نهاية المأمول

الشيخ محمد علي الإجتهادي

نهاية المأمول

المؤلف:

الشيخ محمد علي الإجتهادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار النشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٥

تصورنا فى التشريع وذلك امر وجدانى لا ينكر إلّا مكابرا ومن تعبد بما خلج فى ذهنه وتخيل ان هذا مما انزل به الروح الامين وحينئذ فان وجب الاعتقاد على تقدير اليقين به بان يكون وجوب الاعتقاد مختصا بصورة وجود اليقين معلقا كان الوجوب بان يجب الاعتقاد لو حصل اليقين او مطلقا بان يجب مقدماته مثلا لو كان فاقدا لها فلا اشكال فى عدم وجوبه بعد زوال اليقين لان موضوعه قد اخذ فيه العلم فلا موضوع له فى زمان الشك.

وكذا لو اخذ العلم طريقا فى الموضوع اذا كان الملحوظ الانكشاف التام لا مطلق الانكشاف فالاستصحاب حينئذ فى غير محله وان لم يكن كذلك بل وجب الاعتقاد من دون تقييده بالعلم موضوعا او طريقا خاصا فيجرى فيه الاستصحاب مطلقا وبالجملة ان الامور الاعتقادية نوعان ، الاول ما كان الواجب فيه الاعتقاد فقط والثانى ما كان الواجب فيه المعرفة واليقين ، اما الاول فيجرى فيه الاستصحاب موضوعا وحكما اذا اجتمعت فيه اركانه من اليقين والشك اللاحق لصحة التنزيل وعموم الدليل واما الثانى فسيأتي الكلام فيه عند القول المصنف واما التى كان المهم فيها شرعا وعقلا هو القطع بها ومعرفتها ... الخ

وكونه اصلا عمليا انّما هو بمعنى انّه وظيفة الشّاكّ تعبّدا قبالا للأمارات الحاكية عن الواقعيّات فيعم العمل بالجوانح

٢٤١

كالجوارح :

دفع لما قد يتوهم من ان قضية كون الاستصحاب من الاصول العملية الفروعية عدم جريانه فى الاعتقاديات الاصولية المقابلة للفروعية لكونه من الاصول العملية ، فلا يجرى الا فى الافعال الجوارح المعبر عنها بالاعمال ، وحاصل الدفع ان معنى كونه من الاصول العلمية انه ليس من الادلة الاجتهادية التى هى كاشفة عن الواقع فان الاصول وظائف علمية للجاهل بالواقع ، وليست كاشفة عنه لانها مختصة بالامور الجوارحية : فلو كان التبانى القلبى على شىء واجبا ، وشككنا فى بقائه من جهة الشبهة الحكمية او الموضوعية فلا مانع من جريان الاستصحاب وعمل القلب كعمل الجوارح يكون موردا للاستصحاب ويعمهما عموم دليل الاستصحاب.

نعم لا مجال لجريان الاستصحاب فى الامور التى يجب فيها الاعتقاد والمعرفة كالنبوة مثلا لعدم كون الاثر حينئذ قابلا للتعبد كى يترتب على استصحابها وقد عرفت ان جريان الاستصحاب منوط باليقين بالحدوث والشك فى البقاء وكون الاثر قابلا للتعبد ، فبعد تمامية هذه الامور جرى الاستصحاب سواء كان المستصحب من الامور الخارجية ام من الامور النفسانية. وبالجملة ان معنى كونه اصلا عمليا انه وظيفة للشاك تعبدا فى ظرف شكه وتحيره فى قبال الامارات الحاكية عن الواقع لا انه مختص بالفروع العملية المطلوب فيها عمل الجوارح وهذا واضح.

٢٤٢

وامّا الّتي كان المهمّ فيها شرعا وعقلا هو القطع بها ومعرفتها فلا مجال له موضوعا ويجرى حكما فلو كان متيقّنا بوجوب تحصيل القطع بشىء كتفاصيل القيامة فى زمان وشكّ فى بقاء وجوبه يستصحب.

