت انّ قضيّة التّعارض انّما هو سقوط المتعارضين فى خصوص كلّ ما يؤديان اليه من الحكمين لا بقائهما على الحجّية بما يتصرّف فيهما او فى احدهما او بقاء سنديهما عليها كذلك بلا دليل يساعد عليه من عقل او نقل فلا يبعد ان يكون المراد من امكان الجمع هو امكانه عرفا.

حاصله انه قد عرفت مما تقدم من ان التعارض يكون بين الظهورين فيما كان سنداهما قطعيين وفى السندين اذا كانا ظنيين وعرفت ان مقتضى القاعدة الاولية هو سقوط المتعارضين فى كل ما يؤديان اليه من الحكمين يعنى سقوطهما جميعا بالمعنى المتقدم لا بقائهما على الحجية بما يتصرف فيهما او فى احدهما او بقاء سنديهما على الحجية كذلك اى بالتصرف فيهما او احدهما يعنى ان مقتضى القاعدة الاولية هو سقوط المتعارضين جميعا لا الجمع بينهما اقتراحا بالتصرف

٣٤٩

فى كليهما او احدهما بلا دليل يساعد عليه من عقل او نقل.

وعليه فلا يبعد ان يكون المراد من امكان الجمع فى القضية المشهورة (اى الجمع مهما امكن اولى من الترك) هو امكانه عرفا بحيث كان فى البين ظاهر واظهر وكان ذلك قرينة على التصرف فى كليهما او احدهما المعين لا مطلقا اى لو امكن عقلا فى قبال ما لا يمكن الجمع بينهما بوجه من الوجوه.

اذ من البعيد التزام هؤلاء الاعلام بما لم يساعد عليه العرف من الحمل على محامل بعيدة التى يلزم من ذلك فقه جديد اذ مبنى الفقه المعمول عليه بين الفقهاء على عدم الاعتداد بتلك المحامل البعيدة والرجوع الى الاخبار العلاجية فى هذه الصور والمسائل المدونة فى كتبهم مستخرجة من ظواهر الآيات على طبق متفاهم اهل المحاورة لو كان هناك جمع دلالى فيما تعارض منهما وإلّا فمن الاخبار العلاجية فبعيد كل البعد ان يكون مرادهم من الامكان فى القاعدة اعم من الامكان العرفى.

وعليه فرادهم من الاولوية (فى الجمع مهما امكن اولى من الترك) هو اللزوم لا الرجحان فاذا كان جمع دلالى بين التعارضين لزم وإلّا فالرجوع الى الاخبار العلاجية.

ولا ينافيه الحكم بانّه اولى مع لزومه ح وتعيّنه فانّ أولويّته من قبيل الاولوّية فى اولى الارحام وعليه لا اشكال فيه ولا كلام.

٣٥٠

دفع لما قد يتوهم ، حاصل التوهم انه كيف يكون المراد من قولهم الجمع مهما امكن اولى من الترك هو الامكان العرفى فانه لو كان كذلك لكان الجمع حينئذ لازما متعينا لا انه اولى من الطرح حاصل الدفع ان الاولوية لا تنافى التعين فان اوليته حينئذ يكون من قبيل الأولوية فى اولى الارحام وعليه لا اشكال فيه ولا كلام.

فى بيان

مقتضى القاعدة الثانوية فى الخبرين المتعارضين

فصل لا يخفى انّ ما ذكر من قضيّة التّعارض بين الامارات انّما هو بملاحظة القاعدة فى تعارضها والّا فربّما يدّعى الاجماع على عدم سقوط كلا المتعارضين فى الاخبار كما اتّفقت عليه كلمة غير واحد من الاخبار.

لا يخفى ان ما ذكر فى الفصل السابق من ان قضية التعارض بين الخبرين المتنافيين هو التساقط فى الجملة انما هو بملاحظة القاعدة الاولية وإلّا فربما يدعى قيام الدليل الشرعى كالاجماع على عدم سقوط كلا المتعارضين فى خصوص الاخبار المتعارضة كما

٣٥١

اتفقت عليه كلمة غير واحد من الاخبار.

