علم اليقين في أصول الدين - ج ١

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

علم اليقين في أصول الدين - ج ١

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


المحقق: محسن بيدارفر
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات بيدار
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
ISBN: 964-90800-2-3
ISBN الدورة:
964-90800-1-5

الصفحات: ٧١٦

وأنسابهم»؟ فقال : «لا ـ يا سلمان».

فقلت : «يا رسول الله ـ فأنّى لي بهم»؟

قال : «قد عرفت إلى الحسين ؛ ثمّ زين العابدين عليّ بن الحسين ، ثمّ ابنه محمّد بن عليّ باقر علم الأوّلين والآخرين من النبيّين والمرسلين ، ثمّ ابنه جعفر بن محمّد لسان الله الصادق ، ثمّ موسى بن جعفر الكاظم غيظه صبرا في الله ، ثمّ عليّ بن موسى الرضا لأمر الله ، ثمّ محمّد بن عليّ الجواد المختار من خلق الله ، ثمّ عليّ بن محمّد الهادي إلى الله ، ثمّ الحسن بن عليّ الضامن الأمين العسكري ، ثمّ ابنه محمّد بن الحسن المهدي الناطق القائم بحقّ الله».

قال سلمان : فسكتّ ، ثمّ قلت : «يا رسول الله ـ ادع لي بإدراكهم».

قال : «يا سلمان ـ إنّك مدركهم وأمثالك ومن توالاهم بحقيقة المعرفة».

قال سلمان : فشكرت الله كثيرا ، ثمّ قلت : «يا رسول الله ـ مؤجّل إلى عهدهم»؟.

فقال : «يا سلمان اقرأ : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً* ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) [١٧ / ٥ ـ ٦]».

قال سلمان : فاشتدّ بكائي وشوقي ، وقلت : «يا رسول الله ـ بعهد منك»؟.

فقال : «إي والذي أرسل محمّدا ـ إنّه لعهد منّي ولعليّ وفاطمة والحسن والحسين وتسعة أئمّة ، وكلّ من هو منّا ومظلوم فينا ؛ إي والله

٥٤١

يا سلمان ـ ثمّ لتحضرنّ إبليس وجنوده وكلّ من محض الإيمان محضا ومحض الكفر محضا ، حتّى يؤخذ بالقصاص والأوتار والتراث (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) [١٨ / ٤٩]. ونحن نأول هذه الآية : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) [٢٨ / ٦٥]».

قال سلمان : «فقمت من بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وما يبالي سلمان متى لقى الموت ، أو لقيه».

* * *

وروى الصدوق في إكمال الدين (١) بإسناده إلى جابر بن يزيد الجعفي قال : سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول :

«لمّا أنزل الله ـ عزوجل ـ على نبيّه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [٤ / ٥٩] ، قلت : «يا رسول الله ـ عرفنا الله ورسوله ، فمن اولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك»؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «هم خلفائي ـ يا جابر ـ وأئمّة المسلمين من بعدي ؛ أوّلهم عليّ بن أبي طالب ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ عليّ بن الحسين ، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر ـ وستدركه يا جابر ، فإذا

__________________

(١) ـ كمال الدين : باب نصّ الله عزوجل على القائم عليه‌السلام ، ٢٥٣ ، ح ٣. كفاية الأثر : باب ما جاء عن جابر بن عبد الله ... ، ٥٣.

عنهما البحار : ٣٦ / ٢٥٠ ، ح ٦٧. راجع أيضا ٢٣ / ٢٨٩ ، ح ١٦.

٥٤٢

لقيته فاقرأه منّي السلام ـ ثمّ الصادق جعفر بن محمّد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ عليّ بن موسى ، ثمّ محمّد بن عليّ ، ثمّ عليّ بن محمّد ، ثمّ الحسن بن عليّ ، ثمّ سميّي وكنيّي حجّة الله في أرضه ، وبقيّته في عباده ابن الحسن بن عليّ ، ذاك الذي يفتح الله ـ تعالى ذكره ـ على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان».

ـ قال جابر : ـ فقلت له : «يا رسول الله ـ فهل ينتفع الشيعة به في غيبته»؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إي ـ والذي بعثني بالنبوّة ـ يستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّلها سحاب. ـ يا جابر ـ هذا من مكنون سرّ الله ومخزون علم الله ؛ فاكتمه إلّا عن أهله».

ـ قال جابر بن يزيد : ـ فدخل جابر بن عبد الله على عليّ بن الحسين ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فبينما هو يحدّثه إذ خرج محمّد بن عليّ الباقر ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ من عند نسائه وعلى رأسه ذؤابة (١) وهو غلام ، فلمّا بصر به جابر ارتعدت فرائصه (٢) ، وقامت كلّ شعرة على بدنه ، ونظر إليه مليّا ، ثمّ قال له : «يا غلام ، أقبل» فأقبل ؛ ثمّ قال له : «أدبر» فأدبر ؛ فقال جابر : «شمائل رسول الله ـ وربّ الكعبة». ثمّ قام فدنا منه وقال له : «ما اسمك يا غلام»؟ فقال : «محمّد».

