النفس والروح وشرح قوامها

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]

النفس والروح وشرح قوامها

المؤلف:

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]


المحقق: الدكتور محمد صغير حسن المعصومي
الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: الأبحاث الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢١٨

بسم الله الرحمن الرحيم

(الورقة ٢٥٧ و)

كتاب النفس والروح وشرح قواهما

(فى علم الاخلاق)

(للإمام فخر الدين محمد بن عمر الرازى رح)

القسم الأول : فى مرتبة الإنسان من مراتب الموجودات ـ فى تقرير ذلك فى مراتب الأرواح البشرية ـ فى البحث عن ماهية النفس ـ فى الدلائل المستفادة من الكتب الإلهية ـ فى أن المتعلق بجوهر النفس هو القلب بدليل النقل والعقل ـ فى شرح قوى النفس ـ فى بحث يتعلق بالعبارات والألفاظ ـ [فى نسبة] هذه القوى إلى جوهر النفس ـ فى النفس الناطقة هل هى متحدة بالنوع أو بالجنس ـ فى بيان أن اللذات العقلية أشرف من الحسية ـ

القسم الثانى : فى علاج النفس ـ وفيه فصول.

[فى فضل] المال ـ [فى كيف] يتوسل بالمال إلى نيل السعادة ـ [فى ذم] الحرص والبخل ـ فى الجاه ـ فى الرياء والسمعة.

١

(الورقة ٢٥٧ ظ)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله المتعالى كبرياؤه (١ عن منازعة الأشكال والأضداد ، المقدس جلاله عن معارضة (٢ الأمثال والأنداد ، المنزه فردانيته ووحدانيته عن الصاحبة (٣ والأولاد ، المبرإ (١) وجوده عن طبيعة القوة (٢) والاستعداد (٤ ، سامك المسموكات العاليات بلا أعماد ولا اعتماد ، وباسط الارضين المدحيات بلا اسناد ولا استناد ، الّذي تحيرت فى بيداء كنه ازليته خواطر ذوى الارتياد ، وتاهت فى نور هوية ألوهيته أفكار طلاب السداد ، وانظار أصحاب الرشاد ، فسافرت فى غيب الغيب وازل الآزال وأبد الآباد (٥ ، فلم ترجع إلا لمجرد الإقرار بأنه فرد لا كالأفراد ، واحد لا كالآحاد ، إن قلت : متى كان؟ فقد كان ولا زمان (٦ يشار إليه قبل الايجاد ، وإن قلت : «فيم»؟ فقد جل عن الحلول والنقلة والاعتماد ، فهو الله لا إله الا هو ، له الحمد فى الأولى والآخرة حمدا من غير انقطاع وإنفاد.

احمده حمدا صادرا عن صفاء الاعتقاد ، واشكره على ما أفاض علينا من إياد (٧ (٣) وأشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له شهادة مبرأة عن الكذب والعناد ، مهياة لأن يتوسل بها إلى حصول النجاة فى يوم المعاد ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله أرسله إلى كافة العباد ، وجعله أفصح من نطق بالضاد ، وصلوات الله عليه وعلى آله على تعاقب الأيام والشهور والاعياد ، وسلم تسليما كثيرا.

__________________

(١) فى المخطوطة : المبرى وجود وجوده الخ

(٢) أيضا : القوى

(٣) أيضا : الإياد هو ما أيد به الشى

٢

اما بعد : فهذا كتاب فى علم الاخلاق (٨ ، مرتب على المنهج البرهانى اليقينى لا على الطريق الخطابى الإقناعى ، نسأل الله ان يجعله سببا للنفع العظيم فى الدارين والسعادة فى المنزلين ، إنه خير موفق ومعين ،

وهذا الكتاب مرتب على أقسام :

القسم الاول

فى الأصول الكلية لهذا العلم ، وفيه فصول :

الفصل الاول

فى شرح مرتبة الإنسان من مراتب الموجودات (١ :

اعلم أنه يمكن وصف الموجود بوجوه كثيرة ، وبحسب كل واحد منها يظهر مرتبة الإنسان من مراتب الموجودات.

التقسيم الأول : أن يقال : المخلوقات على أربعة أقسام :

الأول : الّذي له عقل (٢ وحكمة (٣ ، وليس له طبيعة (٤ ولا شهوة (٥ ، وهم الملائكة (٦ ، ومن صفتهم «أنهم لا يعصون الله ما أمرهم ، ويخافون ربهم من فوقهم ، ويفعلون ما يؤمرون» (٧.

الثانى : الّذي ليس له عقل ولا حكمة ، وله طبيعة وشهوة (٨ ، وهو سائر الحيوانات سوى الإنسان.

