معجم البلدان - ج ١

شهاب الدين أبي عبدالله ياقوت بن عبدالله الحموي الرومي البغدادي

معجم البلدان - ج ١

المؤلف:

شهاب الدين أبي عبدالله ياقوت بن عبدالله الحموي الرومي البغدادي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار صادر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٠

للشجرة وغيرها بالغداة ، والفيء بالعشيّ ، كما قال حميد بن ثور :

فلا الظلّ ، من برد الضّحى ، تستطيعه ،

ولا الفيء ، من برد العشيّ ، تذوق

وقال أبو عبيدة : كل ما كانت الشمس عليه وزالت ، فهو فيء وظلّ ، وما لم تكن الشمس عليه فهو ظلّ ، ومنه قوله تعالى ، في قتال أهل البغي : (حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) ، الآية ، أي ترجع ، وسمّي هذا المال فيئا ، لأنه رجع إلى المسلمين من أملاك الكفّار. وقال أبو منصور الأزهري في قوله تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) ، الآية ، أي ما ردّ الله على أهل دينه من أموال من خالف أهل ملّته بلا قتال ، إما أن يجلوا عن أوطانهم ويخلّوها للمسلمين ، أو يصالحوا على جزية يؤدّونها عن رؤوسهم ، أو مال غير الجزية يفتدون به من سفك دمائهم ، فهذا المال هو الفيء في كتاب الله. قال الله تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) ، أي لم توجفوا عليه خيلا ولا ركابا. أنزلت في أموال بني النضير حين نقضوا العهد وجلوا عن أوطانهم إلى الشام ، فقسم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أموالهم من النخيل وغيرها في الوجوه التي أراد الله أن يقسمها فيها ، وقسمة الفيء غير قسمة الغنيمة التي أوجف عليها بالخيل والركاب.

قلت : هذه حكاية قول الأزهري ، وهو مذهب الإمام الشافعي ، رضي الله عنه ، وإذا كان الفيء ، كما قلنا ، الرجوع ، فلا فرق بين أن يرجع إلى المسلمين بالإيجاف أو غير الإيجاف ، ولا فرق أن يفيء على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، خاصّة أو على المسلمين عامّة ، وأما الآية فإنما هي حكاية الحال الواقعة في قصة بني النضير ، لا دليل فيها على أن الفيء يكون بإيجاف أو بغير إيجاف ، لأن الحال هكذا وقعت ، ولو فاء هذا المال بالإيجاف وكان للمسلمين عامّة ، لجاز أن يجيء في الآية : ما أفاء الله على المؤمنين من أهل القرى ، ففي رجوع الفيء إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بنفي الإيجاف ، دليل على أنه يفيء على غيره بوجود الإيجاف ، ولولا أنهما واحد لاستغنى عن النّفي واكتفى بقوله عز وجل : ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ، إذ كان الكلام بدون نفيه مفهوما. وقد عكس قدامة قول الأزهري ، فقال : إن الفيء اسم لما غلب عليه المسلمون من بلاد العدوّ قسرا بالقتال والحرب ، ثم جعل موقوفا عليهم ، لأن الذي يجتبى منهم راجع إليهم في كل سنة. قلت : فتخصيص قدامة لمال الفيء ، بأنه لا يكون إلا ما غلب عليه قسرا بالقتال ، غلط. فإن الله سمّاه فيئا في قوله تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ). والذي يعتمد عليه ، أن الفيء كلّ ما استقرّ للمسلمين وفاء إليهم من الكفار ، ثم رجعت إليهم أمواله في كل عام ، مثل مال الخراج وجزية الرءوس ، كأموال بني النضير ، ووادي القرى ، وفدك التي فتحت صلحا لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، وكأموال السواد التي فتحت عنوة ثم أقرّت بأيدي أهلها يؤدّون خراجها في كل عام. ولا اختلاف بين أهل التحصيل ، أن الذي افتتح صلحا ، كأموال بني النضير وغيرهم ، يسمّى فيئا ، وأن الذي افتتح من أراضي السواد وغيرها عنوة وأقرّ بأيدي أهله ، يسمّى فيئا ، لكن الفرق بينهما أن ما فتح

٤١

عنوة كان فيئا للمسلمين الذين شهدوا الفتح يقسم بينهم ، كما فعل رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بأموال خيبر ويسمّى غنيمة أيضا ، وأما الذين رغبوا في الصلح مثل وادي القرى وفدك أو جلوا عن أوطانهم من غير أن يأتيهم أحد من المسلمين ، كأموال بني النضير ، فأمره إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، والأئمة من بعده يقسمون أمواله على من يريدون ، كما يرون فعل رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بأموال هؤلاء.

وأما الغنيمة : فهو ما غنم من أموال المشركين من الأراضي كأرض خيبر ، فإن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قسمها بين أصحابه بعد إفراد الخمس ، وصارت كل أرض لقوم مخصوصين ، وليست كأموال السواد التي فتحت أيضا عنوة ، لكن رأى عمر ، رضي الله عنه ، أن يجعلها لعامّة المسلمين ، ولم تقسم فصارت فيئا يرجع إلى المسلمين في كل عام. ومن الغنيمة الأموال الصامتة التي يؤخذ خمسها ويقسم باقيها على من حضر القتال ، للفارس ثلاثة أسهم ، وللراجل سهم ، فهذا شيء استنبطته أنا بالقياس ، من غير أن أقف على نصّ هذا حكايته ، ثم بعد وقفت على كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام ، فوجدته مطابقا لما كنت قلته ومؤيّدا له ، فإنه قال : الأموال التي تتولاها أئمة المسلمين ثلاثة ، وتأويلها من كتاب الله : الصدقة ، والفيء ، والخمس ، وهي أسماء مجملة يجمع كل واحد منها أنواعا من المال.

فأما الصدقة : زكاة أموال المسلمين ، من الذهب والورق والإبل والبقر والغنم والحبّ والثمر ، فهذه هي الأصناف الثمانية التي سمّاها الله تعالى ، لا حقّ لأحد من الناس فيها سواهم. وقال عمر ، رضي الله عنه : هذه لهؤلاء ، وأما مال الفيء ، فما اجتبي من أموال أهل الذّمّة من جزية رؤوسهم التي بها حقنت دماؤهم وحرّمت أموالهم ، بما صولحوا عليه من جزية ، ومنه خراج الأرضين التي افتتحت عنوة ثم أقرّها الإمام بأيدي أهل الذمّة على قسط يؤدّونه في كل عام ، ومنه وظيفة أرض الصلح التي منعها أهلها حتى صولحوا عنها على خرج مسمّى. ومنه ما يأخذه العاشر من أموال أهل الذمّة التي يمرّون بها عليه في تجاراتهم ، ومنه ما يؤخذ من أهل الحرب إذا دخلوا بلاد الإسلام للتجارات ، فكل هذا من الفيء ، وهذا الذي يعمّ المسلمين ، غنيّهم وفقيرهم ، فيكون في أعطية المقاتلة ، وأرزاق الذّريّة ، وما ينوب الإمام من أمور الناس بحسن النظر للإسلام وأهله.

وأما الخمس : فخمس غنائم أهل الحرب ، والركاز العاديّ ، وما كان من عرض ، أو معدن ، فهو الذي اختلف فيه أهل العلم ، فقال بعضهم : هو للأصناف الخمسة المسمّين في الكتاب لما قال عمر ، رضي الله عنه ، وهذه لهؤلاء ، وقال بعضهم : سبيل الخمس سبيل الفيء ، يكون حكمه إلى الإمام ، إن رأى أن يجعله فيمن سمّى الله جعله ، وإن رأى أن الأفضل للمسلمين والأوفر لحظهم أن يضعه في بيت مالهم لنائبة تنوبهم ومصلحة تعنّ لهم ، مثل سدّ ثغر ، وإعداد سلاح وخيل وأرزاق أهل الفيء من المقاتلين والقضاة وغيرهم ممن يجري مجراهم ، فعل.

وأما القطيعة : فلها معنيان ، أحدهما أن يعمد الإمام الجائز الأمر والطاعة إلى قطعة من الأرض

٤٢

يفرزها عما يجاورها ، ويهبها ممن يرى ، ليعمرها وينتفع بها ، إما أن يجعلها منازل يسكنها ويسكنها من يشاء ، وإما أن يجعلها مزدرعا ينتفع بما يحصل من غلّتها ، ولا خراج عليه فيها ، وربما جعل على مزدرعها خراج ، وهذه حال قطائع المنصور وولده بعده ببغداد في محالّها ، فمن ذلك قطيعة الربيع ، وقطيعة أمّ جعفر ، وقطيعة فلان ، وقد ذكرت في مواضعها من الكتاب. وأما القطيعة الأخرى ، فهي أن يقطع السلطان من يشاء من قوّاده وغيرهم ، القرى والنواحي ، ويقطع عليهم عنها شيئا معلوما يؤدّونه في كل عام ، قلّ أو كثر ، توفّر محصولها أو نزر ، لا مدخل للسلطان معه في أكثر من ذلك.

