نهاية المأمول - ج ١

الشيخ محمد علي الإجتهادي

نهاية المأمول - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد علي الإجتهادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار النشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٢٧

عذرا على تقدير المخالفة فاذا قام الدليل على حجية شيء كان ما قام عليه بمنزلة الواقع ولا ريب فى ان ما هو بمنزلة الواقع كالقطع بالواقع فى كونه عذرا عند الخطاء ومنجزا عند الاصابة وهذا هو الوجه فى ترتب آثاره عليها بادلة حجيتها وهذا مما لا ريب فيه.

كما لا ريب فى عدم قيامها بمجرّد ذلك الدّليل مقام ما اخذ فى الموضوع على نحو الصّفتيّة من تلك الاقسام.

حاصله انه لا اشكال فى عدم قيامها مقام القطع المأخوذ فى الموضوع على نحو الصفتية لعدم ترتب الاثر على الواقع من حيث هو بل عليه مع خصوصية كذائية وبالامارة لا تثبت الخصوصية وبعبارة اخرى تنزيل الظن منزلة القطع المأخوذ على نحو الصفتية من قبيل تنزيل المباين حيث ان مفاد ادلة حجية الامارات انما اقتضت كون الطريق والامارة منزلة القطع فى الحجية والطريقية الى الواقع بمعنى الغاء احتمال الخلاف وتنزيل مؤداها منزلة الواقع وترتيب ما للواقع المكشوف من الآثار على المؤدى وليس الامر كذلك فى القطع الموضوعى على نحو الصفتية اذ المفروض ان الاثر الشرعى مترتب على المقطوع بما هو مقطوع لا للواقع فلا معنى لكون هذا القطع منجزا للواقع حتى يقوم مقامه الظن المعتبر فى ترتيب الآثار.

بل لا بدّ من دليل آخر على التّنزيل فان قضيّة الحجّية والاعتبار ترتيب ما للقطع بما هو حجّة من الآثار لا له بما هو صفة وموضوع ضرورة انّه كذلك يكون كسائر الموضوعات والصّفات.

٤١

حاصله ان مقتضى دليل الحجية والاعتبار ليس إلّا مجرد ترتيب ما للقطع بما هو حجة وطريق من الآثار الذى ذكرناه من كونه موجبا للتنجز عند الاصابة وكونه عذرا عند الخطاء لا ترتيب ما للقطع بما هو صفة خاصة وموضوع لحكم لما عرفت من ان معنى قيام الامارة مقام القطع ثبوت آثار القطع على الامارة بدليل حجيتها مقامه واذا لم يكن دليل حجية الامارة متكفلا لترتيب آثار القطع على الامارة كيف تكون قائمة مقامه اذ لا يستفاد من الدليل كصدق العادل او الغ احتمال الخلاف مثلا الا تنزيل الامارة منزلة القطع بما انه ملحوظ طريقا الى متعلقه وجعل مؤداها منزلة الواقع وكان القطع من هذه الجهة كسائر الموضوعات والصفات فلا بد من دليل آخر دال على تنزيلها منزلته.

ومنه قد انقدح عدم قيامها بذاك الدّليل مقام ما اخذ فى الموضوع على نحو الكشف

اى ومما ذكرنا من ان دليل الحجية لم يكن متكفلا لترتيب آثار القطع على الامارة حيث ان غاية ما يستفاد من الدليل هو تنزيل الامارة منزلة القطع بما انه ملحوظ طريقا الى متعلقه الراجع الى جعل مؤداها منزلة الواقع لا غيره انقدح عدم قيام الامارات بدليل حجيتها مقام ما اخذ فى الموضوع تاما او قيدا او جزءا على نحو الكشف ايضا بيان ذلك ان انكشاف العلم اذا كان جزءا للموضوع كان معناه ان للواقع من حيث هوله آثار ومن حيث كونه منكشفا له آثار ايضا فاذا قطع يكون شيء مبغوضا للمولى فاثره من حيث الانكشاف وجوب الاحتراز عنه ومن حيث هو اثره عدم وجوب الاجتناب عنه بل يجب اتيانه لو انكشف انه كان واجبا فدليل الاعتبار اما ان ينزل الامارة مقام نفس العلم او ينزل

٤٢

مؤداها منزلة المعلوم فلازم الاول ترتيب آثار المعلوم على المؤدى كما ان لازم الثانى ترتيب آثار العلم على نفس الامارة او ينزل الامارة ومؤداها منزلة العلم والمعلوم ومعناه ترتيب آثار العلم والمعلوم على الامارة ومؤداها اما الاول والثانى خلاف المقصود لان المقصود ترتيب العلم والمعلوم على الامارة ومؤداها.

