محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]
المحقق: محسن بيدارفر
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات بيدار
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
ISBN: 964-90800-2-3
ISBN الدورة:
الصفحات: ٧١٦
ولا يقول في المنكر ولا يقول في الرضا والغضب إلا الحق (١) ، ويعرض عمّن تكلّم بغير جميل (٢) ، ويكنّى عمّا اضطرّه الكلام إليه ممّا يكره.
وكان إذا سكت تكلّم جلساؤه ، ولا يتنازع عنده في الحديث (٣) ، ويعظ بالجدّ والنصيحة (٤) ، ويقول (٥) : «لا تضربوا القرآن بعضه ببعض ، فإنّه انزل على وجوه».
وكان أكثر الناس تبسّما وضحكا في وجوه أصحابه ، وتعجّبا ممّا تحدّثوا به ، وخلطا لنفسه بهم (٦).
__________________
(١) ـ روى الحاكم (المستدرك : كتاب العلم ، ١ / ١٠٥ ـ ١٠٦) عن ابن عمر : «كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلىاللهعليهوآله وأريد حفظه ، فنهتني قريش وقالوا : تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ورسول الله بشر يتكلم في الرضا والغضب.
ـ قال : ـ فأمسكت ، فذكرت ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : اكتب ، فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق ـ وأشار بيده إلى فيه ـ.
(٢) ـ معاني الأخبار (الباب المذكور ، ٨٣) في حديث علي عليهالسلام في توصيفه صلىاللهعليهوآله : «يتغافل عما لا يشتهي».
(٣) ـ معاني الأخبار (الحديث السابق) : «إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير ، فإذا سكت تكلموا ، ولا يتنازعون عنده الحديث ...».
(٤) ـ روى مسلم (كتاب الجمعة ، باب تخفيف الصلاة والخطبة ، ٢ / ٥٩٢ ، ح ٤٣) : «... إذا خطب احمرّت عيناه وعلا صوته واشتدّ غضبه ، حتى كأنه منذر جيش ...».
(٥) ـ في كنز العمال (١ / ١٩١ ، ح ٩٦٧) : «... إنما هلك الذين من قبلكم بأشباه هذا ، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض ...». ويقرب منه ح ٩٦٦ و ٩٧٠ و ٩٧٧. وجاء فيه (١ / ١٩٣ ، ح ٩٧٦) : «سيكون أقوام من امتي يضربون القرآن بعضه ببعض ليبطلوه ...».
(٦) ـ أخرج الترمذي (كتاب المناقب : باب (١٠) في بشاشة النبي صلىاللهعليهوآله ، ٥ / ٦٠١ ، ح ٣٦٤١) عن عبد الله بن الحارث : «ما رأيت أحدا أكثر تبسّما من رسول الله صلىاللهعليهوآله». ومثله في المسند : ٤ / ١٩٠ ـ ١٩١. وجاء في معاني الأخبار (الحديث السابق عن علي عليهالسلام) : «كان يضحك مما يضحكون ويتعجب مما يتعجبون».
ولربّما يضحك حتّى تبدو نواجذه (١).
وكان (٢) لا يدعوه أحد من أصحابه إلّا قال : «لبّيك» (٣) ، وكانوا لا يقومون له ـ لما عرفوا من كراهته لذلك (٤).
وكان يمرّ بالصبيان فيسلّم عليهم (٥) ، واتي برجل فأرعد من هيبته فقال (٦) : «هوّن عليك ، فلست بملك ، إنّما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد».
__________________
(١) ـ قال ابن الأثير (النهاية : نجذ ، ٥ / ٢٠) : «فيه : «إنّه ضحك حتى بدت نواجذه» ، النواجذ من الأسنان : الضواحك ، وهي التي تبدو عند الضحك. والأكثر الأشهر أنّها أقصى الأسنان. والمراد الأول ، لأنّه ما كان يبلغ به الضحك حتى تبدو أواخر أضراسه ؛ كيف وقد جاء في صفة ضحكه صلىاللهعليهوآله : «جلّ ضحكه التبسّم». وإن اريد بها الأواخر فالوجه فيه أن يراد مبالغة مثله في الضحك ، وهو أقيس القولين ؛ لاشتهار النواجذ بأواخر الأسنان».
أخرج مسلم (كتاب الإيمان ، باب (٨٣) آخر أهل النار خروجا ، ١ / ١٧٣ ، ح ٣٠٨) عن ابن مسعود : «... لقد رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله ضحك حتى بدت نواجذه».
ابن ماجة (كتاب الأحكام ، باب (٢٠) القضاء بالقرعة ، ٢ / ٧٨٦ ، ح ٢٣٤٨) عن زيد بن أرقم : «... فضحك حتى بدت نواجذه».
وقد ورد مثله في مواضع اخر.
(٢) ـ من هنا إلى آخر الفصل مقتبس من الإحياء : الكتاب المذكور ، بيان تواضعه صلىاللهعليهوآله ، ٢ / ٥٤٥.
(٣) ـ حكى الزبيدي (إتحاف السادة المتقين : ٧ / ١٤٣) عن أبي نعيم في الدلائل ، عن عائشة : «ما كان أحسن خلقا منه ، ما دعاه أحد من أصحابه إلا قال : لبيك».
(٤) ـ الشمائل النبوية : باب (٤٧) ما جاء في تواضع رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ٤٠٩ ـ ٤١٠ ، ح ٣٣٧.
(٥) ـ دلائل النبوة : (باب ذكر أخبار رويت في شمائله وأخلاقه ... ، ١ / ٣٣٠) : «مر على صبيان فسلم عليهم».
(٦) ـ أخرجه الحاكم في المستدرك : كتاب التفسير ، سورة ق ، ٢ / ٤٦٦. وليس فيه : «لست بملك».
وكان يجلس بين أصحابه مختلطا بهم ـ كانّه أحدهم ـ فيأتي الغريب فلا يدري أيّهم هو حتّى يسأل عنه ، حتّى طلبوا إليه أن يجلس مجلسا يعرفه الغريب ، فبنوا له دكّانا من طين ، فكان يجلس عليه (١).