__________________

(١) ـ الذؤابة : الضفيرة من الشعر إذا كانت مرسلة. فإذا كانت ملويّة فهي عقيصة.

(٢) ـ لسان العرب (فرص) : «الفريصة : اللحم الذي بين الكتف والصدر ، ومنه الحديث «فجيء بهما ترعد فرائصهما ، أي : ترجف».

٥٤٣

قال : «ابن من»؟ قال : «ابن عليّ بن الحسين».

قال : «يا بنيّ ـ فدتك نفسي ؛ فأنت إذا الباقر». قال : «نعم».

قال ـ صلوات الله عليه ـ : «فأبلغني ما حمّلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فقال جابر : «يا مولاى ـ إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بشّرني بالبقاء إلى أن ألقاك ، وقال لي :

«إذا لقيته فاقرأه منّي السلام».

ـ فرسول الله ـ يا مولاي ـ يقرأ عليك السلام».

فقال أبو جعفر ـ صلوات الله عليه ـ : «يا جابر ـ على رسول الله السلام ما قامت السماوات والأرض ، وعليك ـ يا جابر ـ كما بلّغت السلام».

فكان جابر بعد ذلك يختلف إليه ويتعلّم منه ؛ فسأله محمّد بن عليّ ـ صلوات الله عليه ـ عن شيء ، فقال جابر : «والله لا دخلت في نهي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فقد أخبرني أنّكم الأئمّة الهداة من أهل بيته من بعده ، أحلم الناس صغارا وأعلم الناس كبارا ، وقال : لا تعلّموهم ، فهم أعلم منكم».

فقال أبو جعفر ـ صلوات الله عليه ـ : «صدق جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والله إنّي لأعلم منك بما سألتك عنه ، ولقد اوتيت الحكم صبيّا ، كلّ ذلك بفضل الله علينا ورحمته لنا أهل البيت».

* * *

٥٤٤

وبإسناده (١) عن جابر بن عبد الله الأنصاري ـ قال : ـ «دخلت على فاطمة ـ صلوات الله عليها ـ وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها ؛ فعددت اثنا عشر ، آخرهم القائم ؛ ثلاثة منهم محمّد ، وأربعة منهم عليّ ـ صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين ـ».

وبإسناده (٢) عن ثابت بن دينار (٣) ، عن سيّد العابدين عليّ بن الحسين ، عن سيّد الشهداء الحسين بن عليّ ، عن سيّد الأوصياء أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ صلوات الله عليهم ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الأئمة بعدي اثنا عشر ، أوّلهم أنت ـ يا علي ـ وآخرهم القائم الذي يفتح الله ـ عزوجل ـ على يديه مشارق الأرض ومغاربها».

وبإسناده (٤) عن مولانا الصادق عليه‌السلام عن أبيه ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الأئمة (٥) اثنا عشر من أهل بيتي ، أعطاهم

__________________

(١) ـ كمال الدين : باب خبر اللوح ، ٢٦٩ ، ح ١٣. ورواه بسند آخر فيه : ٣١١ ـ ٣١٢ ، ح ٣.

وعيون أخبار الرضا عليه‌السلام باب في النصوص على الرضا عليه‌السلام بالإمامة ، ١ / ٤٧ ـ ٤٦ ح ٦ ـ ٧. وليس فيهما كلمة «من ولدها». وكذا في الخصال : أبواب الاثنا عشر ٤٧٧ ـ ٤٧٨ ، ح ٤٢. على أن فيه : «ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي». ولكن في الغيبة للطوسي : ١٣٩ ، ح ١٠٣. والكافي : كتاب الحجة ، ١ / ٥٣٢ ، ح ٩ : «... من ولدها ... ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي». والذي يظهر أن كلمة «ولدها» خطأ في الرواية الاولى من كمال الدين وساقطة من الخصال.

(٢) ـ كمال الدين : ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في النصّ على القائم عليه‌السلام ، ٢٨٢ ، ح ٣٥.

(٣) ـ هو أبو حمزة الثمالي ، وقد مضى ذكره.

(٤) ـ كمال الدين : الباب السابق ، ٢٨١ ، ح ٣٣. عيون الأخبار : الباب السابق ، ١ / ٦٤ ، ح ٣٢.

الاختصاص : ٢٠٨. عنها البحار : ٣٦ / ٢٤٣ ، ح ٥٢.

(٥) ـ كذا في كمال الدين. وأما في غيره (العيون والاختصاص والمنقول عنه في البحار) لا يوجد هذه الكلمة وشروع الحديث : «اثنا عشر من أهل بيتي ...».

٥٤٥

الله (١) فهمي وعلمي وحكمتي ، وخلقهم من طينتي ؛ فويل للمتكبّرين عليهم بعدي ، القاطعين فيهم صلتي ؛ ما لهم ، لا أنا لهم الله شفاعتي».

ورواه العامّة بأسانيد وألفاظ متعددة (٢).

فصل [٥]

[نصوص على الأئمة الاثنا عشر]

روى الحافظ ابو عبد الله محمد بن أبي نصر بن عبد الله الحميدي (٣) من العامة في الجمع بين الصحيحين المتّفق عليه ، عن جابر بن سمرة (٤) ،

__________________

(١) ـ الاختصاص : من أعطاهم الله.

