الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١٧

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١٧

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨١

للذبح. لأني دعوت ولم تجيبوا. تكلمت ولم تسمعوا وصنعتم الشر في عيني وما لم أشأ إياه آثرتم (١٢) لذلك هكذا قال السيد الرب : ها إن عبيدي يأكلون وأنتم تجوعون. عبيدي يشربون وأنتم تعطشون (١٣) عبيدي يفرحون وأنتم تحزنون. عبيدي يرنمون من طيب القلب وأنتم تصرخون من كآبة القلب وتولون من انكسار الروح (١٤) وتخلفون اسمي لمختاري ويقتلك السيد الرب ويدعو عبيده باسم آخر (١٥) فالذي يتبارك بهذا الاسم على الأرض يتبارك بآله الحق والذي يقسم به على الأرض يقسم بآله الحق لان المضايق الاولى قد نسيت وسترت عن عيني (١٦) لأني ها أنا ذا أخلق سماوات جديدة وأرضا جديدا فلا تذكر السالفة ولا تخطر على البال (١٧) بل تهللوا وابتهجوا الى الأبد بما أخلق فإني ها أنا ذا أخلق أورشليم ابتهاجا وشعبها سرورا (١٨) وابتهج باورشليم وابشر بشعبي ولا يسمع فيها من بعد صوت بكاء ولا صوت صراخ (١٩) لا يكون هناك طفل أيام ولا شيخ لم يستكمل أيامه لأن الصبي يموت وهو ابن مائة سنة والخاطئ يلعن وهو ابن مائة سنة ويبنون بيوتا ويسكنون فيها ويغرسون كروما ويأكلون ثمرها (٢١) لا يبنون ويسكن آخر ولا يغرسون ويأكل آخر لأن ايام شعبي كأيام الشجر ومختاري يتمتعون بأعمال أيديهم لا يتبعون باطلا ولا يلدون للرعب لأنهم ذرية مباركي الرب وأعقابهم معهم قبل أن يدعوا أجيب وفيما يكلمون أستجيب (٢٤) الذئب والحمل يرعيان معا والأسد كبقر يأكل التبن. أما الحية فالتراب يكون طعامها ، لا يضرون ولا يفسدون في جبل قدسي (٢٥).

هذه الانباءات هي آتية في أنباء الإسلام للدولة المهدوية حذو النعل

٦١

بالنعل والقذة بالقذة (١) ، وكما أجمل عن نبأها في آيات الإسراء ـ تأمل.

وفي (دانيال ١٢ : ١ ـ ٣) : وفي ذلك الزمان يقوم ميكائيل الرئيس العظيم القائم لبني شعبك ويكون وقت ضيق لم يكن منذ كانت أمة إلى ذلك الزمان. وفي ذلك الزمان ينجو شعبك كل من يوجد مكتوبا في الكتاب (١) وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون بعضهم للحياة الأبدية وبعضهم للعار والرذل الأبدي (٢) ويضيء العقلاء كضياء الجلد والذين جعلوا كثرين أبرارا كالكواكب الى الدهر والأبد (٣) ..

وفيها تصريحة الرجعة العامة وكما في الصادقي (عليه السلام) (٢) ثم في الآية (١٣) «وأنت اذهب الى الانقضاء وستستريح وتقوم في قرعتك الى انقضاء الأيام» وعلّها اشارة الى كونه كداود من أصحاب ألوية الإمام المهدي (عليه السلام) الثلاثمائة والثلاثة عشر رجلا.

أنباء وملاحم غيبته في الروايات الإسلامية :

من خطبة قصيرة لعلي امير المؤمنين (عليه السلام) حول مستقبل الفتن :

__________________

(١) في أحاديثنا : ينزل المهدي الى بيت المقدس ـ تخرج له الأرض أفاليذ ـ أفلاذ كبدها ـ تصطلح في مكة السباع ـ اقل الاعمار مائة سنة حتى ان الرجل ليرى مائة نسمة من نسله ـ يستأصل الفساد عن الأرض.

وهناك انتقالان من بني إسرائيل الى بني إسماعيل ـ انتقال الشريعة بمحمد (صلّى الله عليه وأله وسلّم) وانتقال الملك بالمهدي من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) «راجع رسول الإسلام في الكتب السماوية).

(٢) عنه (عليه السلام) يرجع من الأموات من محض الايمان محض من محض الكفر محضا.

٦٢

«فتن كقطع الليل المظلم ، لا تقوم لها قائمة ، ولا ترد لها راية ، تأتيكم مزمومة مرحولة ، ويحفزها قائدها ، ويجهدها راكبها ، أهلها قوم شديد كلبهم ، قليل سلبهم ، يجاهدهم في الله قوم أذلة عند المتكبرين ، في الأرض مجهولون ، وفي السماء معروفون ، فويل لك يا بصرة عند ذلك من جيش من نقم الله لا رهج له ولا حس ، وسيبتلى أهلك بالموت الأحمر والجوع الأغبر» (١).

ويروى عن جعفر بن محمد (عليه السلام) «... وأهل مدينة تسمى الزوراء. تبنى في آخر الزمان يستشفون بدمائنا ويتقربون ببغضنا يوالون في عداوتنا ويرون حربنا فرضا وقتالنا حتما» (٢).