٤٣

الباب الرابع

في أقوال الفقهاء في أحكام أراضي الفيء والغنيمة وكيف قسمة ذلك

قال مسلمة بن محارب : حدّثني قحذم قال : جهد زياد في سلطانه ، أن يخلّص الصّلح من العنوة ، فما قدر ، مع قرب العهد ووجود من حضر الفتوح ، فأما الحكم في ذلك ، فهو أن تخمّس الغنيمة ، ثم تقسم أربعة الأخماس بين الذين افتتحوها ، وقال بعضهم : ذلك إلى الإمام ، إن رأى أن يجعلها غنيمة فيخمّسها ويقسم الباقي كما فعله رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بخيبر فذلك إليه ، وإن رأى أن يجعلها فيئا ، فلا يخمسها ولا يقسمها ، بل تكون مقسومة على المسلمين كافّة ، كما فعل عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، بمشورة عليّ بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، ومعاذ بن جبل ، وأعيان الصحابة ، بأرض السواد ، وأرض مصر ، وغيرهما مما فتحه عنوة. أخذ رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بقوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) ، وبذلك أشار الزبير في مصر ، وبلال في الشام ، وهو مذهب مالك بن أنس ، فالغنيمة ، على رأيهم ، لأهلها دون الناس. واعتمد عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، وعليّ بن أبي طالب ، ومعاذ بن جبل ، رضي الله عنهما ، في قوله عز وجل : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) ، إلى قوله تعالى : (« لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) ... (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ... (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) وبذا أخذ سفيان الثوري. فإن قسّم الأرض بين من غلب عليها ، كما فعل رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بأراضي خيبر ، صارت عشريّة وأهلها رقيقا ، فإن لم يقسمها وتركها للمسلمين كافّة ، فعلى رقاب أهلها الجزية ، وقد عتقوا بها ، وعلى الأرض الخراج ، وهي لأهلها ، وهو قول أبي حنيفة ، رضي الله عنه ، وإذا أسلم الرجل من أهل العنوة وأقرّت أرضه في يده يعمرها ، فيؤدّي الخراج عنها ، ولا اختلاف في ذلك لقوم ، بل يكون الخراج عليه ، ويزكي بقية ما تخرجه الأرض ، بعد إخراج الخراج ، إذا بلغ الحبّ خمسة أوسق. وروي عن عليّ ، رضي الله عنه ، أنه قال : لا يؤخذ من أرض الخراج إلا الخراج وحده ، يقول : لا يجمع على المسلم الخراج والزكاة جميعا ، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه. وقال : أبو يوسف وشريك بن عبد الله في آخرين : إذا استأجر المسلم أرضا خراجيّة ، فعلى صاحب الأرض الخراج ، وعلى المسلم أن يزكي أرضه إذا بلغ ما يخرج منها خمسة أوسق ، وكان

٤٤

الحسن رأى الخراج على ربّ الأرض ، ولم ير على المستأجر شيئا. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : أجرة من يقسم غلّة العشر والخراج ، من أصل الكيل. وكان سفيان يرى أن أجور الخراج على السلطان وأجور العشر على أهل الأرض. وقال مالك بن أنس : أجور العشر على صاحب الأرض وأجور الخراج على الوسط. وقال مالك وأبو حنيفة وعامّة الفقهاء : إذا عطّل رجل من أهل العنوة أرضه أمر بزراعتها وأداء خراجها ، فإن لم يفعل أمر أن يدفعها إلى غيره ، وأما أرض العشر فلا يقال له فيها شيء إن زرعت أخذت منه الصدقة وإن أبى فهو أعلم. وقالوا : إذا بني في أرض العشر بناء من حوانيت وغيرها ، فلا شيء عليه ، وإن جعلها بستانا لزمه الخراج. وقال مالك بن أنس وابن أبي ذؤيب وأبو عمرو الأوزاعي : إذا أصابت الغلّات آفة ، سقط الخراج عن صاحبها ، وإذا كانت أرض من أراضي الخراج لعبد أو مكاتب أو امرأة ، فإن أبا حنيفة قال : عليها الخراج فقط. وقال سفيان وابن أبي ذؤيب ومالك : عليها الخراج وفيما بقي من الغلّة العشر. وقال أبو يوسف في أرض موات من أرض العنوة ، يحييها المسلم ، إنها له ، وهي أرض خراج إن كانت تشرب من ماء الخراج ، وإن استنبط لها عينا ، أو سقاها ماء السماء ، فهي أرض عشر. وقال بشر : هي أرض عشر شربت من ماء الخراج أو غيره. وقال أبو يوسف : إن كان للبلاد سنّة أعجمية قديمة لم يغيّرها الإسلام ولم يبطلها ، ثم شكاها قوم إلى الإمام ، وسألوه إزالة معرّتها ، فليس له أن يغيرها. وقال مالك والشافعي : يغيّرها وإن قدمت ، لأن عليه إزالة كل سنّة جائزة سنّها أحد من المسلمين ، فضلا عمّا سنّ أهل الكفر. فهذا كاف في حكم أراضي الخراج.

وأما حكم أراضي العشر : فهي ستة أضرب ، منها الأرضون التي أسلم عليها أهلها ، وهي في أيديهم ، مثل اليمن ، والمدينة ، والطائف ، فإن الذي يجب على هؤلاء ، العشر. وقد أدخل بعض الفقهاء في هذا القسم أرض العرب الذين لم يقبل منهم إلا الإسلام أو السّيف ، وكان بين من أسلم طوعا وبين من أسلم كرها ، فرق قد بيّنه النبي ، صلى الله عليه وسلم ، بالفعل ، وذاك أنه جعل لأهل الطائف الذين كان إسلامهم طوعا ما لم يجعل لغيرهم ، مثل تحريمه واديهم ، وأن لا تغيّر طوائفهم ، ولا يؤمّر عليهم إلا منهم ، وأخذ من دومة الجندل بعض أموالهم ، واستثنى عليهم الحصن ونزع الحلقة وهي السلاح والخيل ، لأنهم جاءوا راغبين في الإسلام غير مكرهين ، فأمّنهم النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وكان ذلك بعد أن غلب المسلمون على أرضهم فلم يؤمن غدرهم ، فلذلك أخذ سلاحهم ، ومثل ذلك صنع أبو بكر ، رضي الله عنه ، بأهل الردّة بعد أن قهروا ، فاشترط عليهم الحرب المجلية ، أو السلم المخزية ، بأن ينزع منهم الكراع والحلقة ، ومنها ما يستحييه المسلمون من أرض الموات التي لا ملك لأحد من المسلمين أو المعاهدين فيها ، فيلزمهم العشر في غلّاتها ، ومنها ما يقطعه الأئمة بعض المسلمين ، فإذا صار ، في يده بذلك ، الاقطاع ، لزمه فيه الزكاة ، وهي العشر أيضا ، ومنها ما يحصل ملكا لمسلم مما يقسمه الأئمة من أراضي العنوة بين من أوجف عليها من المسلمين ، ومنها ما يصير بيد مسلم من الصفايا التي أصفاها عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، من أراضي السواد ، وهي ما كان لكسرى خاصّة ولأهل بيته ، ومنها ما

٤٥

جلا عنه العدوّ من أرضهم ، فحصل في يد من قطنه ، وأقام به من المسلمين مثل الثغور.

وأما الأخماس : فمنها : خمس الغنيمة التي كان يأخذها النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ومنها أخماس المعدن واشتقاقه من عدن بالمكان ، إذا أقام به وثبت ، وكان ذلك لازما له كمعدن الذهب والفضّة والحديد والصفر وما يستخرج من تراب الأرض بالحيلة أبدا ، ففيه الخمس ، ومنها سيب البحر ، وهو ما يلقيه ، كالعنبر وما أشبهه ، فكأنه عطاء البحر ، فيه الخمس ، ومنها : ما يأخذه العاشر من أموال المسلمين وأهل الذّمة والحرب ، التي يتردّد بها في التجارات. ثم نقول الآن : قال أهل العلم : أيما أهل حصن أعطوا الفدية ، من حصنهم ، ليكفّ عنهم ، ورأى الإمام ذلك حظّا للدين والإسلام ، فتلك المدينة للمسلمين ، فإذا ورد الجند على حصن ، وهم في منعة لم يظهر عليهم بغلبة ، لم تكن تلك الفدية غنيمة للذين حضروا دون جماعة المسلمين.

