علم اليقين في أصول الدين - ج ١

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

علم اليقين في أصول الدين - ج ١

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


المحقق: محسن بيدارفر
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات بيدار
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
ISBN: 964-90800-2-3
ISBN الدورة:
964-90800-1-5

الصفحات: ٧١٦

قال شارحه البحراني ـ رحمه‌الله ـ (١) :

«واعلم أنّ في إحالته عليه‌السلام لطالب المعرفة على الكتاب والسنّة وبيان الأئمّة دلالة على أنّ مقصوده ليس أن يقتصر على ظاهر الشريعة فقط ، بل يتّبع أنوار القرآن والسنّة وآثار أئمّة الهدى.

وقد ورد في القرآن الكريم والسنّة وكلام الأئمّة من الإشارات والتنبيهات على منازل السلوك ووجوب الانتقال في درجاتها ، ما لا يحصى كثرة ، ونبّهوا على كلّ مقام أهله ، وأخفوه عن غير أهله ، إذ كانوا أطبّاء النفوس.

وكما أنّ الطبيب يرى أنّ بعض الأدوية لبعض المرضى ترياق وشفاء ، وذلك الدواء ـ بعينه ـ لشخص آخر سمّ وهلاك : كذلك كتاب الله والموضحون لمقاصده من الأنبياء والأولياء يرون أنّ بعض الأسرار الإلهيّة شفاء لبعض الصدور ، فيلقونها إليهم ؛ وربما كانت تلك الأسرار ـ بأعيانها ـ لغير أهلها سببا لضلالهم وكفرهم إذا القيت إليهم.

فإذن مقصوده عليه‌السلام قصر كلّ عقل على ما هو الأولى به ، وما يحتمله ؛ والجمع العظيم هم أصحاب الظاهر ، الذين يجب قصرهم عليه» ـ انتهى ـ.

ولنقتصر من كلماته عليه‌السلام في التوحيد على هذا القدر ، فإنّه مشتمل على مجامعها ، ولم يخرج عنه ـ ممّا وصل إليّ ـ من جهة المعنى إلّا أشياء متفرّقة ، ذكرناها في مواضعها الأنسب بها ـ ولله الحمد.

__________________

(١) ـ شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني : ٢ / ٣٣٦.

١٤١

فصل [١٣]

روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال (١) : «تفكّروا في آلاء الله ، ولا تفكّروا في الله ، فإنّكم لن تقدّروا قدره».

وفي الكافي بإسناده عن مولانا الباقر عليه‌السلام (٢) : «تكلّموا في خلق الله ، ولا تتكلّموا في الله ، فإنّ الكلام في الله لا يزداد صاحبه إلّا تحيّرا».

وفي رواية اخرى (٣) : «تكلّموا في كلّ شيء ، ولا تتكلّموا في ذات الله».

وبإسناده الصحيح عن مولانا الصادق عليه‌السلام (٤) ـ قال : ـ «إنّ الله عزوجل يقول : (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) [٥٣ / ٤٢] ، فإذا انتهى الكلام إلى الله ، فامسكوا».

__________________

(١) ـ أخرج الطبراني في المعجم الأوسط (٧ / ١٧٢ ، ح ٦٣١٥) : «تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله». ومثله في الكامل لابن عدي (ذكر وازع بن نافع العقيلى ، ٧ / ٩٥). وكنز العمال : ٣ / ١٠٦ ، ح ٥٧٠٧.

وحكى السيوطي في الجامع الصغير (باب التاء : ١ / ١٣٢) عن أبي الشيخ : «تفكّروا في الخلق ولا تفكّروا في الخالق ، فإنّكم لا تقدّرون قدره». الجامع الكبير : ٤ / ١١١ ـ ١١٢ ، ح ١٠٥٠٣ ـ ١٠٥٠٧. كنز العمال : ح ٥٧٠٦.

(٢) ـ الكافي : باب النهي عن الكلام في الكيفية : ١ / ٩٢ ، ح ١.

(٣) ـ الكافي : الصفحة السابقة ، ح ١.

(٤) ـ الكافي : الصفحة السابقة ، ح ٢. تفسير القمي : في تفسير الآية ٥٣ / ٤٢ : ٢ / ٣٤٨. عنه البحار : ٣ / ٢٥٩ ، ح ٦. المحاسن : كتاب مصابيح الظلم ، باب جوامع من التوحيد : ١ / ٢٣٧ ، ح ٢٠٦. عنه البحار : ٣ / ٢٦٤ ، ح ٢٢. وعن تفسير النعمانى : ٩٣ / ٩٠.

١٤٢

وبإسناده عنه عليه‌السلام (١) : «ابن آدم ـ لو أكل قلبك طائر لم يشبعه ، وبصرك ، لو وضع عليه خرق إبرة تغطّاه ؛ تريد أن تعرف بهما ملكوت السماوات والأرض؟! إن كنت صادقا ، فهذه الشمس ـ خلق من خلق الله ـ فإن قدرت أن تملأ عينيك منها فهو كما تقول».