حاصله انه اذا كان المطلوب فى بعض العقائد هو القطع بها ومعرفتها فلا مجال للاستصحاب موضوعا ، مثلا اذا شك فى حيوة امام زمان عليه‌السلام لم يجر استصحاب حياته لان المفروض ان اثر الحياة التعبدى فى حالة الشك فى البقاء لزوم تحصيل القطع بامام الزمان وبحصول القطع يرتفع الشك فى الحياة فيكون الاثر الحاصل معدما للشك الذى موضوعه فيمتنع التعبد بحياة الامام بمعونة الاستصحاب لاجل ترتيب لزوم معرفة امام زمانه لكون معرفته معدمة للشك الذى هو موضوع الاستصحاب فيكون لحاظ ذلك مانعا عن التعبد بالامامة فى حالة الشك هذا كله فى الاستصحاب فى الموضوع.

واما الاستصحاب فى الحكم فهو خال عن هذا المخدور فلو كان متيقنا بوجوب تحصيل القطع بشىء كتفاصيل القيامة فى زمان سابق وشك فى بقاء وجوبه فى لاحق جرى الاستصحاب فى الوجوب كما هو واضح.

٢٤٣

وامّا لو شكّ فى حيوة امام زمان مثلا فلا يستصحب لأجل ترتيب لزوم معرفة امام زمانه بل يجب تحصيل اليقين بموته او حياته مع امكانه ولا يكاد يجدى فى مثل وجوب المعرفة عقلا او شرعا

تفريع على عدم المجال لاستصحاب الموضوع فى الامور الاعتقادية التى كان المهم فيها شرعا وعقلا هو القطع بها ومعرفتها ، فلو شك فى حيوة امام زمان مثلا مما دل الدليل على انه يجب الاعتقاد بمن علم حياته من الائمة فلا يستصحب حياة ذلك الامام لاجل ترتيب لزوم معرفة امام زمانه على ذلك المستصحب بل يجب تحصيل اليقين بموته او حياته مع امكان تحصيل اليقين فعند طرو الشك فى موته او حياته يجب بحكم العقل الفحص والبحث عنها حتى يكون المكلف عارفا بامام زمانه فلا جدوى حينئذ فى استصحاب حياته ، اذ لا يخلو اما ان يفوز بمعرفة امامه ولازمه انقلاب الشك الى اليقين فلا معنى للتعبد بالامامة فى حالة الشك لترتيب وجوب اوامره الشرعية بناء على كونه شرعيا لا عقليا محضا مترتبة على معرفته عليه‌السلام عقلا وإلّا لم يجر الاستصحاب

٢٤٤

فى الامامة من جهتين او يحصل له الياس فهو حينئذ معذور بحكم العقل

نعم يجرى استصحابها لاجل عقد القلب على حياته حتى يتبين له حقيقة الحال فلا جدوى فى الاستصحاب لاجل ترتيب لزوم معرفة الامام الا لاجل لزوم العقد على حياته حين الفحص ، لو كان وجوب التسليم وعقد القلب على الامام الخاص ثابتا من ناحية النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يترتب على استصحاب حياته وإلّا اى ولو كان لزوم عقد القلب على امامته بحكم العقل خاصة لم يكن مجال لاستصحاب حياته لعدم اثر شرعى يترتب على حياته المستصحبة.

الّا اذا كان حجّة من باب افادته الظّنّ وكان المورد ممّا يكتفى به ايضا فالاعتقاديّات كسائر الموضوعات لا بدّ فى جريانه فيها من ان يكون فى المورد اثر شرعيّ يتمكّن من موافقته مع بقاء الشّك فيه كان ذاك متعلّقا بعمل الجوارح او الجوانح.

اى إلّا اذا كان الاستصحاب حجة من باب الظن وكان المورد مما يكتفى فيه بالظن الخاص كالقطع بان كان المراد بوجوب الاعتقاد وجوب مطلق الاعتقاد الراجح المقابل للشك والوهم بل يجدى حينئذ لو افاد الظن ولو لم نقل باعتباره من بابه ، فتحصل مما تقدم ان الاعتقادات كسائر الموضوعات لا بد فى جريان الاستصحاب فيها من ان يكون فى المورد اثر شرعى يتمكن من موافقته مع بقاء الشك فيه

٢٤٥

كان ذاك الاثر متعلقا لعمل الجوارح او الجوانح.