واما الثالث فان كان الدليل على التنزيل متعددا بان ينزل احدهما نفس الامارة مقام العلم والثانى مؤداها منزلة الواقع المعلوم فلا اشكال فى قيام الامارات منزلة هذا العلم كما لا اشكال ايضا اذا كان بين كلا الاثرين قدر مشترك ومفهوم جامع فيكفى (ح) تنزيل واحد فى كليهما وكذا اذا كان دليل التنزيل حاكيا عن التنزيل الذى وقع قبل هذا الدليل و (ح) فيمكن ان يكون دليل واحد كاشفا ومجزئا عن التنزيلين.

واما اذا لم يكن الامر كذلك كما هو المفروض حيث ان الدليل ليس إلّا شيء واحد وهو قوله صدق العادل او الغ احتمال الخلاف وليس حاكيا عن التنزيل المسبوق إذ به ينشأ التنزيل وليس ايضا جامع مفهوم بينهما لان آثار احدهما لا دخل بآثار الآخر فحينئذ لا يمكن ان يكون الدليل الواحد متكفلا لكلا التنزيلين.

توضيحه انه لا بد فى التنزيل من اللحاظ ولحاظ المنزل والمنزل عليه وما هو مصحح التنزيل من الآثار ومن المعلوم ان فى تنزيل الامارة بما هى حاكية الراجع فى الحقيقة الى تنزيل المؤدى منزلة الواقع كان لحاظ المتعلق بالمنزل وهو الامارة والمنزل عليه وهو القطع لحاظا آليّا وفى تنزيل الامارة منزلة نفس القطع كان لحاظ المتعلق بهما

٤٣

لحاظا استقلاليا.

ولا يتصور لحاظ خارجى جامع بين اللحاظين الا مفهوم اللحاظ وهو لا ينفعنا فاذا كان انشاء الجعل واحدا كما هو المفروض وهو قوله مثلا صدق العادل فليس فيه إلّا لحاظ واحد والواحد لا يصير اثنين فلا بد من القول بان دليل التنزيل لا يتكفل إلّا تنزيل واحد وهو تنزيل المؤدى منزلة الواقع لانه القدر المتيقن من جعل الامارة واما تنزيل الامارة منزلة القطع فى الموضوع فلا.

نعم لو كان فى الواقع تنزيلان اخبر الشارع عنهما بلفظ يشملهما او بقرينة يعين ذلك مثل مقدمات الحكمة فلا بأس به لكن المفروض ان دليل الاعتبار ليس فى مقام الاخبار بل فى مقام الانشاء وليس لنا دليل آخر غيره ليحكى عن التنزيلين.

فان قلت سلمنا ان دليل الاعتبار كان ناظرا الى تنزيل واحد إلّا انه يدل على تنزيل المؤدى منزلة المعلوم فيدل على ان الخمر أعم من ان يكون خمرا واقعا او خمرا اخبر به العادل فاذا ثبت هذا الجزء بالامارة ثبت جزئه الآخر وهو كونه معلوما بالوجدان حيث انه بعد العلم بحجية الامارة وانها حجة شرعا نقطع بان هذا خمر واقعا واما خمريته فلقيام الامارة عليه واما كونه معلوما فمن جهة العلم بحجية الامارة وهذا نظير استصحاب الكرية حيث انه بعد الشك فى كرية الماء المسبوق بالكرية نستصحب كرية الماء فنحرز احدا جزائه وهو الكرية بالاستصحاب وجزئه الآخر وهو ماء كر بالوجدان فيترتب عليه الكرية من الطهارة وغيرها.

٤٤

قلت هذا مغالطة محضة لانه فرق بين العلم بالخمرية والعلم بحجية الامارة التى دلت على الخمرية والموضوع فى ما نحن فيه هو الاول ومعلوم ان العلم بحجية الامارة لا يصير هذا الموضوع معلوم الخمرية بعد ان فرضنا عدم تنزيل الامارة منزلة العلم.

فالتحقيق فى الجواب ان يقال ان الشارع اذا قال نزلت مؤدى الامارة منزلة المعلوم كان لازمه قهرا تنزيل الامارة ايضا منزلة العلم وإلّا يقع تنزيله لغوا حيث انه لا اثر فى تنزيل المؤدى من دون تنزيل نفس الامارة وليس هذا من جهة اللحاظين بل من جهة لحاظ واحد وهو تنزيل المؤدى منزلة الواقع إلّا ان تنزيله من دون تنزيل نفس الامارة لما يقع لغوا فلا بد من تنزيل الامارة ايضا مقام العلم.

وبالجملة ان الامارة لا تقوم مقام القطع المأخوذ فى الموضوع على نحو الطريقية والكشف بعين الوجه المتقدم فى قيامها مقام القطع المأخوذ فى الموضوع على نحو الصفتية من انه يتوقف على ان يكون دليل حجية الامارة متعرضا لتنزيلها منزلة القطع ملحوظا فى نفسه.

