نهاية المأمول

الشيخ محمد علي الإجتهادي

نهاية المأمول

المؤلف:

الشيخ محمد علي الإجتهادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار النشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٥

قلت نعم ولكن الظّاهر انّه اخذ كشفا عنه ومرآة لثبوته ليكون التّعبد فى بقائه والتعبّد مع فرض ثبوته انّما يكون فى بقائه فافهم.

حاصل الجواب ان اليقين بالشيء وان كان قد اخذ فى الاخبار موضوعا للتعبد ، ولكن لا بما هو صفة كى يتوجه اليه الاشكال بل بما هو كاشف عن الواقع ليكون التعبد فى مرحلة البقاء دون الثبوت والتعبد مع فرض ثبوته بالحجة يكون فى مرحلة بقائه ايضا دون ثبوته ، فافهم لعله اشارة الى ما تفطن به بعض الاعاظم من انه كيف يلتزم هاهنا بقيام الحجة مقام القطع المأخوذ موضوعا بما هو كاشف عن الواقع ويتخلص عن الاشكال مع انه قد انكر فى بحث القطع عدم قيامها مقام القطع المأخوذ فى الموضوع مطلقا.

التنبيه الثالث

فى اقسام استصحاب الكلى

الثالث انّه لا فرق فى المتيقن السّابق بين ان يكون خصوص احد الاحكام او ما يشترك بين الاثنين منها او الازيد من امر عامّ

١٤١

حاصله انه لا فرق فى المتيقن السابق بين ان يكون خصوص احد الاحكام كالوجوب مثلا او ما يشترك بين الاثنين منها كالرجحان المشترك بين الوجوب والندب او الازيد منها كالجواز المشترك بين الوجوب والاستحباب والاباحة والكراهة ، ثم ان المصنف قد بدء بالاستصحاب فى الاحكام الكلية التى يكون البحث عنها اليق بشأن الاصولى وسيشير الى حال الاستصحاب فى متعلقات الاحكام فى الشبهات الحكمية والموضوعية ، واقسامه ثلاثة ، الاول ما اذا علمنا بتحقق الكلى فى ضمن فرد معين ، ثم شككنا فى بقاء هذا الفرد وارتفاعه فلا محالة نشك فى بقاء الكلى وارتفاعه ايضا مثاله المعروف ما اذا علمنا بوجود زيد فى الدار فنعلم بوجود الانسان فيها ثم شككنا فى خروج زيد عنها فنشك فى بقاء الانسان فيها ، الثانى ما اذا علمنا بوجود الكلى فى ضمن فرد مردد بين متيقن الارتفاع ومتيقن البقاء كما اذا علمنا بوجود انسان فى الدار مع الشك فى كونه زيدا او عمرا ، مع العلم بانه لو كان زيدا لخرج يقينا ولو كان عمرا فقد بقى يقينا ، ومثل ما اذا رأينا رطوبة مشتبهة بين البول والمنى فتوضأ فنعلم انه لو كان الحدث الموجود هو الاصغر فقد ارتفع ولو كان هو الاكبر فقد بقى فيجرى الاستصحاب فى الحدث الجامع بين الاكبر والاصغر ونحكم بترتب اثره الثالث ما اذا علمنا بوجود الكلى فى ضمن فرد معين وعلمنا بارتفاع هذا الفرد لكن احتملنا وجود فرد آخر مقارن مع وجود الفرد الاول او مقارن مع ارتفاعه ، كما اذا علمنا بوجود زيد فى الدار وعلمنا

١٤٢

بخروجه عنها ولكن احتملنا بقاء الانسان فى الدار لاحتمال دخول عمر وفيها ولو مقارنا مع خروجه عنها.

فان كان الشّك فى بقاء ذاك العامّ من جهة الشّك فى بقاء الخاصّ الّذى كان فى ضمنه وارتفاعه كان استصحابه كاستصحابه بلا كلام.