وكان يقول : (٢) «إنّما أنا عبد ، آكل كما يأكل العبد ، وأجلس كما يجلس العبد».
وكان لا يأكل على خوان ولا سكرّجة حتّى لحق بالله عزوجل (٣).
فصل [٥]
وعن مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه إذا وصف النبي صلىاللهعليهوآله قال (٤) :
«كان أجود الناس ، وأجرأ الناس صدرا ، وأصدق الناس لهجة ، وأوفاهم بذمّة ، وألينهم عريكة (٥) ، وأكرمهم عشيرة ؛ من رآه
__________________
(١) ـ مضى تخريجه في الفصل السابق.
(٢) ـ جاء مع فرق يسير في اللفظ في طبقات ابن سعد : ذكر صفته في مأكله صلىاللهعليهوآله ، ١ / ٣٨١.
(٣) ـ راجع البخاري : كتاب الأطعمة ، باب الخبز المرقق والأكل على الخوان والسكرجة ، ٧ / ٩١. وباب ما كان النبي وأصحابه يأكلون ، ٧ / ٩٧. الترمذي : كتاب الأطعمة ، باب (١) ، ٤ / ٢٥٠ ، ح ١٧٨٨.
الخوان : المائدة ـ معرب ـ. قال ابن الأثير (النهاية : سكرجة ، ٢ / ٣٨٤) : «لا آكل في سكرجة : هي بضم السين والكاف والراء والتشديد : إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الادم ؛ وهي فارسية».
(٤) ـ أخرجه الترمذي مع فروق يسيرة : كتاب المناقب ، باب (٨) ما جاء في صفة النبي صلىاللهعليهوآله ، ٥ / ٥٩٨. وجاء ما يقرب منه في أمالي الطوسي : ٣٤١ ، المجلس الثاني عشر ، ح ٣٥.
عنه البحار : ١٦ / ١٤٧ ، ح ٣.
(٥) ـ في الترمذي : «أجود الناس كفّا ، وأشرحهم صدرا ، وأصدق الناس لهجة ، وألينهم عريكة ...».
بديهة هابه ، ومن خالطه معرفة أحبّه ؛ يقول ناعته : لم أر (١) قبله ولا بعده مثلهصلىاللهعليهوآله».
وما سئل شيئا ـ قطّ ـ على الإسلام إلّا أعطاه ، وإنّ رجلا أتاه وسأله ، فأعطاه غنما بين جبلين ؛ فرجع إلى قومه فقال : «أسلموا فإنّ محمّدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة (٢)» ، وما سئل شيئا ـ قطّ ـ فقال لا (٣)». وعنه عليهالسلام (٤) : «لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي صلىاللهعليهوآله ، وهو أقربنا إلى العدوّ ، وكان من أشدّ الناس يومئذ بأسا».
وقال ـ أيضا ـ (٥) : «كنّا إذا أحمى البأس ، ولقى القوم القوم ، اتّقينا برسول اللهصلىاللهعليهوآله ، فما يكون أحد أقرب إلى العدوّ منه».
قيل : «وكان البطل الشجاع هو الذي يدنو منه وقت اشتداد الحرب حين وقوع الطعن والضرب» (٦).
__________________
(١) ـ في النسخة : «فلم أر». والأظهر كونه من سهو القلم والصحيح ما أثبتناه مطابقا للمصادر.
(٢) ـ رواه البيهقي (دلائل النبوة ، باب ذكر أخبار رويت في شمائله ... ، ١ / ٣٢٧) عن أنس.
المسند : ٣ / ١٠٨ و ١٧٥. مسلم : كتاب الفضائل ، باب (١٤) ما سئل رسول اللهصلىاللهعليهوآله شيئا قط فقال لا ، ٤ / ١٨٠٥ ، ح ٥٦.
(٣) ـ البخاري : كتاب الأدب ، باب حسن الخلق والسخاء ... ، ٨ / ١٦. دلائل النبوة : الباب السابق : ١ / ٣٢٦. مسلم الباب السابق : ٤ / ١٨٠٦ ، ح ٥٧. الشمائل النبوية : باب (٤٨) ما جاء في خلق رسول اللهصلىاللهعليهوآله ، ٤٣١ ، ح ٣٥٤.
(٤) ـ مكارم الأخلاق : ١٧. عنه البحار : ١٦ / ٢٣٢. راجع أيضا ما جاء في تاريخ الطبري : السنة الثانية ، غزوة بدر ، ٢ / ٤٢٦.
(٥) ـ مكارم الأخلاق : ١٧. عنه البحار : ١٦ / ٢٣٢. نهج البلاغة : الكلام التاسع مما اختاره الرضي ـ قدسسره ـ المحتاج إلى التفسير : كنا إذا احمر ...
(٦) ـ أخرج مسلم (كتاب الجهاد ، باب (٢٨) في غزوة حنين ، ٣ / ١٤٠١ ، ح ٧٩) عن البراء بن عازب : «كنا ـ والله ـ إذا احمرّ البأس نتقي به صلىاللهعليهوآله ، وإنّ الشجاع منّا للذي يحاذي به».
فصل [٦]
قيل : وكان صلىاللهعليهوآله أخشى الناس لربّه وأتقاهم له ، وأعلمهم به ، وأقواهم في طاعته ، وأصبرهم على عبادته ، وأكثرهم حبّا لمولاه ، وأزهدهم فيما سواه. وكان يقوم في صلاته حتّى ينشقّ بطون أقدامه من طول قنوته وقيامه ، ويسمع على الأرض لو كف (١) دموعه حسّا كحسّ المطر من كثرة خضوعه. وكانت أوقاته لا يخلو من الصيام ، وربّما يواصل الليالي بالأيّام.
* * *
وفي طريق أهل البيت عليهمالسلام (٢) : «إنّه صلىاللهعليهوآله صام حتّى قيل : «إنّه ما يفطر» ، ثمّ إنّه أفطر حتّى قيل : «إنّه ما يصوم» ، ثمّ إنّه كان يصوم الثلاثة الأيّام في الشهر ؛ وعليه قبض». وفيه (٣) : «إنه كان إذا قام إلى الصلاة يسمع من صدره أزيزا ـ كأزيز المرجل(٤)».