قال بعض العارفين (٢) : «إذا أدرك الإنسان صورته في المرآة يعلم قطعا أنّه أدرك صورته بوجه ، وأنّه ما أدرك صورته بوجه ، لما يراه في غاية الصغر ـ لصغر جرم المرآة ـ أو الكبر ـ لعظمه ـ ولا يقدر أن ينكر أنّه رأى صورته ، ويعلم أنّه ليس في المرآة ـ صورته ، ولا هي بينه وبين المرآة ؛ فليس بصادق ولا كاذب في قوله : «رأى صورته» ، و : «ما رأى صورته». فما تلك الصورة المرئيّة؟ وما محلّها؟ وما شأنها؟ فهي منفيّة ثابتة ، موجودة معدومة ، معلومة مجهولة ؛ أظهر سبحانه هذه الحقيقة ضرب المثال ، ليعلم ويتحقّق أنّه إذا عجز وحار في درك حقيقة هذا ـ وهو من العالم ـ ولم يحصّل علما بحقيقته : فهو بخالقها إذن أعجز وأجهل ، وأشد حيرة». ـ انتهى كلامه ـ

وأنشد بعضهم :

اعتصام الورى بمغفرتك

عجز الواصفون عن صفتك

تب علينا فإنّنا بشر

ما عرفناك حقّ معرفتك

__________________

(١) ـ الكافي : الباب المذكور : ١ / ٩٣ ، ح ٨.

(٢) ـ ابن عربي في الفتوحات المكية : الباب الثالث والستون : ١ / ٣٠٤ ملخصا.

١٤٣

[٦]

باب

أسمائه الحسنى تبارك وتعالى

(وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) [٧ / ١٨٠]

فصل [١]

[الاسم وإطلاقاته] (١)

الاسم ما دلّ على الذات الموصوفة بصفة معيّنة (٢) ، كلفظ «الرحمن» ، فإنّه يدلّ على ذات متّصفة بالرحمة ، و «القهّار» فإنّه يدلّ على ذات لها القهر ـ إلى غير ذلك.

وقد يطلق الاسم على نفس الذات باعتبار اتّصافها بالصفة ، وعلى

__________________

(١) ـ راجع عين اليقين : ٣١١. الوافي : ١ / ٤٦٤.

(٢) ـ أي على حقيقة من الحقائق الموجودة في الأعيان. فإنّ الدلالة كما تكون بالألفاظ ، كذلك تكون بالذوات ، من غير فرق بينهما فيما يئول إلى المعنى (هذه الحاشية والحاشية الآتية كتب على هامش م وع وليست في نسخة المؤلف ـ قدس‌سره ـ).

١٤٤

هذا هو عين المسمّى باعتبار الهويّة والوجود ، وإن كان غيره باعتبار المعنى والمفهوم ـ حيث أنّ أحدهما مقيّد والآخر غير مقيّد ـ وهذا كما أنّ صفاته عزوجل عين ذاته المقدّسة وغيرها ـ بالاعتبارين ـ.

والأسماء الملفوظة بالإطلاق الثاني هي أسماء الأسماء.

وسئل مولانا الرضا عليه‌السلام عن الاسم : ما هو؟

قال (١) : «صفة لموصوف».

وهذا اللفظ يحتمل المعنيين ، وإن كان في الثاني أظهر.

وقد يطلق الاسم على ما يفهم من اللفظ ـ أي المعنى الذهني (٢) ـ وعليه ورد ما روي في الكافي (٣) ، بسند حسن ، عن هشام بن الحكم ، أنّه سأل مولانا الصادق عليه‌السلام عن أسماء الله واشتقاقها : «الله ، ممّا هو مشتق»؟

ـ قال : ـ فقال لي : «يا هشام «الله» مشتقّ من «إله» والإله يقتضي

__________________

(١) ـ الكافي : باب حدوث الأسماء ، ١ / ١١٣ ، ح ٣. التوحيد : باب أسماء الله تعالى ، ١٩٢ ، ح ٥. العيون : باب ما جاء عن الرضا عليه‌السلام من الأخبار في التوحيد ، ١ / ١٢٩ ، ح ٢٥. معانى الأخبار : باب معنى الاسم ، ٢ ، ح ١.

البحار : ٤ / ١٥٩ ، ح ٣. الوافي : ١ / ٤٦٦ ، ح ٣٧٧.

(٢) ـ فإنه يصحّ للعقل ملاحظة الاسم وحده ، مع قطع النظر عن تقييده ، وهو اعتبار اتصاف ذاته بالصفة الموجودة في المسمّى (راجع التعليقة الثانية في الصفحة السابقة).

(٣) ـ الكافي : باب المعبود : ١ / ٨٧ ، ح ٢. وباب معاني الأسماء واشتقاقها : ١ / ١١٤ ، ح ٢.

ويوجد فروق يسيرة لفظية بين المنقول في البابين لم نتعرض لها ، واللفظ هنا يطابق ما في باب المعبود. التوحيد : باب أسماء الله تعالى : ٢٢٠ ، ح ١٣. الاحتجاج : ٢ / ٢٠٣. البحار : ٤ / ١٥٧ ـ ١٥٨ ، ح ٢. الوافي : ١ / ٣٤٦ ، ح ٢٧٠.

١٤٥

مألوها (١) ، والاسم غير المسمّى ، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا ، ومن عبد الاسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين (٢) ومن عبد المعنى دون الاسم فذلك التوحيد ـ أفهمت يا هشام»؟

ـ قال : ـ فقلت : «زدني».

قال : «إنّ لله تسعة وتسعين اسما ، فلو كان الاسم هو المسمّى لكان كلّ اسم منها إلها ، ولكنّ الله معنى يدلّ عليه بهذه الأسماء ـ وكلّها غيره.

يا هشام ـ الخبز اسم للمأكول ، والماء اسم للمشروب ، والثوب اسم للملبوس ، والنار اسم للمحرق ؛ أفهمت يا هشام ـ فهما تدفع به وتناضل به أعدائنا والمتّخذين مع الله ـ تعالى ـ غيره؟».