و «لما رجع امير المؤمنين (عليه السلام) من وقعة الخوارج اجتاز بالزوراء فقال : إنها الزوراء فسيروا وجنبوا عنها فإن الخسف أسرع إليها من الوتد في النخالة» (٣).

ومن خطبة له (عليه السلام) «... لكأني انظر الى ضليل قد نعق بالشام وفحص براياته في ضواحي كوفان ، فإذا فغرت فاغرته واشتدت شكيمته ، وثقلت في الأرض وطأته ، عضت الفتنة أبناءها بأنيابها ، وماجت الحرب بأمواجها ، وبدا من الأيام كلوحها ، ومن الليالي كدوحها ، فإذا أينع زرعه وقام على ينعه ، وهدرت شقاشقه ، وبرقت بوارقه ، عقدت رايات الفتن المعضلة ، واقبلن كالليل المظلم والبحر الملتطم ، هذا ـ وكم يخرق الكوفة من قاصف ، ويمر عليها من عاصف ، وعن قليل تلتف القرون

__________________

(١) الخطبة ١٠١ من نهج البلاغة للسيد الشريف الرضي له عن علي (عليه السلام

(٢ ، ٣). ج ٢ ص ٥٦٧ سفينة البحار للمحدث القمي نقلا عن بحار الأنوار للمجلسي. له والزوراء هي بغداد.

٦٣

ويحصد القائم ويحطم المحصود» (١).

وعل القرون الثانية هي القرون الإسلامية في دولة المهدي (ع) وقبيلها ب «عبادا لنا» التي نعيشها ، فالقائم (عليه السلام) يحصد ما زرعته الصهيونية العالمية من إفساد المعمورة ، ويحطم ما حصدته ـ اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه.

وقد تروى عنه (عليه السّلام) غرة قد تنطبق على ثورتنا الإسلامية المجيدة ضد فورة العمالة الصدامية الصهيونية. في حديث سلسلة الذهب (٢) انه قال (عليه السلام): «ايها الناس سلوني قبل ان تفقدوني ، فإن بين جوانحي علما جما ، فسلوني قبل ان تشغر برجلها (٣) فتنة شرقية تطأ في خطامها (٤) ، ملعون ناعقها وموليها وقائدها وسائقها والمتحرز فيها ، فكم عندها من رافعة ذيلها يدعو بويلها دجلة أو حولها ، لا مأوى يكنها ولا أحد يرحمها ، فإذا استدار الفلك قلتم مات أو هلك ، وبأي واد سلك (٥) فعندها توقعوا الفرج وهو تأويل هذه الآية : (ثُمَّ رَدَدْنا

__________________

(١) من الخطبة ١٠٠ نهج البلاغة للسيد الرضي عن علي (عليه السلام)

(٢) تفسير نور الثقلين ٣ : ١٣٩ في تفسير العياشي عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال قال امير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته : ...

(٣) شغر الكلب برجلها ليبول بال ام لم يبل ، وشغر الرجل رجله للنكاح ـ شغرت الأرض لم يبق بها احد يحميها ويضبطها فهي شاغرة ، والشغر الإخراج والبعد ، وشغر البلد بعد من الناصر ، وارض شاغرة ، لا تمنع من غارة أحد لخلوها والتفرقة فيها ، وشغرت الناس برجلي علوت الناس.

(٤) الخطام كخطاب موضع الزمام من أنف البعير ام ما ذا.

(٥) سفينة البحار ٢ : ٧٠٢ عن عبد العظيم الحسني عن أبي جعفر (عليه السلام) عن آبائه عن امير المؤمنين (عليه السلام) قال : للقائم منا غيبة أمدها طويل كأني بالشيعة يجولون جولات النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه الا فمن ثبت منهم ـ

٦٤

لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ...) والذي فلق الحبة وبرىء النسمة ليعيش إذ ذاك ملوك ناعمين ، ولا يخرج الرجل منهم في الدنيا حتى يولد لصلبه الف ذكر ، آمنين من كل بدعة وآفة والتنزيل ، عاملين بكتاب الله وسنة رسوله ، وقد اضمحلت عليهم الآفات والشبهات».

الفتنة الشرقية

: علها او انها الفتنة الصهيونية الشرق أوسطية البادئة من إسرائيل في احتلال فلسطين والقدس ، المتعلقة بحبل من الناس النسناس شرقيا وغربيا.

ومن أذنابها العملاء الفتنة الصدامية العفلقية من بغداد وما حولها ، كما نعيشها الآن.

تشغر برجلها ـ تطأ في خطامها.

__________________

ـ على دينه لم يقس قلبه لطول أمد غيبة امامه فهو معي في درجتي يوم القيامة ...». وفيه عن أبي خالد الكابلي قال قال لي علي بن الحسين (عليه السلام) يا أبا خالد! ليأتين فتن كقطع الليل المظلم لا ينجو الا من أخذ الله ميثاقه أولئك مصابيح الهدى وينابيع العلم ينجيهم الله من كل فتنة مظلمة كأني بصاحبكم قد علا فوق نجفكم بظهر كوفان في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله وإسرافيل امامه معه راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد نشرها لا يهوي بها الى قوم الا اهلكهم الله عز وجل».