__________________
(١) ـ وكف الدمع ونحوه : سال قليلا قليلا.
(٢) ـ الكافي : كتاب الصيام ، باب صوم رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ٤ / ٨٩ ، ح ١. وفيه : «... ثم صام صوم داود عليهالسلام ـ يوما ويوما لا ـ ثم قبض على صيام ثلاثة أيام في الشهر ...».
وجاء ما يقرب منه مع إضافات في ثواب الأعمال : ثواب صوم ثلاثة أيام في الشهر ... ، ٥٤. عنه البحار : ٩٧ / ١٠١.
(٣) ـ جاء ما يقرب منه في الخصال : باب الخمسة ، أنواع الخوف خمسة ، ١ / ٢٨٢. الاحتجاج : احتجاج أمير المؤمنين عليهالسلام على أحبار اليهود ، ١ / ٥١٩. فلاح السائل : الفصل التاسع عشر ، ١٦١. البحار : ٧٠ / ٣٨١ ، ح ٣٠. و ١٠ / ٤٠ ، ح ١. و ١٧ / ٢٨٧ ، ح ٧. و ١٧ / ٢٥٧ ، ح ٤. وروى مثله العامة أيضا : المسند : ٤ / ٢٥ ـ ٢٦.
(٤) ـ في الفائق (از ، ١ / ٣٩) : «النبي صلىاللهعليهوآله كان يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء.
هو الغليان. المرجل ـ عن الأصمعي ـ كل قدر يطبخ فيها من حجارة أو خزف أو حديد. وقيل : إنما سمي بذلك لأنه إذا نصب فكأنه اقيم على أرجل».
فصل [٧]
وأمّا خلقته وصورته صلىاللهعليهوآله فقال بعض علماء العامّة (١) :
«كان من صفة رسول الله صلىاللهعليهوآله في قامته أنّه لم يكن بالطويل البائن ، ولا القصير المتردّد ، بل كان ينسب إلى الربعة (٢) إذا مشى وحده ، ومع ذلك فلم يكن أحد يماشيه من الناس ـ ينسب إلى الطول ـ إلّا طاله ، ولربّما يكتنفه الرجلان الطويلان ويطولهما ، فإذا فارقاه نسبا إلى الطول (٣) ، ونسب هو إلى
__________________
(١) ـ اقتباس من إحياء علوم الدين : كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة ، بيان صورته وخلقته صلىاللهعليهوآله ، ٢ / ٥٤٥ ـ ٥٤٧. ويظهر أنه مقتبس مما أورده البيهقي في الدلائل (١ / ٢٩٨ ـ ٣٠٦) قائلا : «وقد روى صبيح بن عبد الله الفرغاني ـ وليس بالمعروف ـ حديثا آخر في صفة النبي صلىاللهعليهوآله ، وأدرج فيه تفسير بعض ألفاظه ، ولم يبين قائل تفسيره فيما سمعنا ، إلا أنه يوافق جملة ما روينا في الأحاديث الصحيحة والمشهورة».
(٢) ـ الطويل البائن ـ بالهمزة ـ أي المفرط طولا مع اضطراب. والقصير المتردد : الذي يتردد بعض خلقه على بعض (راجع دلائل النبوة : ١ / ٢٧١ ـ ٢٧٢) ، ففيه نفي الطول المفرط والقصر المفرط. الربعة ـ بفتح فسكون ، وقد يحرك ـ : كون الإنسان بين الطويل والقصير ، يستوي فيه المؤنث والمذكر.
أخرج البيهقي في الدلائل (باب جامع صفة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ١ / ٢٧٠) عن علي عليهالسلام : «لم يكن بالطويل الممغّط ولا القصير المتردد ..». وفيه (باب صفة قامة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ١ / ٢٥١) عن عليعليهالسلام : «كان لا قصير ولا طويل».
ويقرب منه الترمذي : كتاب المناقب ، باب (٨) ما جاء في صفة النبي صلىاللهعليهوآله ، ٥ / ٥٩٨ ، ح ٣٦٣٧. الشمائل النبوية : الباب (١) ، ح ٧ ، ٤٥. المسند : ١ / ٩٦.
وأخرج البخاري (كتاب المناقب ، باب صفة النبي صلىاللهعليهوآله ، ٤ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨) عن أنس : «كان ربعة من القوم ، ليس بالطويل ولا بالقصير ...».
(٣) ـ أخرجه البيهقي عن عائشة : دلائل النبوة ، باب حديث هند بن أبي هالة ، ١ / ٢٩٨.
الربعة ، ويقول صلىاللهعليهوآله (١) : «جعل الخير كلّه في الربعة».
وأمّا لونه صلىاللهعليهوآله : فقد كان أزهر اللون ، ولم يكن بالآدم ولا الشديد البياض ـ (٢) والأزهر : هو الأبيض الناصع الذي لا يشوبه صفرة ولا حمرة ولا شيء من الألوان ـ. ونعته عمّه أبو طالب فقال (٣) :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه |
|
ثمال اليتامى عصمة للأرامل |
ونعته بعضهم (٤) بأنّه مشرب بحمرة ، فقال : «إنّما كان المشرب منه بالحمرة ما ظهر للشمس والرياح ـ كالوجه والرقبة ـ والأزهر الصافي عن الحمرة هو ما تحت الثياب منه».
وكان صلىاللهعليهوآله عرقه في وجهه كاللؤلؤ ، أطيب من المسك الأذفر (٥).
وأمّا شعره : فقد كان رجل الشعرة حسنها ، ليس بالسبط ولا الجعد القطط (٦).
__________________
(١) ـ نفس المصدر. كنز العمال : ١١ / ٩٢ ، ح ٣٠٧٥١.
(٢) ـ نفس المصدر (باب صفة لون رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ١ / ٢٠١) : «أزهر اللون أمهق ، ليس بأبيض ولا آدم ...». راجع فيه : ١ / ٢٩٩ أيضا.