__________________

(١) ـ كتب في هامش النسخة كتعليقة على الحديث ولم يعلّم بعلامة ، ولكنها من كلام المؤلف من غير ترديد لكونها موجودا في الوافي (١ / ٣٤٧) بلفظها شرحا للحديث ، ولعلها مستنسخة منه بعد ولذلك لا توجد في النسخ الاخرى ، وهي :

«قال في الصحاح : أله ـ بالفتح ـ الهة : أي عبد عبادة ، ومنه قولنا : الله. وتقول : أله يأله إلها : أي تحيّر. والظاهر أن لفظ «إله» في الحديث فعال بمعنى المفعول ، وقوله عليه‌السلام : «والإله يقتضي مألوها» معناه أن إطلاق هذا الاسم واستعماله بين الأنام يقتضي أن يكون في الوجود ذات معبود ينطلق عليه هذا الاسم ، فإن الاسم غير المسمى ، إذ الاسم عبارة عن اللفظ أو المفهوم (كذا ، وفي الوافي : والمفهوم) منه ، والمسمى هو المقصود (الوافي : هو المعنى المقصود) من اللفظ الذي هو مصداقه. ويحتمل أن يكون «إله» في الحديث فعل ماض أو مصدرا ، وقوله : «والإله يقتضي مألوها» ـ بالسكون ـ يعني أن العبادة تقتضي أن يكون في الوجود ذات معبود ، لا يكفي فيها مجرد الاسم من دون أن يكون له مسمى. والمراد بالخبز ومعطوفاته إما الألفاظ أو المفاهيم ، وبالمأكول ونظائره الأعيان التي في الخارج».

(٢) ـ أي وحدث عبادتان ، إحداهما لشيء والاخرى لغير شيء ؛ ففيه وقع الاشتراك (الأظهر : الإشراك) في نفس العبادة (كتب هذه الحاشية في هامش م وع وعليه علامة «منه رحمه‌الله» ولا يوجد في نسخة المؤلف ـ قدس‌سره ـ).

١٤٦

قلت : «نعم».

ـ قال : ـ فقال : «نفعك الله به وثبّتك ـ يا هشام»؟.

قال هشام : «فو الله ما قهرني أحد في التوحيد ، حتّى قمت مقامي هذا».

وما روي فيه وفي كتاب التوحيد (١) بإسنادهما عنه عليه‌السلام ـ قال : ـ «من عبد الله بالتوهّم فقد كفر (٢) ومن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك ، ومن عبد المعنى بإيقاع الأسماء عليه بصفاته التي وصف بها نفسه ، فعقد عليه قلبه ، ونطق به لسانه في سرّ أمره وعلانيته ، فاولئك هم المؤمنون حقّا».

وفي لفظ آخر (٣) : «فاولئك أصحاب أمير المؤمنين حقا».

فالمراد ب «الاسم» ـ في الخبرين ـ ما يفهم من اللفظ ، وب «المعنى»

__________________

(١) ـ الكافي : باب المعبود : ١ / ٨٧ ، ح ١. التوحيد : الباب السابق : ٢٢٠ ، ح ١٢.

عنه البحار : ٤ / ١٦٥ ـ ١٦٦ ، ح ٧. الوافي : ١ / ٣٤٥ ، ٢٦٨.

(٢) ـ كتب النص التالي في هامش النسخة بلا علامة :

قوله عليه‌السلام : «من عبد الله بالتوهم فقد كفر» أي من غير جزم بوجوده ، أو بما يتوهّمه من مفهوم اللفظ ، أي عبد الصورة الوهميّة التي تحصل في ذهنه من مفهوم اللفظ. قوله : «ومن عبد الاسم» أي اللفظ الدال على المسمى أو ما يفهم من اللفظ من الأمر الذهني. قوله عليه‌السلام : «دون المعنى» أي ما يصدق عليه اللفظ ، أعني المسمى الموجود في خارج الذهن. والحاصل أن الاسم وما يفهم منه غير المسمى ، فإن لفظ الإنسان ـ مثلا ـ ليس بإنسان ، وكذا ما يفهم من هذا اللفظ بما يحصل في الذهن ، فإنه ليس له جسمية ولا نطق ولا شيء من خواصّ الإنسانية.

(وقد جاء صدر هذه التعليقة فقط ـ إلى قوله : من مفهوم اللفظ ـ في م وع.

وعليه علامة : منه رحمه‌الله).

(٣) ـ نفس المصدر.

١٤٧

ما يصدق عليه اللفظ. فالاسم أمر ذهنيّ ، والمعنى أمر خارجيّ ، وهو المسمّى ، والاسم غير المسمّى ، لأنّ الإنسان ـ مثلا ـ في الذهن ليس بإنسان ، ولا له جسميّة ولا حياة ، ولا حسّ ، ولا حركة ، ولا نطق ، ولا شيء من خواصّ الإنسانيّة.

فتدبّر فيه تفهم معنى الحديث ـ ومن الله الإعانة. (١)

فصل [٢]

[الأسماء الحسنى واندراجها تحت لفظ الجلالة].