الثالث : الّذي ليس له عقل ولا حكمة ولا طبيعة ولا شهوة ، وهى الجمادات والنبات ،

ولما دخلت هذه الأقسام فى الوجود لم يبق من الأقسام سوى القسم الرابع.

٣

الرابع : وهو الّذي يكون له عقل وحكمة ويكون له طبيعة وشهوة وذلك هو الإنسان.

ولما ثبت فى المعارف الحكمية أن واجب الوجود عام الفيض على كل الممكنات ، اقتضى عموم [فيضه] إدخال هذا القسم فى الوجود فلهذا قال تعالى : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (٩. لئلا يبقى شيء من أقسام الممكنات [مجردا] (الورقة ٢٥٨ و) عن تاثير إيجاده ونعمة إبداعه.

ولما أوحى الله تعالى إلى الملائكة : «إنى جاعل فى الأرض خليفة ، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها» الآية (٩ ، ومعناه إذا جمعت بين الشهوة والغضب وبين العقل صار مشتعلا فى الهيبة قضاء الشهوة وإمضاء الغضب ـ وذلك يوجب وقوع الفساد من الشهوة ، وقوله (يَسْفِكُ الدِّماءَ) من استعمال الغضب فعند ذلك أوحى الله تعالى إليهم : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (٩.

وهذا الكلام ، والله أعلم ، يحتمل وجوها من المعنى :

أحدها أن الملائكة عقول مجردة ، وأنوار صرفة ، فلا جرم لا يصدر منهم إلا التسبيح والتحميد والتقديس (١٠ ، وذلك هو القسم الأول من أقسام المخلوقات الموجودات (١١ ، أعنى الّذي يكون له عقل وحكمة بلا طبيعة ولا غضب ، والمقتضى لإدخال القسم الأول فى الوجود لا لإدخال النفع من تقديسهم وتسبيحهم ، بل المقتضى لذلك عموم الجود ، وهذا المعنى قائم فى حق القسم الرابع فى الوجود.

وثانيها أن هذا القسم وإن اشتمل على الفساد بسبب الشهوة ، وعلى سفك الدماء بسبب الغضب ، لكنه يكون مشتملا أيضا على التسبيح

٤

والتحميد (١) بسبب ما فيه من العقل ، ويكون اشتغالهم بهذا (٢) الخير أكثر من اشتغالهم وإقدامهم على ذلك الشر ، وترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير (١٢ ، فلأجل هذا وجب فى الحكمة إيجاد هذا القسم.

وثالثها أن الملائكة القدسية والمعارف الإلهية حاصلة للملائكة لكن الشوق إلى الحق غير حاصل لهم ، ومقام الشوق مقام شريف ، فوجب فى الحكمة إدخال الطبيعة البشرية فى الوجود تحصيلا لهذا المقام.

وبيان أن الشوق (١٣ غير حاصل للملائكة ، إن الشوق لا يتصور إلا إلى شيء صار مدركا من وجه غير مدرك من سائر الوجوه ، فإن الّذي ما أدركه الإنسان بوجه من الوجوه لم يشتق إليه ، وأما الّذي أدركه بكماله وتمامه فإنه لا يشتاق إليه ، لأن الشوق طلب ، وطلب الحاصل محال.

غير أن الشوق إلى المحبوب يقع على وجهين :

أحدهما أنه إذا راه ثم غاب عنه بقى فى خياله آية تلك الصورة المحبوبة ، فاشتاق الروح أن ينقل الأثر من عالم الخيال إلى عالم الحس.

وثانيهما أن يرى وجه محبوبه أى ذاته ، لكنه ما رأى باقى محاسنه فيشتاق إلى أن ينكشف له ما لم يره.

إذا عرفت هذا ، فنقول : أما الوجه الأول من الشوق فذلك إنما يمكن فى حق من يدرك شيئا ، ثم يغيب عنه ، وهذا فى حق الملائكة

__________________

(١) فى المخطوطة : التوحيد

(٢) أيضا : لهذا

٥

غير اصل ، لأن معارفهم دائمة حاضرة بريئة عن طبيعة القوة والاستعداد ، فلا يتبدل عرفانهم بالغفلة ولا حضورهم بالغيبة وهذا هو المراد من قوله سبحانه : «يسبحون الليل والنهار لا يفترون» (١٤. ومن قوله عليه‌السلام : «إنه من الملائكة قائمون لا يركعون وراكعون لا يسجدون ، ،. فامتنع أن يحصل لهم شوق من القسم الاول ، فإن حصل فذاك إنما يكون من القسم الثانى.

وأما البشر فهذان القسمان يمكن وقوعهما فى حقهم بالنسبة إلى المعارف الإلهية ، بل هما لا زمان لكل العارفين ضرورة.