(٣) ـ نفس المصدر : ١ / ٢٩٩.
(٤) ـ نفس المصدر (١ / ٢٠٦) عن علي عليهالسلام : «كان صلىاللهعليهوآله أبيض مشرب الحمرة».
(٥) ـ نفس المصدر : ١ / ٢٩٩ راجع أيضا فيه : ١ / ٢٥٥. وفيه (١ / ٢٥٨) إن أمّ سليم جمعت عرق النبي صلىاللهعليهوآله في قارورة وقالت : «هذا عرق نجعله لطيبنا ، وهو أطيب الطيب».
(٦) ـ راجع دلائل النبوة : ١ / ٣٠٠ ـ ٣٠١ وباب صفة شعر رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ١ / ٢٢٠ ـ ٢١٩.
الشمائل النبوية : الباب (١) ، ح ١ ، ٤٠. والباب (٣) ، ح ٢٧ ، ٦٧.
كان إذا مشطه بالمشط يأتي كأنّه حبك الرمل (١)
وكان شيبه في الرأس واللحية سبع عشرة طاقة شعرة ـ ما زاد عليها (٢).
وكان أحسن الناس وجها وأنوره ، لم يصفه واصف إلّا شبّهه بالقمر ليلة البدر (٣) ، وكان يرى رضاه وغضبه في وجهه ـ لصفاء بشرته ـ.
وكان واسع الجبهة أزجّ الحاجبين سابغهما ، وكان أبلج ما بين الحاجبين ـ كأنّ ما بينهما الفضّة المخلّصة (٤) ـ.
وكانت عيناه نجلاوين أدعجهما ، وكان في عينه مزج من
__________________
(١) ـ كتب هنا ما يلي ثم شطب عليه :
«وقيل : كان شعره يضرب منكبيه. وأكثر الرواية أنّه كان إلى شحمة اذنيه ، وربّما جعله غدائر أربعا يخرج كل اذن من بين غديرتين ، وربّما جعل شعره على اذنيه فتبدو سوالفه يتلألأ».
(٢) ـ دلائل النبوة (باب ذكر شيب النبي صلىاللهعليهوآله ، ١ / ٢٣٢) عن أنس : «ما كان في رأسه إلا سبع عشرة أو ثمان عشرة شعرة». المسند : ٣ / ٢٥٤. وجاء في الشمائل النبوية (الباب ٥ ، ح ٣٨ ، ٨١) عن أنس : «ما عددت في رأس رسول الله صلىاللهعليهوآله ولحيته إلا أربع عشرة شعرة بيضاء».
(٣) ـ راجع دلائل النبوة : باب صفة وجه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ١ / ١٩٤ ـ ١٩٩. الترمذي : كتاب الأدب ، باب (٤٧) ما جاء في الرخصة في لبس الحمرة ، ٥ / ١١٨ ، ح ٢٨١١.
مسلم : كتاب التوبة ، باب (٩) حديث توبة كعب بن مالك ، ٤ / ٢١٢٧ ، ح ٥٣.
(٤) ـ الزجج : تقوّس في الحاجب مع طول في طرفه وامتداد. الحاجب السابغ : التام الطويل.
وقوله «أبلج ما بين الحاجبين» : أي كان بين حاجبيه بلجة ـ فرجة بيضاء دقيقة لا تتبين إلا لمتأمل ـ فهو غير أقرن.
جاء في حديث هند بن أبي هالة : «كان رسول الله صلىاللهعليهوآله واسع الجبين ، أزجّ الحواجب سوابغ في غير قرن ...». دلائل النبوة : ١ / ٢١٤. معاني الأخبار : ٨٠.
حمرة. وكان أهدب الأشفار ـ حتّى كاد تلبس من كثرتها ـ (١).
وكان أقنى العرنين ـ أي مستوى الأنف ـ (٢).
وكان مفلج الأسنان ـ أي متفرّقها ـ وكان إذا افترّ ضاحكا افترّ عن مثل سنا البرق إذا تلألأ. وكان من أحسن عباد الله شفتين وألطفهم ختم فم (٣).
وكان سهل الخدّين صلتهما ، ليس بالطويل الوجه ولا المكلثم ، كثّ اللحية (٤) ، وكان يعفي لحيته ويأخذ شاربه (٥).
وكان من أحسن الناس عنقا ، لا ينسب إلى الطول ولا إلى القصر ؛ ما ظهر من عنقه للشمس والرياح فكأنّه إبريق فضّة مشربا يتلألأ ذهبا في بياض الفضّة وفي حمرة الذهب (٦).
__________________
(١) ـ دعجت العين : صارت شديدة السواد مع سعتها ، فصاحبها أدعج.
أخرج البيهقي (الدلائل : باب صفة عين رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ١ / ٢١٣) عن علي عليهالسلام : «كان في الوجه تدوير ، أبيض مشرب ، أدعج العينين أهدب الأشفار».
مشرب العين بحمرة».
(٢) ـ في حديث هند بن أبي هالة : «أقنى العرنين له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم». الدلائل : ١ / ٢١٥. معاني الأخبار : ٨٠.
(٣) ـ جاء في حديث هند المذكور : «ضليع الفم أشنب مفلج الأسنان». وفي الدلائل (١ / ٢١٥) عن ابن عباس : «أفلج الثنيتين وكان إذا تكلم رئي كالنور بين ثناياه».
(٤) ـ راجع دلائل النبوة : ١ / ٢١٦ ـ ٢١٧ و ٢٦٩ و ٢٨٧. معاني الأخبار : ٨٠.
(٥) ـ ورد عنه صلىاللهعليهوآله : «احفوا الشوارب واعفوا اللحى». مسلم : كتاب الطهارة : باب خصال الفطرة ، ١ / ٢٢٢ ، ح ٥٢. الترمذي : كتاب الأدب ، باب (١٨) ما جاء في إعفاء اللحية ، ٥ / ٩٥ ، ح ٢٧٦٣. المسند : ٢ / ١٦.