وقد انقدح بذلك انّه لا مجال فى نفس النّبوة اذا كانت ناشئة من كمال النّفس بمثابة يوحى اليها وكانت لازمة لبعض مراتب كمالها امّا لعدم الشّكّ فيها بعد اتّصاف النّفس او لعدم كونها مجعولة بل من الصّفات الخارجيّة التّكوينيّة.

وقد انقدح بذلك اى بما ذكرناه من ان الاعتقاديات كسائر الموضوعات لا بد فى جريان الاستصحاب فيها من ان يكون فى المورد اثر شرعى يتمكن من موافقته مع بقاء الشك فيه ، انه لا مجال للاستصحاب فى نفس النبوة اذا كانت ناشئة من كمال النفس بمثابة يوحى اليها اما لعدم الشك فيها للمكلف بعد اتصاف النفس بها ، اذ بعد اطلاعه على كماله الذى هو موهبة من الله تعالى لا ينقدح فى نفسه الشك فى بقاء نبوته اصلا فحينئذ لا مجال للاستصحاب مع انتقاع الموضوع.

واما لعدم كونها مجعولة شرعا كى يستصحب وتصير مجعولة فى زمان الشك تعبدا كسائر الاحكام الوضعية القابلة لتعلق الجعل بنفسها بل من الصفات الخارجية التكوينية مع عدم اثر شرعى يترتب عليها باستصحابها لان العقل كما يستقل بمعرفة النبوة ولزوم النظر فى المعجزة كذلك يستقل بلزوم الاطاعة فى اوامره الشرعية فليس هناك اثر شرعى يترتب على استصحابها اصلا وقد عرفت قبلا اعتبار كون

٢٤٦

المستصحب امرا مجعولا او ذا اثر مجعول.

ولو فرض الشّك فى بقائها باحتمال انحطاط النّفس عن تلك المرتبة وعدم بقائها بتلك المثابة كما هو الشّأن فى سائر الصّفات والملكات الحسنة الحاصلة بالرّياضات والمجاهدات وعدم اثر شرعى مهمّ لها يترّتب عليها باستصحابها.

قد عرفت انه لا مجال للاستصحاب فى نفس النبوة اذا كانت ناشئة من كمال النفس بمثابة يوحى اليها لوجهين الاول عدم الشك فى بقائها لكونها مما لا تزول بعد اتصاف النفس بها والثانى ان المفروض ان النبوة التكوينية من الصفات الخارجية ليست مجعولة تشريعا كى تستصحب وتصير مجعولة فى زمان الشك تعبدا ولو فرض الشك فى بقاء النبوة بسبب احتمال انحطاط النفس عن تلك المرتبة وعدم بقائها اى بقاء النفس بتلك المثابة من الكمال والصفة الراقية كما هو الشأن فى ساير الصفات والملكات الحسنة الحاصلة بالرياضات والمجاهدات وعدم اثر شرعى مهم لها يترتب عليها باستصحابها.

ولا يخفى ان قوله عدم اثر شرعى معطوف على عدم كونها مجعولة يراد من الواو معنى مع وهو فى الحقيقة متمم له اذ مجرد عدم كونها مجعولة لا يكفى فى المنع عن استصحابها الا مع عدم اثر شرعى لها.

٢٤٧

نعم لو كانت النّبوّة من المناصب المجعولة وكانت كالولاية وان كان لا بدّ فى اعطائها من اهليّة وخصوصيّة يستحقّ بها لها لكانت موردا للاستصحاب بنفسها فيترتّب عليها آثارها ولو كانت عقلية بعد استصحابها لكنّه يحتاج الى دليل كان هناك غير منوط بها والّا لدار كما لا يخفى.

