نهاية المأمول - ج ١

الشيخ محمد علي الإجتهادي

نهاية المأمول - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد علي الإجتهادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار النشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٢٧

الامر بالصلاة يثبت قيدية الوجه للمأمور به بالتبع وان شئت

قلت اذا امر بالصلاة امر بهذا القيد ايضا بنفس هذا الامر إلّا انه امر بنفس المقيد اصالة وامر بهذا القيد تبعا فمقارنة الامر بالمقيد امر بالقيد إلّا ان الامر بالمقيد اصلى والامر بالقيد تبعى لهذا الامر بالمقيد ويثبت قيديته بهذا الامر التبعى نظير الامر بالكل فانه امر باجزائه.

قلت هذه شبهة فى مقابلة البديهة فان المأمور به على ما هو المفروض نفس المقيد وهو شيء واحد فان القيد والمقيد متحدان معا وموجودان بوجود واحد وان كان عند العقل ينحل الى شيئين ولكن لا يخرجه عن وحدة الوجود فانه عند الانحلال يصير ذو اجزاء بحسب العقل والاجزاء العقلية لا تصير الشيء متعددا وإلّا فليس كل امر واحد وينحل عند العقل الى امور فاذا كان المأمور به هو المقيد وهو امر واحد.

فلا يمكن اثبات قيده بالامر لما ذكرنا من ان المقيد الذى متعلقا للامر يتوقف ثبوته على الامر لانه به يثبت قيده الذى كان قوام المقيد بسببه والامر يتوقف ثبوته على المقيد لانه موضوعه ولا يمكن تحققه بدون موضوعه نعم يصح هذا الكلام فى الموجودين بوجودين كالمقدمة وذيها فانه يمكن ان يأمر بالمقدمة تبعا حين الامر بذيها وهو غير ما نحن فيه وهذا واضح.

ثم ان الخصوصيات الغير الناشئة من الامر كالرجحان الذاتى والمحبوبية والحسن الذاتى ليست من قبيل الخصوصيات الناشئة من الامر من عدم امكان اخذها فى المأمور به بل يمكن ان تؤخذ فى المأمور به جزءا او شرطا له فيصح ان يأمر بشيء بشرط ان يؤتى به بداعى رجحانه الذاتى

١٠١

على ان يكون داعى الرجحان قيدا للمأمور به ولا يلزم المحذور حيث ان هذا ما نشاء من الامر بل الامر نشاء من الرجحان الذاتى او الامر كاشف عن الرجحان الذاتى السابق واتيان الفعل لداعى رجحانه الذاتى عبادة حيث ان العبادة لا ينحصر فى اتيان الفعل بداعى امره.

ولذا ذكر الفقهاء ان العبادة قد يؤتى بها من جهة اهلية المعبود كما يشير اليه كلام مولانا امير المؤمنين (ع) وقد يؤتى بها طمعا لجنته وخوفا من ناره أو لداعى امره او غير ذلك وكذا لو اتى به لمحبوبيته الذاتية إلّا ان يقال ان اتيان الفعل لداعى محبوبيته لا يصير هذا الشيء مطلقا عبادة اذ قد يتعلق الغرض باتيان هذا المحبوب بداعى امره لا مطلقا ولو كان الغرض تكميله مثلا.

وكيف كان فقد اختار المصنف جواز الاحتياط فى العبادات فيما لا يحتاج الى التكرار نظرا الى عدم اخلاله بشيء مما اعتبر او يحتمل اعتباره فيها نعم يخل بعدم اتيان ما احتمل جزئيته كالسورة مثلا على تقدير جزئيتها بقصد الجزئية وقد اشار اليه بقوله.

ولا يكون اخلال حينئذ الّا بعدم اتيان ما احتمل جزئيّته على تقديرها بقصدها

حاصله انه لا وجه لعدم الاكتفاء بالاحتياط الا اشكال لزوم الاخلال بقصد الجزئية على تقديرها واشار الى فساده بقوله.

واحتمال دخل قصدها فى حصول الغرض ضعيف فى الغاية وسخيف الى النّهاية

١٠٢

حيث لا دليل على اعتباره فى الجزء المتحقق جزئيته فضلا عن المشكوك هذا كله فيما لا يحتاج الى التكرار من العبادات.