وقد بينا لك مفصلا ان دليل الحجية ليس كذلك بل لا يتعرض الا لقيامها مقام القطع بما انه ملحوظ طريقا الى الواقع فيكون التنزيل راجعا فى الحقيقة الى تنزيل مؤداها منزلة الواقع فقط لانه القدر المتيقن من دليل التنزيل وهو اجنبى عن اقتضاء ترتيب آثار نفس القطع وبهذا اشار بقوله.

فانّ القطع المأخوذ بهذا النّحو فى الموضوع شرعا كسائر ما لها دخل فى الموضوعات ايضا فلا يقوم مقامه شيء بمجرّد حجّيّته او قيام دليل على اعتباره

٤٥

ما لم يقم دليل على تنزيله ودخله فى الموضوع كدخله

فتخلص مما ذكرنا عدم قيام الطرق والامارات بمجرد قيام الدليل على حجيتها واعتبارها مقام القطع الموضوعى مطلقا سواء كان مأخوذا بما هو كاشف او بما هو صفة ما لم يرد دليل آخر على التنزيل لان مقتضى دليل الحجية والاعتبار ليس إلّا تنزيل الامارة منزلة القطع بما انه ملحوظ طريقا الى متعلقه الراجع الى جعل مؤداها منزلة الواقع وليس متكفلا لترتيب آثار نفس القطع على الامارة وان كان ظاهر كلام شيخنا الانصارى قيام الامارة وبعض الاصول مقام القطع المأخوذ فى الموضوع على وجه الانكشاف واشار المصنف الى فساده بقوله.

وتوهّم كفاية دليل الاعتبار الدّالّ على الغاء احتمال خلافه وجعله بمنزلة القطع من جهة كونه موضوعا ومن جهة كونه طريقا فيقوم مقامه طريقا كان او موضوعا فاسد جدّا

ظاهر كلام شيخنا الانصارى قدس‌سره قيامهما مقامه بمجرد دليل اعتبارهما بمعنى انه كما يستفاد من نفس دليل الاعتبار قيامهما مقام القطع الطريقى الصرف كذلك يستفاد منه قيامهما مقام هذا القطع يعنى القطع المأخوذ فى الموضوع على نحو الانكشاف ايضا قال اعلى الله مقامه ما لفظه ثم من خواص القطع الذى هو طريق الى الواقع قيام الأمارات الشرعية والاصول العملية مقامه فى العمل بخلاف المأخوذ فى الحكم على وجه الموضوعية فانه تابع لدليل ذلك الحكم.

٤٦

وان ظهر منه او من دليل خارج اعتباره على وجه الطريقية للموضوع كالامثلة المتقدمة قامت الامارات والاصول مقامه وان ظهر من دليل الحكم اعتبار صفة القطع فى الموضوع من حيث كونها صفة خاصة قائمة بالشخص لم يقم مقامه غيره كما اذا فرضنا ان الشارع اعتبر صفة القطع على هذا الوجه فى حفظ عدد الركعات الثنائية والثلاثية والاوليين من الرباعية فان غيره كالظن باحد الطرفين او اصالة عدم الزائد لا يقوم مقامه إلّا بدليل خاص خارجى غير ادلة حجية مطلق الظن فى الصلاة واصالة عدم الاكثر انتهى كلامه رفع مقامه.

غاية ما يمكن ان يقال فى تقريب ذلك ان مفاد تنزيل الامارة وجعلها مقام ما للقطع هو مدخليته فى ترتب الاثر عليه إلّا ان كيفية الدخل يختلف ففى العلم الطريقى دخله باعتبار انه طريق الى الواقع وان كان الاثر لنفس الواقع وفى المأخوذ فى الموضوع باعتبار انه تمام الموضوع او جزئه فدليل الاعتبار متكفل لتنزيل الامارة منزلة نفس القطع مما لهما من الآثار هذا ولكن انت خبير بما فيه من الاشكال وقد اشار اليه بقوله.

فانّ الدّليل الدّال على الغاء الاحتمال لا يكاد يكفى الّا باحد التنزيلين حيث لا بدّ فى كلّ تنزيل منهما

من لحاظ المنزل والمنزل عليه ولحاظهما فى احدهما آليّ وفى الآخر استقلاليّ بداهة انّ النّظر فى حجيّته وتنزيله منزلة القطع فى طريقيّته فى الحقيقة الى الواقع ومؤدّى الطّريق وفى كونه بمنزلته فى دخله فى الموضوع الى انفسهما ولا يكاد يمكن الجمع بينهما

٤٧

يعنى دليل التنزيل لا يكاد يكفى إلا بأحد التنزيلين اما تنزيل المؤدى منزلة الواقع فحينئذ يقتضى ملاحظتهما مرآة لمتعلقهما او تنزيل الامارة منزلة نفس القطع فحينئذ يقتضى ملاحظتهما مستقلا حيث ان التنزيل لا بد فيه من لحاظ المنزل والمنزل عليه وما هو مصحح التنزيل من الآثار.

