نهاية المأمول

الشيخ محمد علي الإجتهادي

نهاية المأمول

المؤلف:

الشيخ محمد علي الإجتهادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار النشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٥

الشك فى حياته لو لم نقل بظهوره فى خصوص تنزيل حياته ولا اقل من الاحتمال المانع من الاستدلال.

نعم لا يبعد ترتيب خصوص ما كان منها محسوسا بنظر العرف من آثار نفسه لخفاء ما بوساطته بدعوى انّ مفاد الأخبار عرفا ما يعمّه ايضا حقيقة فافهم.

نعم قد استثنى من عدم حجية الاصل المثبت موارد ، منها ما اذا كانت الواسطة خفية بحيث يعد اثر اللازم اثر الملزوم عرفا فيشمله عموم مفهوم لا تنقض اليقين حيث ان الخطابات منزلة على المتفاهم العرفية والمفروض ان هذا يكون اثر للمتيقن عرفا ، والقول بأن هذا من باب المسامحة والخطاء فى التطبيق فيعدون اثر اللازم اثر الملزوم خطاء بحيث لو التفتوا لتنبهوا على خطائهم ، مدفوع بان هذا ليس من هذا القبيل بل لو التفتوا لم يكونوا معتنين بالواسطة ويكون عدم ترتب هذا الاثر عندهم نقضا لليقين بالشك.

كما لا يبعد ترتيب ما كان بوساطة ما لا يمكن التّفكيك عرفا بينه وبين المستصحب تنزيلا كما لا تفكيك بينهما واقعا

الثانى ما اذا كانت الواسطة جلية لكن لما كان بين اللازم

٢٠١

والملزوم شدة ارتباط عرفا لا يبعد ترتيب الاثر الشرعى الذى كان بوساطة ما لا يمكن التفكيك عرفا بين ذاك الواسطة وبين المستصحب تنزيلا يعنى يجب ترتيب آثار الواسطة التى لا يمكن التكليف عرفا بين التعبد بها والتعبد بالمستصحب.

او بوساطة ما لاجل وضوح لزومه له او ملازمته معه بمثابة عدّ اثره اثرا لهما فانّ عدم ترتيب مثل هذا الاثر عليه يكون نقضا ليقينه بالشّك ايضا بحسب ما يفهم من النّهى عن نقضه عرفا فافهم.

قد اضاف المصنف الى الاعتبار الاصل المثبت موردين آخرين احدهما ان تكون الواسطة بنحو لا يمكن التفكيك بينها وبين ذى الواسطة اى المستصحب فى التعبد عرفا ، كما ان بينهما الملازمة بحسب الوجود واقعا فاذا دل الدليل على التعبد بالمستصحب دل على التعبد بها بالالتزام فيترتب حينئذ اثرها ، وثانيهما ان تكون الواسطة لوضوح لزومها او ملازمتها للمستصحب تعد آثارها آثارا للمستصحب يعنى كانت الواسطة بنحو يصح انتساب اثرها الى ذى الواسطة كما يصح انتسابه الى نفس الواسطة لوضوح الملازمة بينهما فان عدم ترتب مثل هذا الاثر عليه يكون نقضا ليقينه بالشك ايضا بحسب ما يفهم من النهى عن نقضه عرفا.

٢٠٢

ومثل فى الهامش بالعلة والمعلول فيما لا يمكن التفكيك بينهما فى التعبد عرفا وكذا التفكيك بين المتضايفين فاذا دل دليل على التعبد بابوة زيد لعمرو مثلا فيدل على التعبد ببنوة عمرو لزيد فكما يترتب اثر ابوة زيد لعمرو كوجوب الانفاق لعمرو مثلا كذا يترتب اثر بنوة عمرو لزيد كوجوب اطاعة زيد مثلا لانه كما يجب على الاب الانفاق للابن كذلك يجب على الابن اطاعة الاب والاول اثر للابوة والثانى اثر للبنوة مثلا او نقول ان اثر البنوة اثر للابوة ايضا ، لوضوح الملازمة بينهما فكما يصح انتساب وجوب الاطاعة الى البنوة كذا يصح انتسابه الى الابوة ايضا.

