لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام

السيّد محسن الأمين العاملي

لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام

المؤلف:

السيّد محسن الأمين العاملي


المحقق: السيد حسن الأمين
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الأمير للثقافة والعلوم ش.م.م
الطبعة: ١
الصفحات: ١٩٨

ثم قال ادعوا لي عمر بن سعد فدعي له وكان كارها لا يحب ان يأتيه ، فقال : يا عمر أنت تقتلني وتزعم ان يوليك الدعي ابن الدعي بلاد الري وجرجان ، والله لا تتهنى بذلك ابدا عهدا معهودا فاصنع ما أنت صانع ، فانك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة ، ولكأني برأسك على قصبة قد نصب بالكوفة يتراماه الصبيان ويتخذونه غرضا بينهم ، فاغتاظ ابن سعد من كلامه ثم صرف بوجهه عنه ونادى بأصحابه ما تنتظرون به احملوا بأجمعكم انما هي اكلة واحدة.

وخرج زهير بن القين على فرس له ذنوب شاك في السلاح ، فقال : يا أهل الكوفة بدار من عذاب الله بدار (نذار خ ل لكم) ان حقا على المسلم نصيحة المسلم ونحن حتى الآن أخوة على دين واحد ما لم يقع بيننا وبينكم السيف فاذا وقع السيف انقطعت العصمة وكنا نحن أمة وأنتم امة ، ان الله قد ابتلانا (١) واياكم بذرية محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لينظر ما نحن وأنتم عاملون ، انا ندعوكم الى نصره وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد ، فسبوه وأثنوا على ابن زياد ، فقال لهم : يا عباد الله ان ولد فاطمة احق بالود والنصر من ابن سمية ، فان كنتم لم تنصروهم فأعيذكم بالله ان تقتلوهم ، فلعمري ان يزيد يرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين عليه‌السلام ، فرماه شمر بسهم وقال : اسكت اسكت الله نامتك (٢) ابرمتنا (٣) بكثرة كلامك ، فقال زهير : يا ابن البوال على عقبيه ما اياك اخاطب انما انت بهيمة والله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين وابشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم ، فقال شمر : ان الله قاتلك وصاحبك عن ساعة ، قال : أفبالموت تخوفني والله للموت معه احب الي من الخلد معكم ، ثم رفع صوته وقال : عباد الله لا يغرنكم من دينكم هذا الجلف الجافي فو الله

__________________

(١) اختبرنا (منه).

(٢) في الصحاح قولهم أسكت الله نامته أي ما ينم عليه من حركته (منه).

(٣) يقال : ابرمه أي أمله وأضجره (منه).

١٠١

لا تنال شفاعة محمد قوما اهرقوا دماء ذريته وأهل بيته وقتلوا من نصرهم وذب عن حريمهم ، فأمره الحسين عليه‌السلام فرجع.

ولما رأى الحر بن يزيد ان القوم قد صمموا على قتال الحسين عليه‌السلام قال لعمر بن سعد : أمقاتل انت هذا الرجل؟ قال : اي والله قتالا أيسره ان تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي ، قال : فما لكم فيما عرضه عليكم رضى ، قال : اما لو كان الأمر الي لفعلت ولكن اميرك قد ابى ، فاقبل الحر حتى وقف من الناس موقفا ومعه رجل من قومه يقال له قرة بن قيس ، فقال له : يا قرة هل سقيت فرسك اليوم؟ قال : لا ، قال : فما تريد ان تسقيه ، قال : قرة فظننت والله انه يريد أن يتنحى فلا يشهد القتال فكره ان أراه حين يصنع ذلك ، فقلت له : لم اسقه وانا منطلق فأسقيه ، فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه فو الله لو اطلعني على الذي يريد لخرجت معه الى الحسين عليه‌السلام ، فأخذ الحر يدنو من الحسين عليه‌السلام قليلا قليلا ، فقال له المهاجر بن اوس : ما تريد يا ابن يزيد أتريد ان تحمل فلم يجبه وأخذه مثل الأفكل وهي الرعدة ، فقال له المهاجر : ان أمرك لمريب والله ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك فما هذا الذي أرى منك ، فقال الحر : اني والله أخير نفسي بين الجنة والنار فو الله اني لا اختار على الجنة شيئا ولو قطعت وحرقت ، ثم ضرب فرسه قاصدا الى الحسين عليه‌السلام ويده على رأسه وهو يقول : اللهم اليك أنيب فتب علي فقد ارعبت قلوب اوليائك واولاد بنت نبيك ، وقال للحسين عليه‌السلام : جعلت فداك يا ابن رسول الله انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت بك في (الى خ ل) هذا المكان ، وما ظننت ان القوم يردون عليك ما عرضته عليهم ولا يبلغون منك هذه المنزلة ، والله لو علمت انهم ينتهون بك الى ما أرى ما ركبت مثل الذي ركبت ، واني قد جئتك تائبا مما كان مني الى ربي مواسيا لك بنفسي