روى في كتاب التوحيد (٢) بإسناده عن مولانا الصادق عليه‌السلام عن أبيه محمّد بن عليّ ، عن أبيه عليّ بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن عليّ ، عن أبيه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ـ قال : ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«إنّ لله ـ تبارك وتعالى ـ تسعة وتسعين اسما ـ مائة إلّا واحدا (٣) ـ من أحصاها دخل الجنّة ، وهي : الله (٤) ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، الأوّل ، الآخر ، السميع ، البصير ، القدير ، القاهر ، العلىّ ، الأعلى ، الباقي ، البديع ، البارئ ، الأكرم ، الظاهر ، الباطن ، الحيّ ، الحكيم ،

__________________

(١) ـ هنا كتب المؤلف فصلا أو أكثر ثم رأى حذفه وأخرج الورقة من الكتاب وشطب على القسم الباقي منه في الورقة الموجودة ولذلك لم نتمكن من إيراده.

(٢) ـ التوحيد : باب أسماء الله تعالى ١٩٤ ـ ١٩٥ ، ح ٨. الخصال : أبواب الثمانين وما فوقه : ٢ / ٥٩٣ ـ ٥٩٤ ، ح ٤. البحار : ٤ / ١٨٦ ـ ١٨٧ ، ح ١.

(٣) ـ كذا. ولكن في المصدر : واحدة.

(٤) ـ اضيف هنا في التوحيد والخصال وكذا فيما نقله المجلسي ـ ره ـ عنهما في البحار : «الإله».

والأظهر أن الصحيح ما نقله المؤلف ـ قدس‌سره ـ إذ به يصير عدد الاسماء مائة.

١٤٨

العليم ، الحليم ، الحفيظ ، الحقّ ، الحسيب ، الحميد ، الحفيّ ، الربّ ، الرحمن ، الرحيم ، الذارئ ، الرزّاق ، الرقيب ، الرءوف ، الرائي ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، السيّد ، السبّوح ، الشهيد ، الصادق ، الصانع ، الطاهر ، العدل ، العفوّ ، الغفور ، الغنيّ ، الغياث ، الفاطر ، الفرد ، الفتّاح ، الفالق ، القديم ، الملك ، القدّوس ، القويّ ، القريب ، القيّوم ، القابض ، الباسط ، قاضي الحاجات ، المجيد ، المولى ، المنّان ، المحيط ، المبين ، المقيت ، المصوّر ، الكريم ، الكبير ، الكافي ، كاشف الضرّ ، الوتر ، النور ، الوهّاب ، الناصر ، الواسع ، الودود ، الهادي ، الوفيّ ، الوكيل ، الوارث ، البرّ ، الباعث ، التوّاب ، الجليل ، الجواد ، الخبير ، الخالق ، خير الناصرين ، الدّيان ، الشكور ، العظيم ، اللطيف ، الشافي».

وبإسناده (١) عن مولانا الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه عن عليّ عليه‌السلام ـ قال : ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لله ـ عزوجل ـ تسعة وتسعون اسما ، من دعا الله بها استجاب له ، ومن أحصاها دخل الجنّة «. ورواها العامّة أيضا بأسانيد متعدّدة (٢) ، باختلاف بعضها في اللفظ ، واستبدال بعض من الأسماء مكان بعض ـ فيما تضمّن التفصيل منها (٣) ـ.

__________________

(١) ـ التوحيد : الباب السابق ١٩٥ ، ح ٩. عنه البحار : ٤ / ١٨٧ ، ح ٢.

(٢) ـ روى عنهم الصدوق ـ ره ـ في التوحيد : باب أسماء الله تعالى : ٢١٩ ، ح ١١.

راجع الأسماء والصفات للبيهقي : باب بيان الأسماء التي من أحصاها دخل الجنّة : ١ / ٢٨.

(٣) ـ الأسماء والصفات : الصفحة المذكورة. المستدرك للحاكم : كتاب الإيمان ، ١ / ١٦.

الترمذي : كتاب الدعوات ، الباب ٨٣ ، ٥ / ٥٣٠ ، ح ٣٥٠٧.

كنز العمال : ١ / ٤٤٨ ـ ٤٥٠ ، ح ١٩٣٧ ـ ١٩٣٩.

١٤٩

وزاد في بعضها (١) : «انّ الله وتر يحبّ الوتر».

وإنّما خصّ هذا العدد بالذكر ـ مع أنّ أسماء الله ـ سبحانه ـ أزيد من ذلك ، بما لا يدخل تحت الضبط ، كما يستفاد من تتبّع الكتاب والسنّة ـ إمّا لاختصاص هذه بما رتّب عليه من دخول الجنّة بإحصائها واستجابة الدعوة ، أو لامتيازها من سائر الأسماء بمزيد فضل ، لجمعها أنواعا من المعاني المنبئة عن الجلال ما لا يجمع غيرها.

ولا بدّ أن يكون تحت كلّ منها معنى ليس في الآخر ، ولو باشتماله على زيادة دلالة لا يدلّ عليها الآخر ، كالغنىّ والملك ، فانّ الغنيّ هو الذي لا يحتاج إلى شيء ، والملك هو الذي لا يحتاج إلى شيء ويحتاج إليه كلّ شيء ، فيكون الملك مفيدا معنى الغنيّ وزيادة ؛ وكذلك العليم والخبير : فإنّ العليم يدلّ على العلم فقط ، والخبير يدلّ على علم بالامور الباطنة.

وربما عجزنا عن التنصيص على خصوص ما به الافتراق بين اثنين منها ـ وإن كنّا لا نشكّ في أصل الافتراق ـ كالعظيم والكبير ، فإنّه لا يستعمل أحدهما مكان الآخر في لغة العرب ، فلا يقال : «فلان أعظم سنّا» مكان قولهم : «أكبر سنّا» ؛ وفي الحديث القدسيّ (٢) : «العظمة

__________________

(١) ـ مسلم : كتاب الذكر ، باب في أسماء الله تعالى ، ٤ / ٢٠٦٢ ، ح ٥.