(٢) ـ أحاديث أن الأئمة اثنا عشر سيذكر في الفصل الآتي من طرق العامة. وأما ما جاء في ذيل الحديث (أعطاهم الله فهمي ...) فقد جاء ما يقرب منه في حلية الأولياء : آخر ذكر علي بن أبي طالب عليه‌السلام : ١ / ٨٦. تاريخ دمشق ، ترجمة الامام علي بن أبي طالب عليه‌السلام : ٢ / ٩٥ الحديث ٥٩٦. كنز العمال : ١٢ / ١٠٣ ، ح ٣٤١٩٨.

(٣) ـ من رواة العامة وحافظهم وفقيه ظاهري ، تلميذ ابن حزم الاندلسي. قال الذهبي : (سير أعلام النبلاء : ١٩ / ١٢٦) : «توفى الحميدي في سابع عشر ذي الحجة ، سنة ثمان وثمانين وأربع مائة ، عن بضع وستين سنة أو أكثر». جاءت ترجمته في أكثر كتب التراجم : راجع الأنساب : ٤ / ٢٦٣. معجم الادباء : ١٨ / ٢٨٢. تذكرة الحفاظ : ٤ / ١٢١٨. مرآة الجنان : ٣ / ١٤٩. شذرات الذهب : ٣ / ٣٩٢. معجم المؤلفين : ٣ / ٥٨٣ ، الترجمة ١٥١٦٤. وغيرها. والكتاب غير مطبوعة بعد ولذلك أرجعنا المنقول إلى أصله من الصحيحين.

(٤) ـ جابر بن سمرة ابن جنادة ، أبو خالد السوائي وقيل أبو عبد الله. قال في اسد الغابة (١ / ٣٠٤ ، الترجمة ٦٣٨) : «روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أحاديث كثيرة» قال ابن سعد (الطبقات : ٦ / ٢٤) : «نزل الكوفة وابتنى بها دارا في بني سواءة ، وتوفى بها في أول خلافة عبد الملك بن مروان» راجع أيضا : الإصابة : ١ / ٢١٢ ، الترجمة ١٠١٨. الاستيعاب : بحاشية الإصابة ١ / ٢٢٤. المعجم الكبير : ٢ / ١٩٤. سير أعلام النبلاء : ٣ / ١٨٦.

٥٤٦

قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول (١) : «يكون بعدي اثنا عشر أميرا» ـ فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنّه قال : ـ «كلّهم من قريش».

وزاد في رواية (٢) : «وكلّهم لا يرى مثله».

وفي رواية أبي عيينة (٣) ـ قال : ـ «لا يزال أمر الناس ماضيا ما ولّاهم اثنا عشر رجلا».

وفي رواية عامر بن سعد بن أبى وقّاص (٤) : «لا يزال الدين قائما حتّى تقوم الساعة ، ويكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش».

__________________

(١) ـ لفظ البخاري (كتاب الأحكام ، باب ما قبل آخره ، ٩ / ١٠١) : «يكون اثنا عشر أميرا ـ فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي إنّه قال : ـ كلهم من قريش».

وأما مسلم فرواه بألفاظ مختلفة قريبة من المعنى : كتاب الإمارة ، باب الناس تبع لقريش ... ، ٣ / ١٤٥٢ ـ ١٤٥٣ ، ح ٤ ـ ١٠.

وقد خرّج مسانيد الحديث مستوفى في ملحقات إحقاق الحق : ١٣ / ١ ـ ٨٤.

(٢) ـ لم أعثر بهذا اللفظ في البخاري أو مسلم. وورد في كمال الدين : باب (٢٤) ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في النص على القائم عليه‌السلام ... ، ٢٧٣ ، ح ٢١. الخصال : ابواب الاثنا عشر ، ح ٢٩ ، ٢ / ٤٧٣.

(٣) ـ كذا في النسخ ، الأظهر كونه خطأ ، والصحيح «ابن عيينة» وهو سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي من مشايخ الرواة المشهورين.

والحديث رواه مسلم (الصفحة السابقة ، ح ٦) عن ابن أبي عمر ، عن سفيان ، عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة. ورواه أحمد في المسند (٥ / ٩٧ ـ ٩٨ و ١٠١) بلفظ «لا يزال هذا الأمر ماضيا حتى يقوم اثنا عشر أميرا».

(٤) ـ عامر بن سعد بن أبي وقّاص روى عن أبيه واسامة بن زيد وعائشة وأبي هريرة وجابر بن سمرة. مات سنة أربع ومائة. راجع طبقات ابن سعد : ٥ / ١٦٧. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال : ١٨٤. سير أعلام النبلاء : ٤ / ٣٤٩.

والحديث في مسلم : الباب السابق ، ح ١٠ ، ٣ / ١٤٥٣.

٥٤٧

وفي رواية عامر الشعبى (١) : «لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثنا عشر خليفة».

