معجم البلدان - ج ١

شهاب الدين أبي عبدالله ياقوت بن عبدالله الحموي الرومي البغدادي

معجم البلدان - ج ١

المؤلف:

شهاب الدين أبي عبدالله ياقوت بن عبدالله الحموي الرومي البغدادي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار صادر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٠

لا عذر للحمراء في كلفي بها ،

أو تستفيض بأبحر وحياض

قال : ومدينة البصرة مستحدثة أسست في الوقت الذي أسست فيه أصيلة أو قريبا منه.

بُصْرَى : في موضعين ، بالضم ، والقصر : إحداهما بالشام من أعمال دمشق ، وهي قصبة كورة حوران ، مشهورة عند العرب قديما وحديثا ، ذكرها كثير في أشعارهم ، قال أعرابي :

أيا رفقة ، من آل بصرى ، تحمّلوا

رسالتنا لقّيت من رفقة رشدا

إذا ما وصلتم سالمين ، فبلّغوا

تحية من قد ظن أن لا يرى نجدا

وقولوا لهم : ليس الضلال أجازنا ،

ولكننا جزنا لنلقاكم عمدا

وإنا تركنا الحارثيّ مكبّلا

بكبل الهوى ، من ذكركم ، مضمرا وجدا

وقال الصمّة بن عبد الله القشيري :

نظرت ، وطرف العين يتّبع الهوى ،

بشرقيّ بصرى نظرة المتطاول

لأبصر نارا أوقدت ، بعد هجعة ،

لريّا بذات الرّمث من بطن حائل

وقال الرّمّاح بن ميّادة :

ألا لا تلطّي السّتر يا أمّ جحدر ،

كفى بذرى الأعلام من دوننا سترا

إذا هبطت بصرى تقطّع وصلها ،

وأغلق بوّابان من دونها قصرا

فلا وصل ، إلّا أن تقارب بيننا

قلائص يحسرن المطيّ بنا حسرا

فيا ليت شعري! هل يحلّنّ أهلها

وأهلي روضات ببطن اللّوى خضرا

وهل تأتينّي الريح تدرج موهنا

بريّاك ، تعروري بها عقدا عفرا؟

ولما سار خالد بن الوليد من العراق لمدد أهل الشام قدم على المسلمين وهم نزول ببصرى ، فضايقوا أهلها حتى صالحوهم على أن يؤدّوا عن كل حالم دينارا وجريب حنطة ، وافتتح المسلمون جميع أرض حوران وغلبوا عليها وقتئذ ، وذلك في سنة ١٣.

وبصرى أيضا : من قرى بغداد قرب عكبراء ، وإياها عنى ابن الحجاج بقوله :

ولعمر الشباب! ما كان عنّي

أول الراحلين من أحبابي

إن تولّى الصّباء عني ، فإني

قد تعزّيت بعده بالتصابي

أيظنّ الشباب أني مخلّ

بعده بالسماع ، أو بالشراب؟

حاش لي حانتي أوانا وبصرى

للدّنان التي أرى والخوابي

إن تلك الظروف أمست خدورا

لبنات الكروم والأعناب

بشمول ، كأنما اعتصروها

من معاني شمائل الكتّاب

والمعاني إذا تشابهت الأج

ناس تجري مجاري الأنساب

وإليها ينسب أبو الحسن محمد بن محمد بن أحمد بن خلف البصروي الشاعر ، قرأ الكلام على المرتضى الموسوي ، كتب عنه أبو بكر الخطيب من شعره

٤٤١

أقطاعا ، منها :

ترى الدنيا وزهرتها ، فتصبو ،

ولا يخلو من الشهوات قلب

ولكن في خلائقها نفار ،

ومطلبها بغير الحظّ صعب

كثيرا ما نلوم الدهر مما

يمرّ بنا ، وما للدهر ذنب

ويعتب بعضنا بعضا ، ولولا

تعذّر حاجة ما كان عتب

فضول العيش أكثرها هموم ،

وأكثر ما يضرّك ما تحبّ

فلا يغررك زخرف ما تراه ،

وعيش ليّن الأعطاف رطب

فتحت ثياب قوم ، أنت فيهم

صحيح الرأي ، داء لا يطبّ

إذا ما بلغة جاءتك عفوا ،

فخذها فالغنى مرعى وشرب

إذا اتّفق القليل وفيه سلم ،

فلا ترد الكثير وفيه حرب

ومات البصروي سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة.

البَصَلُ : بلفظ البصل من الخضر الذي يؤكل ويطبخ : إقليم البصل من إشبيلية من جزيرة الأندلس. وكفر بصل : من قرى الشام.

البَصَليَّةُ : منسوب : محلّة في طرف بغداد الجنوبي ومن الجانب الشرقي متّصلة بباب كلواذى ، ينسب إليها قوم ، منهم أبو بكر محمد بن إسماعيل بن علي ابن النعمان بن راشد البندار البصلاني ، كان شيخا ثقة ، مات في شعبان سنة ٣١١.

بَصِنَّا : بالفتح ثم الكسر ، وتشديد النون : مدينة من نواحي الأهواز صغيرة وجميع رجالهم ونسائهم يغزلون الصوف وينسجون الأنماط والسّتور البصنّيّة ويكتبون عليها بصنّى ، وقد تعمل ببرذون وكليوان وغيرهما من المدن المجاورة لبصنّا وتدلس بستور بصنى ، والمعدن بصنى ، ولهم نهر يسمونه دجلة بصنى ، فيه سبعة أرحية في السفن ، والنهر منها على رمية سهم.

بَصِيدَا : بالفتح ثم الكسر ، وياء ساكنة ، ودال مهملة ، مقصور : من قرى بغداد ، ينسب إليها أبو محمد الحسن بن عبد الله بن الحسن البصيداي من أهل باب الأزج ، توفي في جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وخمسمائة.

بَصِيرُ الجَيْدور : آخره راء ، والجيدور : بالجيم ، وياء ساكنة ، ودال مهملة مضمومة ، وواو ساكنة ، وراء : قرية من نواحي دمشق ، منها ضحّاك بن أحمد ابن محمد البصيري ، كتب عنه أبو عبد الله محمد بن حمزة بن أحمد بن أبي الصقر القرشي الدمشقي بيتي شعر لغيره وأورده في معجمه ونسبه كذلك.

باب الباء والضاد وما يليهما

بضَاعَةُ : بالضم وقد كسره بعضهم ، والأول أكثر : وهي دار بني ساعدة بالمدينة وبئرها معروفة ، فيها أفتى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، بأن الماء طهور ما لم يتغير ، وبها مال لأهل المدينة من أموالهم ، وفي كتاب البخاري تفسير القعنبي : لبضاعة نخل بالمدينة ، وفي الخبر أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أتى بئر بضاعة فتوضأ من الدّلو وردّها إلى البئر وبصق فيها وشرب من مائها ، وكان إذا مرض المريض في أيامه

٤٤٢

يقول : اغسلوني من ماء بضاعة ، فيغسل فكأنما أنشط من عقال ، وقالت أسماء بنت أبي بكر : كنّا نغسل المرضى من بئر بضاعة ثلاثة أيام فيعافون ، وقال أبو الحسن الماوردي في كتاب الحاوي من تصنيفه : ومن الدليل على أبي حنيفة ما رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد بن سفيط بن أبي أيوب عن عبد الله ابن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قيل له : إنك تتوضّأ من بئر بضاعة وهي تطرح فيها المحائض ولحوم الكلاب وما ينحّي الناس ، فقال : الماء لا ينجّسه شيء ، فلم يجعل لاختلاط النجاسة بالماء تأثيرا في نجاسته ، وهذا نصّ يدفع قول أبي حنيفة ، اعترضوا على هذا الحديث بسؤالين ، أحدهما : أن بئر بضاعة عين جارية إلى بساتين يشرب منها والماء الجاري لا تثبت فيه النجاسة ، والجواب عنه : أن بئر بضاعة أشهر حالا من ان يعترضوا عليها بهذا السؤال ، وهي بئر في بني ساعدة ، قال أبو داود في سننه : قدّرت بئر بضاعة بردائي مددته عليها ثم ذرعته فإذا عرضه ستة أذرع ، وسألت الذي فتح لي البستان فأدخلني إليها : هل غيّر بناؤها عما كانت عليه؟ فقال : لا ، ورأيت فيها ماء متغيّر اللون ، ومعلوم أن الماء الجاري لا يبقى متغير اللون ، قال أبو داود : وسمعت قتيبة بن سعيد يقول : سألت قيّم بئر بضاعة عن عمقها فقال : أكثر ما يكون الماء فيها إلى العانة ، قلت : إذا نقص؟ قال : دون العورة ، والسؤال الثاني أن قالوا : لا يجوز أن يضاف إلى الصحابة أن يلقوا في بئر ماء يتوضّأ فيه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، المحائض ولحوم الكلاب ، بل ذلك مستحيل عليهم وذلك بصيانة وضوء رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أولى ، فدلّ على ضعف هذا الحديث ووهائه ، والجواب عنه : أن الصحابة لا يصحّ إضافة ذلك إليهم ولا روينا أنهم فعلوا ، وإنما كانت بئر بضاعة قرب مواضع الجيف والأنجاس وكانت تحت الريح وكانت الريح تلقي ذلك فيها ، قال : ثم الدليل عليه من طريق المعنى أنه ماء كثير فوجب أن لا ينجس بوقوع نجاسة لا تغيّره قياسا على البعرة.

بَضَّةُ : بالفتح ، والتشديد. من أسماء زمزم ، قال الأصمعي : البضّ الرّخص الجسد وليس من البياض خاصّة ولكن من الرخوصة ، والمرأة بضّة.

وبضّ الماء يبضّ بضيضا إذا سال قليلا قليلا.

والبضض : الماء القليل. وركية بضوض : قليلة الماء.