ومن المعلوم ان فى تنزيل الامارة بما هى حاكية الراجع فى الحقيقة الى تنزيل المؤدى منزلة الواقع كان لحاظ المتعلق بالمنزل وهو الامارة والمنزل. عليه وهو القطع لحاظا آليّا وفى تنزيل الامارة منزلة نفس القطع كان لحاظ المتعلق بهما لحاظا استقلاليا ولا يمكن الجمع بينهما الآلي والاستقلالى.

نعم لو كان فى البين ما بمفهومه جامع بينهما يمكن ان يكون دليلا على التنزيلين والمفروض انّه ليس

لما عرفت آنفا من عدم تصور لحاظ خارجى جامع بين اللحاظين الا مفهوم اللحاظ وهو لا ينفعنا.

فلا يكون دليلا على التّنزيل الّا بذاك اللّحاظ الآلي فيكون حجّة موجبة لتنجز متعلّقة وصحّة العقوبة على مخالفته فى صورتى اصابته وخطائه بناء على استحقاق المتجرّى او بذلك اللّحاظ الآخر الاستقلالى فيكون مثله فى دخله فى الموضوع وترتيب ما له عليه من الحكم الشّرعى

حاصله بعد الفراق عن عدم امكان الجمع بين اللحاظين فى دليل

٤٨

واحد مثل صدق العادل او الغ احتمال الخلاف مثلا لما فيه من الجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالى فلا محالة يكون دليل التنزيل دليلا على احد التنزيلين وهو تنزيل الامارة منزلة القطع بما هو ملحوظ طريقا الى الواقع وكاشفا عنه لا فى موضوعيته للحكم الخاص.

لا يقال على هذا لا يكون دليلا على احد التّنزيلين ما لم يكن هناك قرينة فى البين.

حاصله انه لو كان دليل التنزيل غير صالح للحمل على كل واحد من التنزيلين لمحظور الجمع بين اللحاظين فلا يكون دليلا على احدهما المعين ما لم يكن قرينة فى البين لا جماله.

فانّه يقال لا اشكال فى كونه دليلا على حجيّته فانّ ظهوره فى انّه بحسب اللحاظ الآليّ ممّا لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه وانّما يحتاج تنزيله بحسب اللّحاظ الآخر الاستقلالى من نصب دلالة عليه.

حاصله انه لا اشكال فى حمل دليل التنزيل على ذاك اللحاظ الآلي يعنى تنزيل الامارة منزلة القطع فى طريقيته للواقع وفى هذا التنزيل يكون كل من المنزل والمنزل عليه ملحوظا على وجه الالية وذلك لظهور دليل التنزيل فى اللحاظ الآلي ولانه القدر المتيقن من جعل الامارة فلا وجه فيما عدا ذلك وهو تنزيله بحسب اللحاظ الاستقلالى إلّا بالقرينة

فتامّل فى المقام فانّه دقيق ومزال الاقدام للأعلام ولا يخفى انّه لو لا ذلك لا مكن ان يقوم الطّريق بدليل واحد دالّ على الغاء احتمال خلافه مقام

٤٩

القطع بتمام اقسامه ولو فيما اخذ فى الموضوع على نحو الصّفتيّة كان تمامه او قيده وبه قوامه

اى ولو لا لزوم اجتماع اللحاظين لا مكن ان يقوم الطريق بدليل واحد مثل صدق العادل او الغ احتمال الخلاف مقام القطع المأخوذ فى الموضوع بتمام اقسامه ولا فرق فى ذلك.

بين ما اخذ فى الموضوع على نحو الانكشاف والطريقية وبين ما اخذ فى الموضوع على نحو الصفتية كان القطع تمام الموضوع او قيده او جزئه.

فتلخّص بما ذكرنا انّ الامارة لا تقوم بدليل اعتبارها الّا مقام ما ليس ماخوذا فى الموضوع اصلا

وهو الطريقى الصرف ويستفاد ذلك من نفس دليل الامارة من دون احتياج الى دليل آخر حيث ان مفاد دليل الاعتبار تنزيل مؤدى الامارة منزلة الواقع فى الآثار المترتبة عليه شرعا والمفروض ان فى القطع الطريقى كان الاثر لنفس الواقع وهذا الاشكال فيه.