نعم لو كانت النبوة من المناصب المجعولة وكانت كالولاية التى للاب والجد للولد وان كان لا بد فى اعطائها لشخص من اهلية وخصوصية يستحق ذلك الشخص بتلك الاهلية للنبوة لكانت موردا للاستصحاب بنفسها ولازم جعلها فى حالة الشك ترتب آثارها عليها ولو كانت عقلية وهذا بخلاف النبوة التكوينية فانه لا بد فى استصحابها من ترتب اثر شرعى عليها جسما مر بيانه آنفا لكن جريان الاستصحاب فى النبوة الجعلية يحتاج الى دليل غير منوط بتلك النبوة غير مأخوذ من ذلك الشرع وإلّا لزم الدور فان بقاء النبوة السابقة مما يتوقف على اعتبار ذلك الدليل واعتبار ذلك الدليل مما يتوقف على بقاء النبوة السابقة وهذا هو الدور ، هذا تمام الكلام فى استصحاب النبوة بمعانيها الثلاث.

وامّا استصحابها بمعنى استصحاب بعض احكام شريعة من اتّصف بها فلا اشكال فيها كما مرّ.

٢٤٨

واما استصحاب النبوة بمعنى استصحاب بعض احكام الشريعة من اتصف بها كاستصحاب بعض احكام شريعة عيسى عليه‌السلام الى هذا الحال فلا اشكال فيه كما مر فى التنبيه السادس وذلك لما عرفت من جواز استصحاب الحكم من الشريعة السابقة الى الشريعة اللاحقة اذا تمت فيه اركانه من اليقين السابق والشك اللاحق وغيرهما.

ثمّ لا يخفى انّ الاستصحاب لا يكاد يلزم به الخصم الّا اذا اعترف بانّه على يقين فشكّ فيما صحّ هناك التّعبّد والتّنزيل ودلّ عليه الدّليل كما لا يصحّ ان يقنع به الّا مع اليقين والشّك والدّليل على التّنزيل.

ثم لا يخفى ان الاستصحاب فى مقام الجدال والزام الخصم بما هو مسلم عنده لا يكاد يلزم به الخصم إلّا اذا اعترف انه على يقين فشك فيما صح فيه التعبد والتنزيل ودل عليه الدليل كما لا يصح ان يقنع به النفس الا مع اليقين والشك والدليل على التنزيل اذا كان المقام مقام اقناع النفس لا مقام الزام الخصم.

والحاصل ان غرض المستدل بالاستصحاب اما ان يكون الزام خصمه وهذا انما يتم فى صورة اعتراف الخصم بثبوت اركان الاستصحاب فى نفسه وان يكون هناك للمستصحب اثر شرعى مصحح للتعبد به وان يكون المورد مشمولا لدليل الاستصحاب بان لا يكون القطع حاصلا

٢٤٩

بعدم صحة الاستصحاب واما ان يكون غرضه اقناع نفسه بعد الياس عن تحصيل اليقين هذا ايضا كسابقه وقد تقدم بيانه وكلام المصنف هذا يكون توطئة لكلامه الآتي.

ومنه انقدح انّه لا موقع لتثبّت الكتابى باستصحاب نبوّة موسى اصلا لا الزاما للمسلم لعدم الشّك فى بقائها قائمة بنفسه المقدّسة واليقين بنسخ شريعته والّا لم يكن بمسلم مع انّه لا يكاد يلزم به ما لم يعترف بانّه على يقين وشكّ.

ومما ذكرنا قد انقدح انه لا موقع لتثبت الكتابى باستصحاب نبوة موسى على نبينا وآله وعليه‌السلام اصلا لا الزاما للمسلم فلعدم الشك فى بقائها اى فى بقاء نبوة موسى او عيسى عليهما‌السلام بداهة ان نبوة موسى ليست مجعولة كى يقع الشك فى بقائها بل صفة لازمة غير مخلوعة عنه ابدا وهذا يدل على ان مختاره كون النبوة ناشئة من كمال النفس اما مطلقا او فى خصوص اولى العزم من الرسل ومنهم موسى عليهم‌السلام ولازم كون الرجل مسلما ان يكون متيقنا بنسخ شريعة موسى عليه‌السلام فاذن لا يجرى الاستصحاب عنده لا فى بقاء موسى عليه‌السلام ولا فى بقاء شريعته فكيف يكون الاستصحاب الزاما عليه نبوة موسى عليه‌السلام وبقاء شريعته مع عدم اعترافه بانه على يقين وشك والمسلم ما لم يعترف بانه كان على يقين سابق فشك لم يلزم به

٢٥٠

ولا اقناعا مع الشّك للزوم معرفة النّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنّظر الى حالاته ومعجزاته عقلا وعدم الدّليل على التّعبّد بشريعته لا عقلا ولا شرعا والاتكال على قيامه فى شريعتنا لا يكاد يجديه الّا على نحو محال.

