علم اليقين في أصول الدين - ج ١

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

علم اليقين في أصول الدين - ج ١

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


المحقق: محسن بيدارفر
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات بيدار
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
ISBN: 964-90800-2-3
ISBN الدورة:
964-90800-1-5

الصفحات: ٧١٦

فصل (١) [١٥]

[إرادته تعالى]

وأمّا إرادته سبحانه : فهي من حيث نسبتها إليه سبحانه عين ذاته جلّ وعزّ ، وأمّا من حيث إضافتها إلى المراد فإنّها محدثة ، إلّا أنّها ليست كإرادتنا مقدّمة على الفعل ، بل هي هناك نفس الفعل والإيجاد.

قال مولانا الكاظم عليه‌السلام (٢) : «الإرادة من المخلوق الضمير وما يبدو له بعد ذلك من الفعل ، وأمّا من الله ـ عزوجل ـ فإرادته إحداثه لا غير ذلك ، لأنّه لا يروّي ولا يهمّ ولا يتفكّر ، وهذه الصفات منفيّة عنه ، وهي من صفات الخلق ، فإرادة الله ـ تعالى ـ هي الفعل ، لا غير ؛ يقول له : «كن» فيكون ، بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همّة ولا تفكّر ، ولا كيف لذلك ؛ كما أنّه بلا كيف» ـ رواه في كتاب التوحيد (٣) ـ.

قال الله ـ عزوجل ـ : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [٣٦ / ٨٢].

__________________

(١) ـ راجع أيضا الوافي : ١ / ٤٤٧.

(٢) ـ كذا فيما عندي من نسخ الكتاب ، ولكن الرواية مرويّة عن الرضا عليه‌السلام ، ولذلك أورده الصدوق ـ قدس‌سره ـ في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام أيضا ؛ والأظهر أنّه سهو نشأ مما قاله صفوان بن يحيى ـ الراوي ـ : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام.

(٣) ـ التوحيد : باب صفات الذات وصفات الأفعال : ١ / ١٤٧ ، ح ١٧. عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : باب ما جاء عن الرضا عليه‌السلام من الأخبار في التوحيد : ١ / ١١٩ ، ح ١١.

الكافي : باب الإرادة أنها من صفات الفعل : ١ / ١٠٩ ، ح ٣. وروى الشيخ صدر الحديث في أماليه : المجلس الثامن ، ٢١١ ، ح ١٥. البحار : ٤ / ١٣٧ ، ح ٤. راجع أيضا ما كتبه المؤلف ـ قدس‌سره ـ شرحا لهذه الرواية في كتابه الوافي : ١ / ٤٥٦.

١٠١

فصل [١٦]

[قدرته تعالى وكيفيّة نسبة الخير والشر إليه]

فقدرته تعالى عبارة عن كون ذاته بذاته بحيث تصدر عنه الموجودات لأجل علمه بنظام الخير ـ الذي هو عين ذاته ـ. ولا يعتبر في القدرة إلّا تعيّن الفعل بالمشيّة ، سواء كانت المشيّة يصحّ عليها التغيّر ، أو لا.

فالقادر من إن شاء فعل ، وإن لم يشأ لم يفعل ـ سواء شاء ففعل دائما ، أو لم يشأ فلم يفعل ـ والشرطيّة غير معلّقة الصحّة بصدق كلّ من طرفيها ، بل قد يصحّ أن يكون أحد طرفيها ، أو كلاهما ممّا يكذب ـ كما حقّق في محلّه (١) ـ.

وإرادته تعالى بالنسبة إليه سبحانه عبارة عن كون ذاته بذاته داعيا الصدور الموجودات عنه على وجه الخير والصلاح ، لأجل علمه بالنظام الأوفق.

فإذا نسبت إليه الموجودات من حيث أنّها صادرة عن علمه : كان علمه بهذا الاعتبار «قدرة».

وإذا نسبت إليه من حيث أنّ علمه كاف في صدورها : كان علمه بهذا الاعتبار «إرادة».

__________________

(١) ـ راجع الجوهر النضيد : ٤٣.

١٠٢

وعدم إرادته سبحانه الشرور مع إحاطة علمه بكلّ شيء لا تنافي كون إرادته الخير عين علمه ـ عزوجل ـ فإنّ وزان إرادته بالنسبة إلى صفة العلم ، وزان السمع والبصر بعينه ؛ فكما أنّ السمع سمع لكلّ مسموع ـ لا لكلّ شيء ـ والبصر بصر بالقياس إلى كلّ مبصر ـ لا كلّ شيء ـ فكذلك إرادته الحقّة ؛

فذاته سبحانه علم بكلّ شيء ممكن ، وإرادة لكلّ خير ممكن ، وسمع لكلّ شيء مسموع ، وبصر لكلّ شيء مبصر ، وقدرة على كلّ شيء مقدور عليه.