ولا يخفى انّ اللازم فيما اذا لم تنهض حجّة على التّعيين او التّخيير بينهما هو الاقتصار على الرّاجح منهما للقطع بحجّيته تخييرا او تعيينا بخلاف الآخر لعدم القطع بحجّيته والاصل عدم حجّيته ما لم يقطع بحجّيته بل ربّما ادّعى الاجماع ايضا على حجّية خصوص الرّاجح.

ولا يخفى انه بناء على عدم السقوط ان اللازم بمقتضى القاعدة فيما اذا لم تنهض حجة على التعيين او التخيير بينهما هو الاقتصار على الراجح منهما للقطع بحجيته تخييرا او تعيينا بخلاف الآخر المرجوح لعدم القطع بحجيته والاصل عدم الحجية ما لم يقطع بحجيته بل ادعى الاجماع ايضا على حجية خصوص الراجح.

واستدلّ عليه بوجوه آخر احسنها الأخبار وهى طوائف.

الضمير فى قوله واستدل عليه ... الخ يرجع الى خصوص الراجح والاخبار التى ذكرها المصنف اعم من اخبار الترجيح التى هى مستند القول بحجية خصوص الراجح وقيل والقائل المحقق المشكينى (ره) ان فى الضمير استخدام اذ المراد من الاخبار الترجيح المدعى دلالتها عليه

٣٥٢

والمراد من الضمير مطلق الاخبار الواردة فى مقام العلاج اعم منها ومن اخبار التخيير والتوقف والاحتياط (انتهى) وقيل يرجع الضمير الى عدم السقوط المذكور فى صدر كلام المصنف فينطبق عليه الطوائف الاربع من الاخبار (انتهى) وكيف كان وقد استدل عليه بوجوه آخر غير الاجماع (منها) ما عن جماعة من الخاصة والعامة من ان العدول من الراجح الى المرجوح قبيح عقلا بل ممتنع قطعا فيجب العمل بالراجح لئلا يلزم ترجيح المرجوح على الراجح ، وفيه انه ان كان مقصودهم ترجيح اخبار الترجيح على اخبار التخيير وغيره بعد ثبوت التعارض ففيه منع الصغرى اذ يحتمل ان يكون فى جعل التخيير مصلحة راجحة على الترجيح فلا يلزم ترجيح المرجوح على الراجح وان كان محل كلامهم اجمال الاخبار فى اثبات وظيفة الشاك المتحير فحق لا ننكره لكن لا لما تشبثوا به بل لما مر بيانه.

(ومنها) ما عن المفاتيح لو لم يعمل باقوى الدليلين لزم تعطيل الاحكام او تأسيس احكام جديدة غير ما بيد العلماء والصحابة من السلف والخلف لانه امّا ان يتوقف فى مورد تعارض الادلة فالاول او يتحير فالثانى وبطلان التاليين ضرورى ، امّا الملازمة فلان جلّ الفقه بل كله ثابت بتقييد المطلقات وتخصيص العمومات وساير وجوه المجازات وكل ذلك من باب ترجيح احد المتعارضين على الآخر ثم امر بالتأمّل (انتهى) وفيه ان هذه كلها من وجوه الجمع الدلالى ولا كلام فيه ولكن نمنع لزوم المحذور المذكور فى اختيار التخيير فى المتعارضين.

٣٥٣

«ومنها» ما عن النهاية فى التقرير لما روى ان النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله قرّر معاذا فى ترتيب الادلة وتقديم بعضها عن بعض حين بعثه قاضيا الى المدينة وفيه اولا عدم ثبوت هذه الرواية ، قال السيد الصدر على ما حكى عنه فى شرح الوافية ان هذا الحديث غير ثابت بل نقل عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال لا اكب اى لا اكب عليك وثانيا ان فعل معاذ مجمل محتمل لغير الترجيح بهذه المرجحات المنصوصة «ومنها» انهما دليلان تعارضا ولا يمكن العمل بهما ولا باحدهما بالخصوص دون الآخر ولا اسقاطهما فوجب التخيير ، امّا الاول فلان ما دلّ على حجية خبر الواحد شامل للفرض وامّا الثانى فواضح وامّا الثالث فلانه ترجيح بلا مرجح وامّا الرابع فلان اسقاطهما موجب لاسقاط ما ثبت من الشرع اعتباره وامّا الخامس فلانه لا يمكن غيره وهناك وجوه أخر مزيفة احسنها الاخبار.

