فرائد السمطين - ج ١

ابراهيم بن محمّد بن المؤيّد الجويني الخراساني

فرائد السمطين - ج ١

المؤلف:

ابراهيم بن محمّد بن المؤيّد الجويني الخراساني


المحقق: الشيخ محمّد باقر المحمودي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة المحمودي للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥١
الجزء ١ الجزء ٢

فائدة

[فيما ورد من طريق آخر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على سياق ما ورد عن باب مدينة علمه علي بن أبي طالب] في أكل سبع تمرات عجوة صباحا (١)

٣٣٧ ـ أخبرني الشيخ عبد الصمد بن أحمد بن عبد القادر [ابن أبي الحسن البغدادي] (٢) أنبأنا عبد الرحمن بن علي بن الجوزي أنبأنا أبو القاسم ابن الحصين ، أنبأنا أبو علي ابن المذهب ، أنبأنا أبو بكر القطيعي حدثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل ، حدثني أبي قال : حدثنا عبد الله بن نمير ، قال : حدثنا هشام ، عن عائشة بنت سعد ، عن سعد قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من تصبح بسبع تمرات من عجوة لم يضرّه ذلك اليوم سمّ ولا سحر.

٣٣٨ ـ [وبالسند المتقدم تحت الرقم : (٣٣١) قال] أخبرنا أبو بكر الحافظ [أحمد ابن الحسين البيهقي] قال : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : أخبرني أبو إسحاق إبراهيم بن إسماعيل القاري (٣) قال : حدثنا الفضل بن محمد الشعراني قال : حدثنا عون بن سلام ، قال أخبرنا منصور ابن أبي الأسود ، عن الحارث بن حصيرة ، عن أبي صادق ، عن ربيعة ـ وهو ابن ناجذ ـ قال : قال علي عليه‌السلام لشيعته :

كونوا في الناس كالنحلة [في الطير] (٤) ليس من الطير شيء إلّا وهو يستضعفها ،

__________________

(١) هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «صباحيا». وما وضعناه بين المعقوفات زيادة منا.

(٢) ما بين المعقوفين أخذناه مما تقدم تحت الرقم : (٢٠٢) في الباب (٤٨) ص ٢٤٦.

(٣) كذا في نسخة السيد علي نقي ، وفي مخطوطة طهران : «الفارسي».

(٤) ما بين المعقوفين مأخوذ من الباب : (١٤) من تيسير المطالب ص ١٢٥ ، وفي ط ١ ص ١٨٥ ، ومثله في الحديث : (١٢٨٢) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق : ج ٣ ص ٢٢٧ ط ١.

٤٠١

ولو علم الطير ما في أجوافها من البركة لم يفعلوا بها ذلك. خالطوا الناس بألسنتكم وأجسادكم وزايلوهم بقلوبكم وأعمالكم فإن لكلّ امرئ (١) ما اكتسب ، وهو يوم القيامة مع من أحبّ.

٣٣٩ ـ [وبالسند المتقدم] قال (٢) : أنبأنا أبو بكر البيهقي قال : حدّثنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني قال : أنبأنا أبو بكر محمّد بن الحسين الآجري بمكة ، قال : حدثنا أبو الفضل العباس بن يوسف الشكلي قال :

سمعت الفتح بن شجرف (٣) يقول : رأيت علي بن أبي طالب عليه‌السلام في النوم فسمعته يقول : التواضع يرفع الفقير على الغنيّ ، وأحس من ذلك تواضع الغنيّ للفقير.

٣٤٠ ـ وبهذا الإسناد إلى الحافظ أبي بكر البيهقي قال : سمعت السيد أبا منصور ابن المظفّر بن محمد العلوي (٤) يقول : سمعت أبا بكر ابن دارم الحافظ يقول : سمعت إبراهيم بن بريه الهاشمي يقول : حدّثنا الفتح بن شجرف قال :

سمعت البشر بن الحارث (٥) يقول : رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في المنام فقلت : يا أمير المؤمنين تقول شيئا لعلّ الله أن ينفعني به فقال (٦) :

ما أحسن عطف الأغنياء على الفقراء رغبة في ثواب الله؟! وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء ثقة بالله.

فقلت : يا أمير المؤمنين (أ) تزيدنا؟ فولّى وهو يقول :

قد كنت ميّتا فصرت حيّا

وعن قليل تصير ميتا

عزّ بدار الفناء بيت

فابن بدار (٧) البقاء بيتا

__________________

(١) هذا هو الظاهر الموافق للمختار : «٣٦١» من باب الخطب من نهج السعادة : ج ٢ ص ٦٨٦ ، وفي كلي أصلي من فرائد السمطين : «وزايلوه ... فإن لامرئ ...».

(٢) قبل قوله : «قال» كان في الأصل بياض مقدار سطرين.

والحديث رواه الخوارزمي ـ مع تاليه ـ في الفصل : (٢٤) من مناقبه ص ٢٦٩ ط الغري عن أبي الحسن علي بن أحمد العاصمي عن إسماعيل بن أحمد ، عن أبيه أحمد بن الحسين البيهقي ...

(٣) كذا في الأصل ، وفي مناقب الخوارزمي : «العباس بن يوسف السنكي قال : سمعت الفتح ابن شخرف ...».

(٤) كذا في الأصل ، وفي مناقب الخوارزمي : «السيد أبا منصور المظفر بن محمد العلوي».

(٥) الظاهر أن بشرا هذا هو البشر الحافي. وفي مناقب الخوارزمي : «بشير».

(٦) هذا هو الظاهر الموافق لما في ط الغري من مناقب الخوارزمي. وفي الأصل : «قال ...».

(٧) كذا في الأصل. وانظر مناقب الخوارزمي وتاريخ بغداد : ج ٩ ص ٤٢٥.

٤٠٢

٣٤١ ـ وبهذا الإسناد (١) إلى الحافظ أبي بكر البيهقي قال : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ محمد بن عبد الله ، قال : حدثنا أبو محمد القاسم بن غانم بن حمويه بن الحسين (٢) قال : حدثنا أبو الحجاب الفردوس بن القصاب اليزني (٣) من ولد عفير (٤) صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : حدثنا عبيد بن الصباح النهدي قال : حدثني زرعة بن شدّاد (٥) قال : حدثني سيحان بن وداعة اليشكري (٦) صاحب جابر بن عبد الله الأنصاري [قال] حدثني جابر بن عبد الله قال :

دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام لأعوده من بعض علله ، فلمّا [دخلت عليه وسلّمت] نظر إليّ [و] قال : يا جابر بن عبد الله الأنصاري :

قوام الدنيا بأربع : عالم مستعمل لعلمه ، وجاهل لا يستنكف أن يتعلّم ، وغنيّ جواد بمعروفه ، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه!!!