وفي نفس المصدر عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) عن آبائه قال قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): والذي بعثني بالحق بشيرا ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود اليه مني حتى يقول اكثر الناس : ما لله في آل محمد من حاجة ويشك آخرون في ولادته ، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه ولا يجعل للشيطان عليه سبيلا بشكه فيزيله عن ملتي ويخرجه من ديني فقد اخرج أبويكم من الجنة من قبل وان الله عز وجل جعل الشياطين اولياء للذين لا يؤمنون».

٦٥

فتنة شاغرة بأرض شاغرة من مفتتنين شاغرين ، وكأن أصلها إنسانة مجنونة تتخبط في مشيتها ، حيث تمشي مكبة على وجهها ، إذ ترفع هذه الإنسانة الحيوانة برجلها ، وبدل أن تطأ في أرضها تطأ في عرضها ـ في خطامها : أنفها الذي هو موضع زمامها ، فلا تتمنع من غارة أحد لأرضها لخلوها ممن يحميها والتفرقة فيها.

ترفع برجلها لتحتل أرضا او أراض أخرى ، فإذا هي بوطئها خطامها تثبت في موضعها وتحتل أرضها ويهتك عرضها ، ولأنها رفعت رجلها الى غير حقها ، متخبطة في وطئتها ، ماشية مكبة على وجهها ، فلا تطأ وتذل إلا أنفها ، فتبتلى بخماسية لعنتها :

ملعون ناعقها وموليها وقائدها وسائقها والمتحرز فيها.

كأن «ناعقها» الذي ينعق ويعربد لهذه الفتنة هو صدامها الصهيوني البعثي حيث أخذ يعربد لحرب وحشية شعواء عشواء على الجمهورية الإسلامية لصالح الصهيونية العالمية ، كأنحس ذنب عميل من أذنابها ، يرعد ويبرق ولا يحرق إلا نفسه ،

و «موليها» الذي يوليها ويتولاها كأصل لها هي نفس الصهيونية في إسرائيل ثم سواها ، حيث تتولى هذه الحرب بأرذل وأطول أذنابها في البداية ، ثم إلى أذنابها الشرقية والغربية الأخرى.

وعل «قائدها» هو الامبريالية الأمريكية حيث تقود هذه الفتنة لصالح الصهيونية ، وهي هي من عمالها الأقوياء ، ومن ثم الإمبريالية السوكيتية ام ماذا؟.

و «سائقها» الذي يسوقها هو العمالة البعثية العفلقية بناعقها «صدام» حيث تسوق هذه الفتنة الشاغرة العارمة في جنّة وتخبط

٦٦

ثم «المتحرز فيها» تحرز الحفاظ على كيانه من بأس الثورة الإسلامية وتحرز الفرار عن بأس البعث الصدامي ، علّها عديد من دويلات الخليج وأضرابها التي هي ويلات على الإسلام ، والمتحرزين فيها من شيوخ الخليج وملوكها إلا شذرا حيث يقدمون بالعدّة والعدّة ، تقوية لمطلق الكفر أمام مطلق الإسلام.

«فكم عندها من رافعة ذيلها» فتن جزئية هامشية عند الفتنة الأم ، ترفع ذيلها فرارا دون قرار لتنجوا من بأسها وبؤسها ولات حين فرار إذ : «يدعو بويلها» : الفتنة الأم وذرياتها «دجلة أو حولها» فدجلة «بغداد» عاصمة الفتنة الزوراء «أو حولها» من بلاد عراقية ثم دويلات من الخليج «يدعو بويلها» إذ ينادي بكافة وسائل النداء الإعلام مستصرخة مستغيثة قوات الكفر اجمع ف «لا مأوى يكنها ولا أحد يرحمها» حتى لا يبقى كن ولا راحم من جنود الشيطان لهذه الفتنة الا مخذولة مرذولة ، حيث (عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً) فلا تبقى لهم باقية ، فهنا لك تتم الدولة الإسلامية مسيطرة على دويلات الكفر في ويلات لها وويلات.

ثم يستدير الفلك برد الكرة عليهم فاستضعاف هذه الدولة الكريمة ردحا من الزمن ، فيجيء وعد الآخرة ليسوءوا وجوههم :

«فإذا استدار الفلك» وأصبح الياس بالشدة جارفا لحد : «قلتم مات» صاحب الأمر «أو هلك باي واد سلك» وإذا هو موجود هنا وقريب منا فكيف لا ينصرنا «فعند ذلك توقعوا الفرج» : النهائي الدائب ، بعد الفرج البدائي الذاهب ... (١).

__________________

(١) أقول : قد رويت هذه الخطبة بصورة اخرى كما في البحار ٥٢ : ٢٧٢ ج ١٦٧ ـ وباسناده عن إسحاق يرفعه الى الأصبغ بن نباتة قال سمعت امير المؤمنين (عليه السلام) يقول للناس : سلوني قبل ان تفقدوني لأني بطرق السماء اعلم من العلماء وبطرق ـ

٦٧

ويروى عن الإمام الرضا (عليه السلام) ما ـ عله ـ يشير الى هذه الفتنة «ولا بد من فتنة صماء صيلم يسقط فيها كل وليجة وبطانة وذلك بعد فقدان الشيعة الثالث من ولدي» (١) والفتنة الصدامية ـ كذنب للفتنة الصهيونية ـ هي أصم فتنة طول تاريخ الفتن حيث لا اذن لها يسمع الحق او يستمع اليه ، صماء عن كل قائل إلا قولة الصهيونية عمالة مجنونة لصالحها ، والصيلم : المستأصل الشديد ، هي الفتنة التي تنحو منحى