وكل ما أخذ من أهل الحرب من فدية ، فهي عامّة وليست بخاصّة من حضر. وقال يحيى بن آدم : سمعت شريكا يقول : إنما أرض الخراج ما كان صلحا على الخراج يؤدّونه إلى المسلمين. قال يحيى : فقلت لشريك : فما حال السواد؟ قال : هذا أخذ عنوة فهو فيء ، ولكنّهم تركوا فيه ، فوضع عليهم شيء يؤدّونه. قال : وما دون ذلك من السواد فيء ، وما وراءه صلح. وأبو حنيفة ، رضي الله عنه ، يقول : ما صولح عليه المسلمون ، فسبيله سبيل الفيء. وروي عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : لعلّكم تقاتلون قوما ، فيدفعونكم بأموالهم دون أنفسهم وأبنائهم ، ويصالحونكم على صلح ، فلا تأخذوا فوق ذلك ، فإنه لا يحلّ لكم. ورخّص بعض الفقهاء في الازدياد على ما يحتمل الزيادة ، وفي يده الفضل من أهل الصلح ، واتّبعوا في ذلك سننا وآثارا ممن سلف ، إلا أن الفرق بين الصلح والعنوة ، وإن كانا جميعا من العشر والخراج. إلا أنه وقع في ملك أهل العنوة خلاف ، ولم يقع في ملك أهل الصلح. وكره بعض أهل النظر شراء أرض أهل العنوة ، واجتمع الكل على جواز شراء أرض أهل الصلح ، لأنهم ، إذا صولحوا قبل القدرة عليهم والغلبة لهم ، فأرضوهم ، ملك في أيديهم. وقال الشافعي ، رضي الله عنه : إن مكث أهل الصلح أعواما لا يؤدّون ما صولحوا عليه من فاقة أو جهد ، كان ذلك عليهم إذا أيسروا. وقال أبو حنيفة ، رضي الله عنه : يؤخذون بأداء ما وجب عليهم مستأنفا ولا شيء عليهم فيما مضى. وهو قول سفيان الثوري. وقال مالك وأهل الحجاز : إذا أسلم الرجل من أهل الصلح أخذ من أرضه العشر وسقطت حصّته من الصلح ، فإن أهل قبرس لو أسلموا جميعا ، كانت أرضهم عشريّة ، لأنها لم تؤخذ منهم ، وإنما أعطوا الفدية عن القتل. وأبو حنيفة وسفيان وأهل العراق يجرون الصلح مجرى الفيء ، فإن أسلم أهله أجروا على أمرهم الأول في الصلح ، إلا أنه لا يزداد عليهم في شيء ، وإن نقضوا ، إذا كان مال الصلح محتاجا لمعايشهم ، فلا بأس به.

٤٦

الباب الخامس

في جمل من أخبار البلدان

قال الحجّاج لزادان فرّوخ : أخبرني عن العرب والأمصار. فقال : أصلح الله الأمير ، أنا بالعجم أبصر منّي بالعرب. قال : لتخبرني. قال : سلني عمّا بدا لك. قال : أخبرني عن أهل الكوفة. قال : نزلوا بحضرة أهل السواد ، فأخذوا من مناقبهم ومن سماحتهم. قال : فأهل البصرة؟ قال : نزلوا بحضرة الخوز فأخذوا من مكرهم وبخلهم. قال : فأهل الحجاز؟ قال : نزلوا بحضرة السّودان فأخذوا من خفّة عقولهم وطربهم. فغضب الحجاج ، فقال : أعزّك الله ، لست منهم حجازيّا ، أنت رجل من أهل الشام. قال : أخبرني عن أهل الشام. قال : نزلوا بحضرة أهل الروم فأخذوا من ترفّقهم وصناعتهم وشجاعتهم. وسأل معاوية ابن الكوّاء عن أهل الكوفة ، فقال : أبحث الناس عن صغيرة ، وأضيعهم لكبيرة. قال : فأهل البصرة؟ قال : غنم وردن جميعا وصدرن شتّى. قال : فأهل الحجاز؟ قال : أسرع الناس إلى فتنة وأضعفهم فيها. قال : فأهل مصر؟ قال : أجدّاء أحدّاء أشدّاء أكلة من غلب. قال : فأهل الموصل؟ قال : قلادة أمّة فيها من كل خرزة. قال : فأهل الجزيرة؟ قال : كناسة بين المصرين. ثم سكت. قال ابن الكوّاء : سلني. فسكت. قال : لتسأل أو لأخبرك عمّا عنه تحيد. قال : أخبرني عن أهل الشام. قال : أطوع الناس لمخلوق ، وأعصاهم لخالق.

وقد جعلت القدماء ملوك الأرض طبقات ، فأقرّت ، فيما زعموا ، جميع الملوك لملك بابل بالتعظيم ، وأنه أول ملوك العالم ، ومنزلته فيها كمنزلة القمر في الكواكب ، لأن إقليمه أشرف الأقاليم ، ولأنه أكثر الملوك مالا ، وأحسنهم طبعا ، وأكثرهم سياسة وحزما ، وكانت ملوكه يلقّبونه بشاهنشاه ، ومعناه ملك الملوك ، ومنزلته من العالم كمنزلة القلب من الجسد والواسطة من القلادة. ثم يتلوه في العظمة ، ملك الهند ، وهو ملك الحكمة ، وملك الغلبة ، لأن عند الملوك الأكابر : الحكمة من الهند. ثم يتلوا ملك الهند في الرتبة ، ملك الصين ، وهو ملك الرعاية والسياسة وإتقان الصنعة ، وليس في ملوك العالم أكثر رعاية وتفقّدا من ملك الصين في رعيّته وجنده وأعوانه ، وهو ذو بأس شديد ، وقوّة ومنعة ، له الجنود المستعدّة ، والكراع والسلاح ، وجنده ذو أرزاق مثل ملك بابل. ثم يتلوه ملك الترك ، صاحب مدينة كوشان ، وهو ملك التغزغز ، ويدعى ملك السباع ، وملك الخيل ، إذ ليس في ملوك العالم أشدّ من رجاله ، ولا أجرأ منه على سفك الدماء ، ولا أكثر

٤٧

خيلا منه ، ومملكته ما بين بلاد الصين ومفاوز خراسان ، ويدعى بالاسم الأعمّ ، وهو إيرخان. وكان للترك ملوك كثيرة وأجناس مختلفة أولو بأس وشدّة ، لا يدينون لأحد من الملوك ، إلا أنه ليس فيهم من يداري ملكه. ثم ملك الروم ، ويدعى ملك الرجال ، وليس في ملوك العالم أصبح من رجاله. ثم تتساوى الملوك بعد هؤلاء في الترتيب ، وقال بعض الشعراء :

الدار داران : إيوان ، وغمدان ،

والملك ملكان : ساسان وقحطان

والأرض فارس ، والإقليم بابل ، وال

إسلام مكّة ، والدنيا خراسان

والجانبان العلندان اللّذا حسنا

منها : بخارا ، وبلخ الشاه ، توران

والبيلقان ، وطبرستان ، فأزرهما ،

واللّكز شروانها ، والجيل جيلان

قد رتّب الناس جمّ في مراتبهم :

فمرزبان ، وبطريق ، وطرخان

في الفرس كسرى ، وفي الروم القياصر ، وا

حبش النّجاشيّ ، والأَتراك خاقان

روي أن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، سأل كعب الأحبار عن البلاد وأحوالها ، فقال : يا أمير المؤمنين ، لما خلق الله ، سبحانه وتعالى ، الأشياء ألحق كلّ شيء بشيء ، فقال العقل : أنا لاحق بالعراق ، فقال العلم : أنا معك. فقال المال : أنا لاحق بالشام ، فقالت الفتن : وأنا معك. فقال الفقر : أنا لاحق بالحجاز ، فقال القنوع : وأنا معك. فقالت القساوة : أنا لاحقة بالمغرب ، فقال سوء الخلق : وأنا معك. فقالت الصباحة : أنا لاحقه بالمشرق ، فقال حسن الخلق : وأنا معك. فقال الشقاء : أنا لاحق بالبداوي ، فقالت الصحّة : وأنا معك. انتهى كلام كعب الأحبار ، والله الموفّق للصواب وإليه المرجع والمآب.

٤٨

أ

بسم الله الرحمن الرحيم

عونك اللهمّ يا لطيف وهاهنا نبدأ بما نحن بصدده من ذكر البلدان على حروف المعجم ، وأستعين بحول الله وبقوّته ، وأستنجد لهدايتي وإرشادي إلى الصواب ، موادّ كرمه ورحمته.

باب الهمزة والالف وما يليهما

آبَارُ الأعْرَاب : جمع بئر. يقال في جمعها آبار وبئار وأبار : موضع بين الأجفر وفيد ، على خمسة أميال من الأجفر. والآبار أيضا غير مضافة : كورة من كور واسط.

آبَجُ : بفتح الهمزة وبعد الألف باء موحدة مفتوحة وجيم : موضع في بلاد المعجم ينسب إليه أبو عبد الله محمد ابن محموية بن مسلم الآبجيّ ، روى عن أبيه وغيره ، وأخرج الحاكم حديثه ، ولا أدري أهو نسبة إلى آبه وزيدت الجيم للنسب ، كما قالوا في النسبة إلى أرمية أرمجي وإلى خونى خونجي ، أم لا ، والله أعلم.