مع أنّ الشرور أيضا مرادة ومقتضية بالعرض ، أي بما هي لوازم للخيرات الغالبة عليها ـ وإن لم تكن مرادة بالذات ، أي بما هي شرور ـ وهي من حيث تبعيّتها للخيرات خيرات ومرادة ، كما أنّها معلومة ، فلم تخرج عن إحاطة الإرادة بها ، كما أنّها لم تخرج عن إحاطة العلم بها.

* * *

١٠٣

فصل [١٧]

[شمول إرادته تعالى]

ولمّا كانت إرادته سبحانه بالنسبة إلى المراد نفس الإيجاد ، فكلّما أراد شيئا وجد ، فقدرته عامّة وسعت كلّ شيء.

وأمّا الممتنع فليس بشيء حتّى يسعه القدرة ، فعدم دخوله تحت الوجود ليس نقضا على ذلك ، ولا نقصا على الله سبحانه وتعالى (١).

روي في كتاب التوحيد (٢) بإسناده عن مولانا الصادق عليه‌السلام ، قال : قيل لأمير المؤمنين عليه‌السلام : «هل يقدر ربّك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن يصغر الدنيا ، أو يكبر البيضة»؟

قال : «إنّ الله تبارك وتعالى لا ينسب إلى العجز ، والذي سألتني لا يكون».

__________________

(١) ـ كتب المؤلف هنا ما يلي ثم شطب عليه :

«تبّا وتعسا لمن يتوهّم أنّ الله ـ سبحانه ـ لا يقدر على إخراج إبليس من مملكته ، أو لا يقدر أن يدخل السماوات في سمّ خياط ، أو نحو ذلك.

فإنّ هذا المسكين لا يفهم ـ مع قطع النظر عن المصالح التي روعيت في خلق إبليس ـ أنّ العجز في عدم الاخراج إنّما هو من عدم المملكة التي غير مملكة الله ، حتى يتصوّر إخراجه إليها ، ولبس من عدم القدرة من الخالق ، وكذا العجز في الثاني إنّما هو من الإبرة ـ دونه تعالى».

(٢) ـ التوحيد : باب القدرة : ١٣٠ ، ح ٩. البحار : ٤ / ١٤٣ ، ح ١٠.

١٠٤

وبإسناده (١) عنه عليه‌السلام ـ قال ـ : جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : «أيقدر الله أن يدخل الأرض في بيضة ولا يصغر الأرض ولا يكبر البيضة»؟ فقال له : «ويلك ، إنّ الله لا يوصف بالعجز ، من أقدر ممّن يلطّف الأرض ، ويعظّم البيضة»؟

وبإسناده عن مولانا الرضا عليه‌السلام (٢) أنّه سئل : «هل يقدر ربّك أن يجعل السماوات والأرض وما بينهما في بيضة»؟ قال : «نعم ، وفي أصغر من البيضة ؛ قد جعلها في عينك وهي أقلّ من البيضة ، لأنّك إذا فتحتها عاينت السماء والأرض ، وما بينهما ، ولو شاء لأعماك عنها».

أقول : وقد صدر مثل هذا الجواب عن مولانا الصادق عليه‌السلام أيضا ـ كما روي فيه وفي الكافي (٣) ـ ولكنّه جواب جدليّ مسكت ، ناسب فهم السائل ، وإنّما صدر من محلّ الخلافة النبويّة ، امتثالا لقوله سبحانه : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [١٦ / ١٢٥].

وأمّا الجواب الحقّ فهو الجواب الأوّل ، الصادر عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام واختلاف الأجوبة ، إنّما تكون لاختلاف أفهام السائلين ـ والعلم عند الله ـ.

__________________

(١) ـ التوحيد : الباب السابق : ١٣٠ ، ح ١٠. البحار : ٤ / ١٤٣ ، ح ١١.

(٢) ـ التوحيد : الباب السابق : ١٣٠ ، ح ١٢. البحار : ٤٣ / ح ١١.

(٣) ـ التوحيد : باب القدرة : ١٢٣ ح ١. الكافي : باب حدوث العالم وإثبات المحدث : ١ / ٧٩ ، ح ٤.

١٠٥

فصل [١٨]

[حياته تعالى]

حياته سبحانه عبارة عن نوريّته المحضة ، المستلزمة للإدراك والفعل ، فإنّ الحيّ هو الدرّاك الفعّال ، ولمّا كانت الصفتان عين ذاته تعالى ، فذاته بذاته حياته ، وكلّ حياة غيرها فإنّما هي رشحة من حياته ، وهو الحيّ بالحقيقة ـ لا إله إلّا هو.