البخاري : كتاب الدعوات ، باب لله مائة اسم غير واحد ، ٨ / ١٠٩.

(٢) ـ أبو داود (باب ما جاء في الكبر : ٤ / ٥٩ ، ٤٠٩٠) : «قال الله عزوجل : الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري». وفي التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (في تفسير الفاتحة :

٣٦) : «يا موسى إنّ الفخر ردائي والعظمة إزاري ، ومن نازعني في شيء منهما عذّبته بناري». عنه البحار : ٢٣ / ٢٦٧ ، ح ١٢.

١٥٠

إزاري ، والكبرياء ردائي» ، ففرّق بينهما فرقا يدلّ على التفاوت ـ وإن كنّا لا نعرفه بعينه ـ.

وإنّما قلنا بوجوب الافتراق ، لأنّ الأسامي لا تراد لحروفها ، ومخارج أصواتها ، بل لمفهوماتها ومعانيها ، فلا يجوز أن تكون مترادفة محضة ، حيث دخل تحت الضبط في عدد مخصوص ، وإن كانت أسماء الله ـ كلّها يندرج بعضها في بعض بالمعنى ، كاندراج «النافع» تحت «اللطيف» ، و «المانع» تحت «القهار» ـ إلى غير ذلك ـ.

ويندرج الكلّ تحت «الله» لاشتماله على جميع الصفات الإلهيّة ، والأعظم (١) مستور فيها إلّا على (٢) أهله ، ولها خواصّ عجيبة ، وآثار غريبة ، ومناسبات للنفوس ، وتأثيرات فيها ، ذكرا وكتابة ووفقا (٣) واستصحابا ، بشرائط مخصوصة ذكرها جماعة من أهل هذا الفنّ في كتبهم ومصنّفاتهم.

__________________

(١) ـ يعني الاسم الأعظم.

(٢) ـ نسخة : عن.

(٣) ـ وفق الاسم أن تأخذ مربعا وتقسمه إلى أجزاء معينة متساوية عرضا وطولا ، فيكون أجزائها ثلاثة في ثلاثة أو أربعة في أربعة أو غيرها ، ويسمى الوفق باسم عدده ؛ ثم تحسب عدد اسم مخصوص وتضع في كل جزء من الجدول عددا بحيث يكون مجموع أعداد كل قطر من الجدول في كل جهة مساويا لعدد ذلك الاسم ، شرط أن لا يتكرر عدد في جزءين من الجدول.

١٥١

فصل [٣]

[تحقيق معنى إحصاء الأسماء]

قال الشيخ الفقيه الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي ـ رحمه‌الله ـ (١) : «إحصاؤها هو الإحاطة بها ، والوقوف على معانيها ؛ وليس معنى الإحصاء عدّها».

وقال السيّد فضل الله الراوندي ـ في شرح الشهاب (٢) :

«الإحصاء بمعنى الإطاقة ، كما قال عليه‌السلام (٣) : «استقيموا ولن تحصوا». وقال تعالى : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) [٧٣ / ٢٠] أي لن تطيقوه. وفي الحديث (٤) : «إنّ لله تسعة وتسعين اسما ، من

__________________

(١) ـ التوحيد : باب أسماء الله تعالى : ١٩٥.

(٢) ـ شهاب الأخبار في الحكم والآداب للقاضي محمد بن سلامة القضاعي ، المتوفى سنة ٤٥٤ ، كتاب معروف جمع فيه ألف حديث نبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد شرحه جمع من الأعلام ، منهم السيد العالم ضياء الدين أبو الرضا فضل الله بن علي الراوندي ، كان معاصرا للقطب الراوندي ، قال الشيخ منتجب الدين في فهرسته : «هو علامة زمانه ... وكان استاد أئمة عصره ، وله تصانيف منها ضوء الشهاب في شرح الشهاب ...».

راجع ترجمته في الرياض : ٤ / ٣٦٤ ـ ٣٧٤. والكتاب مخطوط لم يطبع.

(٣) ـ ابن ماجة : كتاب الطهارة ، باب المحافظة على الوضوء : ١ / ١٠١ ـ ١٠٢ ، ح ٢٧٧ ـ ٢٧٨.

المسند : ٥ / ٢٨٢. الدارمي : كتاب الصلاة ، باب ما جاء في الطهور ، ١ / ١٦٨.

مستدرك الحاكم : كتاب الطهارة ، ١ / ١٣٠. المعجم الكبير : ٢ / ١٠١ ، ح ١٤٤٤.

و ٧ / ٢٥ ـ ٢٦ ، ح ٦٢٧٠. المعجم الصغير : ٢٣ ، ح ٨. و ٤١٨ ، ح ١٠١٣.

الجامع الكبير : ١ / ٤٢٦ ، ح ٢٩٢٥. كنز العمال : ٣ / ٥٧ ، ح ٥٤٧٤.

(٤) ـ مضى الحديث آنفا.

١٥٢

أحصاها دخل الجنّة». ومعناه : من أطاق أن يقتدر بها قدر ما يطيق دخل الجنّة».