وفي مسند أحمد بن حنبل (٢) عن مسروق (٣) قال : كنّا مع عبد الله جلوسا في المسجد يقرأ بنا ، فأتاه رجل فقال : «يا بن مسعود ـ هل حدّثكم نبيّكم كم يكون من بعده خليفة»؟

قال : «نعم ؛ كعدّة نقباء بنى إسرائيل».

وروى أبو عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد الدوريستي (٤) منهم مرفوعا عن ابن عباس(٥) ـ قال : ـ سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين حضرته

__________________

(١) ـ عامر بن شراحيل الشعبي معروف من مشايخ الرواة ، مات بعد المائة. راجع طبقات ابن سعد : ٦ / ٢٤٦. المعارف : ٤٤٩. سير أعلام النبلاء : ٤ / ٢٩٤. تقريب التهذيب : ١ / ٣٨٧.

والحديث في مسلم : الصفحة السابقة ، ح ٩.

(٢) ـ المسند : ١ / ٤٠٦ ، وما يقرب منه في ١ / ٣٩٨.

(٣) ـ مسروق بن الأجدع بن مالك من أعلام العامة ، روى عن جمع من الصحابة وحكى ابن سعد أنه مات سنة ثلاث وستين. راجع طبقات ابن سعد : ٦ / ٧٦ ـ ٨٤. سير أعلام النبلاء : ٤ / ٦٣. المعارف : ٤٣٢. حلية الأولياء : ٢ / ٩٥. تاريخ بغداد : ١٣ / ٢٣٢. اسد الغابة : ٤ / ٣٨٠ الترجمة : ٤٨٦٣.

(٤) ـ قال منتجب الدين في فهرسته (ص ٣٧. الترجمة : ٦٧) : «الشيخ الجليل أبو عبد الله جعفر بن محمد الدوريستي ، ثقة ، عين ، عدل ؛ قرأ على شيخنا المفيد ... وعلى السيد الأجل المرتضى ـ قدس الله أرواحهم ـ وله تصانيف ...». راجع أيضا معجم الرجال : ٤ / ١٠٣ و ١٢٦.

(٥) ـ الحديث حكاه الطبرسي في أعلام الورى (الركن الرابع ، القسم الأول ، الفصل الأول في ذكر بعض الأخبار التي جاءت في النص على عدد الأئمة الاثنا عشر من الأئمة من طريق العامة ... ، ٣٦٥) قال : «ومما ذكره الشيخ أبو عبد الله جعفر بن محمد بن أبي أحمد الدوريستي في كتابه في الرّد على الزيديّة ، قال : أخبرني أبي ، قال : أخبرني الشيخ ـ

٥٤٨

الوفاة ، فقلت : «إذا كان ما نعوذ بالله منه ، فإلى من»؟

فأشار إلى عليّ عليه‌السلام فقال : «إلى هذا ، فإنّه مع الحقّ والحقّ معه ؛ ثمّ يكون من بعده أحد عشر إماما مفترضة طاعتهم بطاعته (١)».

وعن عائشة (٢) أنها سئلت : «كم خليفة يكون لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟ فقالت : «أخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه يكون بعده اثنا عشر خليفة».

ـ قال : ـ فقلت لها : «من هم»؟

فقالت : «أسماؤهم عندي مكتوبة بإملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فقلت لها : «فأعرضيه». فأبت.

وعن العباس بن عبد المطلب (٣) أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له : «يا عمّ ـ يملك من ولدي اثنا عشر خليفة ، ثمّ يكون امور كريهة وشدائد عظيمة ؛ ثمّ يخرج المهدي من ولدي يصلح الله أمره في ليلة ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت جورا ، ويمكث في الأرض ما شاء الله ، ثمّ يخرج الدجّال».

__________________

ـ أبو جعفر بن بابويه ، قال : حدثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه ، عن عمّه ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن خلف بن حمّاد الأسدي ، عن الأعمش ، عن عباية بن ربعي ، عن ابن عباس ، قال : سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين حضرته وفاته ...».

والظن الغالب أن الكتاب (الرد على الزيدية) لم يكن بيد المؤلف وأنّه ينقل الأحاديث الثلاثة الآتيات منه اعتمادا على ما رواه الطبرسي ؛ ثم الأظهر أنّ هذا الحديث مسند ـ كما ترى ـ وليس بمرفوعة ؛ وأنّ رواته ليسوا من العامة ـ على ما هو معروف عنهم ـ وإن أورده الدوريستي ضمن الروايات المروية عنهم.

(١) ـ كذا. وفي أعلام الورى : «كطاعتي».

(٢) ـ إعلام الورى : الصفحة السابقة ، عن كتاب الدوريستي المذكور.

(٣) ـ عن الكتاب المذكور.

٥٤٩

وقد استفاض هذا النقل وأمثاله في كتب العامّة (١). وأمّا عندنا فقد بلغ حدّ التواتر بنصوص واضحة جليّة مفصّلة لا شكّ فيها (٢) ، وقد نصّ كلّ منهم ـ صلوات الله عليهم ـ على لاحقه ، وأخبر أصحابه بإمامته واسمه وصفته ، وقد ثبت طهارتهم وصدقهم جميعا عند معتبري أهل الإسلام كافّة ، وهذا من أدلّ الدلائل على حجّيتهم دون غيرهم ممّن اختلف في فضله وحاله ، وكذلك عصمتهم ثابتة عندنا ، وولايتهم لله ، وشرفهم وفضلهم وحجيّتهم معلومة من التتبّع لآثارهم ومعارفهم بحيث لا يبقى للشك مجال.

