علم اليقين في أصول الدين - ج ١

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

علم اليقين في أصول الدين - ج ١

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


المحقق: محسن بيدارفر
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات بيدار
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
ISBN: 964-90800-2-3
ISBN الدورة:
964-90800-1-5

الصفحات: ٧١٦

فصل [٣]

[تعليم الصلاة في المعراج]

وروى ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني ـ رحمه‌الله ـ في الكافي (١) عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اذينة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ قال ـ :

قال : «ما تروي هذه الناصبة»؟

فقلت : «جعلت فداك ـ في ما ذا»؟

فقال : «في أذانهم وركوعهم وسجودهم».

فقلت : «إنّهم يقولون : إنّ ابيّ بن كعب رآه في النوم».

فقال : «كذبوا ، فإنّ دين الله أعزّ من أن يرى في النوم».

ـ قال ـ : «فقال له سدير الصيرفي : «جعلت فداك ـ فأحدث لنا من ذلك ذكرا».

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الله ـ تعالى ـ لمّا عرّج بنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى سماواته السبع ، أمّا أولادهنّ : فبارك عليه ، والثانية : علّمه فرضه. فأنزل الله محملا من نور فيه أربعون نوعا من أنواع النور ، كانت محدقة بعرش الله تغشي أبصار الناظرين.

__________________

(١) ـ الكافي : كتاب الصلاة ، باب النوادر ، ح ١ ، ٣ / ٤٨٢ ـ ٤٨٧. ورواه الصدوق (ره) بطرق مختلفة ومع اختلاف في الألفاظ في العلل : باب علل الوضوء والأذان والصلاة : ٢ / ٣١٢. عنه البحار : ١٨ / ٣٥٤ ، ح ٦٦. ٨٢ / ٢٣٧.

٧٠١

أمّا واحد منها فأصفر ـ فمن أجل ذلك اصفرّت الصفرة ، وواحد منها أحمر ـ فمن أجل ذلك احمرّت الحمرة ـ وواحد منها أبيض ـ فمن أجل ذلك ابيضّ البياض ، والباقي على عدد سائر الخلق من النور. فالألوان في ذلك المحمل حلق وسلاسل من فضّة.

ثمّ عرج به إلى السماء ، فنفرت الملائكة إلى أطراف السماء وخرّت سجّدا وقالت : «سبّوح قدّوس ، ما أشبه هذا النور بنور ربّنا».

فقال جبرئيل : «الله اكبر ، الله اكبر».

ثمّ فتحت أبواب السماء واجتمعت الملائكة فسلّمت على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أفواجا ، وقالت «يا محمّد ـ كيف أخوك؟ إذا نزلت فاقرأه السلام».

قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أفتعرفونه»؟

قالوا : «وكيف لا نعرفه ، وقد أخذ ميثاقك وميثاقه منّا ، وميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا ، وإنّا لنتصفّح وجوه شيعته كلّ يوم وليلة خمسا ـ يعنون في كلّ وقت صلاة ـ وإنّا لنصلّي عليك وعليه».

ثمّ زادني ربّي أربعين نوعا من أنواع النور لا يشبه نور الأوّل ، وزادني حلقا وسلاسل ، وعرج بي إلى السماء الثانية ، فلمّا قربت من باب السماء الثانية نفرت الملائكة إلى أطراف السماء وخرّت سجّدا وقالت : «سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والروح ، ما أشبه هذا النور بنور ربّنا».

فقال جبرئيل : «أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله».

فاجتمعت الملائكة وقالت : «يا جبرئيل ـ من هذا معك»؟

قال : «هذا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله».

قالوا : «وقد بعث»؟ قال : «نعم».

٧٠٢

ـ قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فخرجوا إلى شبه المعانيق ، فسلّموا عليّ وقالوا : «أقرئ أخاك السلام».

قلت : «أتعرفونه»؟

قالوا : «وكيف لا نعرفه ، وقد اخذ ميثاقك وميثاقه وميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا ، وإنّا لنتصفّح وجوه شيعته في كلّ يوم وليلة خمسا» ـ يعنون في كلّ وقت الصلاة ـ.