فإذا عطّل العالم علمه (٧) استنكف الجاهل أن يتعلّم ، وإذا بخل الغنيّ بمعروفه باع الفقير آخرته بدنياه ، وإذا كان ذلك (٨) فالويل ثمّ الويل ـ يا جابر بن عبد الله ـ سبعين مرة ـ.

يا جابر من كثرت نعم الله عنده كثرت حوائج الناس إليه (٩) فإن قام [فيها] بما أمره الله ؛ عرّضها للدّوام والبقاء (١٠) وإن لم يعمل فيها بما أمره الله عرّضها للزوال والفناء.

__________________

(١) ومن أجل أن قبل الحديث : (٣٣٩) كان في الأصل بياض بمقدار سطرين ، لم يتبين لنا على سبيل القطع أن سند المؤلف إلى البيهقي في هذا الحديث ما هو؟ وإن كان المظنون أن سنده هنا هو عين ما تقدم تحت الرقم : (٣٣١).

والحديث رواه أيضا الخوارزمي بالسند المتقدم عنه في تعليق الحديث السالف.

(٢) كلمتا : «حمويه بن» غير موجودتان في المطبوع من مناقب الخوارزمي ص ٢٦٥.

(٣) كذا في مخطوطة طهران ، وفي نسخة السيد علي نقي : «القرصاب التربي من وادي غفير ...».

وفي مناقب الخوارزمي : «أخبرني أبو الحجاف الفروس بن القرصاب البرني من ولد عفير ...».

(٤) هذا هو الصواب الموافق لما في الفصل : (٢٤) من مناقب الخوارزمي ص ٢٦٥.

وفي أصلي من فرائد السمطين كليهما هاهنا تصحيف فاحش.

(٥) هذا هو الظاهر الموافق لما في ط الغري من مناقب الخوارزمي. وفي نسخة طهران من فرائد السمطين : «زرعة بن سدر» وفي نسخة أخرى : «زرعة بن سور».

(٦) كذا في الأصل ، وفي مناقب الخوارزمي : «حدثني شجاع بن وداعة صاحب جابر ...».

(٧) كذا في الأصل ، وفي المختار : (٣٧١) من الباب الثالث من نهج البلاغة : «فإذا ضيع العالم ...».

(٨) كذا في الأصل ، وفي مناقب الخوارزمي : «وإذا كان ذلك فالويل كل الويل».

(٩) هذا هو الظاهر الموافق لما في مناقب الخوارزمي ونهج البلاغة ، وفي أصلي من فرائد السمطين : «ومن كثرت نعماء الله عنده كثرت حوائج المخلوقين إليه ...».

(١٠) وفي المختار : (٣٧١) من قصار نهج البلاغة : «يا جابر من كثرت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس إليه ، فمن قام لله فيها بما يجب عرضها للدوام والبقاء ، ومن لم يقم فيها بما يجب عرضها للزوال والفناء».

٤٠٣

[قال جابر] ثم أنشأ أمير المؤمنين [عليه‌السلام] يقول :

ما أحسن الدنيا وإقبالها

إذا أطاع الله من نالها

من لم يواس الناس من فضله

عرّض للإدبار إقبالها

فاحذر زوال الفضل يا جابر

وأعط من دنياك من (١) سالها

فإنّ ذا العرش جزيل العطا

يضعف بالحبّة أمثالها (٢)

قال جابر : ثم هزّني إليه هزّة خيل إلي أن عضدي خرقت من كاهلي (٣) [ثم] قال :

يا جابر بن عبد الله حوائج الناس إليكم نعم من الله عليكم فلا تملّوا النعم فتحلّ بكم النقم!!! واعلموا أنّ خير المال ما أكسب حمدا أو أعقب أجرا (٤).

ثم أنشأ [عليه‌السلام] يقول :

لا تخضعنّ لمخلوق على طمع

فإنّ ذلك وهن منك في الدّين

وسل إلهك ممّا في خزائنه

فإنّما هي بين الكاف والنّون

أما ترى كلّ من ترجو وتأمله

من البريّة مسكين ابن مسكين

ما أحسن الجود في الدنيا وفي الدين

وأقبح البخل فيمن صيغ من طين

قال جابر بن عبد الله : فهممت أن أقوم فقال : وأنا معك يا جابر. قال : فلبس نعليه وألقى رداءه على منكبيه وطائفة فوق قذاليه (٥) فلما أن بلغنا جبّانة الكوفة (٦) سلّم على أهل القبور ، فسمعت ضجّة وهدّة فقلت : يا أمير المؤمنين ما هذه الضجّة وما هذه الهدّة؟ فقال : هؤلاء إخواننا كانوا بالأمس معنا واليوم فارقونا!!! إخوان لا يتزاورون ، وأودّاء لا يعادون!!!

[قال :] ثم خلع نعليه وحسر عن رأسه وذراعيه وقال :

__________________

(١) هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «واعط من الدنيا لمن سالها».

(٢) إشارة إلى قوله تعالى في الآية : (٢٦١) من سورة البقرة : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ، وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ ، وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)

(٣) كذا في الأصل ، وفي مناقب الخوارزمي : «خيل لي أن عضدي خرجت من كاهلي».

(٤) وفي مناقب الخوارزمي : «واعلموا أن خير المال ما اكتسب به حمدا وأعقب أجرا».

(٥) القذال : ما بين الأذنين من مؤخر الرأس.

(٦) الجبان والجبانة ـ بفتح الجيم والباء المشددة ـ : المقبرة. الصحراء.

٤٠٤

يا جابر بن عبد الله أعطوا من دنياكم الفانية لآخرتكم الباقية ، ومن حياتكم لموتكم ومن صحّتكم لسقمكم ومن غناكم لفقركم.

اليوم في الدور ، وغدا في القبور وإلى الله تصير الأمور!!!

ثم أنشأ أمير المؤمنين [عليه‌السلام يقول] :

سلام على أهل القبور الدوارس

كأنّهم لم يجلسوا في المجالس

ولم يشربوا من بارد الماء شربة

ولم يأكلوا من كلّ رطب ويابس

قال جابر بن عبد الله فهذا ما سمعت من تحفة (١) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(قال المؤلف) ولم يزل هذا الحديث مستحقّا أن يروى بهذا الإسناد (٢) وقد روي بإسناد آخر لا يليق به ، وهو وهم من راويه (٣).