* * *

قال الشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه القمي ـ رحمه‌الله ـ في إكمال الدين وإتمام النعمة (٣) :

«ومن أوضح الأدلّة على الإمامة أنّ الله عزوجل جعل آية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه أتى بقصص الأنبياء الماضين عليهم‌السلام وبكلّ علم توراة وإنجيل وزبور ، من غير أن يكون يعلم الكتابة ظاهرا ، أو لقي نصرانيّا أو يهوديّا ، فكان ذلك أعظم آياته.

وقتل الحسين بن عليّ عليه‌السلام وخلّف علي بن الحسين عليه‌السلام

__________________

(١) ـ راجع الأحاديث وتخريجاتها في ملحقات الإحقاق : ١٣ / ١ ـ ٧٤. معجم أحاديث المهدي عليه‌السلام : ج ١.

(٢) ـ راجع البحار : أبواب النصوص على أمير المؤمنين والنصوص على الأئمة الاثنا عشر عليهم‌السلام : ٣٦ / ١٩٢ ـ ٤١٨. عوالم العلوم : الجزء الثالث من المجلد الخامس عشر ٣٣ ـ ٣١٣.

وغيرهما من المصادر.

(٣) ـ كمال الدين : مقدمة المؤلف ، أجوبة النوبختي عن المخالفين : ٩١.

٥٥٠

متقارب السنّ ـ كانت سنّة أقلّ من عشرين سنة ـ ثمّ انقبض عن الناس فلم يلق أحدا ولا كان يلقاه إلّا خواصّ أصحابه ، وكان في نهاية العبادة ولم يخرج عنه من العلم إلّا يسيرا لصعوبة الزمان وجور بني اميّة ـ.

ثمّ ظهر ابنه محمّد بن عليّ المسمّى بالباقر عليه‌السلام لفتقه العلم ، فأتى من علوم الدين والكتاب والسنّة والسير والمغازي بأمر عظيم.

وأتى جعفر بن محمّد عليه‌السلام من بعده من ذلك بما كثر وظهر ، فلم يبق فنّ من فنون العلم إلّا أتى فيه بأشياء كثيرة ، وفسّر القرآن والسنن ، ورويت عنه المغازي وأخبار الأنبياء من غير أن يرى هو وأبوه ـ محمّد بن عليّ أو عليّ بن الحسين عليه‌السلام عند أحد من رواة حديث العامّة أو فقهائهم يتعلّمون منهم شيئا ، وفي ذلك أدلّ دليل على أنّهم إنّما أخذوا ذلك العلم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ عن عليّ عليه‌السلام ، ثمّ عن واحد واحد من الأئمّة عليهم‌السلام.

وكذلك جماعة الأئمّة عليهم‌السلام هذه سنّتهم في العلم ؛ يسألون عن الحلال والحرام فيجيبون جوابات متّفقة ، من غير أن يتعلّموا ذلك من أحد من الناس.

فأيّ دليل أدلّ من هذا على إمامتهم ، وأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نصبهم وعلّمهم وأودعهم علمه وعلوم الأنبياء عليهم‌السلام قبله ؛ وهل رأينا في العادات من ظهر عنه مثل ما ظهر عن محمّد بن علي وجعفر بن محمّد عليه‌السلام من غير أن يتعلّموا ذلك من أحد من الناس»؟ ـ انتهى كلامه ـ.

٥٥١

* * *

* وأمّا النصوص الواردة في فضائلهم ومناقبهم ، فأكثر من أن تحصى وأشهر من أن تخفى ، وسنأتي بطرف منها في باب على حدة إن شاء الله.

قال عليّ بن عيسى الإربلي ـ رحمه‌الله ـ (١) بعد نقل نبذ من أخبار خلافتهم :

«ولا يقدح في ذلك كونهم ـ صلوات الله عليهم ـ منعوا من الخلافة ، وعزلوا عن المنصب الذي اختارهم الله له ، واستبدّ به دونهم ، إذ لم يقدح في نبوّة الأنبياء تكذيب من كذّبهم ، ولا وقع الشكّ فيهم لانحراف من انحرف عنهم ، ولاشوّه وجوه محاسنهم تقبيح من قبّحها ، ولا نقّص شرفهم خلاف من عاندهم ونصب لهم العداوة ، وجاهرهم بالعصيان.

وقد قال أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) : «وما على المؤمن من غضاضة في دينه أن يكون مظلوما ـ ما لم يكن شاكّا في دينه ، ولا مرتابا بيقينه».

وقال عمّار بن ياسر ـ رضي الله عنه ـ في أيّام صفّين (٣) :

__________________

(١) ـ كشف الغمّة : في ذكر الإمامة وكونهم خصّوا بها : ١ / ٥٨.

(٢) ـ نهج البلاغة : الكتاب ٢٨. بلفظ : «وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ...»