ـ قال : ـ ثمّ زادني ربّي أربعين نوعا من أنواع النور ـ لا يشبه الأنوار الاول ؛ ثمّ عرج بي إلى السماء الثالثة ، فنفرت الملائكة وخرّت سجّدا وقالت : «سبّوح قدّوس ، ربّ الملائكة والروح ، ما هذا النور الذي يشبه نور ربّنا»؟

فقال جبرئيل : «أشهد أنّ محمّدا رسول الله ، أشهد أنّ محمّدا رسول الله».

فاجتمعت الملائكة وقالت : «مرحبا بالأوّل ومرحبا بالآخر ، ومرحبا بالحاشر ومرحبا بالناشر ، محمّد خير النبيّين ، وعليّ خير الوصيّين». ـ قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ـ ثمّ سلّموا عليّ وسألوني عن أخي. فقلت : «هو في الأرض ، أفتعرفونه»؟

فقالوا : «وكيف لا نعرفه ، وقد نحجّ البيت المعمور كلّ سنة وعليه رقّ أبيض ، فيه اسم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله واسم عليّ والحسن والحسين والأئمّة وشيعتهم إلى يوم القيامة ، وإنّا لنبارك عليهم في كلّ يوم وليلة خمسا» ـ يعنون به وقت كلّ صلاة ـ ويمسحون رءوسهم بأيديهم.

٧٠٣

قال : ثمّ زادني ربّي أربعين نوعا من أنواع النور لا يشبه تلك الأنوار الاول ، ثمّ عرج بي حتّى انتهيت إلى السماء الرابعة ؛ فلم تقل الملائكة شيئا ، وسمعت دويّا كأنّه في الصدور ، فاجتمعت الملائكة وفتحت أبواب السماء ، وخرجت إلى شبه المعانيق.

فقال جبرئيل عليه‌السلام : «حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ؛ حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح».

فقالت الملائكة : «صوتان مقرونان معروفان».

فقال جبرئيل عليه‌السلام : «قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة».

فقالت الملائكة : «هي لشيعته إلى يوم القيامة».

ثمّ اجتمعت الملائكة وقالت : «كيف تركت أخاك»؟

فقلت لهم : «وتعرفونه»؟

قالوا : «نعرفه وشيعته وهم نور حول عرش الله ، وإنّ في البيت المعمور لرقّا من نور فيه كتاب من نور ، فيه اسم محمّد وعليّ والحسن والحسين والأئمّة ـ صلوات الله عليهم ـ وشيعتهم إلى يوم القيامة ، لا يزيد منهم رجل (١) ، ولا ينقص منهم رجل ، وإنّه لميثاقنا ، وإنّه ليقرأ علينا كلّ يوم جمعة».

* * *

ثمّ قيل لي : «ارفع رأسك ـ يا محمّد» ، فرفعت رأسي ، فإذا أطباق السماء قد خرقت ، والحجب قد رفعت ؛ ثمّ قال لي : «طأطأ رأسك ،

__________________

(١) ـ كذا. وفي المصدر : لا يزيد فيهم.

٧٠٤

انظر ما ذا ترى» ؛ فطأطأت رأسي فنظرت إلى بيت مثل بيتكم هذا ، وحرم مثل حرم هذا البيت ، لو القيت شيئا من يدي لم يقع إلّا عليه. فقيل لي : «يا محمّد ـ هذا الحرم ، وأنت الحرام ، ولكلّ مثل مثال».

ثمّ أوحى الله إليّ : «يا محمّد ـ ادن من صاد ، فاغسل مساجدك وطهّرها ، وصلّ لربّك».

فدنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من صاد ـ وهو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن ، فتلقّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الماء بيده اليمنى ؛ فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين.

ثمّ أوحى الله إليه أن «أغسل وجهك ، فإنّك تنظر إلى عظمتي ، ثمّ اغسل ذراعيك اليمنى واليسرى ، فإنّك تلقي بيديك كلامي ـ ثمّ امسح رأسك بفضل ما بقي في يديك ـ من الماء ـ ورجليك إلى كعبيك ، فإنّي ابارك عليك واوطئك موطئا لم يطأه أحد غيرك».