البُضَيْضُ : بلفظ التصغير ، والبضيض : الماء القليل ، كما ذكر قبل هذه الترجمة ، وأظنّه موضعا في أرض طيّء ، قال زيد الخيل الطائي :

عفت أبضة من أهلها فالأجاول ،

فجنبا بضيض فالصعيد المقابل

فبرقة أفعى قد تقادم عهدها ،

فليس بها إلّا النعاج المطافل

يذكّرنيها ، بعد ما قد نسيتها ،

رماد ورسم بالثّتانة ماثل

وقال النبهاني :

أرادوا جلائي يوم فيد ، وقرّبوا

لحى ورؤوسا للشهادة ترعس

سيعلم من ينوي جلائي أنّني

أريب ، بأكناف البضيض ، حبلبس

الحبلبس : المقيم الذي لا يكاد يبرح المنزل.

البُضيْعُ : مصغر ، ويروى بالفتح في شعر حسان بن ثابت

أسألت رسم الدار أم لم تسأل ،

بين الجوابي فالبضيع فحومل؟

٤٤٣

ورواه الأثرم ، البصيع ، بالصاد المهملة ، وقال : هو جبل بالشام أسود ، عن سعيد بن عبد العزيز عن يونس بن ميسرة بن حلبس قال : إن عيسى بن مريم ، عليه السلام ، أشرف من جبل البضيع ، يعني جبل الكسوة ، على الغوطة فلما رآها قال عيسى للغوطة : إن يعجز الغنيّ أن يجمع بها كنزا فلن يعجز المسكين أن يشبع فيها خبزا ، قال سعيد بن عبد العزيز : فليس يموت أحد في الغوطة من الجوع ، وقال السكري في شرح قول كثيّر :

منازل من أسماء لم يعف رسمها

رياح الثّريّا خلفة ، فضريبها

تلوح بأطراف البضيع ، كأنها

كتاب زبور خطّ لدنا عسيبها

قال : البضيع ظريب عن يسار الجار أسفل من عين الغفاريين ، واسم العين النّجح.

البَضيعُ : بالفتح ثم الكسر : جزيرة في البحر ، قال ساعدة بن جؤيّة الهذلي يصف سحابا :

أفعنك لا برق ، كأنّ وميضه

غاب تشيّمه ضرام مثقب

ساد ، تخرّم في البضيع ثمانيا ،

يلوي بعيقات البحار ويجنب

قال الأزهري : ساد أي مهمل ، وقال أبو عمرو : السادي الذي يبيت حيث يمسي. تخرم أي قطع ثمانيا بالبضيع ، وهي جزيرة في البحر. يلوي بماء البحر أي يحمله ليمطره ببلد.

باب الباء والطاء وما يليهما

البِطاحُ : بكسر أوله ، جمع بطحاء : وهي بطاح مكة ، ويقال لقريش الداخلة البطاح ، وقال ابن الأعرابي : قريش البطاح الذين ينزلون الشعب بين أخشبي مكة ، وقريش الظواهر : الذين ينزلون خارج الشعب ، وأكرمهما قريش البطاح ، والبطحاء في اللغة : مسيل فيه دقاق الحصى ، والجمع الأباطح والبطاح ، على غير قياس ، وقال الزبير بن أبي بكر : قريش البطاح بنو كعب بن لؤي ، وقريش الظواهر ما فوق ذلك سكنوا البطحاء والظواهر ، وقبائل بني كعب هم : عدي وجمح وتيم وسهم ومخزوم وأسد وزهرة وعبد مناف وأمية وهاشم ، كلّ هؤلاء قريش البطاح ، وقريش الظواهر : بنو عامر بن لؤي يخلد بن النضر والحارث ومالك ، وقد درجا ، والحارث ومحارب ابنا فهر وتيم الأدرم بن غالب بن فهر وقيس بن فهر درج ، وإنما سموا بذلك لأن قريشا اقتسموا فأصابت بنو كعب بن لؤي البطحاء وأصابت هؤلاء الظواهر ، فهذا تعريف للقبائل لا للمواضع ، فإن البطحاويين لو سكنوا بالظواهر كانوا بطحاويين وكذلك الظواهر لو كانوا سكنوا البطحاء كانوا ظواهر ، وأشرفهم البطحاويون ، وقال أبو خالد ذكوان مولى مالك الدار :

فلو شهدتني من قريش عصابة :

قريش البطاح لا قريش الظواهر

ولكنهم غابوا وأصبحت شاهدا ،

فقبّحت من مولى حفاظ وناصر

وبلغت معاوية فقال : أنا ابن سداد البطحاء والله إياي نادى ، اكتبوا إلى الضحاك أنه لا سبيل لك عليه واكتبوا إلى مالك واشتروا لي ولاءه ، فلما جاء الكتاب مالكا سأل عنه عبد الله بن عمر فقال : إن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، نهى عن بيع الولاء وهبته ، وقال أبو الحسن محمد بن عليّ بن نصر

٤٤٤

الكاتب قال : سمعت عوّادة تغني في أبيات طريح ابن إسماعيل الثقفي في الوليد بن يزيد بن عبد الملك وكان من أخواله :

أنت ابن مسلنطح البطاح ، ولم

تطرق عليك الحنيّ والولج

الحني : ما انخفض من الأرض. والولج : ما اتسع من الأودية ، أي لم تكن بينهما فيخفى حسبك ، فقال بعض الحاضرين : ليس غير بطحاء مكة فما معنى هذا الجمع؟ فثار البطحاوي العلوي فقال : بطحاء المدينة وهو أجلّ من بطحاء مكة وجدّي منه ، وأنشد له :

وبطحا المدينة لي منزل ،

فيا حبّذا ذاك من منزل

فقال : فهذان بطحاوان فما معنى الجمع؟ قلنا : العرب تتوسع في كلامها وشعرها فتجعل الاثنين جمعا ، وقد قال بعض الناس : ان أقل الجمع اثنان وربما ثنوا الواحد في الشعر وينقلون الألقاب ويغيرونها لتستقيم لهم الأوزان ، وهذا أبو تمام يقول في مدحه للواثق :

يسمو بك السّفّاح والمنصور

والمأمون والمعصوم

فنقل المعتصم إلى المعصوم حتى استقام له الشعر ، وبالأمس قال أبو نصر بن نباتة :

فأقام باللّورين حولا كاملا ،

يترقّب القدر الذي لم يقدر

وما في البلاد إلّا اللّور المعروفة ، وهذا كثير ، وما زادنا على الصحيح والحزر ولو كان من أهل الجهل لهان ولكنه قد جس الأدب ومسه ، ومما يؤكد أنها بطحاوان قول الفرزدق :

وأنت ابن بطحاوي قريش ، فإن تشأ

تكن في ثقيف سيل ذي أدب عفر

قلت أنا : وهذا كله تعسف ، وإذا صح بإجماع أهل اللغة أن البطحاء الأرض ذات الحصى ، فكل قطعة من تلك الأرض بطحاء ، وقد سميت قريش البطحاء وقريش الظواهر في صدر الجاهلية ، ولم يكن بالمدينة منهم أحد ، وأما قول الفرزدق وابن نباتة فقد قالت العرب : الرقمتان ورامتان ، وأمثال ذلك تمر كثيرا في هذا الكتاب ، قصدهم بها إقامة الوزن فلا اعتبار به ، والله أعلم.

البُطاح : بالضم ، قال أبو منصور : البطاح مرض يأخذ من الحمّى ، والبطاحيّ مأخوذ من البطاح ، وهو منزل لبني يربوع ، وقد ذكره لبيد فقال :

تربّعت الأشراف ثم تصيّفت

حساء البطاح ، وانتجعن السلائلا

وقيل : البطاح ماء في ديار بني أسد بن خزيمة ، وهناك كانت الحرب بين المسلمين وأميرهم خالد بن الوليد كانت الحرب بين المسلمين وأميرهم خالد بن الوليد وأهل الردة ، وكان ضرار بن الأزور الأسدي قد خرج طليعة لخالد بن الوليد وخرج مالك بن نويرة طليعة لأصحابه فالتقيا بالبطاح فقتل ضرار مالكا ، فقال أخوه متمم بن نويرة يرثيه :

تطاول هذا الليل ما كاد ينجلي ،

كليل تمام ما يريد صراما

سأبكي أخي ما دام صوت حمامة

تؤرّق ، في وادي البطاح ، حماما

وأبعث أنواحا عليه بسحرة ،

وتذرف عيناي الدموع سجاما

وقال وكيع بن مالك يذكر يوم البطاح :

٤٤٥

فلا تحسبا أني رجعت ، وأنني

منعت ، وقد تحنى عليّ الأصابع

ولكنني حاميت عن جلّ مالك ،

ولاحظت حتى أكلحتني الأخادع

فلما أتانا خالد بلوائه

تخطّت إليه ، بالبطاح ، الودائع

بِطانٌ : بكسر أوله : منزل بطريق الكوفة بعد الشقوق من جهة مكة دون الثعلبية ، وهو لبني ناشرة من بني أسد ، قال شاعر :

أقول لصاحبيّ من التأسّي ،

وقد بلغت نفوسهما الحلوقا :

إذا بلغ المطيّ بنا بطانا ،

وجزنا الثعلبية والشّقوقا

وخلّفنا زبالة ثم رحنا ،

فقد ، وأبيك ، خلّفنا الطريقا

وبطان أيضا : بلد باليمن من مخلاف سنحان.

البِطَانَة : بزيادة الهاء : بئر بجنب قرانين ، وهما جبلان بين ربيعة والأضبط ابني كلاب وعبد الله بن أبي بكر بن كلاب.

البَطَائح : نذكر حالها في البطيحة.