__________________

ـ الأرض اعلم من العالم ، انا يعسوب الدين ، أنا يعسوب المؤمنين وامام المتقين ، وديان الناس يوم الدين ـ الى قوله ـ الا ايها الناس سلوني قبل ان تفقدوني فان بين جوانحي علما جما فسلوني قبل ان تشغر برجلها فتنة شرقية وتطأ في خطامها بعد موتها وحياتها وتشب نار بالحطب الجزل من غربي الأرض. رافعة ذيلها تدعو يا ويلها لرحله ومثلها فإذا استدار الفلك قتلتم مات او هلك باي واد سلك فيومئذ تاويل هذه الآية (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ ...)

هنا تضاف شب نار بالحطب الجزل من غربي الأرض ، مساعدات حربية غربية تؤجج نيران الحرب في هذه الفتنة الشرقية تجنيدا لمطلق الكفر من شرق الأرض وغربها ضد مطلق الإسلام.

والحطب الجزل هو اليابس الغليظ العظيم منه والكثير وكأنه الاسلحة الفتاكة التي يؤتى من الغرب تقوية لهذه الفتنة الشرقية.

و «رافعة ذيلها» علها الطائرات الحربية ، وهي تدعو يا ويلها من مدفعيات جبارة من الجمهورية الاسلامية الايرانية. وفي سير الاعلام ٢ : ٢٩٧ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): اما أول الشراط الساعة فنار تخرج من المشرق فتحشر الناس الى المغرب ورواه مثله عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في مختصر التذكرة ١٣٢ ومستدرك الحاكم ٤ : ٤٥٨ وفي الأخير : تبعث نار تسوق الناس من مشارق الأرض الى مغاربها» أقول : ونرى صدق هذه الإنباتات حيث ظهرت نار وفتنة شرقية صهيونية صدامية.

(١) سفينة البحار ج ٢ ص ٧٠٣ باب ما جاء عن الرضا (عليه السلام) في ذلك يج ـ يج ٣٨ ك عن احمد بن زكريا قال قال لي الرضا (عليه السلام) اين منزلك ببغداد قلت : الكرخ ـ قال اما انه اسلّم موضع ولا بد من فتنة ...

٦٨

استئصال الحق عن بكرته. ورغم انها «صماء صيلم» يسقط فيها كلّ من لها من «وليجة» هو «المتحرز فيها» و «بطانة» هو «ناعقها وموليها وقائدها وسائقها» ثم لا تبقى الا «عبادا لنا» في دولتهم الإسلامية المباركة!.

ويروى عنه (عليه السلام) ايضا في قائد الدولة المظفرة الإسلامية قبل المهدوية العالمية ـ نائب الإمام الخميني نصره الله : «رجل من اهل قم يدعو الناس الى الحق ، تجتمع معه قوم كزبر الحديد ، لا تزلهم الرياح العواصف ولا يملون من الحرب ، ولا يجبنون وعلى الله يتوكلون والعاقبة للمتقين» (١).

«رجل» تتبناه كافة البطولات والرجولات الإسلامية «من أهل قم» تبنته هذه الحوزة المباركة حيث الأهلية هنا هي اهلية تلكم الرجولة لا الولادة «يدعو الناس الى الحق» إذ خذله مخالفوه وحملته ـ لا فحسب لفظا باللسان ، وانما بالأنفس والنفائس وبسيول الدماء «تجتمع معه قوم كزبر الحديد» وهم علّهم «عبادا لنا» المبعوثون لاستئصال الفساد العالمي الصهيوني الأول : «لهم مربع الطاقات الجبارة : ١ ـ «لا تزلهم الرياح العواصف» التي تعصف شرقا وغربا حيث هم مؤمنون حقا والمؤمن كالجبل الراسخ لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف ٢ ـ «ولا يملون من الحرب» حيثما بلغت بهم نائرتها ٣ ـ «ولا يجبنون» من استشهاد ام ماذا؟ ٤ ـ (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) دون سواعد شرقية او غربية او مساعدات من هنا وهناك :

(وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) : الدولة العاقبة لدولتهم ـ الاخيرة في دول التاريخ

__________________

(١) سفينة البحار ج ٢ ص ٤٤٦.

٦٩

ـ للمتقين (١) وهم أولاء بتاسيسهم دولة الحق بزعامة نائب المهدي (عليه السلام) الخميني يعبّدون الطريق لدولته المباركة العالمية التي تبقى مع الزمن حتى القيامة الكبرى.

وقد تعنى معناه خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) حيث يقول فيها :

«لا بد من رحى تطحن فإذا قامت على قطبها ، وثبتت على ساقها بعث الله عليها عبدا عسفا : (عنيفا) خاملا أصله ، يكون النصر معه ، أصحابه الطويلة شعورهم ، واصحاب السبال ، سود ثيابهم ، اصحاب رايات سود ، ويل لمن ناواهم يقتلونهم هرجا ، والله لكأني انظر إليهم والى أفعالهم ، وما يلقى من الفجار منهم والاعراب الجفاة ، يسلطهم الله عليهم بلا رحمة ، فيقتلونهم هر جا على مدينتهم بشاطئ الفرات البرية والبحرية جزاء بما عملوا وما ربك بظلام للعبيد» (٢).