ولا اقناعا مع الشك للزوم معرفة النبى بالنظر الى حالاته ومعجزاته عقلا فان حال نبوة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس إلّا كنبوة موسى وعيسى عليهما‌السلام من اول امرهما من حيث وجوب التصفح على العاقل فى طريق معرفة النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعدم الدليل على التعبد بشريعته لا عقلا ولا شرعا يعنى ليس لكتابى حينئذ حجة على اعتبار الاستصحاب كى يتمسك به فى بقاء شريعة موسى فان حجيته اما على بناء العقلاء فيحتاج الى امضاء صاحب الشرع ولا اقل من عدم ردعه وهو شاك فى كونه صاحب شرع واما على التعبد فهو موقوف على بقاء الشريعة فهو شاك فيه فحجيته حينئذ يتوقف على ثبوت الشريعة حين الاستدلال والفرض انه يريد ان يثبته بالاستصحاب والاتكال على قيام الدليل على الاعتبار فى شريعتنا لا يكاد يجدى الكتابى الا على نحو محال وهو لزوم عدم الشريعة السابقة من فرض وجودها وكل ما يلزم من فرض وجوده عدمه فهو محال هذا كله بحسب مقام الاعتقاد واما مقام العمل فقد اشار المصنف الى حكمه بقوله.

٢٥١

ووجوب العمل بالاحتياط عقلا فى حال عدم المعرفة بمراعات الشّريعتين ما لم يلزم منه الاختلال للعلم بثبوت إحداهما على الاجمال الّا اذا علم بلزوم البناء على الشّريعة السّابقة ما لم يعلم الحال.

حاصله انه لا موقع لتثبت الكتابى باستصحاب نبوة موسى اصلا لا الزاما للمسلم ولا اقناعا (اما الزاما) فلعدم شكه فى بقاء نبوت موسى وعيسى عليهما‌السلام بل هو متيقن ببقائها وإلّا فليس بمسلم ولا اقناعا مع الشك للزوم معرفة النبى بالنظر الى حالاته ومعجزاته اذ امكنت المعرفة ولوجوب العمل بالاحتياط عقلا بمراعات الشريعتين ما لم يلزم من الاحتياط الاختلال للعلم بثبوت إحداهما على الاجمال وهو السبب لوجوب الاحتياط إلّا اذا علم من الخارج بلزوم البناء على الشريعة السابقة ما لم يعلم الحال كما لو وقع هذا الرجل الكتابى فى زمان الفترة من الرسل وحصل له الشك فى بقاء شريعته وقد انسد عليه باب العلم والعلمى فلا محيص له الا البناء على شريعته السابقة لا بالاستصحاب بل لتمامية مقدمات الانسداد فى حقه بعد لزوم اختلال النظام بهذا الشخص بالعمل على طبق الاحتياط بالنسبة الى احكام تلك الشريعة.

٢٥٢

الثالث عشر

فى استصحاب حكم المخصص

الثّالث عشر انّه لا شبهة فى عدم جريان الاستصحاب فى مقام مع دلالة مثل العامّ لكنّه ربّما يقع الأشكال والكلام فيما اذا خصّص فى زمان فى انّ المورد بعد هذا الزّمان مورد الاستصحاب او التّمسّك بالعامّ.

لا شبهة فيما افاده من عدم جريان الاستصحاب فى مقام مع دلالة مثل العام ، بداهة ان مورده عدم وجود الدليل الاجتهادى ولو على طبق الحالة السابقة فلو كان الدليل الحكم دالا على ثبوته او ارتفاعه كقوله اكرم العلماء فى كل زمان او اكرم العلماء الى ان يفسقوا بناء على مفهوم الغاية فلا اشكال فى عدم جريان الاستصحاب اما لورود الامارات ومنها العمومات او لحكومتها عليه على خلاف الآتي فى المقام من تتمة الاستصحاب إن شاء الله تعالى.

