علم اليقين في أصول الدين - ج ١

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

علم اليقين في أصول الدين - ج ١

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


المحقق: محسن بيدارفر
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات بيدار
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
ISBN: 964-90800-2-3
ISBN الدورة:
964-90800-1-5

الصفحات: ٧١٦

الملكوت العمّالة بإذن الله ، المسخّرة بأمره ، المدبّرة لامور العالم بإعداد الموادّ ، وتهيئة الأسباب ، ومنه ينزل الشيء المعيّن الخارجي الضروريّ الوجود عند تحقّق وقته : (وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) [١٥ / ٢١].

فمنه تنزّل الشرائع والصحف والكتب على الأنبياء والرسل صلى‌الله‌عليه‌وآله نجوما. ولما فيه من المحو والإثبات يصحّ البداء منه سبحانه ، والتردّد في الأمر ـ كما ورد في الأحاديث الصحيحة المستفيضة.

[المحو والإثبات والبداء]

فإن قلت (١) : ما السبب في المحو والإثبات؟ وما الحكمة فيهما؟ وكيف تصحّ نسبة البداء والتردّد وإجابة الدعاء ونحو ذلك إلى الله ـ سبحانه ـ مع إحاطة علمه بكلّ شيء أزلا وأبدا ـ على ما هو عليه في نفس الأمر ـ وتقدّسه عمّا يوجب التغيّر والسنوح ونحوهما؟

فاعلم : أنّ القوى المنطبعة الفلكيّة لم تحط بتفاصيل ما سيقع من الامور دفعة واحدة ـ لعدم تناهيها ـ بل إنّما تنتقش فيها الحوادث شيئا فشيئا ، وجملة فجملة ، مع أسبابها وعللها ، على نهج مستمرّ ، ونظام مستقرّ ؛ فإنّ ما يحدث في عالم الكون والفساد إنّما هو من لوازم حركات الأفلاك المسخّرة لله ـ تعالى ـ ونتائج بركاتها ، فهي تعلم أنّه كلّما كان كذا ، كان كذا ؛ فمهما حصل لها العلم بأسباب حدوث أمر ما في هذا العالم حكمت بوقوعه فيه ، فينتقش فيها ذلك الحكم ، وربّما تأخّر بعض

__________________

(١) ـ عين اليقين : ٣١٩. الوافي : ١ / ٥٠٧ ـ ٥١٠.

٢٤١

الأسباب الموجب لوقوع الحادث على خلاف ما يوجبه بقيّة الأسباب ـ لو لا ذلك السبب ـ ولم يحصل لها العلم بذلك السبب بعد ، لعدم اطلاعها على سبب ذلك السبب ، ثمّ لمّا جاء أوانه واطلعت عليه حكمت بخلاف الحكم الأوّل ، فيمحى عنها نقش الحكم السابق ، ويثبت الحكم الآخر.

مثلا : لمّا حصل لها العلم بموت زيد ، بمرض كذا ، في ليلة كذا ، لأسباب تقتضي ذلك ؛ ولم يحصل لها العلم بتصدّقه الذي يأتي به قبيل ذلك الوقت ـ لعدم اطلاعها على أسباب التصدّق بعد ـ ثمّ علمت به ـ وكان موته بتلك الأسباب مشروطا بأن لا يتصدّق ـ فتحكم أوّلا بالموت ، وثانيا بالبرء. وإذا كانت الأسباب لوقوع أمر ولا وقوعه متكافئة ، ولم يحصل لها العلم برجحان أحدهما بعد ـ لعدم مجيء أوان سبب ذلك الرجحان بعد ـ كان له التردّد في وقوع ذلك الأمر ولا وقوعه ، فينتقش فيها الوقوع ـ تارة ـ واللّاوقوع اخرى ؛ فهذا هو السبب في المحو والإثبات والحكمة فيهما.

* * *

وأمّا صحّة نسبة البداء والتردّد وأمثالهما إلى الله ـ سبحانه ـ مع إحاطة علمه ـ عزوجل ـ بالكليّات والجزئيّات جميعا ـ أزلا وأبدا ـ على ما هي عليها في الواقع ، من غير تطرّق تغيّر وسنوح في ذاته ـ عزّ وعلا ـ فالوجه فيه ما ذكره بعض المحقّقين ـ قدس‌سره ـ قال(١):

__________________

(١) ـ صدر المتألهين ـ كما صرح به المؤلف ـ قدس‌سره ـ في عين اليقين ـ راجع شرح الكافي لصدر المتألهين : الحديث الأول من باب البداء (ص ٣٨١) ملخصا. وأيضا : الأسفار الأربعة : ٦ / ٣٩٥ ـ ٣٩٩.

٢٤٢

«لمّا كان ما يجري في العالم الملكوتي إنّما يجري بإرادة الله سبحانه ، بل فعلهم بعينه فعل الله تعالى ، حيث أنّهم (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) [٦٦ / ٦] ، إذ لا داعي لهم على الفعل إلّا إرادة الله ـ جلّ وعزّ ـ لاستهلاك إرادتهم في إرادته ـ تعالى ـ ومثلهم كمثل الحواسّ للإنسان : كلّما همّ بأمر محسوس امتثلت الحاسّة لما همّ به وأرادته دفعة ، فكلّ كتابة تكون في هذه الألواح والصحف فهو أيضا مكتوب الله ـ عزوجل ـ بعد قضائه السابق المكتوب بقلمه الأوّل.