١٠٢

حتى أموت بين يديك فهل ترى لي من توبة ، فقال له الحسين عليه‌السلام نعم يتوب الله عليك فانزل ، قال : انا لك فارسا خير مني راجلا اقاتلهم على فرسي ساعة والى النزول يصير آخر أمري ، فقال له الحسين عليه‌السلام : فاصنع يرحمك الله ما بدا لك ، فاستقدم امام الحسين عليه‌السلام فقال : يا أهل الكوفة لأمكم الهبل (١) والعبر ادعوتم هذا العبد الصالح حتى اذا جاءكم اسلمتموه وزعمتم انكم قاتلوا انفسكم دونه ، ثم عدوتم عليه لتقتلوه وأمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجه في بلاد الله العريضة فصار كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعا ولا يدفع عنها ضرا ، وحلأتموه ونساءه وصبيته وأهله عن ماء الفرات الجاري يشربه اليهود والنصارى والمجوس وتتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه ، فهاهم قد صرعهم العطش ، بئس ما خلقتم محمدا في ذريته لا سقاكم الله يوم الظمأ ، فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل فرجع حتى وقف امام الحسين عليه‌السلام وروى ابن نما انه قال للحسين عليه‌السلام : لما وجهني عبيد الله اليك خرجت من القصر فنوديت من خلفي أبشر يا حر بخير فالتفت فلم ار احدا ، فقلت : والله ما هذه بشارة وانا أسير الى الحسين عليه‌السلام وما كنت احدث نفسي باتباعك ، فقال : لقد أصبت أجرا وخيرا.

ونادى عمر بن سعد يا دريد ادن رايتك فأدناها ، ثم وضع سهما في كبد قوسه فرمى به نحو عسكر الحسين عليه‌السلام وقال : اشهدوا لي عند الأمير اني أول من رمى ، وأقبلت السهام من القوم كأنها القطر فلم يبق من أصحاب الحسين عليه‌السلام احد الا اصابه من سهامهم ، فقال عليه‌السلام لأصحابه : قوموا رحمكم الله الى الموت الذي لا بد منه فان هذه السهام رسل القوم اليكم ، فاقتتلوا ساعة من النهار حملة وحملة حتى قتل من أصحاب الحسين عليه‌السلام

__________________

(١) الهبل : الثكل (منه).

١٠٣

جماعة ، فعندها ضرب الحسين عليه‌السلام يده الى لحيته وجعل يقول : اشتد غضب الله على اليهود اذ جعلوا له ولدا واشتد غضبه على النصارى اذ جعلوه ثالث ثلاثة ، واشتد غضبه على المجوس اذ عبدوا الشمس والقمر دونه ، واشتد غضبه على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم ، اما والله لا أجيبهم الى شيء مما يريدون حتى ألقى الله تعالى وانا مخضب بدمي فروي عن مولانا الصادق عليه‌السلام انه قال : سمعت ابي يقول لما التقى الحسين عليه‌السلام وعمر بن سعد وقامت الحرب على ساق انزل الله النصر حتى رفرف على رأس الحسين عليه‌السلام ثم خير بين النصر على أعدائه وبين لقاء الله فاختار لقاء الله ، ثم صاح الحسين عليه‌السلام : اما من مغيث يغيثنا لوجه الله اما من ذاب يذب عن حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان يزيد بن زياد بن المهاجر (مهاصر خ ل) الكندي ويكنى ابا الشعثاء في أصحاب ابن سعد ، فلما ردوا على الحسين عليه‌السلام ما عرضه عليهم عدل اليه فقاتل بين يديه وجعل يرتجز ويقول :

انا يزيد وابي المهاجر (١)

اشجع من ليث بغيل خادر

يا رب اني للحسين ناصر

ولابن سعد تارك وهاجر

وجثا بين يدي الحسين عليه‌السلام فرمى بمائة سهم ما سقط منها خمسة أسهم وكان راميا ، وكلما رمى يقول له الحسين عليه‌السلام : اللهم سدد رميته واجعل ثوابه الجنة ، فقتل خمسة من أصحاب عمر بالنشاب ، وكان أول من قتل.

ثم ارتمى الناس وتبارزوا فكان أصحاب الحسين عليه‌السلام كما قيل فيهم :

__________________

(١) (مهاصر خ ل).

١٠٤

قوم اذا نودوا لدفع ملمة

والخيل بين مدعس ومكردس

لبسوا القلوب على الدروع واقبلوا

يتهافتون على ذهاب الأنفس

فبرز يسار مولى زياد وسالم مولى عبيد الله بن زياد وقالا : من يبارز ، فوثب حبيب بن مظاهر وبرير بن خضير ، فقال لهما الحسين عليه‌السلام : اجلسا ، فقام عبد الله بن عمير الكلبي فاستأذن الحسين عليه‌السلام في مبارزتهما وكان طويلا بعيد ما بين المنكبين ، فنظر اليه الحسين عليه‌السلام وقال : اني احسبه للأقران قتالا واذن له ، وكان قد خرج من الكوفة ليلا ومعه امرأته ام وهب الى الحسين عليه‌السلام لأنه لما رأى العساكر تعرض بالنخيلة لتسير الى حرب الحسين عليه‌السلام قال : والله لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصا ، واني لأرجو ان لا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم أقل ثوابا عند الله من جهاد المشركين ، فأخبر زوجته فقالت : اصبت أخرج واخرجني معك ، فلما برز قال له يسار : من أنت؟ فانتسب له ، فقال له : لست أعرفك ليخرج الي زهير بن القين او حبيب بن مظاهر او برير بن خضير ، فقال له ابن عمير : يا ابن الفاعلة وبك رغبة عن مبارزة احد من الناس ولا يبرز اليك أحد الا وهو خير منك ثم شد عليه فضربه بسيفه حتى برد وهو أول من قتل من أصحاب ابن سعد ، فانه لمشتغل بضربه اذ شد عليه سالم مولى عبيد الله فصاحوا به قد رهقك العبد فلم يعبأ به حتى غشيه ، فبدره بضربة اتقاها ابن عمير بيده اليسرى فأطارت أصابع كفه ، ثم شد عليه ابن عمير فضربه حتى قتله ، فرجع وقد قتلهما جميعا وهو يرتجز ويقول :

ان تنكروني فأنا ابن كلب

حسبي ببيتي في عليم حسبي

اني امرؤ ذو مرة (١) وعضب (٢)

ولست بالخوار (٣) عند النكب (٤)

__________________

(١) المرة بالكسر قوة الخلق وشدته والعقل والأحكام والقوة (منه).