فصل [١٩]

[تكلّمه سبحانه]

تكلّمه ـ سبحانه ـ عبارة عن كون ذاته تعالى بحيث يقتضي إلقاء الكلام الدالّ على المعنى المراد ، لإفاضته ما في قضائه السابق ، من مكنونات علمه على من يشاء من عباده ، فإنّ المتكلّم عبارة عن موجد الكلام ، والتكلّم فينا ملكة قائمة بذواتنا ، بها نتمكّن من إفاضة مخزوناتنا العلميّة على غيرنا ، وفيه ـ سبحانه ـ عين ذاته ، إلّا أنّه باعتبار كونه من صفات الفعل متأخّر عن ذاته.

قال مولانا الصادق عليه‌السلام (١) : «إنّ الكلام صفة محدثة ليست بأزليّة ؛ كان الله ـ عزوجل ـ ولا متكلّم».

__________________

(١) ـ التوحيد : باب صفات الذات وصفات الأفعال : ١٣٩ ، ح ١.

الكافي : باب صفات الذات : ١ / ١٠٧ ، ح ١. البحار : ٤ / ٧٢.

١٠٦

أقول : وهذا مثل قولهم عليه‌السلام (١) : «كان الله ولم يكن معه شيء».

وتمام الكلام في كلامه ـ عزوجل ـ يأتي في مباحث الكتب والرسل ـ إن شاء الله.

فصل [٢٠]

[محبّته سبحانه للعبد ومحبّة العبد له]

محبّته سبحانه للعبد عبارة عن كشفه الحجاب عن قلبه ـ حتّى يراه بقلبه ـ وعن تمكينه إيّاه من القرب إليه ، وإرادته ذلك به في الأزل.

فحبّه لمن أحبّه أزليّ مهما اضيف إليه الإرادة الأزليّة التي اقتضت ذلك ، وإذا اضيف إلى فعله الذي يكشف به الحجاب عن قلب عبده : فهو حادث يحدث بحدوث السبب المقتضي له ، كما قال تعالى (٢) : «لا يزال العبد يتقرّب إليّ بالنوافل حتّى احبّه». فيكون تقرّبه بالنوافل سببا لصفاء باطنه ، وارتفاع الحجاب عن قلبه ، وحصوله في درجة القرب من ربّه.

ومحبّة العبد لله تعالى ميله إلى درك هذا الكمال ، الذي هو مفلس

__________________

(١) ـ في التوحيد (باب التوحيد ونفي التشبيه ، ٦٧ ، ٢٠) : «كان الله ولا شيء معه». وفي الكافي (باب صفات الذات : ١ / ١٠٧ ، ح ٢) : «كان الله عزوجل ولا شيء غيره».

وفي النهج (الخطبة : ١٨٦) : «... وإنّه سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده ، لا شيء معه ؛ كما كان قبل ابتدائها».

(٢) ـ مضى في الصفحة : ٧٤.

١٠٧

عنه ، فاقد له ؛ فلا جرم يشتاق إلى ما فاته منه ، وإذا أدرك منه شيئا يلتذّ به. والشوق والمحبّة ـ بهذا المعنى ـ محال على الله تعالى.

فصل [٢١]

[اختلاف مفهوم الكلمة عند إطلاقه عليه تعالى وعلى غيره]

كلّ ما يطلق عليه سبحانه وعلى غيره ، فإنّما يطلق عليهما بمعنيين مختلفين ليسا في درجة واحدة ، حتّى أنّ «الوجود» الذي هو أعمّ الأشياء اشتراكا ، لا يشمله وغيره على نهج واحد ؛ بل كلّ ما سواه وجوداتها ظلال وأشباح محاكية لوجوده سبحانه.

وهكذا في سائر صفاته ـ كالعلم والقدرة والإرادة والمحبّة والرحمة والغضب والحياء وغيرها ـ فكلّ ذلك لا يشبه فيه الخالق الخلق ، بل هو في حقّ الخلق يصحبه نقص وشين ؛ بخلافه في حقّ الخالق ، فإنّه مقدّس عن القصورات والنقائص ؛ وإنّما يطلق في حقّه ـ تعالى ـ باعتبار غاياتها التي هي الكمالات ـ دون مبادئها التي هي النقائص.

وواضع اللغات إنّما وضع هذه الأسامي أولا للخلق ، لأنّها أسبق إلى العقول والأفهام ؛ وفهم معانيها في حقّه تعالى عسر جدّا ، وبيانها أعسر منه ، بل كلّ ما قيل في تقريبه إلى الأفهام فهو تبعيد له من وجه.