فيصحّ أن يصف الله عزوجل نفسه بالنسخ والبداء والتردّد وإجابة الدعاء والابتلاء ونحوها بهذا الاعتبار ، وإن كان مثل هذه الامور يشعر بالتغيّر والسنوح ، وهو ـ سبحانه ـ منزّه عنه ، فإنّ كلّ ما وجد أو سيوجد فهو غير خارج عن عالم ربوبيّته. كما ورد في الحديث(١) :

«إنّ الله لا يأسف كأسفنا ، إلّا أنّه خلق أولياء لنفسه.

يأسفون ويرضون ـ وهم مخلوقون مربوبون ـ فجعل رضاهم رضا نفسه ، وسخطهم سخط نفسه».

ـ قال : ـ

ولو لم يكن الأمر كذلك ـ من توسيط هذه النفوس القابلة

__________________

(١) ـ الكافي باب النوادر من كتاب التوحيد ، ١ / ١٤٤ ، ح ٦. التوحيد : باب معنى رضاه عزوجل وسخطه : ١٦٨ ، ح ٢. معاني الأخبار : نفس الباب : ١٩ ، ح ٢.

البحار : ٤ / ٦٥ ، ح ٦.

٢٤٣

لتعاقب الصور الإراديّة منها ، على حسب توارد الأرقام القلميّة عليها ـ لكانت الامور كلّها حتما مقضيّا ، وكان الفيض الإلهي مقصورا على عدد معيّن غير متجاوز عن حدود الإبداع ، وكان قد انسدّ طرق الاهتداء للسالكين ، وإجابة الدعاء للداعين.

أقول : ليس حكم النسخ حكم البداء ، إلّا إذا كان عبارة عن رفع الحكم السابق ، وأمّا إذا كان عبارة عن انتهاء مدّة الحكم ـ كما هو التحقيق ـ فلا مدخل للمحو والإثبات فيه أصلا.

والدعاء ـ أيضا ـ يجرى فيه نظير الأمرين ، فليتدبّر.

* * *

وأمّا سبب الاطلاع على البداء ونحوه : فهو اتّصال نفس النبيّ أو الوليّ بالملائكة العمّالة ـ بإذن الله ـ وقراءتهم ما كتب في قلوبهم ؛ مما أوحى الله إليهم فيخبرون بما رأوه بأعين قلوبهم ، أو شاهدوه بأنوار بصائرهم أو سمعوه بآذان قلوبهم من صرير أقلام اولئك الكرام ، ثمّ إذ اتّصلت أنفسهم بها تارة اخرى. ورأوا في تلك الألواح غير ما رأوه أوّلا ، وغير ما ناسبته الصور السابقة ، فيقال لمثل هذا الأمر : «البداء» وما أشبهها.

٢٤٤

فصل [٤]

[البداء في الروايات]

اعلم أنّ القول بجواز البداء على الله ـ عزوجل ـ من خواصّ أهل البيت ـ صلوات الله عليهم ـ وشيعتهم ـ رضي الله عنهم ـ :

روي في كتابي الكافي والتوحيد (١) بإسناده عن مولانا الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «ما عبد الله بشيء مثل البداء».

وفي رواية صحيحة عنه عليه‌السلام (٢) : «ما عظّم الله بمثل البداء».

وفي اخرى صحيحة (٣) ـ في هذه الآية : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ

__________________

(١) ـ الكافي : باب البداء ، ١ / ١٤٦ ، ح ١ ، عن أحدهما عليهما‌السلام.

التوحيد : باب البداء : ٣٣٢ ، ح ١. عنه البحار : ٤ / ١٠٧ ، ح ١٩.

(٢) ـ الكافي : الصفحة السابقة (ح ١).

التوحيد : باب البداء : ٣٣٣ ، ح ٢. عنه البحار : ٤ / ١٠٧ ، ح ٢٠.

(٣) ـ الكافي : ١ / ١٤٧ ، ح ٢. التوحيد : الصفحة السابقة ، ح ٤. عنه البحار : ٤ / ١٠٨ ، ح ٢٢. العياشي : سورة الرعد ، الآية ٣٩ ، ٢ / ٢١٥ ، ح ٦٠ ، بتقديم وتأخير في اللفظ. عنه البحار ٤ / ١١٨ ، ح ٥٣.

والرواية صحيحة على اصطلاح المؤلف ـ راجع الاصول الأصيلة : ٥٨ ـ وإلا فقد نصّ المجلسي (مرآة العقول : ٢ / ١٣٧) في هذه وتاليتها على أنهما حسنتان.

ثم إنه ورد الرواية ـ بلفظها مع إضافات ـ عن الإمام العسكري عليه‌السلام أيضا ، رواها الراوندي في الخرائج (أعلام الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢ / ٦٨٧ ، ح ١٠) عنه البحار : ٤ / ٩٠ ، ح ٣٣ ، و ٥٠ / ٢٥٧ ، ح ١٤ : «ومنها ما قال أبو هاشم : سأله محمّد بن صالح الأرمني عن قوله تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ...) فقال : هل يمحو إلا ما كان؟ وهل يثبت إلا ما لم يكن؟ فقلت في نفسي : «هذا خلاف قول هشام بن الحكم : إنه لا يعلم بالشيء حتّى يكون». فنظر إليّ ، فقال : «تعالى الجبّار العالم بالأشياء قبل كونها». ـ

٢٤٥

وَيُثْبِتُ) [١٣ / ٣٩] قال ـ : «وهل يمحي إلّا ما كان (١) ، وهل يثبت إلّا ما لم يكن»؟.