(٢) العضب : الطعن والضرب (منه).

(٣) الخوار : الضعيف (منه).

(٤) النكب : المصيبة (منه).

١٠٥

اني زعيم (١) لك ام وهب

بالطعن فيهم صادقا (٢) والضرب

ضرب غلام مؤمن بالرب

ثم قاتل قتالا شديدا حتى قتل رجلين آخرين ، فقتله هاني بن ثبيت الحضرمي وبكير بن حي التيمي ، وخرجت امرأته فجلست عند رأسه تمسح التراب عن وجهه وتقول : هنيئا لك الجنة ، فأمر شمر غلاما له يقال له رستم فضرب رأسها بالعمود فماتت مكانها (٣) وبرز عمر بن خالد الصيداوي ، فقال له الحسين عليه‌السلام : تقدم فانا لاحقون بك عن ساعة ، فحمل هو وسعد مولاه وجبار بن الحارث السلماني ومجمع بن عبيد الله العائذي فأوغلوا في أصحاب عمر بن سعد ، فعطف عليهم أصحاب ابن سعد فقطعوهم عن اصحابهم ، فحمل العباس بن علي عليهما‌السلام فاستقذهم وقد جرحوا ثم حملوا

__________________

(١) كفيل (منه).

(٢) (مقدما خ ل).

(٣) الظاهر انه وقع خلط من المؤرخين بين قصة وهب بن حباب الكلبي الآتي ذكره وقصة عبيد الله هذا كما يظهر من التتبع ، فالطبري وابن الأثير نسبا قتل غلام شمر للمرأة الى زوجة عبيد الله كما ذكرناه هنا ، وبعض نسبه الى زوجة وهب ، ونسبا أيضا أخذ العمود الى آخر القصة الآتية عند ذكر وهب بن حباب الى زوجة عبيد ، وابن طاوس وغيره نسبوا أخذ العمود الى زوجة وهب ، والطبري وابن الأثير قالا : ان زوجة عبيد الله اسمها ام وهب ، فيحتمل الاشتباه بام وهب بن حباب وان يكونا اخذا ذلك من بعض الأراجيز المنسوبة لعبيد الله وفيها اني زعيم لك ام وهب كما نقلناه هنا ، والمفيد لم يذكر في رجز عبيد الله اني زعيم البيت وحسبي بيتي الخ واقتصر على الباقي ولعله أقرب الى الصواب ، والطبري نسب الى عبيد الله الرجز كما نسبناه هنا وعنه نقلناه ، وكذا ابن نما عدا الشطر الأخير ، وبعضهم نسب الى وهب انه ارتجز وقال :

اني زعيم لك ام وهب

بالطعن فيهم تارة والضرب

ضرب غلام مؤمن بالرب

حتى يذيق القوم مر الحرب

اني امرؤ ذو مرة وعضب

ولست بالخوار قبل النكب

حسبي الهي من عليم حسبي

مع ان أكثر ذلك هو في الرجز المنسوب الى عبيد الله ، والله أعلم (منه).

١٠٦

فقاتلوا حتى قتلوا في مكان واحد.

وحمل عمرو بن الحجاج على ميمنة اصحاب الحسين عليه‌السلام فيمن كان معه من أهل الكوفة ، فلما دنا من اصحاب الحسين عليه‌السلام جثوا له على الركب وأشرعوا الرماح نحوهم فلم تقدم خيلهم على الرماح فذهبت الخيل ترجع ، فرشقهم أصحاب الحسين عليه‌السلام بالنبل فصرعوا منهم رجالا وجرحوا آخرين.

وجاء رجل من بني تميم يقال له عبد الله بن حوزة فقال : يا حسين أبشر بالنا ، فقال له الحسين عليه‌السلام : كذبت بل اقدم على رب رحيم وشفيع مطاع ، ثم رفع الحسين عليه‌السلام يديه فقال : اللهم حزه (جره خ ل) الى النار ، فاضطرب به فرسه في جدول فوقع وتعلقت رجله اليسرى بالركاب وارتفعت اليمنى ، فشد عليه مسلم بن عوسجة فضرب رجله اليمنى فطارت وعدا به فرسه يضرب رأسه بكل حجر ومدر حتى مات وعجل الله بروحه الى النار.

وكان مسروق بن وائل الحضرمي قد خرج مع ابن سعد وقال : لعلي اصيب رأس الحسين فأصيب به منزلة عند ابن زياد ، فلما رأى ما صنع بابن حوزة بدعاء الحسين عليه‌السلام رجع وقال : لقد رأيت من أهل هذا البيت شيئا لا أقاتلهم أبدا.

