نهاية المأمول

الشيخ محمد علي الإجتهادي

نهاية المأمول

المؤلف:

الشيخ محمد علي الإجتهادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار النشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٥

تعارض الاستصحاب والقواعد

تذنيب لا يخفى انّ مثل قاعدة التّجاوز فى حال الاشتغال بالعمل وقاعدة الفراغ بعد الفراغ عنه واصالة صحّة عمل الغير الى غير ذلك من القواعد المقرّرة فى الشّبهات الموضوعيّة الّا القرعة تكون مقدّمة على استصحاباتها المقتضية لفساد ما شكّ فيه من الموضوعات لتخصيص دليلها بادلّتها.

لا يخفى ان مثل قاعدة التجاوز فى حال الاشتغال بالعمل وقاعدة الفراغ بعد الفراغ عنه فى صحة عمل النفس واصالة صحة عمل الغير الى غير ذلك من القواعد المقررة فى الشبهات الموضوعية الا القرعة كقاعدة اليد وقاعدة السوق الجاريات فى الشبهات الموضوعية تكون مقدمة على استصحابها المقتضية لفساد ما شك فيه من الموضوعات لتخصيص دليل الاستصحاب بادلة القواعد المذكورة.

يعنى ان الوجه فى تقدمها عليه وجوب تخصيص دليله بدليلها اما لانه اخص منه فيدخل تحت قاعدة وجوب تخصيص العام بالخاص أو لأن بينهما وان كان عموم من وجه إلّا انه يجب ادخال مورد الاجتماع

٣٠١

تحت دليلها واخراجه عن دليله ، وجه التخصيص فى العموم المطلق انه لو لم يخصص لزمت لغوية الخاص رأسا وفى المقام لو لم يخصص احد العامين من وجه وهو ادلة الاستصحاب يلزم حمل العام الآخر وهو ادلة القاعدة على الفرد النادر وهو بحكم اللغو فليس الملاك فى التخصيص كون النسبة هى العموم المطلق بل الملاك لزوم لغوية احد الدليلين على تقدير عدم الالتزام بتخصيص الدليل الآخر.

وكون النسبة بينه وبين بعضها عموما من وجه لا يمنع عن تخصيصه بها بعد الاجماع على عدم التّفصيل بين مواردها مع لزوم قلّة المورد لها جدا لو قيل بتخصيصها بدليلها اذ قلّ مورد منها لم يكن هناك استصحاب على خلافها كما لا يخفى.

دفع لما قد يتوهم من ان النسبة بين الاستصحاب وبين بعضها كاليد عموم من وجه اذ قد يتفق احيانا ان لا يكون فى مورد اليد استصحاب اصلا كما فى هذا المورد ، يد ولا استصحاب فيكون هو مورد الافتراق من جانب اليد ، ومورد الافتراق من جانب الاستصحاب كثير فتكون النسبة بينهما عموما من وجه فلا وجه لدعوى تقدمه عليه وحاصل الدفع ان النسبة بينه وبين بعضها وان كان عموما من وجه إلّا انه لا يمنع عن تخصيصه بها من وجهين ، الاول الاجماع على عدم الفصل بين مواردها الموجب لدوران طرح دليلها بالمرة وتخصيص دليل

٣٠٢

الاستصحاب به ولا ريب ان الثانى متعين.

الثانى لزوم قلة المورد للقواعد المذكورة لو قيل بتخصيصها بدليل الاستصحابات اذ قل مورد للقواعد ولم يكن هناك استصحاب على خلافها كيف لا وان اغلب موارد العمل بالقاعدة يكون موردا لجريان الاستصحاب كما فى الشك فى الركوع بعد الدخول فى السجود فانه بعد الغض عن قاعدة التجاوز كان مقتضى الاستصحاب الحكم بعدم الاتيان بالركوع فلا بد من تخصيص ادلة الاستصحاب بادلة القواعد المذكورة وإلّا يلزم حمل القواعد على النادر ولا يمكن الالتزام به.