ولكن الاشكال فيما اذا ورد حكم عام ثم خرج عنه بعض الافراد

٢٥٣

فى بعض الازمنة ، فشك فى حكم هذا الفرد بالنسبة الى ما بعد ذلك الزمان ولم يكن لدليل الخاص اطلاق زمانى اما لكونه لبيا كالاجماع او لكونه لفظيا لا اطلاق له وتردد الزمان الخارج بين الاقل والاكثر فهل يرجع عند الشك اى بعد انقضاء الزمان الاقل الى عموم العام مطلقا كما هو المحكى عن المحقق الثانى فى جامع المقاصد او الى استصحاب حكم المخصص كذلك كما هو ظاهر المحكى عن بعض السادة الفحول.

او يفصل بين ما لو كان للعام عموم ازمانى بان اخذ كل جزء من اجزاء الزمان موضوعا مستقلا لحكم كذلك كى ينحل العموم الى احكام متعددة حسب تعدد اجزاء الزمان كما فى قولنا اكرم العلماء فى كل يوم فالمرجع هو عموم العام وبين ما لم يكن للعام عموم ازمانى بان اخذ الزمان ظرفا لاستمرار الحكم لا قيدا مفردا كما فى قوله اوفوا بالعقود فان الزمان فيه ظرف لاستمرار الوجوب الوفاء بالعقد لان الوفاء به آنا ما لغو فالمرجع استصحاب حكم المخصص كما هو صريح كلام شيخ مشايخنا المرتضى (قدس‌سره) فى رسائله وفى كتاب المكاسب فى خيار الغبن والمصنف قد سلك مسلكا رابعا وهو التفصيل فى تفصيل الشيخ الانصارى (ره) وملخصه ان مجرد اخذ الزمان لبيان الاستمرار لا يكفى فى الرجوع الى الاستصحاب بل لا بد من ملاحظة دليل المخصص ايضا فان اخذ الزمان فيه بعنوان الظرفية كما انه بطبعه ظرف لما يقع فيه كالمكان فلا مانع من التمسك بالاستصحاب وان كان

٢٥٤

الزمان قيدا للموضوع يكون اثبات الحكم فى زمان آخر من اسراء حكم ثابت لموضوع الى موضوع آخر وهو قياس محرم ، فلا بد من الرجوع الى اصل آخر من البراءة او الاشتغال حسب ما يقتضيه المقام ، ولا يخفى ان انعقاد هذا البحث ليس من جهة ملاحظة التعارض بين العموم والاستصحاب فان الاستصحاب اصل عملى لا مجال للرجوع اليه مع وجود الدليل من عموم او اطلاق وقد عرفت من انه لا مانع من الرجوع اليه ان لم يكن هناك دليل ، بل انعقاد البحث انما هو لتعيين موارد الرجوع الى العموم وتمييزها من موارد التمسك بالاستصحاب.

والتّحقيق ان يقال انّ مفاد العامّ تارة يكون بملاحظة الزّمان ثبوت حكمه لموضوعه على نحو الاستمرار والدّوام واخرى على نحو جعل كلّ يوم من الايّام مثلا فردا لموضوع ذلك العام وكذلك مفاد مخصصه تارة يكون على نحو اخذ الزمان فى ظرف استمرار حكمه ودوامه واخرى على نحو يكون مفردا ومأخوذا فى موضوعه

والتحقيق ان يقال ان العام ، تارة يكون الزمان ظرفا لثبوت حكمه لموضوعه فيكون مفاده استمرار حكمه ودوامه كما فى قوله اكرم كل عالم دائما او بلا لفظة دائما ولكن كان بنفسه واطلاقه ظاهرا فى الاستمرار والدوام ، وتارة يكون كل جزء من اجزاء الزمان او كل

٢٥٥

يوم قد جعل فردا له ، فيكون العام مما له العموم الازمانى كما له العموم الافرادى كقولنا اكرم العلماء فى كل يوم ، كما ان الخاص ايضا ، تارة يكون الزمان ظرفا لثبوت حكمه لموضوعه ، كما اذا قام الاجماع على حرمة اكرام زيد العالم فى يوم الجمعة وعلمنا من الخارج ان الزمان ظرف لحرمة اكرامه ، وتارة يكون الزمان قيدا لموضوعه بحيث علمنا من الخارج ان يوم الجمعة فى المثال المذكور هو قيد لزيد العالم فالاقسام اربعة.