ونشب القتال فخرج برير بن خضير الهمداني وكان زاهدا عابدا ، وكان اقرأ أهل زمانه وكان يقال له سيد القراء وهو يقول :

انا برير وابي خضير

لا خير فيمن ليس فيه خير

وجعل يحمل على القوم وهو يقول : اقتربوا مني يا قتلة المؤمنين ، اقتربوا مني يا قتلة اولاد البدريين ، اقتربوا مني يا قتلة اولاد رسول رب

١٠٧

العالمين وذريته الباقين ، فخرج اليه يزيد بن معقل فقال لبرير : هل تذكر وأنت تقول : ان فلانا كان على نفسه مسرفا وان معاوية ضال مضل وان امام الهدى والحق علي بن أبي طالب ، فقال له برير : اشهد ان هذا رأيي وقولي ، فقال يزيد : اشهد انك من الضالين ، فقال له برير : هلم اباهلك ولندع الله ان يلعن الكاذب منا وان يقتل المحق منا المبطل ، فتباهلا ثم تبارزا فاختلفا ضربتين ، فضرب يزيد بريرا ضربة خفيفة فلم يضره شيئا وضربه برير ضربة قدت المغفر ووصلت الى دماغه فسقط والسيف في رأسه ، فحمل عليه رضي بن منقذ العبدي فاعتنق بريرا واعتركا ساعة ، ثم ان بريرا رمى به الى الأرض وقعد على صدره ، فحمل كعب بن جابر الأزدي على برير وطعنه بالرمح في ظهره ، فنزل برير عن ابن منقذ بعد ان عض انفه فقطعه ، وأقبل اليه كعب بن جابر فضربه بسيفه حتى قتله رضوان الله عليه ، فلما رجع كعب بن جابر قالت له امرأته ، أعنت على ابن فاطمة وقتلت بريرا سيد القراء لا اكلمك ابدا وقيل ان الذي قتل بريرا رجل يقال له بحير بن اوس الضبي ، فلما قتله جعل يقول : وقيل بل قالها كعب بن جابر :

سلي تخبري عني وأنت ذميمة

غداة حسين والرماح شوارع

ألم آت اقصى ما كرهت ولم يخل

غداة الوغى والروع ما انا صانع

معي يزنّي لم تخنه كعوبه

وأبيض مشحوذ الغرارين قاطع

فجردته في عصبة ليس دينهم

كديني واني بعد ذاك (١) القانع

ولم ترعيني مثلهم في زمانهم

ولا قبلهم في الناس اذ أنا يافع

أشد قراعا بالسيوف لدى الوغى

الا كل من يحمي الذمار مقارع

وقد صبروا للطعن والضرب حسّرا

وقد جالدوا لو ان ذلك نافع

__________________

(١) (بابن حرب خ ل).

١٠٨

فابلغ عبيد الله اذ ما لقيته

باني مطيع للخليفة سامع

قتلت بريرا ثم جلت بهمة

غداة الوغى لما دعا من يقارع

(قتلت بريرا ثم حملت نعمة

ابا منقذ لما دعا من يماصع خ ل)

ثم ذكر له بعد ذلك ان بريرا كان من عباد الله الصالحين ، وجاءه ابن عم له وقال : ويحك يا بحير قتلت بريرا بن خضير فبأي وجه تلقى ربك غدا فندم الشقي ، وقيل ان رضي بن منقذ اجاب كعب بن جابر فقال :

فلو شاء ربي ما شهدت قتالهم

ولا جعل النعماء عندي ابن جابر

لقد كان ذا عارا علي وسبة

يعيرها الأبناء عند المعاشر

فيا ليت اني كنت في الرحم حيضة

ويوم حسين كنت ضمن المقابر

فيا سوأتا ماذا أقول لخالقي

وما حجتي يوم الحساب القماطر

ثم برز وهب بن حباب الكلبي (١) ويقال انه كان نصرانيا فأسلم على يدي الحسين عليه‌السلام وكانت معه أمه وزوجته ، فقالت أمه : قم يا بني فانصر ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : افعل يا أماه ولا أقصر ، فبرز وهو يقول :

ان تنكروني فأنا ابن الكلبي

سوف تروني وترون ضربي

وحملتي وصولتي في الحرب

ادرك ثأري بعد ثأر صحبي

وادفع الكرب امام الكرب

ليس جهادي في الوغى باللعب

ثم حمل ولم يزل يقاتل حتى قتل جماعة ثم رجع الى امرأته وأمه وقال : يا أماه أرضيت ، فقالت : ما رضيت حتى تقتل بين يدي الحسين عليه‌السلام ، فقالت امرأته : بالله عليك لا تفجعني بنفسك ، فقالت له أمه يا بني اعزب عن قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيك تنل شفاعة جده يوم القيامة ، فرجع فلم يزل يقاتل حتى قطعت يداه ، وأخذت امرأته عمودا

__________________

(١) قد عرفت ان الظاهر وقوع خلط من المؤرخين بين قصة الكلبي هذا وعبيد الله الكلبي المتقدم قاتل يسار وسالم فراجع (منه).

١٠٩

وأقبلت نحوه وهي تقول : فداك ابي وأمي قاتل دون الطيبين حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأقبل كي يردها الى النساء فأخذت بجانب ثوبه وقالت : لن أعود دون أن أموت معك ، فقال الحسين عليه‌السلام : جزيتم من أهل بيت خيرا ارجعي الى النساء رحمك الله فانصرفت اليهن ، ولم يزل الكلبي يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.

