عماد الدين بن محمد الطبري [ الكيا الهرّاسي ]
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٢
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة النهل
قوله تعالى : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ) ، الآية / ٥.
قال ابن عباس : الدفء اللباس.
وقال الحسن : الدفء ما استدفئ به من أصوافها ، وأوبارها وأشعارها.
واستدل به قوم على جواز الانتفاع بها في حالة حياة الحيوان وموته.
وليس ذلك بصحيح ، فإنه تعالى قال : (لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ ، وَمِنْها تَأْكُلُونَ).
فبين أن منها ما أكلنا (١) ، فدل ذلك على إباحة هذه الثلاثة بشرط الزكاة (٢).
ثم بين تعالى بقوله : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) ، الآية / ٨ ، عظيم منة علينا.
__________________
(١) في نسخة : مأكلنا.
(٢) أي الذبح وذكر أسم الله عليها.
وذكر ذاكرون من أصحاب أبي حنيفة ، أن في الآية دليل على تحريم لحومها ، فيقولون :
في الأنعام ذكر الله تعالى في الكتاب ، أنها للأكل ، وفي البغال والحمير أنها للركوب والزينة ، وذكروا في تحقيق ذلك أن الله تعالى ذكر في الأنعام منافع الركوب ، وحمل الأثقال إلى البلاد ، وذكر الجمال بها حين تريحون وحين تسرحون ، فنبه على المنافع الأصلية ، والنادرة ، كالأكل والركوب على الأنعام ، فلو كانت الخيل مأكولة لذكره.
ويجاب عنه ، بأن الله تعالى لم يذكر ذلك ، لأنه لا يعد للأكل عرفا ، وإنما يؤكل إذا أصابته زمانه ، ونقصت قيمته ، فلم يذكر الأكل بما فيه من نقصان وخسران. بخلاف الأنعام التي منها الأكل ، وأن حمل الأثقال عليها هو المقصود.
قوله تعالى : (وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) ، الآية / ١٤.
يحتج به أبو يوسف (١) ومحمد والشافعي ، فيمن حلف لا يلبس حليا فلبس لؤلؤا ، أنه يحنث لتسمية الله تعالى إياه حليا (٢).
وأبو حنيفة لا يرى ذلك ، لأن الحلي إذا أطلق لا يفهم منه اللؤلؤ ، وذلك مكابرة منه.
قوله تعالى : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ) ، الآية / ٦٧.
يدل على أن ذلك من الآيات التي يجب الإعتبار بها ، لأنه عطف على ما تقدم.
__________________
(١) من أصحاب الامام أبي حنيفة رضي الله عنهم أجمعين
(٢) أنظر السيوطي في الإكليل.
وفيه بيان عظيم نعم الله تعالى لهذين الجنسين ، والأمر ظاهر في مزيتهما ، لكثرة وجوه الانتفاع بهما ، بخلاف سائر الثمرات ، فلذلك خصهما بالذكر.
فأمّا السكر ففيه أقوال :
قال الحسن : هو المسكر من الشراب.
وقال الأصم : أن السّكر ، كل ما حرمه الله تعالى من ثمرهما ، والرزق الحسن ما أحله الله.
وقال الحسن : هو الشراب المستلذ وإن لم يسكر ، والرزق الحسن : الرطب والعنب وما يتفرع عنهما.
والأقرب إلى الظاهر ، هو ما يتخذ من الرطب والعنب ، وما يتخذ من التين غيره ، ويدخل فيما يتخذ منها السكر ، وهو الشراب الذي يسكر ، لأن ذلك هو مقتضى الآية ، ويدخل في قوله رزقا حسنا ، ما يتخذ منهما من خل وزبيب وغيره ، مما يؤكل في الطعام الطيب وكل ذلك نعمة منه.
والأقرب أن تحريم الخمر بعد ذلك.