ـ فهذا علّة الأذان والوضوء. ـ

ثمّ أوحى الله ـ تعالى ـ إليه : «يا محمّد ـ استقبل الحجر الأسود ، وكبّرني على عدد حجبي» فمن أجل ذلك صار التكبير سبعا ، لأنّ الحجب سبع ـ فافتتح عند انقطاع الحجب ، فمن أجل ذلك صار الافتتاح سنّة ، والحجب متطابقة بينهنّ بحار النور ، وذلك النور النور الذي أنزله الله ـ تعالى ـ على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن أجل ذلك صار الافتتاح ثلاث مرّات لافتتاح الحجب ثلاث مرّات ، فصار التكبير سبعا والافتتاح ثلاثا.

فلمّا فرغ من التكبير والافتتاح ، أوحى الله إليه : «سمّ باسمي» ـ فمن أجل ذلك جعل (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في أوّل السورة ـ.

٧٠٥

ثمّ أوحى الله إليه أن «أحمدني» ، فلمّا قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في نفسه : «شكرا». فأوحى الله إليه : «قطعت حمدي ، فسمّ باسمي» فمن أجل ذلك جعل في الحمد (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) مرّتين ؛ فلمّا بلغ : (وَلَا الضَّالِّينَ) ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الحمد لله ربّ العالمين شكرا».

فأوحى الله إليه : «قطعت ذكري ، فسمّ باسمي» ـ فمن أجل ذلك جعل (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [في أول السورة] (١) ؛ ثمّ أوحي الله إليه : «اقرأ ـ يا محمّد ـ نسبة ربّك : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ* اللهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (٢).

ثمّ امسك عنه الوحي ، فقال رسول الله : «كذلك الله ، كذلك الله ربّنا» ، فلمّا قال ذلك ، أوحى الله إليه : «اركع لربّك ـ يا محمّد». فركع ؛ فأوحى الله إليه وهو راكع ، قل : «سبحان ربّي العظيم». ففعل ذلك ثلاثا.

ثمّ أوحى الله إليه أن «ارفع رأسك ـ يا محمّد». ففعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقام منتصبا. فأوحى الله ـ عزوجل ـ إليه : «أن اسجد لربّك ـ يا محمّد». فخرّ رسول الله ساجدا. فأوحى الله ـ عزوجل ـ إليه ، قل : «سبحان ربّي الأعلى». ففعل ذلك ثلاثا.

ثمّ أوحى الله إليه : «استو جالسا ـ يا محمّد». ففعل ؛ فلمّا رفع رأسه من سجوده واستوى جالسا ، نظر إلى عظمة تجلّت له ، فخرّ

__________________

(١) ـ إضافة من المصدر.

(٢) ـ اضيف في المصدر : ثمّ امسك عنه الوحي فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الواحد الأحد الصمد» فأوحى الله إليه : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ).

٧٠٦

ساجدا من تلقاء نفسه ـ لا لأمر امر به ـ فسبّح أيضا ثلاثا.

فأوحى الله إليه انتصب قائما. ففعل فلم ير ما كان رأى من العظمة ، فمن أجل ذلك صارت الصلاة ركعة وسجدتين.

ثمّ أوحى الله ـ تعالى ـ إليه : «اقرأ بالحمد لله» ، فقرأها مثل ما قرأ أوّلا ، ثمّ أوحى الله إليه ، اقرأ : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) ، فإنّها نسبتك ونسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة ، وفعل فى الركوع ما فعل في المرّة الاولى ، ثمّ سجد سجدة واحدة ، فلمّا رفع رأسه تجلّت له العظمة ، فخرّ ساجدا من تلقاء نفسه ـ لا لأمر امر به ـ فسبّح أيضا.

ثمّ اوحي إليه : «ارفع رأسك ـ يا محمّد ـ ثبّتك ربّك». فلمّا ذهب ليقوم ، قيل : «يا محمّد ـ اجلس» ، فجلس ؛ فأوحى الله إليه «يا محمّد ـ إذا ما أنعمت عليك فسمّ باسمي» ، فالهم أن قال : «بسم الله وبالله ، ولا إله إلّا الله ، والأسماء الحسنى كلّها لله». ثمّ أوحى الله إليه : «يا محمّد ـ صلّ على نفسك وعلى أهل بيتك». فقال : «صلى الله عليّ وعلى أهل بيتي».

ثمّ التفت ، فإذا بصفوف من الملائكة والمرسلين والنبيّين ، فقيل : «يا محمّد ـ سلّم عليهم». فقال : «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته». فأوحى الله إليه : «أنا السلام والتحيّة ، والرحمة والبركات أنت وذريّتك».