__________________

(١) كذا في الأصل.

(٢) هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «ولم يزل مستحقا هذا الحديث إنما يروون بهذا الإسناد».

(٣) قال المحمودي : وفي الأصل الذي عندي بخط ابني الشيخ محمد كاظم هاهنا هامش أي قبل تمام هذا الحديث من الأصل هاهنا هامش وإليك نصه :

وفي هامش نسخة السيد علي نقي هاهنا [هكذا] :

وقد وقع الفراغ من تسويده وشرفت بتحريره في عصر يوم الأحد ثالث عشر شهر ذي الحجة (١٠٦) [كذا] في عاشر تحويل الشمس في حمل.

وهذا ما هو مكتوب في نسخة الأصل ، وقد وافق من تسويد هذه الأوراق الشريفة زوال شمس الثلثاء الثالث عشر من شهر ربيع الأول عام الحادي والمائة والألف ، وصلّى الله على محمد وآله ، على يد الأقل أحمد بن محمد بن مبارك بن حسين الساري البحراني عفى عنهم بمنه وكرمه.

أقول : وقريبا منه ذكره أيضا في ختام هذا السمط ، وقد ذكرناه حرفيا في آخر هذا المجلد في هامش ص ٤٢٩.

٤٠٥

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على محمد وآله وسلّم [أمّا بعد ف] يقول عبد الله الفقير إلى رحمته [تعالى] إبراهيم بن محمّد بن المؤيّد الجويني عفا الله [عنه] :

٣٤٢ ـ أخبرني الشيخ الإمام تاج الدين زين الإسلام أبو طالب علي بن أنجب ابن عبد الله بن عثمان الخازن ـ عرف بابن الساعي رحمة الله عليه إجازة في شعبان سنة إحدى وسبعين بمدينة [بغداد] (١) ـ قال : أنبأنا شيخ الشيوخ ضياء الدين أبو أحمد عبد الوهاب ابن أبي منصور علي بن علي المعروف بابن سكينة رحمة الله عليه ، إجازة لي (٢) [و] الشيخ الصالح أبو محمد إسماعيل بن سعد الله بن محمد بن علي ابن أحمد بن عمر بن الحسن بن حمدى إجازة ، قالا : أنبأنا الشيخ أبو الفرج عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف ـ قال ابن سكينة : سماعا من لفظه [في] ثالث عشر [من] رجب سنة أربع وأربعين وخمس مائة. وقال ابن حمدي إجازة ـ قال : أنبأنا أبي بقراءتي عليه في شهر رمضان سنة ستّ وثمانين وأربع مائة ، قال : أنبأنا عبد العزيز بن علي بن أحمد بن أبو القاسم الحناط الأزجي سماعا (٣) قال حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب المفيد الحافظ ، قال : حدّثنا عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن الأنصاري (٤) قال : حدثني صالح بن علي قال : حدثني سلمان بن أيّوب ، عن [الإمام] جعفر بن محمد ، عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليه‌السلام أنّه قال :

ألا لا شرف أعلى من الإسلام ، ولا كرم أعزّ من التقوى ولا معقل أحرز من الورع ، ولا شفيع أنجح من التوبة ، ولا لباس أجمل من العافية ، ولا وقاية أمنع من السلامة ، ولا كنز أغنى من القنوع ، ولا مال أذهب للفاقة من الرّضى بالقوت.

__________________

(١) ما بين المعقوفين زيادة ظنية منا.

(٢) كذا.

(٣) كذا.

(٤) لعل هذا هو الصواب ، ولفظ الأصل غامض وكأنه يقرأ : «الاصادي» أو «الاحباري»؟.

٤٠٦

ومن اقتصر على بلغة الكفاية (١) فقد انتظم الراحة ، وتبوّأ خفض الدعة.

والرغبة مفتاح التعب ، ومطيّة النصب ، والحرص داع إلى التقحّم في الهلكات واكتساب الذنوب. والشرّ (٥) جامع لمساوي العيوب.

وربّ طمع خائب وأمل كاذب ورجاء [يؤدّي] إلى حرمان ، وأرباح يئول إلى خسران ،

ومن فرّط في الأمور غير ناظر في العواقب فقد تعرّض لفادحات النوائب.

والحسد آفة الدين. والبغي سائق إلى الحين (٢).

وبئس القلادة للمؤمن العفيف قلادة الدّين (٣).

وفطنة الفهم موعظة تدعو النفس إلى الحذر ،

والقلوب محلّ الخواطر ،

والعقول تزجر وتنهى ،

والتجارب علم مستأنف ،

والاعتبار يؤدّيك إلى الرّشاد.

وكفى بك أدبا لنفسك ما كرهته لغيرك (٤)

وعليك لأخيك مثل الذي عليه لك ،

وأنفع الكنوز محبّة القلوب.

وقد خاطر من استغنى برأيه (٥)

والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم ،

ومن أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول (٦).

__________________

(١) كذا في الأصل ، وفي المختار : (٣٦٩) من قصار نهج البلاغة : «على بلغة الكفاف».

ولفقرات وجملات هذه الكلمات أسانيد ومصادر ، وأغلبها مذكورة في كتابه عليه‌السلام إلى الحسن ووصيّه.

إلى محمد بن الحنفية المذكوران في المختار : (٣٠) من الباب الثاني من نهج البلاغة ، والمختار : (١٠٥) وما بعده من باب الكتب من نهج السعادة.

(٢) هذا هو الصواب ـ والحين : الهلاك ـ وفي الأصل : «والبغي سائق إلى الحيرة».

(٣) كذا في الأصل.

(٤) وفي المختار : (٣٦٤) من قصار نهج البلاغة : «وكفى بك أدبا لنفسك تجنبك ما كرهته لغيرك».

(٥) ومثله في المختار : (٢١٠) من قصار نهج البلاغة.

(٦) الظاهر أن هذا هو الصواب ، وفي الأصل : «عدلت رائد العقول».

٤٠٧

ومن عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار.

وأشرف الغنى ترك المنى (١).

ومن عرف الأيّام لم يغفل عن الاستعداد.

والصبر جنّة من الفاقة.

والحرص علامة الفقر.

والتحمل اجتناب المسكنة.

وفي المودّة قرابة مستفادة (٢).