وكذا الكلام فى الاخوة فاذا دل دليل على التعبد بكون زيدا اخا لهذا مثلا فيدل على التعبد بكون هذا اختا لزيد لعدم امكان التفكيك بينهما فى التعبد عرفا او نقول يصح انتساب الاثر الى كل منهما لشدة الملازمة بينهما فكما يصح انتساب حرمة التزويج الى كون زيد اخا لهند كذا يصح انتسابها الى كون هذا اختا لزيد وهكذا سائر المتضايفات ، وفيه ان حجية الاصل المثبت فيما اذا لم يمكن التفكيك فى التعبد بين المستصحب ولازمه عرفا او كانت الواسطة بنحو يعد اثرها اثرا للمستصحب لشدة الملازمة بينهما وإن كانت مما لا ينكر فانه لو ثبت الملازمة فى التعبد فى مورد فلا اشكال فى الاخذ بها إلّا ان الاشكال فى ثبوت هذه الملازمة فى مورد من الموارد.

وما ذكره (قدس‌سره) فى حاشية الرسائل فى الملازمة فى المتضايفات

٢٠٣

من الملازمة فى التعبد مسلم إلّا انه خارج عن محل الكلام اذ الكلام فيما اذا كان الملزوم فقط موردا للتعبد ومتعلقا لليقين والشك والمتضايفان كلاهما مورد للتعبد الاستصحابيّ فانه لا يمكن اليقين بابوة زيد لعمرو بلا يقين بنبوة عمرو لزيد وكذا سائر المتضايفات فيجرى الاستصحاب فى نفس اللازم بلا احتياج الى القول باصل المثبت وهكذا الكلام فى العلة التامة ومعلولها واما العلة الناقصة فلا ملازمة بين التعبد بالعلة الناقصة والتعبد بالمعلول ولعلّ قوله فافهم اشارة الى ما ذكرنا.

ثمّ لا يخفى وضوح الفرق بين الاستصحاب وسائر الاصول التّعبديّة وبين الطّرق والامارات فانّ الطّريق او الامارة حيث انّه كما يحكى عن المؤدّى ويشير اليه كذا يحكى عن اطرافه من ملزومة ولوازمه وملازماته ويشير اليها كان مقتضى اطلاق دليل اعتبارها لزوم تصديقها فى حكايتها وقضيّة حجّية المثبت منها كما لا يخفى بخلاف مثل دليل الاستصحاب فانّه لا بدّ من الاقتصار ممّا فيه من الدّلالة على التّعبد بثبوته ولا دلالة الّا على التّعبّد بثبوت المشكوك بلحاظ اثره حسبما عرفت فلا دلالة له على اعتبار المثبت منه كسائر الاصول التعبّديّة الّا فيما عد اثر الواسطة اثرا له لخفائها او شدّة وضوحها وجلائها حسبما حقّقناه.

توضيح الفرق ان للامارة الحاكية عن الواقع دلالة مطابقية

٢٠٤

ودلالة التزامية وكما ان لها حكاية عن مدلولها المطابقى لها حكاية عن مدلولها الالتزامى ودلالتها على احدهما كدلالتها على الآخر فاطلاق دليل الحجية يقتضى حجيتها فى جميع مداليلها المطابقية والالتزامية فاذا كان المستفاد من دليل الحجية تنزيل المؤدى منزلة الواقع فذلك التنزيل لا يختص بالمدلول المطابقى بل كما يكون له يكون للمدلول الالتزامى وقضية ذلك حجية المثبت منها وترتيب آثار كل من المدلول المطابقى والالتزامى بلا فرق بينهما وكذا سائر الطرق.

وبالجملة ان الادلة الدالة على اعتبار الامارات تدل على حجيتها بالنسبة الى مدلولها المطابقى ومدلولها الالتزامى فلا قصور من ناحية المقتضى فى باب الامارات بخلاف الاستصحاب فان مورد التعبد هو المتيقن الذى شك فى بقائه وليس هذا إلّا الملزوم دون لازمه فلا يشمله دليل الاستصحاب فلا دلالة له على اعتبار المثبت منه كسائر الاصول التعبدية الا فيما عدّ اثر الواسطة اثرا له لخفائها او شدة وضوحها وجلائها جسما حققناه.