البَطْحاءُ : أصله المسيل الواسع فيه دقاق الحصى ، وقال النضر : الأبطح والبطحاء بطن الميثاء والتلعة والوادي ، وهو التراب السهل في بطونها مما قد جرّته السيول ، يقال : أتينا أبطح الوادي ، وبطحاءه مثله ، وهو ترابه وحصاه والسهل اللين ، والجمع الأباطح ، وقال بعضهم : البطحاء كل موضع متسع ، وقول عمر ، رضي الله عنه : بطّحوا المسجد أي القوا فيه الحصى الصغار ، وهو موضع بعينه قريب من ذي قار ، وبطحاء مكة وأبطحها ، ممدود ، وكذلك بطحاء ذي الحليفة ، وقال ابن إسحاق : خرج النبي ، صلى الله عليه وسلم ، غازيا فسلك نقب بني دينار من بني النّجّار على فيفاء الخبار فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر يقال لها ذات الساق ، فصلى تحتها فثمّ مسجده ، صلى الله عليه وسلم ، وآثار أثفيّة قدره. وبطحاء أيضا : مدينة بالمغرب قرب تلمسان ، بينهما نحو ثلاثة أيام أو أربعة.

بُطْحانُ : بالضم ثم السكون ، كذا يقوله المحدثون أجمعون ، وحكى أهل اللغة : بطحان ، بفتح أوله وكسر ثانيه ، وكذلك قيده أبو عليّ القالي في كتاب البارع وأبو حاتم والبكري وقال : لا يجوز غيره ، وقرأت بخط أبي الطيب أحمد ابن أخي محمد الشافعي وخطه حجة : بطحان ، بفتح أوله وسكون ثانيه وهو واد بالمدينة ، وهو أحد أوديتها الثلاثة ، وهي العقيق وبطحان وقناة ، قال غير واحد من أهل السير : لما قدم اليهود المدينة نزلوا السافلة فاستوخموها فأتوا العالية فنزل بنو النضير بطحان ونزلت بنو قريظ مهزورا ، وهما واديان يهبطان من حرة هناك تنصب منها مياه عذبة ، فاتخذ بها بنو النضير الحدائق والآطام وأقاموا بها إلى أن غزاهم النبي ، صلى الله عليه وسلم وأخرجهم منها ، كما نذكره في النضير ، قال الشاء وهو يقوّي رواية من سكّن الطاء :

أيا سعيد! لم أزل بعدكم

في كرب للشوق تغشاني

كم مجلس ولّى بلذّاته ،

لم يهنني إذ غاب ندماني

سقيا لسلع ولساحاتها ،

والعيش في أكناف بطحان

٤٤٦

أمسيت ، من شوقي إلى أهلها ،

أدفع أحزانا بأحزان

وقال ابن مقبل في قول من كسر الطاء :

عفى بطحان من سليمى فيثرب ،

فملقى الرحال من منى ، فالمحصّب

وقال أبو زياد : بطحان من مياه الضّباب.

البَطْحَة : بالفتح ثم السكون : ماء بواد يقال له الخنوقة ، وقال أبو زياد : من مياه غني البطحة.

بُطْرُوحُ : بضم أوله والراء : حصن من أعمال فحص البلوط من بلاد الأندلس.

بِطْرَوْشُ : بالكسر ثم السكون ، وفتح الراء ، وسكون الواو ، وشين معجمة : بلدة بالأندلس ، وهي مدينة فحص البلّوط فيما حكاه عنهم السلفي ، منها أبو جعفر أحمد بن عبد الرحمن البطروشي ، فقيه كبير حافظ لمذهب مالك ، قرأ على أبي الحسن أحمد ابن محمد وغيره ، الفقه ، وروى الحديث عن محمد بن فرّوخ بن الطلاع وطبقته ، وأخذ كتب ابن حزم عن ابنه أبي رافع أسامة بن عليّ بن حزم الطاهري ، كان يوما في مقبرة قرطبة فقال : أخبرني صاحب هذا القبر ، وأشار إلى قبر أبي الوليد يونس بن عبد الله ابن الصّفّار عن صاحب هذا القبر ، وأشار إلى قبر أبي عيسى عن صاحب هذا القبر ، وأشار إلى قبر عبد الله عن صاحب هذا القبر ، وأشار إلى قبر أبيه يحيى بن يحيى عن مالك بن أنس المديني ، قال : فاستحسن ذلك منه كلّ من حضر.

بُطْرُوشُ : مثل الذي قبله ، إلا أن أوله وراءه مضمومتان : بلد من أعمال دانية بالأندلس ، منها أبو مروان عبد الملك بن محمد بن أمية بن سعيد بن عتّال الداني البطروشي ، سمع ابن سكّرة السرقسطي وشيوخ قرطبة وولّي قضاء دانية ، وكان من أهل العلم والفهم ، ذكرها والتي قبلها السلفي.

بَطْلَسُ : بفتح أوله واللام : جبل.

بَطَلْيُوسُ : بفتحتين ، وسكون اللام ، وياء مضمومة ، وسين مهملة : مدينة كبيرة بالأندلس من أعمال ماردة على نهر آنة غربي قرطبة ، ولها عمل واسع يذكر في مواضعه ، ينسب إليها خلق كثير ، منهم : أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي النحوي اللغوي صاحب التصانيف والشعر ، مات في سنة ٥٢١ ، وأبو الوليد هشام بن يحيى بن حجاج البطليوسي ، سمع بقرطبة ورحل إلى المشرق فسمع بمكة والشام ومصر وإفريقية وغير ذلك وعاد إلى الأندلس فامتحن ببلده بسعاية سعيت به فأسكن قرطبة فسمع منه بها الكثير ، وقال ابن الفرضي : وسمعت منه قبل المحنة وبعدها ، ومات في شوال سنة ٣٨٥.

بُطْنَانُ : بالضم ثم السكون ، ونونان بينهما ألف ، وبطنان الأودية : المواضع التي يستريض فيها الماء ماء السّيل فيكرم نباتها ، واحدتها بطن ، عن أبي منصور ، وهو اسم واد بين منبج وحلب ، بينه وبين كل واحد من البلدين مرحلة خفيفة ، فيه أنهار جارية وقرى متصلة ، قصبتها بزاعة ، وقد ذكر امرؤ القيس في شعره بعض قراه فقال :

ألا ربّ يوم صالح قد شهدته

بتاذف ذات التّلّ ، من بطن طرطرا

وفي كتاب اللّصوص : بطنان حبيب بقنّسرين ، نسب إلى حبيب بن مسلمة الفهري ، وذلك أن عياض بن غنم وجّهه أبو عبيدة من حلب ففتح

٤٤٧

حصنا هناك فنسب إليه ، وفي الحماسة قطعة شعر ذكرتها في الجابية ، منها :

فلو طاوعوني يوم بطنان ، أسلمت

لقيس فروج منكم ومقاتل

وقال ابن السكيت في تفسير قول كثيّر :

وما لست من نصحي أخاك بمنكر

ببطنان ، إذ أهل القباب عماعم

بطنان حبيب بأرض الشام ، كان عبد الملك يشتو فيه في حرب مصعب بن الزبير ، ومصعب يشتو بمسكن ، قال وقال غيره : ولم يذكر القائل الأول بطنان بأسفل قنّسرين وبطنان حبيب وبطنان بني وبر بن الأضبط بن كلاب بينهما روحة للماشي ، وأنشد ابن الأعرابي :

سقى الله حيّا دون بطنان دارهم ،

وبورك في مرد ، هناك ، وشيب

وإني وإيّاهم ، على بعد دارهم ،

كخمر بماء في الزّجاج مشوب

وإلى بطنان ينسب أبو عليّ الحسن بن محمد بن جعفر الحلبي ، يعرف بابن البطناني ، روى عنه جعفر بن محمد بن سعيد بن شعيب بن النج حوراني العبدري.

بَطْن أَعْدَا : البطن : الغامض من الأرض ، وجمعه بطنان مثل عبد وعبدان : وهو موضع له ذكر في حديث الهجرة أنه سلك منه إلى مدلجة تعهن.

بَطْنُ أَنفٍ : من منازل هذيل نزل به قوم على أبي خراش فخرج ليجيئهم بالماء فنهشته حية فمات ، وقال قبل موته:

لعمرك ، والمنايا غالبات

على الإنسان تطلع كلّ نجد

لقد أهلكت حية بطن أنف

على الأصحاب ساقا ذات فقد

وقال أيضا :

لقد أهلكت حيّة بطن أنف

على الأصحاب ساقا ذات فضل

فما تركت عدوّا ، بين بصرى

إلى صنعاء ، يطلبه بذحل

بَطْن الإياد : في بلاد بني يربوع ، عن بعضهم.

بَطْنُ التِّين : بلفظ التين من الفواكه : في بلاد بني ذبيان ، قال شتيم بن خويلد الفزاري :

حلّت أمامة بطن التين فالرّقما ،

واحتلّ أهلك أرضا تنبت الرّتما

بَطْن الحُرِّ : ضدّ العبد : واد بنجد ، قالت امرأة زوّجت في طيء :

لعمري! لقد أشرفت أطول ما أرى ،

وكلّفت نفسي منظرا متعاليا

وقلت : أنارا تؤنسين ، وأهلها ،

أم الشّوق أدنى منك يا لبن دانيا؟

وقلت لبطن الحرّ حيث لقيته :

سقى الله أعلاك الذّهاب الغواديا

بَطْنُ الحَرِيمِ : بفتح الحاء ، وكسر الراء : في بلاد أبي بكر بن كلاب وفيه روضة ذكرت في الرياض.

بَطْنُ حُلَيَّات : بضم الحاء المهملة ، وفتح اللام ، في شعر عمر بن أبي ربيعة :

ألم تسأل الأطلال والمتربّعا

ببطن حليّات ، دوارس بلقعا

لهند وأتراب لهند ، إذ الهوى

جميع ، وإذ لم نخش أن يتصدّعا

٤٤٨

بَطْنُ الذَّهاب : يروى بفتح الذال وضمها : لبني الحارث بن كعب ، كان فيه يوم من أيامهم.