وامّا فيما احتاج الى التّكرار فربّما يشكل من جهة الاخلال بالوجه تارة وبالتّميز اخرى وكونه لعبا وعبثا ثالثة وانت خبير بعدم الاخلال بالوجه بوجه فى الاتيان مثلا بالصلاتين المشتملتين على الواجب لوجوبه غاية الامر انّه لا تعيين له ولا تميز

حاصله انه اذا كان الامر دائرا بين المتباينين كما اذا كان عليه فائتة مرددة بين الظهر والعصر فيشكل الامر فى الاحتياط لو قلنا بلزوم قصد التميز واما قصد الوجه كالقربة فيمكن الاتيان بهما من دون تكلف حيث انهما معتبر ان فى المأمور به لا فى غيره والمأمور به هنا هى الفائتة بين الصلاتين فيأتى بالفائتة بداعى امرها فكان امر الفائتة محركا للاتيان بهذين الصلاتين ويمكن ان ينضم الى الفائتة قصد الوجه وصفا او غاية فيقصد الفائتة الواجبة او هى لوجوبها متقربا الى الله نعم لا يمكن قصد التميز كما عرفت آنفا حيث انه فيما دار الامر بين المتباينين ولم يميز المأمور به عن غيره.

فالاخلال انّما يكون به واحتمال اعتباره ايضا فى غاية الضعف لعدم عين منه ولا اثر فى الاخبار مع انّه ممّا يغفل عنه غالبا وفى مثله لا بدّ من التّنبيه على اعتباره ودخله فى الغرض والّا لاخل بالغرض كما نبّهنا عليه سابقا

حاصله ان قصد التميز ان كان معتبرا فى العبادة فالاحتياط

١٠٣

مستلزم للاخلال واما احتمال اعتباره كاحتمال اعتبار الوجه فى العبادة فى غاية الضعف لعدم عين ولا اثر منه فى الاخبار مع انه كان مغفول عنه غالبا وفى مثله لا بد من التنبيه على اعتباره ودخله فى الغرض وإلّا لاخل بالغرض وهو قبيح لا يصدر من الحكيم جل ذكره.

نعم لو كان مما يرتكز فى اذهان العامة وكان بديهيا لجاز الاكتفاء بركزه وبداهته ولم يلزم التنبيه عليه وحكى عن بعض ثبوت الاتفاق على عدم جواز الاكتفاء اذا توقف على التكرار وفيه انه ان ثبت الاتفاق فهو وإلّا فلا مانع من جواز الاكتفاء بالاحتياط فيها الا اما اشار المصنف اليه بقوله

وامّا كون التّكرار لعبا وعبثا فمع انّه ربّما يكون لداع عقلائى انّما يضرّ اذا كان لعبا بامر المولى لا فى كيفية اطاعته بعد حصول الدّاعى اليها كما لا يخفى ،

حاصله انه لا وجه لعدم الاكتفاء بالاحتياط فيما احتاج الى التكرار الا ما قد يتوهم بكونه لعبا وعبثا وهو ممنوع مطلقا لان العامل فى هذا المحتمل تارة يعمل بالاحتياط لغرض عقلائى وتارة يعمل بالاحتياط من جهة امتثال امر مولاه من هذا الطريق وان لم يكن له غرض عقلائى مثل ما لو فرضنا ان العقلاء مع التمكن من العلم لا يعملون بالاحتياط اصلا.

وتارة يعمل به للمسامحة فى اطاعة مولاه وامره وليس له غرض عقلائى وعلى الثالث يمكن ان يكون عبثا لو لم نقل بخروجه عن الاحتياط

١٠٤

من الاول إلّا ان هذا لا اختصاص له بمورد التكرار بل يجرى فى غيره ايضا كما لا يخفى.

هذا كلّه فى قبال ما اذا تمكّن من القطع تفصيلا بالامتثال وامّا اذا لم يتمكّن الّا من الظّن به كذلك فلا اشكال فى تقديمه على الامتثال الظّنى لو لم يقم دليل على اعتباره الّا فيما اذا لم يتمكّن منه

حاصله قد تقدم الكلام فيما يمكن تحصيل العلم بالموافقة واما مع عدم التمكن منه ودوران الامر بين ما اذا تمكن من الامتثال التفصيلى بالظن وبين الامتثال القطعى الاجمالى فهل يقدم على الامتثال الاجمالى القطعى ام لا والمراد بالدوران هنا هو الدوران بينهما فى صورة الاجتماع كان يعلم اجمالا وجوب اكرام عمرو المردد بين الشخصين مع قيام البينة على تعيينه فى واحد منهما فيبحث فى جواز الاجتزاء باكرامهما مع التمكن عن اقامة البينة على التعيين ثم بعد قيام البينة عليه فهل يتعين اولا العمل بقول البينة بمعنى اتيان ما قامت عليه فى الواجب التعبدى.

ثم الاحتياط باتيان المحتمل الآخر ان اراد المكلف احراز الواقع لمكان حسن الاحتياط عقلا او يجوز العكس بخلاف الدوران بين الامتثال العلمى التفصيلى والاجمالى اذ لا يتصور الدوران بينهما فى صورة الاجتماع لوضوح عدم معقولية ذلك اذ بعد تحصيل العلم التفصيلى بواحد من طرفى العلم الاجمالى ينحل العلم الاجمالى لارتفاع الاجمال بالتفصيل.