هذا حاصل ما افاده المصنف (ره) فى الفرق بين الاستصحاب وسائر الاصول التعبدية وبين الطرق والامارات وقدا ورد عليه بعض اعاظم العصر على ما حكى عنه فى تقريراته المسماة بمصباح الاصول بان دلالة ادلة حجية الخبر على حجيته حتى بالنسبة الى اللازم غير مسلم لان الادلة تدل على حجية الخبر والخبر والحكاية من العناوين القصدية فلا يكون الاخبار عن الشىء اخبارا عن لازمه إلّا اذا كان

٢٠٥

اللازم لازما بالمعنى الاخص وهو الذى لا ينفك تصوره عن تصور الملزوم او كان لازما بالمعنى الاعم مع كون المخبر ملتفتا الى الملازمة فحينئذ يكون الاخبار عن الشىء اخبارا عن لازمه بخلاف ما اذا كان اللازم لازما بالمعنى الاعم ولم يكن المخبر ملتفتا الى الملازمة او كان منكرا لها فلا يكون الاخبار عن الشىء اخبارا عن لازمه فلا يكون الخبر حجة فى مثل هذا اللازم لعدم كونه خبرا بالنسبة اليه.

فاذا اخبر احد عن ملاقاة زيد للماء القليل مثلا مع كون زيد كافرا فى الواقع ولكن المخبر عن الملاقاة منكر لكفره فهو مخبر عن الملزوم وهو الملاقاة ولا يكون مخبرا عن اللازم وهو نجاسة الماء لما ذكرناه من ان الاخبار من العناوين القصدية فلا يصدق الا مع الالتفات والقصد (انتهى موضع الحاجة من كلامه) اقول لا بد لرفع الشبهة من بيان مقدار مدلول الامارة وهى ان للامارة الحاكية عن الواقع دلالة مطابقية ودلالة التزامية والمدلول بالدلالة المطابقية متعلق لقصد المخبر بالاستقلال والمدلول بالدلالة الالتزامية متعلق لقصده بالتبع فاذا اخبر المخبر بان زيدا كثير الرماد فكثرة الرماد لازمة لكثرة احراق الحطب ولازمها كثرة الطباخ ولازمها كثرة الاكل وكثرة الاكل لازمة لكثرة الضيف ولازم كثرة الضيف كثرة الرماد وهى لازمة للجود الذى هو المقصود بالاصالة وبعضها لازم عقلا او عادة وبعضها ملزوم عقلا او عادة.

ومن البين انه لا يتعلق قصد المخبر الى الجميع تفصيلا مع ان كلها

٢٠٦

مقصودة بالاجمال بحيث لو التفت صار مفصلا مقصودا بالاستقلال فيكون خبره حاكيا عن الكل فلا يرد ان الدلالة التصديقية موقوفة على القصد وبدونه تكون دلالة تصورية ككلام النائم والساهى فلا يكون خبره عن المؤدى خبرا عنها حتى يشمله دليل الحجية فلما كانت الامارة حاكية عن اللوازم والملزومات كان دليل الحجية حجة على لزوم ترتيب الآثار الشرعى للوسائط فيكون قضية تنزيل المؤدى منزلة الواقع تنزيله بلوازمه وملزوماته باجمعها كما لا يخفى.

التنبيه الثامنة

فى اللازم العادى او العقلى المتحد مع

المستصحب وجودا

الثّامن انّه لا تفاوت فى الاثر المترّتب على المستصحب بين ان يكون مترتّبا عليه بلا وساطة شىء او بوساطة عنوان كلّى ينطبق ويحمل عليه بالحمل الشّائع ويتحد معه وجودا كان منتزعا عن مرتبة ذاته.

٢٠٧

اعلم ان هنا موارد قد توهم انها من الاصل المثبت وليس منها الاول الاستصحاب فى الموضوعات الخارجية ، بتوهم ان الاستصحاب فيها من الاصول المثبتة ، لعدم ترتب حكم فى الشرع عليها ، وانما يسرى الحكم اليها عقلا من جهة انطباق العناوين الكلية التى هى موضوعات للحكم عليها فترتب الحكم عقلى لا شرعى ، وانت خبير بوضوح فساد ذلك لاتحاد تلك العناوين مع ما انطبقت عليها من الموضوعات الخارجية.