وامّا الاصول فلا معنى لقيامها مقامه بادلّتها ايضا غير الاستصحاب لوضوح انّ المراد من قيام المقام ترتيب ما له من الآثار والاحكام من تنجّز التكليف وغيره كما مرّت اليه الاشارة وهى ليست الّا وظائف مقرّرة للجاهل فى مقام العمل شرعا او عقلا

٥٠

حاصله انه لا معنى لقيام الاصول العملية بدليل حجيتها واعتبارها مقام القطع إلّا الاستصحاب حيث انها ليست امارة حاكية عن الواقع ولم تكن متعرضة للاحكام الواقعية بادلتها.

وانما كان مفاد ادلتها جعل وظائف مقررة للجاهل فى وعاء الجهل فلا معنى لقيامها مقام ما هو كاشف عن الواقع حتى يترتب عليها اثره وهو المنجزية عند الاصابة والمعذرية عند الخطاء.

فكيف يترتب عليها اثره مع عدم كون ادلتها متعرضة للواقع إلّا الاستصحاب فهو وان كان الشك مأخوذا فى موضوعه إلّا انه لما كان بلسان تحقق احد طرفى الشك يعنى تنزيل المشكوك منزلة المتيقن وان السابق باق فلا جرم كان قضيته ترتيب الآثار الشرعية للبقاء عليه ولا معنى لقيام المقام الا ذلك.

واما غيره من الاصول فهى ليست إلّا وظائف مقرره للجاهل فى مقام العمل شرعا كقاعدة الطهارة او الحل او البراءة الشرعية وامثال ذلك او عقلا كالبراءة العقلية واصالة التخيير والاحتياط ونحو ذلك.

لا يقال انّ الاحتياط لا باس بالقول بقيامه مقامه فى تنجّز التكيّف لو كان

حاصله ان القطع كما انه يتنجز به التكليف لو كان تكليف فى البين فكذلك الاحتياط فيقوم مقام القطع.

فانّه يقال امّا الاحتياط العقلى فليس الّا نفس حكم العقل بتنجّز التكليف وصحّة العقوبة على مخالفته لا شىء يقوم مقامه فى هذا الحكم وامّا النقلى

٥١

فالزام الشّارع به وان كان مما يوجب التّنجّز وصحّة العقوبة على المخالفة كالقطع الّا انّه لا نقول به فى الشّبهة البدوية ولا يكون بنقلى فى المقرونة بالعلم الاجمالى فافهم

حاصل جوابه قدس‌سره عن الاشكال هو ان الاحتياط على قسمين عقلى ونقلى اما العقلى فمعناه ان حكم العقل بالاحتياط انما يكون لتحصيل العلم بالواقع المنجز عند العقل فلا معنى لقيامه مقامه فى التنجيز بل هو عين حكم العقل بتنجز التكليف وصحة العقوبة وليس شيء آخر يقوم مقامه فى هذا الحكم فيلزم من دعوى كونه منجزا كون الشيء حكما لنفسه واما النقلى فالزام الشارع بمقتضى الاخبار الكثيرة.

مثل قوله عليه‌السلام قف عند الشبهة فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى الهلكة ونحو ذلك من الاخبار وان كان يقتضى ذلك إلّا انه ليس له خارجية.

ثمّ لا يخفى انّ دليل الاستصحاب ايضا لا يفى بقيامه مقام القطع المأخوذ فى الموضوع مطلقا وان مثل لا تنقض اليقين لا بدّ من ان يكون مسوقا اما بلحاظ المتيقّن او بلحاظ نفس اليقين

حاصله انه قد عرفت آنفا ان الامارات المعتبرة لم تقم بدليل حجيتها واعتبارها الا مقام القطع الطريقى المحض دون الموضوعى سواء كان الموضوعى ماخوذا بما هو كاشف وحاك عن متعلقه او بما هو صفة وحالة مخصوصة إلّا بدليل آخر على التنزيل منزلته فكذلك

٥٢

الاستصحاب لا يقوم بدليل حجيته واعتباره الا مقام القطع الطريقى دون الموضوعى والمحذور فيه هو المحذور فيها فكما ان فى الامارة لا بد من لحاظ المنزل والمنزل عليه وما هو مصحح التنزيل من الآثار.

وهما اما ان يكون ملحوظا على وجه الآلية واما ان يكون ملحوظا على وجه الاستقلالية ولا يمكن الجمع بين اللحاظين ولا يتصور لحاظ جامع بين اللحاظين الا مفهوم اللحاظ وهو لا ينفعنا.

فلا بد من القول بان دليل التنزيل لا يتكفل إلّا تنزيل واحد وهو تنزيل المؤدى منزلة الواقع فالاستصحاب ايضا كذلك لان اليقين فيه اما ان يكون ملحوظا على وجه الالية الراجع فى الحقيقة الى تنزيل المؤدى فقط او الى تنزيل احتمال البقاء بمنزلة اليقين باخذ اليقين ملحوظا باللحاظ الاستقلالى.