آبُرُ : بفتح الهمزة وسكون الألف وضمّ الباء الموحدة وراء : قرية من قرى سجستان ، ينسب إليها أبو الحسن محمد بن الحسين بن ابراهيم بن عاصم الآبري ، شيخ من أئمة الحديث ، له كتاب نفيس كبير في أخبار الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ، رضي الله عنه ، أجاد فيه كل الإجادة ، وكان رحل إلى مصر والشام والحجاز والعراق وخراسان ، روى عن أبي بكر بن خزيمة ، والربيع بن سليمان الجيزي ، وكان يعدّ في الحفّاظ. روى عنه علي بن بشرى السجستاني ، وذكر الفرّاء أنه توفي في رجب سنة ٣٦٣.

آبَسْكُونُ : بفتح الهمزة وسكون الألف وفتح الباء الموحدة والسين المهملة ساكنة وكاف مضمومة وواو ساكنة ونون ، ورواه بعضهم بهمزة بعدها باء ليس بينهما ألف وقد ذكر في موضعه : بليدة على ساحل بحر طبرستان بينها وبين جرجان ثلاثة أيام ، وإليها ينسب بحر آبسكون ، وينسب إليها أبو العلاء احمد بن صالح بن محمد بن صالح التميمي الآبسكوني ، كان ينزل بصور على ساحل بحر الشام.

٤٩

آبِلٌ : بفتح الهمزة وبعد الألف باء مكسورة ولام : أربعة مواضع. وفي الحديث أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلّم ، جهّز جيشا بعد حجّة الوداع وقبل وفاته ، وأمر عليهم أسامة بن زيد ، وأمره أن يوطئ خيله آبل الزّيت ، بلفظ الزيت من الأدهان ، بالأردنّ من مشارف الشام ، قال النّجاشي :

وصدّت بنو ودّ صدودا عن القنا

إلى آبل ، في ذلّة وهوان

وآبِلُ القَمْح : قرية من نواحي بانياس من أعمال دمشق بين دمشق والساحل. وآبل أيضا ، آبل السّوق : قرية كبيرة في غوطة دمشق ، من ناحية الوادي ، ينسب إليها أبو طاهر الحسين بن محمد بن الحسين بن عامر بن احمد يعرف بابن خراشة الأنصاري الخزرجي المقري الآبلي ، إمام جامع دمشق ، قرأ القرآن على أبي المظفّر الفتح بن برهان الأصبهاني وأقرانه ، وروى عن أبي علي الحسين بن ابراهيم بن جابر ، يعرف بابن أبي الزّمزم الفرائضي ، وأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبد الله بن هلال الحنّائي ، واحمد بن محمد المؤذّن أبي القاسم ، وأبي بكر الميانجي ، وأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن ذكوان ، وأبي همّام محمد بن ابراهيم بن عبد الله الحافظ ، وروى عنه أبو عبد الله بن أبي الحديد ، ومحمد ابن أحمد بن أبي الصّفر الأنباري ، وأبو سعد السّمّان ، وأبو محمد عبد العزيز الكتّاني ، وقال : توفي شيخنا أبو طاهر الآبلي في سابع عشر ربيع الآخر سنة ٤٢٨ وكان ثقة نبيلا مأمونا. وقال أحمد بن منير :

حيّ الديار على علياء جيرون ،

مهوى الهوى ومغاني الخرّد العين

مراد لهوي ، إذ كفيّ مصرّفة

أعنّة العيش في فتح الميادين

فالنّير بين ، فمقرى ، فالسرير ، فخم

رايا ، فجوّ حواشي جسر جسرين

فالقصر ، فالمرج ، فالميدان ، فالشّرف ال

أعلى ، فسطرا ، فجرنان ، فقلبين

فالماطرون ، فداريّا ، فجارتها

فآبل ، فمغاني دير قانون

تلك المنازل ، لا وادي الأراك ، ولا

رمل المصلّى ، ولا أثلاث يبرين

وآبل أيضا من قرى حمص من جهة القبلة ، بينها وبين حمص نحو ميلين.

آبَنْدُونْ : الباء مفتوحة موحدة ونون ساكنة ودال مهملة وواو ساكنة ثم نون : هي قرية من قرى جرجان ، ينسب إليها أبو بكر أحمد بن محمد بن عليّ بن ابراهيم ابن يوسف بن سعيد الجرجاني الآبندوني ، روى عن أبي نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الفقيه ، وعليّ بن محمد القومسي البذشي ، وأبي الحسين محمد بن عبد الكريم الرازي ، وغيرهم ، وروى عنه أبو طاهر بن سلمة العدل ، وأبو منصور محمد بن عيسى الصوفي ، وأبو مسعود البجلي ، وكان صدوقا ، قاله شيرويه.

آبَهْ : بالباء الموحدة : قال أبو سعد : قال الحافظ أبو بكر احمد بن موسى بن مردويه : آبه من قرى أصبهان ، وقال غيره : إن آبه قرية من قرى ساوه ، منها جرير بن عبد الحميد الآبي سكن الري. قلت أنا : أما آبه ، بليدة تقابل ساوه تعرف بين العامّة بآوه ، فلا شكّ فيها ، وأهلها شيعة ، وأهل ساوه سنّية ، لا تزال الحروب بين البلدين قائمة على المذهب. قال أبو طاهر ابن سلفة : أنشدني القاضي أبو نصر أحمد بن العلاء الميمندي بأهر ، من مدن أذربيجان ، لنفسه :

٥٠

وقائلة أتبغض أهل آبه ،

وهم أعلام نظم والكتابة؟

فقلت : إليك عنّي إنّ مثلي

يعادي كلّ من عادى الصّحابه

وإليها ، فيما أحسب ، ينسب الوزير أبو سعد منصور ابن الحسين الآبي ، ولّي أعمالا جليلة ، وصحب الصاحب ابن عبّاد ثم وزر لمجد الدولة رستم بن فخر الدولة ابن ركن الدولة بن بويه ، وكان أديبا شاعرا مصنّفا ، وهو مؤلّف كتاب : نثر الدرر ، وتاريخ الري ، وغير ذلك ، وأخوه أبو منصور محمد كان من عظماء الكتّاب وجلّة الوزراء ، وزر لملك طبرستان. وآبه أيضا من قرى البهنسا من صعيد مصر. أخبرني بذلك القاضي المفضّل بن أبي الحجاج عارض الجيوش بمصر.

آتِيل :قلعة بناحية الزّوزان من قلاع الأكراد البختية ، معروفة عن عزّ الدين أبي الحسن علي بن عبد الكريم الجزري.

آجامُ البَريِد : بالجيم ، والبريد بفتح الباء الموحدة والراء المهملة وياء آخر الحروف ودال مهملة : ذكر أصحاب السير أنه كان بكسكر قبل خراب البطيحة ، نهر يقال له الجنب ، وكان عليه طريق البريد إلى ميسان ودستميسان ، والأهواز في جنبه القبلي ، فلما تبطّحت البطائح كما نذكره في البطيحة ، إن شاء الله تعالى ، سمّي ما استأجم من طريق البريد آجام البريد ، والآجام : جمع أجمة ، وهو منبت القصب الملتفّ. قال عبد الصّمد في ابن المعذّل :

رأيت ابن المعذّل نال عمرا

بشؤم ، كان أسرع في سعيد

فمنه موت جلّة آل سلم ،

ومنه قبض آجام البريد

الآجامُ : مثل الذي قبله إلا أنه غير مضاف : لغة في الآطام ، وهي القصور بلغة أهل المدينة ، واحدها أطم وأجم ، وكان بظاهر المدينة كثير منها ينسب كلّ واحد منها إلى شيء.

الآجُرُّ :بضم الجيم وتشديد الراء : وهو في الأصل اسم جنس للآجرّة ، وهو بلغة أهل مصر الطّوب ، وبلغة أهل الشام القرميد. درب الآجرّ : محلّة كانت ببغداد من محالّ نهر طابق بالجانب الغربي ، سكنها غير واحد من أهل العلم وهو الآن خراب ، ينسب إليها أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجرّي الفقيه الشافعي ، سمع أبا شعيب الحرّاني ، وأبا مسلم الكجي ، وكان ثقة ، صنّف تصانيف كثيرة ، حدّث ببغداد ، ثم انتقل إلى مكة فسكنها إلى أن مات بها في محرّم سنة ٣٦٠ ، روى عنه أبو نعيم الأصبهاني الحافظ ، وكان سمع منه بمكة ، ودرب الآجرّ ببغداد بنهر المعلّى ، عامر إلى الآن ، آهل.

آجِنْقانُ :بالجيم المكسورة والنون الساكنة وقاف وألف ونون : وهي قرية من قرى سرخس ، ينسب إليها أبو الفضل محمد بن عبد الواحد الآجنقاني ، والعجم يسمونها آجنكان.