وبعبارة اخرى ان ترتب الحكم على الموضوعات الخارجية وان كان بتوسيط العناوين الكلية المنطبقة عليها إلّا ان الكلى لا يعد لازما عقليا للفرد كى يكون الاستصحاب الجارى فيه لاجل ترتب هذا الاثر من الاصل المثبت ، بل الكلى عين الفرد وجودا ومتحد معه خارجا ، فاذا كان فى الخارج خمر وشككنا فى صيرورته خلا فباستصحاب الخمرية نحكم بحرمته ونجاسته مع كون الحرمة والنجاسة من احكام طبيعة الخمر ، لان الكلى عين الفرد لا لازمه.

خلافا لما افاده الشيخ (ره) من عدم الفرق فى اللازم العادى او العقلى بين كونه مبائنا مع المستصحب رأسا ، وبين كونه متحدا معه وجودا بحيث لا يتغايران إلّا مفهوما قال فيما افاده فى المقام (ما هذا لفظه) ومن هنا يعلم انه لا فرق فى الامر العادى بين كونه متحد الوجود مع المستصحب بحيث لا يتغايران إلّا مفهوما كاستصحاب بقاء الكر فى الحوض عند الشك فى كرية الماء الباقى فيه وبين تغايرهما

٢٠٨

فى الوجود كما لو علم بوجود المقتضى لحادث على وجه لو لا المانع (انتهى موضع الحاجة من كلامه) رفع مقامه ، وبالجملة لا تفاوت فى الاثر المترتب على المستصحب بين ان يكون مترتبا عليه بلا واسطة شىء او بوساطة عنوان كلى ينطبق ويحمل عليه بالحمل الشائع ويتحد معه وجودا كان منتزعا عن مرتبة ذاته.

او بملاحظة بعض عوارضه ممّا هو الخارج المحمول لا بالضّميمة.

اشارة الى الثانى من موارد التى توهم انها من الاصل المثبت وليس منها حاصله انه لا تفاوت فى الاثر المترتب على المستصحب بين ان يكون مترتبا عليه بلا واسطة شىء او بواسطة عنوان كلى او بملاحظة بعض عوارض المستصحب مما هو خارج المحمول بمعنى ان الاثر لذلك العارض لا للمستصحب ولاجل انه لا وجود له فى نفسه الا بوجود منشأ انتزاعه فلا محالة يكون منشأ الانتزاع عين ما رتب عليه الاثر لا شىء آخر فاستصحاب المعروض لترتب اثر العارض الخارج المحمول لا يكون بمثبت.

فانّ الاثر فى الصّورتين انّما يكون له حقيقة حيث لا يكون بحذاء ذلك الكلّى فى الخارج سواه لا لغيره ممّا كان مبائنا معه او

٢٠٩

من اعراضه ممّا كان محمولا عليه بالضّميمة كسواده مثلا او بياضه.

بيان لوجه التفصيل ، حاصله هو ان الاثر فى الصورتين اى فيما كان عنوانا كليا منتزعا عن مرتبة ذاته كما فى الحيوان والانسان ونحو ذلك او بملاحظة اتصافه بعرضى كما فى المالك والغاصب ونحو ذلك من العناوين التى كان مبدأ الاشتقاق فيها هو من الامور الانتزاعية المحضة التى ليس بحذائها شىء فى الخارج اصلا سوى منشأ انتزاعها ويكون من خارج المحمول ، انما يكون للمستصحب حقيقة حيث لا يكون بحذاء ذلك الكلى الذى هو صاحب الاثر فى الخارج سوى ذلك الفرد المستصحب لا لغيره اى ليس الاثر لغير ذلك المستصحب مما كان مبائنا معه فان الامر الثابت للمباين المستصحب فى الخارج لا يكون للمستصحب فلا يجوز الاستصحاب لترتيب الاثر المذكور الا باجرائه فى نفس موضوعه وهو الامر المباين او مما كان من اعراضه مما كان محمولا عليه بالضميمة كسواده مثلا او بياضه ، فاذا كان الاثر اثرا لسواد شىء لم يمكن ترتيبه على استصحاب معروضه على تقدير كون السواد لازما لبقائه دون حدوثه فانه من اوضح مصاديق الاصل المثبت.