فى الاخبار العلاجية الدالة على الترجيح

منها ما دلّ على التّخيير على الاطلاق كخبر الحسن بن الجهم عن الرّضا عليه‌السلام قلت يجيئنا الرّجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا يعلم ايّهما الحقّ قال فاذا لم يعلم فموسّع عليك بايّهما اخذت.

٣٥٤

قد رواه فى الوسائل فى القضاء فى باب وجوه الجمع بين الاحاديث المختلفة «وتمام الحديث هكذا» قال قلت له تجيئنا الاحاديث عنكم مختلفة فقال ما جاءك عنا فقس على كتاب الله عزوجل واحاديثنا فان كان يشبههما فهو منا وان لم يكن يشبههما فليس منا قلت يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم ايهما الحق قال فاذا لم تعلم فموسع عليك بايهما أخذت.

وخبر الحرث بن المغيرة عن ابى عبد الله عليه‌السلام اذا سمعت من اصحابك الحديث وكلّهم ثقة فموسّع عليك حتّى ترى القائم فترد عليه.

قد رواه ايضا فى الوسائل بعد الخبر السابق بلا فصل وقال فى آخره فترد اليه لا فترد عليه كما فى المتن.

ومكاتبة عبد الله بن محمّد الى ابى الحسن عليه‌السلام اختلفت اصحابنا فى رواياتهم عن ابى عبد الله عليه‌السلام فى ركعتى الفجر فروى بعضهم صل فى المحمل وروى بعضهم لا تصلّها الّا فى الارض فوقع عليه‌السلام موسّع عليك باية عملت.

قد رواها ايضا فى الوسائل فى الباب المتقدم عن الطوسى رضوان الله

٣٥٥

عليه مسندا عن علي بن مهزيار قال قرأت فى كتاب لعبد الله بن محمّد الى ابى الحسن عليه‌السلام اختلفت اصحابنا وذكره الحديث مثل ما ذكره المصنف عينا

ومكاتبة الحميرى الى الحجّة عليه‌السلام الى ان قال فى الجواب عن ذلك حديثان الى ان قال عليه‌السلام وبايّهما اخذت من باب التّسليم كان صوابا.

قد روى الوسائل فى الباب المتقدم جواب المكاتبة ، احمد بن علي بن أبي طالب الطبرسى فى الاحتجاج فى جواب مكاتبة محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميرى الى صاحب الزمان «قال» الى ان قال فى الجواب عن ذلك حديثان امّا احدهما فاذا انتقل من حالة الى اخرى فعليه التكبير وامّا الآخر فانه روى انه اذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبّر ثم جلس ثم قام فليس عليه فى القيام بعد القعود تكبير وكذلك التشهد الاول يجرى هذا المجرى وبايهما اخذت من باب التسليم كان صوابا (قال) ورواه الشيخ يعنى به الطوسى رضوان الله عليه فى كتاب الغيبة بالاسناد الآتي.

الى غير ذلك من الإطلاقات.

كحسنة سماعة عن ابى عبد الله عليه‌السلام فى خبرين احدهما يأمر

٣٥٦

والآخر ينهى قال عليه‌السلام يرجه حتى يلقى من يخبره فهو فى سعة حتى يلقاه «قال فى الوسائل» فى الباب المتقدم «ما لفظه» وعن علي بن ابراهيم يعنى به الكلينى قد روى عن علي بن ابراهيم «الى ان قال» عن سماعة عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من اهل دينه فى امر كلاهما يرويه احدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه كيف يضع قال يرجئه حتى يلقى من يخبره فهو فى سعة حتى يلقاه ثم قال ، قال الكلينى وفى رواية اخرى بايهما اخذت من باب التسليم وسعك.

بناء على ان المراد من الارجاء ارجاء تعيين الواقعة وعلى ان المراد من السعة هو السعة فى العمل بالخبرين ، واما بناء على ارادة ارجاء نفس الواقعة وعدم العمل اصلا وكون المراد بالسعة السعة فى الارجاء يكون دليلا على الاحتياط كما انه بناء على ارادة السعة من حيث الرجوع الى الاصل يكون دليلا على التساقط او التوقف والرجوع الى الاصل المطابق وكما رواه فى المستدرك فى الباب المتقدم عن فقه الرضا عليه‌السلام (قال) والنفساء تدع الصلاة اكثر مثل ايام حيضها (الى ان قال) وقد روى ثمانية عشر يوما وروى ثلاثة وعشرين يوما وباى هذه الاحاديث من باب التسليم جاز.