أما القسم الأول فلأن الّذي يظهر للعارفين من الأمور الإلهية ، وإن كان فى غاية الوضوح والجلاء والإشراق ، إلا أنه يكون مشوبا بشوائب التخيلات ، فإن الخيالات [لا تقر فى] هذا العالم ولا تخلو (١) عن المحاكات والتمثيلات (الورقة ٢٥٨ ظ) وهى مكدرات لإشراق المعارف ولهذا قال عليه‌السلام (١٥ : «إنه ليغان على قلبى وإنى لاستغفر الله فى اليوم سبعين مرة» ـ وتمام التخيل لا يحصل إلا فى الآخرة ، وحيث تزول الخيالات وتبطل التمثيلات ، فهذا هو النوع الأول من الشوق إلى الله تعالى.

وأما القسم الثانى ، فاعلم أن الشوق الّذي يكون من هذا القسم غير متناه (٢) ، ولو أن العارف خلق فى أول حدوث العالم إلى الآن ، وسار بأسرع سير فى درجات المعارف الإلهية ، بل طار حول عرش الجلال أشد الطيران ، وبقى على هذه الحالة إلى آخر أوقات أهل الجنة

__________________

(١) فى المخطوطة : لا تخلوا

(٢) أيضا : غير متناهى

٦

وأهل النار ، لكان الحاصل من طيرانه وسيره متناهيا ، ولكان الّذي بقى خارج وصوله غير متناه (١) ، وإذا كان كذلك ، ظهر أن القسم الأول من الشوق إلى الله ربما زال فى الآخرة ، وأما القسم الثانى فإنه البتة لا يزول ، بل كلما كان السير أشد والتوغل أكثر كان الشوق أعظم والظمأ أكمل وأعظم.

فإن قال قائل : الحق فرد مطلق منزه عن جميع أنحاء التركيبات ، والفرد إن عرف عرف بتمامه وإلا فلم يعرف ، فكيف يعقل فى حقه ما ذكرتم؟

قلنا : إنا نضرب لتحقيق كلامنا مثالا واحدا حتى يقاس عليه الباقى.

فنقول : هذا العالم الجسمانى الّذي هو الآن موجود مركب من الأجزاء التى لا تتجزأ عند طائفة عظيمة من العقلاء فلو قدرنا أنه تعالى خلق بحسب كل جزء ولا يتجزأ من هذا العالم ألف ألف عالم مثل هذا العالم ، ثم قدرنا أن تلك العوالم امتدت حتى صارت فى الرقة إلى الغاية التى لا تبقى منها ثخانة ، بل يصير الكل كالسطح الّذي ليس له ثخن عند من يثبت الجزء الّذي لا يتجزأ ثم قدرنا أنه كتب كاتب تلك الورقة العظيمة من نقوش رقوم الهندسة وأخذنا بحسب تلك الرقوم فى مراتب السنين ، فالعقل يعلم أنه لا سبيل للعقل إلى ضبط مقادير هذه السنين ولا إلى ضبط القليل منها (١٦.

ثم إنا نعلم إذا قايسنا من هذه المدر المتطاولة بالنسبة إلى معنى الأزل (١٧ كانت تضاهيه ، لأنها وإن طالت وعظمت وخرجت عن ضبط العقول

__________________

(١) فى المخطوطة : غير متناهى

٧

والأوهام إلا أنها متناهية ، وحقيقة الأزلية غير متناهية ، ولا نسبة للمتناهى إلى غير المتناهى بوجه من الوجوه ، وعند هذا تعرف شمة من قولنا : أن العقول قاصرة عن اكتناه جلال الله تعالى ، إذا عرفت مثل هذا فى بقاء الله سبحانه فاعرف مثله فى معلوماته وفى مقدوراته وفى آثار حكمته.

فيثبت بما ذكرنا أن الشوق إلى الله تعالى مقام عال شريف المرتبة ، فهو أن كل ما كان لذيذا إذا بقى واستمر لم يبق لذيذا حال بقائه ، وكذا (١) إن كان مولما ، بل اللذة والألم لا يحصلان إلا عند الانتقال من أحد الجانبين إلى الجانب الآخر (١٨ ، والله أعلم.

ولنضرب لهذا مثالا ، وهو أن أحوال الخلق بالنسبة إلى الأغذية اللطيفة اللذيذة على ثلاثة أقسام :

الأول : حال الملوك المتنعمين المتوسعين فى كل الأشياء اللذيذة الطيبة ، فإنهم لما واظبوا على أكلها اعتادوها ، فلا جرم لا يلتذون بها كغيرهم.