والعبد العسف : العنيف ضد الظلم الخامل أصله علّه هو نائب الإمام الخميني حيث كان خاملا طول عمره ، وبدا اشتهاره وبدء منذ قيامه ، وأصحابه الطويلة شعورهم اصحاب السبال كما نرى الكثير من الانقلابيين معه كذلك ... ولعل الرايات السود هي التي ترتفع عند موته او استشهاده حيث يرفعها أصحابه وينتصرون في حربهم ضد الكفر حتى يحققوا امر الله (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً)!

وقد يعنيه ما يروى عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ... انا اهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وان أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وتطريدا حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود فيسألون

__________________

(١) العاقبة في هذه الآية صفة لمحذوف هي الحياة او الدولة ، تعني الحياة او الدولة الاخيرة في عالم التكليف للمتقين ، وليست الحياة الآخرة فحسب وان كانت منها :

(٢) البحار ٥٢ : ٢٣٢.

٧٠

الخير فلا يعطونه فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها الى رجل من اهل بيتي فيملؤها قسطا كما ملؤوها جورا فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبوا على الثلج» (١).

قيام البهلوي من قزوين من علائم ظهور المهدي (عليه السلام) :

من الملاحم المروية عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في تفصيل علامات ظهور المهدي (عليه السلام) «... فعندها يتكلم الروبيضة ـ فقال سلمان : وما الروبيضة يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، فداك أبي وامي؟ قال : (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يتكلم في امر العامة من لم يكن يتكلم فلم يلبثوا الا قليلا حتى تخور الأرض خورة فلا يظن كل قوم الا انها خارت في ناحيتهم فيمكثون ما شاء الله ثم ينكتون في مكثهم فتلقى لهم الأرض أفلاذ كبدها ... فهذا معنى قوله : (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها)(٢).

__________________

(١) سنن المصطفى ص ٥١٧ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا معاوية بن هشام ثنا علي بن صالح عن يزيد بن أبي زياد عن ابراهيم عن علقمة عبد الله قال : بينما نحن عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذا اقبل فتية من بني هاشم فلما رآهم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اغرورقت عيناه وتغير لونه قال : ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه فقال ...

أقول : وهذا الحديث يواطي ما مر عن الامام الباقر (عليه السلام) في نقل غيبة النعماني ص ١٤٠ مع بعض الزوائد هناك ، ولعل الرايات السود هي رايات عزاء الحسين (عليه السلام) في ١٢ محرم ١٥ خرداد ٤١ حيث قاموا لاخذ حق الإسلام من الشاه المعدوم واسترجاع المرجع الديني الأعلى من السجن فلم يكن الا قتلا ذريعا فيهم.

(٢) تفسير القمي باسناده عن عبد الله بن عباس ، قال حججنا مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حجة الوداع فأخذ بحلقة باب الكعبة ثم اقبل إلينا بوجهه فقال : الا أخبرك بأشراط الساعة وكان ادنى الناس منه يومئذ سلمان فقال : بلى يا رسول الله ـ

٧١

والرويبضة علها لا معنى لها في لغة ولذلك لم يفسرها الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هنا الا بعنوان مشير : «يتكلم ...» وهي هي «رضا بهلوي» باختلاف ترتيب حروفها ، ولا ينافيه ما فسره هو (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في رواية اخرى ب «الرجل التافه» (١) فانه حقا تافه.

وعن محمد بن الحنفية قال قلت له : ـ الإمام علي (عليه السلام) ـ قد طال هذا الأمر حتى متى ـ الى ان قال ـ : انى يكون ذلك ولم يقم الزنديق من قزوين فيهتك ستورها ، ويكفر صدورها ، ويغير سورها ، ويذهب ببهجتها من فر منه أدركه ومن حاربه قتله ، ومن اعتزله افتقر ، ومن تابعه كفر حتى يقوم باكيان : باك يبكي على دينه وباك يبكي على دنياه» (٢) والزنديق هو البهلوي (٣) وقد كان قيامه من قزوين وصدقت عليه الافتعالات.

__________________

ـ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم). من أشراط الساعة ... الى ن قال ...».

(١) كما في البحار ٥٢ : ٢٤٥ ح ١٢٤ في باسناده عن ابن نباته قال سمعت عليا (عليه السلام) يقول : ان بين يدي القائم سنين خدّاعة يكذب فيها الصادق ويصدق فيها الكاذب ويقرب فيها الماحل (وفي حديث) وينطق فيها الرويبضة» قال الجزري في حدث أشراط الساعة «وان ينطق الرويبضة في امر العامة ـ قيل وما الرويبضة ما رسول الله؟ فقال : الرجل التافة ينطق في امر العامة.

أقول : فالرويبضة إذا تصغير الرابضة العاجز الذي ربض عن معالي الأمور وقعد عن لبها وزيادة التاء للمبالغة.

ثم أقول : ما أجمل الجمع بين المعنى من الرويبضة : التافة ـ ورضا بهلوى حسب تأليف حروفها!.

(٢) بحار الأنوار الطبعة الجديدة ج ٥٢ ص ٣١٢ ح ٦١ غط الفضل عن ابن أبي نجران عن محمد بن سنان عن أبي الجارود عن محمد بن بشر عن محمد بن الحنفية.