وقال الحر للحسين عليه‌السلام : فاذا كنت أول من خرج عليك فأذن لي ان أكون أول قتيل بين يديك (١) لعلي أكون ممن يصافح جدك محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غدا في القيامة فحمل على اصحاب عمر بن سعد وهو يتمثل بقول عنترة :

ما زلت أرميهم بغرة وجهه

ولبانه (٢) حتى تسربل بالدم

ثم جعل يرتجز ويقول :

اني انا الحر ومأوى الضيف

أضرب في أعناقكم (٣) بالسيف

عن خير من حل بأرض الخيف

أضربكم ولا أرى من حيف

وروي انه كان يرتجز أيضا ويقول :

آليت لا أقتل حتى أقتلا

ولن أصاب اليوم الا مقبلا

أضربهم بالسيف ضربا معضلا (٤)

لا ناكلا عنهم ولا معلللا (٥)

لا عاجزا عنهم ولا مبدلا

احمي الحسين الماجد المؤملا

__________________

(١) لا يخفى ان مقتضى بعض الروايات انه قتل جماعة قبل الحر وهو المستفاد من تاريخ ابن الأثير ، فلذلك حمل على ان المراد اول قتيل من المبارزين ، ويمكن كون الحر أول المقتولين وعدم صحة ما دل على خلاف ذلك ، كما لعله يفهم من تاريخ المفيد فانه لم يذكر أن أحدا تقدم الحر في القتل سوى ان ابن عوسجة صرع قبله (منه).

(٢) اللبان : الصدر (منه).

(٣) اعراضكم خ ل.

(٤) مقصلا خ ل.

(٥) مهللا خ ل.

١١٠

وقاتل قتالا شديدا فروي انه لما لحق بالحسين عليه‌السلام قال رجل من بني تميم من بني الحرث يقال له يزيد بن سفيان : اما والله لو لحقته لا تبعته السنان ، فبينما الحر يقاتل وان فرسه لمضروب على اذنيه وحاجبيه وان الدماء لتسيل اذ قال الحصين : يا يزيد هذا الحر الذي كنت تتمناه ، قال :

نعم ، فما لبث الحر ان قتله وقتل اربعين فارسا وراجلا حتى عقر فرسه ، فقاتلهم راجلا قتالا شديدا وهو يقول :

ان تعقروا بي فأنا ابن الحر

أشجع من ذي لبد هزبر

وفي رواية انه كان يرتجز ويقول :

اني انا الحر ونجل الحر

أشجع من ذي لبد هزبر

ولست بالجبان عند الكر

لكنني الوقاف عند الفر

وجعل يضربهم بسيفه حتى قتل نيفا وأربعين رجلا ، وفي رواية ثمانية عشر رجلا ، وكان يحمل هو وزهير بن القين فاذا حمل احدهما وغاص فيهم حمل الآخر حتى يخلصه ففعلا ذلك ساعة ، وفي ذلك يقول عبيد الله بن عمرو البدائي من بني البداء وهم من كندة :

سعيد بن عبد الله لا تنسينه

ولا الحر اذ آسى زهيرا على قسر

ثم حملت الرجالة على الحر وتكاثروا عليه ، فاشترك في قتله أيوب ابن مسرح ورجل آخر من فرسان أهل الكوفة ، فاحتمله أصحاب الحسين عليه‌السلام حتى وضعوه بين يدي الحسين عليه‌السلام وبه رمق ، فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول : انت الحر كما سمتك أمك حر في الدنيا والآخرة وروي انه أتاه الحسين عليه‌السلام ودمه يشخب ، فقال : بخ بخ لك يا حر أنت حر كما سميت في الدنيا والآخرة.

١١١

وخرج من اصحاب الحسين عليه‌السلام نافع بن هلال البجلي وقيل هلال بن نافع ، فقاتل قتالا شديدا وجعل يقول :

انا ابن هلال البجلي

انا على دين علي

ودينه دين النبي

فبرز اليه رجل من بني فظيعة يقال له مزاحم (واجم خ ل) بن حريث ، فحمل عليه نافع فقتله ، وكان قد كتب اسمه على فوق (١) نبله وكانت مسمومة ، فقتل بها اثني عشر او ثلاثة عشر رجلا سوى من جرح ، فجعل يقول :

أرمي بها معلمة أفواقها

والنفس لا ينفعها اشفاقها

مسمومة تجري بها اخفاقها

ليملأن أرضها رشاقها

فلم يزل يرميهم حتى فنيت سهامه ، ثم ضرب يده الى سيفه فاستله وجعل يقول :

انا الغلام اليمني البجلي

ديني على دين حسين وعلي

ان أقتل اليوم فهذا أملي

فذاك رأيي والاقي عملي

فكسروا عضديه واخذ اسيرا ، فأخذه شمر واتى به الى ابن سعد ، فقال له ابن سعد : ويحك يا نافع ما حملك على ما صنعت بنفسك ، قال ان ربي يعلم ما أردت والدماء تسيل على وجهه ولحيته وهو يقول : لقد قتلت منكم اثني عشر رجلا سوى من جرحت ولو بقيت لي عضد وساعد ما أسرتموتي ، فانتضى شمر سيفه ليقتله ، فقال له نافع : والله لو كنت من المسلمين لعظم عليك ان تلقى الله بدمائنا ، فالحمد لله الذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه ، فقتله شمر.

__________________

(١) الفوق بالضم موضع الوتر من السهم والجمع أفواق (منه).