واما القرعة فالاستصحاب فى موردها يقدم عليها لاخصية دليله من دليلها لاعتبار سبق الحالة السابقة فيه دونها واختصاصها بغير الاحكام اجمالا لا يوجب الخصوصية فى دليلها بعد عموم لفظها لها هذا مضافا الى وهن دليلها بكثرة تخصيصه حتى صار العمل به فى مورد محتاجا الى الجبر بعمل المعظم كما قيل وقوة دليله بقلة تخصيصه بخصوص دليل.

اما القرعة فالاستصحاب فى موردها يقدم لا خصية دليل الاستصحاب من دليل القرعة فالنسبة بين دليل القرعة والاستصحاب هى عموم وخصوص مطلق لاعتبار سبق الحالة فى الاستصحاب دون القرعة فانها مشروعة فى جميع موارد الاستصحاب سواء علم بالحالة السابقة ام لا.

٣٠٣

لا يقال ان النسبة بين الاستصحاب والقرعة هى عموم من وجه لا عموم مطلق فكما ان الاستصحاب اخص من القرعة لاعتبار سبق الحالة السابقة فى الاستصحاب دون القرعة فكذلك القرعة تكون اخص من الاستصحاب لاختصاصها بالشبهات الموضوعية بالاجماع فلا وجه لدعوى تقدم الاستصحاب على القرعة.

فانه يقال ان النسبة بين دليل القرعة وبين الاستصحاب وان كانت عموما من وجه بعد تخصيصه بالشبهة الموضوعية الصرفة واخراج الشبهة الحكمية والموضوعات المستنبطة عن تحت دليل القرعة بالاجماع كما هو الظاهر إلّا انه لا وجه لملاحظة النسبة بعد التخصيص بالاجماع بل العبرة بعموم اللفظ فى مقام التخصيص فاختصاص القاعدة بالشبهات الموضوعية لا يوجب خصوصية فى جانبها بعد عموم دليلها بحسب اللفظ وشموله لكل من الموضوعية والحكمية جميعها والمدار فى النسبة بين الدليلين هو نسبتهما بحسب انفسهما قبل تخصيص احدهما بشىء لا على النسبة المنقلبة الحاصل بعد تخصيص احدهما بشىء حسبما يتلى عليك فى مبحث التعادل والتراجيح إن شاء الله.

هذا مضافا الى وهن دليل القرعة بكثرة تخصيصه حتى صار العمل به فى مورد محتاجا الى الجبر بعمل المعظم كما قيل بل هو المعروف فى السنتهم من ان ادلة القرعة قد تخصصت فى موارد كثيرة وكثرة التخصيص صارت موجبة لوهنها فلا يمكن الاخذ بها الا فى موارد انجبر ضعفها بعمل الاصحاب فيها وقوة دليل الاستصحاب بقلة تخصيصه

٣٠٤

بخصوص دليل.

اللهم إلّا ان يقال ان عمل الاصحاب لا يكون جابرا للظهور بل يكون جابرا لضعف السند فان كانت كثرة التخصيص بمثابة الكثرة المستهجنة سقطت الدلالة عن درجة الحجية فلا بد من الحمل والتنزيل على معنى آخر وان لم تكن بتلك المثابة لم تقع الحاجة فى مقام العمل بالظهور الى ملاحظة عمل الاصحاب ويمكن ان يجاب عنه بانه اذا علم اجمالا بورود التخصيصات على عام لم يجز العمل على طبقه فى مورد الشك لكونه فى معرض التخصيص فلا بد من الفحص بمقدار يخرج المورد عن معرضية التخصيص وعمل الاصحاب او معظمهم فى مورد يوجب خروجه عن المعرضية فلا مانع حينئذ من العمل بالعموم فى ذلك المورد فتأمل جيدا.

لا يقال كيف يجوز تخصيص دليلها بدليله وقد كان دليلها رافعا لموضوع دليله لا لحكمه وموجبا لكون اليقين باليقين بالحجّة على خلافه كما هو الحال بينه وبين ادلّة ساير الأمارات فيكون هاهنا ايضا من دوران الامر بين التّخصيص بلا وجه غير دائر والتخصّص.