١٠٥

اذا عرفت هذا فنقول ان الظن بالامتثال التفصيلى له صور ثلاثة لانه اما ان يكون مما لا دليل على اعتباره الا عند تعذر العلم وفى هذه الصورة يقدم الامتثال الاجمالى على الظنى التفصيلى إلّا اذا لم يتمكن من العلم مطلقا لا تفصيلا ولا اجمالا واما ان يكون مما قام الدليل على اعتباره مطلقا كالظنون الخاصة المعتبرة بادلة مخصوصة وفى هذه الصورة يجوز الاجتزاء لكل منهما كما اشار اليه بقوله.

وامّا لو قام على اعتباره مطلقا فلا اشكال فى الاجتزاء بالظّنىّ

ولعل السر فى ذلك هو ان معنى اعتبار الطريق الغاء احتمال مخالفته للواقع والعمل او لا برعاية احتمال الطريق ينافى الغاء احتمال الخلاف ولكن يرد عليه بان المراد من التنزيل اعنى الغاء احتمال الخلاف حجية الطريق وكونه بمنزلة الواقع فى ترتيب آثار الواقع.

والمفروض العمل على طبقه بعد اتيان الطرف الآخر من المحتمل ولم يقتصر على اتيان المحتمل فقط وليس فى تركه عقوبة ومخالفة وانما العقوبة والمخالفة من تبعات ترك الواقع فمع اتيان الواقع باتيان المحتمل فلا عقوبة ولا مخالفة لحكم الشارع اصلا.

نعم لو كان بانيا على اقتصار المحتمل من دون اتيان طرف الآخر من المحتمل فيشكل الحكم بصحته ولو مع انكشاف مصادفته للواقع نظرا الى كون القصد مشوبا بالتجرى والاختلاط بالتجرى ينافى قصد الاطاعة كما لا يخفى والثالث من الصور المتصورة فى الظن بالامتثال التفصيلى هو ان يكون معتبرا بمقدمات الانسداد وفى هذه الصورة يجوز

١٠٦

الاجتزاء ايضا بكل منهما ان كان من مقدماته عدم وجوب الاحتياط واليه اشار بقوله :

كما لا اشكال فى الاجتزاء بالامتثال الاجمالى فى قبال الظنّى بالظّن المطلق المعتبر بدليل الانسداد بناء على ان يكون من مقدّماته عدم وجوب الاحتياط.

حاصله انه لو قلنا بان من جملة مقدمات دليل الانسداد عدم وجوب الاحتياط من جهة ان فى وجوبه العسر والحرج وهما مرفوعان لا فى جوازه فلا وجه لتقديمه على الاحتياط والحق هو ذلك اذ مع قطع النظر عن العسر والحرج لا اختلال فى النظم.

وامّا لو كان من مقدّماته بطلانه لاستلزامه العسر المخلّ بالنظّام او لانّه ليس من وجوه الطّاعة والعبادة بل هو نحو لعب وعبث بامر المولى فيما اذا كان بالتّكرار كما توهّم فالمتعيّن هو التنزّل عن القطع تفصيلا الى الظّنّ كذلك

حاصله انه لو قلنا بان من جملة مقدمات دليل الانسداد هو بطلان الاحتياط رأسا وعدم العمل به اصلا من لزوم اختلال النظام فى العمل به او لانه ليس من وجوه الطاعة والعبادة بل لعب وعبث بامر المولى فيما احتاج الى التكرار او لا خلاله بالوجه والتميز فلا اشكال فى عدم الاكتفاء بالاحتياط فالمتعين هو التنزل عن القطع تفصيلا عند عدم تمكنه الى الظن كذلك اى تفصيلا واسقاط العلم الاجمالى من البين اذا تمكن.

١٠٧

وعليه فلا مناص عن الذّهاب الى بطلان عبادة تارك طريقى التّقليد والاجتهاد وان احتاط فيها كما لا يخفى

اى وبناء اعلى التنزل من القطع التفصيلى الى الظن التفصيلى المطلق فلا مناص عن الذهاب الى بطلان عبادة من ترك طريقى التقليد والاجتهاد فى العبادات ولو كان محتاطا فيها.