ولعلّ إلى هذا المعنى أشار من قال : «من عرف الله كلّ لسانه» (١).

__________________

(١) ـ في هامش النسخة

اين مدعيان در طلبش بى خبرانند

كان را كه خبر شد خبرى بازنيامد

١٠٨

فصل [٢٢]

[استحالة معرفة كنه صفاته تعالى]

بل الحقّ أنّه كما لا يجوز لغيره سبحانه الإحاطة بمعرفة كنه ذاته تعالى ، فكذلك لا يجوز له الإحاطة بمعرفة كنه صفاته عزوجل ، وكلّ ما وصفه به العقلاء فإنّما هو على قدر أفهامهم وبحسب وسعهم ، فإنّهم إنّما يصفونه بالصفات التي ألفوها وشاهدوها في أنفسهم ، مع سلب النقائص الناشئة من انتسابها إليهم بنوع من المقايسة ، ولو ذكر لهم من صفاته عزوجل ما ليس لهم ما يناسبه بعض المناسبة ، لم يفهموه ؛ فتوصيفهم إيّاه سبحانه إنّما هو على قدرهم ، لا على قدره ؛ وبحسبهم ، ليس بحسبه ؛ جلّ جلاله عمّا يصفون ، وتعالى شأنه عمّا يقولون ، (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ).

كيف ، وقد قال سيّدنا ونبيّنا سيّد الخلائق وأشرف النبيّين ـ صلوات الله عليه وعليهم أجمعين ـ (١) : «لا احصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك». وما أحسن ما قال مولانا الباقر عليه‌السلام (٢) : «هل سمّي

__________________

(١) ـ مضى في الصفحة : ٥٤.

(٢) ـ لم أعثر على الرواية في الجوامع الروائية ـ وإن كان مضمونها يشهد بصدورها عن معادن الحكمة وأهل بيت الوحي ـ ولعل أقدم من استشهد بها الخواجة نصير الدين الطوسي ـ قدس‌سره ـ في رسالة شرح مسئلة العلم (المسألة الخامسة عشرة ، ٤٣) حيث قال : «... ونعم ما قال عالم من أهل بيت النبوة عليهم‌السلام : هل يسمى قادرا ...». ونقل منه المحقق السيد الداماد في القبسات : أواخر القبس الثامن : ٣٤٣. والرواشح السماوية : ١٩. وقد نسبه الشيخ البهائي في شرح الأربعين (شرح الحديث الثاني : ٨١) إلى الباقر عليه‌السلام.

١٠٩

عالما وقادرا إلّا لأنّه وهب العلم للعلماء والقدرة للقادرين؟ وكلّ ما ميّزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه مخلوق مصنوع مثلكم ، مردود إليكم ، والباري تعالى واهب الحياة ومقدّر الموت ؛ ولعلّ النمل الصغار تتوهّم أنّ لله تعالى زبانيتين ـ فإنّهما كمالها ـ وتتصوّر أنّ عدمهما نقصان لمن لا يكونان له ؛ هكذا حال العقلاء فيما يصفون الله تعالى به فيما أحسب ، وإلى الله المفزع» (١). ـ انتهى كلامه صلوات الله عليه.

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : «إنّ الله لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء ، وكلّ ما وقع في الوهم فهو بخلافه» (٣).

فسبحانه سبحانه ، ما أعلى شأنه ، وأبهر برهانه ، وأعظم امتنانه.

__________________

(١) ـ كتب في الهامش ما يلي : «مراده عليه‌السلام أنّ الله عزوجل منزّه عن كلّ وصف من أوصاف الكمال ، الذي يظنّه أكثر الخلق ، لأنّ الخلق إنّما يصفونه بما هو كمال في حقّهم ، والله تعالى منزّه عن أوصاف كمالهم ، كما أنّه عزوجل منزّه عن أوصاف نقصهم ، وكلّ صفة يصفه به الخلق ممّا يدركه حسّ أو يتصوّره خيال ، أو يسبق إليه وهم ، أو يختلج به ضمير ، أو يفضي به فكر ؛ فهو مقدّس عنها وعمّا يشبهها ، ولو لا ورود الرخصة والإذن بإطلاقها عليه لم يجز إطلاق أكثرها ؛ ف (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ* وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ* وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [٣٧ / ١٨٠ ـ ١٨٢] ـ منه».