ثمّ أوحى الله إليه : «أن لا تلتفت يسارا» ، فأوّل آية سمعها بعد قل هو الله أحد وإنّا أنزلناه ، آية : أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ـ فمن أجل ذلك كان السلام واحدة تجاه القبلة ، ومن أجل ذلك كان التكبير في السجود شكرا.

وقوله : «سمع الله لمن حمده» ، لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سمع ضجّة الملائكة

٧٠٧

بالتسبيح والتحميد والتهليل ـ ومن أجل ذلك قال : «سمع الله لمن حمده» ، ومن أجل ذلك صارت الركعتان الأوليان كلّما احدث فيهما حدثا كان على صاحبهما إعادتهما.

فهذا الفرض الأوّل ، وهي صلاة الزوال ـ يعني صلاة الظهر ـ.

فصل [٤]

[مثال علي عليه‌السلام في المعراج]

وروى عليّ بن إبراهيم في تفسيره (١) ، بإسناده عن أبي بردة الأسلمي (٢) قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعليّ عليه‌السلام : «يا علي ـ إنّ الله أشهدك معي في سبعة مواطن :

«أمّا أوّل ذلك فليلة اسري بي إلى السماء ، قال لي جبرئيل : «أين أخوك»؟ قلت : «خلّفته ورائي». قال : «ادع الله فليأتك به». فدعوت الله وإذا مثالك معى ، وإذا الملائكة وقوف صفوف ؛ فقلت : «يا جبرئيل ـ من هؤلاء»؟ قال : «هم الذين يباهيهم الله بك يوم القيامة». فدنوت ، فنطقت بما كان ويكون إلى يوم القيامة.

__________________

(١) ـ تفسير القمي : ٢ / ٣٤٤ ـ ٣٤٥ ، تفسير الآية (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى ...). عنه البحار : ١٨ / ٤٠٥ ، ح ١١٢. وجاء مع اختلاف في الألفاظ في أمالي الطوسي (المجلس الثاني والثلاثون ، ح ٢١ ، ٦٤٢) عن الصادق عن آبائه عن علي عليهم‌السلام.

عنه البحار : ١٨ / ٣٨٨ ، ح ٩٧ و ٤٠ / ٣٥ ، ح ٧٠. وورد شطر منه في بصائر الدرجات : الجزء الثاني ، باب (٢٠) في الأئمة عليهم‌السلام أنه عرض عليهم ملكوت السماوات ... ، ١٠٧ ، ح ٣. عنه البحار : ٢٦ / ١١٥ ، ح ١٦.

(٢) ـ كذا في النسخ والمصدر ؛ ولم يذكر في تراجم رجال الحديث والصحابة هذا العنوان ، والأظهر أنه مصحف بريدة الأسلمي كما جاء في بصائر الدرجات.

٧٠٨

والثاني : حين اسري بي في المرّة الثانية ، فقال جبرئيل : «أين أخوك»؟ قلت : «خلّفته ورائي». قال : «ادع الله فليأتك به». فدعوت الله ، فاذا مثالك معي ، فكشط لي عن سبع سماوات حتّى رأيت سكّانها وعمّارها وموضع كلّ ملك منها.

والثالث : حين بعثت إلى الجنّ ، فقال لي جبرئيل : «أين أخوك»؟ قلت : «خلّفته ورائي». فقال : «ادع الله فليأتك به» ؛ فدعوت الله فإذا أنت معي ، فما قلت لهم شيئا إلّا سمعته.

الرابع : خصّصنا بليلة القدر وليست لأحد غيرنا.

والخامس : دعوت الله فيك ، وأعطاني فيك كلّ شيء إلّا النبوّة ، فإنّه قال : «خصصتك به (١) وختمتها بك».

والسادس : لمّا اسري بي إلى السماء جمع الله لي النبيّين فصلّيت بهم ومثالك خلفي.

والسابع : هلاك الأحزاب بأيدينا».

وهذا الحديث كما ترى يدلّ على أنّ الإسراء كانت مرّتين موافقا لما ذكره بعض العامّة ، وأنّ مثال مولانا أمير المؤمنين عليهم‌السلام كان معه في جميع الوقائع.