فتحصل من جميع ما ذكرنا ان الدوران اذا كان بين الامتثال الاجمالى والتفصيلى يجوز الاكتفاء بالعلم الاجمالى ولا يجب تحصيل العلم التفصيلى واذا كان بين الظن الخاص المعتبر والامتثال الاجمالى وقد مر جواز الاكتفاء بالامتثال الاجمالى واذا كان الدوران بين العلم الاجمالى مع التمكن من تحصيل الظن المطلق على نحو الكشف او الحكومة فى حال الانسداد فان كان من مقدماته بطلان الاحتياط لاستلزامه العسر المخل بالنظام كان المتعين هو الامتثال الظنى وان كان من مقدماته عدم وجوب الاحتياط لا بطلانه فلا اشكال فى الاجتزاء بالامتثال الاجمالى وعدم لزوم تحصيل الظن كما لا اشكال بالامتثال الظنى ايضا.

هذا كله بناء على عدم لزوم قصد الوجه والتميز اما على القول بلزومهما فالظاهر انه لا يمكن فى العمل بالمظنون الذى ثبت حجية ظنه بدليل الانسداد بناء على الحكومة لان العمل بالظن المطلق انما يكون بحكم العقل والعقل انما يحكم بوجوب اتباع الظن فى حال الانسداد ولا يحكم بان هذا الظن الذى ظن بوجوبه واجب شرعا وهو حكم الله

١٠٨

ولذا لم يحدث حكما ظاهريا شرعيا لو تخلف عن الواقع.

والحاصل ان نية الوجه لو كانت واجبة للزم فى الواجب الشرعى ولو ظاهرا والظن المطلق ليس كذلك اذ العقل يحكم بوجوب اتباع الظن لا ان هذا المظنون واجب شرعا ولذا لا يصح للظن المطلق ان تقول هذا ما ادى اليه ظنى وكل ما ادى اليه ظنى فهو حكم الله فى حقى اذ كبراه كاذبة بل لا بد ان تقول هذا ما ادى اليه ظنى وكل ما ادى اليه ظنى فيجب متابعته بحكم العقل وليس حاله حال الظن الخاص اذا الظن الخاص حجة شرعا فى عرض العلم لو لم يكن حجيته مشروطة بعدم التمكن من العلم وليس معنى حجيته الا الغاء احتمال خلافه ومعنى الغاء احتمال خلافه وجوب هذا المظنون ظاهرا فيمكن فيه قصد نية الوجه بخلاف الظن المطلق فان حجيته ليس معناه الغاء احتمال خلافه بل حجيته وجوب اتباعه مع احتمال الخلاف وهو غير ملازم مع وجوب المظنون.

هذا بعض الكلام فى القطع ممّا يناسب المقام وياتى بعضه الآخر فى مبحث البراءة والاشتغال

وقد اشار اليه سابقا ان المناسب للمقام هو البحث عن تأثير العلم الاجمالى فى التنجيز بنحو العلة التامة او لا اقتضاء له كما ان المناسب فى باب البراءة والاشتغال بعد الفراغ هنا عن التأثير بنحو الاقتضاء هو البحث عن ثبوت المانع شرعا او عقلا عن التأثير فى التنجيز خلافا لشيخنا العلامة اعلى الله مقامه فجعل البحث فى المقام فى حرمة المخالفة القطعية وفى البراءة والاشتغال فى وجوب الموافقة القطعية فراجع وتدبر.

١٠٩

فيقع المقال فيما هو المهم من عقد هذا المقصد وهو بيان ما قيل باعتباره من الامارات او صحّ ان يقال

ستعرف بيان ما قيل باعتباره او صح ان يقال إن شاء الله تعالى من قريب فانتظر.

بسم الله الرحمن الرحيم

فى الامارة الغير القطعية

وقبل الخوض فى ذلك ينبغى تقديم امور احدها انّه لا ريب فى انّ الامارة الغير العلمية ليست كالقطع فى كون الحجّية من لوازمها ومقتضياتها بنحو العليّة

حاصله قبل الشروع لا بد ان يعلم ان الظن ليس كالعلم بان يقتضى بنفسه وبحيال ذاته الحجية مع قطع النظر عن كل موجود ومعدوم بان يحدث فى نفس الظان من جهة كونه ظانا محرك عقلائى يدعوه نحو الفعل بحيث يترتب على موافقته ومخالفته المثوبة والعقوبة مع كون الظان محتمل لخلافه كما كان القطع كذلك لما عرفت انه بعد حصول القطع يحدث فى نفس القاطع محرك عقلى وملزم عقلائى بحيث يرى نفسه مذموما فى

١١٠

مخالفة قطعه وممدوحا فى العمل على وفقه وهذا معنى وجوب اتباعه فالحجية تكون من لوازم القطع ومن البين ان هذه خصوصية خاصة بوجود القطع يمتاز بها عن الظن والشك والامارات الظنية كالخبر الثقة وظواهر الكلام والاجماع وامثال ذلك ليست كالقطع من ان الحجية من لوازمها بنحو العلية.