بَطْنُ الرُّمَّة : بضم الراء ، وتشديد الميم ، وقد يقال بالتخفيف ، وقد ذكر في الرمة : وهو واد معروف بعالية نجد ، وقال ابن دريد : الرّمّة قاع عظيم بنجد تنصبّ إليه أودية.

بَطْنُ رُهاط : بالضم : في بلاد هذيل بن مدركة ، وقد ذكر في رهاط.

بَطْنُ ساقٍ : موضع في قول زهير :

عفا من آل ليلى بطن ساق ،

فأكثبة العجالز فالقصيم

بَطْنُ السِّرِّ : واد بين هجر ونجد كان لهم فيه يوم ، قال جرير :

أاستقبل الحيّ بطن السّرّ أم عسفوا ،

فالقلب فيهم رهين أينما انصرفوا

بَطْنُ شاغِرٍ : الشين والغين معجمتان ، قال الشاعر :

فإنّ على الأحساء ، من بطن شاغر ،

نساء يشبهن الضّراء الغواديا

إذا كان يوم ذو خروج وريّة ،

يشبّهن ذكران الكلاب المقاعيا

الضراء : الضارية. والغوادي : التي تغدو على الصيد.

بَطْنُ الضَّباعِ : قال المرقّش :

لمن الظعن بالضّحى طافيات

شبهها الدّوم أو خلايا سفين؟

جاعلات بطن الضّباع شمالا ،

وبراق النّعاف ذات اليمين

بَطْن ظَبْيٍ : أرض لكلب ، قال امرؤ القيس :

سما لك شوق بعد ما كان أقصرا ،

وحلّت سليمى بطن ظبي فعرعرا

بَطْنُ العَتْك : بفتح العين ، وسكون التاء فوقها نقطتان ، وكاف : من نواحي اليمامة.

بَطْنُ عُرنَةَ : ذكر في عرنة فأغنى.

بَطْنُ عِنان : واد ذكر في عنان.

بَطْنُ اللِّوى : قال الأصمعي وقد ذكر بلاد أبي بكر ابن كلاب فقال : لهم أريكتان ثم بطن اللوى صدره لهم وأسفله لبني الأضبط وأسفل ذلك لفزارة ، وهو واد ضخم إذا سال سال أياما ، قال ابن ميّادة :

ألا ليت شعري! هل يحلّنّ أهلها

وأهلي روضات ببطن اللوى خضرا

بَطْنُ مُحَسِّرٍ : بضم الميم ، وفتح الحاء ، وتشديد السين وكسرها : هو وادي المزدلفة ، وفي كتاب مسلم أنه من منى ، وفي الحديث : المزدلفة كلّها موقف إلّا وادي محسّر ، قال ابن أبي نجيح : ما صبّ من محسّر فهو منها وما صبّ منها في منى فهو من منى ، وهذا هو الصواب إن شاء الله.

بَطْنُ مَرٍّ : بفتح الميم ، وتشديد الراء : من نواحي مكة ، عنده يجتمع وادي النخلتين فيصيران واديا واحدا ، وقد ذكر في نخلة وفي مرّ ، وقال أبو ذؤيب الهذلي :

أصبح من أمّ عمرو بطن مرّ ، فأك

ناف الرجيع فذو سدر فأملاح

وحشا ، سوى أنّ فرّاد السباع بها ،

كأنها من تبغّي الناس أطلاح

بَطْنُ نخل : جمع نخلة : قرية قريبة من المدينة على طريق البصرة ، بينهما الطرف على الطريق ، وهو

٤٤٩

بعد أبرق العزّاف للقاصد إلى مكة.

بِطْياسُ : بكسر الباء ، وسكون الطاء ، وياء : وأهل حلب كالمجمعين على أن بطياس قرية من باب حلب بين النّيرب وبابلّى ، كان بها قصر لعليّ بن عبد الملك بن صالح أمير حلب ، وقد خربت القرية والقصر ، وقال الخالديّان في كتاب الديرة : الصالحية قرية قرب الرّقّة وعندها بطياس ودير زكّى ، وقد ذكرته الشعراء ، قال أبو بكر الصّنوبري :

إنّي طربت إلى زيتون بطياس ،

بالصالحيّة ذات الورد والآس

من ينس عهدهما يوما فلست له ،

وإن تطاولت الأيام ، بالناسي

يا موطنا كان من خير المواطن لي

لمّا خلوت به ما بين جلّاسي

وقائل لي أفق يوما فقلت له :

من سكرة الحبّ أو من سكرة الكاس؟

لا أشرب الكاس إلّا من يدي رشإ

مهفهف كقضيب البان ميّاس

مورّد الخدّ في قمص مورّدة ،

له من الآس إكليل على الراس

قل للذي لام فيه : هل ترى خلفا ،

يا أملح الروض بل يا أملح الناس

وقال البحتري وهو يدلّ على أنها بحلب :

يا برق أسفر عن قويق فطرّتي

حلب فأعلى القصر من بطياس

عن منبت الورد المعصفر صبغه ،

في كل ضاحية ومجنى الآس

أرض إذا استوحشت ثم أتيتها ،

حشدت عليّ فأكثرت إيناسي

وقال أيضا :

نظرت وضمّت جانبيّ التفاتة ،

وما التفت المشتاق إلّا لينظرا

إلى أرجوانيّ من البرق ، كلما

تنمّر علويّ السحاب تعصفرا

يضيء غماما فوق بطياس واضحا

يبصّ ، وروضا تحت بطياس أخضرا

وقد كان محبوبا إليّ لو أنه

أضاء غزالا عند بطياس أحورا

البُطيْحَاءُ : تصغير البطحاء : رحبة مرتفعة نحو الذراع ، بناها عمر خارج المسجد بالمدينة.

البَطِيحَةُ : بالفتح ثم الكسر ، وجمعها البطائح ، والبطيحة والبطحاء واحد ، وتبطّح السيل إذا اتّسع في الأرض ، وبذلك سمّيت بطائح واسط لأن المياه تبطّحت فيها أي سالت واتّسعت في الأرض : وهي أرض واسعة بين واسط والبصرة ، وكانت قديما قرى متّصلة وأرضا عامرة ، فاتّفق في ايام كسرى أبرويز أن زادت دجلة زيادة مفرطة وزاد الفرات أيضا بخلاف العادة فعجز عن سدّها ، فتبطح الماء في تلك الديار والعمارات والمزارع فطرد أهلها عنها ، فلما نقص الماء وأراد العمارة أدركته المنيّة ، وولي بعده ابنه شيرويه فلم تطل مدّته ، ثم ولي نساء لم تكن فيهن كفاية ، ثم جاء الإسلام فاشتغلوا بالحروب والجلاء ، ولم يكن للمسلمين درية بعمارة الأرضين ، فلما ألقت الحروب أوزارها واستقرّت الدولة الإسلامية قرارها ، استفحل أمر البطائح وانفسدت مواضع البثوق وتغلب الماء على النواحي ، ودخلها العمّال بالسّفن فرأوا فيها مواضع عالية لم يصل الماء إليها ، فبنوا فيها قرى ، وسكنها قوم

٤٥٠

وزرعوها الأرز ، وتغلّب عليها في أوائل أيام بني بويه أقوام من أهلها ، وتحصنوا بالمياه والسفن ، وجارت تلك الأرض عن طاعة السلطان ، وصارت تلك المياه لهم كالمعاقل الحصينة إلى أن انقضت دولة الديلم ثم دولة السلجوقية ، فلما استبدّ بنو العباس بملكهم ورجع الحقّ إلى نصابه رجعت البطائح إلى أحسن النظام ، وجباها عمالهم كما كانت في قديم الأيام ، وقال حمدان بن السّحت الجرجاني : حضرت الحسين ابن عمرو الرّستمي ، وكان من أعيان قوّاد المأمون ، وهو يسأل الموبذان من خراسان ونحن في دار ذي الرياستين عن النوروز والمهرجان وكيف جعلا عيدا وكيف سمّيا ، فقال الموبذان : أنا أنبئك عنهما : إن واسطا كانت في أيام دارا بن دارا تسمّى أفرونية ولم تكن على شاطئ دجلة ، وكانت دجلة تجري على سننها في ناحية بطن جوخا ، فانبثقت في أيام بهرام جور وزالت عن مجراها إلى المذار وصارت تجري إلى جانب واسط منصبّة ، فغرقت القرى والعمارات التي كانت موضع البطائح ، وكانت متصلة بالبادية ولم تكن البصرة ولا ما حولها إلّا الأبلّة ، فإنها من بناء ذي القرنين ، وكان موضع البصرة قرى عاديّة مخوفا بها لا ينزلها أحد ولا يجري بها نهر إلّا دجلة الأبلة ، فأصاب القرى والمدن التي كانت في موضع البطائح ، وهم بشر كثير ، وباء فخرجوا هاربين على وجوههم ، وتبعهم أهاليهم بالأغذية والعلاجات فأصابوهم موتى فرجعوا ، فلما كان أول يوم من فروردين ماه من شهور الفرس أمطر الله تعالى عليهم مطرا فأحياهم ، فرجعوا إلى أهاليهم ، فقال ملك ذلك الزمان : هذا نوروز أي هذا يوم جديد ، فسمّي به ، فقال الملك : هذا يوم مبارك فإن جاء الله ، عز وجل ، فيه بمطر وإلّا فليصبّ الماء بعضهم على بعض ، وتبركوا به وصيروه عيدا ، فبلغ المأمون هذا الخبر فقال : إنه لموجود في كتاب الله تعالى ، وهو قوله : ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم ، الآية.