(٦) ـ دلائل النبوة : ١ / ٣٠٤. راجع أيضا فيه : ١ / ٢٧٤ و ٢٨٧.
وكان صلىاللهعليهوآله عريض الصدر (١) لا يعدو لحم بعض بدنه بعضا ـ كالمرايا في استوائه ، وكالقمر في بياضه ـ موصول ما بين لبّته وسرّته بشعر منقاد كالقضيب ، لم يكن في صدره ولا بطنه شعر غيره (٢). وكانت له عكن (٣) ثلاث : يغطّي الإزار منها واحدة وتظهر اثنتان.
وكان عظيم المنكبين أشعرهما (٤) ، ضخم الكراديس (٥) ـ أي رءوس العظام من المنكبين والمرفقين والوركين ، وكان واسع الظهر ، ما بين كتفيه خاتم النبوّة ، وهو مما يلي منكبه الأيمن ، فيه شامة سوداء يضرب إلى الصفرة ، حولها شعرات متواليات ـ كانّها من عرف فرس ـ (٦).
وكان عبل العضدين والذراعين ، طويل الزندين ، رحب الراحتين ، سائل الأطراف (٧) ، وكان أصابعه قصبان الفضّة ، كأنّ كفّه كفّ عطّار طيبا ـ مسّها بطيب أو لم يمسّها ـ يصافحها المصافح فيظلّ يومه يجد ريحها ، ويضع يده على رأس الصبي
__________________
(١) ـ حديث هند بن أبي هالة. دلائل النبوة : ١ / ٢٨٧. معاني الأخبار : ٨٠.
(٢) ـ دلائل النبوة : باب جامع صفة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ١ / ٢٧٤ ، عن علي عليهالسلام.
(٣) ـ العكنة ـ بالضم ـ : طية من طيات البطن.
(٤) ـ دلائل النبوة (باب صفة ما بين منكبي رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ١ / ٢٤١) : «عظيم مشاش المنكبين ...». وفي حديث هند بن أبي هالة : «أشعر الذراعين والمنكبين».
راجع أيضا الشمائل النبوية : الباب (١) ، ٤٣ ، ح ٣ ـ ٤.
(٥) ـ حديث هند بن أبي هالة.
(٦) ـ ورد في وصف خاتم النبوة أحاديث مختلفة ، راجع إتحاف السادة المتقين : ٧ / ١٥٢ ـ ١٥٣.
دلائل النبوة : ١ / ٢٥٩ ـ ٢٦٧. الشمائل النبوية : الباب (٢) ، ٥٨ ـ ٦٣.
(٧) ـ في حديث هند بن أبي هالة : «... طويل الزندين رحب الراحة ... سائل الأطراف ...»
فيعرف من بين الصبيان بريحها على رأسه (١).
وكان عبل ما تحت الإزار من الفخذ والساق.
وكان معتدل الخلق في السمن ، بدن في آخر زمانه (٢).
وكان لحمه متماسكا يكاد يكون على الخلق الأوّل لم يضرّه السنّ.
وأمّا مشيه صلىاللهعليهوآله : فكان يمشي كأنّما ينقلع من صخر وينحدر من صبب ، يخطو تكفيا ويمشي الهوينا (٣) من غير تبختر ـ والهوينا : تقارب الخطا ـ.
وكان صلىاللهعليهوآله يقول (٤) : «أنا أشبه الناس بآدم عليهالسلام وكان أبي إبراهيم أشبه الناس بي خلقا وخلقا».
* * *
وإن أردت زيادة على ما ذكر فى بيان خلقه وخلقه واموره صلىاللهعليهوآله ومن طريق أهل البيت عليهمالسلام فارجع إلى كتاب مكارم الأخلاق للطبرسي ـ رحمهالله ـ.
__________________
(١) ـ أخرج البخاري (كتاب المناقب ، باب صفة النبي صلىاللهعليهوآله ، ٤ / ٢٣٠) عن أنس : «ما مست حريرا ولا ديباجا ألين من كف النبي صلىاللهعليهوآله ، ولا شممت ريحا قط أو عرفا أطيب من ريح ـ أو عرف ـ النبي صلىاللهعليهوآله». وما يقرب منه في مسلم : كتاب الفضائل ، ٤ / ١٨١٤ ـ ١٨١٥ ، ح ٨١. دلائل النبوة : ١ / ٢٥٤.
(٢) ـ في حديث هند بن أبي هالة : «معتدل الخلق بادن متماسك».
(٣) ـ في الحديث المذكور : يخطو تكفيا ويمشي هونا ...
(٤) ـ معاني الأخبار : باب معاني أسماء النبي وأهل بيته عليهمالسلام ، ٥١.
فصل [٨]
قيل في قوّة حواسّه صلىاللهعليهوآله : إنّه كان لسمعه قوّة يسمع بها ما يخفي عن غيره حتّى كان يسمع صرير الأقلام في تصاريف الأحكام.
ولبصره قوّة يبصر بها الأشياء الدقيقة القاصية ، كما أخبر برؤية قصور الشام واليمن(١) ، وجسد النجاشي (٢) ؛ بل كان لبصره نفوذ إلى الملأ الأعلى.
وقال : «إنّي لأجد ريح الجنّة دون احد» ، و «إنّي أشمّ ريح الرحمن من قبل اليمن» (٣) ـ يخبر عن اويس (٤) ـ.
ويكفي في قوّة حواسّه ثبوت سمعه وبصره وقلبه لسماع خطاب ربّ العالمين ومشاهدة آياته الكبرى.
__________________
(١) ـ أخرج البيهقي (دلائل النبوة : باب ما ظهر في حفر الخندق من دلائل النبوة ، ٣ / ٤٢١) : «... عرض لنا في بعض الخندق صخرة عظيمة ... فلما رآها صلىاللهعليهوآله أخذ المعول وقال : بسم الله ، وضرب ضربة فكسر ثلثها ، فقال : الله أكبر ، اعطيت مفاتيح الشام ، والله إني لأبصر قصورها الحمر إن شاء الله ، ... فقال : الله أكبر اعطيت مفاتيح اليمن ، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة».