(٣) ـ وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٣٢٢. السعف : أغصان النخلة. وقيل : ورقها.

هجر : بلد بالبحرين موصوفة بكثرة النخيل ، وبها يضرب المثل ، وجاء في كتاب أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى معاوية (نهج البلاغة : الكتاب : ٢٨) : «فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر». وإنما خصّها بالذكر لبعدها.

راجع أيضا معجم البلدان : هجر ، ٤ / ٩٥٢ ـ ٩٥٣.

٥٥٢

«والله ـ لو ضربونا حتّى يبلغونا سعفات هجر ، لعلمنا أنّا على الحقّ ، وأنّهم على الباطل».

ـ وهذا واضح بحمد الله لمن تأمّله».

وسيأتى له مزيد تحقيق وتبيان إن شاء الله ((١)

__________________

(١) ـ كتب المؤلف هنا فصلا كاملا ثم أعرض عنه وأسقط الورقة المكتوب عليها من النسخة.

وحيث أن هذا الفصل كانت موجودة في المطبوعة الحجرية من الكتاب رأينا الإتيان بها لازما على ما هو سياق عملنا في هذا الطبع ، والفصل ما يلي :

فصل

قال بعض أهل التحقيق :

(ـ لم أعثر على القائل ، غير أن السيد حيدر الآملي أيضا أورده في كتابه جامع الأسرار (٢٤٠ ـ ٢٤١) حاكيا عن بعض الفضلاء ـ على حد تعبيره ـ ولعل المؤلف أيضا حكى عنه ، ويوجد بينهما اختلافات في ضبط الأسامي لم نتعرض لها.) «اعلم أنّ أصحاب الشريعة من لدن آدم إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ستّة ، كلّ واحد منهم جاء بشريعة واحد مدّة ، فالاولى فاتحته والآخر خاتمته ، وما بينهما ينسخ الاولى الأخير ليعود الخاتمة فاتحة ، والفاتحة خاتمة ، وإلى ذلك أشار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله باستدارة الزمان وهو قوله (ـ لفظ الحديث : «إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ...».

البخاري : كتاب بدء الخلق ، باب ما جاء في سبع أرضين ، ٤ / ١٣٠. كتاب التفسير ، سورة براءة ، ٦ / ٨٣. مسلم : كتاب القسامة ، باب تغليظ تحريم الدماء ... ، ٣ / ١٣٠٥ ، ح ٢٩. أبو داود : كتاب المناسك ، باب الأشهر الحرم : ٢ / ١٩٥ ، ح ١٩٤٧. المسند : ٥ / ٣٧ و ٧٣.) : «قد استدار الزمان كهيئته يوم خلق الله فيه السماوات والأرض».

فالستّة : آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد ـ صلوات الله عليهم أجمعين.

٥٥٣

__________________

ـ وإنّه لكلّ واحد منهم من الأوصياء المتواصلين به في الأزمنة المتباعدة والمتقاربة اثنا عشر وصيّا ؛ يحفظون كلمته ويقيمون شريعته ، ما دام التكليف باقيا.

والوصيّ هو الحجّة بعد ذلك النبيّ ، والإمام الناطق بتأويل الكتاب الصامت ، يحفظ الشريعة ، ويقيم الحدود ، ويسدّ الثغور ، ويقصّر يد الظالم عن المظلوم.

فالشريعة الفاتحة لآدم عليه‌السلام ، وأوصياؤها اثنا عشر وصيّا ؛ وهم : شيث ، هابيل ، قينال ، ميسم ، شميسم ، قادس ، قيدق ، ايمنح ، إينوخ ، إدريس ، دينوخ ، ثاخور.

الشريعة الثانية لنوح عليه‌السلام ، واوصياؤها اثنا عشر ، وهم : سام ، يافث ، ارشخ ، فرشخ ، فاقو ، شالح ، هود ، صالح ، ديمنح ، معدل ، وريخا ، هجان.

الشريعة الثالثة لإبراهيم عليه‌السلام ، وأوصياؤها اثنا عشر وصيّا ، وهم : إسماعيل وإسحاق ويعقوب ، يوسف ، إيلون ، إيتم ، أيّوب ، زينون ، دانيال الأكبر ، إينوخ ، اناخا ، ميدخ.

الشريعة الرابعة لموسى عليه‌السلام ، وأوصياؤها اثنا عشر ، وهم : يوشع ، عروف ، فيدوف ، عزير ، اريسا ، داود ، سليمان ، آصف ، اتواخ ، منيقا ، ارون ، واعث.

الشريعة الخامسة لعيسى عليه‌السلام ، وأوصياؤها اثنا عشر وصيّا ، وهم : شمعون ، عروف ، فيدق [فيدوف] ، عبير [عسير] ، زكريّا ، يحيى ، اهدى ، مشحا ، طالوت ، قسّ ، استين ، بحيرا الراهب.

الشريعة السادسة لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأوصياؤها اثنا عشر وصيّا ، وهم : أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، الحسن الزكيّ ، الحسين الشهيد ، عليّ زين العابدين ، محمّد الباقر ، جعفر الصادق ، موسى الكاظم ، عليّ بن موسى الرضا ، محمد التقيّ ، عليّ النقيّ ، الحسن العسكريّ ، المهدي القائم ، وبه ختمت الأوصياء ، وعددهم : اثنان وسبعون وصيّا لستّة أنبياء مرسلين.