١١٢

وخرج عمرو بن قرطة الأنصاري فاستأذن الحسين عليه‌السلام فأذن له ، فبرز وهو يرتجز ويقول :

قد علمت كتيبة الأنصار

اني سأحمي حوزة الذمار

ضرب غلام غير نكس شاري (١)

دون حسين مهجتي وداري (٢)

فقاتل قتال المشتاقين الى الجزاء وبالغ في خدمة سلطان السماء حتى قتل جمعا كثيرا من حزب ابن زياد وجمع بين سداد وجهاد ، وكان لا يأتي الى الحسين عليه‌السلام سهم الا اتقاه بيده ولا سيف الا تلقاه بمهجته فلم يكن يصل الى الحسين عليه‌السلام سوء حتى أثخن بالجراح ، فالتفت الى الحسين عليه‌السلام وقال : يا ابن رسول الله أوفيت؟ قال : نعم انت امامي في الجنة فاقرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عني السلام وأعلمه اني في الأثر ، فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه. وكان له أخ مع عمر بن سعد ، فقال للحسين عليه‌السلام : أضللت أخي وغررته حتى قتلته ، فقال الحسين عليه‌السلام : ان الله لم يضل أخاك بل هداه وأضلك ، قال : قتلني الله ان لم أقتلك او أموت دونك فحمل ، واعترضه نافع بن هلال المرادي فطعنه نافع فصرعه ، فحمل أصحابه فاستنقذوه.

وبرز جون مولى ابي ذر الغفاري وكان عبدا أسود ، فقال له الحسين عليه‌السلام : انت في اذن مني فانما تبعتنا للعافية فلا تبتل بطريقتنا ، فقال : يا ابن رسول الله انا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم ، والله ان ريحي لنتن وان حسبي للئيم وان لوني لأسود فتنفس علي بالجنة فيطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيض وجهي ، لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم ، ثم برز وهو يقول :

__________________

(١) ليس بالفرار خ ل.

(٢) قال ابن نما عليه الرحمة : قوله وداري اشار الى عمر بن سعد لما التمس منه الحسين عليه‌السلام المهادنة فقال : تهدم داري اه ، وهو استنباط حسن (منه).

١١٣

كيف ترى الكفار ضرب الأسود

بالسيف ضربا عن بني محمد

اذب عنهم باللسان واليد

أرجو به الجنة يوم المورد

ثم قاتل حتى قتل فوقف عليه‌السلام فقال : اللهم بيض وجهه وطيب ريحه وأحشره مع الأبرار وعرف بينه وبين محمد وآل محمد وعن الباقر عليه‌السلام ان الناس كانوا يحضرون المعركة ويدفنون القتلى ، فوجدوا جونا بعد عشرة أيام تفوح منه رائحة المسك.

وبرز عمرو بن خالد الصيداوي فقال للحسين عليه‌السلام : يا أبا عبد الله قد هممت ان الحق بأصحابي وكرهت ان أتخلف وأراك وحيدا من أهلك قتيلا ، فقال له الحسين عليه‌السلام : تقدم فانا لاحقون بك عن ساعة ، فتقدم فقاتل حتى قتل.

وجاء حنظلة بن سعد (أسعد خ ل) الشبامي (١) فوقف بين يدي الحسين عليه‌السلام يقيه السهام والرماح والسيوف بوجهه ونحره ، فما أحقه بقول عرقلة بن حسان الدمشقي :

ويرد صدر السمهري بصدره

ماذا يؤثر ذابل في يذبل

وكأنه والمشرفي بكفه

بحر يكر على الكماة بجدول

وأخذ ينادي يا قوم اني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب ، مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد ، يا قوم اني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ، يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم الله بعذاب وقد خاب من افترى ، فقال له الحسين عليه‌السلام يا ابن سعد (أسعد خ ل) رحمك الله انهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم اليه من الحق ونهضوا اليك يشتمونك

__________________

(١) نسبة الى شبام بالشين المعجمة المكسورة والباء الموحدة بطن من همدان (منه).

١١٤

واصحابك ، فكيف بهم الآن وقد قتلوا اخوانك الصالحين ، قال : صدقت جعلت فداك أفلا نروح الى ربنا ونلحق باخواننا؟ قال : بلى رح الى ما هو لك خير من الدنيا وما فيها والى ملك لا يبلى ، فقال : السلام عليك يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليك وعلى أهل بيتك وجمع بيننا وبينك في الجنة ، فقال الحسين عليه‌السلام : آمين آمين ، وتقدم فقاتل قتالا شديدا فحملوا عليه فقتلوه.

وبرز مسلم بن عوسجة وهو يرتجز ويقول :

ان تسألوا عني فاني ذو لبد

من فرع قوم من ذرى بني أسد

فمن بغانا حائد عن الرشد

وكافر بدين جبار صمد

فقاتل قتالا شديدا :

وصاح عمرو بن الحجاج بالناس يا حمقاء أتدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان أهل المصر وأهل البصائر وقوما مستميتين لا يبرز اليهم منكم أحد ، والله لو لم ترموهم الا بالحجارة لقتلتموهم ، فقال ابن سعد : صدقت ، ثم أرسل الى الناس من يعزم عليهم ان لا يبارز رجل منكم رجلا منهم وصاح عمرو بن الحجاج يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم لا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف الامام ، فسمعه الحسين عليه‌السلام فقال : يا عمرو أعليّ ، تحرض الناس ، انحن مرقنا من الدين ام أنتم ، والله لتعلمن لو قبضت أرواحكم ومتم على أعمالكم اينا المارق.