الاول ان يكون الزمان فى كل منهما على وجه الظرفية ، الثانى ان يكون الزمان فى كل منهما على وجه التقييد ، الثالث ان يكون مفاد العام على وجه الظرفية والخاص على وجه التقييد ، والرابع بعكس ذلك.

فان كان مفاد كلّ من العامّ والخاصّ على النّحو الاوّل فلا محيص عن استصحاب حكم الخاصّ فى غير مورد دلالته لعدم دلالة للعام على حكمه لعدم دخوله على حدة فى موضوعه وانقطاع الاستمرار بالخاصّ الدّالّ على ثبوت الحكم له فى الزّمان السّابق من دون دلالته على ثبوته فى الزّمان اللّاحق فلا مجال الّا لاستصحابه.

المراد من النحو الاول كون الزمان ظرفا محضا لمتعلق العام

٢٥٦

والخاص سواء لم يكن هناك ذكر فى الكلام لا فى المتكفل لحكم الخاص ولا لحكم العام كقوله اكرم العلماء ثم قال لا تكرم زيدا فان الاستمرار فى حكم العام انما يفهم من كون الخطاب العام بمنزلة القضية الحقيقية بضميمة استمرار الحكم فى فرد بمعونة مقدمات الحكمة او كان ولكن كان المقصود من دوام الحكم بيان كيفية الموضوع العام وكذا كان المقصود من ذكر الزمان فى الخاص هو الظرفية المحضة وعلى التقديرين فلا مجال الا للاستصحاب فيستصحب حرمة الاكرام لان الخطاب العام وان دل على ثبوت الحكم فى الايام اما بالصراحة كقوله اكرم العلماء دائما او بالحكمة كقوله اكرم العلماء إلّا انه على نحو استمرار حكم واحد لموضوع واحد فى الزمان من جهة كون المقصود من الغاء العموم شمول الخطاب للافراد الموجودة والمعدومة باجمعها فهذا الخطاب كذلك دليل على استمرار الحكم واتصاله فيما اذا شك فى انقطاعه وانفصاله من أصله واما اذا قام الدليل على انقطاعه فى يوم مثلا فلا يبقى مجال للدلالة على ثبوت الحكم فى غيره من الايام لعدم دخول اليوم المشكوك ثانيا تحت العام بعد انقطاع استمرار حكم العام بالخاص بل يستصحب حكم الخاص.

نعم لو كان الخاصّ غير قاطع لحكمه كما اذا كان مخصّصا له من الأوّل لما ضربه فى غير مورد دلالته فيكون اوّل زمان استمرار حكمه بعد زمان دلالته فيصح التّمسّك باوفوا بالعقود

٢٥٧

ولو خصّص بخيار المجلس ونحوه ولا يصحّ التّمسّك به فيما اذا خصّص بخيار لا فى اوّله فافهم.