آخُرُ :بضم الخاء المعجمة والراء : قصبة ناحية دهستان ، بين جرجان وخوارزم ، وقيل : آخر قرية بدهستان نسب إليها جماعة من أهل العلم ، منهم أبو الفضل العبّاس ابن أحمد بن الفضل الزاهد ، وكان إمام المسجد العتيق بدهستان ، وذكر أبو سعد في التحبير أبا الفضل خزيمة ابن علي بن عبد الرحمن الآخري الدهستاني ، وقال : كان فقيها ، فاضلا ، معتزليّا ، أديبا ، لغويّا ، سمع بدهستان أبا الفتيان عمر بن عبد الكريم الرّوّاسي ، وبندار بن عبد الواحد الدهستاني ، وغيرهما ، مات

٥١

بمرو في صفر سنة ٥٤٨. وإسماعيل بن أحمد بن محمد ابن أحمد بن حفص بن عمر أبو القاسم الآخري ، روى عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الخوّاص بربض آمد ، عن الحسن بن الصّبّاح الزعفراني ، حديثا منكرا حمل فيه على الخوّاص. روى عنه الحافظ حمزة بن يوسف السّهمي. وآخر قرية بين سمنان ودامغان ، بينها وبين سمنان تسعة فراسخ ، سمع بها الحافظ أبو عبد الله بن النّجّار نقلته من خطّه وأخبرني به من لفظه.

آذَرْمُ : هكذا ضبطه أبو سعد بألف بعد الهمزة ، وفتح الذال وراء ساكنة وميم ، وقال : وظنّي أنها من قرى آذنة ، بلدة من الثغور ، منها أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد بن إسحاق الآذرمي ، وهذا سهو منه ، رحمه الله ، في ضبط الاسم ومكانه ، وسنذكره في أذرمة على الصحيح ، إن شاء الله تعالى.

آذِنَةُ : بكسر الذال المعجمة والنون : خيال من أخيلة حمى فيد ، بينه وبين فيد نحو عشرين ميلا ، ويقال لتلك الأخيلة الآذنات ، والأخيلة علامات يضعونها على حدود الحمى يعرف بها حدّها.

آذِيوَخَانُ : بكسر الذال المعجمة وياء ساكنة وواو مفتوحة وخاء معجمة وألف ونون : قرية من قرى نهاوند في ظنّ عبد الكريم ، ينسب إليها أبو سعيد الفضل بن عبد الله بن عليّ بن عمر بن عبد الله بن يوسف الآذيوخاني.

الآرَامُ : كأنه جمع إرم وهو حجارة تنصب كالعلم : اسم جبل بين مكة والمدينة ، وقد ذكر شاهده في أبلى ، وقال أبو محمد الغندجاني في شرح قول جامع ابن مرخية:

أرقت بذي الآرام وهنا ، وعادني

عداد الهوى بين العناب وحثيل

قال : ذو الآرام ، حزم به آرام جمعتها عاد على عهدها. وقال أبو زياد : ومن جبال الضّباب ذات آرام قنّة سوداء فيها يقول القائل :

خلت ذات آرام ، ولم تخل عن عصر ،

وأقفرها من حلّها سالف الدّهر

وفاض اللّئام ، والكرام تفيّضوا ،

فذلك بال الدّهر إن كنت لا تدري

آرَةُ : في ثلاثة مواضع : آرة بالأندلس عن أبي نصر الحميدي ، وقرأت بخطّ أبي بكر بن طرخان بن بجكم قال : قال لي الشيخ أبو الأصبغ الأندلسي : المشهور عند العامّة وادي بارة بالباء. وآرة : بلد بالبحرين ، وآرة أيضا : قال عرّام بن الأصبغ : آرة جبل بالحجاز بين مكة والمدينة ، يقابل قدسا ، من أشمخ ما يكون من الجبال ، أحمر ، تخرج من جوانبه عيون على كل عين قرية ، فمنها : الفرع ، وأمّ العيال ، والمضيق ، والمحضة ، والوبرة ، والفغوة ، تكتنف آرة من جميع جوانبها ، وفي كل هذه القرى نخيل وزروع ، وهي من السّقيا على ثلاث مراحل ، من عن يسارها مطلع الشمس ، وواديها يصبّ في الأبواء ثم في ودّان ، وجميع هذه المواضع مذكورة في الأخبار.

آرْهَنُ : بسكون الراء يلتقي معها ساكنان وفتح الهاء ونون : من قرى طخارستان من أعمال بلخ ، ينسب إليها شيخ الإسلام ببلخ ، لم يذكر غير هذا.

آزَابُ : بالزاي وآخره باء موحدة : موضع في شعر لسهيل بن عديّ ، عن نصر.

الآزَاجُ : من قرى بغداد ، على طريق خراسان ، عليها مسلك الحاجّ.

آزَاذَانُ : بالزاي والذال المعجمة وألف ونون : من

٥٢

قرى هراة ، بها قبر الشيخ أبي الوليد أحمد بن أبي رجا شيخ البخاري ، قال الحافظ بن النّجّار : زرت بها قبره وقرية من قرى أصبهان ، منها أبو عبد الرحمن قتيبة بن مهران المقري الآزاذاني.

آزَاذْوَارُ : بعد الألف زاي وألف وذال معجمة وواو وألف وراء : بليدة في أول كورة جوين ، من جهة قومس ، وهي من أعمال نيسابور ، رأيتها. وكانوا يزعمون أنها قصبة كورة جوين ، ينسب إليها إبراهيم ابن عبد الرحمن بن سهل الآزاذواري يكنى أبا موسى.

آزَرُ : بفتح الزاي ثم راء : ناحية بين سوق الأهواز ورامهرمز.

آسَكُ : بفتح السين المهملة وكاف : كلمة فارسية ، قال أبو عليّ : ومما ينبغي أن تكون الهمزة في أوله أصلا من الكلم المعربة ، قولهم في اسم الموضع الذي قرب أرّجان ، آسك ، وهو الذي ذكره الشاعر في قوله :

أألفا مسلم فيما زعمتم ،

ويقتلهم بآسك أربعونا؟

فآسك مثل آخر ، وآدم في الزّنة ، ولو كانت على فاعل ، نحو طابق وتابل ، لم ينصرف أيضا للعجمة والتعريف ، وإنما لم نحمله على فاعل لأنّ ما جاء من نحو هذه الكلم فالهمزة في أوائلها زائدة وهو العامّ ، فحملناه على ذلك ، وإن كانت الهمزة الأولى أصلا وكانت فاعلا لكان اللفظ كذلك : وهو بلد من نواحي الأهواز ، قرب أرّجان ، بين أرجان ورامهرمز ، بينها وبين أرجان يومان ، وبينها وبين الدّورق يومان ، وهي بلدة ذات نخيل ومياه ، وفيها إيوان عال في صحراء على عين غزيرة وبيئة وبإزاء الإيوان قبّة منيفة ينيف سمكها على مائة ذراع ، بناها الملك قباذ والد أنو شروان ، وفي ظاهرها عدّة قبور لقوم من المسلمين استشهدوا أيام الفتح ، وعلى هذه القبّة آثار الستائر. قال مسعر بن مهلهل : وما رأيت في جميع ما شاهدت من البلدان قبّة أحسن بناء منها ولا أحكم ، وكانت بها وقعة للخوارج.

حدّث أهل السير قالوا : كان أبو بلال مرداس بن أديّة ، وهو أحد أئمة الخوارج ، قد قال لأصحابه : قد كرهت المقام بين ظهراني أهل البصرة ، والاحتمال لجور عبيد الله بن زياد ، وعزمت على مفارقة البصرة ، والمقام بحيث لا يجري عليّ حكمه من غير أن أشهر سيفا أو أقاتل أحدا ، فخرج في أربعين من الخوارج ، حتى نزل آسك موضعا بين رامهرمز وأرّجان ، فمرّ به مال يحمل إلى ابن زياد من فارس ، فغصب حاملية ، حتى أخذ منهم بقدر أعطيات جماعته ، وأفرج عن الباقي. فقال له أصحابه : علام تفرج لهم عن الباقي؟ فقال : إنهم يصلّون ، ومن صلّى إلى القبلة ، لا أشاقّه. وبلغ ذلك ابن زياد ، فأنفذ إليهم معبد بن أسلم الكلابي ، فلما تواقفا للقتال ، قال له مرداس : علام تقاتلنا ولم نفسد في الأرض ولا شهرنا سيفا؟ قال : أريد أن أحملكم إلى ابن زياد.

قال : إذا يقتلنا. قال : وإنّ قتلكم واجب. قال : تشارك في دمائنا؟ قال : هو على الحقّ ، وأنتم على الباطل. فحملوا عليه حملة رجل واحد ، فانهزم ، وكان في ألفي فارس ، فما ردّه شيء حتى ورد البصرة ، فكان بعد ذلك يقولون له : يا معبد جاءك مرداس خذه. فشكاهم إلى ابن زياد فنهاهم عنه ، فقال عيسى بن فاتك الخطّيّ أحد بني تيم الله بن ثعلبة في كلمة له :

فلمّا أصبحوا صلّوا ، وقاموا

إلى الجرد العتاق مسوّمينا

فلما استجمعوا حملوا عليهم ،

فظلّ ذوو الجعائل يقتلونا

٥٣

بقيّة يومهم ، حتّى أتاهم

سواد الليل فيه يراوغونا

يقول بصيرهم ، لما أتاهم

بأنّ القوم ولّوا هاربينا :

أألفا مؤمن فيما زعمتم ،

ويقتلهم بآسك أربعونا؟

كذبتم ليس ذلك كما زعمتم ،

ولكنّ الخوارج مؤمنونا

هم الفئة القليلة ، غير شكّ ،

على الفئة الكثيرة ينصرونا

آسِيَا : بكسر السين المهملة وياء وألف مقصورة ، كذا وجدته بخطّ أبي الريحان البيروني : كلمة يونانية.