(٢) ـ لم أجده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكنه ورد بلفظه في التوحيد (باب معنى الواحد والتوحيد والموحّد ، ٨٠ ، ح ٣٦) عن الصادق عليه‌السلام. وروى الكليني ـ قدس‌سره ـ (الكافي : باب إطلاق القول بأنه شيء : ١ / ٨٢ ، ح ١) عن الباقر عليه‌السلام : «... فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه ، لا يشبهه شيء ولا تدركه الأوهام ...».

(٣) ـ في هامش النسخة :

اى برتر از خيال وقياس وگمان ووهم

وز هرچه گفته اند وشنيديم وخوانده ايم

مجلس تمام گشت وبه آخر رسيد عمر

ما همچنان در اوّل وصف تو مانده ايم

١١٠

[٥]

باب

نبذ من نعوته جلّ ذكره

(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [٤٢ / ١١]

فصل [١]

قد ورد في القرآن المجيد وأحاديث أهل البيت عليهم‌السلام من نعت الله ـ سبحانه ـ وتوحيده وتقديسه وتمجيده كلمات وعبارات تحتوى من الأسرار والمعارف ما لا يصل كلّ أحد إليه ، ولا يمكن المزيد عليه ـ سيّما عن مولانا أمير المؤمنين وسيّد الموحّدين ـ صلوات الله عليه ـ فإنّ كلامه في التوحيد والعدل ويتضمّن ـ مع عجائب البلاغة وغرائب الفصاحة ـ من الإشارات والتنبيهات على أسرار العلوم ، ما هو بلال كلّ غلّة وجلاء كلّ شبهة (١).

فأردنا أن نورد نبذا من ذلك تأييدا لما أسلفناه ، وتشييدا لما أصّلناه ، وليزداد الطالب بصيرة في معرفة الله وآياته.

__________________

(١) ـ في هامش النسخة : البلل ـ محركة ـ والبلة والبلال ـ بكسرهما ـ : النداوة. الغلّ والغلّة ـ بضمهما ـ والغلل ـ محركة ـ : وكآية العطش أو شدته أو حرارة الجوف.

١١١

وليعلم أنّ جلّ ما أدركته العقول مقتبس من أنوار الشرع ومرموزاته بل لا يمكن المزيد على ما جاءت به الشرائع ؛ خصوصا شرع نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانه لا أتمّ منه ولا أحكم.

رويا في كتابي الكافي والتوحيد (١) بإسناديهما ، عن عاصم بن حميد ـ قال ـ : سئل على بن الحسين عليهما‌السلام عن التوحيد ، فقال :

«إنّ الله ـ عزوجل ـ علم أنّه يكون في آخر الزمان أقوام متعمّقون ، فأنزل الله : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) والآيات من سورة الحديد إلى قوله : (عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) فمن رام وراء ذلك ، فقد هلك».

ونبدأ أولا بكلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المرويّ في كتاب التوحيد ، ثمّ كلام أمير المؤمنين عليه‌السلام المرويّ فيه وفي الكافي ، ثمّ سائر كلماته ـ صلوات الله عليه وآله ـ المنقولة من نهج البلاغة ، إلّا ما نضيفه إلى غيره. وأمّا كلمات سائر أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ فقد أوردناها في مواضعها متفرّقة ، وكذا بعض الآيات القرآنيّة ، مع أنّها مستغنية عن الذكر.

__________________

(١) ـ الكافي : باب النسبة ، ١ / ٩١ ، ح ٣. التوحيد : باب أدنى ما يجزى من معرفة التوحيد ، ٢٨٣ ، ح ٢. عنه البحار : ٣ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤ ، ح ٢١. واللفظ للكافي.

١١٢

فصل [٢]

قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) :

«الحمد لله الذي كان في أوّليّته وحدانيّا ، وفي أزليّته متعظّما بالإلهيّة ، متكبّرا بكبريائه وجبروته ؛

ابتدأ ما ابتدع ، وأنشأ ما خلق على غير مثال كان سبق لشيء ممّا خلق ، ربّنا القديم بلطف ربوبيّته وبعلم خبره فتق ، وبإحكام قدرته خلق جميع ما خلق ، وبنور الإصباح فلق ؛

فلا مبدّل لخلقه ، ولا مغيّر لصنعه ، ولا معقّب لحكمه ، ولا رادّ لأمره ولا مستزاح عن دعوته ، ولا زوال لملكه ، ولا انقطاع لمدّته ؛ وهو الكينون أوّلا ، والديموم أبدا.

المحتجب بنوره ـ دون خلقه ـ في الافق الطامح ، والعزّ الشامخ ، والملك الباذخ (٢) ، فوق كلّ شيء علا ومن كلّ شيء دنا ، فتجلّى لخلقه من غير أن يكون يرى ، وهو بالمنظر الأعلى.