[خاطبني ربي بلغة عليّ بن أبي طالب]

وروى ابن عمر (٢) قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ واسأل : «بأيّ

__________________

(١) ـ المصدر : بها.

(٢) ـ مناقب الخوارزمي : الفصل السادس في محبة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إياه عليه‌السلام ، ٣٧.

٧٠٩

لغة خاطبك ربّك ليلة المعراج»؟ ـ فقال : «خاطبني بلغة عليّ بن أبي طالب ، فالهمت أن قلت : يا ربّ خاطبتني أم عليّ»؟

فقال : «يا أحمد ـ أنا شيء ليس كالأشياء ، ولا اقاس بالناس ، ولا اوصف بالأشياء ، خلقتك من نوري ، وخلقت عليّا من نورك ، فاطّلعت على سرائر قلبك فلم أجد إلى قلبك أحبّ من عليّ بن أبي طالب ، فخاطبتك بلسانه كي يطمئنّ (١) قلبك».

ـ كذا في كشف الغمّة (٢) ـ.

فصل [٥]

[وصف البراق وسدرة المنتهى]

قيل في وصف البراق (٣) : إنّها دابّة وجهها كوجه الإنسان ، وآذانها كآذان الفيلة ، وعرفها كعرف الفرس ، وقوائمها كقوائم البعير ، وذنبها كذنب البقرة.

وقيل : إنّ في فخذيه جناحين يحفّ بها رجليه ، سمّي ب «البراق» لبريق لونه ، أو لإشراق نوره ، أو لسرعة ذهابه.

وقيل في سدرة المنتهى (٤) : أنّه ينتهي إليها كلّ أحد من أمّته. وهي

__________________

(١) ـ في هامش النسخة : كيما يطمئن ـ خ ل.

(٢) ـ كشف الغمة : في محبة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إياه ... : ١ / ١٠٦. عنه البحار : ٣٨ / ٣١٢.

(٣) ـ جاء ما يقرب منه في قصص الأنبياء : الفصل السادس من الباب العشرون ، ح ٤٠٦ ، ٣٢٥. ومثله في مناقب ابن شهرآشوب : فصل في معراجه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ١ / ١٧٧.

البحار : ١٨ / ٣٧٥ ، ح ٨١. ١٨ / ٣٨١ ، ح ٣٨٦.

(٤) ـ مضى في حديث المعراج «... أن الورقة منها تظل أمّة من الامم ...»

٧١٠

شجرة يسير الراكب في ظلّها سبعين عاما ، وأنّ ورقه (١) مثل مظلّة الخلق يغشاها نور ، وغشيها الملائكة ، فذلك قوله ـ تعالى ـ : (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) [٥٣ / ١٦].

وروى : أنّها من أصل العرش ، وأنّها على رءوس حملته كأنّ ثمرها القلال ، يغشاها فراش من ذهب (٢) ، إذا غشيها من أمر الله ما غشى تغيّرت فما يستطيع أحد من الخلق أن ينعتها من حسنها.

وقيل : إنّها تحمل الحلى والحلل والثمار من جميع الألوان لأهل الجنّة ، على كلّ ورقة منها ملك يسبّح الله تعالى ، لو أنّ ورقة منها وضعت في الأرض لأضاءت لأهل الأرض ، وأنّها هي شجرة طوبى.

[وصف إبراهيم وموسى وعيسى عليهم‌السلام]

وروي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وصف لأصحابه إبراهيم وموسى وعيسى ، فقال : «أمّا إبراهيم : فلم أر بصاحبكم أشبه رجلا منه ، ولا صاحبكم أشبه به منه. وأمّا عيسى (٣) : فرجل أحمر بين الطويل والقصير ، سبط

__________________

(١) ـ كتب فوقها : منها ظ.

(٢) ـ جاء في الترمذي في وصف السدرة (كتاب صفة الجنة ، باب (٩) ما جاء في صفة ثمار أهل الجنة : ٤ / ٦٨٠ ، ٢٥٤١) : «... فيها فراش الذهب ، كأن ثمرها القلال».