وفي اخرى صحيحة (٢) قال : «ما بعث الله ـ عزوجل ـ نبيّا حتّى أخذ عليه ثلاث خصال : الإقرار بالعبوديّة ، وخلع الأنداد ، وأنّ الله يقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء».

وقال (٣) : «لو يعلم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ، ما فتروا عن الكلام فيه».

وقال (٤) : «إنّ الله لم يبد له من جهل».

وفي رواية صحيحة (٥) : «ما بدا لله في شيء إلّا كان في علمه قبل أن يبدو له».

__________________

ـ قلت : أشهد أنّك حجّة الله». رواه أيضا الطوسي في الغيبة : ٤٣٠ ، ح ٤٢١.

الإربلي (كشف الغمة : ذكر الإمام الحادي عشر : ٣ / ٢٠٩) واضيف فيه : «الخالق إذ لا مخلوق. والربّ إذ لا مربوب ، والقادر قبل المقدور عليه». الثاقب في المناقب :

الفصل الثاني من الباب الرابع عشر : ٥٦٦.

(١) ـ الكافي : وهل يمحي إلا ما كان ثابتا ... التوحيد : وهل يمحو الله إلا ما كان ...

(٢) ـ الكافي والتوحيد : الصفحتان السابقتان. المحاسن : باب ما لا يسع الناس جهله : ١ / ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ح ١٨٩. وفيه : «... وأن الله يمحو ما يشاء ويثبت». العياشي : ٢ / ٢١٥ ، ح ٥٧ ، وفيه : «ثلاث خلال» بدل «ثلاث خصال». البحار عن التوحيد والمحاسن والعياشي : ٤ / ١٠٨ ، ح ٢١. وروى العياشي أيضا (نفس الصفحة) ما في معناه عن العسكري عليه‌السلام. وعنه البحار : ٤ / ١٠٨ ، ح ٢١.

(٣) ـ الكافي : باب البداء : ١ / ١٤٨ ، ح ١٢. التوحيد : ٣٣٤ ، ح ٧.

البحار عنه : ٤ / ١٠٨ ، ح ٢٦.

(٤) ـ الكافي : الصفحة السابقة ، ح ١٠.

(٥) ـ الكافي : الصفحة السابقة ، ح ٩.

٢٤٦

وفي الصحيح عن مولانا الباقر عليه‌السلام قال (١) : «العلم علمان : فعلم عند الله مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه ، وعلم علّمه ملائكته ورسله ؛ فما علّمه ملائكته ورسله فإنّه سيكون لا يكذّب نفسه ولا ملائكته ولا رسله ؛ وعلم عنده مخزون ، يقدّم منه ما يشاء ويؤخّر ما يشاء ، ويثبت ما يشاء».

ومثله عن مولانا الصادق (٢) وجدّهما.

وعن مولانا الرضا عليه‌السلام (٣) في قول الله ـ عزوجل ـ : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) [٥١ / ٥٤] ـ قال : ـ «أراد إهلاكهم ، ثمّ بدا لله ، فقال : (وَ

__________________

(١) ـ الكافي : باب البداء : ١ / ١٤٧ ، ح ٦. المحاسن : باب العلم : ١ / ٢٤٣ ، ح ٢٣١ ، مع فرق يسير. العياشي : سورة الرعد ، الآية ٣٩ ، ٢ / ٢١٧ ، ح ٦٧. البحار عن المحاسن والعياشي : ٤ / ١١٣ ، ح ٣٦.

ورواه العياشي بلفظ آخر أيضا : ٢ / ٢١٦ ، ح ٦٣. عنه البحار : ٤ / ١١٩ ، ح ٥٦.

(٢) ـ حكى الرضا عن جده الصادق عليهما‌السلام أنّه قال : «إنّ لله عزوجل علمين : علما مخزونا مكنونا لا يعلمه إلا هو ـ ومن ذلك يكون البداء ـ وعلما علّمه ملائكته ورسله ، فالعلماء من أهل بيت نبوّته يعلمونه» ؛ رواه الصدوق ـ قدس‌سره ـ في التوحيد : باب مجلس الرضا عليه‌السلام مع المروزي : ٤٤٣. والعيون : ١ / ١٨١ ، ح ١. البحار عن الكتابين : ١٠ / ٣٣١. وفي بصائر الدرجات (باب في الأئمّة عليهم‌السلام أنه صار إليهم جميع العلوم ... : ١٠٩ ، ح ٢) عن الصادق : «إنّ لله علمين : علم مكنون مخزون ، لا يعلمه إلّا هو ، من ذلك يكون البداء ؛ وعلم علّمه ملائكته ورسله وأنبيائه ، ونحن نعلمه».

(٣) ـ التوحيد : باب ذكر مجلس الرضا عليه‌السلام مع سليمان المروزي : ٤٤٣.

العيون : ١ / ١٨١. البحار عن الكتابين : ١٠ / ٣٣٠.