(٣) في مجمع البحرين : الزنديق هو البهلوي :

٧٢

وعن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يخرج بقزوين رجل اسمه اسم بنيّ يسرع الناس الى طاعته المشرك والمؤمن يملأ الجبال خوفا» (١) و «بني» تصغير «ابن» هو «رضا» بنيّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الامام الرضا عليه السلام.

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) في استعراض علائم الظهور «وشمول اهل العراق خوف لا يكون معه قرار» (٢).

وفي كلام لعلي امير المؤمنين يتحمل الإيحاء الى الحالة الموجودة بيننا بين البعثية الصدامية الكافرة.

قال (عليه السلام): «لا يقوم القائم حتى تفقأ عين الدنيا وتظهر الحمرة في السماء وتلك دموع حملة العرش على اهل الأرض ، وحتى يظهر فيهم قوم لا خلاق لهم يدعون لولدي وهم براء من ولدي ، تلك عصابة رديئة لا خلاق لهم ، على الأشرار مسلطة وللجبابرة مفتنة ، وللملوك مبيرة ، يظهر في سواد الكوفة ، يقدمهم رجل اسود اللون والقلب ، رث الدين ، لا خلاق له ، مهجن زنيم عتل ، تداولته ايدي العواهر من الأمهات من شر نسل لاسقاها الله المطر في سنة اظهار المتغيب من ولدي

__________________

(١) بحار الأنوار ... ص ٢١٣ غط ردي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) انه قال ...

(٢) البحار ٥٢ : ٢٢١ ج ٨٥ شا. الحسين بن زيد عن منذر الجوزي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول. يزجر الناس قبل قيام القائم ...

٧٣

صاحب الراية الحمراء والعلم الأخضر ، اي يوم للمخيبين بين الأنبار وهيت.

ذلك يوم صيلم الأكراد والشراة ، وخراب دار الفراعنة ، ومسكن الجبابرة ، ومأوى الولاة الظلمة ، وام البلاء واخت العار ، تلك ورب علي يا عمر بن سعد بغداد ، الا لعنة الله على العصاة من بني امية وبني فلان الخونة الذين يقتلون الطيبين من ولدي ولا يراقبون فيهم ذمتي ، ولا يخافون الله فيما يفعلونه بحرمتي ...» (١).

__________________

(١) عن أبي عبد الله (عليه السلام) ٢٢٦ ج ٩٠ في باسناده عن عمر بن سعد عنه (عليه السلام) ...

ومن الطرايف جدا خطاب الامام (عليه السلام) أخيرا لعمر بن سعد جد صدام عامل هذه الفتنة وعميلها ، بعد ما يصف عصابة البعث العفلقي التي يقودها صدامها ، ثم يصفه لعنة الله عليه بسواد اللون والقلب ـ وقد جمعهما ـ وانه رث الدين مهجن زنيم عتل تداولته ايدي العواهر من الأمهات من شر نسل ، ثم وعدا بيوم صيلم الأكراد والشراة وخراب دار الفراعنة مسكن الجبابرة ومأوى الولاة الظلمة وام البلاء واخت العار تلك ورب علي يا عمر بن سعد! بغداد! :

وفي ج ١٣ ص ٣١٤ ملحقات احقاق الحق عن العلامة المولى على المتقي الهندي في كنز العمال ج ٧ ص ٢٦١ طا حيدرآباد الدكن روى عن علي (عليه السلام) في خطبة له «وليكونن من يخلفني في اهل بيتي رجل يأمر بأمر الله قوي يحكم بحكم الله وذلك بعد زمان مكلح مفصح يشتد فيه البلاء وينقطع فيه الرجاء ، ويقبل فيه الرشا فعند ذلك يبعث الله رجلا من شاطئ دجلة لأمر حزبه ـ يحمله الحقد على سفك الدماء قد كان في ستر وغطاء فيقتل قوما وهو عليهم غضبان شديد الحقد حران في سنته بختنصر يسومهم خسفا ويسقيهم سوط عذاب وسيف دمار ثم يكون من بعده هنات وامور مشتبهات الا من شط الفرات الى النجفات بابا القطقطانيات في آيات وآفات متواليات يخدش شكا بعد يقين يقوم بعد حين يبني المدائن ويفتح الخزائن ويجمع الأمم ينفدها شخص البصر وطمح النظر وعنت الوجوه وكشف البال حتى يرى مقبلا مدبرا فيا لهفى على ما اعلم ـ

٧٤

(إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٠) وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (١١) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ

__________________

ـ رجب شهر ذكر رمضان تمام السنين شوال يشال فيه امر القوم ذو القعدة يعتقدون فيه ذو الحجة الفتح من اوّل العشر الا ان العجب كل العجب بعد جمادي ورجب جمع الشتات وبعث أموات وحديثات هونات هونات بينهن موتات رافعة ذيلها داعية عولها معلنة قولها بدجلة او حولها ـ

ألا إن منا قائما عفيفة احسابه سادة أصحابه ينادى عند اصطلام اعداء الله باسمه واسم أبيه في شهر رمضان ثلاثا بعد هرج وقتال وضنك وخيال وقيام من البلاء على ساق واني لأعلم الى من تخرج الأرض ودائعها وتسلّم اليه خزائنها ولو شئت ان اضرب برجلي فأقول : اخرجي من هاهنا بيضا ودروعا كيف أنتم يا ابن هنات إذا كانت سيوفكم بأيمانكم مصلتات ثم رملتم رملات ليلة البيات ليستخلفن الله خليفة يثبت على الهدى ولا يأخذ على حكمه الرشا إذا دعا دعوات بعيدات المدى دامغات للمنافقين فارجات عن المؤمنين ألا إنّ ذلك كائن على رغم الراغمين والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد خاتم النبيين وآله وأصحابه أجمعين بن المنادي:

وأخرجه مثله في كنز العمال المطبوع بهامش المسند ج ٦ ص ٣٥ ط الميمنية بمصر.