٣٥٧

الاخبار العلاجية الدالة على التوقف

منها ما دلّ على التّوقف مطلقا.

منها ما رواه فى الوسائل ان محمّد بن عيسى كتب اليه يسأله عن العلم المنقول الينا عن آبائك واجدادك عليهم‌السلام قد اختلف فيه فكيف العمل به على اختلافه او الرد اليك فيما اختلف فكتب عليه‌السلام ما علمتم انه قولنا فالزموه وما لم تعلموه فردّوه الينا.

ومنها خبر جابر عن ابى جعفر عليه‌السلام فى حديث قال انظروا الى امرنا وما جاءكم عنا فان وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به وان لم تجدوه موافقا فردّوه وان اشتبه الامر عليكم فقفوا عنده وردّوه الينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا.

ومنها موثقة سماعة عن ابى عبد الله عليه‌السلام اختلف عليه رجلان من اهل دينه فى امر كلاهما يرويه احدهما يأمر باخذه والآخر ينهاه كيف يضع قال عليه‌السلام يرجه حتى يلقى من يخبره فهو فى سعة حتى يلقاه.

ومنها موثقة بن بكير المرسلة عن ابى جعفر عليه‌السلام فى حديث

٣٥٨

قال اذا جاءكم عنا حديث فوجدتم عليه شاهدا او شاهدين من كتاب الله فخذوا به وإلّا فقفوا عنده ثمّ ردّوه الينا حتى يستبين لكم الى غير ذلك من الاخبار الدالة على التوقف.

ومنها ما دل على ما هو الحائط منها

كمرفوعة زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام الدالة على الاخذ بالموافق للاحتياط بعد فقد المرجحات ومع موافقتهما للاحتياط او مخالفتهما له فالتخيير ، قال سألته فقلت جعلت فداك يأتى عنكم الخبران او الحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ فقال يا زرارة خذ بما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر ، فقلت يا سيدى انهما معا مشهوران مرويان مأثوران عنكم فقال عليه‌السلام خذ بقول اعدلهما عندك واوثقهما فى نفسك فقلت انهما معا عدلان مرضيان موثقان فقال انظر ما وافق منهما مذهب العامة فاتركه وخذ بما خالفهم فان الحق فيما خالفهم ، قلت ربما كانا معا موافقين لهم او مخالفين لهم فكيف اصنع ، فقال اذن فخذ بما فيه الحائط لدينك واترك ما خالف الاحتياط ، فقلت انهما معا موافقان للاحتياط او مخالفان فكيف اصنع ، قال عليه‌السلام اذن فتخير احدهما فتأخذ به وتدع الآخر.

وعدّ هذه الرواية وامثالها طائفة مستقلة بناء على كون الاحتياط المذكور فيها مرجعا اوليا والتخيير مرجعا ثانويا وامّا بناء على كون

٣٥٩

الاحتياط مرجحا له ، فهى وامثالها من اخبار التخيير غاية الامر انها زادت على المرجحات مرجحا آخر وهو الموافقة للاحتياط.

فى الاخبار العلاجية الدالة على الترجيح

ومنها ما دلّ على الترّجيح بمزايا مخصوصة ومرجّحات منصوصة من مخالفة القوم وموافقة الكتاب والسّنة والأعدلية والأصدقية والأفقهية والأورعيّة والأوثقيّة والشّهرة على اختلافها فى الاقتصار على بعضها وفى التّرتيب بينها ولاجل اختلاف الاخبار اختلفت الانظار.

الاخبار العلاجية الدالة على الترجيح بمزايا مخصوصة كثيرة ، منها مقبولة عمر بن حنظلة وهى عمدة ما فى الباب وقد ذكرها فى الوافى فى ابواب العقل والعلم فى باب اختلاف الحديث والحكم عن المشايخ الثلاثة الكلينى والطوسى والصدوق باسنادهم عن عمر بن حنظلة (قال) سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلين من اصحابنا بينهما منازعة فى دين او ميراث فتحا كما الى السلطان والى القضاة أيحل ذلك (قال) من تحاكم اليهم فى حق او باطل فانّما تحاكم الى الطاغوت

٣٦٠