وأورد الراوندي ما يقرب من القصة في قصص الأنبياء (الباب السادس عشر ، فصل ٢ ، ٢٤١) وفيه أنّ النبي حزقيل. والبحار عنه : ١٣ / ٣٨٢ ، ح ٣. و ٤ / ١١٢ ، ح ٣٣. ونقل الراوندي ما يقرب منه (الباب السابع عشر ، ٢٤١) في ذكر شعيا النبي ، البحار عنه : ١٤ / ١٦١ ، ح ٢.

٢٤٧

ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [٥١ / ٥٥]».

ثمّ قال عليه‌السلام : «لقد أخبرني أبي عن آبائه ، عن رسول الله صلى الله عليهم ـ قال ـ : «إنّ الله ـ عزوجل ـ أوحى إلى نبيّ من أنبيائه أن أخبر فلان الملك أنّي متوفّيه إلى كذا وكذا ؛ فأتاه ذلك النبيّ فأخبره ؛ فدعا الله الملك ـ وهو على سريره ـ حتّى سقط من السرير ، فقال : يا ربّ أجّلني حتّى يشبّ طفلي وأقضي أمري ؛ فأوحى الله إلى ذلك النبيّ أن ائت الملك فأعلمه أنّي قد أنسيت في أجله ، وزدت في عمره خمس عشرة سنة. فقال ذلك النبيّ : «يا ربّ إنّك لتعلم أنّي لم اكذب قطّ». فأوحى الله ـ عزوجل ـ : إنّما أنت عبد مأمور ، فأبلغه ذلك ، والله لا يسأل عمّا يفعل».

أقول : هذا الخبر لا ينافي قول الباقر عليه‌السلام ـ في الحديث السابق : ـ «فما علّمه ملائكته ورسله ، فإنّه سيكون ، لا يكذّب نفسه ولا ملائكته ولا رسله» ؛ لأنّ مثل ذلك ليس فيه تكذيب في الحقيقة ، فإنّ إخبارهم بالشيء قد يكون من اللوح المحفوظ ، فيكون حتما ، وقد يكون من لوح المحو والإثبات ، فيكون موقوفا ، ولا يحكمون في الثاني على القطع ، إلّا نادرا ؛ يدلّ على ذلك حديث أشراط الساعة ـ كما يأتي ذكره في بابه ـ إن شاء الله ـ.

والأخبار في البداء عن أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ كثيرة.

وأمّا نسبة التردّد إلى الله ـ سبحانه ـ فمتّفق عليه بين الخاصّة والعامّة.

٢٤٨

وقد ورد في الحديث القدسيّ (١) :

«ما تردّدت في شيء أنا فاعله كتردّدي في قبض روح عبدي المؤمن ، يكره الموت ، وأكره مسائة له ، ولا بدّ له منه».

مع أنّه قد قضي عليه الموت قضي عليه الموت قضاء حتما ، قال تعالى : (ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) [٦ / ٢] ـ وقال : ـ (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [٧ / ٣٤].

* * *

__________________

(١) ـ الحديث متّفق عليه ، رواه العامّة والخاصّة مع اختلافات يسيرة لفظية ؛ راجع : الكافي : كتاب الإيمان والكفر ، باب من آذى المسلمين واحتقرهم : ٢ / ٣٥٢ ح ٧ و ٨. و ٢ / ٣٥٤ ، ح ١١. التوحيد : باب أن الله لا يفعل بعباده الا الأصلح لهم : ٣٩٩ ، ح ١. علل الشرائع : الباب ٩ ، علة خلق الخلق واختلاف أحوالهم : ١ / ١٢ ، ح ٧. المحاسن : كتاب الصفوة والنور ، باب الانفراد : ١ / ١٥٩ ـ ١٦٠ ، ح ٩٩. وكتاب مصابيح الظلم ، باب المحبوبات : ٢ / ٢٩١ ، ح ٤٤٣. المؤمن : باب ما خصّ الله به المؤمنين من الكرامات : ٣٢ ـ ٣٣ ، ح ٦١ ـ ٦٣. البحار : ٥ / ٢٨٣ ، ح ٣. ٦ / ١٦٠ ، ح ٢٤. ٦٧ / ٦٥ ـ ٦٦ ، ح ١٤ و ٢٣. ٦٧ / ١٤٨ ، ح ٥ ـ ٦. ٦٧ / ١٥٤ ، ح ١٥. ٧٠ / ٢٢ ، ح ٢١. ٧٥ / ١٥٥ ،. و ١٥٩. ٨٦ / ٧ ، ح ٧. البخاري : الرّقاق ، باب التواضع : ٨ / ١٣١. المسند : ٦ / ٢٥٦. حلية الأولياء : ١ / ٥. المعجم الكبير (ما ترددت عن شيء ...) : ١٢ / ١١٣ ، ح ١٢٧١٩. الأسماء والصفات : باب ما جاء في التردد : ٢ / ٢٥١.