نعم لو كان الخاص غير قاطع لحكم العام كما اذا كان مخصصا للعام من الاول لما ضرّ بالعام فى غير مورد دلالة الخاص بل يكون اول زمان استمرار حكم العام بعد زمان دلالة الخاص وتخصيص العام الدال على ثبوت الحكم على الدوام انما يوجب عدم الرجوع اليه عند الشك فى ثبوته اذا كان التخصيص من اثناء زمان استمرار العام دون ما اذا كان من اوله او آخره ، مثلا تخصيص اوفوا بالعقود بدليل خيار الغين وان كان يمنع عن الرجوع الى العام فى مسئلة الشك فى انه على الفور او التراخى إلّا ان تخصيصه بخيار المجلس لا يمنع عنه فى مسئلة الشك فى كون الافتراق بشبر ونحوه من الغاية او المغيى فلا يصح التمسك باستصحاب حكم الخاص لو شك فى كون الافتراق بمقدار خطوة افتراقا كى يكون من الغاية ام لا كى يكون من المغيى وكذا تخصيصه بالقبض فى المجلس مثلا فى بيع الصرف وغيره ، وبالجملة يصح التمسك باوفوا بالعقود ولو خصص بخيار المجلس وغيره كخيار الحيوان ولا يصح التمسك بالعام فيما اذا خصص لا فى اوله كخيار الشرط فى الاثناء وخيارى العيب والغبن بناء على كون ظهورهما شرطا شرعيا لحدوث الخيار وذلك لمكان قطع حكمه بالخاص ولا يجوز قياس احد التخصيصين بالآخر.

٢٥٨

وان كان مفادهما على النّحو الثّانى فلا بدّ من التّمسّك بالعامّ بلا كلام لكون موضوع الحكم بلحاظ هذا الزّمان من افراده فله الدّلالة على حكمه والمفروض عدم دلالة الخاصّ على خلافه.

وان كان مفاد العام والخاص على النحو الثانى وهو ان يكون الزمان مفردا فيهما فلا بد من التمسك بالعام فى يوم السبت بلا كلام لكون موضوع حكم العام بلحاظ هذا الزمان اى بلحاظ يوم السبت من افراده فله الدلالة على حكمه والمفروض عدم دلالة الخاص على خلافه فان الخاص لم يحكم الا على يوم الجمعة فقط وبالجملة اذا دل العام على وجوب كل يوم ودليل الخاص دالا على حكمه فى كل يوم فالمرجع هو دليل الخاص فى خصوص مورده وفى غيره يرجع الى عموم العام وليس الخاص دالا على خلاف تكفل عموم العام فى غير مورده فتحصل انه لا مرية فى انه لا يجرى الاستصحاب فى حكم الخاص فى هذا القسم لما ذكرنا مضافا الى انه يلزم اسراء الحكم من موضوع الى موضوع آخر وفى الاستصحاب يشترط اتحاد الموضوع فلا يجرى الاستصحاب فى غير مورد دلالة الخاص.

وان كان مفاد العامّ على النّحو الأوّل والخاصّ على النّحو الثّانى فلا مورد للاستصحاب فانّه وان لم يكن هناك دلالة اصلا

٢٥٩

الّا انّ انسحاب الحكم الخاصّ الى غير مورد دلالته من اسراء حكم موضوع الى آخر لا استصحاب حكم الموضوع ولا مجال ايضا للتّمسّك بالعامّ لما مرّ آنفا فلا بدّ من الرّجوع الى سائر الاصول.

اذا كان مفاد العام على النحو الاول والخاص على النحو الثانى اى كان الزمان ظرفا لثبوت حكم العام وقيدا لموضوع الخاص فليس للعام دلالة على حكم الخاص بعد زمان التخصيص لان المفروض عدم العموم الزمانى له ولا للخاص فى غير مورد دلالته لان المفروض ان الزمان قيدا لموضوع الخاص فالحرمة متعلقة بزيد المقيد بيوم الجمعة مثلا فكيف يمكن انسحابها الى موضوع آخر وهو زيد المقيد بيوم السبت وبالجملة لا يجرى الاستصحاب فى غير مورد دلالة الخاص اذ المفروض قصور دليل الاستصحاب مع تعدد الموضوع والموضوع فى غير مورد دلالة الخاص مغاير لما هو مدلول للخاص اذ الافراد المدلول عليها به زمانية فالفرد الخارج عنها الواقع فى زمان آخر مغاير ايضا لتلك الافراد فيكون انسحاب حكم الخاص من اسراء حكم من موضوع الى موضوع آخر لا من استصحاب حكم الموضوع الواحد فى الزمان الثانى فلا بد من الرجوع الى ساير الاصول.

وان كان مفادهما على العكس كان المرجع هو العامّ

٢٦٠