وقال بعض أهل المعرفة (١) :

«إحصاؤها أن يجعلها أسماء لنفسه بتحصيل معانيها فيها بقدر الإمكان ؛ وهذا كقوله عليه‌السلام (٢) : «تخلّقوا بأخلاق الله» ؛ وإلّا فلو أنّ أحدا أحصى ألف ألف اسم من أسمائه العظام بمجرّد اللسان ، من غير أن ينطبع في طبعه ، وينتقش في نفسه تلك المعاني المدلول عليها بتلك الأسامي ، فمثله (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) [٢ / ١٧١]».

أراد بذلك أن يثبت للعبد من هذه الصفات امور [ا] تناسبها على الجملة وتشاركها في الاسم ، وإن لم تماثلها مماثلة تامّة».

وقال بعض العلماء (٣) :

«اعلم أنّ من لم يكن له حظ من معانى أسماء الله ـ تعالى ـ إلّا أن يسمع لفظه ويفهم في اللغة تفسيره ووضعه ، ويشهد

__________________

(١) ـ لم أعثر على القائل.

(٢) ـ لم أعثر عليه في الجوامع الروائية. استشهد به السيد حيدر الآملي في جامع الأسرار : القاعدة الاولى من الأصل الثالث ، ٣٦٣. وعبد الرزاق القاساني في شرح منازل السائرين : باب الخلق ، ٢٣٥. والغزالي في المقصد الأسنى : خاتمة الفصل الأول من الفن الثاني : ١٦٢. والفخر الرازي في المقاصد العالية : ٧ / ٣٠٠.

(٣) ـ الغزالي في المقصد الأسنى : الفصل الرابع من الفن الأول : ٤٢ ـ ٤٤.

١٥٣

بالقلب وجوده ومعناه لله ـ تعالى ـ فهو مبخوس الحظّ نازل الدرجة ، ليس يحسن أن يتبجّح بما ناله.

فإنّ سماع الألفاظ لا يستدعي إلّا سلامة حاسّة السمع ، التي بها تدرك الأصوات ، وهذه رتبة تشارك البهيمة فيها.

وأمّا فهم وضعه في اللغة ، فلا يستدعي إلّا معرفة العربيّة ، وهذه رتبة يشارك فيها الأديب اللغويّ ، بل الغوي البدويّ.

وأمّا اعتقاد ثبوت معناه لله تعالى ـ من غير كشف ـ فلا يستدعي إلّا فهم معاني تلك الألفاظ ، والتصديق بها ؛ وهذه رتبة يشارك فيها العاميّ ، بل الصبيّ ؛ فإنّه بعد فهم الكلام إذا القي هذه المعاني إليه تلقّاها وتلقّنها واعتقدها بقلبه ، وصمّم عليها. وهذه درجات أكثر العلماء ـ فضلا من غيرهم ـ ولا ينكر فضل هؤلاء بالإضافة إلى من لم يشاركهم في هذه الدرجات الثلاث ، ولكنّه نقص ظاهر بالإضافة إلى ذروة الكمال (١) ، فإنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين ؛

بل حظوظ المقرّبين من معاني أسماء الله ـ تعالى ـ ثلاثة :

الأوّل : معرفة هذه المعاني على سبيل المكاشفة والمشاهدة ، حتّى تتّضح لهم حقائقها بالبرهان الذي لا يجوز فيه الخطاء ، وينكشف لهم اتّصاف الله تعالى بها انكشافا يجرى في الوضوح والبيان مجرى اليقين ، الحاصل للإنسان بصفاته الباطنة التى

__________________

(١) ـ الذروة والذروة : أعلى الشيء.

١٥٤

يدركها بمشاهدة باطنة ، لا بإحساس ظاهر ؛ وكم بين هذا وبين الاعتقاد المأخوذ من الآباء والمعلّمين تقليدا ، والتصميم عليه ، وإن كان مقرونا بأدلّة جدليّة كلاميّة.

الحظّ الثاني من حظوظهم : استعظامهم ما ينكشف لهم من صفات الجلال على وجه ينبعث من الاستعظام شوقهم إلى الاتّصاف بما يمكنهم من تلك الصفات ، ليقربوا بها من الحقّ قربا بالصفة ـ لا بالمكان ـ فيأخذوا من الاتّصاف بها شبها بالملائكة المقرّبين عند الله ـ تعالى ـ ولن يتصوّر أن يمتلأ القلب باستعظام صفة واستشرافها عليه ، إلّا ويتبعه شوق إلى تلك الصفة ، وعشق لذلك الكمال والجمال ، وحرص على التحلّى بذلك الوصف ، إن كان ذلك ممكنا للمستعظم بكماله ؛ وإن لم يمكن بكماله فينبعث الشوق إلى القدر الممكن منه لا محالة.

ولا يخلو عن هذا الشوق أحد إلّا لأحد أمرين :

إمّا لضعف المعرفة واليقين بكون الوصف المعلوم من أوصاف الجلال والكمال.

وإمّا كون القلب ممتلئا بشوق آخر ، مستغرقا به ؛ فالتلميذ إذا شاهد كمال استاده في العلم ، انبعث شوقه إلى التشبّه به والاقتداء به ، إلّا إذا كان ممنوعا بالجوع ـ مثلا ـ فإنّ استغراق باطنه بشوق القوت ربما منع انبعاث شوق العلم.

ولهذا ينبغي أن يكون الناظر في صفات الله ـ تعالى ـ خاليا بقلبه عن إرادة ما سوى الله ـ عزوجل ـ فإنّ المعرفة بذر الشوق ، ولكن مهما صادف [ت] قلبا خاليا عن حسكة

١٥٥

الشهوات ، فإن لم يكن خاليا لم يكن البذر منجحا.