قال أبو الريحان : كان اليونان يقسمون المعمور من الأرض بأقسام ثلاثة : لوبية ، وأورفى ، وقد ذكرا في موضعهما. ثم قال : وما استقبل هاتين القطعتين من المشرق يسمّى آسيا ، ووصف بالكبرى ، لأنّ رقعتها أضعاف الأخريين في السعة ، ويحدّها من جانب الغرب ، النهر والخليج المذكوران الفاصلان إياها عن أورفى ، ومن جهة الجنوب بحر اليمن والهند ، ومن المشرق أقصى أرض الصين ، ومن الشمال أقصى أرض الترك وأجناسهم.

وأصل هذه القسمة ، من أهل مصر ، وعليه بقيت عادتهم إلى الآن ، فإنهم يسمّون ما عن أيمانهم إذا استقبلوا الجنوب مغربا ، وما عن شمائلهم مشرقا ، وهو كذلك بالإضافة إليهم ، إلا أنهم رفعوا الإضافة وأطلقوا الاسمين ، فصار المشرق لذلك أضعاف المغرب ، ولما اخترق بحر الروم قسم المغرب بالطول ، سمّوا جنوبيّ القسمين لوبية ، وشماليّهما أورفى ، وأما المشرق فتركوه على حاله قسما واحدا من أجل أنه لم يقسمه شيء كما قسم البحر المغرب ، وبعدت ممالكه أيضا عنهم ، فلم يظهر لهم ظهور المغربيّة حتى كانوا يعلنون تحديدها. ونسب جالينوس في تفسيره لكتاب الأهوية والبلدان هذه القسمة ، إلى أسيوس. هكذا حال القسمة الثّلاثية أنها التي يظنّ بها أنها الأولى بعد الاجتماع ، وذكر جالينوس في تربيعها أن من الناس من يقسم آسيا إلى قطعتين فتكون آسيا الصّغرى ، هي العراق وفارس والجبال وخراسان ، وآسيا العظمى هي الهند والصين والترك. وحكي عن أروذطس أنه قسم المعمورة إلى : أورفى ، ولوبية ، وناحية مصر ، وآسيا ، وهو قريب مما تقدّم. والأرض بالممالك ، منقسمة بالأرباع ، فقد كان يذكر كبارها فيما مضى ، أعني : مملكة فارس ، ومملكة الروم ، ومملكة الهند ، ومملكة الترك ، وسائرها تابعة لها.

آشَبُ : بشين معجمة وباء موحدة : صقع من ناحية طالقان الري ، كان الفضل بن يحيى نزله ، وهو شديد البرد عظيم الثلوج عن نصر. وآشب ، بكسر الشين ، كانت من أجلّ قلاع الهكّارية ببلاد الموصل ، خرّبها زنكي بن آق سنقر ، وبنى عوضها العمادية بالقرب منها ، فنسبت إليه كما نذكره في العمادية.

آغْزُونُ : الغين معجمة ساكنة يلتقي معها ساكنان والزاي معجمة مضمومة والواو ساكنة ونون : من قرى بخارى ، ينسب إليها أبو عبد الله عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن أيمن بن عبد الله بن مرّة بن الأحنف بن قيس التميمي الآغزوني.

هكذا ذكره أبو سعد ، وقد خلّط في هذه الترجمة في عدّة مواضع ، فذكرها تارة الأغزوني كما ههنا ، وتارة الأغذوني بالذال المعجمة من غير مدّ ، وتارة

٥٤

الأغزوني بالزاي أيضا ، لكن بغير مدّ ، ونسب إليها هذا المنسوب ههنا بعينه ، ثم نسب هذا الرجل إلى الأحنف بن قيس ، وقد قال المدائني إن الأحنف لم يكن له ولد إلا بحر ، وبه كان يكنّى ، وبنت ، فولد بحر ولدا ذكرا ودرج ولم يعقب ، وانقرض عقبه من ابنته ايضا.

آفَازُ : بالزاي ووجدته في كتاب نصر بالنون : قرية بالبحرين ، بينها وبين القطيف أربعة فراسخ في البرية ، وهي لقوم من كلب بن جذيمة ، من بني عبد القيس ، ولهم بأس وعدد.

آفُرَانُ : بضم الفاء وآخره نون : قرية بينها وبين نسف فرسخان (ونسف هي نخشب) بما وراء النهر ، أخرجت طائفة من أهل العلم قديما وحديثا ، منهم أبو موسى الوثير بن المنذر بن جنك بن زمانة الآفراني النسفي.

آلاتُ : كأنه جمع آلة : موضع ، وقيل بلد ، وقيل بلدان ، هذا كلّه عن نصر.

آلِسٌ : بكسر اللام : اسم نهر في بلاد الروم ، وآلس هو نهر سلوقية قريب من البحر ، بينه وبين طرسوس مسيرة يوم ، وعليه كان الفداء بين المسلمين والروم. وذكره في الغزوات في أيام المعتصم كثير ، وغزاه سيف الدولة أبو الحسن عليّ بن عبد الله بن حمدان ، قال أبو فراس يخاطب سيف الدولة ، كتبها إليه من القسطنطينية :

وما كنت أخشى أن أبيت ، وبيننا

خليجان والدّرب الأصمّ وآلس

وقال أبو الطيّب يمدح سيف الدولة :

يذري اللّقان غبارا في مناخرها ،

وفي حناجرها من آلس جرع

كأنما تتلقّاهم لتسلكهم ،

فالطّعن يفتح في الأجواف ما تسع

وهذا من إفراطات أبي الطيب الخارجة إلى المحال ، فإنه يقول : إن هذه الخيل شربت من ماء آلس ووصلت إلى اللّقان ، وبينهما مسافة بعيدة ، فدخل غبار اللّقان في مناخرها قبل أن يصل ماء آلس في أجوافها. ويقول في البيت الثاني إن الطّعن يفتح في الفرسان طريقا بقدر ما يسع الخيل ، فيسلكونه فيكون مسيرهم إلى مواضع طعناتهم. وقال أبو تمام يمدح أبا سعيد الثّغري :

فإن يك نصرانيّا نهر آلس ،

فقد وجدوا وادي عقرقس مسلما

آلُ قَراس : تفتح القاف وتضمّ والراء خفيفة والسين مهملة ، ورواية الأصمعي فتح القاف ، والقرس في اللغة أكثر الصقيع وأبرده ، ويقال للبارد قريس وقارس ، وهو القرس والقرس لغتان. قال الأصمعي : آل قراس ، بالفتح ، هضاب بناحية السراة ، وكأنّهن سمّين آل قراس لبردها. هكذا رواه عنه أبو حاتم ، وروى غيره : آل قراس بالضم. وأنشد الجميع قول أبي ذؤيب الهذلي :

يمانيّة ، أجنى لها مظّ مائد ،

وآل قراس صوب أرمية كحل

يروى مائد بعد الألف همزة ، ويروى مأبد بالباء الموحدة ، وآل قراس ومأبد : جبلان في أرض هذيل ، وأرمية جمع رميّ ، وهو السحاب ، وكحل أي سود.

آلُوزَانُ : بضم اللام وسكون الواو وزاي وألف ونون : من قرى سرخس. منها سورة بن الحسن

٥٥

الآلوزاني ، يروى عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة.

آلُوسَةُ : بضمّ اللام وسكون الواو والسين مهملة : بلد على الفرات قرب عانة وقيل فيه ألوس بغير مدّ ، إلا أن أبا علي حكم بتعريبه ، وجاء به بالهمزة بعدها ألف ، وقال : هي فاعولة ، ألا ترى أنه ليس في كلامهم شيء على أفعولة ، فهو مثل قولهم آجور ، ومثل ذلك في العربي قولهم : الآجور ، والآخي ، والآري ، فاعول. وكذلك الآخيّة ، وإنما انقلبت واو فاعول فيه ياء ، لوقوعها ساكنة قبل الياء التي هي لام الفعل ، واللام ياء بدلالة أن أبا زيد حكى أنهم يقولون : أرت القدر تأري أريا ، إذا احترق ما في أسفلها ، فالتصق به ، وإنما قيل لمواثق الخيالة الآريّ ، لتعلّقها بها ، وكذلك آريّ الدابّة فقد قيل :

كأنّ الظّباء العفر يعلمن أنه

وثيق عرى الآريّ في العثرات

وقد ذكرناه في ألوس غير ممدود أيضا.

آلِيشُ : بكسر اللام وياء ساكنة وشين معجمة : مدينة بالأندلس ، بينها وبين بطليوس يوم واحد.