وحيث لا يمكن الجمع بين اللحاظين فلا بد ان يحمل على احدهما وهو ان يكون ملحوظا على وجه الالية وذلك لظهور الدليل فى ذلك ولانه القدر المتيقن منه.

وما ذكرنا فى الحاشية فى وجه تصحيح لحاظ واحد فى التّنزيل منزلة الواقع والقطع وانّ دليل الاعتبار انّما يوجب تنزيل المستصحب والمؤدّى منزلة الواقع وانّما كان تنزيل القطع فيما له دخل فى الموضوع بالملازمة بين تنزيليهما وتنزيل القطع بالواقع تنزيلا وتعبّدا منزلة القطع بالواقع حقيقة.

حاصل ما افاده قده فى حاشيته على الرسائل هو ان دليل الاعتبار وان كان ناظرا الى تنزيل واحد ووفاء خطاب واحد وانشاء واحد

٥٣

بتنزيلين وان كان مستحيلا إلّا انه اذا دل بالمطابقة على تنزيل المؤدى منزلة الواقع دل بالالتزام على تنزيل القطع به منزلة القطع بالواقع فدليل الاعتبار اذا كان متكفلا لتنزيلين بإنشاءين فى عرض واحد يدل على احدهما بالمطابقة وعلى الآخر بالالتزام وهو ليس بمحال.

اذ دليل الاعتبار دل على ترتيب آثار الواقع مطلقا ومنها الاثر المترتب على الواقع عند تعلق القطع وان شئت قلت بثبوت الملازمة عرفا بين التنزيلين نظرا الى ان الدليل اذا دل على تنزيل المؤدى منزلة الواقع او المشكوك منزلة المتيقن فقد ثبت المؤدى شرعا ولازم ثبوته تنزيل القطع به منزلة القطع بالواقع وإلّا كان التنزيل المذكور عاريا عن الفائدة.

اذ المفروض انه لا اثر له الا مجرد كونه جزءا او متعلقا للموضوع فلو فرض شمول ادلة الامارات لذلك فلا شك فى ان التنزيل فى هذا الاثر انما يجدى فيما اذا نزل القطع به منزلة القطع بالواقع.

فهناك ملازمة عرفية بين تنزيل المؤدى منزلة الواقع وتنزيل العلم بالمؤدى وانه بمنزلة العلم بالواقع فيتحقق كلا جزئى الموضوع بلا استلزامه الجمع بين اللحاظين الآلي والاستقلالى.

فتلخص مما ذكرناه انه لا يرى العرف التفكيك بين تنزيليهما اى تنزيل المؤدى والمشكوك منزلة الواقع والمتيقن وبين القطع بالواقع تنزيلا وتعبدا منزلة القطع بالواقع حقيقة هذا ملخص ما افاده قدس‌سره فى الحاشية فى دفع الاشكال وقد اتعب نفسه الشريف كل التعب ولكن مع ذلك لا يرضى به هنا وقال وما ذكرناه فى الحاشية فى

٥٤

وجه تصحيح لحاظ واحد الى آخره

لا يخلو من تكلّف بل تعسّف فانّه لا يكاد يصحّ تنزيل جزء الموضوع او قيده بما هو كذلك بلحاظ اثره الّا فيما كان جزئه الآخر او ذاته محرزا بالوجدان او تنزيله فى عرضه.

فلا يكاد يكون دليل الامارة او الاستصحاب دليلا على تنزيل جزء الموضوع ما لم يكن هناك دليل على تنزيل جزئه الآخر فيما لم يكن محرزا حقيقة وفيما لم يكن دليل على تنزيليهما بالمطابقة كما فى ما نحن فيه على ما عرفت لم يكن دليل الامارة دليلا عليه اصلا

حاصله انه لا يصح تنزيل جزء الموضوع او قيده بما هو جزؤه او قيده بلحاظ اثره الذى رتب على الموضوع مع جزئه الآخر او قيده اى رتب على الموضوع المركب من جزءين اذا اريد تنزيل احد جزئيه بلحاظ اثره المترتب على المجموع فلا بد من ان يكون جزؤه الآخر عند التركيب وذاته عند التقييد محرزا اما بالوجدان او بتنزيل آخر فى عرضه وإلّا فيلغو التنزيل ويكون بلا اثر حيث ان الاثر الذى كان بلحاظه التنزيلان واحد فلا يعقل التعبد بذاك الواحد إلّا اذا كان احد الجزءين محرزا حقيقة بحيث لا حالة منتظرة للعبد للتعبد بذلك الاثر وترتبه على الواقع او كان التنزيلان متقارنين.