(٢) ـ أورد الطبري (التاريخ : ٣ / ١٢٢ ، وقائع سنة ٩) : «وفيها نعى رسول الله صلىاللهعليهوآله للمسلمين النجاشي ، وإنه مات في رجب سنة تسع».
(٣) ـ أخرج الطبراني (المعجم الكبير ، ٧ / ٥٢ ، ح ٦٣٥٨) : «قال صلىاللهعليهوآله وهو مولّ ظهره إلى اليمن : إني أجد نفس الرحمن من هاهنا». وفي المسند (٢ / ٥٤١) : «ألا إن الإيمان يمان ، والحكمة يمانية ، وأجد نفس ربّكم من قبل اليمن».
(٤) ـ أبو عمرو اويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني اليماني ، الزاهد المعروف ، استشهد بصفين في حرب معاوية ، راجع أخباره في حلية الأولياء : ٢ / ٧٩ ـ ٨٧. سير أعلام النبلاء : ٤ / ١٩ ـ ٣٣. طبقات ابن سعد : ٦ / ١٦١ ـ ١٦٥.
فصل [٩]
وأمّا أسماؤه صلىاللهعليهوآله :
فروي أنّه كان يقول (١) : «إنّ لي عند ربّي عشرة أسماء : أنا محمّد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا العاقب الّذي ليس بعده أحد ، وأنا الحاشر الذي يحشر العباد على قدمي ، وأنا رسول الرحمة ، ورسول التوبة ، ورسول الملاحم ، والمقفي ـ قفيت الناس ـ ، وأنا قثم».
__________________
(١) ـ أورده الغزالي في الإحياء : كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة : ٢ / ٥٤٧. وعنه اقتبس المؤلف ـ على ما يظهر ـ.
وأورد ابن عدي في الكامل (سيف بن وهب : ٣ / ٤٣٧) : «... أبو يحيى التيمي ، حدثنا سيف بن وهب ، عن أبي الطفيل ـ قال : ـ قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إنّ لي عند ربّي عشرة أسماء. قال أبو الطفيل : قد حفظت منها ثمانية : محمّد وأحمد وأبو القاسم ، والفاتح ، والخاتم ، والماحي ، والعاقب ، والحاشر. قال أبو يحيى :
وزعم سيف أن أبا جعفر قال له : إن الاسمين الباقيين : يس وطه».
وأخرج البخاري (كتاب التفسير ، سورة الصف : ٦ / ١٨٨) : «إنّ لي أسماء : أنا محمّد وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر على قدمي ، وأنا العاقب». ومثله في مسلم : كتاب الفضائل ، باب في أسمائه صلىاللهعليهوآله : ٤ / ١٨٢٨. والترمذي : كتاب الأدب ، باب (٦٧) ما جاء في أسماء النبي صلىاللهعليهوآله : ٥ / ١٣٥. ودلائل النبوة : باب ذكر أسماء رسول الله صلىاللهعليهوآله : ١ / ١٥١. وأخرج مسلم في حديث آخر (الباب والصفحة المذكورة) : «عن أبي موسى الأشعري : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يسمّي لنا نفسه أسماء ، فقال : أنا محمّد ، وأحمد ، والمقفّي ، والحاشر ، ونبيّ التوبة ، ونبيّ الرحمة». ومثله في المسند : ٤ / ٤٠٤ ودلائل النبوة : ١ / ١٥٧. راجع أيضا الشمائل النبوية : الباب (٥١) ، ٤٤٦ ـ ٤٤٩ ، ح ٣٦٨ ـ ٣٧٠.
راجع ساير التخريجات وشرحها في إتحاف السادة المتقين : ٧ / ١٦١ ـ ١٦٤.
قيل (١) : القثم : الكامل الجامع. وقيل : الجواد.
وقيل ـ أيضا ـ في أسمائه : الشاهد ؛ لأنّه يشهد في القيامة للأنبياء بالتبليغ ، وعلى الامم أنّهم بلّغوا ـ كما ورد في القرآن (٢) ـ
والبشير ، والنذير ، والسراج المنير ، والضحوك ، والقتّال ، والمتوكّل ، والفاتح والأمين ـ وقد سمّي بذلك قبل مبعثه لأمانته وصدق وعده ـ والخاتم ، والمصطفى ، والرسول ، والنبيّ ، والامّي ـ لنسبته إلى أمّ القرى ـ
وقيل : لأنّه لم يكتب ولم يقرأ كما قال تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) [٢٩ / ٤٨] (٣).
* * *
__________________
(١) ـ في الإحياء (٢ / ٥٤٨) : «قال أبو البختري : والقثم الكامل الجامع».
وفي النهاية (قثم : ٤ / ١٦) : «فيه أتاني ملك فقال : أنت قثم ، وخلقك قيّم. القثم : المجتمع الخلق. وقيل : الجامع الكامل ، قيل : الجموع للخير. وبه سمّي الرجل قثم. وقيل : قثم معدول عن قاثم ، وهو كثير العطاء».
(٢) ـ (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) [٤ / ١٤] (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ) [١٦ / ٨٩].
(٣) ـ قال البيهقي (دلائل النبوة : ١ / ١٦٠ ـ ١٦١) : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : حدثنا خلف بن محمد البخاريّ ، قال : حدثنا صالح بن محمّد بن حبيب الحافظ ، قال : حدثنا محمد بن ميمون المكي ، قال : حدثنا صالح بن محمّد حبيب الحافظ ، قال : حدثنا سمعته يقول : اجتمعوا ، فتذاكروا أيّ بيت أحسن فيما قالته العرب؟ قالوا : الذي قاله أبو طالب للنبيّ صلىاللهعليهوآله :
وشقّ له من اسمه كي يجلّه |
|
فذو العرش محمود ، وهذا محمّد |
وفي بصائر الدرجات (١) عن جعفر بن محمد الصوفي (٢) قال : سألت أبا جعفر محمد بن على الرضا عليهماالسلام وقلت له : «يا ابن رسول الله ـ لم سمّي النبيّ : الامّي»؟ قال : «ما يقول الناس»؟
قلت : «يزعمون أنّما سمّي النبيّ الامّي ، لأنّه لم يكتب».