وذلك لانّ الطّبيعى انّما يوجد بعين وجود فرده كما انّ العرضى كالملكيّة والغصبيّة ونحوهما لا وجود له الّا بمعنى وجود منشأ انتزاعه فالفرد او منشأ الانتزاع فى الخارج هو عين ما رتّب

٢١٠

عليه الأثر لا شىء آخر فاستصحابه لترتيبه لا يكون بمثبت كما توهّم.

بيان لكون الاثر فى الصورتين للمستصحب ، وحاصله ان الطبيعى انما يوجد بعين وجود فرده كما ان العرضى كالملكية والغصبية ونحوهما لا وجود له إلّا بمعنى وجود منشأ انتزاعه ، فالفرد او منشأ الانتزاع فى الخارج هو عين ما رتب عليه الاثر لا شىء آخر ، فاستصحابه لترتيبه لا يكون بمثبت كما توهم.

والحاصل ان الاثر الشرعى وان كان مترتبا على الطبيعة الكلية إلّا ان الكلى لا يعد لازما عقليا للفرد كى يكون الاستصحاب الجارى فيه لاجل ترتب هذا الاثر من الاصل المثبت ، بل الكلى عين الفرد وجودا ومتحد معه خارجا فاذا كان فى الخارج خمر وشككنا فى صيرورته خلا فباستصحاب الحرمة نحكم بحرمته ونجاسته مع كون الحرمة والنجاسة من احكام طبيعة الخمر ، لان الكلى عين الفرد لا لازمه ، فجريان الاستصحاب فى الفرد ، لترتب الاحكام المترتبة على الكلى لا يكون بمثبت كذا جريان الاستصحاب فى منشأ الانتزاع لترتب الاحكام المترتبة على الامور الانتزاعية ، وهى الامور التى ليس بحذائها شىء فى الخارج ويعبر عنه بخارج المحمول كالملكية ونحوها ، فان الاثر الشرعى وان كان اثرا للامر الانتزاعى.

إلّا انه حيث لا يكون بحذائها شىء فى الخارج كان الاثر فى

٢١١

الحقيقة اثرا لمنشا الانتزاع فيصح جريان الاستصحاب فى الفرد من الامر الانتزاعى لترتب اثر الكلى عليه ، كاستصحاب ملكية زيد لمال لترتيب آثار الملكية الكلية من جواز التصرف له وعدم جواز تصرف الغير فيه بدون اذنه ولا يكون بمثبت ، وهذا بخلاف الاعراض التى تكون بانفسها موجودة فى الخارج ويعبر عنها بالمحمول بالضميمة ، فاذا كان الاثر اثرا لسواد شىء لم يمكن ترتيبه على استصحاب معروضه على تقدير كون السواد لازما لبقائه دون حدوثه فانه من اوضح مصاديق الاصل المثبت.

وكذا لا تفاوت فى الاثر المستصحب او المترّتب عليه بين ان يكون مجعولا شرعا بنفسه كالتّكليف وبعض انحاء الوضع او بمنشإ انتزاعه كبعض انحائه كالجزئية والشرطية والمانعية فانه ايضا ممّا تناله يد الجعل شرعا ويكون امره بيد الشّارع وضعا ورفعا ولو بوضع منشأ انتزاعه ورفعه ولا وجه لاعتبار ان يكون المترتّب او المستصحب مجعولا مستقلا كما لا يخفى فليس استصحاب الشّرط او المانع لترتيب الشّرطيّة او المانعيّة بمثبت.

هذا اشارة الى المورد الثالث مما توهم كون الاستصحاب فيه مثبتا حاصله انه لا فرق فى الاثر المستصحب او المترتب على المستصحب بين ان يكون حكما مجعولا بنفسه كالتكليف وبعض انحاء الوضع كالحجية والقضاوة والولاية وامثال ذلك ، او يكون حكما مجعولا بجعل منشأ

٢١٢

انتزاعه كبعض آخر من انحاء الوضع كالجزئية او الشرطية او المانعية او القاطعية لما هو جزء المأمور به او شرطه او مانعة او قاطعه ، فان المجعول التبعى ايضا مما تناله يد الجعل شرعا ويكون امره بيد الشارع وضعا ورفعا كالاستقلالى عينا.