واصل معدم خير من جاف مكثر.

[والموعظة] كهف لمن وعاها (٣).

ومن أطلق طرفه كثر أسفه.

ومن أحبّ من لا يعرف فإنّما مازح نفسه.

ومن حصّن شهوته صان قدره.

ومن غلب لسانه أمره قومه (٤).

وربّ كلمة سلبت نعمة.

ومن ضاق خلقه ملّه أهله.

ومن نال استطال (٥).

ومن قلّب الأحوال عرف جواهر الرجال (٦).

وقلّ ما تنصفك الأمنيّة.

والأيام تهتك عن السرائر الكامنة.

والتواضع يكسوك السلامة.

وفي سعة الأخلاق كنوز الأرزاق.

__________________

(١) ومثله في المختار : (٣٤ و ٢١٠) من الباب (٣) من نهج البلاغة.

(٢) كذا في الأصل ، وفي المختار : (٢١٠) من قصار نهج البلاغة : «المودة قرابة ...».

(٣) ما بين المعقوفين كان قد سقط من الأصل.

(٤) كذا.

(٥) ومثله ـ من غير واو ـ في المختار : (٢١٥) من قصار نهج البلاغة.

(٦) وفي المختار : (٢١٦) من قصار نهج البلاغة : «في تقلب الأحوال علم جواهر الرجال».

٤٠٨

ولكلّ [ذي] رمق (١) قوت وأنت قوت الموت ، والموت لكل كائن.

وباب التوبة [مفتوح] فلا يأس من الغفران ، فربّ عاكف على ذنبه تاب في آخر عمره.

ومن كساه الحياء ثوبه خفيت عن العيون عيوبه (٢).

ومن تحرّى القصد (٣) خفّت عليه المؤنة.

وفي خلاف النفس الرشد.

والصبر يناضل الحدثان.

والجزع من أعوان نوائب الزمان (٤)

والجود حارس لأعراض الرجال.

والحلم أدب السفيه.

وفي الاستشارة عين الهداية (٥).

ومن قاس الأمور فهم المستور.

والحقّ ظل ظليل.

والاحتمال أوفر على الحظّ من الحدّة.

ومن التوفيق حفظ التجربة.

والطمأنينة قبل الخبرة ضدّ الحزم.

وأدلّ آية القطيعة التجنّي.

__________________

(١) هذا هو الصواب ، وما بين المعقوفين قد سقط من أصلي كليهما ، وفيهما أيضا صحف لفظ : «زمق» بلفظ : «زمن».

(٢) هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «ومن كساء العين ثوبا خفيت ...».

وفي المختار : (٢٢٢) من الباب (٣) من نهج البلاغة : «من كساه الحياء ثوبه ، لم ير الناس عيبه».

(٣) القصد : التوسط.

(٤) هذا هو الصواب وفي الأصل : «والجزع من أنواع نوائب الزمان».

(٥) هذا هو الظاهر ، وفي أصلي كليهما «وفي الاستشارة عين من الهداية».

كذا في الأصل ، وفي المختار : (٢١٠) من الباب الثالث من نهج البلاغة : الجود حارس الأعراض ، والحلم فدام السفيه ، والعفو زكاة الظفر ، والسلو عوضك ممن غدر ، والاستشارة عين الهداية ، وقد خاطر من استغنى برأيه ، والصبر يناضل الحدثان ، والجزع من أعوان الزمان ، وأشرف الغنى ترك المنى ومن التوفيق حفظ التجربة ، والمودة قرابة مستفادة ، ولا تأمنن ملولا.

٤٠٩

ولا تأمننّ ملولا.

وفقد بعض إخوانك قطع عضو من أعضائك.

(وا) غض على القذى وإلّا لم ترض أبدا (١).

وأقبح المكافات مجازات الإساءة.

عجب المرء بعقله أحد حسّاد عقله (٢).

ومن لم يحسن خلائقه لم يقبل أدبه.

ومن لان عوده كثفت أغصانه (٣).

ومن خشنت عريكته أقفرت ساحته.

وأدنس شعار المرء جهله.

ومن الفراغ تكون الصبوة.

والخلاف يهدم الرأي (٤).

وربّما أدرك الظن الصواب.

وبالمواساة تنال ما تهوى.

والبذي يبتاع العلى (٥).

والشكر عصمة من النقمة.

واللبّ مفتاح العلم.

والعدل مألوف (٦) والهوى عسوف.

ومن ركب العجلة لم يأمن الكبوة.

والأناة تجلو الهمة (٧).

__________________

(١) ومثله في المختار : (٢١٢) من قصار نهج البلاغة.

(٢) كذا في الأصل ، وفي المختار : (٢١١) من قصار النهج : «عجب المرء بنفسه أحد حساد عقله». وهو أظهر.

(٣) ومثله في المختار : (٢١٣) من قصار نهج البلاغة.

(٤) ومثله في المختار : (٢١٤) من الباب (٣) من نهج البلاغة.

(٥) كذا في الأصل.

(٦) كذا في نسخة طهران ، وفي نسخة السيد علي نقي : «والعدل العلوف».

(٧) كذا في الأصل ، ولعل الصواب : «بعلو الهمة» كما يستأنس به من قوله عليه‌السلام في المختار :

(٤٥٢) من قصار النهج : «الحلم والأناة توأمان ينتجهما علو الهمة».

٤١٠

وعلى الإنصاف ترسخ الأخوّة.

وحسد الصديق من سقم المودّة (١)

وجواهر الأخلاق تصفحها المعاشرة (٢)

والعقول مطايا الرغبة.

وأكثر مصارع العقول عند البروق اللامعة (٣)

ولن تدوم المودّة ممن استطلت عليه في الموقف (٤).

وكلّ الناس أهلك مع المصافحة.

وحصنك من الباغي حسن المكاشرة.

والبشر الحسن يطفئ نار المعاندة.

والرفق يطفئ حدّة المخالفة.

والعناية معنى المودّة.

ولن يستنفع بشرف مهتوك بالألسنة. وأنت أخو العزّة ما التحفت بالقناعة.

والمخذول من كانت له إلى الناس حاجة.

ولا شيء أعظم قدرا من المساعدة.

والهجران عقوبة القسوة.

وفي كلّ طرفة خطرة ، والخطرة أصل كل حركة. [ومن] الحزم الوقوف عند الشبهة.

وربّ صبابة غرست من لحظة ، وحرب أضرمت من لفظة.

وأصل الأشياء كلّها من كلمة.