وأما القسم الثانى : الذين ما أكلوا إلا الأطعمة الخشنة البشعة ، ولم يتفق لهم البتة تناول الأطعمة الطيبة ولا الأشربة ولا الملابس وغيرها.

وأما القسم الثالث : الذين فى أكثر الأمر يأكلون الأطعمة الخشنة البشعة (٢) وقد يتفق لهم فى بعض الأوقات تناول الأطعمة اللذيذة الطيبة فهؤلاء (الورقة ٢٥٩ و) لما ذاقوا الطيبات ثم لم يجدوها اشتاقوا إليها ،

__________________

(١) المخطوطة : كذى

(٢) أيضا : الشبعة

٨

فإذا وجدوها اشتاقوا والتذوا بها التذاذا عظيما.

إذا عرفت هذا فنقول : الملائكة المقربون وإن كانت درجاتهم عالية فى العرفان ، إلا أنهم آمنون فى تلك الدرجات عن التغيرات فهم كالملوك المتنعمين المواظبين على أكل الطيبات ، فالملائكة وإن كانوا مواظبين على الاغتذاء بنور جلال الله والإغبار من نسيم روح الله إلا أنهم لم يبق لهم فترة فى هذه الحالة ولا انتقال من هذه الدرجة.

وأما الحيوانات العجم فحالهم بالنسبة إلى هذه اللذات كحال الفقراء المواظبين على الفقر والضر والبؤس والمسكنة ، ولم يبق لهم انتقال من هذه الأحوال الموذية إلى أحوال طبيعية ، فلا جرم لا يتألمون بتلك الأحوال التى هم عليها.

وأما الإنسان (١٩ فتارة يصير غرقا فى ظلمات علل الأجسام ، وتارة يتخلص منها إلى أنوار عالم القدس وسبحات سرادقات الجلال ، وينتقل تارة من الشدة إلى الرخاء ، واخرى من الياس إلى الرجاء ، فإذا انتقلوا من الظلمة إلى النور ومن الحجاب إلى الوصول عظم التذاذهم بذلك ويحصل لهم من اللذات والسعادات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت (٢٠.

وهاهنا دقيقة أخرى ، وهى أن فى حق البشر إذا حصل الحضور بعد الغيبة كان ذلك الالتذاذ فى غاية القوة ، ثم إذا حصلت الغيبة بعد (١) الحضور مع علم العقل [ما فى الحضور والمشاهدة من السعادة (٢١] كان ذلك الألم فى غاية القوة ، فإذا تعاقبت هاتان الحالتان حصلت هناك آلام ولذات مختلفة مشبهة بالدغدغة الروحانية ، وهذا النوع من السعادة

__________________

(١) المخطوطة : بغير

٩

والبهجة (كان) حاصلا للإنسان وغير حاصل للملائكة المقربين ، ولا لسائر الحيوانات أصلا ، فلا يبعد أن يكون هو المراد من قوله : (أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) ، ذلك الوجه الرابع.

فى بيان الحكمة فى تخليق القسم الرابع ـ وهو الإنسان.

فنقول : إنه (١) بتخليق الملائكة ظهر من القدرة ، وذلك لأن كمال قوتهم يدل على كمال قدرة خالقهم ، وكمال عصمتهم يدل على ذلك أيضا.

أما تخليق البشر فإنه يدل على كمال الجود والرحمة ، أما كمال الجود فلأنه لا مناسبة بين التراب وبين جلال رب الأرباب ـ ثم أن الحق برحمته التامة وجوده الكامل جعل التراب صفة الذرة الحاملة للأضواء الإلهية والأنوار الصمدية.

وأما كمال الرحمة فلأنه مع أنه مركب من الشهوة والغضب والأخلاق الذميمة أو دع قلبه نور العرفان وعلى لسانه ذكر التوحيد ، وجعل عينيه طريقا لرؤية دلائله وأذنيه محلا لسماع كلامه ـ فالملائكة (٢) بهم ظهر من القدرة والحكمة ، والبشر بهم ظهر الجود والرحمة.

التقسيم الثانى : أن نقول : الموجود إما أن يكون موجودا لا أول له ولا أخر له ، وهو الخالق تعالى وتقدس ، أو موجودا له أول وله آخر وهو الدنيا ، أو موجودا له أول ولا آخر له ، وهو الأرواح البشرية والدار الآخرة ، وأما الرابع وهو الّذي لا أول له وله آخر ، فهذا ممتنع فى الوجود لأن ما ثبت قدمه امتنع عدمه.

__________________

(١) المخطوطة : ان

(٢) أيضا : بالملائكة

١٠

وإذا ثبت هذا ظهر من المشابهة بين الأرواح البشرية وبين الدار الآخرة أكثر ما بينها وبين الدنيا. وظهر أن العبد (كان) كفؤا للآخرة لا كفؤا للدنيا ، والكفاءة معتبرة فى الارواح فيجب أن تكون رغبة الإنسان فى السعادات (الورقة ٢٥٩ ظ) الروحانية الأخروية أكثر من رغبته فى السعادات العاجلة.