الحظّ الثالث : السعي في اكتساب الممكن من تلك الصفات والتخلّق بها ، والتحلّي بمحاسنها ، وبه يصير العبد ربّانيّا ـ أي قريبا من الربّ ـ تعالى ـ وبه يصير رفيقا للملإ الأعلى من الملائكة ، فإنّهم على بساط القرب فمن صرف [همّته] إلى شبه من صفاتهم نال شيئا من قربهم بقدر ما نال من أوصافهم المقرّبة لهم إلى الحقّ ـ تعالى ـ».

ـ ثمّ قال : ـ

«فإن قلت : فظاهر هذا الكلام يشير إلى إثبات مشابهة بين العبد وبين الله ـ تعالى ـ لأنّه إذا تخلّق بأخلاق الله كان شبها له ، ومعلوم شرعا وعقلا أنّ الله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [٤٢ / ١١] ولا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء.

فأقول : مهما عرفت معنى المماثلة المنفيّة عن الله ـ تعالى ـ عرفت أنّه لا مثل له ؛ ولا ينبغي أن يظنّ أنّ المشاركة في كلّ وصف توجب المماثلة ؛ أفترى أنّ الضدّين يماثلان ـ وبينهما غاية البعد الذي لا يتصوّر أن يكون بعد فوقه ـ وهما متشاركان في أوصاف كثيرة ، إذ السواد يشارك البياض في كونه عرضا ، وفي كونه لونا ، وفي كونه مدركا بالبصر ـ وامور اخر سواه ـ أفترى أنّ من قال : «إنّ الله ـ تعالى ـ موجود لا في محلّ ؛ وإنّه سميع ، بصير ، عالم ، مريد ، متكلّم ، حيّ ، قادر ، فاعل ؛ وإنّ الملك أو نفس الإنسان ـ أيضا ـ كذلك» فقد شبّه وأثبت المثل؟

هيهات ـ ليس الأمر كذلك ، ولو كان كذلك ، لكان الخلق

١٥٦

كلّهم مشبّهة ، إذ لا أقلّ من إثبات المشاركة في الوجود ، وهو موهم للمشابهة ؛

بل المماثلة عبارة عن المشاركة في النوع والماهيّة ؛ والفرس وإن كان بالغا في الكياسة لا يكون مثلا للإنسان ، لأنّه مخالف له بالنوع وإنّما شابهه بالكياسة التي هي عارض [ة] خارج [ة] من الخاصيّة المقوّمة لذات الإنسانيّة ؛ والخاصيّة الإلهيّة : أنّه الموجود الواجب الوجود بذاته ، الذي عنه يوجد كلّ ما في الإمكان وجوده على أحسن وجوه النظام والكمال.

وهذه الخاصيّة ، لا تتصوّر فيها مشاركة البتّة ؛ والمماثلة بها تحصل ؛ فكون العبد رحيما صبورا شكورا لا يوجب المماثلة ؛ ككونه سميعا ، بصيرا عالما ، قادرا ، حيّا ، فاعلا.

بل أقول : الخاصيّة الإلهيّة ليست إلّا لله تعالى ، ولا يعرفها إلّا الله ، ولا يتصوّر أن يعرفها إلّا هو ، أو من هو مثله ، وإذ لم يكن له مثل فلا يعرفها غيره ، فإذن الحقّ ما قيل (١) : «لا يعرف الله إلّا الله» ، ولذلك لم يعط أجلّ خلقه إلّا اسما حجبه به ، فقال : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) [٨٧ / ١].

والله ما عرف الله غير الله في الدنيا والآخرة».

ثمّ شرع في شرح معاني أسماء الله ـ سبحانه ـ وبيان حظّ العبد منها واحدا واحدا ، ولنورد ملخّص ما ذكره ـ ومن الله التأييد ـ :

__________________

(١) ـ في المصدر : «الحق ما قاله الجنيد حيث قال». والمؤلف أيضا كتب كذلك أولا ثم شطب عليه وكتب : «الحق ما قيل».

١٥٧

الله (١)

اسم للموجود الحقّ الجامع لصفات الإلهيّة ، المنعوت بنعت الربوبيّة ، المتفرّد بالوجود الحقيقي ؛ فإنّ كلّ موجود سواه غير مستحقّ للوجود بذاته ، وإنّما استفاد الوجود منه ، فهو من حيث ذاته هالك ، ومن [ال] جهة التي تليه موجود.

وهو أخصّ الأسماء وأعظمها ، لجمعه الصفات الإلهيّة كلّها ـ وسائر الأسماء لا يدلّ إلّا على آحاد المعاني ، من علم أو قدرة أو فعل ـ ولعدم انطلاقه على غيره ـ لا حقيقة ولا مجازا ـ لعدم اتّصاف غيره بشوب منه ، كسائر الأسماء ؛ ولهذا يعرف سائر الأسماء بالإضافة إليه ، فيقال : «الجبّار من أسماء الله» ؛ ولا يقال : «الله من أسماء الجبّار».

وحظّ العبد من هذا الاسم التألّه ، بأن يكون مستغرق القلب والهمّة بالله ، لا يرى غيره ، ولا يلتفت إلى سواه ، ولا يرجو ولا يخاف إلّا إيّاه. وكيف لا يكون كذلك؟! وقد فهم من هذا الاسم أنّه الموجود الحقيقي الحقّ ، وكلّ ما سواه فان وهالك وباطل إلّا به ؛ فيرى أوّلا نفسه أوّل هالك وباطل ، كما رآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال (٢) : «أصدق شعر

__________________

(١) ـ المقصد الأسنى : الفصل الأول من الفنّ الثاني : ٦٤ ـ ١٦١.