فأحبّ الاختصاص بالتوحيد إذ احتجب بنوره ، وسما في علوّه واستتر عن خلقه ، وبعث إليهم الرسل ، ليكون له الحجّة البالغة على

__________________

(١) ـ التوحيد : باب التوحيد ونفي التشبيه مع فروق يسيرة ، ٤٤ ، ح ٤.

عنه البحار : ٤ / ٢٨٧ ، ح ١٩.

وجاء ما يقرب منه في كفاية الأثر في خطبة للحسن بن على عليهما‌السلام باب ما روي عنه عليه‌السلام من النصوص ، ١٦١. عنه البحار : ٤٣ / ٣٦٣ ، ح ٦.

(٢) ـ في هامش النسخة : طمح بصره إليه ـ كمنع ـ : ارتفع. وكل مرتفع طامح. شمخ الجبل : علا وطال. البذخ ـ محركة ـ : الكبر. بذخ ـ كفرح ـ وتبذّخ : تكبر وعلا ـ ق.

١١٣

خلقه ، ويكون رسله إليهم شهداء عليهم ، وانبعث (١) فيهم النبيّين مبشّرين ومنذرين ، ليهلك من هلك عن بيّنة ، ويحيى من حيّ عن بيّنة ، وليعقل العباد عن ربّهم ما جهلوه ، فيعرفوه بربوبيّته بعد ما أنكروا ، ويوحّدوه بالإلهيّة بعد ما عندوا».

فصل [٣]

وقال مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) :

«الحمد لله الواحد الأحد الصمد المتفرّد ، الذي لا من شيء كان ولا من شيء خلق ما كان ؛

قدرة (٣) بان بها من الأشياء وبانت الأشياء منه ، فليست له صفة تنال ، ولا حدّ تضرب له فيه الأمثال ؛

كلّ دون صفاته تحبير اللغات ، وضلّ هناك تصاريف الصفات ، وحار في ملكوته عميقات مذاهب التفكير ، وانقطع دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير ، وحال دون غيبه المكنون حجب من الغيوب ،

__________________

(١) ـ كذا في التوحيد. ولكن كتب في النسخة «بعث» ثم صحفت الكلمة بحيث يمكن قراءتها «انبعث» و «ابتعث». والأظهر أن التغيير من غير المؤلف حيث أنها في نسخة ع المستنسخة بعد فوت المؤلف أيضا : بعث.

(٢) ـ الكافي : باب جوامع التوحيد ، ١ / ١٣٤ ، ح ١ واللفظ له. عنه البحار ٥٧ / ١٦٤ ، ح ١٠٣.

التوحيد : باب التوحيد ونفي التشبيه مع فروق يسيرة ، ٤١ ، ح ٣. عنه البحار : ٤ / ٢٦٩ ، ح ١٥.

(٣) ـ في التوحيد : قدرته. وقال المؤلف في الوافي : «قدرة منصوب على التمييز أو بنزع الخافض ، يعني ولكن خلق الأشياء قدرة ، أو بقدرة ؛ أو مرفوع ، أي له قدرة ، أو هو قدرة ، فإن صفته عين ذاته».

١١٤

تاهت في أدنى أدانيها طامحات العقول في لطيفات الامور.

فتبارك (١) الذي لا يبلغه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن ، وتعالى الذي ليس له وقت معدود ولا أجل ممدود ولا نعت محدود ، وسبحان الذي ليس له أوّل مبتدأ ، ولا غاية منتهى ، ولا آخر يفنى ؛

سبحانه ، هو كما وصف نفسه ، والواصفون لا يبلغون نعته.

حدّ الأشياء كلّها عند خلقه إبانة لها من شبهه ، وإبانة له من شبهها ؛

فلم يحلل فيها فيقال : «هو فيها كائن» ؛

ولم ينأ عنها فيقال : «هو منها بائن» ؛

ولم يخل منها فيقال له : «أين»؟ ؛

لكنّه ـ سبحانه ـ أحاط بها علمه ، وأتقنها صنعه ، وأحصاها حفظه.

لم يعزب عنه خفيّات غيوب الهواء ، ولا غوامض مكنون ظلم الدجى ، ولا ما في السماوات العلى إلى الأرضين السفلى ؛ لكلّ شيء منها حافظ ورقيب ، وكلّ شيء منها بشيء محيط ،

والمحيط بما أحاط منها الواحد الأحد الصمد ، الذي لا يغيّره صروف الأزمان ، ولا يتكادّه صنع شيء كان ؛ إنّما قال لما شاء : «كن» ، فكان.

ابتدع ما خلق بلا مثال سبق ، ولا تعب ولا نصب ؛

__________________

(١) ـ كذا في النسخة ، ولكن في المصدرين : فتبارك الله الذي.