هذا اشارة الى القسم الاول من استصحاب الكلى ، وحاصله انه لو كان الشك فى بقاء الكلى من جهة الشك فى بقاء الفرد الذى كان الكلى متحققا فى ضمنه ، مثل ما اذا علمنا زيد فى الدار فنعلم بوجود الانسان فيها ثم شككنا فى خروج زيد عنها فنشك فى بقاء الانسان فيها كان استصحابه كاستصحابه بلا كلام يعنى جاز استصحاب الكلى والفرد معا فيترتب عليهما ما يترتب من الآثار وهذا مما لا اشكال فيه ، انما الاشكال فى كفاية احدهما عن الآخر وهل يترتب آثار الفرد بمجرد استصحاب الكلى او بالعكس ام لا بد فيه من جريان الاستصحاب بالنسبة الى كل واحد بخصوصه وجهان من ان الكلى عين افراده ومتحد معه فى الخارج فالتعبد بوجود احدهما عين التعبد بوجود الآخر وكذا الظن باحدهما عين الظن بالآخر ، ومن ان الفرد محقق لوجود الكلى وعلة له كما عليه المحقق القمى ومقتضى العلية تعددهما فى الوجود فيكون اثبات احدهما بالآخر اصلا مثبتا لا نقول بحجيته إلّا ان يقال ان ذلك على فرض

١٤٣

التسليم انما هو بالدقة العقلية واما بالنظر المسامحى العرفى الذى هو المدار فى الاستصحاب فمتحد فاثبات الكلى عندهم عين اثبات فرده وكيف كان فالخطب فيه سهل.

وان كان الشّك فيه من جهة تردّد الخاصّ الّذي فى ضمنه بين ما هو باق او مرتفع قطعا فكذا لا اشكال فى استصحابه فيترتّب عليه كافّة ما يترّتب عليه عقلا او شرعا من احكامه ولوازمه.

هذا اشارة الى القسم الثانى من اقسام الكلى ، حاصله انه لو كان الشك من جهة الشك فى تعيين ذلك الفرد الذى تحقق الكلى فى ضمنه وتردد ذاك الفرد بين ما هو قابل للبقاء يقينا الى زمان الشك وبين ما هو مرتفع قطعا سواء كان ارتفاعه من جهة قابليته للبقاء فى زمان الشك كالحيوان المردد وجوده فى ضمن البق او الفيل او من جهة الرافع كالحدث المردد بين كونه فى ضمن الاصغر والاكبر بعد الوضوء حيث ان الوضوء رافع للحدث الاصغر ، فكذا لا اشكال فى استصحابه لتمامية موضوعه من اليقين والشك فيترتب عليه كافة ما يترتب عليه عقلا او شرعا من احكامه ولوازمه.

وتردّد ذاك الخاصّ الّذي يكون الكلّى موجودا فى ضمنه ويكون وجوده بعين وجوده بين متيقّن الارتفاع ومشكوك

١٤٤

الحدوث المحكوم بعدم حدوثه.

اشارة الى بعض شبهات المنع عن جريان الاستصحاب فى القسم الثانى من التشكيك فى جريانه لاختلال بعض اركانه ، حاصله ان وجود الكلى عين وجود الفرد فى الخارج وان كان مفهومه مغايرا لمفهوم الفرد فليس للكلى وجود مستقل عن وجود الفرد وانما هو موجود فى ضمنه وكل واحد من الفردين الذين يعلم وجود الكلى فى احدهما مما لا يجتمع فيه اركان الاستصحاب لوضوح ان واحد منهما معلوم الارتفاع والآخر مشكوك الحدوث فلا مجال لدعوى الاستصحاب فى نفس الكلى الذى يكون وجوده عين وجود واحد منهما مع كون الآخر محكوما بالعدم بحكم الاستصحاب ، هذا تقرير الاشكال.

غير ضائر باستصحاب الكلّى المتحقّق فى ضمنه مع عدم اخلاله باليقين والشّكّ فى حدوثه وبقائه وانّما كان التّردد بين الفردين ضائرا باستصحاب احد الخاصّين الّذين كان امره مردّدا بينهما لاخلاله باليقين الّذى هو احد ركنى الاستصحاب كما لا يخفى.