ووجب الاعتبار بثمرات النخيل والأعناب ، فأظهر ما ذكره في اللبن في قوله : (مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً)(١) ، لأن ظهور الرطب والعنب من ذلك الرطب اليابس على اختلاف طعومهما ، وذلك من أدل الدلائل على توحيد الله تعالى ، ولذلك قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(٢) ، الآية / ٦.
__________________
(١) سورة النحل آية ٦٦.
(٢) أنظر محاسن التأويل.
قوله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) الآية / ٧٥.
ذكر إسماعيل بن اسحق ، أن المراد به عبد نفسه ، وليس المراد عبدا للعباد ، ويجوز أن يكون عبد الله.
وهذا بعيد ، والظاهر أنه أي عبد كان.
واحتج به قوم في أنه لا يملك بالتمليك ، فإنه لو ملك لقدر على شيء ، وقد قال تعالى : (لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ).
ويمكن أن يجاب عنه ، أن المراد به أنه إذا تصرف لا يمكنه أن يتصرف إلا بإذن غيره ، كما يقال ذلك فيمن لا يملك أصلا ، وإلا فهذا اللفظ لا يدل على نفي ملك الطلاق ، ونفي ملك النكاح ، فهذا ما يدل عليه الظاهر دون ما سواه ، ولذلك عقبه بقوله : (وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ) ، فأبان بذلك أن نقيض هذا المعنى في العبد ، عدم استقلاله بالإنفاق سرا وجهرا.
وقال الأصم : المراد به ، المملوك الذي ربما يكون أشد من مولاه (١) أسرا وأنضر وجها ، وهو لسيده ذليل لا يقدر إلا على ما أذن له فيه ، فقال الله تعالى ضربا للمثل : فإذا كان هذا شأنكم وشأن عبيدكم ، فكيف جعلتم أحجارا أمواتا شركاء لله تعالى في خلقه وعبادته ، وهي لا تسمع ولا تعقل؟ وهذا القول أولى بالظاهر ، لأن العبد المملوك لا يكون جمادا ، ولا يقال في الجماد لا يقدر على شيء ، وهو بالصفة التي معها لا يجوز أن يقدر ، فار حاجة والحالة هذه إلى صرفه عن ظاهره ، فبين تعالى أن هذا العبد إذا لم يساوي من رزقناه رزقا حسنا ، فهو ينفق منه سرا وجهرا مع اشتراكهما
__________________
(١) أنظر تفسير الدر المنثور للسيوطي.
في الحيوانية والقدرة والآلة ، فكيف يجوز التسوية بين الأصنام التي لا يتأتى منها ضرر ولا نفع ، وبين مالك الأمر والخلق.
وإسماعيل بن اسحق روى عن ابن عباس ، أن الآية واردة في رجل من قريش وعبده أسلما ، وإنه كان مولى لعثمان يكفله وينفق عليه ، ولذلك ذكر في الأبكم أنه لا يقدر على شيء كما ذكره في العبد ، ثم لا يدل ذلك على أنه لا يملك (١).
قوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) ، الآية / ٩٨.
وقد روى جبير بن مطعم عن أبيه ، قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين افتتح الصلاة قال :
«اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من همزه ونفثه ونفخه» (٢).
وروى أبو سعيد الخدري أن رسول الله كان يتعوذ في صلاته قبل القراءة.
وقال مالك : لا يتعوذ في المكتوبة قبل القراءة ، ويتعوذ في قيام رمضان إذا قرأ.
ونقل عن بعض السلف ، التعوذ بعد القراءة مطلقا ، احتجاجا بقوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ).
ولا شك في أن ظاهر ذلك ، يقتضى أن تكون الاستعاذة بعد القراءة كقوله تعالى : (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً)(٣) ،
__________________
(١) أنظر أسباب النزول للواحدي النيسابوري.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة ، والبيهقي في سننه ، عن جبير بن مطعم .. الحديث
(٣) سورة النساء آية ١٠٣.