١١٥

وكلّ صانع شيء فمن شيء صنع ، والله لا من شيء صنع ما خلق ؛ وكلّ عالم فمن بعد جهل تعلّم ، والله لم يجهل ولم يتعلّم.

أحاط بالأشياء علما قبل كونها ، فلم يزدد بكونها علما ، علمه بها قبل أن يكوّنها كعلمه بعد تكوينها ؛

لم يكوّنها لتشديد سلطان ، ولا خوف من زوال ولا نقصان ، ولا استعانة على ضدّ مناو ولا ندّ مكاثر ولا شريك مكابر ؛ لكن خلائق مربوبون ، وعباد داخرون.

فسبحان الذي لا يؤده خلق ما ابتدع ولا تدبير ما برأ ، ولا من عجز ولا من فترة بما خلق اكتفى ؛

علم ما خلق ، وخلق ما علم ؛ لا بالتفكير في علم (١) حادث أصاب ما خلق ، ولا شبهة دخلت عليه فيما لم يخلق ؛

لكن قضاء مبرم ، وعلم محكم ، وأمر متقن.

توحّد بالربوبيّة وخصّ نفسه بالوحدانيّة ، واستخلص بالمجد والثناء ، وتفرّد بالتوحيد والمجد والسّناء ؛ وتوحّد بالتحميد ، وتمجّد بالتمجيد (٢) ، وعلا عن اتّخاذ الأبناء ، وتطهّر وتقدّس عن ملامسة النساء ، وعزوجل عن مجاورة الشركاء ؛

فليس له فيما خلق ضدّ ، ولا له فيما ملك ندّ ؛ ولم يشركه في ملكه أحد ، الواحد الأحد الصمد المبيد (٣) للأبد ، والوارث للأمد ، الذي

__________________

(١) ـ في التوحيد : ولا بعلم (بدلا من : في علم).

(٢) ـ في التوحيد : واستخلص المجد والثناء ، فتحمد بالتحميد ، وتمجد بالتمجيد.

(٣) ـ في هامش النسخة : المأبّد خ ل.

١١٦

لم يزل ولا يزال وحدانيّا أزليّا قبل بدء الدهور ، وبعد صرف الامور ، الذي لا يبيد ولا ينفد(١).

بذلك أصف ربّي ، فلا إله إلّا الله ، من عظيم ما أعظمه! ومن جليل ما أجلّه! وعزيز ما أعزّه ، وتعالى عمّا يقول الظّالمون علوّا كبيرا».

* * *

قال ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني ـ رحمه‌الله ـ بعد نقل الخطبة المذكورة (٢) :

«وهذه الخطبة من مشهورات خطبه عليه‌السلام حتّى لقد ابتذلها العامّة ، وهي كافية لمن طلب علم التوحيد إذا تدبّرها وفهم ما فيها ؛ فلو اجتمع ألسنة الجنّ والإنس ـ ليس فيها لسان نبيّ ـ على أن يبيّنوا التوحيد بمثل ما أتى به عليه‌السلام ـ بأبي وأمّي ـ ما قدروا عليه ؛ ولو لا إبانته عليه‌السلام ما علم الناس كيف يسلكون سبيل التوحيد.

ألا ترون إلى قوله : «لا من شيء كان ، ولا من شيء خلق ما كان» ؛

فنفى بقوله : «لا من شيء كان» معنى الحدوث ؛

وكيف أوقع على ما أحدثه صفة الخلق والاختراع بلا أصل ولا مثال ، نفيا لقول من قال : «إنّ الأشياء كلّها محدثة ، بعضها من بعض» ، وإبطالا لقول الثنويّة ـ الذين زعموا أنّه لا يحدث

__________________

(١) ـ في التوحيد : لا يبيد ولا يفقد.

(٢) ـ الكافي : باب جوامع التوحيد : ١ / ١٣٦. عنه البحار : ٥٧ / ١٦٤ ـ ١٦٦.

١١٧

شيئا إلا من أصل ، ولا يدبّر إلّا باحتذاء مثال.

فدفع عليه‌السلام بقوله : «لا من شيء خلق ما كان» جميع حجج الثنويّة وشبههم ؛ لأنّ أكثر ما يعتمد الثنويّة في حدوث العالم أن يقولوا «لا يخلو من أن يكون الخالق خلق الأشياء من شيء ، أو من لا شيء» ؛ فقولهم : «من شيء» خطأ ، وقولهم : «من لا شيء» مناقضة وإحالة ؛ لأنّ «من» توجب شيئا ، و «لا شيء» تنفيه ؛ فأخرج أمير المؤمنين عليه‌السلام هذه اللفظة على أبلغ الألفاظ وأصحّها ، فقال عليه‌السلام : «لا من شيء خلق ما كان» فنفى «من» إذ كانت توجب شيئا ، ونفى «الشيء» إذ كان كلّ شيء مخلوقا محدثا لا من أصل أحدثه الخالق ، كما قالت الثنويّة : «أنّه خلق من أصل قديم ، فلا يكون تدبير إلّا باحتذاء مثال».