حاصله ان تردد ذاك الخاص الذى يكون الكلى موجودا فى ضمنه بين متيقن الارتفاع ومشكوك الحدوث المحكوم بعدم حدوثه غير ضائر باستصحاب الكلّى المتحقق فى ضمنه مع عدم

١٤٥

اخلاله باليقين والشك فى حدوثه وبقائه ، بداهة ان اليقين والشك انما يتعلقان بالصور الذهنية لا بمحكياتها الخارجية فعدم اجتماع اليقين بالحدث مع الشك فى البقاء فى كل واحد من الفردين لا ينافى اجتماعهما فى نفس الكلى فوجود الكلى لما كان مرددا بين هذين النحوين من الوجود كان مشكوك البقاء فعلا من دون شك فى اصل حدوثه ، ضرورة صدق قولنا فيما لو يعلم بوجود الحيوان فى فرد مردد بين البقة والجمل ثم يعلم بعد ثلاثة ايام بانه ان كان الموجود هو الجمل فهو باق وان كان بقة فهو زائل ان وجود الحيوان معلوم وبقائه مشكوك ولازم ذلك جواز الاستصحاب فى الكلى لاجتماع الاركان فيه ، والحاصل ان التردد بين الخاصين غير ضائر باستصحاب الكلى لتحقق اركانه من اليقين السابق والشك اللاحق وبقاء الموضوع وانما كان التردد بين الفردين ضائرا باستصحاب احد الخاصين الذين كان امره مرددا بينهما لا خلاله باليقين الذى هو احد ركنى الاستصحاب لعدم تعلق اليقين سابقا بالذى هو مشكوك البقاء لاحقا والمفروض ان الآخر معلوم الارتفاع.

نعم يجب رعاية التّكاليف المعلومة اجمالا المترتّبة على الخاصّين فيما علم تكليف فى البين.

استدراك عن قوله وانّما كان التردد بين الفردين ضائرا

١٤٦

باستصحاب احد الخاصين ... الخ وحاصل الكلام فيه ان شيئا من الخاصين الذين كانا طرفى الترديد وان لم يجر استصحابه فلا يترتب اثره المختص به. ولكن قد يجب مراعات الاثر المختص لا من باب استصحاب احد الخاصين بل من باب العلم الاجمالى بوجوده مثلا اذا دار الامر بين وجوب واحد من الخاصين وعلم به قبل تلف واحد منهما او الخروج عن عن محل الابتلاء تنجز التكليف الواقعى واستقل العقل بلزوم اتيان كليهما فعدم جريان استصحاب الوجوب فى الخاصين على تقدير انتفاء اركان الاستصحاب فيه لا يجرى جواز ارتكاب واحد منهما ولو على تقدير جريان اصالة عدم الوجوب اذ تسقط بالمعارضة وكذا لكلام فى الحرمة المرددة بينهما كما لا يخفى.

وتوهّم كون الشّك فى بقاء الكلّى الّذي فى ضمن ذاك المردّد مسبّبا عن الشّك فى حدوث الخاصّ المشكوك حدوثه المحكوم بعدم الحدوث باصالة عدمه.

اشارة الى الشبهة الثانية ، تقريره ان الشك فى بقاء الكلى وارتفاعه كالشك فى بقاء النجاسة بعد الغسل مرة اذا كانت مرددة بين نجاسة البول والدم مسبب عن الشك فى حدوث ما قطع ببقائه على تقدير وجوده كالبول اذ لو لا حدوث الفرد الباقى لعلم بارتفاع القدر المشترك والاصل عدم حدوثه ويرتفع بهذا الشك فى بقاء الكلى لما تقر فى محله من ان الاصل الجارى فى السبب رافع لموضوع الاصل

١٤٧

فى المسبب ومع اصل السببى لا يكاد تصل النوبة الى الاصل المسببى

فاسد قطعا لعدم كون بقائه وارتفاعه من لوازم حدوثه وعدم حدوثه بل من لوازم كون الحادث المتيقّن ذاك المتيقّن الارتفاع او البقاء.

هذا هو الوجه الاول من الجواب عن الشبهة ، وهو منع السببية فان الشك فى بقاء الكلى ليس مسببا عن الشك فى حدوث الفرد الطويل بل مسبب عن الشك فى كون الحادث طويلا او قصيرا ، وبعبارة اوضح الشك فى بقاء الكلى مسبب عن الشك فى خصوصية الفرد الحادث وليس له حالة سابقة حتى يكون موردا للاصل ، فتجرى فيه اصالة عدم كونه طويلا فما هو مسبوق بالعدم وهو حدوث الفرد الطويل ليس الشك فى بقاء الكلى مسببا عنه وما يكون الشك فيه مسببا عنه وهو كون الحادث طويلا او قيصرا ليس مسبوقا بالعدم حتى يكون موردا للأصل

مع انّ بقاء القدر المشترك انّما هو بعين بقاء الخاصّ الّذي فى ضمنه لا انّه من لوازمه.