بل مطلقا وانّ ثبوتها لها محتاج الى جعل او ثبوت مقدّمات وطرو حالات موجبة لاقتضائها الحجّية عقلا بناء على تقرير مقدّمات الانسداد بنحو الحكومة

اى ليست الحجية من لوازم الامارة الغير العلمية لا بنحو العلية ولا بنحو الاقتضاء بان تكون حجة بذاتها لكنها مشروطة بعدم المنع من الشارع اذ لو كان له اقتضاء الحجية لكان يكفى فى اعتبارها مجرد عدم المانع عن الحجية وعدم ردع ومنع من الشرع عن العمل بها مع انه لا يكفى قطعا بل ثبوت الحجية لها محتاج الى جعل من الشارع بان يكون الظن طريقا مجعولا من قبل الشرع او طرو حالات موجبة لاقتضائها الحجية عقلا على تقدير مقدمات الانسداد بنحو الحكومة بان تكون نتيجة مقدمات الانسداد هو العمل بالظن عقلا لا الكشف اذ بناء على الكشف يكون الظن طريقا مجعولا من الشارع كيف وعدم كونه حجة بنفسه ليس لاقتضاء ذاته عدمها حتى يكون ممتنعا بل لعدم الاقتضاء فيه بطرفى النقيض بان لا يأبى عن كل واحد منهما ويقبل كل منهما مع وجود مرجح اقتضى ترجيح احدهما على الآخر.

١١١

وذلك لوضوح عدم اقتضاء غير القطع للحجّية بدون ذلك ثبوتا بلا خلاف ولا سقوطا

اى وذلك معلوم بالوجدان واستقلال العقل بانه ليس فيه اقتضاء للحجية وانه اذا حصل الظن بالتكليف لا يحكم العقل بكونه منجزا عند الاصابة وعذرا عند الخطاء مع دعوى نفى الخلاف فيه ثبوتا اى فى مقام ثبوت التكليف واما فى مقام اسقاطه كما لو قام على الفراق واداء المكلف به فقد ظهر الخلاف فيه عن بعض المحققين واشار المصنف اليه بقوله.

وان كان ربّما يظهر من بعض المحقّقين الخلاف والاكتفاء بالظّن بالفراغ ولعلّه لاجل عدم لزوم دفع الضّرر المحتمل فتامّل

قال المحقق الخوانسارى على ما حكى عنه فى باب الاستصحاب اذا كان امر او نهى لفعل الى غاية معينة مثلا فعند الشك فى حدوث تلك الغاية لو لم يمتثل التكليف المذكور لم يحصل الظن بالامتثال والخروج عن العهدة وما لم يحصل الظن لم يحصل الامتثال فان ظاهره كفاية الظن بسقوط الواقع بعد العلم بثبوته ولعل وجه اكتفائه بالظن هو انه اذا ظن بالفراغ كان احتمال عدم الفراغ ضعيفا فيكون الضرر محتملا حينئذ فاذا بنى على عدم لزوم الضرر المحتمل لم يجب الاعتناء باحتمال عدم الفراق وهو معنى حجية الظن.

هذا ولكن انت خبير بما فيه وان الاكتفاء بالظن بالفراغ نظرا

١١٢

الى عدم لزوم دفع الضرر المحتمل كما عن المحققين لا يرتبط بباب الحجية التى هى محل الكلام اذ المراد من كون الظن حجة فى مقام الفراغ ان الاعتماد عليه موجب للامن من الضرر بل القطع بعدمه حيث ان شأن الحجية ان يقطع بعدم الضرر لا انه محتمل معها الضرر ولا يلزم دفعه بحكم العقل ولعل قوله فتأمل اشارة الى ما ذكرنا مع احتمال ان يكون اشارة الى ممنوعية صغرى تلك القاعدة فى باب الفراغ لكون الضرر قطعيا ببركة استصحاب عدم اتيانه فلا تغفل.

فى امكان التعبد بالامارة الغير القطعية

ثانيها فى بيان امكان التعبّد بالامارة الغير العلميّة شرعا وعدم لزوم محال منه عقلا فى قبال دعوى استحالته للزومه

ذهب المشهور الى الاول والمحكى عن ابن قبة هو الثانى ولا بد ان يعلم اولا ان المراد بالامكان المتنازع فيه ليس هو الامكان الذاتى الذى عبارة عن كون الشيء فى حد ذاته غير آب عن الوجود والعدم وهذا معنى كونه لا اقتضاء له بالنسبة اليهما ويقابله الامتناع الذاتى وهو كون الشيء فى حد ذاته آبيا عن التحقق والثبوت كاجتماع الضدين او ارتفاع النقيضين وذلك معلوم بالضرورة من الوجدان حيث ان الظن كما عرفت آنفا ليس مما يأبى ذاته عن الحجية ويكون حاله حال ساير الممكنات الذاتية مع انه مناف لما يظهر من دليل ابن قبة فى وجه الامتتاع من كون ـ الحجية مستلزما لترتب المحال عليها وهو تحليل الحرام وعكسه فانه