٧٥

اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) (١٢)

للقرآن زهاء أربعون اسما (١) هذا أكثرها ذكرا (٢) واشتهارا ، وأغزرها معنى وازدهارا إذ يعني جملة ما تعنيه هي تفصيلا ، وهو يعني في مختلف معانيه : الجمع ـ الطهارة ـ التطهير ـ القراءة ـ الإبلاغ ـ الرؤية ـ اقتراب المغيب : معان سبعة كالسماوات السبع والأرضين السبع وايام الأسبوع السبعة ، حيث يشمل بمعانيه جملة وتفصيلا الازمنة والامكنة ومن فيهما.

فانه طهارة ـ فتطهير ـ وقراءة وإبلاغ ـ ورؤية لما يمكن ان يرى بصرا وبصيرة ، وجمع لما لم يجمعه غيره من كتابات واقتراب لاغتراب غيره من

__________________

(١) وهي : القرآن ـ الفرقان ـ الكتاب ـ الذكر ـ الحديث ـ التنزيل ـ الموعظة ـ الشفاء ـ الهدى ـ الحبل ـ الرحمة ـ الصراط المستقيم ـ الحكم ـ الحكمة ـ الحكيم ـ المحكم ـ الروح ـ البيان ـ التبيان ـ المبين ـ الفصل ـ النجوم ـ القصص ـ البصائر ـ المثاني ـ النعمة ـ البرهان ـ البشير ـ النذير ـ القيم ـ المهيمن ـ الهادي ـ النور ـ الحق ـ العزيز ـ الكريم ـ العظيم ـ المبارك ـ بلاغ ـ سبيل ـ حياة

(٢) نجده (٧٠) مرة اثنتان منهما قرآن الفجر : صلاة الفجر ـ واثنتان : قرآنه : قراءته ـ والباقي هذا القرآن.

٧٦

كتابات كما انه من آيات اقتراب الساعة ونبيه نبي الساعة.

وترى لماذا هنا وفي عديد غيرها (هذَا الْقُرْآنَ) حيث توحي بان هناك قرآنا أو قرائين أخرى ، وفي عديد اخرى «القرآن» والقرآن هو القرآن؟

لأن «قرآن» من الله هو جنس المقرو بالوحي كتابا على المكلفين ، شاملا كتابات الوحي كلها ، وأفضلها هذا القرآن ، فقد يعرف ب «هذا» ليدل على حاضره دون غابره ، و «هذا» في موارده كلها يتضمن ميزة او ميزات له عن سائر القرآن (١) وقد تدل على عمومه لسائر الوحي :

(قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ ...) (١٠ : ١٥) (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) (٣٤ : ٣١).

إذا فلا بد من تعريف به ليميزه عن غيره ب «هذا» او «العظيم» (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (١٥ : ٨٧) او تعريف اللام عهدا الى حاضره حيث يخاطبهم به : (وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ ...) (٥ : ١٠١) او بضمير يعرفه : (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ ...) (١٠ : ٦١) او وصف : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ

__________________

(١) ك «أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ» ٦ ـ ١١٩ «وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ» ١٠ : ٣٧ «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ» ١٢ : ٣ «وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا» ١٧ : ٤١ «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ :» ١٧ : ٨٨ «وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً» ٢٥ : ٣٠ «إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ ...» ٢٧ : ٧٦ «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ» ٣٤ : ٣١ ...

٧٧

مُبِينٍ) (١٥ : ١) ام ماذا من إشارة تميزه عن سواه ويختص (هذَا الْقُرْآنَ) هنا بما يعرفه أنه (يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) من قوامات الوحي وقيامات صاحب الوحي والمكلفين به.

و «قرآن» مع كل ذلك علم لهذا القرآن ، لم يسم به غيره من قرآن وان كان يشمله جنسه ، وهو أفضل واكثر أسماء القرآن.

ثم هنا هاد ومهدي ومهدي له وبشارة لمن يهتدي وإنذار على من لا يهتدي ، فالهادي هو القرآن حيث الهدى طبيعته وحالته وصياغته لأعلى قمم الهدى ، دون إبقاء على هدى ممكنة إلا وهو يهدي لها غير قاصر ولا ضنين.

والمهدي هو على الإطلاق كل مكلف بحاجة الى هدى ، وبامكانه أن يهتدي بلا حدود من زمان أو مكان أو أقوام وأجيال فانه هدى الله والهدى الإلهية في القرآن كاملة شامة.