٢٤٩

فصل [٥]

قال بعض العارفين (١) :

«ومن هذه الحقيقة الإلهيّة التي كنّى عنها بالتردّد انبعث التردّدات الكونيّة ، والتحيّر في النفوس ، وذلك أنّا قد نتردّد في أمرنا ـ هل نفعله أم لا؟ ـ وما زلنا نتردّد حتّى يكون أحد الامور المتردّد فيها. فذلك الأمر الواقع هو الثابت في اللوح من تلك الامور ؛ وذلك أنّ القلم الكاتب في اللوح القدريّ ، يكتب أمرا ما ، وزمان الخاطر ، ثمّ يمحوه ، فيزول ذلك الخاطر ؛ لأنّ من هذا اللوح إلى النفوس رقائق ممتدّة إليها ، تحدث بحدوث الكتابة وتنقطع بمحوها ، فإذا صار الأمر ممحوّا كتب غيره ، فتمتدّ منه رقيقة إلى نفس هذا الشخص ـ الذي كتب هذا من أجله ـ فيخطر له خاطر نقيض الخاطر الاوّل ؛ وهكذا إلى أن أراد الحقّ إثباته ، فلم يمحه ؛ فيفعله الشخص أو يتركه ـ حسب ما ثبت في اللوح (٢).

والموكّل بالمحو ملك كريم ، والإملاء عليه من الصفة الإلهيّة. ولو لم يكن الأمر كذلك لكانت الامور كلّها حتما مقضيّا ـ وهذا شأن الأقلام القدريّة ـ.

__________________

(١) ـ ملخص مما جاء في الفتوحات المكيّة : الباب السادس عشر وثلاثمائة : ٣ / ٦١.

(٢) ـ كتب فى النسخة ما يلي ثم شطب عليه : «فإذا فعله وتركه وانقضى محاه الحقّ من كونه محكوما بفعله ، وأثبت صورة عمل ، قبيح أو حسن ، على قدر ما يكون ؛ ثمّ إنّ القلم يكتب أمرا آخرا ـ وهكذا إلى غير النهاية».

٢٥٠

وأمّا القلم الأعلى فأثبت في اللوح المحفوظ صورة كلّ شيء يجري من هذه الأقلام ـ من محو وإثبات ـ ففيه إثبات المحو ، وإثبات الإثبات ، ومحو المحو ، ومحو الإثبات على وجه أرفع ؛ فصورته مقدّسة عن المحو والتغيّر ، لأنّ نسبة القلم الأعلى إلى هذه الأقلام كنسبة قوّتنا العقليّة ، إلى مشاعرنا الخياليّة والحسيّة ، ونسبة اللوح المحفوظ إلى هذه الألواح كنسبة الإرادة الكليّة لمطلوب نوعيّ ، إلى إرادات جزئيّة وقعت في طريق تحصيله في ضمن واحد منه.

فصل [٦]

[الحكم ، التدبير ، القضاء ، القدر]

قد ظهر ممّا ذكرنا معنى حكم الله ـ عزوجل ـ وقضائه وقدره :

فإنّ تدبيره أصل وضع الأسباب وترتيبها ليتوجّه إلى المسبّبات حكمه ـ تعالى ـ.

ونصبه الأسباب الكليّة الأصلية الثابتة المستقرّة ، التي لا تزول ولا تحول ـ كالأرض ، والسماوات السبع والكواكب والأفلاك وحركاتها المتناسبة الدائمة التي لا تتغيّر ولا تنعدم ـ إلى أن يبلغ الكتاب أجله :

قضاؤه ـ عزوجل ـ كما قال تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) [٤١ / ١٢].

وتوجيه هذه الأسباب بحركاتها المتناسبة المحدودة المقدّرة المحسوبة إلى المسبّبات الحادثة منها ـ لحظة بعد لحظة ـ قدره.

٢٥١

فالحكم هو التدبير الأوّل الكلّي والأمر الاوّليّ الذي هو (كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) [٥٤ / ٥٠].

والقضاء هو الوضع الكلّي للأسباب الكلّية الدائمة.

والقدر هو توجيه الأسباب الكلّية بحركاتها المقدّرة المحسوبة ، إلى مسبّباتها المعدودة المحدودة بقدر معلوم ، لا يزيد ولا ينقص ، ولذلك لا يخرج شيء عن قضائه وقدره.

والكلّ إنّما يوجد بأمر (كُنْ) ؛ فإنّ الله ـ عزوجل ـ (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ) بلا حرف ولا صوت ، بل بالمعنى الذي يليق بجلاله (فَيَكُونُ) [٢ / ١١٧] كما أراد.

فصل [٧]

قال بعض الحكماء ما محصّله (١) :

«إنّ وجود العالم عن الباري ـ جلّ شأنه ـ ليس كوجود الدار عن البنّاء ، ولا كوجود الكتابة عن الكاتب ـ الثابتة العين ، المستقلّة بذاتها ، المستغنية عن الكاتب بعد فراغه ـ ولكن كوجود الكلام عن المتكلّم ، إن سكت بطل الكلام ؛ بل كوجود ضوء الشمس في الجوّ المظلم الذات ما دامت الشمس طالعة ، فإن غابت الشمس بطل الضوء من الجوّ ، لكنّ شمس الوجود يمتنع عليه العدم لذاته.

__________________

(١) ـ الأسفار الأربعة : الفصل الخامس عشر من المرحلة الخامسة : ٢ / ٢١٦ و ٢١٥.

راجع أيضا عين اليقين : ٣٢٠.