١١٣

صريح فى الامتناع الوقوعى من جهة ان المحال مترتب على وقوعه كما انه من المعلوم انه ليس المراد بالامكان الامكان الاحتمالى الذى عبارة عن عدم الجزم بكونه ممكنا او ممتنعا فيما اذا احتمل كل واحد منهما فى الشيء الفلانى بمعنى ان الشيء الذى يحتمل ان يكون ممكنا واقعا ويحتمل ان يكون ممتنعا واقعا لا يحكم جزما بامتناعه بمجرد كونه امرا غريبا عندك ولا بامكانه بل يحتمل امكانه ويحتمل امتناعه حتى ينهض على احدهما قائم البرهان وهذا معنى كلام المحكى عن شيخ ـ الرئيس كلما قرع سمعك من عجائب الاوهام فذره فى بقعة الامكان ما لم يذدك عنه قائم البرهان وذلك واضح اذ يكفى فى الحكم بهذا الامكان عدم الدليل على امتناعه او امكانه ولا يحتاج الى تجشم الاستدلال مع ان المشهور القائلين بامكان التعبد به وابن قبة القائل بامتناعه يستدلون على مطلبهم فتعين ان يكون المراد بالامكان هو الوقوعى وهو ما لم يلزم من فرض وجوده محال ويقابله الامتناع الوقوعى والامكان بهذا المعنى فلا بد وعلى مدعيه اقامة البرهان ويكفيه عدم العلم بالامتناع وحينئذ فان تمكنا من اقامة برهان على امكان حجية الظن بهذا المعنى بحيث يحصل لنا القطع بذلك من ذلك البرهان وإلّا فإن اقام دليل قطعى على الوقوع فهو دليل على الامكان ايضا لاخصية الوقوع من الامكان وإلّا فخلينا واحتمال الصرف فلا نحكم عليه بالامكان الوقوعى وترتيب آثاره عليه ولا بالامتناع ثم انه لو فرضنا عدم حصول القطع بامكان حجية الظن وبقى شاكا فى انه ممكن وقوعا او ممتنع فهل لنا اصل ترجع اليه عند الشك ام لا بل لم يكن فى البين إلّا امكان الاحتمالى إلّا ان يرد

١١٤

دليل على الوقوع حتى يستكشف منه الامكان الوقوعى ظاهر كلام شيخنا العلامة هو الاول حيث قال فى الرسائل ما هذا لفظه واستدل المشهور على الامكان بانا نقطع بانه لا يلزم من التعبد به محال ثم قال وفى هذا التقرير نظر اذا لقطع بعدم لزوم المحال فى الواقع موقوف على احاطة العقل بجميع الجهات المحسنة والمقبحة وعلمه بانتفائها وهو غير حاصل فيما نحن فيه فالاولى ان يقرر هكذا انا لا نجد فى عقولنا بعد التأمل فى ما يوجب الاستحالة وهذا طريق يسلكه العقلاء فى الحكم بالامكان ومحصله انه جعل الاصل هو الامكان عند الشك فحكم بان طريقة العقلاء الحكم بامكان شيء الذى لا يجدون وجها لاستحالته ولكن المصنف لم يرض بهذا القول وقال.

وليس الامكان بهذا المعنى بل مطلقا اصل متّبع عند العقلاء فى مقام احتمال ما يقابله من الامتناع لمنع كون سيرتهم على ترتيب آثار الامكان عند الشّك فيه ومنع حجيّتها لو سلّم ثبوتها لعدم قيام دليل قطعيّ على اعتبارها والظّن به لو كان فالكلام الآن فى امكان التّعبّد بها وامتناعه فما ظنّك به

حاصل الكلام فيه ان الامكان بهذا المعنى وهو ما لا يلزم من فرض وجوده محال الذى قد عرفت انه معنى الامكان الوقوعى.

بل مطلقا ولو بمعنى الامكان الذاتى ليس اصلا متبعا عند العقلاء فى مقام الشك فى الامكان لان غاية تقريبه على ما يظهر من كلام شيخنا الانصارى وهذا طريق يسلكه العقلاء ان بناء العقلاء وسيرتهم على ترتيب آثار الامكان الوقوعى على ما يحتملون امكانه وامتناعه وقوعا

١١٥

فيعاملون معه معاملة القطع بالامكان ولكن فيه اولا منع السيرة.