ولابن آدم خلقت الدنيا والآخرة.

والحكيم لا يعجب من قضاء محتوم حل بمخلوق.

__________________

(١) هذا هو الصواب الموافق للمختار : (٢١٧) من قصار نهج البلاغة ، وفي أصلي كليهما تصحيف.

(٢) كذا.

(٣) كذا في أصلي كليهما ، وفي المختار : (٢١٨) من قصار نهج البلاغة : «أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع».

(٤) هذا هو الظاهر ، و «استطلت عليه» : تكبرت عليه وترفعت. وفي أصلي «من استطالت عليه».

٤١١

وأنت [ابن] اليوم [و] ليس لك غدا (١).

وإلى جانب السرور يكون التنغيص (٢).

ومدّة الأمد (٣) في يوم وغد ، مضى أمسك وعسى (ظ) [أن يكون] غدا لغيرك.

وربّ هالك في نومه وقلبه بالعلل رهين.

هيهات منك الغنى إذا لم يقنعك ما حويت.

احم نفسك القنوط ، وألهمها الرجاء وأحسن [ظنّها] لرحمة الله.

المصائب بالسوية مقسومة بين البرية.

[و] كلّ آت كأن قد أتى.

غير في المهلة قبل نفاذ المدّة (٤).

واس العين لدس ما يقع لغيرك (٥).

عفّة اللسان صمته ، وربما غلب الكلام على صاحبه.

وأشرف أفعال المكارم غفلتك عما تعلم (٦).

ومن تقدّم بحسن النية بصر التوفيق.

وليس لذي عنف شمل ولا ألفة.

والتلطّف في الحيلة أجدى من الوسيلة.

وأرفع شأن لأهل الشرف الأدب (٧).

والكمال الاستغناء عن حرامه وذمامه.

__________________

(١) لعل هذا هو الصواب ، وفي الأصل : «وأنت اليوم وليس لك غدا محيص».

وانظر الجملة التالية للفقرة الآتية ، وانظر أيضا المختار : (٦٦) من القسم الثاني من خطب نهج السعادة : ج ٣ ص ٢٥٥ فإنه يوضح ما هاهنا.

(٢) هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «التنقيص».

(٣) هذا هو المذكور في نسخة طهران ، وفي نسخة السيد علي : «ومدة الأبد».

(٤) كذا في الأصل.

(٥) كذا في نسخة السيد علي نقي ، وفي نسخة طهران : «واس العين كدك ما نفع لغيرك».

(٦) كذا في الأصل ، وفي المختار : (٢٢١) من الباب الثالث من نهج البلاغة : «من أشرف أعمال الكريم غفلته عما يعلم».

(٧) هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «وأرفع شأن الشرف لأهل الأدب».

٤١٢

ولن يؤمن إفراط القلب إذا لين.

ولا يكون [المرء] صادقا حتى يكتم بعض ما يعلم.

قارب الناس في عقولهم تسلم من غوائلهم (١).

إنّ القلوب تكايد من علا عليها ، لكلّ لسان قائد.

والنجاة في التواضع.

إزالة الرواسي أسهل من تأليف القلوب.

الحسد يورث الكمد ، ومنه أدواء الجسد ، وما رأيت حاسدا سالم أحدا!!!

وبالسيرة العادلة تقهر المناوئ.

وبحلمك عن السفيه يكثر أنصارك عليه (٢) ،

والصدق والوفاء يكونان للناس حصنا.

ولأهل العثار يضرب الزمان الأمثال (٣).

وكل يوم يفيدك علما ،

أحقّ الناس بالرضا من عرف نقص الدنيا.

لكلّ قلب ما يشغله.

[قضاء] حوائج الناس تنهك القوى في الأعضاء.

ومن اتبع الهوى ضلّ لا شك. والسلام ،

__________________

(١) وفي المختار : (٣٩٥) من قصار نهج البلاغة : «مقاربة الناس في أخلاقهم أمن من غوائلهم».

(٢) كذا في نسخة السيد علي نقي ، وفي نسخة طهران : «وتحملك ...». وفي المختار : (٢٢٣) من قصار نهج البلاغة : وبالحلم عن السفيه تكثر الأنصار عليه.

(٣) ويحتمل رسم الخط أيضا أن يقرأ : «ولأهل العار ...».

٤١٣

من (كتاب) فضائل أمير المؤمنين علي عليه‌السلام تصنيف شيخ السنّة أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي الحافظ ـ رضي‌الله‌عنه ـ نقلا عن خطّه :

٣٤٣ ـ أخبرنا بها مشايخ جمّة منهم استاذنا العلامة نجم الدين أبو عمرو عثمان ابن الموفق رحمهم‌الله إجازة بروايتهم عن المؤيّد محمد بن علي الطوسي المقرئ إجازة بروايته عن أبي عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد إجازة ، قال : أنبأنا الحافظ الإمام شيخ السنّة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : حدّثنا علي بن محمد بن سختويه العدل ، قال : حدثنا محمد بن المغيرة اليشكري قال : حدثنا القاسم بن الحكم ، قال : حدثنا الحسن بن عمارة ، عن أبي إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة قال :

[هذه] كلمات كان عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه [يعلّمها أصحابه] فعلّمناهنّ [هذا] الدعاء :

[إلهي] تمّ نورك فهديت (١) فلك الحمد ، وعظم حلمك فعفوت فلك الحمد ، وبسطت يدك فأعطيت فلك الحمد ، ربّنا وجهك أكرم الوجوه ، وجاهك خير الجاه ، وعطيّتك أبلغ العطيّة وأهنأها. تطاع ربّنا فتشكر ، وتعصى ربّنا فتغفر ، وتجيب المضطرّ ، وتكشف الضرّ ، وتشفي من السقم ، وتنجي من الكرب ، وتقبل التوبة وتغفر الذنب ، لا يجزى بآلائك أحد ولا يحصي نعمك قول قائل.

٣٤٤ ـ و [أيضا روى لنا المشايخ المتقدم الذكر] من خطّه (٢) قال : أخبرنا محمد بن الحسين القطّان البغدادي قال : أنبأنا أبو الحسين بن ماني الكوفي (٣) قال : حدثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة ، قال : حدثنا أبو غسّان ، قال : حدثنا صالح ابن أبي الأسود. عن محفوظ بن عبد الله ، عن محمد بن جابر (كذا) :

__________________

(١) كلمة : «الدعاء ـ إلى قوله : «فهديت» عدا ما بين المعقوفات مأخوذة من نسخة السيد علي نقي ولا توجد في مخطوطة طهران ، وكان في مواضع منها تصحيف فصححناه.