فقال : «كذبوا ـ عليهم لعنة الله ـ أنّى يكون ذلك ، والله تبارك وتعالى يقول في محكم كتابه : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) [٦٣ / ٢] فكيف يعلّمهم ما لا يحسن؟ والله لقد كان رسول اللهصلىاللهعليهوآله يقرأ ويكتب باثنين وسبعين ـ أو (٣) : بثلاثة وسبعين ـ لسانا ؛ وإنّما سمّي الامّي لأنّه كان من أهل مكّة ـ ومكّة من أمّهات القرى ـ وذلك قول الله في كتابه : (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) [٦ / ٩٢]».
وفيه (٤) عن عبد الرحمن بن الحجّاج (٥) ـ قال : ـ قال أبو عبد الله : «إنّ النبيصلىاللهعليهوآله كان يقرأ ويكتب ، ويقرأ ما لم يكتب».
__________________
(١) ـ بصائر الدرجات : الجزء الخامس ، باب (٤) في أن رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يقرأ ويكتب بكل لسان ، ٢٢٥ ، ح ١. معاني الأخبار : باب معاني أسماء النبي صلىاللهعليهوآله ، ٥٣ ، ح ٦.
الاختصاص : ٢٦٣. علل الشرائع : باب (١٠٥) العلة التي من أجلها سمي النبي صلىاللهعليهوآله الامي ، ١ / ١٢٤ ، ح ١. عنها البحار : ١٦ / ١٣٢ ، ح ٧٠.
(٢) ـ لم أعثر على ترجمته ، ولم يذكر عنه شيء في معاجم رجال الحديث غير روايته هذا.
(٣) ـ الترديد من الراوي.
(٤) ـ بصائر الدرجات : الباب السابق : ٢٢٧ ، ح ٥.
(٥) ـ قال النجاشي (الترجمة : ٦٣٠ ص ٢٣٧) : «عبد الرحمن بن الحجاج البجلي مولاهم ، كوفيّ ، بيّاع السابري ، سكن بغداد ، ورمي بالكيسانية ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهمالسلام وبقي بعد أبي الحسن عليهماالسلام ورجع إلى الحق ولقى الرضا عليهالسلام وكان ثقة ثقة ، ثبتا ، وجها ...».
* * *
وسمّاه الله : المزمّل ، والمدثّر ، والكريم ، والنور ، والعبد ، والرءوف ، والرحيم ، وطه ، ويس ، ومنذر ، ومذكّر (١).
* * *
وعن مولانا الباقر عليهالسلام بإسناد الصدوق (٢) ـ رحمهالله ـ :
«إنّ اسم رسول الله صلىاللهعليهوآله في صحف إبراهيم : الماحي ، وفي توراة موسى : الحاد ، وفي إنجيل عيسى : أحمد. وفي الفرقان : محمّد».
قيل : «فما تأويل الماحي»؟
فقال : «الماحي صورة الأصنام ، وماحي الأوثان والأزلام ، وكلّ معبود دون الرحمن».
قيل : «فما تأويل الحاد»؟
فقال : «الحاد من حادّ لله (٣) ودينه ، قريبا كان أو بعيدا».
قيل : «فما تأويل أحمد»؟
__________________
(١) ـ (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) [٧٣ / ١] (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) [٧٤ / ١] (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) [٦٩ / ٤٠] (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ) [٥ / ١٥] (نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ) [٢٥ / ١] (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) [٩ / ١٢٨] (طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) [٢٠ / ١] (يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) [٣٦ / ١ ـ ٢] (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) [١٣ / ٧] (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) [٨٨ / ٢١].
(٢) ـ الشطر الأول من حديث رواه الصدوق ـ ره ـ في الفقيه ، كتاب الوصية ، باب الوصية من لدن آدمعليهالسلام ، ٤ / ١٧٤ ، ح ٥٤٠٢. وفي المجلس السابع عشر من أماليه ، ح ٢ ، ١٢٩. عنه البحار : ١١ / ٣٩ ، ح ٣٨ و ١٦ / ٩٨ ، ح ٣٧.
ويأتي تمام الحديث في الفصل الآتي.
(٣) ـ المصدر : يحادّ من حادّ الله.
فقال : «حسن ثناء الله تعالى عليه في الكتب بما حمد من أفعاله».
قيل : «فما تأويل محمّد»؟
قال : «أنّ الله وملائكته وجميع أنبيائه ورسله وجميع اممهم يحمدونه ويصلّون عليه ، وأنّ اسمه مكتوب على العرش : محمّد رسول الله».
* * *
وعن كعب الأحبار أنّه قال (١) : «اسم النبي صلىاللهعليهوآله عند أهل الجنّة : عبد الكريم ، وعند أهل النار : عبد الجبّار ، وعند أهل العرش : عبد المجيد ، وعند سائر الملائكة : عبد الحميد ، وعند الأنبياء : عبد الوهّاب وعند الشياطين : عبد القهّار ، وعند الجنّ : عبد الرحيم ، وفي الجبال : عبد الخالق ، وفي البرّ : عبد القادر ، وفي البحر : عبد المهيمن ، وعند الحيتان : عبد القدّوس ، وعند الهوامّ : عبد الغياث ، وعند الوحوش : عبد الرزّاق ، وعند السباع : عبد السلام ، وعند البهائم : عبد المؤمن ، وعند الطيور : عبد الغفّار ، وفي التوراة : مودمود ، وفي الإنجيل : طاب طاب ، وفي الصحف : عاقب ، وفي الزبور : فاروق ، وعند الله : طه ، ويس ، وعند المؤمنين : محمّد صلىاللهعليهوآله» ـ انتهى.
وقيل (٢) : «اسمه في التوراة بمادماد ، وصاحب الملحمة ـ والملحمة : الحرب ـ وكنيته : أبو الأرامل ، واسمه في الإنجيل : الفارقليط. وقال : أنا الأوّل والآخر ـ أوّل في النبوّة ، وآخر في البعثة ـ».