التقسيم الثالث المخلوقات على ثلاثة أقسام (٢٢ :

إما كاملة لا يتطرق النقصان إليها وهم أصحاب العالم العلوى ، أجسادهم السماوات وقلوبهم الكواكب ، وأرواحهم الملائكة المقربون الطاهرون المطهرون.

وإما ناقصة ولا يتطرق إليها الكمال وهى الحيوانات سيما الجن والشياطين والنبات والمعادن ،

والقسم الثالث وهم الذين يكونون تارة كاملين وتارة ناقصين ، فإن صاروا فى حد الكمال كانوا مع الملائكة المقربين معتكفين على عتبات عزة الله تعالى ، مواظبين على ذكر جلال الله متفكرين فى معارج آلاء الله ، متوكلين على فيض فضل الله ، مستغرقين فى محبة الله تعالى ، وتارة ينزلون إلى أفق البهائم ومقامى الشهوة والغضب. أما فى مقام الشهوة فتارة يكونون كخنزير اجيع ثم أرسل على النجاسات يأكلها ، وتارة كالذباب الّذي كلما ذب مال إلى القاذورات ، وأما فى مقام الغضب فتارة كالكلب العقور ، وأخرى كالجمل الصئول ، وثالثا كالنار المحرقة والسيول المغرقة ، فهو مع أنه شخص واحد يصدق عليه انه ملك نورانى وشيطان ظلمانى ، وخنزير حريص ، وحمار صبور ، وكلب نابح ، وثعلب رواغ ،

١١

حيث لا شك أن شخصا واحدا يظهر منه هذه الآثار المتناقضة والاحوال المتباينة مما يدل على قدرة قاهرة وحكمة غير متناهية.

واعلم أن الانسان (٢٣ الموصوف بهذه الصفات بعث إلى هذه الدار ليكون مسافرا. قال أمير المؤمنين على : (٢٤ الناس على سفر والدنيا دار ممر ، لا دار مقر ، وبطن أمه مبدأ سفره ، وزمان حياته مقدار مسافته ، وسنوه منازله ، وشهوره فراسخه وامياله ، وأيامه وأنفاسه خطأه ، والآخرة مقصده يسار به سير السفينة براكبها ، وقد دعى إلى دار السلام كما قال تعالى : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) (٢٥. ثم إن دار السلام أشرف البقاع ، قال تعالى : (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) (٢٦.

الفصل الثانى

فى تقرير ما سلف بطريق آخر أقرب إلى التحقيق

اعلم أن الموجودات بحسب القسمة العقلية على أربعة أقسام ، لأنها :

١ ـ إما أن يؤثر ولا يتأثر البتة بوجه من الوجوه ،

٢ ـ وإما أن يتأثر ولا يؤثر بوجه من الوجوه ،

٣ ـ وإما أن يؤثر ويتأثر معا ،

٤ ـ وإما أن لا يؤثر ولا يتأثر البتة ،

فهذه أقسام أربعة لا مزيد عليها.

أما القسم الأول وهو الّذي يؤثر ولا يتأثر البتة ، فهو الحق سبحانه وتعالى لأنه واجب الوجود لذاته ولحقيقة هويته (١ ، وكلما

١٢

كان واجبا لذاته كان واجب الوجود من جميع اعتباراته لأن ذاته المخصوصة إن كفت ذلك الإيجاب وذلك السلب ، دام ذلك الإيجاب وذلك السلب لدوام ذاته ، وإن لم تكف فحينئذ يتوقف حصول ذلك السلب وذلك الإيجاب على اعتبار حال الغير ، وتتوقف هويته على حصول ذلك الإيجاب أو ذلك السلب ، والمتوقف على المتوقف على الغير متوقف على الغير ، فحقيقته الموصوفة متوقفة على ذلك الغير الخارج ، والمتوقف على الغير ممكن لذاته ، والممكن لذاته لا يوجد إلا بإيجاد الواجب لذاته ، وللإيجاد تاثير فهو من حيث أنه مستقل بذاته لا يقبل الأثر (الورقة ٢٦٠ و) عن غيره ، كان قائما بنفسه ، ومن حيث أنه يؤثر فى كل ما سواه ويوجد كل ما يغايره فإنه مقوم لغيره ، والقائم بذاته المقوم لغيره يكون فى أعلى (١) درجات القيام بالذات ، واسم ما يكون بهذه الصفة هو صفة القيوم (٢ ، لأنه مبالغة من القيام ، فثبت أنه لما كان الحق سبحانه مؤثرا لا يتأثر كان قيوما محضا ، فلهذا السر اتفق المحققون على أنه أعظم آية فى كتاب الله تعالى هو قوله : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (٣.