آلِينُ : بكسر اللام وياء ساكنة ونون : من قرى مرو على أسفل نهر خارقان ، ينسب إليها فرات بن النضر الآليني ، كان يلزم عبد الله بن المبارك ، ومحمد بن عمر أخو أبي سدّاد الآليني ، روى عن ابن المبارك. قاله يحيى بن مندة.

آلِيَةُ : بعد اللام المكسورة ياء مفتوحة خفيفة : قصر ألية لا أعرف من أمره غير هذا.

آمِدُ : بكسر الميم : وما أظنّها إلا لفظة رومية ، ولها في العربية أصل حسن لأن الأمد الغاية ، ويقال : أمد الرجل يأمد أمدا ، إذا غضب فهو آمد ، نحو أخذ يأخذ فهو آخذ ، والجامع بينهما أن حصانتها مع نضارتها تغضب من أرادها ، وتذكيرها يشار به إلى البلد أو المكان ، ولو قصد بها البلدة أو المدينة لقيل آمدة ، كما يقال آخذة ، والله أعلم. وهي أعظم مدن ديار بكر وأجلّها قدرا وأشهرها ذكرا. قال المنجمون : مدينة آمد في الإقليم الخامس ، طولها خمس وسبعون درجة وأربعون دقيقة ، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس عشرة دقيقة ، وطالعها البطين وبيت حياتها عشرون درجة من القوس تحت إحدى عشرة درجة من السرطان ، يقابلها مثلها من الجدي ، عاشرها مثلها من الحمل ، عاقبتها مثلها من الميزان ، وقيل إن طالعها الدّلو وزحل والمتولّي القمر.

وهو بلد قديم حصين ركين مبنيّ بالحجارة السّود على نشز دجلة محيطة بأكثره مستديرة به كالهلال ، وفي وسطه عيون وآبار قريبة نحو الذراعين ، يتناول ماؤها باليد ، وفيها بساتين ونهر يحيط بها السور.

وذكر ابن الفقيه أن في بعض شعاب بلد آمد جبلا فيه صدع ، وفي ذلك الصدع سيف ، من أدخل يده في ذلك الصدع وقبض على قائم السيف بكلتا يديه ، اضطرب السيف في يده ، وأرعد هو لو كان من أشدّ الناس ، وهذا السيف يجذب الحديد أكثر من جذب المغناطيس ، وكذا إذا حكّ به سيف أو سكّين ، جذبا الحديد ، والحجارة التي في ذلك الصدع لا تجذب الحديد ، ولو بقي السيف الذي يحكّ به مائة سنة ، ما نقصت القوّة التي فيه من الجذب. وفتحت آمد في سنة عشرين من الهجرة ، وسار إليها عياض بن غنم بعد ما افتتح الجزيرة فنزل عليها وقاتله أهلها ، ثم صالحوه عليها على أن لهم هيكلهم وما حوله

٥٦

وعلى أن لا يحدثوا كنيسة ، وأن يعاونوا المسلمين ، ويرشدوهم ، ويصلحوا الجسور ، فإن تركوا شيئا من ذلك فلا ذمّة لهم. وكانت طوائف من العرب في الجاهلية ، قد نزلت الجزيرة ، وكانت منهم جماعة من قضاعة ، ثم من بني تزيد بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. قال عمرو بن مالك الزهري :

ألا لله ليل لم ننمه

على ذات الخضاب مجنّبينا

وليلتنا بآمد لم ننمها ،

كليلتنا بميّافارقينا

وينسب إلى آمد خلق من أهل العلم في كل فنّ ، منهم أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي الأديب ، كان بالبصرة يكتب بين يدي القضاة بها ، وله تصانيف في الأدب مشهورة ، منها كتاب المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء ، وكتاب الموازنة بين أبي تمام والبحتري ، وغير ذلك ، ومات في سنة ٣٧٠ ، وينسب إليها من المتأخرين أبو المكارم محمد بن الحسين الآمدي ، شاعر بغدادي مكثر مجيد مدح جمال الدين الأصبهاني وزير الموصل ، ومن شعره :

ورثّ قميص الليل ، حتى كأنه

سليب بأنفاس الصّبا متوشّح

ورفّع منه الذّيل صبح كأنه ،

وقد لاح ، مسح أسود اللون أجلح

ولاحت بطيّات النجوم كأنها ،

على كبد الخضراء ، نور مفتّح

ومات أبو المكارم هذا سنة ٥٥٢ وقد جاوز ثمانين سنة عمرا. وهي في أيامنا هذه مملكة الملك مسعود بن محمود بن محمد بن قرا أرسلان بن أرتق بن أكسب.

آمُ : بلد نسب إليه نوع من الثياب. وآم قرية من الجزيرة في شعر عديّ.

آمْدِيزَةُ : يلتقي في الميم ساكنتان ثم دال مهملة مكسورة وياء ساكنة وزاي : من قرى بخارا ، ويقال بغير مدّ ، وقد ذكرت في موضعها.

آمُلُ : بضم الميم واللام : اسم أكبر مدينة بطبرستان في السهل ، لأن طبرستان سهل وجبل ، وهي في الإقليم الرابع ، وطولها سبع وسبعون درجة وثلث ، وعرضها سبع وثلاثون درجة ونصف وربع. وبين آمل وسارية ثمانية عشر فرسخا ، وبين آمل والرّويان اثنا عشر فرسخا ، وبين آمل وسالوس ، وهي من جهة الجيلان ، عشرون فرسخا. وقد ذكرنا خبر فتحها بطبرستان ، فأغنى. وبآمل تعمل السّجّادات الطبرية ، والبسط الحسان ، وكان بها أول إسلام أهلها مسلحة في ألفي رجل ، وقد خرج منها كثير من العلماء ، لكنهم قلّ ما ينسبون إلى غير طبرستان فيقال لهم الطّبريّ ، منهم أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ المشهور ، أصله ومولده من آمل ، ولذلك قال أبو بكر محمد بن العبّاس الخوارزمي ، وأصله من آمل أيضا ، وكان يزعم أن أبا جعفر الطبري خاله :

بآمل مولدي ، وبنو جرير

فأخوالي ، ويحكي المرء خاله

فها أنا رافضيّ عن تراث ،

وغيري رافضيّ عن كلالة

وكذب لم يكن أبو جعفر ، رحمه الله ، رافضيّا ، وإنما حسدته الحنابلة فرموه بذلك ، فاغتنمها الخوارزمي ، وكان سبّابا رافضيّا مجاهرا بذلك ، متبجّحا به ، ومات ابن جرير في سنة ٣١٠. وإليها ينسب أحمد بن هارون الآملي ، روى عن سويد بن

٥٧

سعيد الحدثاني ، ومحمد بن بشّار بندار الحكم بن نافع وغيرهما ، وأبو إسحاق إبراهيم بن بشّار الآملي حدّث بجرجان عن يحيى بن عبدك وغيره ، روى عنه أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ ، وأحمد بن محمد بن المشاجر ، وزرعة بن أحمد بن محمد بن هشام أبو عاصم الآملي ، حدّث بجرجان عن أبي سعيد العدوي ، حدّث عنه أبو أحمد بن عدي وغير هؤلاء. ومن المتأخرين إسماعيل بن أبي القاسم بن أحمد السّنّي الدّيلمي ، أجاز لأبي سعد السمعاني ومات سنة تسع وعشرين ، وقيل سنة سبع وعشرين وخمسمائة. وكانت الخطبة تقام في هذه المدينة وفي جميع نواحي طبرستان وتحمل أموالها إلى خوارزم شاه علاء الدين محمد بن تكش ، إلى أن هرب من التتار هربه الذي أفضى به إلى الموت سنة ٦١٧ ، وخلّف ولده جلال الدين ، ثم لا أعلم إلى من صار ملكها.

وآمل أيضا مدينة مشهورة في غربي جيحون على طريق القاصد إلى بخارا من مرو ، ويقابلها في شرقي جيحون فربر التي ينسب إليها الفربري راوية كتاب البخاري ، وبينها وبين شاطئ جيحون نحو ميل ، وهي معدودة في الإقليم الرابع ، وطولها خمس وثمانون درجة ونصف وربع ، وعرضها سبع وثلاثون درجة وثلثان.