(٢) ـ الحديث مروي بألفاظ مختلفة : البخاري باب أيام الجاهلية ، ٥ / ٥٣ : «أصدق كلمة قالها شاعر قول لبيد ...». مسلم : كتاب الشعر ، ٤ / ١٧٦٨ ـ ١٧٦٩ ، ح ٢ ـ ٦ : «أشعر كلمة تكلمت بها العرب ... ؛ أصدق بيت قاله الشاعر ... ؛ أصدق بيت قالته الشعراء ...». راجع أيضا : الترمذي : كتاب الأدب ، باب (٩٠) ما جاء في إنشاد الشعر ، ٥ / ١٤٠ ، ح ٢٨٤٩. كنز العمال : ٣ / ٥٧٧ ، ح ٧٩٧٧ ـ ٧٩٧٨. ـ

١٥٨

قاله شاعر قول لبيد (١) :

ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل

[................... (٢)]

الرحمن الرحيم

مشتقّان من «الرحمة» وهي إفاضة الخير على المحتاجين عناية بهم ورحمة الله ـ تعالى ـ تامّة وعامّة وكاملة.

أمّا تمامها : فمن حيث أراد قضاء حاجات المحتاجين وقضاها عناية بهم. وأمّا عمومها : فمن حيث شمل المستحقّ وغير المستحقّ ، وعمّ الدنيا والآخرة ، وتناول الضرورات وغيرها. وأمّا كمالها : فلخلوّها عن الرقّة المؤلمة التي تعتري الرحيم ، فتحرّكه إلى قضاء حاجة المرحوم ؛ فإنّ تلك الرقّة يكاد صاحبه [ا] يقصد بفعله دفع الألم عن نفسه ، فيكون نظر لنفسه ، وسعى لغرض نفسه ـ لا للمرحوم لأجل المرحوم ـ وذلك نقصان عن كمال معنى الرحمة.

وليعلم أنّ تلك الرقّة لا مدخل لها في تحقّق معنى الرحمة ، وإنّما

__________________

ـ حلية الأولياء ، ترجمة شعبة بن الحجاج : ٧ / ٢٠١. المسند : ٢ / ٢٤٨ و ٤٧٠.

ابن ماجة : كتاب الأدب ، باب الشعر ، ٢ / ١٢٣٦ ، ح ٣٧٥٧.

الجامع الكبير : ١ / ٤٥٥ ، ح ٣١٥١.

(١) ـ لبيد بن ربيعة العامري من فحول الشعراء المخضرمين ، صاحب المعلقة. والمعروف أنه ترك الشعر بعد إسلامه ، وهو من المعمرين ، حكي في اسد الغابة (٤ / ٢١٧) عن مالك بن أنس : «بلغني أنّ لبيد بن ربيعة عاش مائة وأربعين سنة».

راجع اسد الغابة : ٤ / ٢١٤ ـ ٢١٧ ، الترجمة ٤٥٢١. الإصابة : ٣ / ٣٢٦ ـ ٣٢٧ ، الترجمة ٧٥٤١. الكامل للمبرد : ٢ / ٧٨١ ـ ٧٨٣.

(٢) ـ تمام البيت : وكل نعيم لا محالة زائل.

١٥٩

تحصل الرحمة بحصول ثمرتها ، ولا حظّ للمرحوم في تألّم الراحم وتفجّعه ، وإنّما تألّمه لضعف نفسه ونقصانها ، ولا يزيد ذلك في غرض المحتاج شيئا.

والرحمن أخصّ من الرحيم ؛ ولهذا لا يسمّى به غير الله ، فبالحريّ أن يكون المفهوم منه نوعا من الرحمة هي أبعد من مقدورات العباد ، وهي ما يتعلّق بالسعادة الاخرويّة.

أقول : وفي أخبار أهل البيت عليهم‌السلام (١) : «إنّ الرحمن هو بجميع العالم والرحيم بالمؤمنين خاصّة».

وحظّ العبد من اسم «الرحمن» أن يرحم عباد الله الغافلين ، فيصرفهم عن طريق الغفلة إلى الله ـ تعالى ـ بالوعظ والنصح ، بطريق اللطف ـ دون العنف ـ وأن ينظر إلى العصاة بعين الرحمة ، لا بعين الإزراء (٢) ، وأن يكون كلّ معصية تجري في العالم كمصيبة له في نفسه ، فلا يألو جهدا في إزالتها بقدر وسعه ، رحمة لذلك العاصي أن يتعرّض لسخط الله تعالى ويستحقّ البعد عن جواره.

__________________

(١) ـ التوحيد : باب معنى بسم الله الرحمن الرحيم : ٢٣٠ ، ح ٢. معاني الأخبار : نفس الباب ، ٣ ، ح ١ ـ ٢. تفسير القمي : تفسير بسم الله الرحمن الرحيم : ١ / ٥٧. المحاسن : كتاب مصابيح الظلم ، باب جوامع التوحيد ، ٢٣٨ ، ح ٢١٣. العياشي : ١ / ٢٢.

عنها البحار : ٩٢ / ٢٢٩ ، ح ٨. و ٩٢ / ٣٢١ ، ح ١١ ـ ١٢. وعن العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم : ٨٥ / ٥١ ، ح ٤٣.

(٢) ـ أزراه : عابه ووضع من حقه. أزرى عليه عمله : عاتبه أو عابه عليه.

١٦٠