ثم حمل عمرو بن الحجاج في أصحابه على الحسين عليه‌السلام من نحو الفرات فاضطربوا ساعة ، فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي رحمة الله عليه وبقي به رمق ، وانصرف عمرو بن الحجاج وأصحابه وانقطعت الغبرة فاذا مسلم صريع ، فمشى اليه الحسين عليه‌السلام ومعه حبيب بن مظاهر ، فقال الحسين عليه‌السلام : رحمك الله يا مسلم فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر

١١٥

وما بدلوا تبديلا ، ودنا منه حبيب فقال : عز علي مصرعك يا مسلم أبشر بالجنة ، فقال له مسلم قولا ضعيفا : بشرك الله بخير ، ثم قال له حبيب : لو لا اني اعلم اني في الأثر من ساعتي هذه لأحببت أن توصيني بكل ما أهمك ، فقال له مسلم : فاني أوصيك بهذا وأشار الى الحسين عليه‌السلام فقاتل دونه حتى تموت ، فقال له حبيب : لأنعمنك عينا ثم مات رضوان الله عليه ، وصاحت جارية له يا سيداه يا ابن عوسجاه ، فنادى أصحاب ابن سعد مستبشرين قتلنا مسلما بن عوسجة ، فقال شبث بن ربعي : ثكلتكم أمهاتكم اما أنكم تقتلون أنفسكم بأيديكم وتذلون أنفسكم لغيركم ، أتفرحون بقتل مسلم بن عوسجة ، اما والذي أسلمت له لرب موقف له في المسلمين كريم ، لقد رأيته يوم اذربيجان قتل ستة من المشركين قبل ان تلتئم خيول المسلمين.

ثم تراجع القوم الى الحسين عليه‌السلام ، فحمل شمر في الميسرة على ميسرة أصحاب الحسين عليه‌السلام فثبتوا له وطاعنوه وحملوا على الحسين عليه‌السلام وأصحابه من كل جانب ، وقاتلهم أصحاب الحسين عليه‌السلام قتالا شديدا ، فأخذت خيلهم تحمل وانما هي اثنان وثلاثون فارسا ، فلا تحمل على جانب من خيل الكوفة الا كشفته ، فلما رأى ذلك عروة (عزرة خ ل) بن قيس وهو على خيل أهل الكوفة بعث الى ابن سعد ، اما ترى ما تلقى خيلي هذا اليوم من هذه العدة اليسيرة ابعث اليهم الرجال والرماة.

وقاتل أصحاب الحسين عليه‌السلام القوم أشد قتال خلقه الله حتى انتصف النهار فبعث ابن سعد الحصين بن نمير في خمسمائة من الرماة فاقتتلوا حتى دنوا من الحسين عليه‌السلام وأصحابه ، فلما رأوا صبر أصحاب الحسين عليه‌السلام تقدم الحصين الى أصحابه ان يرشقوا أصحاب الحسين عليه‌السلام بالنبل فرشقوهم ، فلم يلبثوا ان عقروا خيولهم وجرحوا الرجال وبقي الحسين عليه‌السلام وليس معه فارس واشتد القتال بينهم فقاتلوهم أشد قتال

١١٦

خلقه الله ولم يقدروا ان يأتوهم الا من جانب واحد لاجتماع أبيتهم وتقارب بعضها من بعض ، فأرسل عمر بن سعد الرجال ليقوضوها عن ايمانهم وشمائلهم ليحيطوا بهم ، وأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين عليه‌السلام يتخللون البيوت فيقتلون الرجل وهو يقوض وينهب فيرمونه عن قريب فيصرعونه فيقتلونه ، فقال ابن سعد : احرقوها بالنار فأحرقت ، فقال لهم الحسين عليه‌السلام : دعوهم يحرقوها فانهم اذا فعلوا ذلك لم يجوزوا اليكم فكان كما قال.

وقيل ان شمرا حمل حتى بلغ فسطاط الحسين عليه‌السلام فطعنه بالرمح ونادى علي بالنار حتى أحرق هذا البيت على أهله ، فصاحت النساء وخرجن ، وصاح به الحسين عليه‌السلام أنت تحرق بيتي على أهلي أحرقك الله بالنار ، فقال حميد بن مسلم : أتقتل الولدان والنساء والله ان في قتل الرجال لما يرضى به أميرك فلم يقبل ، فأتاه شبث بن ربعي فقال : أفزعنا النساء ثكلتك أمك فاستحيا وانصرف. وحمل شمر بن ذي الجوشن في أصحابه على أصحاب الحسين عليه‌السلام ، فحمل عليهم زهير بن القين في عشرة رجال من أصحاب الحسين عليه‌السلام ، فكشفوهم عن البيوت وقتلوا ابا عذرة (عزرة خ ل) الضبابي من أصحاب شمر ، وعطف عليهم شمر فقتل منهم ورد الباقين الى مواضعهم.

وكان يقتل من أصحاب الحسين عليه‌السلام الواحد والاثنان فيبين ذلك فيهم لقلتهم ، ويقتل من أصحاب ابن سعد العشرة فلا يبين ذلك فيهم لكثرتهم.

وقتل ابو ثمامة الصائدي ابن عم له كان عدوه ، وحضر وقت صلاة الظهر فقال ابو ثمامة الصيداوي للحسين عليه‌السلام : يا أبا عبد الله نفسي لنفسك الفداء هؤلاء اقتربوا منك ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك وأحب ان ألقى الله