ورويناه أيضا في المختار : (٧٢) من باب الدعاء من نهج السعادة : ج ٦ ص ٢٩٣ عن مصدر آخر.

(٢) أي من خط أحمد بن الحسين أبي بكر البيهقي. وما بين المعقوفين زيادة منا.

(٣) والظاهر من رسم الخط من نسخة السيد علي نقي : «بالكوفة».

٤١٤

عن عليّ عليه‌السلام قال : بينما أنا أطوف بالبيت فإذا رجل متعلّق بأستار الكعبة وهو يقول :

يا من لا يشغله سمع عن سمع ، يا من لا يغلّطه السائلون ، يا من لا يبرمه إلحاح الملحّين (١) أذقني برد عفوك وحلاوة رحمتك.

قال [علي عليه‌السلام] : فقلت أيّها الرجل الكلام أعده. قال : أو سمعته؟ قلت : نعم. قال : فقله في دبر كلّ صلاة فو الّذي نفس الخضر بيده لو كان عليك الذنوب بعدد قطر السماء وحصى (٢) الأرض وترابها لغفر [الله] لك.

٣٤٥ ـ أخبرني المقرئ كمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد اللطيف المكبر البغدادي ، وعبد الله بن محمود أبو الفضل الحنفي إجازة ، قالا : أنبأنا عمر ابن محمد بن معمر بن طبرزد إجازة قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن أحمد بن حبيب البغدادي إجازة ، قال : أنبأنا الشيخ الزكي أبو سعد علي بن عبد الله بن أحمد ابن أبي صادق الحبري أنبأنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن باكويه قال : حدثنا عبد الواحد بن بكير ، قال : حدثنا محمّد بن أحمد البغدادي قال : حدّثنا محمد بن هاشم ، قال : حدثنا إسماعيل بن عيسى التميمي قال : حدثنا عبد الله بن أبي موسى (٣) عن جدّه أبي مريم ، عن عاصم [قال] :

إن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قال : ما خلق الله شيئا أعزّ من الحكمة ولا يسكنها إلا في قلب متواضع!!!

وأشرف الغنى ترك المنى (٤).

ومن قنع بما رزقه الله استغنى.

ومن فرّ من الناس سلم.

ومن أخرج من قلبه الحسد وشغله بما يعنيه فقد أخرج منه ما لا يعنيه (٥)

ومن منع [نفسه] شهوات الدنيا صار حرّا.

ومن أخرج من قلبه الحسد ظهرت له المحبّة.

__________________

(١) كذا في نسخة السيد علي نقي ، وفي مخطوطة طهران : «يا من لا يتبرم ...».

(٢) كذا في نسخة السيد علي نقي ، وفي مخطوطة طهران : «وحصباء الأرض».

(٣) كذا في نسخة السيد علي نقي ، وفي مخطوطة طهران : «علي بن أبي موسى»؟.

(٤) ومثله في المختار : (٣٤) من الباب الثالث من نهج البلاغة.

(٥) لعل هذا هو الصواب ، وفي الأصل : «ومن أخرج من قلبه الحسد شغل بما لا يعنيه فقد أخرج لما يعنيه.

٤١٥

ومن صبر أيّاما قلائل وصل إلى نعيم دائم.

وما زهد عبد في الدنيا إلّا وجد حلاوة طاعة الله تعالى.

ولا يشتغل عبد بخدمة الله إلّا بخصلة واحدة ، وبها ينطق الكتب الأربعة :

التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وهي سنّة كلّ حكيم وصدّيق (١).

قيل : وما هذه الخصلة؟ قال : سقوط همّ غد من قلبك!!!

والتائب يرعى في مرج الزاهد ، والزاهد يرعى في مرج العارف ، والعارف يرعى في مرج الله.

والعارف في الدنيا واحد من الناس وفي الآخرة واحد في الناس.

٣٤٦ ـ أخبرني الشيخ الإمام الزاهد قطب الدين برهان المحققين محمد ابن الشيخ الإمام شمس الدين المطهر ابن شيخ الإسلام أبي نصر أحمد الجامي رحمة الله عليه وعلى سلفه ـ كتابة إليّ بجميع مسموعاته ومستجازاته ومناولاته ومصنفاته في شهر رمضان سنة أربع وستين وست مائة ـ قال : أخبرني عمي شيخ الإسلام شهاب الدين إسماعيل بن أحمد قدّس الله روحه إجازة ، قال : أنبأنا شيخ الإسلام محمد بن الحسين بن علي القلانسي أنبأنا القاضي أبو بكر محمد بن عبد الملك الماسكاني أنبأنا الفقيه أبو مالك تميم بن فرسام بن علي بن زرعة الخطيب ، قال : أخبرنا الفقيه أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم (٢) السمرقندي رحمه‌الله ، قال : حدثنا الفقيه أبو جعفر ، قال : [حدّثنا] أبو نصر محمد بن محمد بن نصرويه ، قال : حدثنا أبو شهاب معمر بن محمد ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم (٣) قال : حدثنا بشر الزيات ، عن الأعمش وخطاف وعنبسة ونحو من خمسين شيخا كلّهم يسندون هذا الخبر إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام انه قال :

يا أيّها الناس احفظوا عني خمسا ـ أو [قال] احفظوا عني ثنتين وثنتين وواحدة ـ : ألا لا يخافنّ أحد منكم إلّا ذنبه. ولا يرجونّ إلّا ربّه. ولا يستحيي أحد منكم إذا لم يعلم أن يتعلّم. ولا يستحيي [أحد] منكم إذا سئل وهو لا يعلم أن يقول : لا أعلم.

__________________

(١) هذا هو الصواب ، وفي الأصل : «وسنة جميع حكيم وصديق».

(٢) كذا في نسخة السيد علي نقي ، وفي نسخة طهران : «أبو الليث نصر بن محمد بن نصرويه إبراهيم السمرقندي ...».

(٣) كذا في مخطوطة السيد علي نقي ، وفي مخطوطة طهران : «مكي بن إبراهيم».

٤١٦

إنّ الصبر من الأمور (١) بمنزلة الرأس من الجسد ، فإذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد ، وإذا فارق الصبر الأمور فسدت الأمور.