وثانيا ان هذه السيرة لو سلم ثبوتها ليس على حجيتها واعتبارها دليل قطعى والظن باعتبار هذه السيرة لا يجدى لان الكلام فعلا فى امكان التعبد بالظن فلا يمكن ان يستدل على الامكان المذكور بالظن الا على وجه دائر لان جواز الاعتماد على الظن المذكور يتوقف على حجيته وحجيته تتوقف على امكان التعبد به وامكان التعبد به يتوقف على حجية السيرة وحجية السيرة تتوقف على جواز الاعتماد على الظن بحجيتها فيلزم منه الدور المحال وثالثا ان عمل العقلاء لعل لرجاء ادراك الواقع لا انهم يترتبون عليه آثار الامكان والحكم به وهذا واضح جدا.

لكن دليل وقوع التعبّد بها من طرق اثبات امكانه حيث يستكشف به عدم ترتّب محال من تالى باطل فيمتنع مطلقا او على الحكيم تعالى فلا حاجة معه فى دعوى الوقوع الى اثبات الامكان وبدونه لا فائدة فى اثباته كما هو واضح

حاصله انه لو كان الدليل عليه هو القطع ففيه منع الصغرى ولو كان هو الظن فثبوت امكان حجيته وقوعا اول الكلام بل يلزم الدور.

كما اشرنا اليه آنفا والمصنّف استدل عليه بدليل الوقوع اى وقوع التعبد بالامارة الغير العلمية شرعا ومن الواضح ان الوقوع من طرق اثبات الامكان بل هو من اقوى الدليل عليه حيث يستكشف به عدم ترتب محال من تال باطل فيمتنع مطلقا على الحكيم وعلى غيره كما فى اجتماع الضدين او ارتفاع النقيضين إذ هما محالان ذاتا او يمتنع على الحكيم خاصة كما فى الالغاء فى المفسدة او تفويت فى المصلحة

١١٦

وان لم يمتنع عن غيره.

ومن المعلوم ان دليل الوقوع يكشف عن عدم المحال لكونه صادرا عن الحكيم ومعه فلا حاجة فى دعوى الوقوع الى اثبات الامكان لان الغرض من اثبات امكان التعبد بالامارات الغير العلمية هو اثبات وقوعه خارجا ومع وقوع التعبد به خارجا لا حاجة الى اثبات الامكان اصلا فان ادل الدليل على امكان الشيء وقوعه كما انه بدون اثبات وقوع التعبد بالامارة لا فائدة فى اثبات الامكان ضرورة انه ليس مستلزما للوقوع والذى ينفعنا فى مبحث الامارات هو وقوع التعبد بها لكى تقع فى طريق الاستنباط.

وقد انقدح بذلك ما فى دعوى شيخنا العلّامة اعلى الله مقامه من كون الإمكان عند العقلاء مع احتمال الامتناع اصلا

اى ومما ذكرنا من منع السيرة او منع حجيتها لو سلم ثبوتها قد انقدح ما فى دعوى شيخنا العلامة اعلى الله مقامه من كون الامكان اصلا بحيث اذا شكونا فى امكان شيء او امتناعه بنونا على امكانه ومن المعلوم ان هذا الاصل لا دليل عليه الا السيرة العقلائية التى ادعاها ولكن قد عرفت بما فيه اولا بمنع السيرة وثانيا ان هذه السيرة ليست على حجيتها دليل قطعى والظن بحجيتها لا يجدى الاعلى وجه دائر.

والامكان فى كلام الشّيخ الرئيس كلما قرع سمعك من الغرائب فذره فى بقعة الامكان ما لم يذدك عنه واضح البرهان بمعنى الاحتمال المقابل للقطع والايقان ومن الواضح ان لا موطن له الّا الوجدان فهو المرجع فيه بلا بيّنة وبرهان

١١٧

دفع لما قد يتوهم من انه لو لم يكن الامكان اصلا عند الشك فى امكان شيء وامتناعه لما كان للقاعدة المذكورة فى كلام الشيخ الرئيس كلما قرء سمعك من الغرائب فذره فى بقعة الامكان ما لم يذدك عنه واضح البرهان معنى وليس هذا إلّا دليلا على ما ادعاه الشيخ اعلى الله مقامه من الحكم بالامكان عند الشك وانه طريق يسلكه العقلاء.

وقد دفعه المصنف بان المراد فى كلامه من الامكان هو الامكان الاحتمالى الذى عبارة من عدم الجزم بكونه ممكنا او ممتنعا فيما اذا احتمل كل واحد منهما فى الشيء الفلانى بمعنى ان الشيء الذى يحتمل ان يكون ممكنا واقعا ويحتمل ان يكون ممتنعا لا يحكم جزما بامتناعه بمجرد كونه امرا غريبا عندك ولا بامكان ما يحتمل امكانه او امتناع حتى ينهض على احدهما قاطع البرهان فالمراد من كلامه هو الاحتمال المقابل للقطع والايقان.