هذا اشكال على تقدير كون القرعة امارة لا اصلا تعبديا ، حاصل الاشكال انه كيف يجوز تخصيص دليل القرعة بدليل الاستصحاب

٣٠٥

وقد كان دليلها رافعا لموضوع دليل الاستصحاب وموجبا لكون اليقين باليقين التنزيلى يعنى به الحجة على خلافه كما هو الحال بين الاستصحاب وساير الامارات والقرعة امارة وقد تقدم ورود الامارات على الاستصحاب فكما قلنا هناك ان الامر دائر بين التخصيص بلا مخصص او على وجه دائر ان اخذنا بالاستصحاب ورفعنا اليد عن الامارة وبين التخصص اى الورد وارتفاع الموضوع من أصله ان اخذنا بالامارة ورفعنا اليد عن الاستصحاب والاول فيه محذور والثانى مما لا محذور فيه فكذلك نقول فى المقام حرفا بحرف.

فانّه يقال ليس الامر كذلك فانّ المشكوك ممّا كانت له حالة سابقة وان كان من المشكل والمجهول والمشتبه بعنوانه الواقعى الّا انّه ليس منها بعنوان ما طرأ عليه من نقض اليقين بالشّك والظّاهر من دليل القرعة ان يكون منها بقول مطلق لا فى الجملة فدليل الاستصحاب الدّال على حرمة النّقض الصّادق عليه حقيقة رافع لموضوعه ايضا فافهم.

حاصل الجواب انه ليس الامر كذلك اى لا يكون الامر هاهنا دائرا بين التخصيص بلا مخصص او على وجه دائر فان المشكوك الذى له حالة سابقة وان كان من المشكل والمجهول والمشتبه بعنوانه الواقعى إلّا انه ليس من المشكل بعنوانه الظاهرى الطارى عليه من تحريم

٣٠٦

نقض اليقين بالشك والظاهر من دليل القرعة ان يكون الشىء مشكلا بقول مطلق اى واقعا وظاهرا لا فى الجملة فدليل الاستصحاب يقدم على دليل القرعة تقدم الوارد على المورود.

اذ بالاستصحاب يحرز الحكم الظاهرى فلا يبقى للقرعة موضوع بعد كون موضوعه الجهل بالحكم الواقعى والظاهرى بل يقدم على القرعة ادنى اصل من الاصول كاصالة الطهارة واصالة الحل وغيرهما مما ليس له نظر الى الواقع بل يعين الوظيفة الفعلية فى ظرف الشك فى الواقع اذ بعد تعيين الوظيفة الظاهرية تنقى القرعة بانتفاء موضوعه فتحصل من جميع ما ذكرنا ان الاستصحاب يقدم على القرعة لوجوه ثلاثة الاول لا خصية دليله من دليلها لاعتبار سبق الحالة السابقة فيه دونها ، الثانى لوهن دليلها بكثرة تخصيصه حتى صار العمل به فى مورد محتاجا الى الجبر بعمل المعظم وقوة دليله اى دليل الاستصحاب بقلة تخصيصه بخصوص دليل ، الثالث لوروده عليها اذ بالاستصحاب يحرز الحكم الظاهرى فلا يبقى للقرعة موضوع بعد كون موضوعه الجهل بالحكم الواقعى والظاهرى.

فلا بأس يرفع اليد عن دليلها عند دوران الأمر بينه وبين رفع اليد عن دليله لوهن عمومها وقوّة عمومه كما اشرنا اليه آنفا والحمد لله اولا وآخرا وصلى الله على محمّد وآله باطنا وظاهرا.

٣٠٧

قد عرفت آنفا ان المصنف قد استدل على تقديم الاستصحاب على القرعة بوجوه ثلاثة الاول اخصية دليله من دليلها لاعتبار سبق الحالة السابقة فيه دونها ، الثانى موهونية دليل القرعة بكثرة التخصيص حتى صار العمل بها فى مورد محتاجا الى الجبر بالعمل ، الثالث الورود اذ بالاستصحاب يحرز الحكم الظاهرى فلا يبقى للقرعة موضوع بعد كون موضوعه الجهل بالحكم الواقعى والظاهرى.