وأما القسم الثانى وهو الموجود الّذي يتأثر ولا يؤثر فهو الهيولى ، فقد صح عندنا أن هيولى هذا العالم الجسمانى هو الأجزاء التى لا تتجزى (٢) ، وعند غيرنا هيولى الأجسام موجود ليس بمتحير ، وصورتها (٣) هى التحيز والحجمية.

__________________

(١) المخطوطة : اعلا

(٢) أيضا : لا تتجزى

(٣) أيضا : صورتهما

١٣

إذا عرفت هذا ، فنقول : تلك الأجزاء من حيث هى هى ليست حارة ولا باردة ولا رطبة ولا يابسة ولا مجتمعة ولا مفترقة ، بل هى قابلة لهذه الصفات ولهذه الأحوال.

وتلك الأجزاء تسمى عند بعضهم الهيئات ، وليس فيها إلا مجرد القبول والطاعة والانقياد ، ولما كان الوجود بإعطاء الجود لا يصح إلا من الموجود ، وكان القبول والتأثر لا يحصل إلا عند حصول العدم ، لا جرم قيل فى الكتاب الإلهي : (اللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) (٤.

إذا عرفت هذا ، فنقول : إن الوجود أشرف من العدم ، ولهذا السبب كان أشرف الموجودات المؤثر الّذي لا يتأثر ، وهو الله سبحانه وتعالى ، وأخسها المتأثر الّذي لا يؤثر وهو الهيولى.

وأما القسم الثالث : وهو الّذي يؤثر ويتأثر معا فهو عالم الأرواح والنفوس ، وذلك لأنه لما ثبت أن واجب الوجود ليس إلا الواحد ثبت أنه كل ما سوى الواحد ممكن لذاته ، وكلما كان ممكنا لذاته ، فإنه لا يوجد إلا بإيجاد غيره ، وذلك الشيء فقد قبل الأثر من ذلك الغير. فثبت أن الأرواح قابلة للأثر من الغير ، وأما انها مؤثرة ، فمنهم من قال لا مؤثر إلا الواحد ، وذلك لأن الممكنات مشتركة فى معنى الإمكان ، ومعنى الإمكان محوج إلى المؤثر ، فأما ان يحوج إلى مؤثر معين فى نفسه أو إلى مؤثر غير معين فى نفسه ، والثانى محال ، لأن ما لا يكون معينا فى نفسه لم يكن موجودا فى نفسه ، وما لا يكون موجودا فى نفسه استحال ان يكون معطيا للوجود لغيره ، ولما بطل هذا (فلا بد من أن يثبت) الأول ، وهو أن

١٤

الإمكان محوج إلى شيء معين فى نفسه ، وكل ممكن فهو محتاج إلى ذلك المعين فلا مؤثر الا الواحد.

ثم إن هؤلاء قالوا : الأرواح مغيرات لا أنها مؤثرات ، وقال آخرون الأرواح مؤثرة فى عالم الاجسام مدبرة لها متصرفة فيها ، ونصروا هذا القول بوجوه فلسفية وشيدوها برموز نبوية ، فإنه تعالى قال : فى صفة الملائكة : (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) وقال : (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) (٥.

إذا ثبت هذا ظهر على كلى القولين أن عالم الأرواح متوسط بين العالم الالهى والعالم الجسمانى متوسطا لا بالحيز والجهة بل بالشرف والرتبة ، فهى من حيث أنها مؤثرة فى الجسمانيات (ما) كانت أدون منها. فلا جرم كانت هذه الدرجة متوسطة بين الدرجتين الاوليين.

إذا عرفت هذا فنقول : إن الروحانيات (٦ مراتب ودرجات فأعلاها مرتبة وأجلها درجة الذين (الورقة ٢٦٠ ظ) يكونون مستغرقين فى نور جلال الربوبية استغراقا تاما بحيث لا يتفرغون مع ذلك الاستغراق لتدبير العالم الجسمانى ، فطعامهم التوحيد ، وشرابهم التفريد والتمجيد ، استغرقوا فى أنوار جلاله ولم يتفرغوا للشيء سوى الله وهؤلاء هم الملائكة المقربون ، وقد عبر الكتاب الالهى عن هذه المرتبة بقوله : (وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) الآية (٧.

ثم إن لهذا القسم من الروحانيات درجات فى العرفان لا نهاية لها ، ولا يعرفها إلا الله ، لأنا بينا أن أنوار جلال الله لا نهاية لها ، فكذلك درجات العارفين فى العرفان أيضا لا نهاية لها.