٢٥٢

وكما أنّ الكلام ليس جزء المتكلّم ـ بل فعله وعمله ، أظهره بعد ما لم يكن ـ وكذا النور الذي يرى في الجوّ ، ليس بجزء الشمس ، بل هو انبجاس وفيض منها. فهكذا الحكم في وجود العالم عن الباري ـ جلّ ثناؤه ـ ليس بجزء من ذاته ، بل فضل وفيض يتفضّل به ويفيض.

إلّا أنّ الشمس لم تقدر أن تمنع نورها وفيضها ، لأنّها مطبوعة على ذلك ؛ بخلافه ـ عزوجل ـ فإنّه مختار في أفعاله بنحو من الاختيار أجلّ وأرفع ممّا يتصوّره الجهّال ، وأشدّ وأقوى من اختيار مثل المتكلّم القادر على الكلام ـ إن شاء تكلّم وإن شاء سكت ـ فهو عزوجل إن شاء أفاض جوده وفضله وأظهر حكمته ، وإن شاء أمسك ؛ ولو أمسك طرفة عين عن الإفاضة والتوجّه ، لتهافتت السماوات ، وبادت الأفلاك ، وتساقطت الكواكب ، وعدمت الأركان ، وهلكت الخلائق ، ودثر العالم دفعة واحدة ، بلا زمان ؛ كما قال عزوجل : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) [٣٥ / ٤١].

٢٥٣

فصل (١) [٨]

[المأثور في القدر وأعمال العباد]

روي في كتاب التوحيد (٢) بإسناده عن مولانا الصادق عليه‌السلام ـ في قول الله عزوجل : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) [٥ / ٦٤] ـ : «لم يعنوا أنّه هكذا ، ولكنّهم قالوا : قد فرغ من الأمر ، فلا يزيد ولا ينقص ؛ فقال الله ـ جلّ جلاله ـ تكذيبا لقولهم : (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) [٥ / ٦٤] ؛ ألم تسمع الله عزوجل يقول : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) [١٣ / ٣٩]».

وبإسناده (٣) عن مولانا الرضا عن أبيه ، عن آبائه ، عن عليّ عليه‌السلام ـ قال : ـ «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ الله ـ عزوجل ـ قدّر المقادير ودبّر التدابير قبل أن يخلق آدم بألفي عام» ـ».

وفي رواية اخرى (٤) : «قدّر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة».

__________________

(١) ـ عين اليقين : ٣١٩ ـ ٣٢٠.

(٢) ـ التوحيد : باب معنى قوله تعالى (قالَتِ الْيَهُودُ ...) : ١٦٧ ، ح ١. معاني الأخبار : باب معاني ألفاظ وردت ... : ١٨ ، ح ١٥. البحار عنهما : ٤ / ١٠٤ ، ح ١٧.

(٣) ـ التوحيد : باب القضاء والقدر : ٣٧٦ ، ح ٢٢. العيون : باب ما جاء عن الرضا عليه‌السلام من الأخبار في التوحيد : ١ / ١٤٠ ، ح ١٤٠. البحار : ٥ / ٩٣.

(٤) ـ التوحيد : الباب السابق : ٣٦٨ ، ح ٧. عنه البحار : ٥ / ١١٤ ، ح ٤٣. رواه أيضا الترمذي : كتاب القدر ، الباب ١٨ : ٤ / ٤٥٨ ، ح ٢١٥٦. المسند : ٢ / ١٦٩.

وفي مسلم (كتاب القدر ، باب حجاج آدم وموسى ، ٤ / ٢٠٤٤ ، ح ١٦) : «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين سنة».

٢٥٤

وبإسناده (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قال ـ : «لا يؤمن أحدكم حتّى يؤمن بالقدر ، خيره وشرّه ، وحلوه ومرّه».

وبإسناده (٢) عن العالم عليه‌السلام قال (٣) : «علم ، وشاء ، وأراد ، وقدّر ، وقضى ، وأبدا (٤) ؛ فأمضى ما قضى ، وقضى ما قدّر ، وقدّر ما أراد ؛ فبعلمه كانت المشيّة ، وبمشيّته كانت الإرادة ، وبإرادته كان التقدير ، وبتقديره كان القضاء ، وبقضائه كان الإمضاء.

فالعلم متقدّم المشيّة (٥) ، والمشيّة ثانية ، والإرادة ثالثة ، والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء. فلله ـ تبارك وتعالى ـ البداء فيما علم متى

__________________

(١) ـ التوحيد : الباب السابق : ٣٨٠ ، ح ٢٧. وفي الخصال (باب الأربعة ، ١ / ١٩٨ ، ح ٨) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا يؤمن عبد حتّى يؤمن بأربعة : حتّى يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنّي رسول الله بعثني بالحقّ ، وحتّى يؤمن بالبعث بعد الموت ، وحتّى يؤمن بالقدر». ورواه الترمذي (كتاب القدر : باب ما جاء في الإيمان بالقدر : ٤ / ٤٥١ ، ح ٢١٤٤) أيضا عن الصادق عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفيه : «لا يؤمن عبد حتى ...».

وفي مسلم (كتاب الإيمان ، الباب الأول : ١ / ٣٧ ، ح ١) والترمذي (كتاب الإيمان ، باب ما جاء في وصف جبرئيل للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الإيمان والإسلام : ٥ / ٧ ، ح ٢٦١٠) وابن ماجة (المقدمة ، باب في الإيمان : ١ / ٢٤ ، ح ٦٣) : «[الإيمان] أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشرّ».