(٣) ـ سقط هنا وصف موسى. وجاء في مسلم (كتاب الإيمان ، باب (٧٤) الإسراء برسول الله : ١ / ١٥٣ ، ح ٢٧١) والمسند (٣ / ٣٣٤) : «... فإذا موسى ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى بن مريم عليه‌السلام ، فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود ، ورأيت إبراهيم ـ صلوات الله عليه ـ ، فإذا أقرب من رأيت به شبها صاحبكم ـ يعني نفسه ...». وجاء أيضا في مسلم (١ / ١٥٤ ، ح ٢٧٢) : «... لقيت موسى ... فإذا رجل مضطرب الرأس كأنه من رجال شنوءة ـ قال : ـ ولقيت عيسى ... فإذا ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس ـ يعني حماما ـ ... ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه ـ وأنا أشبه ولده به».

٧١١

الشعر كأنّه يخرج من ديماس ، يخال رأسه يقطّر ماء ـ ليس به ماء ـ أشبه رجالكم به عروة بن مسعود الثقفي (١)».

واختلف في الإسراء (٢) : هل كان قبل الهجرة بسنة ، أم كان قبل البعثة؟

وهل كان في دار أمّ هاني ، أم في المسجد ، أم في الأبطح؟

بروحه كان أم بجسده؟

في اليقظة أو المنام؟

وهل فقد تلك الليلة جسده الشريف ، أم لا؟

وأنت يمكنك أن تعرف الحقّ في الأخيرة ممّا أعطيناك من الاصول في تحقيق النفس الإنسانيّة والأرواح المتعلقة بها وأحوال المعجزات وغير ذلك.

* * *

__________________

(١) ـ من الصحابة ، أسلم وخرج يدعو قومه إلى الإسلام ، فرموه بالنبل وقتلوه (اسد الغابة : ٣ / ٥٢٨ ـ ٥٢٩ ، الترجمة ٣٦٥٢).

(٢) ـ تفسير الفخر الرازي : سورة الإسراء ، ٢٠ / ١٤٦ ـ ١٤٧.

٧١٢

فصل [٦]

قيل : كان في الإسراء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بلاء وتمحيص وأمر من الله تعالى في قدرته وسلطانه ، وحكمة بالغة وعبرة لاولي الألباب ، وهدى ورحمة وثبات لمن آمن وصدّق وكان من أمر الله على يقين.

فأسرى به كيف شاء ، وكما شاء ، ليريه من عجائب آياته ما أراد ، حتّى عاين ما عاين من غيوبه ، ومكنون ملكوته ، وسلطانه العظيم ، وقدرته التي يصنع بها ما يريد.

وفي بعض الروايات (١) :

إنّ الله جمع له الأنبياء في بيت المقدّس ، فيهم إبراهيم وموسى وعيسى ، فصلّى بهم كما أمّ أهل السماء ، ليتمّ له سيادة أهل السماوات والأرض والشرف عليهم.

وفي رواية (٢) :

إنّ الأنبياء أثنوا على ربّهم ، وإنّ محمّدا أثنى على ربّه ، فقال : «الحمد لله الذي أرسلني رحمة للعالمين وكافّة للناس ، بشيرا ونذيرا ، وأنزل عليّ القرآن فيه تبيان كلّ شيء ، وجعل أمّتي خير أمّة اخرجت

__________________

(١) ـ جمع الأنبياء في بيت المقدس وإمامته صلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم ، وكذا إمامته لأهل السماوات مضى في أحاديث المعراج.

(٢) ـ أخرجه البيهقي في الدلائل : باب أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عرج به إلى السماء : ٢ / ٤٠٠ ـ ٤٠١.

٧١٣

للناس ، وجعل أمّتي أمّة وسطا ، وجعل أمّتي هم الأوّلون وهم الآخرون ، وشرح لي صدري ، ووضع عنّي وزري ، ورفع لي ذكري ، وجعلني فاتحا وخاتما».

فقال إبراهيم : «بهذا فضّلكم محمّد» (١).

وفي رواية (٢) : قال الله ـ تعالى ـ له : «سل».

قال : «إنّك اتّخذت إبراهيم خليلا ، وأعطيت سليمان ملكا عظيما ـ سخّرت له الإنس والجنّ والشياطين والرياح ، وأعطيته ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ـ وعلّمت موسى التوراة ، وعيسى الإنجيل ، وجعلته يبرئ الأكمه والأبرص ، وأعذته وأمّه من الشيطان الرجيم ، فلم يكن له عليهما من سبيل».