١٥

ثم أنه لما كان لا صفة لهذا القسم من الروحانيات إلا الاستغراق فى المعارف الإلهية وتعقل تلك الجلالات الصمدية ، لا جرم سمى الحكماء الإلهيون لهذا القسم من الأرواح بالعقول المحضة ، لأنها وإن كانت جواهر قائمة بأنفسها ، إلا أنها لكثرة تعدادها وشدة معارفها صاروا كأنهم عين تلك التعقلات ، ونفس تلك الإدراكات.

فإن قال قائل : فعلى ما تقولونه انتم؟ لم يبق لهذا القسم من الروحانيات إلا قبول الوجود عن الحق ، وقبول القدسية عن أضواء للوائح لجلال الحق ، وكل ذلك انفعال وتاثير ، فأين الأثر والفعل؟

قلنا : إنها وإن كانت مستغرقة فى تلك التعقلات الإلهية للأضواء الصمدية ، إلا أنه لا يبعد أن تفيض عنها آثارها إلى عالم الأرواح أو على الأجرام الفلكية ، فيضان النور عن الشمس والحياة عن الروح ، وبهذا التقدير أنها تكون فعالة لا يبعد أن تكون مرتبة من مراتب تلك النفوس المشرقة ، اذا كانت أدنى حالا من غيرها ، فإنها تقبل تلك الأضواء عن ذلك الغير الّذي هو أكمل منها (١) ، كما أن الشمس والقمر ، وإن كانا فى العالم الجسمانى جوهرين علويين شريفين (٢) ، إلا أن القمر لما كان أضعف حالا من الشمس لا جرم صار يقبل النور عنها ، ثم أنه بعد قبول ذلك النور عن الشمس يصير فياضا على العالم الأرضى السفلى ، ولا يبعد ان يكون حال الروحانيات هكذا.

وأما الدرجة الثانية من عالم الأرواح والنفوس فهم الذين التفتوا

__________________

(١) المخطوطة : منه

(٢) أيضا : سريعين

١٦

إلى تدبير عالم الاجسام ، وما توغلوا فى الاستغراق فى الحنين إلى الصمدية ، بحيث يذهلهم ذلك عن الالتفات إلى أفق الأسفل الجسمانى ، وإن هذا القسم أيضا متفاوت (١) فى الشرف ، فكل من كان تعقله لجسم أشرف وأقوى كان هو فى نفسه أعلى وأبهى.

ولما كان أعظم الموجودات فى الأفق الجسمانى هو العرش (٨ كان أقوى الأرواح المتعلقة بتدبير الأجسام هو الروح المتصرف فى كرة العرش ، ولا يبعد أن يكون هو المسمى بالروح الأعظم (٩ ، ولا يبعد أن يكون له قوى وفروع تلبث فى جنبات تلك الكرة ، وأن يكون لتلك الفروع فروع أخرى ، والإشارة إلى تلك الفروع فى قوله : (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) (١٠. والإشارة إلى فروع الفروع بقوله : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) (١١.

ثم يليه فى الدرجة الروح المتصرف فى الكرسى ، كما قال : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) (١٢.

ثم تليه الأرواح (٢) المدبرة بكرة زحل ، ثم بسائر كرات السموات وأجرام الكواكب على اختلاف درجاتها ومراتبها ، حتى ينتهى إلى الأرواح (٣) المدبرة لكرة القمر ثم لكرة الهواء ثم الماء والبحار والأرض وجبالها ، وكل ما ذكرناه على وفق كلام صاحب الشرع ، فإنه كان (الورقة ٢٦١ و) يقول : «جاءنى ملك البحار» (١٣ ،

__________________

(١) المخطوطة : متفاوتون

(٢) أيضا : الروح

(٣) أيضا : الروح

١٧

فقال كذا وكذا (١) ، وملك الجبال وملك الرعد وخازن الجنة وخازن النار ، فهذا الّذي ذكرناه وشرحناه كما تقرر بالبرهان فقد تأكد بالوحى والقرآن.

واعلم أنك قد عرفت أن القسم الاول من اقسام الروحانيات أشرف من القسم الثانى (٢) ولا يبعد أن تسيح (١٤ من القسم الأول أنوار علوية شريفة على القسم الثانى فيقوى على تدبير هذه الأجسام بواسطة تلك الأنوار التى ساحت عليها من القسم الاول.