إلا أن غيره محتمل مثل قوله : (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا)(١).
وقوله : (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ)(٢).
ليس المراد به أن يسألا من وراء حجاب بعد سؤال متقدم ، ومثله قول القائل :
فإذا قلت فأصدق وإذا أحرمت فاغتسل.
يعني فاغتسل قبل الإحرام.
والمعنى في جميع ذلك : إذا أردت ذلك ، كذلك ، والاستعاذة قبل القراءة لنفي وساوس الشيطان لعنه الله قبل القراءة.
قال الله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ)(٣).
قوله تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) ، الآية / ١٠٦.
وذلك يدل على أن حكم الردة لا يلزمه ، غير أنه إن أمكنه أن يوري فيجب عليه أن يفعل وإلا كفر ، ولو صبر حتى قتل شهيدا كان أعظم لأجره ، وذلك يدل على أنه عند الإكراه قبيح أيضا ، غير أن المشرع غفر له لما يدفع به عن نفسه من الضرر ، ولو لم يكن قبيحا في نفسه ، لوجب عليه أن يأتي به.
واستدل به أصحاب الشافعي على نفي وقوع طلاق المكره وعتاقه ،
__________________
(١) سورة الأنعام آية ١٥٢
(٢) سورة الأحزاب آية ٥٣.
(٣) سورة الحج آية ٥٢.
وكل قول حمل عليه بباطل ، نظرا لما فيه من حفظ حقه عليه ، كما امتنع الحكم بنفوذ ردته حفظا على دينه ، وإذا أكره على الزنا فلا يباح له الزنا ، ولا يباح له القتل بالإكراه ، فلو لا الرخصة أمكن في الردة مثله ، فكأن الذي يتلفظ بكلمة الردة مراده دفع الضرر ، فليس يطلق على ما يأتي به الكفر ، وما أراد الكفر لمعناه ، وإنما أراد به دفع الضرر (١).
قوله تعالى : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) ، الآية / ١٢٣.
إيجاب إتباع ملته ، وقد بينا ذلك في أصول الفقه (٢).
قوله تعالى : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) ، الآية / ١٢٦.
وذلك يدل على المماثلة في القصاص ، وعلى وجوب المثل في المثليات ، والقيم العادية في المقومات ، وقد وردت الآية في الكفار يوم أحد ، حيث مثلوا ببعض القتلى ، كحمزة بن عبد المطلب وغيره ، فأراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يمثل بسبعين من المشركين بدله ، فنزل قوله تعالى : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ) الآية ، وأبان أن الصبر أولى ، ودل به على أن للولي الحق على غيره ، وهو أن يعفو (٣).
__________________
(١) أنظر تفسير القاسمي.
(٢) أنظر تفسير القاسمي.
(٣) أنظر ابن عربي.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة الإسراء
قوله عز وجل : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) ، الآية / ١٥.
يدل على صحة قول أهل الحق في أنه لا تكليف قبل السمع ، وأنه لا وجوب قبل إرسال الرسل ، ولا يقبح ولا يحسن بالعقل ، خلافا لمن عدا أهل الحق ، في كون العقل طريقا إلى معرفة وجوب الواجبات ، وتحريم المحرمات ، وإباحة المباحات ، ثم الأكثرون منهم على أنه يجوز أن يقتصر ببعض المكلفين على دليل العقل دون السمع ، إذا كانت مصلحته فيما دل عليه العقل ، وأنه يقع في علم الله أنه ينهض بما كلفه دليل العقل ، والغرض بالشرائع المصلحة ، وإذا كان المعلوم من حال بعضهم نهوضه بالتكاليف العقلية تلقيا من دليل العقل ، لم يكن لإرسال الرسل إليهم فائدة ، وإنما يرسل الله تعالى عندهم الرسول إلى من وقع في المعلوم أن تمسك المتمسك بالشريعة داعي إلى المصلحة في التكاليف العقلية ، فيرسل الرسول إليه بأمور سمعية يعلم الله تعالى كونها داعية إلى المستحسنات العقلية ، ويحرم عليه من السمعيات ما يعلم كونه داعيا إلى المستقبحات العقلية.