هذا هو الجواب الثانى عن الشبهة ، وهو ان بقاء الكلى عين بقاء الخاص الذى فى ضمنه فان الكلى عين الفرد لا انه من لوازمه

١٤٨

فلا تكون هناك سببية ومسببية.

على انّه لو سلّم انّه من لوازم حدوث المشكوك فلا شبهة فى كون اللّزوم عقليّا ولا يكاد يترتّب باصالة عدم الحدوث الّا ما هو من لوازمه واحكامه شرعا.

هذا هو الوجه الثالث من الجواب عن الشبهة ، حاصله ان الشك فى بقاء الكلى وان سلم كونه مسببا عن الشك فى حدوث الفرد الطويل إلّا ان مجرد السببية لا تكفى فى حكومة الاصل السببى على الاصل المسببى بل الميزان فى الحكومة ان يكون ثبوت المشكوك الثانى او انتفائه من الآثار الشرعية للاصل السببى ليكون الاصل السببى رافعا للشك المسببى بالتعبد الشرعى ، وهذا بخلاف المقام فان عدم بقاء الكلى ليس من الآثار الشرعية لعدم حدوث الفرد الطويل بل من لوازمه العقلية لوضوح ان ترتب الكلى على الفرد ليس بجعل تشريعى بل هو بجعل تكوينى ولا يكاد يترتب باصالة عدم حدوث الفرد الا ما هو من لوازمه واحكامه شرعا فلا حكومة لاصالة عدم حدوث الفرد الطويل على استصحاب الكلى.

وامّا اذا كان الشّك فى بقائه من جهة الشّكّ فى قيام خاصّ آخر فى مقام ذاك الخاصّ الّذي كان فى ضمنه بعد القطع بارتفاعه ففى

١٤٩

استصحابه اشكال اظهره عدم جريانه فانّ وجود الطّبيعى وان كان بوجود فرده الّا انّ وجوده فى ضمن المتعدّد من افراده ليس من نحو وجود واحد له بل متعدّد حسب تعدّدها فلو قطع بارتفاع ما علم وجوده منها لقطع بارتفاع وجوده وان شكّ فى وجود فرد آخر مقارن لوجود ذاك الفرد او لارتفاعه بنفسه او بملاكه كما اذا شكّ فى الاستحباب بعد القطع بارتفاع الايجاب بملاك مقارن او حادث.

اشارة الى القسم الثالث من استصحاب الكلى وهو ان يكون الشك من جهة تبدل ذاك الفرد المعين وجود الكلى فى ضمنه مع القطع بارتفاعه الى فرد آخر ام لا فيكون الشك فى انه هل وجد فرد آخر مقارنا مع انعدام هذا ام لا ، وهذا على قسمين فتارة يقع الشك فى وجود آخر مقارن لوجود الفرد الاول ، واخرى يقع الشك فى وجود فرد آخر مقارن لارتفاع الفرد الاول ، وقد اشار اليهما المصنف بقوله الآتي وان شك فى وجود آخر مقارن لوجود ذاك الفرد او لارتفاعه ... الخ وكيف كان فالحق عدم جريان الاستصحاب فى هذا القسم الثالث لقضية اتحاد الكلى الطبيعى مع افراده خارجا فالشك ليس فى ارتفاع المتيقن للقطع بارتفاعه بل الشك فى حدوث وجود آخر مباينا له مع خصوصياته فما كان متيقنا قطعى الارتفاع وما كان مشكوكا فوجود الكلى فى ضمنه مشكوك من اول الامر وليس هنا شخص مردد قطعى الوجود وشك فى