واعلم أنك بهذا الطريق الّذي بيناه يظهر لك أن عالم النفوس والأرواح ابتدأت بالأشرف والأشرف منحطا إلى الأدون فالأدون ، حتى بلغت أجزاء المراتب إلى الأرواح الأرضية وهى بالنسبة إلى الأرواح العامة كنسبة الأجساد الى الأجساد ، ثم إن الأرواح الأرضية هما بينها تتفاوت تفاوتا شديدا فى الشرف والدناءة ، فأعلاها وأشرفها الأرواح البشرية وتليها الأرواح البهيمية وتليها القوى النباتية ، وهى أيضا من جنس الارواح ، وهى آخر مراتب عالم الأرواح ، فهذا هو الكلام فى مراتب القسم الثالث وهو الموجود الّذي يؤثر ويتأثر معا.

وإنما القسم الرابع وهو الموجود الّذي لا يؤثر ولا يتأثر البتة ، فهذا ممتنع الوجود فى العقول ، لأنا لما دللنا على أن ما سوى الواحد الأحد الحق ممكن الوجود لذاته واجب لغيره لزم أن كل ما سوى ذلك الواحد أنه قبل الأثر عنه ، ووجد به ، فيكون عنه ، فكان هذا

__________________

(١) المخطوطة : كذى وكذى

(٢) أيضا : من قسم الثانى

١٨

القسم ممتنعا.

ومن الناس من يقول : الفضاء الّذي لا نهاية له ، والمدة التى لا نهاية لها من هذا القسم ، وفيه اسرار دقيقة غامضة (١) لا يليق ذكرها فى هذا الموضع.

الفصل الثالث

فى بيان مراتب الأرواح البشرية

اعلم أن الكلام فى تلخيص هذا المطلوب لا يتهذب إلا بتقديم مقدمة ، وهى أنا نعلم بالبداهة (٢) انا نحب شيئا ونكره شيئا. فنقول : إما أن يكون هاهنا شيء يكون محبوبا لذاته ، وشيء مكروها لذاته. وإما أن يقال أن كل شيء فإنما يكون محبوبا لاشتماله على شيء اخر. وإنما يكون مكروها لاشتماله على شيء آخر ، وهذا القسم الثانى باطل لا فضائه إما الى التسلسل (١ ، وإما إلى الدور (٢ ، وهما باطلان.

وهب أنا سلمنا صحة التسلسل والدور ، إلا انه (٣) على هذا التقدير لا يكون فى تلك السلسلة المادة ، والدائرة شيء يكون محبوبا فى نفسه ، فعلى هذا القول ، فإن كل شيء فانما يكون محبوبا لأجل اشتماله (٤) على شيء آخر. فوجب القول بأنه ليس هاهنا محبوب البتة ولا مكروه البتة ، لكنا قد بينا ان العلم البديهى حاصل

__________________

(١) المخطوطة : غميضه

(٢) أيضا : بالبديهة

(٣) أيضا : أن

(٤) أيضا : لاشتماله ، على هامش المخطوطة : لاجل اشتماله

١٩

بأن هاهنا محبوبا ومكروها. هذا خلف ، فثبت ان هاهنا من هو محبوب لذاته ، وشيء هو مكروه لذاته.

ثم أنا لما بحثنا وتأملنا لم نجد شيئا يمكن أن يقال إنه محبوب لذاته سوى اللذة والكمال. وفى الحقيقة لا فرق بينهما ، لأن يكون لذيذا يكون سببا لحصول كمال حال الملتذ ، وما يكون كمالا يكون لذيذا ، إلا أنا سمينا اللذيذ الجسمانى باللذة واللذيذ الروحانى (١) بالكمال.

وأيضا المكروه بالذات هو الألم والنقصان ، وفى الحقيقة لا فرق بينهما على ما تقدم تقريره فالكمال محبوب لذاته بذاته ، من حيث انه كمالى ، والنقصان مكروه بذاته لذاته من حيث انه نقصان.

ومما يقرر هذه (الورقة ٢٦١ ظ) المقدمة بعد ما سبق البرهان القاهر وجوه :

الأول ان الناقص اذا وصف بصفات المدح فرح به وان كان يعرف ان القائل كاذب ، والكامل اذا وصف بصفات الذم حزن ، وان كان يعلم كذب القائل ، وما ذاك الا لأن تصور حصول الكمال لذاته لذيذ ، وتصور خيال النقصان مكروه لذاته.

الثانى إنك متى سمعت فى اخبار رستم واسفنديار (٣ شدة شجاعتهما واستيلائهما على الاقران دخل فى قلبك حب شديد لهما ، ولهذا السبب صار القاص يجمع العوم بأمثال هذه الحكايات ستخرجون الأموال منهم بهذه الطرق ، وذلك يدل على ان الكمال محبوب لذاته.

الثالث انا اذا حاولنا صنعة التجارة طلبنا من انفسنا انا لم اقدمنا

__________________

(١) المخطوطة والروحانى.

٢٠