ولكن المصنف عند النتيجة بقوله فلا بأس ... الخ اختص وجه الثانى بالذكر للتنبيه على انه بناء على وهن الدلالة فى دليل القرعة لا تصل النوبة الى ملاحظة النسبة بين الاستصحاب ودليل القرعة لا من باب التخصيص ولا من باب الورود لظهور ان الظهور فى دليل القرعة اذا لم يكن حجة الا فى موارد عمل المعظم بها فيها لم يكن ظهوره فيما عداها حجة معارضة للاستصحاب حتى تقع الحاجة الى العلاج بنحو التخصيص او الورود وبهذه الجهة ايضا نقول بتقديم الاصول العملية ولو كانت عقلية على القرعة ، ضرورة عدم قيام البيان بشمول اللاحجة لموارد تلك الاصول على خلافها حتى ينقلب اللابيان الى البيان فيها.

فلا يرد على المصنف بان الظاهر من قوله فلا بأس ... الخ انه تفريع على رافعية دليل الاستصحاب لموضوع دليل القرعة ولكن تعليل رفع اليد حينئذ عن دليل القرعة عند دوران الامر بينه وبين رفع اليد عن دليل الاستصحاب بقوله لوهن عمومها وقوة عمومه مما لا وجه له والحمد لله اولا وآخرا وصلى الله على محمد وآله باطنا وظاهرا

٣٠٨

بسم الله الرّحمن الرحيم

هذا مبحث التعادل والتراجيح

المقصد الثّامن فى تعارض الأدلّة والامارات

التعارض يحتمل ان يكون فى الاصل مأخوذا من العرض بمعنى الاظهار والظهور فكان كل من الدليلين يظهر نفسه للآخر او من العرض الذى هو احدى الجهات الثلاث فى الجسم مقابل الجهتين الآخرين من الطول والعمق ووجه التسمية بالتعارض ، بناء على اخذه من العرض بمعنى الاظهار ، هو ان الدليلين المتعارضين كان كل منهما يظهر نفسه ويبارزه لدفع الآخر والغلبة عليه ، وبناء على اخذه من العرض المقابل للطول هو كون كل من المتعارضين فى عرض الآخر من غير تقدم رتبى لاحدهما على الآخر كما فى الحاكم والمحكوم وهذا هو الانسب بمعناه الاصطلاحى والعلاقة المصححة هو كون كل

٣٠٩

من المتعارضين فى عرض الآخر من حيث الدليلية والحجية ولعله بهذا المعنى قد يطلق على الاصول العملية لانها ليست فى عرض الادلة بل فى طولها فلا تعارضها (وفى الاصطلاح).

فصل التّعارض هو تنافى الدّليلين او الادلة بحسب الدّلالة ومقام الأثبات على وجه التّناقض او التّضادّ حقيقة او عرضا بان علم بكذب احدهما اجمالا مع عدم امتناع اجتماعهما اصلا.

التنافى وان كان حقيقة بين المدلولين إلّا ان الدليل بما هو دليل وحاك عن مدلوله لما كان فان فى مدلوله كان الاولى تعريفه بذلك لا تعريفه بانه تنافى مدلول الدليلين فانه تكون الصفة حينئذ من قبيل الصفة بحال متعلق الموصوف ومهما امكن تعريفه بوصف ذاته لا داعى الى تعريفه بحال متعلق موصوفه والحال ان التعارض انما يلاحظ بين الدليلين مضافا الى ان التنافى قد يكون بين المدلولين كما فى مثل الحاكم والمحكوم والعام والخاص فان مدلول اكرم العلماء ولا تكرم زيدا مناف قطعا ولا تنافى بين الدليلين عرفا.

ان قلت بعد الشرح والتوفيق يعلم ان مدلول الخاص لم يكن داخلا فى العام حتى يقع التنافى ، قلت عدم دخوله انما يكون فى المراد الواقعى لا انه غير داخل فى المراد الاستعمالى الذى ذكر توطئة وتمهيدا لا خراج ما ليس بمراد واقعا مع كون المتكلم فى مقام

٣١٠

ضرب القاعدة الكلية وما ذكرنا من فناء الدليل فى المدلول يجرى فى كل لفظ بالنسبة الى معناه وبالعكس فكل منهما يتلون بلون الآخر ولذا قد يستهجن اللفظ باستهجان المعنى وقد يستهجن المعنى باستهجان اللفظ كما لا يخفى.