باب الباء والعين وما يليهما

بُعَاثُ : بالضم ، وآخره ثاء مثلثة : موضع في نواحي المدينة كانت به وقائع بين الأوس والخزرج في الجاهلية ، وحكاه صاحب كتاب العين بالغين المعجمة ، ولم يسمع في غيره ، وقال أبو أحمد السكّري : هو تصحيف ، وقال صاحب كتاب المطالع والمشارق : بعاث ، بضم أوله وعين مهملة ، وهو المشهور فيه ، ورواه صاحب كتاب العين بالغين وقيده الأصيلي بالوجهين ، وهو عند القابسي بغين معجمة وآخره ثاء مثلثة بلا خلاف ، وهو موضع من المدينة على ليلتين ، وقال قيس بن الخطيم :

ويوم بعاث أسلمتنا سيوفنا

إلى نسب ، من جذم غسّان ، ثاقب

وكان الرئيس في بعض حروب بعاث حضير الكتائب أبو أسيد بن حضير ، فقال خفاف بن ندبة يرثي حضيرا وكان قد مات من جراحه :

فلو كان حيّ ناجيا من حمامه

لكان حضير يوم أغلق واقما

أطاف به ، حتى إذا الليل جنّه

تبوّأ منه منزلا متناعما

وقال بعضهم : بعاث من أموال بني قريظة ، فيها مزرعة يقال لها قورا ، قال كثيّر عزّة بن عبد الرحمن :

٤٥١

كأنّ حدائج أظعاننا ،

بغيقة لمّا هبطن البراثا ،

نواعم عمّ على ميثب ،

عظام الجذوع أحلّت بعاثا

كدهم الركاب بأثقالها

غدت من سماهيج ، أو من جواثا

وقال آخر :

أرقت فلم تنم عيني حثاثا ،

ولم أهجع بها إلّا امتلاثا

فإن يك بالحجاز هوى دعاني ،

وأرّقني ببطن منى ثلاثا

فلا أنسى العراق وساكنيه ،

ولو جاوزت سلعا ، أو بعاثا

بَعَاذِينُ : بالفتح ، والذال معجمة مكسورة ، وياء ساكنة ، ونون : من قرى حلب لها ذكر في الشعر ، قال أبو العباس الصفري من شعراء سيف الدولة بن حمدان :

يا لأيّامنا بمرج بعاذي

ن ، وقد أضحك الرّبى نوّاره

وحكى الوشي ، بل أبرّ على الوش

ي بهاء ، منثوره وبهاره

وكأنّ الشقيق ، والريح تنفي الظل

ل عنه ، جمر يطير شراره

أذكرتني عناق من بان عني

شخصه باعتناقها أشجاره

وقال الصّنوبري :

شربنا في بعاذين

على تلك الميادين

بَعَالٌ : بالفتح : أرض لبني غفار قرب عسفان تتّصل بغيقة ، قاله الحازمي ثم وجدته لنصر ، وزاد أنه موضع بالحجاز قرب عسفان ، وهي شعبة لبني غفار تتصل بغيقة ، وقيل : جبل بين الأبواء وجبل جهينة في واديه خلص ، وأنشد لكثيّر :

عرفت الدار كالحلل البوالي ،

بفيف الخايعان إلى بعال

وقال العمراني : هو بعال بوزن غراب ، موضع بالقصيبة ، وأنشد :

ويسأل البعال أن يموجا

بُعَالُ : بالضم ، قاله الحازمي ثم وجدته لنصر بعال ، بالضم أيضا : وهو جبل ضخم بأطراف أرمينية.

بَعَّانِيقُ : بالفتح ، وبعد الألف نون ، وياء ساكنة ، وقاف : واد بين البصرة واليمامة ، عن نصر جاء به في قرينة التعانيق.

بَعْدَانُ : بالفتح ثم السكون ، ودال مهملة ، وألف ، ونون : مخلاف باليمن يقال لها البعدانية من مخلاف السّحول : قال الأعشى يمدح ذا فايش اليحصبي :

ببعدان أو ريمان أو راس سلبة

شفاء ، لمن يشكو السمائم ، بارد

وبالقصر من أرياب لو بتّ ليلة

لجاءك مثلوج ، من الماء ، جامد

بَعْوٌ : جفر البعر بين مكة واليمامة على الجادّة : ماء لبني ربيعة بن عبد الله بن كلاب ، عن نصر.

بَعْرينُ : بوزن خمسين : بليد بين حمص والساحل ، هكذا تتلفظ به العامة ، وهو خطأ ، وإنما هو بارين.

بُعْطَانُ : بالضم : واد لخثعم.

٤٥٢

بَعْقٌ : بالقاف : واد بالأبواء يقال له البعق ، قاله أبو الأشعث الكندي ، قال الشاعر :

كأنك مردوع بشسّ مطرّد ،

يفارقه من عقدة البعق هيمها

بَعْقُوبا : بالفتح ثم السكون ، وضم القاف ، وسكون الواو ، والباء موحدة ، ويقال لها باعقوبا أيضا : قرية كبيرة كالمدينة ، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ ، من أعمال طريق خراسان ، وهي كثيرة الأنهار والبساتين ، واسعة الفواكه متكاثفة النخل ، وبها رطب وليمون ، يضرب بحسنها وجودتها المثل ، وهي راكبة على نهر ديالى من جانبه الغربي ، ونهر جلولاء يجري في وسطها ، وعلى جنبي النهر سوقان ، وعليه قنطرة ، وعلى ظهر القنطرة يتصل بين السّوقين ، والسفن تجري تحت القنطرة إلى باجسرا وغيرها من القرى ، وبها عدة حمامات ومساجد ، وينسب إليها جماعة من أهل العلم ، منهم : أبو الحسن محمد بن الحسين بن حمدون البعقوبي قاضيها ، روى عنه الحافظ أبو بكر الخطيب ، وقتل بحلوان في شهر ربيع الأول سنة ٤٣٠ ، وبعقوبا هذه هي التي ذكرها سعد بن محمد الصّيفي ، وهو الحيص بيص ، في رسائله السبع يسأل المسترشد أن يهبها منه وعوّض عنها بمال فلم يقبله ، وقرأت بخط أبي محمد بن الخشّاب النحوي أنشدني أبو المظفر بن قرما الإسكافي قال : أنشدني المهدي البصري لنفسه يهجو أهل بعقوبا :

ألا قل لمرتاد النّوال تطوّفا ،

يقلقله همّ عليه حريص :

تخاف ببعقوبا ، إذا جئت معشرا

لهمّ يبيت الضّيف ، وهو خميص

أبو الشّيص لو وافاهم بمجاعة

لأعوزه ، بين الحدائق ، شيص

ولو خوصة من نخلها قيل قد هوت ،

لقيل عشار قد هوين وخوص

بَعْلَبَكُّ : بالفتح ثم السكون ، وفتح اللام ، والباء الموحدة ، والكاف مشددة : مدينة قديمة فيها أبنية عجيبة وآثار عظيمة وقصور على أساطين الرّخام لا نظير لها في الدنيا ، بينها وبين دمشق ثلاثة أيام وقيل اثنا عشر فرسخا من جهة الساحل ، قال بطليموس : مدينة بعلبك طولها ثمان وستون درجة وعشرون دقيقة في الإقليم الرابع تحت ثلاث درج من الحوت ، لها شركة في كف الخضيب ، طالعها القوس تحت عشر درج من السرطان ، يقابلها مثلها من الجدي ، بيت ملكها مثلها من الحمل بيت عاقبتها مثلها من الميزان ، قال صاحب الزّيج : بعلبك طولها اثنتان وستون درجة وثلث ، وعرضها سبع وثلاثون درجة وثلث ، وهو اسم مركب من بعل اسم صنم وبكّ أصله من بكّ عنقه أي دقّها ، وتباك القوم أي ازدحموا ، فإما أن يكون نسب الصنم إلى بكّ وهو اسم رجل ، أو جعلوه يبكّ الأعناق ، هذا إن كان عربيّا ، وإن كان عجميّا فلا اشتقاق ، ولهذا الاسم ونظائره من المركبات أحكام ، فإن شئت جعلت آخر الأول والثاني مفتوحا بكل حال كقولك : هذا بعلبكّ ورأيت بعلبكّ وجئت من بعلبكّ ، فهذا تركيب يقتضي بناءه ، فكأنك قلت : بعل وبكّ ، فلما حذفت الواو أقمت البناء مقامه ففتحت الاسمين كما قلت خمسة عشر ، وإن شئت أضفت الأول إلى الثاني فقلت : هذا بعلبكّ ورأيت بعلبكّ ومررت ببعلبكّ ، أعربت بعلا وخفضت بكّا بالإضافة ، وإن شئت بنيت الاسم الأول على الفتح وأعربت الثاني بإعراب ما لا ينصرف فقلت : هذا بعلبكّ ورأيت بعلبكّ ومررت ببعلبكّ ،

٤٥٣

وهذا هو التركيب الداخل في باب ما لا ينصرف الذي عدّوه سببا من أسباب منع الصرف ، فإنهم أجروا الاسم الثاني من الاسمين اللذين ركبا مجرى تاء التأنيث في أن آخر حرف قبلها مفتوح أبدا ومنزّل تنزيل الفتحة كالألف في نواة وقطاة ، وآخر الثاني حرف إعراب ، إلا أن الاسم غير مصروف للتعريف والتركيب لأن التركيب فرع على الإفراد وثان له ، كما أن التعريف ثان للتنكير ، فعلى هذا الوجه تقول : هذا بعلبكّ ورأيت بعلبكّ ومررت ببعلبكّ ، فلو نكّرته صرفته لبقاء علّة واحدة فيه هي التركيب ، ويدلك على أن الاسم الثاني في هذا الوجه بمنزلة التاء تصغيرهم الأول من الاسمين المركّبين وتسليمهم لفظ الثاني فتقول : هذه بعيلبكّ ، كما تقول في طلحة طليحة ، وتقول في ترخيمه لو رخّمته يا بعل كما تقول يا طلح ، وتقول في النسب إليه بعليّ كما تقول طلحيّ ، وأما من قال بعلبكّيّ فليس بعلبكّ عنده مركبة ولكنه من أبنية العرب ، فأما حضرميّ وعبدريّ وعبقسيّ فإنهم خلطوا الاسمين واشتقوا منهما اسما نسبوا إليه ، وببعلبكّ دبس وجبن وزيت ولبن ليس في الدنيا مثلها يضرب بها المثل ، قال أعرابيّ :

قلت لذات الكعثب المصكّ ،

ولم أكن من قولها في شكّ ،

إذ لبست ثوبا دقيق السّلك ،

وعقد درّ ونظام سكّ :

غطّي الذي افتن قلبي منك!