وجاء ما يقرب منه في ابن ماجة : المقدمة ، باب في القدر : ١ / ٣٢ ، ح ٨١.

(٢) ـ التوحيد : باب البداء : ٣٣٤ ، ح ٩. عنه البحار : ٥ / ١٠٢ ، ح ٢٧.

الكافي : باب البداء : ١ / ١٤٨ ، ح ١٦.

(٣) ـ المصدر : لما سئل : «كيف علم الله»؟ قال : ...

(٤) ـ الكافي : وأمضى. ولعله الصحيح ، بقرينة قوله : «فأمضى ما قضى ...» و «بقضائه كان الإمضاء ...».

(٥) ـ الكافي : متقدم على المشيّة. الوافي (١ / ٥١٧) : والعلم يتقدم المشية ...

٢٥٥

شاء ، وفيما أراد لتقدير الأشياء ؛ فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء.

فالعلم بالمعلوم قبل كونه ، والمشيّة في المشاء (١) قبل عينه ، والإرادة في المراد قبل قيامه ، والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها ـ عيانا وقياما (٢) ـ والقضاء بالإمضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الأجسام المدركات بالحواسّ ، من ذي لون وريح ، ووزن وكيل ، وما دبّ ودرج ـ من إنس وجنّ وطير وسباع ـ وغير ذلك ممّا يدرك بالحواسّ ؛ فلله ـ تبارك وتعالى ـ فيه البداء ، ممّا لا عين له ، فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء ؛ والله يفعل ما يشاء.

وبالعلم علم الأشياء قبل كونها ، وبالمشيّة عرف صفاتها وحدودها ، وأنشأها قبل إظهارها ، وبالإرادة ميّز أنفسها في ألوانها وصفاتها (٣) ، وبالتقدير قدّر أقواتها وعرّف أوّلها وآخرها ، وبالقضاء أبان للناس أماكنها ، ودلّهم عليها ، وبالإمضاء شرح عللها وأبان أمرها ، و (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [٦ / ٩٦]».

* * *

__________________

(١) ـ التوحيد : المنشأ.

(٢) ـ الكافي : ووقتا.

(٣) ـ التوحيد : + وحدودها.

٢٥٦

فصل [٩]

اعلم أنّ القدر في الأفعال وخلق الأعمال من الأسرار والغوامض التي تحيّرت فيها الأفهام ، واضطربت فيها آراء الأنام ، ولم يرخّص في إفشائه بالكلام ؛ فلا يدوّن إلّا مرموزا ، ولا يعلم إلّا مكنونا ، لما في إظهاره من إفساد العامّة وهلاكهم.

فقد روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : «القدر سرّ الله ، فلا تظهروا سرّ الله».

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) : «إذا ذكر القدر فامسكوا».

وسئل مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام عنه ، فقال : «إنّه طريق وعر ، فلا تسلكه» ـ

ثمّ قال : ـ «إنّه صعود عسر ، فلا تتكلّفه».

__________________

(١) ـ الجامع الصغير (باب القاف : ٢ / ٨٨) : «القدر سرّ الله ، فلا تفشوا سرّ الله».

وفي الكامل لابن عدي (الهيثم بن جماز ، ٧ / ١٠٢) : «لا تكلموا في القدر فإنه سر لله فلا تفشوا سره». وفيه (يحيى بن أبي انيسة ، ٧ / ١٩١) : «القدر سر الله ، من تكلم به يسأله عنه يوم القيامة ، ومن لم يتكلم به لم يسأله عنه». كنز العمال (١ / ١٠٧ ، ح ٤٨٥) : «القدر سر الله ، من لم يؤمن بالقدر خيره وشره فأنا بريء منه».

(٢) ـ أخرجه ابن عدي في الكامل عن ابن عمر : ٦ / ١٦٢ وابن مسعود : ٧ / ٢٥.

المعجم الكبير : ٢ / ٩٦ ، ح ١٤٢٧. و ١٠ / ١٩٨ ، ح ١٠٤٤٨. الجامع الصغير (باب الألف : ١ / ٢٦).

وقال الزبيدى (اتحاف السادة : ١ / ٢٢٢) : «رواه الخطيب في كتاب القول في علم النجوم ... ورواه أبو الشيخ في كتاب الطبقات ... وقال ابن رجب : روي من وجوه في إسنادها كلها مقال».

٢٥٧

وفي رواية اخرى رواها في التوحيد (١) بإسناده عن عبد الملك بن عنترة الشيباني (٢) عن أبيه ، عن جدّه ، قال : «جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : «يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن القدر»؟

قال : «بحر عميق ، فلا تلجه».

قال : «يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن القدر»؟

فقال : «طريق مظلم ، فلا تسلكه».

قال : «يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر»؟

قال : «سرّ الله ، فلا تكلّفه».

قال : «يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر»؟

فقال : له أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أمّا إذا أبيت ، فإنّي سائلك : أخبرني أكانت رحمة الله للعباد قبل أعمال العباد؟ أم كانت أعمال العباد قبل رحمة الله»؟

ـ قال : ـ فقال له الرجل : «بل كانت رحمة الله للعباد قبل أعمال العباد».