فإذا لم يقع في المعلوم كون فعل من الأفعال داعيا إلى الواجب العقلي ، ولا ناهيا عن القبيح العقلي ، لم يكن للإرسال فائدة ، وليس يجب أن يعلم الله تعالى ذلك من أحوال المكلفين جملة ، وربما علم من أحوال بعضهم ، فيجب إرسال الرسول إليه ، وربما لا يعلم ذلك ، فلا يجب إرسال الرسول إليه.
وفيهم من يقول : يجب على الله تعالى إرسال الرسل ، لأن ذلك أقرب إلى مظاهرة الحجة وأقوى في معنى اللطف.
وهذا الإخفاء ببطلانه ، إذ يلزم منه إبقاء الرسول أبدا أو توالي الرسل ، لأن ذلك أقرب إلى اللطف ، ولا شك أن إبقاء إبليس في الدنيا مع أعوانه أبعد عن اللطف من توالي الرسل ، ومظاهرة الحجة بهم.
وربما قالوا : العبد لا يعرى من مصالح في دينه لا يعلمها إلا بالسمع ، كما لا يعرى عن مصالح في الدنيا لا تعلم إلا بالخبر.
وهذا تحكم ، ومن أين وجد ذلك؟
وإذا ثبت أن الأصح من قول المعتزلة المذهب الأول ، فقال للمعتزلة : فما معنى قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)؟ وعندكم يجوز في المعلوم أن ينهض العبد بالمصالح العقلية ، من غير افتقار إلى أفعال تكون لطفا في تلك المصالح وتعلم بالسمع ، وقد قال تعالى :
(وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) ، وعندكم في تلك الحال يجب أن لا يبعث رسولا ويعذب دون الرسول ، فتقدير الكلام : وما كنا نفعل ما يجب علينا فعله ، دون أن نبعث رسولا لا يجوز لنا بعثه في بعض الأحوال.
وهم اختلفوا في الجواب عن الآية ، فقال قائلون : المراد به عذاب
الاستئصال في الدنيا ، كقوله : (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً)(١).
وهذا بعيد ، فإن عذاب الاستئصال على حسب ما يقع في المعلوم كونه مصلحة ، وإن كان الاستئصال مصلحة دون ابتعاث الرسل ، وجب عندهم ذلك ، فإن عذاب الاستئصال إنما استحقه من استحقه لمخالفة التكاليف ، فإذا حصلت المخالفة قبل الرسل ، فأي معنى لترك ذلك؟ وإن لم يكونوا مستحقين ، فلا استئصال ، لا بعد الرسل ولا قبلهم ، وهذا بين حسن.
وأجابوا من وجه آخر فقالوا : وما كنا معذبين فيما طريقه السمع ، حتى نبعث رسولا ، فأما ما كان طريقه العقل فلا ، وهذا بعيد ، فإن التكاليف إذا كانت منقسمة ، وأقوى القسمين التكاليف العقلية ، والسمعية مبنية عليها ، لكونها داعية إليها ولطفا بها ، فلا يجوز أن يقول : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا.
وعندهم أنه يجب العذاب على ترك التكاليف العقلية ، فتقدير الكلام : وما كنا نفعل ما يجب علينا فعله حتى نبعث رسولا ، ولا شك أن ذلك من الله تعالى إبانة عن وجه العدل في أفعاله ، أو القهر وإنفاذ المشيئة ، وذلك عندهم على إطلاق قبيح ، وهو على أصلهم مثل قول القائل : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ، ويعني بذلك بعض السمعيات دون بعض ، مع أن ذلك وغيره بمثابة.