فالتنافى بين الدليلين تارة تكون على وجه التناقض مثل ما اذا قال احدهما يجب صلاة الجمعة وقال الآخر لا يجب صلاة الجمعة واخرى على وجه التضاد حقيقة كما اذا امر احدهما بصلاة الجمعة ونهى الآخر عن اتيانها او عرضا كما اذا دل دليل على وجوب صلاة الجمعة يوم الجمعة تعيينا والآخر على وجوب الظهر فيه كذلك فانه لا منافاة بينهما لامكان وجوب كليهما الا انا نعلم بالضرورة من الدين عدم وجوب صلاة ست فى يوم واحد ، فيتنافيان الدليلان قهرا ويتضادان بالعرض.

ثم ان المراد من تنافى الادلة فى قوله التعارض هو تنافى الدليلين او الادلة ... الخ هو ما اذا كان التنافى حاصلا بالثلاثة بمعنى انه لو لا الثالث لم يكن بين الدليلين تنافى اصلا كما اذا قال المولى اكرم زيدا يوم الخميس وقال ايضا اكرم عمروا فى ذلك اليوم ثم قال لا يجب اكرام شخصين يوم الخميس ومن المعلوم انه لا تعارض ولا تنافى بين الدليلين الاولين ولا بين واحد منهما وبين الثالث وانما يتحقق التنافى بينهما وبين الثالث.

وهذا انما يتم فيما اذا كان الثالث ظنيا واما اذا كان الثالث قطعيا حصل التنافى بين الدليلين خاصة ، وبالجملة ان المراد بتنافى

٣١١

الادلة هو ما كان التعارض متقوما بها بحيث لا يكون بين كل اثنين منها تناف اصلا كما فى المثال حيث ان التعارض الواحد متقوم بالمجموع لا بين الاولين ولا بين كل واحد منهما وبين الثالث إلّا اذا كان الاولان ظنيين والثالث قطعيا فانه حينئذ يكون التعارض بين الاولين فقط والثالث محقق التعارض بينهما كما فى الظهر والجمعة حيث ان الاجماع الذى هو الثالث محقق التعارض بينهما.

وعليه فلا تعارض بينهما بمجرّد تنافى مدلولهما اذا كان بينهما حكومة رافعة للتعارض والخصومة بان يكون احدهما قد سيق ناظرا الى كمية ما اريد من الآخر.

وعليه اى بناء على كون التعارض هو تنافى الدليلين او الادلة بحسب الدلالة ومقام الاثبات فلا تعارض بينهما بمجرد تنافى مدلوليهما اذا كان بينهما حكومة رافعة للتعارض والخصومة بان يكون احدهما قد سيق ناظرا الى كمية ما اريد من الآخر ، اذ لو كان بين الدليلين المتنافيين حكومة فالدليلان خارجان عن تعريف التعارض موضوعا لعدم تنافيهما بحسب الدلالة ومقام الاثبات.

٣١٢

مقدّما كان او مؤخّرا.

تعريض بشيخ الانصارى (ره) حيث يظهر من عبارته فى الرسالة اعتبار تقدم المحكوم فى تحقق الحكومة لانه لا بد ان يكون متفرعا عليه وناظرا اليه بحيث لو لا المحكوم كان الحاكم لاغيا نظير الدليل الدال على انه لا حكم للشك فى النافلة او مع كثرة الشك او مع حفظ الامام او المأموم او بعد الفراغ من العمل فانه حاكم على الادلة المتكفلة لاحكام المشكوك بحيث لو لم يكن حكم من الشارع للمشكوك لا عموما وخصوصا لم يكن موردا للادلة النافية للشك فى هذه الصور ولعلّ منشأ زعمه هو كون الحاكم بمنزلة الشرح وتبعيته للمشروح ضرورى لا يحتاج الى البيان ، واورد عليه المصنف بانه لا يعتبر فيه ذلك بل يجوز ان يكون المحكوم متأخرا واستشهد عليه فى فى الحاشية بان اظهر افراد الحكومة ما يكون بين ادلة الامارات وادلة الاصول العملية الشرعية ومعلوم ان ادلة الامارات ليست متفرعة عليها بل لو لم تكن الاصول التعبدية مجعولة اصلا كانت تلك الادلة على ما هى عليها من الفائدة التامة والاستقلال التام وعليه فلا يعتبر فى الحكومة إلا سوق الدليل بنحو يصلح للنظر الى كمية موضوع الدليل الآخر بالخصوص او العموم لو كان ولو كان بعده بزمان لا انه ليس مسوقا الا لذلك فتدبر.