١٥٠

بقائه ، وبعبارة اخرى ان الكلى حين وجوده متخصص باحدى الخصوصيات الفردية فالعلم بوجود فرد معين يوجب العلم بحدوث الكلى بنحو الانحصار اى يوجب العلم بوجود الكلى المتخصص بخصوصية هذا الفرد ، واما وجود الكلى المتخصص بخصوصية فرد آخر فلم يكن معلوم لنا فما هو المعلوم لنا قد ارتفع يقينا وما هو محتمل للبقاء لم يكن معلوما لنا فلا يكون الشك متعلقا ببقاء ما تعلق به اليقين فلا يجرى الاستصحاب وبالجملة ان وجود الكلى فى ضمن المتعدد من افراده ليس من نحو وجود واحد له بل متعدد حسب تعدد افراده فلو قطع بارتفاع ما علم وجوده من الافراد لقطع بارتفاع وجود الكلى وان شك فى وجود فرد آخر مقارن لوجود ذاك الفرد او لارتفاعه بنفسه او بملاكه كما اذا شك فى الاستحباب بعد القطع بارتفاع الايجاب بملاك مقارن لوجود الايجاب او حادث عند ارتفاع الايجاب فان هذا الشك شك فى اصل حدوث الكلى فاختل احد ركنى الاستصحاب فيه ، ولا يخفى ان الباء فى بنفسه او بملاكه متعلق بقوله فى وجود فرد آخر يعنى شك فى وجود فرد آخر بنفسه او بملاكه لا بقوله لارتفاعه كما ان قوله بملاك مقارن او حادث متعلق بقوله كما اذا شك فى الاستحباب لا بارتفاع الايجاب مثال الملاك كما فى الواجب الموقت كالصلاة ونحوها اذا شك فى حدوث وجوب القضاء بعد الوقت وبعد القطع بارتفاع المصلحة الملزمة المقتضية للوجوب فى الوقت لاجل احتمال حصول مصلحة اخرى دونها بعد الوقت لم يصح استصحاب الكلى من جهة حدوث ملاك آخر مقتضى لوجوب القضاء.

١٥١

لا يقال الأمر وان كان كما ذكر الّا انّه حيث كان التّفاوت بين الايجاب والاستحباب وهكذا بين الكراهة والحرمة ليس الّا بشدّة الطّلب بينهما وضعفه كان تبدّل احدهما بالآخر مع عدم تخلّل العدم غير موجب لتعدّد وجود الطّبيعى بينهما لمساوقة الاتّصال مع الوحدة فالشّك فى التّبدّل حقيقة شكّ فى بقاء الطّلب وارتفاعه لا فى حدوث وجود آخر.

حاصله ان الامر وان كان كما ذكر فوجود الكلى فى ضمن المتعدد من افراده وان لم يكن من نحو واحد له بل متعدد حسب تعدد افراده فاذا قطعنا بارتفاع الفرد الاول قطعنا بارتفاع الطبيعى الذى كان متحققا فى ضمنه إلّا ان الوجوب والاستحباب حيث كان التفاوت بينهما لشدة الطلب وضعفه كان تبدل احدهما بالآخر مع عدم تخلل العدم غير موجب لتعدد الطبيعى بينهما لمساوقة الاتصال مع الوحدة فالشك فى التبدل حقيقة شك فى بقاء الطلب وارتفاعه لا فى حدوث وجود آخر.

فانّه يقال الامر وان كان كذلك الّا انّ العرف حيث يرى الايجاب والاستحباب المتبادلين فردين متباينين لا واحد مختلف الوصف فى زمانين لم يكن مجال للاستصحاب لما مرّت الاشارة اليه وياتى من انّ قضيّة اطلاق اخبار الباب انّ العبرة فيه بما يكون رفع اليد عنه مع الشّكّ بنظر العرف نقضا وان لم يكن بنقض

١٥٢

بحسب الدّقة ولذا لو انعكس الامر ولم يكن نقض عرفا لم يكن الاستصحاب جاريا وان كان هناك نقض عقلا.

حاصله ان الامر وان كان كذلك فى الحقيقة ولكن العرف ممن لا يرى الايجاب والاستحباب او الحرمة والكراهة إلّا فردين متباينين وتبدل ذاك الوجود الى آخر كتبدل مرتبة الضعيفة من السواد الى الشديد منه او الصفرة الى الحمرة فهو وان كان موجودا واجدا بالدقة العقلية حيث ان تبدل الاعراض لا يوجب تبدل شخص المعروض إلّا ان العرف ربما يرونه متعددا ويقولون اين الصفرة بن الجمزة فالحكم المتعلق على الصفرة لا يثبتونه للحمرة بعد تبدلها بها وياتى من ان قضية اطلاق اخبار الباب ان العبرة فيه بما يكون رفع اليد عنه مع الشك بنظر العرف نقضا وان لم يكن ينقض بحسب الدقة ولذا لو انعكس الامر ولم يكن نقضا لم يكن الاستصحاب جاريا وإن كان هناك نقض عقلا.