غايته ان وضع الاستقلالى ورفعه يكون بوضع نفسه ورفعه ، ووضع التبعى ورفعه يكون بوضع منشأ انتزاعه ورفعه وبالجملة ان الجزئية والشرطية وان لم تكونا مجعولتين بالاستقلال لكنهما مجعولتان بالتبع وكذا المانعية والقاطعية.

كما ربّما توهّم بتخيّل انّ الشّرطيّة او المانعيّة ليست من الآثار الشّرعيّة بل من الامور الانتزاعيّة فافهم.

المتوهم هو الشيخ «ره» قال عند نقل حجة القول السابع من اقوال الاستصحاب (ما لفظه) وكذا الكلام فى غير السبب فان شرطية الطهارة للصلاة ليست مجعولة بجعل مغاير لانشاء وجوب الصلاة الواقعة حال الطهارة وكذا مانعية النجاسة ليست إلّا منتزعة من المنع عن الصلاة فى النجس وكذا الجزئية منتزعة من الامر بالمركب «انتهى» ولعل قوله فافهم اشارة الى ان هذا التوهم اجتهاد فى مقابلة النص الواردة فى جريان الاستصحاب فى الوضوء كما فى رواية زرارة.

٢١٣

وكذا لا تفاوت فى المستصحب او المترّتب بين ان يكون ثبوت الاثر ووجوده او نفيه وعدمه ضرورة انّ امر نفيه بيد الشّارع كثبوته وعدم اطلاق الحكم على عدمه غير ضائر اذ ليس هناك ما دلّ على اعتباره بعد صدق نقض اليقين بالشّكّ برفع اليد عنه كصدقه برفعها من طرف ثبوته كما هو واضح.

حاصله ، انه لا فرق فى المستصحب او الاثر المترتب عليه بين ان يكون ثبوت التكليف ووجوده او نفيه وعدمه ، اذ جريان الاستصحاب ليس منوطا بكون المستصحب او اثره وجوبا ، بل منوط بكون المستصحب او اثره قابلا للتعبد وان يكون ثبوته ونفيه بيد الشارع ومن المعلوم ان نفى التكليف قابل للتعبد كثبوته لاستواء القدرة بالنسبة الى طرفى الوجود والعدم.

وبعبارة اخرى لو لم يكن العدم مقدورا وقابلا للجعل لم يكن الوجود ايضا مقدورا وقابلا للجعل بداهة ان المقدور ما تكون نسبة القدرة الى طرفى وجوده وعدمه على حد سواء ، فان القدرة على احدهما خاصة دون الآخر اضطرار لا اختيار وعدم اطلاق الحكم على عدم الاثر غير ضائر اذ ليس هناك ما دل على اعتباره يعنى اطلاق الحكم بعد صدق نقض اليقين بالشك برفع اليد عنه كصدق نقض اليقين بالشك برفع اليد من طرف ثبوته كما هو واضح.

وبالجملة ان اعتبار المستصحب حكما شرعيا او موضوعا ذا اثر

٢١٤

شرعى مما لا اساس له بل المعتبر فى الاستصحاب كون المستصحب قابلا للتعبد الشرعى بلا فرق بين كونه وجوديا او عدميا ، فان نفى التكليف بيد الشارع وقابل للتعبد به كثبوته.

فلا وجه للأشكال فى الاستدلال على البراءة باستصحاب البراءة من التكليف وعدم المنع عن الفعل بما فى الرّسالة من انّ عدم استحقاق العقاب فى الآخرة ليس من اللّوازم المجعولة الشّرعيّة.