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «قوموا فسلّموا على أخيكم ، فقد أسلم ، وقد كان كافرا».

__________________

(١) ـ التوحيد : باب القضاء والقدر : ٣٥ ، ح ٣. عنه البحار : ٥ / ١١٠ ، ح ٣٥. وأوردها في ٥ / ٥٧ ، ح ١٠٣ ، عن مطالب السئول مع فروق وإضافات. وأورد الرضي ـ قدس‌سره ـ صدر الكلام مع فروق يسيرة في نهج البلاغة : الحكمة ٢٨٧.

(٢) ـ قال المامقاني (تنقيح المقال : ٢ / ٢٣١ ، رقم ٧٥١١) أنه عبد الملك بن هارون بن عنترة الشيباني ، الذي قال فيه النجاشي (الترجمة : ٦٣٧ ، ص ٢٤٠) : «كوفيّ ، ثقة ، عين ، روى عن أصحابنا ورووا عنه ، ولم يكن متحقّقا بأمرنا».

راجع أيضا قاموس الرجال : ٧ / ٢٢ و ٢٦ ، رقم ٤٦٤٣ و ٤٦٤٧.

٢٥٨

قال : فانطلق الرجل غير بعيد ، ثمّ انصرف إليه فقال له : «يا أمير المؤمنين ـ أبالمشيّة الاولى نقوم ونقعد ، ونقبض ونبسط»؟

فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : «وإنّك لبعد في المشيّة ؛ أمّا إنّي سائلك عن ثلاث ـ لا يجعل الله لك في شيء منها مخرجا ـ : أخبرني أخلق الله العباد كما شاء ، أو كما شاءوا»؟

فقال : «كما شاء».

قال : «فخلق الله العباد لما شاء ، أو لما شاءوا»؟

فقال : «لما شاء».

قال : «يأتونه يوم القيامة كما شاء ، أو كما شاءوا»؟

قال : «يأتونه كما شاء».

قال : «قم ؛ فليس إليك من المشيّة شيء».

وبإسناده (١) عن الأصبغ بن نباتة (٢) ، قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام فى القدر :

«ألا إنّ القدر سرّ من سرّ الله ، وستر من ستر الله ، وحرز من حرز الله ؛ مرفوع في حجاب الله ، مطويّ عن خلق الله ، مختوم بخاتم الله ، سابق في علم الله ؛ وضع الله العباد عن علمه ، ورفعه فوق شهاداتهم ومبلغ عقولهم ، لأنّهم لا ينالونه بحقيقة الربانيّة ، ولا بقدرة الصمدانيّة ، ولا بعظمة النورانيّة ، ولا بعزّة الوحدانيّة ، لأنّه بحر زاخر خالص لله

__________________

(١) ـ التوحيد : باب القضاء والقدر : ٣٨٣ ، ح ٣٢.

(٢) ـ أصبغ بن نباتة المجاشعي معروف ، قال النجاشي (٨ ، الترجمة ٥) : «كان من خاصّة أمير المؤمنين وعمّر بعده ، روى عنه عهد الأشتر ووصيّته إلى محمّد ابنه ...».

٢٥٩

تعالى ؛ عمقه ما بين السماء والأرض ، وعرضه ما بين المشرق والمغرب ، أسود كالليل الدامس ، كثير الحيّات والحيتان ؛ تعلو مرّة وتسفل اخرى ، في قعرها شمس تضيء.

لا ينبغي أن يطّلع عليها إلّا الله الواحد الفرد ؛ فمن اطّلع عليها فقد ضادّ الله عزوجل في حكمه ، ونازعه في سلطانه ، وكشف عن ستره وسرّه ، وباء بغضب من الله ، ومأواه جهنّم وبئس المصير».

وبإسناده (١) عن الزهري (٢) ـ قال : ـ قال رجل لعلي بن الحسين عليهما‌السلام :

«جعلني الله فداك ـ أبقدر يصيب الناس ما أصابهم ، أم بعمل»؟

فقال عليه‌السلام : «إنّ القدر والعمل بمنزلة الروح والجسد ، فالروح بغير جسد لا تحسّ ، والجسد بغير روح صورة لا حراك لها ؛ فإذا اجتمعا قويا وصلحا ؛ كذلك العمل والقدر ، فلو لم يكن القدر واقعا على العمل لم يعرف الخالق من المخلوق ، وكان القدر شيئا لا يحسّ ؛ ولو لم يكن العمل بموافقة من القدر لم يمض ولم يتمّ ؛ ولكنّهما باجتماعهما قويا ، ولله فيه العون لعباده الصالحين».

ثمّ قال عليه‌السلام : «ألا ، [إنّ] (٣) من أجور الناس من رأى جوره عدلا ، وعدل المهتدي جورا ؛ ألا ـ إنّ للعبد أربعة أعين : عينان يبصر بهما أمر

__________________

(١) ـ التوحيد : باب القضاء والقدر : ٣٦٦ ، ح ٤. عنه البحار : ٥ / ١١٢ ، ح ٣٩.

(٢) ـ محمد بن شهاب الزهري ، عاميّ من أصحاب السجاد عليه‌السلام.

راجع معجم الرجال : ١٦ / ١٨١. تنقيح المقال : ٣ / ١٨٦ ، الترجمة : ١١٣٧٢.

(٣) ـ إضافة من المصدر.

٢٦٠