١١٧

ربي وقد صليت هذه الصلاة ، فرفع الحسين عليه‌السلام رأسه الى السماء وقال : ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين نعم هذا أول وقتها ، ثم قال : سلوهم ان يكفوا عنا حتى نصلي ففعلوا ، فقال لهم الحصين بن نمير : انها لا تقبل ، فقال له حبيب بن مظاهر : زعمت لا تقبل الصلاة من آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنصارهم وتقبل منك يا خمار ، فحمل عليه الحصين وحمل عليه حبيب ، فضرب حبيب وجه فرسه بالسيف فشب به الفرس ووقع عنه الحصين فاستنقذه اصحابه وشدوا على حبيب فقتل رجلا منهم وقال الحسين عليه‌السلام لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي : تقدما امامي حتى اصلي الظهر ، فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتى صلى بهم صلاة الخوف ، فوصل الى الحسين عليه‌السلام سهم فتقدم سعيد بن عبد الله ووقف يقيه من النبال بنفسه ما زال ولا تخطى ، فما زال يرمى بالنبل حتى سقط الى الأرض وهو يقول : اللهم العنهم لعن عاد وثمود اللهم ابلغ نبيك عني السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح فاني أردت ثوابك في نصر ذرية نبيك ، وفي رواية انه قال : اللهم لا يعجزك شيء تريده فابلغ محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصرتي ودفعي عن الحسين عليه‌السلام وارزقني مرافقته في دار الخلود ، ثم قضى نحبه رضوان الله عليه ، فوجد فيه ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح وقيل صلى الحسين عليه‌السلام وأصحابه فرادى بالايماء.

وتقدم سويد بن عمرو بن ابي المطاع وكان شريفا كثير الصلاة ، ثم جعل يرتجز ويقول:

أقدم حسين اليوم تلقى أحمدا

وشيخك الحبر عليا ذا الندى

وحسنا كالبدر وافى الأسعدا

وعمك القرم الهمام الأرشدا

حمزة ليث الله يدعى أسدا

وذا الجناحين تبوأ مقعدا

في جنة الفردوس يعلو صعدا

١١٨

فقاتل قتال الأسد الباسل وبالغ في الصبر على الخطب النازل حتى سقط بين القتلى وقد أثخن بالجراح ، فلم يزل كذلك وليس به حراك حتى سمعهم يقولون قتل الحسين عليه‌السلام ، فتحامل وأخرج سكينا من خفه وجعل يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه ، فكان آخر من بقي من أصحاب الحسين عليه‌السلام.

وخرج زهير بن القين وهو يرتجز ويقول :

انا زهير وانا ابن القين

اذودكم (١) بالسيف عن حسين

ان حسينا احد السبطين

من عترة البر التقي الزين

ذاك رسول الله غير المين

أضربكم ولا أرى من شين

يا ليت نفسي قسمت قسمين

ثم قال مخاطبا للحسين عليه‌السلام (٢)

أقدم هديت هاديا مهديا

اليوم تلقى جدك النبيا

وذا الجناحين الفتى الكميا

وأسد الله الشهيد الحيا

وحسنا والمرتضى عليا

فقاتل قتالا شديدا حتى قتل على رواية تسعة عشر رجلا وعلى رواية أخرى مائة وعشرين رجلا ، فشد عليه كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن اوس التميمي فقتلاه ، فقال الحسين عليه‌السلام حين صرع زهير : لا يبعدك الله يا زهير ولعن قاتلك ، لعن الذين مسخوا قردة وخنازير.

وجاء عابس بن شبيب (ابي شبيب خ ل) الشاكري ومعه شوذب مولى

__________________

(١) أردكم خ ل.

(٢) سيأتي نسبة أبيات تشبه هذه الأبيات مع بعض التغيير الى الحجاج بن مسروق (منه).

١١٩

بني شاكر ، فقال : يا شوذب ما في نفسك ان تصنع؟ قال : ما أصنع أقاتل معك دون ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أقتل ، قال : ذلك الظن بك ، فتقدم بين يدي ابي عبد الله حتى يحتسبك كما احتسب غيرك وحتى أحتسبك انا فان هذا يوم ينبغي لنا ان نطلب فيه الأجر بكل ما نقدر عليه فانه لا عمل بعد اليوم وانما هو الحساب ، وتقدم شوذب فقال : السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته استودعك الله ، ثم قاتل حتى قتل ، وتقدم عابس فقال : يا أبا عبد الله اما والله ما أمسى على وجه الأرض قريب ولا بعيد أعز علي ولا أحب إلي منك ، ولو قدرت على ان أدفع عنك الضيم او القتل بشيء أعز من نفسي ودمي لفعلت ، السلام عليك يا أبا عبد الله أشهد الله اني على هداك وهدى أبيك ، ثم مضى بالسيف مصلتا نحوهم وبه ضربة على جبينه ، قال ربيع بن تميم الحارثي : فلما رأيته مقبلا عرفته وقد كنت شاهدته في المغازي وكان أشجع الناس ، فقلت : أيها الناس هذا الأسد الأسود هذا ابن شبيب (ابي شبيب خ ل) القوي لا يخرجن اليه أحد منكم أرموه بالحجارة فرموه حتى قتل ، وفي رواية انه أخذ ينادي الا رجل لرجل فتحاماه الناس لشجاعته ، فقال لهم ابن سعد : ارضخوه بالحجارة فرموه بالحجارة من كل جانب ، فلما رأى ذلك القى درعه ومغفرة وشد على الناس فهزمهم بين يديه ، قال الرواي : فو الله لقد رأيته يطرد أكثر من مائتين من الناس ، ثم أحاطوا به من كل جانب فقتلوه ، فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدة كل يقول : انا قتلته ، فقال ابن سعد : لا تختصموا هذا لم يقتله انسان واحد حتى فرق بينهم بهذا القول.

وبرز حبيب بن مظاهر الأسدي وهو يقول :

انا حبيب وابي مظاهر

فارس هيجاء وحرب تسعر

أنتم أعد عدة وأكثر

ونحن أعلى حجة وأظهر

وأنتم عند الوفاء أغدر

ونحن أوفى منكم وأصبر

١٢٠