قال الشيخ (اعلى الله مقامه) فى مبحث الشبهة التحريمية وقد يستدل على البراءة بوجوه غير ناهضة ، منها استصحاب البراءة المتيقنة حال الصغر والجنون ، ثم قال لان الثابت بها يعنى بالاخبار ترتب اللوازم المجعولة الشرعية على المستصحب والمستصحب هنا ليس إلّا براءة الذمة من التكليف وعدم المنع من الفعل وعدم استحقاق العقاب عليه والمطلوب فى الآن اللاحق هو القطع بعدم ترتب العقاب على الفعل او ما يستلزم ذلك اذ لو لم يقطع بالعدم واحتمل العقاب احتاج الى ضم حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان اليه ومعه لا حاجة الى الاستصحاب.

ومن المعلوم ان المطلوب المذكور لا يترتب على المستصحبات المذكورة لان عدم استحقاق العقاب فى الآخرة ليس من اللوازم المجعولة الشرعية حتى يحكم به الشارع فى الظاهر (انتهى).

٢١٥

فانّ عدم استحقاق العقوبة وان كان غير مجعول الّا انّه لا حاجة الى ترتيب اثر مجعول فى استصحاب عدم المنع وترتّب عدم الاستحقاق مع كونه عقليّا على استصحابه انّما هو لكونه لازم مطلق عدم المنع ولو فى الظّاهر فتأمّل.

جواب عن اشكال الشيخ (قدس) حاصله ان عدم استحقاق العقوبة وان كان غير مجعول إلّا انه لا حاجة الى ترتيب اثر مجعول فى استصحاب عدم المنع اذ هو اى عدم المنع بنفسه امر قابل للاستصحاب من دون حاجة الى ترتيب اثر مجعول عليه وذلك لما عرفت آنفا من عدم التفاوت فى المستصحب او المترتب على المستصحب بين ان يكون هو ثبوت الحكم ووجوده او عدمه ونفيه فاذا استصحب عدم المنع من الفعل رتب عليه قهرا عدم ترتب العقاب فى الآخرة فانه وان كان لازما عقليا له ولكنه لازم مطلق لعدم المنع ولو فى الظاهر (فتامل) اشارة الى ان العلم بعدم استحقاق العقاب عقلا لازم لجعل عدم المنع فى الظاهر لا لازم لمطلق عدم المنع ولو فى الظاهر لوضوح ان العلم بعدم الاستحقاق ناش اما من العلم بعدم المنع الواقعى او من العلم بجعل عدم المنع فى الظاهر لا من مجرد عدم المنع فى الظاهر بل هو موضوع للبراءة العقلية ، اذ يصدق عند عدم وصول منع من الشارع فى حالة الشك عدم المنع فى الظاهر وهذا هو اللابيان الموضوع للبراءة العقلية وجعل عدم المنع بيان من قبل الشارع وينشأ العلم بعدم استحقاق العقاب من العلم

٢١٦

بالبيان والامر سهل ، اذ قضية جعل الحكم المماثل فى حالة الشك جعل عدم المنع فيترتب عليه العلم بعدم الاستحقاق.

التاسعة

فى ترتيب الآثار العقلية

التاسع انّه لا يذهب عليك انّ عدم ترتّب الاثر الغير الشّرعى ولا الشّرعى بوساطة غيره من العادى او العقلى بالاستصحاب انّما هو بالنّسبة الى ما للمستصحب واقعا فلا يكاد يثبت به من آثاره الّا اثره الشّرعى الّذى كان له بلا واسطة او بوساطة اثر شرعى آخر حسبما عرفت فيما مرّ لا بالنّسبة الى ما كان للاثر الشّرعى مطلقا كان بخطاب الاستصحاب او بغيره من انحاء الخطاب فانّ آثاره شرعيّة كانت او غيرها تترتّب عليه اذا ثبت ولو بان يستصحب او كان من آثار المستصحب وذلك لتحقق موضوعه حينئذ حقيقة.