واستدل به المعتزلة على رد قول بعض أصحابنا في أن الله سبحانه لا يعذب أطفال المشركين ، لأنه إذا كان لا يعذب قبل إرسال الرسل ، فهؤلاء الأطفال لم يعلموا الرسل ولا لهم مكنة في معرفتهم ، فكيف يعذبون بذنوب آبائهم؟
__________________
(١) سورة القصص آية ٥٩
وهذا من المحتج به جهل ، وذلك أن الله تعالى إنما عنى بقوله : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) ، من يجوز إنفاذ الرسل إليهم ، فيعذب على ترك ما كلف ، فأما الأطفال فلا يعذبون عندنا على ترك ما كلفوا ، وإنما جعل الله تعالى ذلك العذاب حكما منه نافذا ، وقضاء ماضيا ، كما يؤلم الأطفال والبهائم في الدنيا ، فسقط ما قالوه جملة.
واستدل قوم بهذا في أن أهل الجزائر إذا سمعوا بالإسلام فآمنوا ، فلا تكليف عليهم فيما مضى ، وهذا صحيح. ومن لم تبلغه الدعوة فهو غير مستحق العذاب من جهة العقل عندنا. وهو مضمون على قائله عندنا.
ولأبي حنيفة في ذلك خلاف ، وله مأخذ فيه يستقيم على نظر الفقهاء من غير استمداد من أقوال المعتزلة ، حتى لا يتوهم متوهم أن أبا حنيفة بنى تلك المسألة على أصول المعتزلة ، فإنه بعيد منها ، وذكرنا ذلك المأخذ في مسائل الخلاف في الكتاب الذي أفردناه للروايا.
ثم أبان الله تعالى أنه إن لم يهلك القرى قبل انبعاث الرسل ، فليس لأنه يقبح ذلك منه إن فعل ، ولكنه وعيد منه ولا خلف في وعده ، فإذا أراد إهلاك قرية مع تحقيق وعده ، كان على ما قاله تعالى :
(أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً)(١).
ليعلم أن من هلك إنما هلك بإرادته ، فهو الذي يسبب الأسباب ويسوقها إلى غاياتها ، ليحق القول السابق من الله تعالى :
قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) ـ إلى قوله ـ (فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) الآية / ١٨ ، ١٩.
__________________
(١) سورة الإسراء آية ١٦.
فيه دلالة على أمور ، منها أن من يريد بما يتكلفه من الطاعات أحوال الدنيا ، أو يريد تحصيل العاجلة بغير الطاعة فهو متوعد ، مثل أن يتزهد مراءاة للناس ، أو لاعتمادهم على أقواله وائتمانهم له على أموالهم ، فهو متوعد بالنار ، وأن من يريد الله تعالى بمساعيه فله الثواب بحكم وعد الله تعالى.
قوله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) ، الآية / ٢٣.
قرن ذكر الوالدين بعبادة الله سبحانه ، فنبه به على عظيم إنعام الله تعالى المقتضي للشكر ، ونبه بعد ذلك على عظيم نعم الوالدين ، وبين إختلاف الوالدين ، ليكون بره بهما وإحسانه إليهما على قدر حاجاتهما فقال : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما)(١) ، فخص هذه الحالة بالذكر ، وهي حالة حاجتهما إلى بره لتغيير الحال عليهما بالضعف النازل والكبر ، فألزم في هذه الحالة من مراعاة أحوالهما أكثر مما ألزم من قبل ، لأنهما قد صارا في هذه الحالة كلا عليه ، فيحتاجان إلى أن يلي من أمرهما للضعف النازل منهما (٢) ، ما كان يحتاجه هو في صغره أن يليان منه ، فذلك معنى تخصيص هذه الحالة بالذكر ، ليبين ما يلزم من مزيد البر والتعاهد ، وما يتصل بخدمة وإنفاق.