__________________
(١) ـ لم أعثر على مصدره.
(٢) ـ كذا في كشف الغمة (ذكر أسمائه صلىاللهعليهوآله : ١ / ١٣) أيضا ولم يسم القائل.
وكنيته (١) : أبو القاسم.
وقيل (٢) : لمّا ولد له إبراهيم أتاه جبرئيل عليهالسلام فقال : «السلام عليك أبا إبراهيم» ـ أو ـ «يا أبا إبراهيم».
فصل [١٠]
[متعلقاته صلىاللهعليهوآله]
روى الصدوق ـ رحمهالله ـ بإسناده (٣) عن مولانا الباقر عليهالسلام أنّه قال : «وكان صلىاللهعليهوآله يلبس من القلانس اليمانيّة والبيضاء المضرّبة (٤) ذات الاذنين في الحرب.
__________________
(١) ـ كشف الغمة : الصفحة السابقة. مسلم : كتاب الآداب ، باب (١) النهي عن التكنّي بأبي القاسم ، ٣ / ١٦٨٣ ، ح ٥. البخاري : كتاب المناقب ، باب كنية النبي صلىاللهعليهوآله : ٤ / ٢٢٦. ابن ماجة : كتاب الأدب ، باب (٣٣) الجمع بين اسم النبي صلىاللهعليهوآله وكنيته ، ٢ / ١٢٣٠ ، ح ٣٧٣٥. الترمذي : كتاب الأدب ، باب (٦٨) ما جاء في كراهيّة الجمع بين اسم النبي صلىاللهعليهوآله وكنيته ، ٥ / ١٣٦ ، ح ٢٨٤١. دلائل النبوة : باب ذكر كنية رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ١ / ١٦٢.
طبقات ابن سعد : ذكر كنية رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ١ / ١٠٦.
(٢) ـ روي عن أنس ـ كشف الغمة : الصفحة السابقة. دلائل النبوة : الباب السابق : ١ / ١٦٤.
المستدرك للحاكم : كتاب التاريخ : ٢ / ٦٠٤.
(٣) ـ الفقيه : كتاب الوصية ، باب الوصية من لدن آدم عليهالسلام ، ٤ / ١٧٨. أمالي الصدوق : المجلس السابع عشر ، ح ٢ ، ١٢٩. عنهما البحار : ١٦ / ٩٨ ، ح ٣٧.
وقد مضى صدر الحديث في الباب السابق.
(٤) ـ في النسخة مهملة. وفي الفقيه والمنقول عنه وعن الأمالي في البحار : والبيضاء والمضرّبة.
ومثله في الكافي : باب القلانس ح ١ ، ٦ / ٤٦١. وفيه (ح ٢) : «يلبس قلنسوة بيضاء مضربة ، وفي الحرب قلنسوة لها اذنان».
وفي الأمالي (نسخة) : والبيضاء والمضرية (خطأ). المضرّب : المخيط.
وكانت له عنزة (١) يتّكئ عليها ويخرجها في العيدين فيخطب بها.
وكان له قضيب يقال له : الممشوق.
وكان له فسطاط ويسمّى بالكنّ (٢).
وكانت له قصعة تسمّى المنيعة (٣).
وكان له قعب يسمّى الريّ.
وكان له فرسان ، يقال لأحدهما : المرتجز ، وللآخر : السكب.
وكان له بغلتان ، يقال لإحداهما : دلدل ، وللاخرى : الشهباء.
وكانت له ناقتان ، يقال لإحداهما العضباء ، وللاخرى الجدعاء.
وكان له سيفان ، يقال لأحدهما : ذو الفقار ، وللآخر : العون.
وكان له سيفان آخران ، يقال لأحدهما : المخذم ، وللآخر : الرسوم.
وكان له حمار يسمّى يعفور.
وكانت له عمامة تسمّى السحاب.
وكان له درع يسمّى ذات الفضول ؛ لها ثلاث حلقات فضّة ـ حلقة بين يديها وحلقتان خلفها.
وكانت له راية تسمّى العقاب.
وكان له بعير يحمل عليه يقال له الديباج.
__________________
(١) ـ العنزة ـ محركة ـ : أطول من العصا وأقصر من الرمح ، وفيه زجّ كزجّ الرمح.
(٢) ـ المصدر : يسمى الكن. (وفي النسخة كتب كذلك ، ثم استدرك واضيف الباء).
الكنّ : وقاء كل شيء وستره.
(٣) ـ كذا في النسخة. وفي الأمالي والبحار : المنبعة. وفي الفقيه : السعة.
القعب : قدح من خشب مقعّر.
وكان له لواء تسمّى المعلوم.
وكان له مغفر يقال له : الأسعد.
فسلّم ذلك كلّه لعليّ عليهالسلام عند موته ، وأخرج خاتمه وجعله في إصبعه.
فذكر عليّ عليهالسلام أنّه وجد في قائمة سيف من سيوفه صحيفة فيها ثلاثة أحرف : «صل من قطعك ، وقل الحقّ ولو على نفسك ، وأحسن إلى من أساء إليك».
ـ قال : ـ (١) وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «خمس لا أدعهنّ حتّى الممات : الأكل على الحضيض (٢) مع العبيد ، وركوبي الحمار موكفا (٣) ، وحلبي العنز بيدي ، ولبس الصوف ، والتسليم على الصبيان ـ ليكون سنّة من بعدي».
* * *
__________________
(١) ـ هذا المقطع غير موجود في الفقيه وموجود في الأمالي.
(٢) ـ في هامش النسخة : «الحضيض : القرار من الأرض عند منقطع الجبل. وفي الحديث : «اهدي إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله هدية ، فلم يجد شيئا يضعه عليه ، فقال : ضعه بالحضيض ، فإنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد ؛ يعني بالأرض ـ منه ـ».
(٣) ـ وكف وأكف وآكف الحمار : وضع عليه الوكاف. والوكاف : البرذعة وكساء يلقى على ظهر الدابّة.
في هامش النسخة : «الإيكاف : پالان كردن ـ منه ـ».