واما مع سبق احد التنزيلين ولحوق الآخر كما فى ما نحن فيه فلا يصح التنزيل اذا لقطع بالواقع التنزيلى يكون متأخرا طبعا عن الواقع التنزيلى والمفروض ان دلالة الدليل على تنزيل المؤدى منزلة

٥٥

الواقع يتوقف على دلالته بالملازمة على تنزيل القطع بالواقع التنزيلى منزلة القطع بالواقع الحقيقى مع انه لا واقع تنزيلى الا بهذا الدليل وان شئت قلت ان دلالة الدليل على تنزيل المؤدى منزلة الواقع يتوقف على تنزيل القطع بالواقع الجعلى منزلة القطع بالواقع الحقيقى بالملازمة.

اذ المفروض انه لا اثر شرعى لمتعلق القطع الا كونه جزءا للموضوع او متعلقا له ولا بد من ثبوت الجزء الآخر وجدانا او تنزيلا حتى يشمله دليل التنزيل للمؤدى ولا دلالة له كذلك الا بعد دلالته على تنزيل المؤدى فيلزم الدور وقد اشار الى بيانه بقوله.

فانّ دلالته على تنزيل المؤدّى تتوقّف على دلالته على تنزيل القطع بالملازمة ولا دلالة له كذلك إلّا بعد دلالته على تنزيل المؤدّى فانّ الملازمة انّما تدعى بين القطع بالموضوع التنزيلي والقطع بالموضوع الحقيقى وبدون تحقّق الموضوع التنزيلي التعبّدى اولا بدليل الامارة لا قطع بالموضوع التّنزيلي كى يدعى الملازمة بين تنزيل القطع به منزلة القطع بالموضوع الحقيقى وتنزيل المؤدى منزلة الواقع كما لا يخفى فتامّل جيّدا فانّه لا يخلو عن دقّة

نعم يرتفع محذور الدور اذا كان الدليل متكفلا للتنزيلين فى عرض واحد اما بالمطابقة او بان يكون احد التنزيلين مدلولا مطابقيا والآخر مدلولا التزاميا فيكون الدليل الواحد كاشفا عن التنزيلين المتقارنين ولكن قد عرفت استحالة تحقق التنزيلين كذلك لما ذكرنا آنفا من ان القطع بالواقع التنزيلى كان متأخرا طبعا عن الواقع التنزيلى

٥٦

ودلالة دليل التنزيل على تنزيل المؤدى منزلة الواقع يتوقف على دلالة الدليل بالملازمة العرفية على القطع بالواقع الحقيقى مع انه لا واقع تنزيلى الا بهذا الدليل فكيف يعقل ان يكون احد التنزيلين المتأخر رتبته عن موضوعه المتأخر رتبته عن التنزيل الآخر فى عرض ذلك التنزيل

ثمّ لا يذهب عليك ان هذا لو تمّ لعمّ ولا اختصاص له بما اذا كان القطع ماخوذا على نحو الكشف

حاصله ان ما ذكرناه فى الحاشية فى وجه تصحيح لحاظ واحد فى التنزيل لو تم لعم جميع الاقسام القطع الموضوعى ولا فرق فيه بين ما اخذ موضوعا على نحو الكاشفية وبين ما اخذ موضوعا على نحو الصفتية فان الملازمة بين التنزيلين ان ثبتت على نحو الكشف كانت ثابتة على نحو الصفتية ايضا.

لا يمكن اخذ القطع بحكم فى موضوع نفس هذا الحكم

الأمر الرّابع لا يكاد يمكن ان يؤخذ القطع بحكم فى موضوع نفس هذا الحكم للزوم الدّور ولا مثله للزوم اجتماع المثلين ولا ضدّه للزوم اجتماع الضدّين

قد عرفت ان القطع بالتكليف قد يتعلق بالحكم الشرعى الكلى

٥٧

كالقطع بحرمة الخمر وقد يتعلق بمصداق الحرام والواجب كالقطع بخمرية هذا او واجبيته.

وعلى التقديرين قد يكون تمام الموضوع وقد يكون جزئه وقيده وعلى التقادير قد يكون للقطع مدخلية فى موضوع شخص المتعلق اذا كان متعلقه حكما او شخص حكم المتعلق اذا كان متعلقه موضوعا او فى موضوع مثل المتعلق او مثل حكم المتعلق او ضد المتعلق او ضد حكم المتعلق او له مدخلية فى موضوع حكم آخر لا يكون ضدا ولا مثلا كما يقال ان معلوم الخمرية او الخمرية المعلومة حرمتها يجب التصديق به لا اشكال فى صحة قسم الاخير وقد عرفت تفصيله فى الامر الثالث فى بيان القطع كما لا اشكال فى بطلان القسم الاول وهو ما اذا كان موضوعا لشخص المتعلق للزوم الدور.