ومن الواضح ان الامكان الاحتمالى من الامور الوجدانية لا يحتاج اثباته الى اقامة البرهان بل يكفى فيه الرجوع الى الوجدان وبعبارة اخرى ان هذا المعنى غير قابل للنزاع لكون موطنه الوجدان وما كان موطنه الوجدان فهو غير قابل لاقامة البرهان والنقض والابرام بين الاعلام.

وكيف كان فما قيل او يمكن ان يقال فى بيان ما يلزم التّعبّد بغير العلم من المحال او الباطل ولو لم يكن بمحال امور

قد عرفت آنفا ان مذهب المشهور هو امكان التعبد بالامارات الغير العلمية شرعا وعدم لزوم محال منه عقلا فى قبال دعوى استحالته

١١٨

وامتناعه وهو المحكى عن ابن قبة وما يظهر من كلامه فى وجه الامتناع امور من تفويت المصلحة والالقاء فى المفسدة ونقض الغرض واجتماع المثلين وطلب الضدين عدا التصويب فهو من الباطل الذى ليس بمحال.

هذا حاصل ما قيل مما يلزم التعبد بغير العلم واما ما يمكن ان يقال فهو عبارة عما اضافه المصنف الى ما ذكرنا من المحاذير المتوهمة فى التعبد بها مما سيأتى مشروحا إن شاء الله وقد شرع المصنف فى بيان المحاذير المتوهمة فى التعبد بالامارات الغير العلمية.

احدها اجتماع المثلين من ايجابين او تحريمين مثلا فيما اصاب او ضدّين من ايجاب وتحريم ومن ارادة وكراهة ومصلحة ومفسدة ملزمتين بلا كسر وانكسار فى البين فيما أخطأ او التّصويب وان لا يكون هناك غير مؤدّيات الامارات احكام

الاول من المحاذير المتوهمة هو اجتماع المثلين او الضدين او التصويب على سبيل منع الجمع والخلو لانه لو ثبت التعبد بالظن فلا شبهة فى جعل حكم ظاهرى من قبل الامارة فحينئذ فلو كان الواقع مجعولا وكان باقيا بعد جعل الثانى للزم اجتماع المثلين من ايجابين او تحريمين فى صورة الاصابة واجتماع الضدين من ايجاب وتحريم ومن ارادة وكراهة ومصلحة ومفسدة ملزمتين بلا كسر ولا انكسار فى صورة الخطاء وعدم الاصابة ولو لم يكن الواقع مجعولا بل كان تابعا لجعل الامارة للزوم التصويب وهو ان لا يكون هناك حكم غير ما أدّت اليه الامارة وما فى المتن بملزمتين بلا كسر ولا انكسار.

١١٩

والظاهر انه قيد للمصلحة والمفسدة حيث ان المصلحة والمفسدة اذا لم يقع بينهما كسر ولا انكسار من حيث المقدار فى الحكم الشرعى فاجتماعهما هو المحال لاستلزامه اجتماع الوجوب والحرمة وإلّا فاجتماع المصلحة والمفسدة مع كسر وانكسار بمكان من الامكان وليس بينهما تضاد.

ثانيها طلب الضدّين فيما اذا أخطأ وادّى الى وجوب ضدّ الواجب

الثانى من المحاذير اللازمة للتعبد لزوم طلب الضدين فيما ادى الى وجوب ضد الواجب وهذا المحذور انما يلزم فى الضدين كالجمعة والظهر مثلا فيما اذا كان الظهر واجبا وقامت الامارة على وجوب الجمعة لوضوح لزوم كونهما واجبين على المكلف فى زمان واحد.

ثالثها تفويت المصلحة او الالغاء فى المفسدة فيما ادّى الى عدم وجوب ما هو واجب او عدم حرمة ما هو حرام وكونه محكوما بسائر الاحكام

الثالث من المحاذير الواردة على التعبد بغير العلم هو تفويت المصلحة اذا ادى الى عدم وجوب ما هو واجب وكونه محكوما بسائر الاحكام والالقاء فى المفسدة اذا ادى الى عدم حرمة ما هو حرام وكونه محكوما بسائر الاحكام ايضا والسر فى ذلك انه لو لا جعل الامارة لعمل المكلف بعلمه واذا جعلها يكون التفويت والالقاء من قبل الجاعل فهما قبيحان لا يصدر من الحكيم ولقد اجاب المصنف عن المحاذير الثلاثة بقوله.

١٢٠