٥٥٤

وفي كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة (١) : «إنّ الرسل الذين تقدموا قبل عصر نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله كان اوصياؤهم أنبياء ، فكلّ وصيّ قام بوصيّة حجة تعدّمه ـ من وفات آدم عليه‌السلام إلى عصر نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كان نبيّا ... وأوصياء نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكونوا أنبياء ، لأنّ الله ـ عزوجل ـ جعل محمّدا خاتما لهذا الاسم كرامة له وتفضيلا».

__________________

فإن حصل بين الوصيّ المتّصل بالنبيّ بالله فترة من الزمان إلى وصيّ آخر ، حفظ ذلك الوصيّة الرجال المؤمنون بشريعة ذلك النبي عليه‌السلام وإيمان ذلك الوصيّ ؛ ولا يزالون ينقلونها سرّا إلى أن يظهرها الله جهرا ؛ لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ولو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد ، لطوّل الله ـ تعالى ـ ذلك اليوم ، ليخرج رجلا من ولدى اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت جورا وظلما.

(١) ـ مقدمة المصنف : ٢٦.

٥٥٥

[٧]

باب

أخذ ميثاق النبيّين لنبيّنا

والبشارة به قبل ظهوره صلى‌الله‌عليه‌وآله

(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) [٣ / ٨١]

فصل [١]

[ما ذا اخذ عليه الميثاق]

إنّ الله عزوجل أخذ العهود على الأنبياء عليهم‌السلام أنّ من أدرك محمّدا يؤمن به وينصره ، ومن لم يدركه فليخبر قومه عن صفته ، ويلقي إليهم نعته ويأمرهم باتّباعه ونصره ، فإن لم يدركه أحد منهم فليوص به من بعده ، كوصيّة من سبقه ، وهلم جرّا ـ كما مرّ بيانه مفصّلا في حديث اتّصال الوصيّة ـ وذلك لئلا يقع لبس في أمره ، ولا يرتاب من أدرك نبوّته في صفته وفي قوله ـ سبحانه ـ : (وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) تشديد للتأكيد من الله ـ تعالى ـ وتوثيق للميثاق والعهد بعد إقرارهم.

٥٥٦

قيل : «فأشهدوا» على أنفسكم ، أو على اممكم ، «وأنا شاهد عليكم» ، أو لكم عليهم ، بتبليغكم وإقرارهم على أنفسهم بقبول رسالتكم ؛ وهذا غاية التعظيم لشرفهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونهاية التشديد عليهم بتصريحه بشهادة نفسه الكريمة المقدّسة على هذه المواثيق ومخاطبة أنبيائهم بهذا ، وكذا أخذ الميثاق منهم بولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام والأئمّة من ولده عليهم‌السلام كما ورد في الأخبار المستفيضة :

ففي بصائر الدرجات (١) بإسناده عن مولانا الكاظم عليه‌السلام ـ قال : ـ «ولاية عليّ مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ، ولم يبعث (٢) الله رسولا إلّا بنبوّة محمّد ، ووصيّة عليّ».

وبأسانيده (٣) المتعدّدة عنهم عليهم‌السلام : «ما نبّئ نبيّ قطّ إلّا بمعرفة حقّنا وتفضيلنا (٤) على من سوانا».

وبأسانيده المتعدّدة (٥) عنهم عليهم‌السلام : «ولايتنا ولاية الله الّتي لم يبعث نبيّا قطّ إلّا بها».

__________________

(١) ـ بصائر الدرجات : الجزء الثاني ، باب (٨) ما خصّ الله به الأئمّة من آل محمد عليهم‌السلام من ولاية الأنبياء لهم ... ، ٧٢ ، ح ١. عنه البحار : ٢٦ / ٢٨٠ ، ح ٢٤.

(٢) ـ في المصدر والبحار : «لن يبعث». ولا يخلو عن تكلف.

(٣) ـ بصائر الدرجات : باب (٩) آخر في ولاية الأئمة عليهم‌السلام ، ٧٤ ـ ٧٥ ، ح ١ ـ ٥.

عنه البحار : ٢٦ / ٢٨١ ، ح ٢٩. كنز الفوائد : ٢٥٩. عنه البحار : ١٨ / ٢٩٩.

(٤) ـ في المصدر والبحار : بفضلنا.

(٥) ـ بصائر الدرجات : الباب السابق ، ٧٥ ، ح ٦ ـ ٩. عنه البحار : ٢٦ / ٢٨١ ، ح ٣٠ ـ ٣٣.

أمالي المفيد : المجلس السابع عشر ، ح ٩ ، ١٤٢. عنه البحار : ١٠٠ / ٢٦٢ ، ح ١٥.

أمالي الطوسي : المجلس السادس والثلاثون ، ح ١٩ ، ٦٧١.