قالت : فما هو؟ قلت : غطّي حرك ،

فكشفت عن أبيض مدكّ ،

كأنه قعب نضار مكي ،

أو جبنة من جبن بعلبكّ

يسمع منه خفقان الدكّ ،

مثل صرير القتب المنفكّ

وقد ذكرها امرؤ القيس فقال :

لقد أنكرتني بعلبكّ وأهلها ،

ولابن جريج في قرى حمص أنكرا

وقيل : إن بعلبكّ كانت مهر بلقيس وبها قصر سليمان بن داود ، عليه السلام ، وهو مبني على أساطين الرخام ، وبها قبر يزعمون أنه قبر مالك الأشتر النخعي وليس بصحيح ، فإن الأشتر مات بالقلزم في طريقه إلى مصر ، وكان عليّ ، رضي الله عنه ، وجّهه أميرا ، فيقال إنّ معاوية دسّ إليه عسلا مسموما فأكله فمات بالقلزم ، فقال معاوية : إنّ لله جنودا من عسل ، فيقال إنه نقل إلى المدينة فدفن بها وقبره بالمدينة معروف ، وبها قبر يقولون إنه قبر حفصة بنت عمر زوجة النبي ، صلى الله عليه وسلم ، والصحيح أنه قبر حفصة أخت معاذ بن جبل ، لأن قبر حفصة زوج النبي ، صلى الله عليه وسلم ، بالمدينة معروف ، وبها قبر الياس النبي ، عليه السلام ، وبقلعتها مقام إبراهيم الخليل ، عليه السلام ، وبها قبر أسباط.

ولما فرغ أبو عبيدة بن الجرّاح من فتح دمشق في سنة أربع عشرة ، سار إلى حمص فمرّ ببعلبك فطلب أهلها إليه الأمان والصلح ، فصالحهم على أن أمنهم على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وكتب لهم كتابا أجّلهم فيه إلى شهر ربيع الآخر وجمادى الأولى ، فمن جلا سار إلى حيث شاء ومن أقام فعليه الجزية ، وقد نسب إلى بعلبك جماعة من أهل العلم ، منهم : محمد ابن عليّ بن الحسن بن محمد بن أبي المضاء أبو المضاء البعلبكي المعروف بالشيخ الدّيّن ، سمع بدمشق أبا بكر الخطيب وأبا الحسن بن أبي الحديد وأبا محمد

٤٥٤

الكناني ، وببعلبك عمه القاضي أبا عليّ الحسن بن عليّ بن محمد بن أبي المضاء ، سمع منه أبو الحسين بن عساكر وأجاز لأخيه أبي القاسم الحافظ ، وكان مولده سنة ٤٢٥ ومات في شعبان سنة ٥٠٩ ، وعبد الرحمن بن الضحاك بن مسلم أبو مسلم البعلبكي القاري ويعرف بابن كسرى ، روى عن سويد بن عبد العزيز والوليد بن مسلم ومروان بن معاوية وبقية ومبشّر بن إسماعيل وسفيان بن عيينة وعبد الرحمن بن مهدي ، روى عنه أبو حاتم الرازي وأبو جعفر أحمد بن عمر بن إسماعيل الفارسي الورّاق وغيرهما ، ومحمد بن هاشم بن سعيد البعلبكي ، روى عنه أحمد بن عمير بن جوصا الدمشقي وغيره.

بَعْلٌ : شرف البعل : جبل في طريق الشام من المدينة ، وأما بعل في قوله تعالى : أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين ، فهو صنم كان لقوم الياس النبي ، عليه السلام ، وبه سمي بعلبكّ ، وهو معظّم عند اليونانيين ، كان بمدينة بعلبكّ من أعمال دمشق ثم من كورة سنير ، وقد كانت يونان اختارت لهذا الهيكل قطعة من الأرض في جبل لبنان ثم في جبل سنير فاتخذته بيتا للأصنام ، وهما بيتان عظيمان أحدهما أعظم من الآخر ، وصنعوا فيهما من النقوش العجيبة المحفورة في الحجر الذي لا يتأتى حفر مثله في الخشب ، هذا مع علوّ سمكها وعظم أحجارها وطول أساطينها.

البَعوضَةُ : بالفتح ، بلفظ واحدة البعوض ، بالضاد المعجمة : ماءة لبني أسد بنجد قريبة القعر ، قال الأزهري : البعوضة ماءة معروفة بالبادية ، قال ابن مقبل :

أإحدى بني عبس ذكرت ، ودونها

سنيح ، ومن رمل البعوضة منكب

وبهذا الموضع كان مقتل مالك بن نويرة ، لأن خالد ابن الوليد ، رضي الله عنه ، بعث إليهم وهم بالبطاح فأقروا فيما قيل بالإسلام ، فاستدعاهم إليه وهو نازل على البعوضة فاختلفوا فيهم فمن المسلمين من شهد أنهم أذّنوا ومنهم من شهد أنهم لم يؤذّنوا ، فأمر خالد بالاحتياط ، وكانت ليلة باردة فقال خالد : أدفئوا أسراكم ، وادفئوا في لغة كنانة اقتلوا ، فقتلوهم عن آخرهم ، فنقم عمر ، رضي الله عنه ، على خالد في قصة طويلة ، وكان فيمن قتل مالك بن نويرة اليربوعي ، فقال أخوه متمم بن نويرة :

لعمري! وما عمري بتأبين هالك

ولا جزع ، والدهر يعثر بالفتى

لئن مالك خلّى عليّ مكانه ،

فلي أسوة إن كان ينفعني الأسى

كهول ومرد من بني عمّ مالك ،

وأيفاع صدق قد تملّيتهم رضى

على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي ،

لك الويل! حرّ الوجه أو يبك من بكى

على بشر منهم أسود وذادة ،

إذا ارتدف الشر الحوادث والرّدى

رجال أراهم من ملوك وسوقة ،

جنوا بعد ما نالوا السلامة والغنى

بُعَيقِبَةُ : تصغير بعقوبا : قرية بينها وبين بعقوبا فرسخان ، وهي التي أنعم بها فيما ذكر بعضهم المسترشد بالله على الحيص بيص فلم يرضها ، وبها كانت الوقعة بين البقش كون خر والمقتفي لأمر الله.

باب الباء والغين وما يليهما

بِغَاثُ : بالكسر ، وآخره ثاء مثلثة : برق بيض في أقصى بلاد أبي بكر بن كلاب.

٤٥٥

بُغانِخَذ : بالضم ، والنون مكسورة ، والخاء معجمة مفتوحة ، والذال معجمة ، قال أبو سعد : أظنّها من قرى نيسابور ، منها أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن هاشم البغانخذي النيسابوري ، سمع الزبير بن بكار.

بُغاوِزْجانُ : الواو مكسورة ، والزاي ساكنة ، وجيم ، وألف ، ونون : من قرى سرخس على أربعة فراسخ ، ويقال لها غاوزجان ، خرج منها جماعة ، منهم أبو الحسن عليّ بن عليّ البغاوزجاني.

بَغْثٌ : بالفتح ثم السكون ، والثاء المثلثة : اسم واد عند خيبر بقرب بغيث.

بَغْدَ خَزَرْقَنْد : هذا اسم مركب من ثلاثة بلاد ، ينسب إليه أبو روح عبد الحي بن عبد الله بن موسى ابن الحسين بن إبراهيم السلامي البغدخزرقندي ، وكان أبوه يقول : إنما قيل لابني البغدخزرقندي لأن أبا بغداديّ وأمه خزريّة وولد بسمرقند ، سمع أباه ، وتوفي بنسف في تاسع صفر سنة ٤٢١.

بَغْدَلُ : أصلها باغ عبد الله : محلة بأصبهان ، ينسب إليها أبو عبد الله محمد بن سعيد بن إسحاق القطّان البغدلي الأصبهاني ، روى عن يحيى بن أبي طالب وغيره ، روى عنه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة الحافظ.