٣١٣

او كانا على نحو اذا عرضا على العرف وفق بينهما بالتصّرف فى خصوص احدهما كما هو مطّرد فى مثل الادلّة المتكفّلة لبيان احكام الموضوعات بعناوينها الاوليّة مع مثل الأدلّة النّافية للعسر والحرج والضّرر والاكراه والاضطرار ممّا يتكفّل لا حكامها بعناوينها الثّانويّة حيث يقدّم فى مثلهما الأدلّة النّافية ولا تلاحظ النّسبة بينهما اصلا.

او كانا على نحو اذا عرضنا العرف وفق بينهما بالتصرف فى خصوص احدهما كما هو مطرد فى مثل الادلة المتكفلة لبيان احكام الموضوعات بعناوينها الاولية مع مثل الادلة النافية للعسر والحرج والضرر والاكراه والاضطرار مما يتكفل لاحكام الموضوعات بعناوينها الثانوية حيث يقدم فى مثلهما الادلة النافية ولا يلاحظ النسبة بينهما اصلا ولا يلزم منه محذور اصلا وانما يلزم المحذور لو قلنا بان تقدمها على ادلة الاحكام انما يكون بالتخصيص لا بمعونة الجمع العرفى ، بداهة انه على الثانى يلزم رفع اليد عن مثل قاعدة لا ضرر فى موارد كثيرة كالموارد التى يكون الضرر لازما للموضوع الالزامى كباب النفقات كوجوب نفقة الوالدين والاولاد والحقوق المالية كوجوب الزكاة والخمس والحج والبدنية كوجوب الجهاد ، وبالجملة كل فعل واجب ملازم للضرر غير منفك عنه خارج عن عموم قاعدة لا ضرر فبعد كون دليل ذلك الحكم الخاص اخص بالنسبة الى عموم القاعدة يلزم محذور

٣١٤

تخصيص الاكثر وهذا المحذور انما يلزم على تقدير التخصيص لا على تقدير الجمع العرفى.

توضيحه ان عنوان الضرر من مفاهيم العامة المنطبقة على الافعال الخاصة الضارة ولا مصداق له بحياله فى قبالها وتكون تلك الافعال الخاصة مصاديق لعنوان الضرر فالحكم المترتب عليه منسحب الى تلك الافعال بما هى معنونة بعنوان الضرر ولاجل ذلك يرى العرف حق التقدم لدليل العنوان الطولى على كل واحد من ادلة الاحكام للعناوين الاولية وان كانت النسبة بين دليله ودليل كل واحد منها هى العموم من وجه فان الوضوء الغير الضررى هى مادة الافتراق من جانب دليل وجوبه كما ان الغسل الضررى مادة الافتراق من جانب القاعدة ويستكشفون من ذلك ان الحكم للعناوين الاولية اقتضائى فى مقام الثبوت بالنسبة الى العنوان الثانوى لاجل كونه مانعا فى مرتبة المقتضى.