والمهدي له ، وترى لماذا «له» دون «إليه» ام دون جار ك (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)؟ ... ثم «التي» بحذف الموصوف المتردد بين عديد ك : الطريقة ـ الشريعة ـ الملة ـ الرسالة ـ الولاية ام ماذا؟ ولا يحذف الموصوف الا المعلوم لحد لا يحسن ذكره بل ويحسن حذفه؟.

نجد الهداية في القرآن في هذا المثلث ، وليس «يهدي له» إلا هنا لكتاب الله ، وفي أخرى لله : (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(١) (١٠ : ٣٥) ثم لا ثالث لهما ، فإنما

__________________

(١) ومن الطريف ان «يَهْدِي لِلْحَقِّ» الخاصة بالله تتوسط «يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ» لغير الله أولاها «شركائكم» سؤال تعنّت ، وأخراها لكافة الهداة الى الحق حيث تجمعهم «يَهْدِي

٧٨

الله وكتاب الله يهدي له لا سواه ، فلتكن «الهداية له» خاصة بالله بقرآنه المبين.

ثم الله وإن كان يهدي بالقرآن من اتبع رضوانه سبل السلام ويهديهم الى صراط مستقيم : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٥ : ١١٦) هداية إياه وهداية اليه ، إلا ان أيا منهما لا يشمل مطلق الهدى ، والهداية له تشمله كله ، فالهداية «الى» دلالة الى الهدى الآفاقية البعيدة عن المهدي إذ هي خارج ذاته ، او الانفسية البعيدة عنها كالآفاقية لمن احتجب عن نفسه بعيدا (١) ، والهداية إياه إيصال الى المقصود آفاقية وانفسية او يقارب الإيصال لمكان القرب بين المهدي والمهدي له لحد الاتصال (٢). والهداية له تشمل الإيصال والدلالة الى الانفسية والآفاقية قريبة وبعيدة ، دلالة الى ما في النفس من هدى العقل والفطرة ام ماذا؟ وإيصالا الى حقها وواقعها ، ودلالة إلى ما في الآفاق تكوينا وتشريعا وإيصالا إليها فالهداية له ـ إذا ـ أتم وأطم من الهداية إليه وإياه (٣) فما الطفه التعبير عن الهداية المطلقة ب «يهدي إياه» وعن الدلالة المؤثرة وسواها

__________________

ـ إِلَى الْحَقِّ» فليس تغيير صيغة الهداية مجرد تفنّن التعبير وانما لخصوص المعني من «له» و «اليه».

(١) لان «الى» توحي لفصل بين المهدي والمهدي اليه ، والهدى الانفسية ليست بعيدة عن المهدي :

(٢) حيث الهداية إياه توحي الى وحدة عريقة بين المهدى والمهدى له دون فصل بينهما ، اما حققيا ما الإيصال ويشارفه كالقريب القريب.

(٣) حيث الهداية له ، واللام للاختصاص أعم من الدلالة الخاصة والإيصال الخاص الى مادة الهدى آفاقية وأنفسية ، فالهداية إياه هي «له» والهداية اليه كذلك «له» كما الهداية الآفاقية والأنفسية كلاهما «له» وان كانت «له» مراتب عدة.

٧٩

ب «يهدي اليه» وعن مجموع الهدايات ب «يهدي له» الشاملة لكافة مراحل الهداية مستغرقة لها كلها!

ولأن هذه الآية هي الفريدة في نوعها للهداية الشاملة فلتشمل الهدى كلها ، دلالة وإيصالا للهدى أنفسية في هداية العقل والفطرة ، وآفاقية في هداية التكوين والتشريع ، فالقرآن نسخة كاملة للهدى كلها حيث يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام.

إنه هدى للكافرين كما للمؤمنين دلالة ، وهدى للمتقين في مزيد الدلالة ثم الإيصال الى حق الهدى ، ثم وهو هدى للإنسان وأضرابه آفاقيا وأنفسيا.

واما «التي» بحذف الموصوف فللايحاء بإطلاق المهدي له ، دون خصوص الملة او الطريقة او الرسالة او النبوة او الولاية اماهيه؟ (١).

فانه هدى بكل بنودها ومتطلباتها للإنسان وأضرابه كأفضل ما يمكن وأكمله في عالم الفطرة والعقل ، وفي التنسيق بين ظاهر الإنسان وباطنه وبينه وبين ربه في علاقة المعرفة والعبودية ـ وبينه وبين الناس في علاقة العشرة ، وفي كافة زوايا الهدى ومتطلباتها وتنسيقاتها ومخلفاتها الحاضرة والمستقبلة.

(لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) فكتابات الله كلها قويمة قيّمة لا عوج فيها ولا قصور ، ولكنها مؤقتة زمنا ، محدودة بالمتطلبات المرسومة لزمنها ، والاستعدادت لطالبيها فيها ، وأما القرآن فهو يهدي للتي هي أقوم : قيمة

__________________

(١) كالسبل والآيات الآفاقية والانفسية (٣) والأخلاق (٤) والحياة (٥) واحكام الفطرة والعقل (٦) والايمان (٧) والإسلام (٨) والتقوى (٩) والزهادة (١٠) والمعرفة والمعجزة (١١) مواد الهداية التي تدعو إليها كتابات الوحي ، فكل هذه الموصوفات تصلح ان تكون للتي هي أقوم دون إبقاء على مادة من الهدى إلّا وهي تشملها.

٨٠