بَغْدَادُ : أم الدنيا وسيدة البلاد ، قال ابن الأنباري : أصل بغداد للأعاجم ، والعرب تختلف في لفظها إذ لم يكن أصلها من كلامهم ولا اشتقاقها من لغاتهم ، قال بعض الأعاجم : تفسيره بستان رجل ، فباغ بستان وداد اسم رجل ، وبعضهم يقول : بغ اسم للصنم ، فذكر أنه أهدي إلى كسرى خصيّ من المشرق فأقطعه إياها ، وكان الخصيّ من عباد الأصنام ببلده فقال : بغ داد أي الصنم أعطاني ، وقيل : بغ هو البستان وداد أعطى ، وكان كسرى قد وهب لهذا الخصي هذا البستان فقال : بغ داد فسميت به ، وقال حمزة بن الحسن : بغداد اسم فارسي معرّب عن باغ داذويه ، لأن بعض رقعة مدينة المنصور كان باغا لرجل من الفرس اسمه داذويه ، وبعضها أثر مدينة دارسة كان بعض ملوك الفرس اختطّها فاعتل فقالوا : ما الذي يأمر الملك أن تسمى به هذه المدينة؟ فقال : هلدوه وروز أي خلّوها بسلام ، فحكي ذلك للمنصور فقال : سميتها مدينة السلام ، وفي بغداد سبع لغات : بغداد وبغدان ، ويأبى أهل البصرة ولا يجيزون بغداذ في آخره الذال المعجمة ، وقالوا : لأنه ليس في كلام العرب كلمة فيها دال بعدها ذال ، قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق : فقلت لأبي إسحاق إبراهيم بن السري فما تقول في قولهم خرداد؟ فقال : هو فارسي ليس من كلام العرب ، قلت أنا : وهذا حجة من قال بغداد فإنه ليس من كلام العرب ، وأجاز الكسائي بغداد على الأصل ، وحكى أيضا مغداذ ومغداد ومغدان ، وحكى الخارزنجي : بغداد بدالين مهملتين ، وهي في اللغات كلها تذكّر وتؤنث ، وتسمى مدينة السلام أيضا ، فأما الزوراء : فمدينة المنصور خاصة ، وسميت مدينة السلام لأن دجلة يقال لها وادي السلام ، وقال موسى بن عبد الحميد النسائي : كنت جالسا عند عبد العزيز بن أبي روّاد فأتاه رجل فقال له : من أين أنت؟ فقال له : من بغداد ، فقال : لا تقل بغداد فإن بغ صنم وداد أعطى ، ولكن قل مدينة السلام ، فإن الله هو السلام والمدن كلها له ، وقيل : إن بغداد كانت قبل سوقا يقصدها تجار أهل الصين بتجاراتهم فيربحون الرّبح الواسع ، وكان اسم ملك الصين بغ فكانوا إذا انصرفوا إلى بلادهم قالوا : بغ داد أي إن هذا الربح الذي ربحناه من عطية

٤٥٦

الملك ، وقيل إنما سميت مدينة السلام لأن السلام هو الله فأرادوا مدينة الله ، وأما طولها فذكر بطلميوس في كتاب الملحمة المنسوب إليه أن مدينة بغداد طولها خمس وسبعون درجة وعرضها أربع وثلاثون درجة داخلة في الإقليم الرابع ، وقال أبو عون وغيره : إنها في الإقليم الثالث ، قال : طالعها السماك الأعزل ، بيت حياتها القوس ، لها شركة في الكف الخضيب ولها أربعة أجزاء من سرّة الجوزاء تحت عشر درج من السرطان ، يقابلها مثلها من الجدي عاشرها مثلها من الحمل عاقبتها مثلها من الميزان ، قلت أنا : ولا شك أن بغداد أحدثت بعد بطليموس بأكثر من ألف سنة ولكني أظنّ أن مفسري كلامه قاسوا وقالوا ، وقال صاحب الزيج : طول بغداد سبعون درجة ، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وثلث ، وتعديل نهارها ست عشرة درجة وثلثا درجة ، وأطول نهارها أربع عشرة ساعة وخمس دقائق ، وغاية ارتفاع الشمس بها ثمانون درجة وثلث ، وظلّ الظهر بها درجتان ، وظل العصر أربع عشرة درجة ، وسمت القبلة ثلاث عشرة درجة ونصف ، وجهها عن مكة مائة وسبع عشرة درجة ، في الوجود ثلاثمائة درجة ، هذا كله نقلته من كتب المنجمين ولا أعرفه ولا هو من صناعتي ، وقال أحمد ابن حنبل : بغداد من الصّراة إلى باب التبن ، وهو مشهد موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر ابن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد ابن الإمام علي ابن أبي طالب ، ثم زيد فيها حتى بلغت كلواذى والمخرّم وقطربّل ، قال أهل السير : ولما أهلك الله مهران بأرض الحيرة ومن كان معه من العجم استمكن المسلمون من الغارة على السواد وانتقضت مسالح الفرس وتشتت أمرهم واجترأ المسلمون عليهم وشنوا الغارات ما بين سورا وكسكر والصراة والفلاليج والأستانات ، قال أهل الحيرة للمثنى : إن بالقرب منا قرية تقوم فيها سوق عظيمة في كل شهر مرة فيأتيها تجار فارس والأهواز وسائر البلاد ، يقال لها بغداد ، وكذا كانت إذ ذاك ، فأخذ المثنى على البرّ حتى أتى الأنبار ، فتحصّن فيها أهلها منه ، فأرسل إلى سفروخ مرزبانها ليسير إليه فيكلّمه بما يريد وجعل له الأمان ، فعبر المرزبان إليه ، فخلا به المثنى وقال له : أريد أن أغير على سوق بغداد وأريد أن تبعث معي أدلّاء فيدلّوني الطريق وتعقد لي الجسر لأعبر عليه الفرات ، ففعل المرزبان ذلك ، وقد كان قطع الجسر قبل ذلك لئلا تعبر العرب عليه ، فعبر المثنى مع أصحابه وبعث معه المرزبان الأدلاء ، فسار حتى وافى السوق صحوة ، فهرب الناس وتركوا أموالهم فأخذ المسلمون من الذهب والفضة وسائر الأمتعة ما قدروا على حمله ثم رجعوا إلى الأنبار ، ووافى معسكره غانما موفورا ، وذلك في سنة ١٣ للهجرة ، فهذا خبر بغداد قبل أن يمصّرها المنصور ، لم يبلغني غير ذلك.

فصل

في بدء عمارة بغداد ، كان أول من مصّرها وجعلها مدينة المنصور بالله أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ثاني الخلفاء ، وانتقل إليها من الهاشمية ، وهي مدينة كان قد اختطّها أخوه أبو العباس السّفّاح قرب الكوفة وشرع في عمارتها سنة ١٤٥ ونزلها سنة ١٤٩ ، وكان سبب عمارتها أن أهل الكوفة كانوا يفسدون جنده فبلغه ذلك من فعلهم ، فانتقل عنهم يرتاد موضعا ، وقال ابن عيّاش : بعث المنصور روّادا وهو بالهاشمية يرتادون له موضعا يبني فيه مدينة ويكون الموضع واسطا رافقا بالعامة والجند ، فنعت له موضع قريب من

٤٥٧

بارمّا ، وذكر له غذاؤه وطيب هوائه ، فخرج إليه بنفسه حتى نظر إليه وبات فيه ، فرأى موضعا طيبا فقال لجماعة ، منهم سليمان بن مجالد وأبو أيوب المرزباني وعبد الملك بن حميد الكاتب : ما رأيكم في هذا الموضع؟ قالوا : طيب موافق ، فقال : صدقتم ولكن لا مرفق فيه للرعية ، وقد مررت في طريقي بموضع تجلب إليه الميرة والامتعة في البرّ والبحر وأنا راجع إليه وبائت فيه ، فإن اجتمع لي ما أريد من طيب الليل فهو موافق لما أريده لي وللناس ، قال : فأتى موضع بغداد وعبر موضع قصر السلام ثم صلى العصر ، وذلك في صيف وحرّ شديد ، وكان في ذلك الموضع بيعة فبات أطيب مبيت وأقام يومه فلم ير إلا خيرا فقال : هذا موضع صالح للبناء ، فإن المادة تأتيه من الفرات ودجلة وجماعة الأنهار ، ولا يحمل الجند والرعية إلا مثله ، فخطّ البناء وقدّر المدينة ووضع أول لبنة بيده فقال : بسم الله والحمد لله والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ، ثم قال : ابنوا على بركة الله ، وذكر سليمان بن مختار أن المنصور استشار دهقان بغداد ، وكانت قرية في المربّعة المعروفة بأبي العباس الفضل بن سليمان الطوسي ، وما زالت داره قائمة على بنائها إلى أن خرب كثير مما يجاورها في البناء ، فقال : الذي أراه يا أمير المؤمنين أن تنزل في نفس بغداد ، فإنك تصير بين أربعة طساسيج : طسّوجان في الجانب الغربي وطسّوجان في الجانب الشرقي ، فاللذان في الغربي قطربل وبادوريا ، واللذان في الشرقي نهر بوق وكلواذى ، فإن تأخرت عمارة طسوج منها كان الآخر عامرا ، وأنت يا أمير المؤمنين على الصّراة ودجلة ، تجيئك بالميرة من القرب وفي الفرات من الشام والجزيرة ومصر وتلك البلدان ، وتحمل إليك طرائف الهند والسند والصين والبصرة وواسط في دجلة ، وتجيئك ميرة أرمينية وأذربيجان وما يتصل بها في تامرّا ، وتجيئك ميرة الموصل وديار بكر وربيعة وأنت بين أنهار لا يصل إليك عدوك إلا على جسر أو قنطرة ، فإذا قطعت الجسر والقنطرة لم يصل إليك عدوك ، وأنت قريب من البرّ والبحر والجبل ، فأعجب المنصور هذا القول وشرع في البناء ، ووجه المنصور في حشر الصّنّاع والفعلة من الشام والموصل والجبل والكوفة وواسط فأحضروا ، وأمر باختيار قوم من أهل الفضل والعدالة والفقه والأمانة والمعرفة بالهندسة ، فجمعهم وتقدم إليهم أن يشرفوا على البناء ، وكان ممن حضر الحجاج بن أرطاة وأبو حنيفة الإمام ، وكان أول العمل في سنة ١٤٥ ، وأمر أن يجعل عرض السور من أسفله خمسين ذراعا ومن أعلاه عشرين ذراعا ، وأن يجعل في البناء جرز القصب مكان الخشب ، فلما بلغ السور مقدار قامة اتّصل به خروج محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب ، فقطع البناء حتى فرغ من أمره وأمر أخيه إبراهيم بن عبد الله بن حسن ابن حسن.