فقال له ربّه : «قد اتّخذتك حبيبا ، فهو مكتوب في التوراة : «محمّد حبيب الرحمن» ؛ وأرسلتك للناس كافّة ، وجعلت أمّتك هم الأولون وهم الآخرون ، وجعلت أمّتك لا تجوز لهم خطبة حتّى يشهدوا أنّك

__________________

(١) ـ كتب في هامش النسخة ـ ويظهر من خطه أن الكاتب غير المؤلف ـ :

هرگز دلم به درد تو از كس دوا نخواست

كام تو جست وحاجت خود را روا نخواست

مشتاق تو به هيچ جمالى نظر نكرد

بيمار تو ز هيچ طبيبى دوا نخواست

بر ما دلت نسوخت ، ندانم چرا نسوخت

ما را دلت نخواست ، ندانم چرا نخواست

(٢) ـ أخرجه البيهقي مع إضافات في الدلائل : باب الدليل على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عرج به إلى السماء : ٢ / ٤٠٢. وجاء ما يقرب منه في البحار : ١٨ / ٣٠٥ ، ح ١١ ، عن كتاب المحتضر مع اختلافات في اللفظ.

٧١٤

عبدي ورسولي ، وجعلتك أوّل النبيّين خلقا وآخرهم بعثا ، وأعطيتك سبعا من المثاني لم أعطها نبيّا قبلك ، وأعطيتك خواتيم سورة البقرة من كنز تحت عرشي ، وجعلتك فاتحا وخاتما».

ـ رواه العامة ـ.

* * *

وقيل (١) ـ في قوله عزوجل : (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) [٥٣ / ١٨] ـ : إنّه رأى جبرئيل في صورته.

وقيل (٢) : رأى رفرفا أخضر قد سدّ الافق.

وقيل : أراه الله من غيوبه وأسراره ما لم يطلع عليه نبيّا قبله ، وأوحى إليه فيما أوحى إليه : أنّ الجنّة محرّمة على الأنبياء حتّى تدخلها أنت ، وعلى الامم حتّى تدخلها أمّتك.

* * *

قيل : إنّ معجزة الإسراء معجزة عظيمة لا يبلغها معجزة من معجزات سائر الأنبياء ، وإن كان لبعض الأنبياء معاريج :

فمعراج نوح : في السفينة حتى طافت في أقطار البرّ وظاهر البحر ، وشاهد امورا من عجائب ذلك.

ومعراج يونس في بطن الحوت ، وأنّه غاض به إلى الأرض السابعة

__________________

(١) ـ راجع البخاري : كتاب التفسير ، سورة النجم : ٦ / ١٧٦.

دلائل النبوة : الباب السابق : ٢ / ٣٦٨ و ٣٧٠.

(٢) ـ البخاري : الصفحة المذكورة. وجاء في الدلائل (الباب السابق : ٢ / ٣٧٢) : «... قد ملأ الافق ...».

٧١٥

واطّلع على غوامض من مكنون ذلك ، فهو معراج ـ أيضا ـ وإن كان تدليا بالنسبة إلى خلقتنا ، إذ علم الله سبحانه به ـ وهو في قرار البحر ـ كعلمه بالنبيّ (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو فوق طباق السماوات السبع ، لأنّه ـ تعالى ـ منزّه عن الجهات ، وقربه بالزلف والكرامات ، لا بقطع المسافات.

وكذا معراج غيرهما من الأنبياء.

لكنّ لنبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله في معراجه خصائص عظيمة ، وكرامات جليلة ،

ومعارف ربّانيّة ، ولطائف رحمانيّة ، ومواهب ملكوتيّة ،

وبوارق نورانيّة ، وطرف حسيّة ، وتحف معنويّة ،

وعلوم قلبيّة ، وأسرار سريّة ، ودقائق خفيّة ،

وحقائق جليّة ، ومشاهدات غيبيّة ،

وأخلاق نبويّة ، وأوصاف زكيّة ،

وترويحات روحانيّة في حظائر قدسيّة ،

ومقاعد صدقيّة ، وتقريبات عنديّة ،

من غير كيفيّة ولا أينيّة ،

فاق بها على سائر البريّة ،

فاق بها على سائر البريّة ،

ونال بها السعادات الأبديّة السرمديّة

ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ

* * *

__________________

(١) ـ في هامش النسخة : بنبينال.

٧١٦