ثم قال [عليه‌السلام] : ألا أدلّكم على الفقيه كلّ ـ الفقيه؟ قالوا : بلى يا أمير المؤمنين. قال : من لم يؤيس الناس من روح الله ، ولم يقنط الناس (٢) من رحمة الله ، ولم يؤمن الناس من مكر الله ولم يزيّن للناس معاصي الله (٣).

ولا تنزلوا العارفين الموحّدين الجنّة ، ولا تنزلوا العاصين المذنبين النار حتى يكون الربّ تبارك وتعالى هو الذي يقضي بينهم.

ولا يأمننّ خير هذه الأمّة من عذاب الله تعالى (٤) والله تعالى يقول : (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) [٩٩ / الأعراف : ٧] ولا ييأس شرّ هذه الأمّة من روح الله ، والله تعالى يقول : (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) [٨٧ يوسف : ١٢].

٣٤٧ ـ أنبأنا ـ عن جدّي شيخ الإسلام جمال السنة أبي عبد الله محمد بن حمويه الجويني رضي‌الله‌عنه ـ الشيخ الإمام العدل أبو طالب [علي] بن أنجب

__________________

(١) كذا في الأصل هاهنا ، ولهذا الكلام أسانيد ومصادر كثيرة ، وقد تقدم أيضا تحت الرقم : (٣٣٠) بسند آخر ، ونصه : «إن الصبر من الإيمان ...» وهو الشائع في جميع ما رأيناه من الطرق والمصادر ، فالظاهر أن ما هاهنا من أغلاط بعض الرواة أو تصحيف من بعض الكتاب ، ومعنى ما هاهنا وإن كان في الواقع صحيحا أيضا ويمكن حمله على صدور الكلام عنه عليه‌السلام تارة بعنوان : «إن الصبر من الإيمان ...».

وأخرى بعنوان : «إن الصبر من الأمور ...» ولكن بما أنا لم نظفر به بهذا اللفظ إلا في هذا الأصل الذي وصل إلينا بالخط السقيم لا نطمئن بصدوره عنه عليه‌السلام بهذا اللفظ.

(٢) كذا في الأصل ، وفي المختار : (٩٠) من الباب الثالث من نهج البلاغة : «الفقيه كل الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله ، ولم يؤيسهم من روح الله ، ولم يؤمنهم من مكر الله».

(٣) ورواه أيضا في ترجمة ابن بطة عبيد الله بن محمد العكبري تحت الرقم : (٦٢٢) من كتاب طبقات الحنابلة : ج ٢ ص ١٤٩ ، قال :

حدثنا أحمد بن عثمان الآدمي حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم ، حدثنا بكر بن حبيش ، عن ليث بن أبي سليم ، عن أبي هريرة الأنصاري عن علي ...

وساق الكلام بمغايرة في بعض الألفاظ إلى أن قال : ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره.

ثم قال : وذكر الكلام بطوله.

أقول : ولعله إشارة إلى الذيل المذكور هاهنا. وقد مرت أيضا القطعة الأولى منه بسند آخر في الحديث : (٣٣٠) وكلتا الفقرتين ذكرناهما في المختار : (٣٧) من القسم الثاني من خطب نهج السعادة : ج ٣ ص ١٣٢ ، ط ١ ، نقلا عن العقد الفريد : ج ٤ ص ١٤٦.

(٤) وفي المختار : (٣٧٦) من قصار نهج البلاغة : «لا تأمتن على خير هذه الأمة عذاب الله ... ولا تيأس لشر هذه الأمة من روح الله ...».

٤١٧

ابن عبيد الله ، عن أبي أحمد علي بن علي بن سكينة إجازة عنه رضي‌الله‌عنه ، إجازة عن القاضي الإمام فخر الإسلام أبي المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني إملاء ـ سنة ثمان وستين وأربع مائة ـ قال : أنبأنا القاضي الإمام أبو بكر عبد الملك بن عبد العزيز البلخي ـ رحمه‌الله ـ بغزنة ، حدثنا الحسن بن طاهر النطنزي أنشدني أحمد بن تميم ، أنشدني أبي عن الأصمعي عن (الإمام) جعفر الصادق ، عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام [أنّه قال] :

عش موسرا إن شئت أو معسرا

لا بدّ في الدّنيا من الغم

[وقال عليه‌السلام] :

وعيشك بالهمّ مقرونة (١)

فلا تقطع الدّهر إلّا بهمّ

حلاوة دنياك مسمومة

فلا تأكل الشّهد إلّا بسمّ

محامدك اليوم مذمومة

فلا تكسب الحمد إلّا بذمّ

إذا تمّ أمر بدا نقصه (٢)

توقّع زوالا إذا قيل تمّ

إذا كنت في نعمة فارعها

فإن المعاصي تزيل النّعم

وداوم عليها بشكر الإله (٣)

فإنّ الإله سريع النقم

٣٤٨ ـ أخبرنا الشيخ الإمام مجد الدين محمد بن يحيى بن الحسين بقراءتي عليه بظاهر قرية «قهود» المشهور (ة) ب «نقورقلعة» (٤) من قرى مدينة أبهر ، بروايته عن جدّه الإمام مجد الدين محمد بن (٥) أبي القاسم عبد الله بن حيدر إجازة بروايته عن والده بروايته عن جدي شيخ الإسلام جمال السنة رضي‌الله‌عنه إجازة إن لم يكن سماعا.

وأخبرني الإمام المسند فخر الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي كتابة بروايته عن الشيخ الصالح أبي سعيد قيس بن محمد ابن أبي سعيد ابن طاهر الحرمي إجازة (٦) قال : أخبرنا الشيخ الإمام الأجلّ معين الدين أبو عبد الله

__________________

(١) كذا في الأصل ، والمذكور في الديوان المنسوب إليه عليه‌السلام : «حياتك بالهم مقرونة».

(٢) كذا في نسخة طهران ، وفي نسخة السيد علي نقي «دنا نقصه».

(٣) هذان المصرعان غير موجودين في نسخة السيد علي نقي وإنما هما من نسخة طهران.

(٤) كذا في نسخة طهران ، وفي نسخة السيد علي نقي : «بسقود قلعة».

(٥) لفظة : «محمد» غير موجودة في نسخة السيد علي نقي وإنما هي في مخطوطة طهران.

(٦) كذا في نسخة طهران ، وفي نسخة السيد علي نقي : «طاهر ابن الحربي إجازة»؟.

٤١٨

محمد بن حمويه الجويني رضي‌الله‌عنه ـ قدم علينا حاجّا سنة أربع وعشرين وخمس مائة ـ بإسناده.