وممّا ذكرنا فى المقام يظهر ايضا حال الاستصحاب فى متعلّقات الاحكام فى الشّبهات الحكميّة والموضوعيّة فلا تغفل.

قد اسمعناك فى صدر هذا التنبيه ان المصنف قد بدء بالاستصحاب فى الاحكام الكلية التى كان البحث عنها اليق بشأن الاصولى وسيشير فى آخر التنبيه الى حال الاستصحاب فى متعلقات الاحكام فى الشبهات الحكمية والموضوعية فهذا هو ذاك.

١٥٣

التنبيه الرابع

فى استصحاب الامور التدريجية

الرّابع انّه لا فرق فى المتيقّن بين ان يكون من الامور القارة او التّدريجيّة الغير القارة فانّ الامور الغير القارة وان كان وجودها ينصرم ولا يتحقّق منه جزء الّا بعد ما انصرم منه جزء وانعدم

مقتضى تعريف الاستصحاب بانه ابقاء ما كان عدم جريانه فى الزمان والزمانى الغير القار كالافعال والاقوال وكذا المقيد بالزمان كالامساك المقيد من الطلوع الى الغروب حيث ان الزمان وامثاله وجود تقريرى يتجدد شيئا فشيئا فينعدم بمجرد الحدوث ولا يبقى شيء منه حتى يفيدنا فى مقام الشك فى البقاء للقطع بارتفاع الجزء السابق منه فالشك فيه يرجع الى الشك فى حدوث الاجزاء الأخر وعدمه.

وكذا حال الثانى والثالث فان الامر المقيد بالزمان يدور مدار الزمان وجودا وعدما واذا لم يعقل بقاء الزمان الذى كان موضوعا لذلك الامر لا يعقل بقاء الامر المقيد به ولو فرضنا جريانه فى نفس الموضوع يكفينا فى جريانه فى الحكم المقيد ، هذا حاصل

١٥٤

الاشكال واما الجواب فقد اشار اليه المصنف بقوله

الّا انّه ما لم يتخلّل فى البين العدم بل وان تخلّل بما لم يخلّ بالاتّصال عرفا وان انفصل حقيقة كانت باقية مطلقا او عرفا ويكون رفع اليد عنها مع الشّك فى استمرارها وانقطاعها نقضا ولا يعتبر فى الاستصحاب بحسب تعريفه واخبار الباب وغيرها من ادلّته غير صدق النّقض والبقاء كذلك قطعا.

حاصل الجواب ان الامور الغير القارة وان كان وجودها ينصرم ولا يتحقق منه جزء الا بعد ما انصرم منه جزء وانعدم إلّا ان الامر التدريجى ما لم يتخلل بين اجزائه العدم او تخلل بما لم يخل بالاتصال العرفى وان انفصل حقيقة كانت باقية مطلقا حقيقة او عرفا فقط وان لم تكن باقية حقيقة ويكون الرفع اليد عنها مع الشك فى استمرارها وانقطاعها نقضا مثاله كخروج الدم وسيلانه من باطن الرحم الى خارجه فانه يشترط التوالى فى ثلاثة ايام فى الحكم بالحيضية شرعا ، فتارة يكون سيلانه متصلا ولم يتخلل العدم فى البين فهذا بقائه حقيقة اذ حركته من مقولة الاين وكونه فى المبدا والمنتهى امر وجودى فمتى شك فى انقطاعه فى زمان قبل تمام الثلاثة مع يقين بسيلانه وقبل طرو الشك جرى الاستصحاب ، واخرى ينقطع ويتخلل العدم فى البين لحظة مثلا بحيث يعد متصلا عرفا جرى الاستصحاب فيه ايضا وهذا بقائه عرفى لا حقيقى.