ودل قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) ، على وجوب صبره عليهما حتى لا يتبرم ولا يضجر ، فإن العادة جارية في المتضجر عند الأمر أن يقول أف أو تف في الأمور ، فبين الله سبحانه تحريم هذا القدر من
__________________
(١) تابع للآية ٢٣ من سورة الإسراء.
(٢) الأصح (بهما).
التبرم على الولد عند ضعف الوالدين وحاجتهما إلى بره ، ولم يقتصر تعالى على هذا القدر في بيان حقهما حتى قال : (وَلا تَنْهَرْهُما) ، مؤكدا لما تقدم ودالا به على أن الواجب في بره لهما سلوك طريقة اللين في القول :
ثم قال : (وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) ، والكريم من القول ما يوافق مسرة النفس ، ولا ينفر عنه الطبع.
ثم أمر بمزيد التواضع فقال : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)(١) ، وهذا الكلام في أعلى مراتب الفصاحة والتعبير عن المقصود بلفظ المجاز ، لأن الذل ليس له جناح ، ولا يوصف بذلك ، ولكنه أراد المبالغة في التذلل والتواضع ، وهو كقول امرئ القيس في وصف الليل :
فقلت له لما تمطى بصلبه |
|
وأردف أعجازا وناء بكلكل |
يصف الليل المتقدم على هذا البيت في قوله :
وليل كموج البحر أرخى سدوله |
|
عليّ بأنواع الهموم ليبتلي |
وليس لليل صلب ولا إعجاز ولا كلكل فهو مجاز ، وأراد به تكامله واستواءه.
ثم بين الله تعالى أن الذي يلزمه لهما ليس مقصورا على منافع الدنيا ، بل يلزمه مع ذلك ما يمكن في باب الآخرة من الدعاء ، لأنه لا يقدر منهما على ما سواه ، فقال : (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً)(٢).
بين العلة في لزوم الدعاء لهما ، وبين أنه يلزم الولد من الدعاء للوالدين ، أكثر مما يلزمه في غيرهما.
__________________
(١) سورة الإسراء آية ٢٤.
(٢) تابع الآية ٢٤ من سورة الإسراء
قوله تعالى : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) ، الآية / ٢٦.
أبان الله تعالى أن على كل واحد منا مراعاة مراتب مستحقي الحقوق ، فبدأ بحق الله تعالى فقال : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) وقرنه بذكر الوالدين ، وعقب ذلك بقوله : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) ، وظاهر العطف أنه قريب الإنسان.
وقد قيل : عنى به قرابة رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
والأمر بالإحسان إلى الوالدين عام في جميع الناس ، وكذلك ما عطف عليه من إيتاء ذي القربى.
قوله تعالى : (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً).
والتبذير عند الشافعي إنفاق المال في غير حقه ، فلا تبذير في عمل الخير.
وقال مجاهد : لو أنفق مدا في باطل كان تبذيرا.
وقد ثبت في سورة البقرة الحجر على المبذر ، وما يتعلق به من الأحكام.
ثم أبان الله تعالى تحريم التبذير بقوله تعالى :
(إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) ، الآية / ٢٧.
ثم قال تعالى في تخصيص نبيه صلّى الله عليه وسلم :
(وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) ، الآية / ٢٨.
وهو تأديب عجيب ، وقول لطيف بديع ، فإنه تعالى قال : (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها) : أي لا تعرض عنهم إعراض مستهين عن ظهر الغنا والقدرة فتحرمهم ، وإنما يجوز له أن يعرض عنهم عند عجز يعرض ، وعند عائق يعرض ، وأنت عند ذلك ترجو من
الله فتح باب الخير لتتوصل به إلى مواساة السائل ، فإن قعد بك الحال عن المواساة (فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) ، يعمل في مسرة نفسه عمل المواساة فتقول : الله يرزق ، والله يفتح بالخير.