وعليه فلو احرز من الخارج بضرورة او اجماع ان الحكم فى بعض العناوين الاولية على نحو العلية التامة لم يكن مشمولا للقاعدة كما فى الموارد التى يكون الضرر لازما للموضوع ولا ينفك ، اذ كون الضرر مانعا عن اقتضاء المقتضى للحكم الواقعى مقصور على الافعال التى يطرأ عليها الضرر احيانا لا فيما يكون الضرر لازما للموضوع لوضوح انه ليس للشارع نفيه لان نفى الحكم فى ذلك الموضوع الملزوم للضرر ابطال لحكمه مع اقتضاء المصلحة الملزمة لجعله وتشريعه

٣١٥

فالقاعدة على طريقة الجمع العرفى لا تشمل تلك الموارد فيكون تخصصا بالنسبة اليها لا تخصيصا ، فعليه لا يلزم محذور تخصيص الاكثر بسبب خروج تلك الموارد عن تحت عموم القاعدة ، وبالجملة ان التوفيق العرفى يكون هو الوجه فى كل عنوان طولى بالنسبة الى العناوين الاولية التى لا مصداق لها بحيالها فى قبال تلك العناوين ،

فتحصل انه لا تعارض بينهما بمجرد تنافى مدلولهما اذا كان بينهما حكومة او كانا اذا عرضا على العرف وفق بينهما بالتصرف فى خصوص احدهما كما هو مطرد فى مثل الادلة المتكفلة لبيان احكام الموضوعات بعناوينها الاولية مع مثل الادلة النافية للعسر والحرج والضرر والاكراه والاضطرار مما يتكفل لاحكامها بعناوينها الثانوية حيث يقدم فى مثلهما الادلة النافية ولا تلاحظ النسبة اصلا.

ويتّفق فى غيرهما كما لا يخفى.

اى وقد يتفق التوفيق العرفى فى غير الادلة المتكفلة لبيان احكام الموضوعات بعناوينها الاولية مع الادلة المتكفلة لبيان احكامها بعناوينها الثانوية كما اذا اتفق فيما اذا لم يكن الموضوع فى احد الدليلين من المفاهيم العامة فى طول العناوين الاولية بل يكونان فى عرض واحد كما اذا كان الشك موضوعا فى كليهما كاصالة الصحة بالنسبة الى الاستصحاب بناء على كون النسبة بينهما عموم من وجه

٣١٦

فان صيرورة اقلية موارد اصالة الصحة واكثرية موارد الاستصحاب على تقدير تقديم الاستصحاب على اصالة الصحة تكون وجها فى نظر العرف فى تقديم دليل اصالة الصحة على دليل الاستصحاب لوضوح انه على تقدير تقديم دليل الاستصحاب على دليل اصالة الصحة لم يبق لاصالة الصحة الا موارد قليلة لا ينبغى اعطاء هذه القاعدة الكلية لمجرد تلك الموارد القليلة فان العرف بعد الاطلاع على ذلك يرى تقديمها عليها فهذا ايضا جمع عرفى فى غير العناوين العامة الطولية والعناوين الخاصة والمصنف قد اشار الى ما ذكرنا بقوله ويتفق فى غيرهما كما لا يخفى.

او بالتّصرّف فيهما فيكون مجموعهما قرينة على التّصرف فيهما

عطف على قوله بالتصرف فى خصوص احدهما ... الخ اى كان الدليلان على نحو اذا عرضا على العرف وفق بينهما بالتصرف فيهما مثل ما اذا ورد عامان متباينان وكان فى كل منهما قدر متيقن مركوز فى اذهان العرف كان مجموعهما قرينة على التصرف فيهما فيحمل كل واحد منهما على ذلك فحينئذ يرتفع التنافى بينهما مثلا لو قال المولى اكرم العلماء عند السؤال عنه بانه هل يجب اكرام العالم وقال لا تكرم العلماء عند السؤال عنه فى مجلس آخر بانه هل يجب اكرام العالم الفاسق فالقدر المتيقن المركوز فى الذهن يصير قرينة على

٣١٧

التصرف فيهما معا فيحملان على وجوب اكرام العالم العادل وحرمة اكرام العالم الفاسق وهذا بخلاف ما اذا كان هناك قدر متيقن غير مركوز فى الاذهان كما فى ثمن العذرة سحت ولا بأس ببيع العذرة فان المنقول عن الشيخ الطائفة (قدس) حمل الاول على عذرة غير ماكول اللحم والثانى على عذرة ماكول اللحم فان هذا جمع تبرعى لا جمع عرفى لعدم كون القدر المتيقن بينهما مركوزا فى اذهانهم.

او فى احدهما المعيّن ولو كان الآخر اظهر.