١٥٥

ولا يعتبر فى الاستصحاب بحسب تعريفه واخبار الباب وغيرها من ادلته غير صدق النقض كذلك اما حقيقة او عرفا فقط قطعا والحاصل ان المناط شمول لا تنقض اليقين لمثل المورد ولا شبهة لشموله لمثل استصحاب الليل والنهار لصدق بقاء الليل والنهار بالمسامحة العرفية بعد العلم بدخوله والشك فى وجود جزئه الآخر فانهما عبارتان عن قطعتان يسمونهما بقوس الليل وقوس النهار ودخولهما بدخول الشمس الى قوس الليل وقوس النهار وخروجهما بخروجه من احدهما الى الآخر فاذا علمنا بدخوله الى قوس الليل او النهار وشككنا فى خروجه يصدق عرفا ان الليل كان متيقنا وشك فى بقائه ولو كان الشك فى بقائه يرجع الى وجود جزئه الآخر وعدمه لكنه بحسب العقل لا بالنظر المسامحى العرفى بعد فرض كون الليل والنهار عبارتان عن مجموع القطعتان وحينئذ فيشملهما الأخبار ويترتب عليه ما يترتب على بقاء الليل والنهار

نعم لا يثبت باستصحابهما كون الجزء المشكوك من النهار ومن الليل الابناء على الاصل المثبت إلّا ان يقال ان الواسطة خفية بنظر العرف فاستصحاب الليل عند العرف عين كون هذا الجزء من الليل والنهار ، وبعد هذه المسامحة العرفية لا فرق بين نفس الزمان والزمانى الغير القار بالذات كالتكلم والفعل بل يجرى فيه استصحاب الجزئى والكلى باقسامه فلا تغفل.

هذا مع انّ الانصرام والتّدرج فى الوجود فى الحركة فى

١٥٦

الاين وغيره انّما هو فى الحركة القطعيّة وهى كون الشّيء فى كلّ آن فى حدّ او مكان لا التّوسطية وهى كونه بين المبدا والمنتهى فانّه بهذا المعنى يكون قارا مستمرا فانقدح بذلك انّه لا مجال للأشكال فى استصحاب مثل اللّيل والنّهار وترتيب ما لهما من الآثار وكذا كلّما اذا كان الشكّ فى الامر التّدريجى من جهة الشّك فى انتهاء حركته ووصوله الى المنتهى او انّه بعد فى البين.

اعلم ان الحركة عند الحكماء يطلق على معنيين قطعية وهى كون الشيء فى كل آن فى مكان اذا كانت الحركة فى المكان كحركة السائر فانه فى كل آن يكون فى مكان غير ما كان فيه فى الآن السابق او فى حد اذا كانت الحركة فى غير مكان كحركة الشجرة فى النمو فانه ما دام فى النمو يكون نموه فى كل آن بحد خاص فهو فى الآن اللاحق يخلع حدا كان له فى الآن السابق ويلبس حدا آخر فهو فى كل آن فى خلع ولبس ، وتوسيطية وهى كون الشيء بين المبدأ والمنتهى كالنهار الذى هو عبارة عن كونها بين المشرق والمغرب ، والليل الذى هو عبارة عن كونها بين المغرب والمشرق.

اذا عرفت هذا فلنرجع الى شرح كلام المصنف ، وبيان تصحيح آخر منه لجريان الاستصحاب فى الامور التدريجية من الزمان والزمانى ،

١٥٧

فنقول ان قول المصنف هذا مع ان الانصرام والتدرج فى الوجود فى الحركة فى الاين وغيره من المقولات الأخر ككم والكيف والوضع والمانع عن جريان الاستصحاب انما هو فى الحركة القطعية وهى الكون الاول فى حد او مكان آخر فى الآن الثانى لا التوسيطية وهى كونه بين المبدأ والمنتهى فانه بهذا المعنى يكون قارا مستمرا ، فانقدح بذلك اى بانحفاظ الوحدة الشخصية حقيقة او عرفا فى الامور السيالة ما دامت متصلة انه لا مجال للاشكال فى استصحاب مثل الليل الذى هو عبارة ، عن كونها بين المغرب والمشرق والنهار الذى هو عبارة عن كونها بين المشرق والمغرب وترتيب ما لهما من الآثار وكذا لا اشكال فى كلما اذا كان الشك فى الامر التدريجى من جهة الشك فى انتهاء حركته ووصوله الى المنتهى او انه بعد فى البين.