[و] أنبأني الشيخ الإمام أبو الفضل [عبد الله] بن محمود بن مودود الحنفي تغمّده الله برحمته ، قال : أنبأنا الشيخ عبد المجيب ابن أبي القاسم ابن زهير ، قال : أنبأنا الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمّد بن عليّ السلامي إجازة ، قال : أنبأنا الشريف الكامل نقيب النقباء طراد بن محمد العباسي قراءة عليه ، قال : أنبأنا أبو بكر محمد بن أحمد بن وصيف قراءة عليه ، قال : أنبأنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن يونس ، قال حدثنا محمد بن روح الرقاشي قال : حدثنا بدل بن المحبّر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق :

عن عاصم بن ضمرة ، قال : سمعت عليّ بن أبي طالب [عليه‌السلام] يقول :

وكن معدنا للحلم (١) واصفح عن الأذى

فإنّك لاق ما عملت وسامع

وأحبب إذا أحببت حبّا مقاربا

فإنّك لا تدري متى الحبّ نافع

وأبغض إذا أبغضت بغضا مقاربا

فإنك لا تدري متى الحب راجع

فرائد كلمات عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) منقولة ، وإشارات رياض الحقائق بسحابها الهتون مطلولة (٢) :

٣٤٩ ـ أنبأني شيخنا الإمام (٣) نجم الدين أبو عمرو عثمان بن الموفّق الأذكاني قال : أنبأنا الحافظ الإمام ضياء الدين ابن الغزال الأصبهاني إجازة (٤) قال : أنبأنا الشيخ أبو نعيم رحمه‌الله (٥) قال ـ في [عنوان] : ذكر أمير المؤمنين عليه‌السلام وما حفظ عنه من وثيق العبارات ودقيق الإشارات ـ :

حدّثنا عليّ بن محمد بن إسماعيل الطوسي وإبراهيم بن إسحاق ، قالا : حدثنا أبو بكر ابن خزيمة ، حدّثنا علي بن حجر ، حدثنا يوسف بن زياد ، عن يوسف ابن أبي المسد ، عن إسماعيل ابن أبي خالد ، عن قيس ابن أبي حازم قال :

__________________

(١) كذا في نسخة السيد علي نقي ، وفي نسخة طهران : «للعلم».

(٢) كذا في مخطوطة طهران ، وفي نسخة السيد علي نقي : «طلولة».

(٣) كذا في نسخة السيد علي نقي ، وفي مخطوطة طهران : «أنبأني [ال] شيخ الإمام».

(٤) كذا في نسخة طهران ، وتقدم مثله في الحديث : (١٣٢) في الباب : (٣٣) ص ٧٣ ط ١ ، وفي هذه الطبعة ص ١٦٠. وفي نسخة السيد علي نقي : «صائن الدين ابن العزال ...».

(٥) هذا هو الظاهر الموافق لما مر في الباب (٣٣) وهنا في أصلي : قال : أنبأنا قال الشيخ أبو نعيم ...

أقول : والحديث رواه أبو نعيم في ترجمة أمير المؤمنين من حلية الأولياء : ج ١ ، ص ٧٥ ، ورواه أيضا في ج ١٠ ، ص ٣٨٨.

٤١٩

قال عليّ عليه‌السلام : كونوا لقبول العمل : أشدّ اهتماما منكم بالعمل فإنّه لن يقلّ عمل مع التقوى وكيف يقلّ عمل يتقبّل؟! (١).

٣٥٠ ـ [وأيضا قال أبو نعيم] حدثنا عمر بن محمد بن عبد الصمد ، حدثنا الحسين بن محمد بن عمر ، حدثنا الحسن بن علي حدثنا خلف بن تميم ، حدثنا عمرو ابن أبي الرجال ، عن العلاء بن المسيّب ، عن عبد خير :

عن علي عليه‌السلام [قال :] ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ، ولكنّ الخير أن يكثر عملك ويعظم حلمك وأن تباهى الناس بعبادة ربّك ، فإن أحسنت حمدت الله ، وإن أسأت استغفرت الله.

ولا خير في الدنيا إلّا لأحد رجلين : رجل أذنب ذنوبا فهو يتدارك ذلك بتوبة ،

ورجل مسارع في الخيرات.

ولا يقلّ عمل في تقوى وكيف يقلّ ما يتقبّل (٢).

٣٥١ ـ أخبرني المشايخ بدر الدين إسكندر بن سعد بن أحمد بن محمد الطاوسي وإمام الدين أحمد بن يحيى بن الحسين بن عبد الكريم ، وجمال الدين أحمد بن محمد ابن محمد القزوينيون ، بروايتهم عن الشيخة أم هانئ عفيفة بنت أبي بكر أحمد ابن عبد الله الفارقانية إجازة ، قالت : أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحدّاد الأصبهاني إجازة ، قال : أنبأنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني رحمه‌الله إجازة ، قال : حدثنا محمد بن عمر بن سلم ، قال : حدثنا القاسم بن محمد بن جعفر بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب قال : حدثني أبي عن أبيه :

عن أبي عبد الله جعفر بن محمد بن علي عن أبيه [محمد بن علي ، عن أبيه] عليّ بن الحسين بن علي ، عن الحسين بن علي ، عن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من نقله الله من ذلّ المعاصي إلى عزّ التقوى أغناه الله بلا مال ، وأعزّه بلا عشيرة ، وآنسه بلا أنس.

ومن خاف الله أخاف الله منه كلّ شيء ، ومن لم يخف الله أخافه الله من كلّ شيء.

ومن رضي من الله باليسير من الرزق رضي‌الله‌عنه باليسير من العمل. ومن

__________________

(١) وفي المختار : (٩٥) من قصار نهج البلاغة : «وكيف يقل ما يتقبل». ومثله في باب :

«الطاعة والتقوى» من أصول الكافي : ج ٢ ص ٧٥ ، وأمالي الشيخ المفيد ، ص ١٥١ ، وأمالي الطوسي ج ١ ، ص ٦٠. ورواه أيضا ابن أبي الدنيا ، ورواه عنه الخوارزمي في الفصل : (٢٤) من مناقبه ص ٢٦٥.

(٢) وهذا أيضا رواه أبو نعيم في ترجمة أمير المؤمنين من حلية الأولياء : ج ١ ، ص ٧٥ ، وفي ج ١٠ ، ص ٣٨٨.

٤٢٠