بيانه ان الحكم يتوقف على وجود موضوعه ووجود موضوعه يتوقف على الحكم فيلزم الدور فلا يمكن ان يؤخذ القطع بحرمة الخمر مثلا موضوعا لشخص هذا الحكم بان يقول اذا قطعت بحرمة الخمر فيحرم عليك الخمر لان القطع بحرمة الخمر يتوقف على حرمته واقعا ولو فى نظر القاطع توقف القطع على المقطوع به وحرمته واقعا يتوقف على القطع به توقف الحكم على الموضوع وهذا هو الدور المحال بقى قسمان آخران وهو دخل القطع فى موضوع مثل المتعلق او ضده فان كان القطع ح جزءا للموضوع فهو ايضا باطل للزوم اجتماع المثلين او الضدين واقعا وظاهرا.

حيث ان المسألة تصير من قبيل النهى فى العبادات بمعنى ان

٥٨

الوجوب او الحرمة قد تعلق بنفس العنوان الذى تعلق به الحكم الاولى غاية الامر صار هذا العنوان مقيدا بقيد فى المرتبة الثانية وبذلك لا تصير الموضوع متعددا وان كان تمام الموضوع فمع الخطاء وان لم يلزم اجتماع الحكمين واقعا إلّا انه موجب لاجتماعه بنظر المكلف فهو لا يصدق الحكمين ومع الاصابة فالمسألة بحسب الواقع كان مبينا على كفاية تعدد العنوانين فى اتصافهما بالحكمين المتضادين او المتماثلين اذا تصادفا فى مورد واحد واما بحسب نظر المكلف فالمسألة تصير من قبيل النهى فى العبادات فلا يمكن تصديقه فى هذا الحال لكلا الحكمين.

نعم يصحّ اخذ القطع بمرتبة من الحكم فى مرتبة اخرى منه او مثلة او ضدّه

لما عرفت ان للحكم مراتب مرتبة الاقتضاء ومرتبة الانشاء ومرتبة الفعلية ومرتبة التنجز وما ذكرناه من المحذور فيما اذا كان بينهما اتحاد المرتبة واما مع اختلافهما انشاء وفعلا فيمكن ان يكون القطع المتعلق بمرتبة الانشاء موضوعا لفعلية هذا الحكم او مثله او ضده وحينئذ لا تنافى بين الحكمين بعد اختلافهما فى المرتبة مثلا يصح اخذ القطع بالمرتبة الانشائية من الوجوب فى مرتبة الفعلية بحيث يصير فعليته بمعونة العلم بها فيكون العلم بها شرطا لبلوغه الى مرتبة الفعلية كالشرط فى الواجبات المشروطة.

وكذا يصح ان يؤخذ العلم بها موضوعا لمثله فيكون هناك حكمان مماثلان ولا تصير الانشائية فعلية بمعونة العلم بها لان المفروض

٥٩

العلم بالمرتبة الانشائية تمام الموضوع للحكم الثانى وليس متمما لتلك المرتبة وان شئت تقول ان العلم بها يكون علة لحدوث الحكم الثانى لا شرطا لبلوغه الى مرتبة اخرى وكذا يصح اخذ العلم بها موضوعا لضده فافهم وتدبر.

وامّا الظّن بالحكم فهو وان كان كالقطع فى عدم جواز اخذه فى موضوع نفس ذاك الحكم المظنون الّا انّه لمّا كان معه مرتبة الحكم الظّاهرى محفوظة كان جعل حكم آخر فى مورده مثل الحكم المظنون او ضدّه بمكان من الامكان

فمحصل كلامه قدس‌سره هو ان الظن بالحكم وان كان كالقطع فى عدم جواز اخذه موضوعا لشخص هذا الحكم للزوم الدور حيث ان الحكم متوقف على وجود موضوعه وحصول الموضوع متوقف على الحكم فيلزم الدور وهذا لا يختص بالقطع والظن بل يجرى فى جميع العناوين المتأخرة عن الحكم كالشك والوهم والغفلة والالتفات

ومن المعلوم ان احتمال الدور محال فضلا عن القطع او الظن به إلّا انه لما كان مع الظن بالحكم مرتبة الحكم الظاهرى محفوظة لعدم انكشاف الواقع لدى الظان تمام الانكشاف وكان الجهل لم يرتفع من أصله لبقاء احتمال الخلاف ومعه كان جعل حكم آخر فى مورده مثل الحكم المظنون او ضده بمكان من الامكان فلا يستلزم منه اجتماع المثلين او الضدين فى موضوع واحد.

ان قلت ان كان الحكم المتعلّق به الظّنّ فعليّا ايضا بان يكون الظّنّ متعلّقا بالحكم الفعلى لا يمكن اخذه فى موضوع حكم فعلى آخر مثله او ضدّه لاستلزامه الظّن باجتماع الضّديّن او المثلين وانّما يصحّ اخذه فى موضوع حكم آخر كما

٦٠