ثمّ قوله عليه‌السلام : «ليست له صفة تنال ، ولا حدّ تضرب له فيه الأمثال ، كلّ دون صفاته تحبير اللغات» ، فنفى عليه‌السلام أقاويل المشبّهة ، حين شبّهوه بالسبيكة والبلّورة ، وغير ذلك من أقاويلهم من الطول والاستواء ، وقولهم : «متى ما لم تعقد القلوب منه على كيفيّة ولم ترجع إلى إثبات هيئة ، لم تعقل شيئا ، فلم تثبت صانعا» ؛ ففسّر أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه واحد بلا كيفيّة ، وأنّ القلوب تعرفه بلا تصوير ولا إحاطة.

ثمّ قوله عليه‌السلام : «الذي لا تبلغه بعد الهمم ، ولا تناله غوص الفطن ، وتعالى الذي ليس له وقت معدود ولا أجل ممدود ولا نعت محدود» ، ثمّ قوله عليه‌السلام : «لم يحلل في الأشياء ، فيقال : هو فيها كائن ، ولم ينأ عنها ، فيقال : هو منها بائن». فنفى عليه‌السلام

١١٨

بهاتين الكلمتين صفة الأعراض والأجسام ، لأن من صفة الأجسام التباعد والمباينة ، ومن صفة الأعراض الكون في الأجسام بالحلول على غير مماسّة ، ومباينة الأجسام على تراخى المسافة.

ثمّ قال : «لكن أحاط بها علمه ، وأتقنها صنعه» ، أي هو في الأشياء بالإحاطة والتدبير ، وعلى غير ملامسة».

ـ انتهى كلامه ـ.

فصل [٤]

وقال مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) :

«أوّل الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ؛ لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف ، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة ؛ فمن وصف الله ـ سبحانه ـ فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثنّاه ، ومن ثنّاه فقد جزّأه ، ومن جزّأه فقد جهله [ومن جهله فقد أشار إليه] (٢) ومن أشار إليه فقد حدّه ، ومن حدّه فقد عدّه ؛ ومن قال : «فيم» فقد ضمّنه ، ومن قال : «علام» فقد أخلى منه.

كائن لا عن حدث ، موجود لا عن عدم ؛ مع كلّ شيء لا بمقارنة

__________________

(١) ـ نهج البلاغة : الخطبة الاولى. عنه البحار : ٤ / ٢٤٧ ، ح ٥ و ٥٧ / ١٧٦ ، ح ١٣٦.

(٢) ـ إضافة من المصدر.

١١٩

وغير كلّ شيء لا بمزايلة ؛ فاعل لا بمعنى الحركات والآلة ، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه ، متوحّد إذ لا سكن يستأنس به ولا يستوحش لفقده.

أنشأ الخلق إنشاء ، وابتدأ ابتداء ، بلا رويّة أجالها ، ولا تجربة استفادها ، ولا حركة أحدثها ، ولا همامة نفس اضطرب فيها ؛ أحال الأشياء لأوقاتها ، ولاءم بين مختلفاتها ، وغرّز غرائزها ، وألزمها أشباحها ؛ عالما بها قبل ابتدائها ، محيطا بحدودها وانتهائها ؛ عارفا بقرائنها وأحنائها».

فصل [٥]

وقال عليه‌السلام (١) :

«ما وحّده من كيّفه ، ولا حقيقته أصاب من مثّله ، ولا إيّاه عنى من شبّهه ، ولا صمده (٢) من أشار إليه وتوهّمه ؛

كلّ معروف بنفسه مصنوع ، وكلّ قائم في سواه معلول ؛

فاعل لا باضطراب آلة ، مقدّر لا بجول فكرة ، غنيّ لا باستفادة ؛ لا تصحبه الأوقات ، ولا ترفده (٣) الأدوات ؛

سبق الأوقات كونه ، والعدم وجوده ، والابتداء أزله ؛

__________________

(١) ـ نهج البلاغة : الخطبة ١٨٦. عنه البحار : ٧٧ / ٣١٠ ـ ٣١٤ ، ح ١٤.

(٢) ـ صمده : قصده.

(٣) ـ ترفده : تعينه.

١٢٠