حاصله ان ما تقدم من ان عدم ترتب الاثر الغير الشرعى ولا

٢١٧

الشرعى بوساطة غيره من العادى او العقلى بالاستصحاب انما هو بالنسبة الى ما للمستصحب واقعا اى بالنسبة الى الآثار الواقعية للمستصحب فلا يكاد يثبت بالاستصحاب من آثاره إلّا اثره الشرعى الذى كان له بلا واسطة او بوساطة اثر شرعى حسبما عرفت فيما مر فى التنبيه السابع لا بالنسبة الى ما كان للمستصحب مطلقا ولو ظاهرا ولذا قد اشتهر بين الاعلام ان الاثر الغير الشرعى والشرعى بواسطة امر غير شرعى لا يترتب على المستصحب اذا كان له واقعا ، واما اذا كان للحكم الاعم من الواقعى والظاهرى فيترتب عليه لتحقق موضوعه الحقيقى وجدانا ، فوجوب الموافقة وحرمة المخالفة واستحقاق العقوبة من الآثار العقلية التى تترتب على الحكم الاستصحابيّ لكونها من آثار الحكم كان بخطاب استصحابى او بخطاب واقعى ، وبالجملة ان آثاره شرعية كانت او غيرها تترتب عليه اذا ثبت ولو بان يستصحب ، وذلك لتحقق موضوعها حينئذ حقيقة.

فما للوجوب عقلا يترتّب على الوجوب الثّابت شرعا باستصحابه او استصحاب موضوعه من وجوب الموافقة وحرمة المخالفة واستحقاق العقوبة الى غير ذلك كما يترتّب على الثّابت بغير الاستصحاب بلا شبهة ولا ارتياب فلا تغفل.

فما للوجوب عقلا من وجوب الموافقة وحرمة المخالفة

٢١٨

واستحقاق العقوبة هو مما يترتب على الوجوب الثابت شرعا باستصحابه او استصحاب موضوعه كما يترتب على الوجوب الثابت بغير الاستصحاب بلا شبهة ولا ارتياب ، وبعبارة اخرى ان لزوم الموافقة وحرمة المخالفة واستحقاق العقوبة وغير ذلك من وجوب مقدمته كما يترتب على الحكم الالزامى الثابت بغير الاستصحاب بعلم او علمى كذلك يترتب على الحكم الالزامى الثابت بالاستصحاب وكذا فى استصحاب موضوع الحكم الالزامى وهذا الحكم المماثل المجعول فى حالة الشك موضوع حقيقة لذلك الاثر العقلى او الشرعى فلا محالة انه يترتب عليه اثره وإلّا يلزم تخلف الحكم عن موضوعه فهذا ليس من الاصول المثبتة.

العاشر

فى لزوم كون المستصحب حكما شرعيا

او ذا حكم شرعى

العاشر انّه قد ظهر ممّا مرّ لزوم ان يكون المستصحب حكما شرعيّا او ذا حكم كذلك لكنّه لا يخفى انّه لا بدّ ان يكون كذلك بقاء ولو لم يكن كذلك ثبوتا فلو لم يكن المستصحب فى زمان

٢١٩

ثبوته حكما ولا له اثر شرعا وكان فى زمان استصحابه كذلك اى حكما او ذا حكم يصحّ استصحابه كما فى استصحاب عدم التّكليف فانّه وان لم يكن بحكم مجعول فى الازل ولا ذا حكم الّا انّه حكم مجعول فيما لا يزال لما عرفت من انّ نفيه كثبوته فى الحال مجعول شرعا.

حاصله انه لا بد فى جريان الاستصحاب من كون المستصحب حكما شرعيا او ذا حكم شرعى بقاء ولا يقدح فيه عدم كونه حكما شرعيا حدوثا ، فلو لم يكن المستصحب فى زمان ثبوته حكما ولا له اثر شرعا وكان فى زمان استصحابه كذلك اى حكما او ذا حكم يصح استصحابه ، لصدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عنه حينئذ فالتعبد ببقاء الحالة السابقة لا يتوقف على ثبوت اثر لحدوثها بل يكفى فيه ثبوت اثر لبقائها ، فلا مانع من جريان الاستصحاب فى عدم التكليف ، فانه وان كان غير قابل للتعبد به ، اذ لم يكن بحكم مجعول فى الازل ولا ذا حكم ، لكنه قابل للتعبد به بقاء لان ثبوت التكليف فى الحال قابل للجعل ، فنفيه ايضا كذلك لاستواء نسبة القدرة الى الطرفين.

وكذا استصحاب موضوع لم يكن له حكم ثبوتا او كان ولم يكن حكمه فعليّا وله حكم كذلك بقاء وذلك لصدق نقض

٢٢٠