قوله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) ، الآية / ٢٩ :
هو مجاز عن البخل والجود ومراعاة الإقتصاد فيهما جميعا ، فقال : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) : فلا تعطي من مالك شيئا.
ولما كان العطاء في الأكثر باليد غير غل اليد عن الإمساك ، فالذي لا يعطي شيئا جعله بمنزلة من يده مغلولة إلى عنقه ، والعرب تصف البخيل بضيق اليد ، فيقولون : فلان ضيق الكفين إذا كان بخيلا ، وقصير الباع ، وفي ضده رحب الذراع طويل الباع طويل اليدين.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام لنسائه :
«أسرعكن بي لحاقا أطولكن يدا» (١).
وإنما أراد به كثرة الصدقة ، فكانت زينب بنت جحش ، لأنها كانت أكثرهن صدقة.
وقال الشاعر :
وما كان أكثرهم سواما |
|
ولكن كان أرحبهم ذراعا |
قوله تعالى : (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) ، فلا تخرج جميع ما في يدك مع حاجتك وحاجة عيالك.
(فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) ، يعني ذا حسرة على ما خرج من يدك.
__________________
(١) أخرجه مسلم بن الحجاج بسنده عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.
وهذا الخطاب لغير النبي عليه الصلاة والسلام ، فإنه صلّى الله عليه وسلّم لم يكن يدخر شيئا لغد ، وكان يجوع حتى يشد الحجر على بطنه.
وقد كان كثير من فضلاء أصحابه ينفقون في سبيل الله جميع أملاكهم ، فلم يعنفهم النبي عليه الصلاة والسلام ، ولم ينكر عليهم لصحة يقينهم وشدة بصائرهم.
وإنما نهى الله تعالى عن الأفراط في الإنفاق ، وإخراج جميع ما احتوت عليه يده من المال ، من خيف عليه الحسرة على ما خرج من يده ، فأما من وثق بموعود الله تعالى وجزيل ثوابه فيما أنفقه فغير مراد بالآية.
وقد روي أن رجلا أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، فسلم إليه مثل بيضة من ذهب ، فقال : يا رسول الله ، أصبت هذه من معدن والله ما أملك غيرها ، فأعرض عنه ، فعاد ثانيا فأعرض عنه ، فعاد ثالثا فأخذها النبي عليه الصلاة والسلام ورماه بها لو أصابته لعقرته ، وقال : «يأتيني أحدكم بجميع ما يملكه ثم يقعد ويتكفف وجوه الناس» (١).
وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه ذا مال كثير ، فأنفق جميع ماله على النبي عليه الصلاة والسلام ، وفي سبيل الله ، حتى بقي في عباءة ، فلم يعنفه النبي عليه الصلاة والسلام ولم ينكر عليه.
فكل ذلك يدل على أن ذلك ليس بمخاطبة للنبي عليه الصلاة والسلام ، وإنما خوطب به غيره مثل قوله تعالى :
(لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ)(٢).
(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ)(٣).
__________________
(١) أخرجه الامام أحمد في مسنده والبيهقي في الشطب.
(٢) سورة الزمر آية ٦٥.
(٣) سورة يونس آية ٩٤.
فاقتضت هذه الآيات من قوله : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) ، الأمر بالتوحيد ، والإحسان إلى الوالدين ، وإلى ذي القربى ، واليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل ، والنهي عن تبذير المال وإنفاقه في معصية الله تعالى ، والأمر بالاقتصاد في الإنفاق والنهي عن الإفراط.
قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) ، الآية ٣١.
وهو كلام يتضمن ذكر السبب الخارج عليه ، فإنه كان من العرب من يقتل بناته خشية الفقر ، لئلا يحتاج إلى الإنفاق عليهن ، ويتوفر ما يريد إنفاقه عليهن على نفسه وعلى بيته ، فكان ذلك شائعا فيهم وهي «الموعودة سئلت» ، والموعودة هي المدفونة حية؟ وكانوا يدفنون بناتهم أحياء.