وامّا اذا كان من جهة الشّكّ فى كميّته ومقداره كما فى نبع الماء وجريانه وخروج الدّم وسيلانه فيما كان سبب الشّكّ فى الجريان والسّيلان الشّك فى انّه بقى فى المنبع والرّحم فعلا شيء من الماء والدّم غير ما سال وجرى منهما فربّما يشكل فى استصحابهما ح فانّ الشّك ليس فى بقاء جريان شخص ما كان جاريا بل فى حدوث جريان جزء آخر شكّ فى جريانه من جهة الشّك فى حدوثه ولكنّه يتخيّل بانّه لا يختلّ به ما هو الملاك فى الاستصحاب بحسب تعريفه ودليله حسبما عرفت.

١٥٨

حاصله انه اذا كان الشك فى كميته ومقدار استعداد المبدا كما فى نبع الماء وجريانه وخروج الدم وسيلانه فيما اذا كان سبب الشك فى الجريان والسيلان الشك فى انه بقى فى المنبع اى فى عروق الارض والرحم فعلا شيء من الماء والدم غير ما سال وجرى منهما فربما يشكل فى استصحابهما حينئذ فان الشك ليس فى بقاء جريان شخص ما كان جاريا فى حدوث جريان جزء آخر شك فى جريانه من جهة الشك فى حدوثه ولكنه يتخيل بانه لا يختل به ما هو الملاك فى الاستصحاب بحسب تعريفه ودليله فيما عرفت من انه ما لم يتخلل فى البين عدم وانقطاع يخرجه عن الاتصال الوجدانى يكون حقيقة او عرفا امرا وحدانيا متصلا واحدا.

قال بعض المحققين السيد الحكيم فى شرحه على الكتاب ، الشك فى مثل جريان الماء ، تارة يكون للشك فى طرو ما يمنع عن جريانه او قوة استعداده للجريان مع العلم بكمية الماء ومقداره ، واخرى يكون للشك فى كميته ومقداره ، وثالثة يكون للشك فى تولد زائد على المقدار المعلوم فى المنبع ، اما الاول فلا مانع من استصحابه مطلقا او فيما كان الشك فى الرافع على الخلاف ، واما الثانى فالظاهر انه كذلك وليس من قبيل القسم الثانى من استصحاب الكلى لان الاختلاف فى الحكم لا يوجب تعدد الوجوب حتى يكون الشك فيه شكافى الوجود وفاقا لشيخنا الاعظم (قدس‌سره).

١٥٩

واما الثالث فقد يتوهم انه من قبيل القسم الثالث من استصحاب الكلى لان الماء الحادث غير الماء الذى كان موجودا وفيه ان تعدد الماء لا يلازم تعدد الجريان عرفا وكون الجريان عرضا قائما بالماء تابعا له فى الوحدة والتعدد ممنوع لان اتصال الجريان عرفا وعدم تخلل العدم بين ابعاضه موجب لصدق الوحدة ولا سيما مع كون حدوث الماء الجديد بنحو تزايد الماء الاول الموجب لعده معه ماء واحدا الى ان قال قوله من جهة الشك فى كميته الظاهر انه يريد الصورة الثانية وان كان ذيل العبارة قد لا يساعده ، (انتهى).

ولكن يرد عليه بان الشق الثالث المذكور فى كلامه ان كان المفروض فيه حصول العلم بانقطاع ما كان موجودا فى المنبع وكان احتمال عدم انقطاعه لاجل احتمال تولد ماء جديد مقارن لزمان نفاذ الماء الموجود فلا شك انه من القسم الثالث من استصحاب الكلى وليس التفاوت فيه بالمرتبة حتى يتشبث بذيل العرف فى صدق البقاء.

وان كان المفروض فيه كون احتمال تولد الماء الزائد مقارنا لوجود الماء الموجود فى المنبع كان الدوران بين اقلية الكمية وازيديتها اذ يصير الزائد والمزيد عليه متصلا شخصا واحدا من الماء فيكون حينئذ من القسم الثانى من استصحاب الكلى ، ولا مانع من استصحاب الكلى على تقدير ترتب اثر شرعى عليه ولا حاجة الى التشبث بذيل العرف فى هذه الصورة.

١٦٠