ويقال لهذه آمل زمّ ، وآمل جيحون ، وآمل الشطّ ، وآمل المفازة ، لأن بينها وبين مرو رمالا صعبة المسالك ومفازة أشبه بالمهالك. وتسمّى أيضا آمو ، وأموية ، وربّما ظنّ قوم أن هذه الأسامي لعدّة مسميات وليس الأمر كذلك ، وبين زمّ التي يضيف بعض الناس آمل إليها وبينها أربع مراحل ، وبين آمل هذه وخوارزم نحو اثنتي عشرة مرحلة ، وبينها وبين مرو الشاهجان ستة وثلاثون فرسخا ، وبينها وبين بخارا سبعة عشر فرسخا ، وبخارا في شرقي جيحون. وقد أخرجت آمل هذه ، جماعة من أهل العلم وافرة ، وفرق المحدّثون بينهم وبين آمل طبرستان. فمن هذه آمل عبد الله بن حمّاد بن أيوب بن موسى أبو عبد الرحمن الآملي ، حدّث عن عبد الغفّار بن داود الحرّاني ، وأبي جماهر محمد بن عثمان الدمشقي ، ويحيى بن معين ، وغيرهم. روى عنه محمد بن إسماعيل البخاري ، عن يحيى بن معين ، حديثا وعن سليمان بن عبد الرحمن حديثا آخر ، وروى عنه أيضا الهيثم بن كليب الشاشي ومحمد بن المنذر بن سعيد الهروي وغيرهم ، ومات في ربيع الآخر سنة ٢٦٩. وعبد الله ابن علي أبو محمد الآملي ، ذكر أبو القاسم بن الثّلاج أنه حدّثهم في سوق يحيى سنة ٣٣٨ ، عن محمد بن منصور الشاشي عن سليمان الشاذ كوهي. وخلف بن محمد الخيّام الآملي ، وأحمد بن عبدة الآملي ، سمع عبد الله ابن عثمان بن جبلة المعروف بعبدان المروزي وغيره روى عنه الفضل بن محمد بن علي وأبو داود سليمان بن الأشعث وجماعة. وموسى بن الحسن الآملي ، سمع أبا رجاء قتيبة بن سعيد البغلاني ، وعبد الله بن محمود السعدي وغيرهما ، روى عنه أبو محمد عمر بن إسحاق الأسدي البخاري. والفضل بن سهل بن أحمد الآملي روى عن سعيد بن النضر بن شبرمة. وأبو سعيد محمد ابن أحمد بن علوية الآملي. وأحمد بن محمد بن إسحاق ابن هارون الآملي. وإسحاق بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن إسحاق أبو يعقوب الآملي ، ذكر ابن الثّلّاج أنه قدم بغداد حاجّا وحدّثهم عن محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي ، وأبو سعيد محمد بن أحمد بن عليّ الأموي ، روى عن أبي العباس الفضل بن أحمد الآملي ، روى عنه غنجار وغيرهم. وقد خرّبها التتر فيما بلغني ، فليس بها اليوم أحد ، ولا لها ملك.

٥٨

آمُو : بضم الميم وسكون الواو : وهي آمل الشّطّ المذكورة قبل هذه الترجمة ، هكذا يقولها العجم على الاختصار والعجمة.

آنِي : بالنون المكسورة : قلعة حصينة ، ومدينة بأرض إرمينية بين خلاط وكنجة.

آيِل : ياء مكسورة ولام : جبل من ناحية النقرة في طريق مكة.

باب الهمزة والباء وما يليهما

أَبَّا : بفتح الهمزة وتشديد الباء والقصر : عن محمد بن إسحاق عن معبد بن كعب بن مالك ، قال : لما أتى النبيّ ، صلى الله عليه وسلم ، بني قريظة نزل على بئر من آبارهم في ناحية من أموالهم يقال لها : بئر أبّا. قال الحازمي : كذا وجدته مضبوطا محرّرا بخط أبي الحسن بن الفرات. قال : وسمعت بعض المحصّلين يقول إنما هو أنا ، بضم الهمزة والنون الخفيفة. ونهر أبّا بين الكوفة وقصر ابن هبيرة ، ينسب إلى أبّا بن الصامغان من ملوك النبط. ونهر أبّا أيضا : نهر كبير بالبطيحة.

أَبَاتِرُ : بالتاء فوقها نقطتان مكسورة وراء ، كأنه جمع أبتر ، وربما ضمّ أوّله فيكون مرتجلا : أودية وهضبات بنجد في ديار غنيّ ، لها ذكر في الشعر ، قال الراعي :

ألم يأت حيّا بالجريب محلّنا ،

وحيّا بأعلى غمرة فالأباتر

وقال ابن مقبل :

جزى الله كعبا بالأباتر نعمة ،

وحيّا بهبّود جزى الله أسعدا

أَبَارُ : بالضم والتخفيف وآخره راء : موضع باليمن ، وقيل أرض من وراء بلاد بني سعد ، وهو لغة في وبار ، وقد ذكر هناك مبسوطا وله ذكر في الحديث.

ذكر الأبارق في بلاد العرب

الأبارِقُ : جمع أبرق ، والأبرق والبرقاء والبرقة يتقارب معناها : وهي حجارة ورمل مختلطة ، وقيل : كل شيئين من لونين خلطا فقد برقا ، وقد أجدت شرح هذا في إبراق فتأمّله هناك.

أَبَارِقُ بَينَةَ : قرب الرّويثة ، وقد ذكر في بينة مستوفى ، قال كثيّر :

أشاقك برق آخر الليل خافق ،

جرى من سناه بينة فالأبارق؟

وَالأبارِقُ : غير مضاف : علم لموضع بكرمان ، عن محمد بن بحر الرّهني الكرماني.

وَهَضْبُ الأبَارِقِ : موضع آخر ، قال عمرو بن معدي كرب الزبيدي :

أأغزو رجال بني مازن ،

بهضب الأبارق أم أقعد؟

وَأَبَارِقُ بُسْيَانَ : بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وياء وألف ونون : وقد ذكر في بسيان ، قال الشاعر ، وهو جبّار بن مالك بن حمّاد الشّمخي ، ثم الفزاري :

ويل أمّ قوم صبحناهم مسوّمة ،

بين الأبارق ، من بسيان ، فالأكم

الأقربين فلم تنفع قرابتهم ،

والموجعين فلم يشكوا من الألم

٥٩

وأَبَارِقُ الثَّمَدَيْنِ : تثنية الثَّمَد ، وهو الماء القليل ، وقد ذكر الثمد في موضعه ، قال القتّال الكلابي :

سرى ، بديار تغلب بين حوضي

وبين أبارق الثّمدين ، سار

سماكيّ تلألأ ، في ذراه ،

هزيم الرّعد ريّان القرار

وَأَبَارِقُ حَقِيل : بفتح الحاء المهملة والقاف مكسورة وياء ساكنة ولام : وقد ذكر في موضعه ، قال عمرو ابن لجإ:

ألم ترتع على الطّلل المحيل ،

بغربيّ الأبارق من حقيل

وأَبَارِقُ طِلْخَامَ : بكسر الطاء المهملة وسكون اللام والخاء معجمة ، وروي بالمهملة : وقد ذكر في موضعه ، قال ابن مقبل :

بيض الأنوق برعم دون مسكنها ،

وبالأبارق من طلخام مركوم

وأَبَارِقُ قَناً : بفتح القاف والنون مقصور : وقد ذكر في موضعه ، قال الأشجعي :

أحنّ إلى تلك الأبارق من قنا ،

كأنّ امرأ لم يجل عن داره قبلي

وأَبارِقُ اللّكاكِ : بكسر اللام وتخفيف الكاف وألف وكاف أخرى ، قال :

إذا جاوزت بطن اللّكاك تجاوبت

به ، ودعاها روضه وأبارقه

وأَبَارقُ النَّسْرِ : بفتح النون وسكون السين المهملة والراء ، قال ابو العتريف :

وأهوى دماث النّسر ، ادخل بينها ،

بحيث التقت سلّانه وأبارقه

الأباصِرُ : يجوز أن يكون جمع أبصر ، نحو أحوص وأحاوص ، وهو من جموع الأسماء ، لا من جموع الصفات ، ولكن لما سمّي به موضع تمحّض الاسمية ، وإن كان قد جاء أيضا في الصفات ، إلا أنه لا بدّ أن يكون مؤنّثه فعلى نحو أصاغر جمع أصغر ، مؤنثه صغرى ، وقد جاء هذا البناء جمعا للجمع ، نحو كلب وأكلب وأكالب ، وهو اسم موضع.

أُبَاضُ : بضم الهمزة وتخفيف الباء الموحدة وألف وضاد معجمة : اسم قرية بالعرض ، عرض اليمامة ، لها نخل لم ير نخل أطول منها. وعندها كانت وقعة خالد ابن الوليد ، رضي الله عنه ، مع مسيلمة الكذّاب ، قال شبيب بن يزيد بن النعمان بن بشير يفتخر بمقامات أبيه :

أتنسون يوم النّعف نعف بزاخة ،

ويوم أباض ، إذ عتا كلّ مجرم

ويوم حنين في مواطن قتلة ،

أفأنا لكم فيهن أفضل مغنم

وقال رجل من بني حنيفة في يوم أباض :

فلله عينا من رأى مثل معشر ،

أحاطت بهم آجالهم والبوائق

فلم أر مثل الجيش جيش محمّد ،

ولا مثلنا يوم احتوتنا الحدائق

أكرّ وأحمى من فريقين جمّعوا ،

وضاقت عليهم في أباض البوارق

وقال الراجز :

يوم أباض إذ نسنّ اليزنا ،

والمشرفيّات تقدّ البدنا (١)

__________________

(١). قوله اليزنا : اي نسنّ الرمح اليزني المنسوب إلى ذي يزن.

٦٠