وقال ابن مسعود : سئل النبي عليه الصلاة والسلام فقيل : «ما أعظم الذنوب؟ فقال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك ، وأن تقتل ولدك خيفة أن يأكل معك ، وأن تزني بحليلة جارك» (١).
قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً) ، الآية / ٣٢.
يدل على تحريم الزنا ، وهو الذي تعرى عن نكاح وعن شبهة نكاح.
ووصف الله تعالى نكاح امرأة الأب بما وصف الزنا به ، فقال تعالى :
(وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً)(٢).
وذلك يدل على مساواته في التحريم ، وبينا ما يعترض به عليه.
واختلف العلماء في اللواط ، وأنه هل يدخل تحت الزنا؟ والشروع فيه ليس من غرضنا (٣).
__________________
(١) أخرجه الامام أحمد في مسنده
(٢) سورة النساء آية ٢٢.
(٣) أنظر تفسير القرطبي ، وتفسير الفخر الرازي ، وتفسير الطبري لتفصيل القول في هذه المسألة.
قوله تعالى : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) الآية / ٣٣.
السلطان مجمل يحتمل : الحجة والدية والقود ، ويحتمل الجمع لا جرم ، الشافعي يخير بين القتل وغيره ، لأن الكل بالإضافة إلى اللفظ سواء.
قوله تعالى : (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ).
قال الحسن ومجاهد وسعيد بن هبير والضحاك.
لا يقتل غير قاتله ، ولا يمثل به (١) ، وذلك أن العرب كانت تتعدى إلى غير القليل من الحميم والغريب ، فلما جعل الله تعالى له سلطانا نهاه عن التعدي ، وعلى هذا المعنى قوله تعالى :
(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ)(٢).
فإن كان لبعض القبائل طول على الأخرى ، فكان إذا قتل منهم العبد لا يرضون إلا بأن يقتل الحر منهم ، وهذا في هذه الآية : (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) بأن يتعدى إلى غير القاتل.
ذكر إسماعيل بن اسحق المالكي ، في قوله : لوليه ، ما يدل على خروج المرأة عن مطلق الولي ، فلا جرم ، ليس للنساء حق القصاص ، كذلك قال ، ولا أثر لعفوها وليس لها الاستبقاء.
ولم يعلم أن المراد بالولي هاهنا الوارث ، وقد قال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ
__________________
(١) أنظر تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي.
(٢) سورة البقرة آية ١٧٨.
وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ)(١).
وقال :
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)(٢) ، الآية.
وقال تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ)(٣) :
فاقتضى ذلك إثبات القود لسائر الورثة.
احتج إسماعيل في ذلك بوجوه ركيكة منها :
أن الولي في ظاهره على التذكير وهو واحد ، ولم يعلم أن ما كان بمعنى الجنس استوى فيه المذكر والمؤنث.
ومما ذكره أن المرأة لا تستحق كل القصاص ، والقصاص لا بعض له ، فلزمه من ذلك إخراج الزوج من جملة الأولياء في القصاص ، وعلى أنه لم يمتنع أن تكون المرأة بنفسها لا تستحق ، ولكنها مع غيرها كالورثة ، واعتذر عن ذلك بأن سبب الورثة واحد ، وقد اختلف السبب هاهنا ، فلزمه ألا يثبت القصاص بين الزوج والأخ ولا الأخ من الأم.
وذكر فيما ذكر أن المقصود من القصاص تقليل القتل ، والمقصود بكثرة القتل الرجال دون النساء.
ولزم على هذا ألا يجب القصاص على المرأة بقتل الرجل ، ولا على الرجل بقتل المرأة.
قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، الآية / ٣٤.
__________________
(١) سورة التوبة آية ٧١
(٢) سورة الأنفال آية ٧٢.
(٣) سورة الأنفال آية ٧٥.