وعن علي بن يقطين قال : كنت في عسكر أبي جعفر المنصور حين سار إلى الصراة يلتمس موضعا لبناء مدينة ، قال : فنزل الدير الذي على الصراة في العتيقة فما زال على دابته ذاهبا جائيا منفردا عن الناس يفكر ، قال : وكان في الدير راهب عالم فقال لي : لم يذهب الملك ويجيء؟ قلت : إنه يريد أن يبني مدينة ، قال : فما اسمه؟ قلت : عبد الله بن محمد ، قال : أبو من؟ قلت : أبو جعفر ، قال : هل يلقب بشيء؟ قلت : المنصور ، قال : ليس هذا الذي يبنيها ، قلت : ولم؟ قال : لأنا قد وجدنا في كتاب عندنا نتوارثه قرنا عن قرن أن الذي يبني

٤٥٨

هذا المكان رجل يقال له مقلاص ، قال : فركبت من وقتي حتى دخلت على المنصور ودنوت منه ، فقال لي : ما وراءك؟ قلت : خير ألقيه إلى أمير المؤمنين وأريحه من هذا العناء ، فقال : قل ، قلت : أمير المؤمنين يعلم أن هؤلاء معهم علم ، وقد أخبرني راهب هذا الدير بكذا وكذا ، فلما ذكرت له مقلاص ضحك واستبشر ونزل عن دابته فسجد وأخذ سوطه وأقبل يذرع به ، فقلت في نفسي : لحقه اللجاج ، ثم دعا المهندسين من وقته وأمرهم بخط الرماد ، فقلت له : أظنّك يا أمير المؤمنين أردت معاندة الراهب وتكذيبه ، فقال : لا والله ولكني كنت ملقّبا بمقلاص وما ظننت أن أحدا عرف ذلك غيري ، وذاك أننا كنا بناحية السراة في زمان بني أمية على الحال التي تعلم ، فكنت أنا ومن كان في مقدار سنّي من عمومتي وإخوتي نتداعى ونتعاشر ، فبلغت النوبة إليّ يوما من الأيام وما أملك درهما واحدا فلم أزل أفكر وأعمل الحيلة إلى أن أصبت غزلا لداية كانت لهم ، فسرقته ثم وجّهت به فبيع لي واشتري لي بثمنه ما احتجت إليه ، وجئت إلى الداية وقلت لها : افعلي كذا واصنعي كذا ، قالت : من أين لك ما أرى؟ قلت : اقترضت دراهم من بعض أهلي ، ففعلت ما أمرتها به ، فلما فرغنا من الأكل وجلسنا للحديث طلبت الداية الغزل فلم تجده فعلمت أني صاحبه ، وكان في تلك الناحية لص يقال له مقلاص مشهور بالسرقة ، فجاءت إلى باب البيت الذي كنا فيه فدعتني فلم أخرج إليها لعلمي أنها وقفت على ما صنعت ، فلما ألحّت وأنا لا أخرج قالت : اخرج يا مقلاص ، الناس يتحذّرون من مقلاصهم وأنا مقلاصي معي في البيت ، فمزح معي إخوتي وعمومتي بهذا اللقب ساعة ثم لم أسمع به إلا منك الساعة فعلمت أن أمر هذه المدينة يتم على يدي لصحة ما وقفت عليه ، ثم وضع أساس المدينة مدوّرا وجعل قصره في وسطها وجعل لها أربعة أبواب وأحكم سورها وفصيلها ، فكان القاصد إليها من الشرق يدخل من باب خراسان والقاصد من الحجاز يدخل من باب الكوفة والقاصد من المغرب يدخل من باب الشام والقاصد من فارس والأهواز وواسط والبصرة واليمامة والبحرين يدخل من باب البصرة.

قالوا : فأنفق المنصور على عمارة بغداد ثمانية عشر ألف ألف دينار ، وقال الخطيب في رواية : إنه أنفق على مدينته وجامعها وقصر الذهب فيها والأبواب والأسواق إلى أن فرغ من بنائها أربعة آلاف ألف وثمانمائة وثلاثة وثمانين ألف درهم ، وذاك أن الأستاذ من الصّنّاع كان يعمل في كل يوم بقيراط إلى خمس حبّات والروزجاري بحبتين إلى ثلاث حبات ، وكان الكبش بدرهم والحمل بأربعة دوانيق والتمر ستون رطلا بدرهم ، قال الفضل بن دكين : كان ينادى على لحم البقر في جبانة كندة تسعون رطلا بدرهم ، ولحم الغنم ستون رطلا بدرهم ، والعسل عشرة أرطال بدرهم ، قال : وكان بين كل باب من أبواب المدينة والباب الآخر ميل ، وفي كل ساف من أسواف البناء مائة ألف لبنة واثنان وستون ألف لبنة من اللبن الجعفري ، وعن ابن الشّروي قال : هدمنا من السور الذي يلي باب المحوّل قطعة فوجدنا فيها لبنة مكتوبا عليها بمغرة : وزنها مائة وسبعة عشر رطلا ، فوزناها فوجدناها كذلك. وكان المنصور كما ذكرنا بنى مدينته مدوّرة وجعل داره وجامعها في وسطها ، وبنى القبة الخضراء فوق إيوان ، وكان علوّها ثمانين ذراعا ، وعلى رأس القبة صنم على صورة فارس في يده رمح ، وكان السلطان إذا رأى أن ذلك الصنم قد استقبل بعض الجهات ومدّ

٤٥٩

الرمح نحوها علم أن بعض الخوارج يظهر من تلك الجهة ، فلا يطول عليه الوقت حتى ترد عليه الأخبار بأن خارجيّا قد هجم من تلك الناحية ، قلت أنا : هكذا ذكر الخطيب وهو من المستحيل والكذب الفاحش ، وإنما يحكى مثل هذا عن سحرة مصر وطلسمات بليناس التي أوهم الأغمار صحتها تطاول الأزمان والتخيل أن المتقدّمين ما كانوا بني آدم ، فأما الملة الإسلامية فإنها تجلّ عن مثل هذه الخرافات ، فإن من المعلوم أن الحيوان الناطق مكلف الصنائع لهذا التمثال لا يعلم شيئا مما ينسب إلى هذا الجماد ولو كان نبيّا مرسلا ، وأيضا لو كان كلما توجهت إلى جهة خرج منها خارجيّ لوجب أن لا يزال خارجيّ يخرج في كل وقت لأنها لا بدّ أن تتوجه إلى وجه من الوجوه ، والله أعلم ، قال : وسقط رأس هذه القبة سنة ٣٢٩ ، وكان يوم مطر عظيم ورعد هائل ، وكانت هذه القبة تاج البلد وعلم بغداد ومأثرة من مآثر بني العباس ، وكان بين بنائها وسقوطها مائة ونيف وثمانون سنة ، ونقل المنصور أبوابها من واسط ، وهي أبواب الحجّاج ، وكان الحجاج أخذها من مدينة بإزاء واسط تعرف بزندورد ، يزعمون أنها من بناء سليمان بن داود ، عليه السلام ، وأقام على باب خراسان بابا جيء به من الشام من عمل الفراعنة وعلى باب الكوفة بابا جيء به من الكوفة من عمل خالد القسري وعمل هو بابا لباب الشام ، وهو أضعفها ، وكان لا يدخل أحد من عمومة المنصور ولا غيرهم من شيء من الأبواب إلّا راجلا إلا داود بن عليّ عمه ، فإنه كان متفرّسا وكان يحمل في محفّة ، وكذلك محمد المهدي ابنه ، وكانت تكنس الرحاب في كل يوم ويحمل التراب إلى خارج ، فقال له عمه عبد الصمد : يا أمير المؤمنين أنا شيخ كبير فلو أذنت لي أن أنزل داخل الأبواب ، فلم يأذن له ، فقال : يا أمير المؤمنين عدني بعض بغال الرّوايا التي تصل إلى الرّحاب ، فقال : يا ربيع بغال الروايا تصل إلى رحابي تتخذ الساعة قنيّ بالساج من باب خراسان حتى تصل إلى قصري ، ففعل ومدّ المنصور قناة من نهر دجيل الآخذ من دجلة وقناة من نهر كرخايا الآخذ من الفرات وجرّهما إلى مدينته في عقود وثيقة ، من أسفلها محكمة بالصاروج والآجر من أعلاها ، فكانت كل قناة منها تدخل المدينة وتنفذ في الشوارع والدروب والأرباض ، تجري صيفا وشتاء لا ينقطع ماؤها في شيء من الأوقات ، ثم أقطع المنصور أصحابه القطائع فعمّروها وسميت بأسمائهم ، وقد ذكرت من ذلك ما بلغني في مواضعه حسب ما قضى به ترتيب الحروف ، وقد صنّف في بغداد وسعتها وعظم رفعتها وسعة بقعتها وذكر أبو بكر الخطيب في صدر كتابه من ذلك ما فيه كفاية لطالبه.

فلنذكر الآن ما ورد في مدح بغداد

ومن عجيب ذلك ما ذكره أبو سهل بن نوبخت قال : أمرني المنصور لما أراد بناء بغداد بأخذ الطالع ، ففعلت فإذا الطالع في الشمس وهي في القوس ، فخبّرته بما تدلّ النجوم عليه من طول بقائها وكثرة عمارتها وفقر الناس إلى ما فيها ثم قلت : وأخبرك خلّة أخرى أسرك بها يا أمير المؤمنين ، قال : وما هي؟ قلت : نجد في أدلة النجوم أنه لا يموت بها خليفة أبدا حتف أنفه ، قال : فتبسم وقال الحمد لله على ذلك ، هذا من فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ، ولذلك يقول عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير بن الخطفى :

أعاينت في طول من الأرض أو عرض ،

كبغداد من دار بها مسكن الخفض

٤٦٠