قد عرفت آنفا انه لا تعارض بينهما بمجرد تنافى مدلولهما اذا كان بينهما حكومة رافعة للتعارض والخصومة او كانا على نحو اذا عرضا على العرف وفق بينهما بالتصرف فى خصوص احدهما او بالتصرف فيهما فيكون مجموعهما قرينة على التصرف فيهما.

او فى احدهما المعين ولو كان من الآخر اظهر كما فى ادلة الاصول التعبدية فانها مشتملة على ادوات العموم فتكون اظهر من ادلة الامارات الخالية عنها ومع ذلك يقدم الامارة عليها لانها حجة على الاطلاق فلا يكون رفع اليد عن الاستصحاب نقضا بالشك حتى يكون محرما بل هو نقض بالحجة عند اهل العرف فتكون اظهرية دليل الاصل ملقاة فى نظرهم.

فظهر مما ذكرنا ان هذه العبارة فى النسخة الاخرى باسقاط

٣١٨

كلمة من الجارة ليست بصحيحة لانها تدل على خلاف المراد اذ المراد ان يتصرف فى احدهما ويحمل على خلاف ظاهر الآخر ولو كان اظهر كما هو واضح.

ولذلك تقدّم الامارات المعتبرة على الاصول الشّرعيّة فانّه لا يكاد يتحيّر اهل العرف فى تقديمها عليها بعد ملاحظتهما حيث لا يلزم منه محذور تخصيص اصلا بخلاف العكس فانّه يلزم فيه محذور التّخصيص بلا وجه او بوجه دائر كما اشرنا اليه فى اواخر الاستصحاب.

ولاجل كونهما على نحو اذا عرضا على العرف وفق بينهما بالتصرف فى احدهما المعين تقدم الامارات المعتبرة والطرق على الاصول الشرعية فانه لا يكاد يتحير اهل العرف فى تقديمها اى تقديم الامارات والطرق على الاصول بعد ملاحظتهما حيث لا يلزم منه اى من تقديم الامارات محذور تخصيص فى ادلة الاصول التعبدية اصلا لارتفاع موضوع الاصول حقيقة فى مورد قيام الامارة على خلافها او وفاقها.

حيث ان الموضوع فى أصالة الاباحة انما هو محتمل الحلية والحرمة بحيث لم يكن حليته او حرمته معلومة بوجه من الوجوه وهنا معلومة ولو بالتعبد وكذلك الموضوع فى استصحابها هو نقض

٣١٩

اليقين بها بالشك فى ارتفاعها ومن المعلوم ان ما قام الامارة المعتبرة على حرمته يكون معلوم الحرمة ومعه اى مع الاخذ بدليل الامارة لا يكون نقض اليقين السابق بالشك بل باليقين.

بخلاف العكس فانه يلزم منه محذور التخصيص بلا وجه او بوجه دائر كما اشرنا اليه فى اواخر الاستصحاب ، والحاصل انه لو اخذنا بالامارة فلا يلزم منه شىء سوى ارتفاع موضوع الاصول وهو الشك بسببها وهذا ليس بمحذور وان اخذنا بالاصول ورفعنا اليد عن الامارة فان كان ذلك بدون ما يخرج الامارة عن تحت عموم ادلة الاعتبار فهذا تخصيص بلا مخصص وان كان لاجل مخصصية الاصول لها فهذا دور فان مخصصية الاصول للامارات يتوقف على اعتبار الاصول مع الامارات واعتبار الاصول مع الامارات يتوقف على مخصصيتها لها وإلّا لكانت الامارة رافعة لموضوعها وكل من التخصيص بلا وجه والتخصيص على وجه دائر محال.

وليس وجه تقديمها حكومتها على ادلّتها لعدم كونها ناظرة الى ادلتها بوجه وتعرضها لبيان حكم موردها لا يوجب كونها ناظرة الى ادلتها وشارحة لها

وليس وجه تقديم الامارات على ادلة الاصول حكومتها عليها كما ذهب اليه الشيخ الانصارى (قدس) فى رسالة التعادل والتراجيح حيث قال قد جعل الشارع للشيء المحتمل للحلية والحرمة حكما شرعيا اعنى

٣٢٠