٥٥٧

وفي كتاب التوحيد (١) بإسناده عن داود الرقّي (٢) قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله ـ عزوجل ـ : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) [١١ / ٧] فقال لي : «ما يقولون في ذلك»؟

قلت : «يقولون : إنّ العرش كان على الماء ، والربّ فوقه».

فقال : «كذبوا ؛ من زعم هذا فقد صيّر الله محمولا ، ووصفه بصفة المخلوقين ، ولزمه أنّ الشيء الذي يحمله أقوى منه».

قلت : «بيّن لي ـ جعلت فداك ـ».

فقال : «إنّ الله ـ عزوجل ـ حمّل دينه وعلمه الماء ، قبل أن يكون أرض أو سماء ، أو جنّ أو إنس ، أو شمس أو قمر ؛ فلمّا أراد أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه ، فقال لهم : «من ربّكم»؟ فكان أوّل من نطق رسول الله وأمير المؤمنين والأئمّة ـ صلوات الله عليهم ـ فقالوا : «أنت ربّنا» ؛ فحمّلهم العلم والدين. ثمّ قال للملائكة : «هؤلاء حملة علمي وديني ، وامنائي في خلقي ، وهم المسئولون». ثمّ قيل لبني آدم : «أقرّوا لله بالربوبيّة ، ولهؤلاء النفر بالطاعة». فقالوا : «نعم ـ ربّنا أقررنا». فقال للملائكة : «أشهدوا». فقالت الملائكة : «شهدنا على أن لا تقولوا : (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ* أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً

__________________

(١) ـ التوحيد : باب معنى (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ») ، ٣١٩ ، ح ١. عنه البحار : ٣ / ٣٣٤ ، ح ٤٥. و ٢٦ / ٢٧٧ ، ح ١٩. الكافي : كتاب التوحيد ، باب العرش والكرسي ، ١ / ١٣٢ ـ ١٣٣ ، ح ٧. عنهما البحار : ٥٧ / ٩٥ ، ح ٨٠.

(٢) ـ داود بن كثير الرقي ، عده الشيخ (الرجال : ١٩٠ ، رقم ٩ ، و ٣٤٩ ، رقم ١) من أصحاب الصادق والكاظم عليهما‌السلام ؛ ضعفه النجاشي وابن الغضائري ، ووثقه الشيخ والعلامة وآخرون. راجع النجاشي : ١٥٦ ، الترجمة ٤١٠. معجم رجال الحديث : ٧ / ١٢٢. تنقيح المقال : ١ / ٤١٤ ، رقم ٣٨٦١. اختيار معرفة الرجال : ٤٠٢.

٥٥٨

مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) [٧ / ١٧٢ ـ ١٧٣] ؛ يا داود ، ولايتنا مؤكّدة عليهم في الميثاق».

وفي إكمال الدين (١) بإسناده عن مولانا الصادق عليه‌السلام :

«إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ علّم آدم أسماء حجج الله كلّها (ثُمَّ عَرَضَهُمْ) وهم أرواح (عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) بأنّكم أحقّ بالخلافة في الأرض لتسبيحكم وتقديسكم من آدم ؛ (قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ* قالَ) الله ـ تبارك وتعالى ـ : (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) وقفوا على عظيم منزلتهم عند الله تعالى ذكره ، فعلموا أنّهم أحقّ بأن يكونوا خلفاء الله في أرضه ، وحججه على بريّته ، ثمّ غيّبهم عن أبصارهم واستعبدهم بولايتهم ومحبّتهم و (قالَ) لهم : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) [٢ / ٣١ ـ ٣٣].

والأخبار في هذه المعاني كثيرة جدّا.

* * *

__________________

(١) ـ كمال الدين : المقدمة ، ١٤. عنه البحار : ١١ / ١٤٥ ، ح ١٥. و ٢٦ / ٢٨٣ ، ح ٣٨.

٥٥٩

فصل [٢]

[البشائر على النبيّ قبل ولادته وبعثته]

وقد جاءت الأخبار في كتب الله المنزلة ممّا دلّ على شرف نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلوّ قدره والتنويه بأوصافه على ثبوت نبوّته ، إذا آن ظهوره ليتحقّق أهل زمانه صحّة ما جاء به بما تعاقب واستفاض عندهم وتداولوه في كتبهم ملّة بعد ملّة ، وقرنا بعد قرن ، و (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) ـ وذلك كثير جدّا ـ

وقد ورد في بعض الأقوال (١) في تفسير قوله تعالى : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) [١٠ / ٩٤] أنّ معناه «إن كنت في شكّ ممّا شرّفناك به ، فاسألهم عن صفتك في الكتب وتشريفاتك».

أي أنّ الكتب دالّة على علوّ مكانك عندنا ، وهي مشحونة بأوصافك الشاهدة بصدقك في دعوى نبوّتك وعموم رسالتك.

وقال ـ عزوجل ـ : (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [٦١ / ٦].

وعن ابن عبّاس ـ قال ـ : أوحى الله ـ تعالى ـ إلى عيسى بن مريم عليه‌السلام : «يا عيسى ـ آمن بمحمّد ، وأمر من أدركه من أمّتك أن يؤمنوا به ؛

__________________

(١) ـ راجع تفسير الطبري : ١١ / ١١٥.

٥٦٠