معجم البلدان - ج ١

شهاب الدين أبي عبدالله ياقوت بن عبدالله الحموي الرومي البغدادي

معجم البلدان - ج ١

المؤلف:

شهاب الدين أبي عبدالله ياقوت بن عبدالله الحموي الرومي البغدادي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار صادر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٠

إسماعيل بن حماد ، وقال نصر : ذو بحار ماء لغنيّ في شرقي النّير وقيل في بلاد اليمن ، وأنشد غيره للنابغة الجعدي في يوم شعب جبلة :

ونحن حبسنا الحيّ عبسا وعامرا

بحسّان وابي الجون ، إذ قيل أقبلا

وقد صعدت عن ذي بحار نساؤهم ،

كإصعاد نسر لا يرومون منزلا

عطفنا لهم عطف الضّروس فصادفوا ،

من الهضبة الحمراء ، عزّا ومعقلا

وقال أبو زياد : ذو بحار واد بأعلى التسرير يصبّ في التسرير ، لعمرو بن كلاب ، وأنشد :

عفا ذو بحار من أميمة فالهضب ،

وأقفر إلّا أن يلمّ به ركب

ورواه الغوري بفتح الباء ، وأنشد لبشر بن أبي خازم :

لليلى على بعد المزار تذكّر ،

ومن دون ليلى ذو بحار فمنور

بُحارٌ : بالضم ، كذا رواه السكّري في قول البريق الهذلي :

ومرّ على القرائن من بحار ،

فكاد الوبل لا يبقي بحارا

وقال بشامة بن الغدير :

لمن الديار عفون بالجزع ،

بالدّوم بين بحار فالشّرع

درست ، وقد بقيت على حجج ،

بعد الأنيس ، عفونها ، سبع

إلّا بقايا خيمة درست ،

دارت قواعدها على الرّبع

بُحْت : بالضم ثم السكون ، والتاء مثناة : وادي البحت قريب من العذيب يطؤه الطريق بين الكوفة والبصرة ، قال الحازمي : ولا أحقّه.

بُحتُرُ : بالضم : روضة في وسط أجإ أحد جبلي طيّء قرب جوّ ، كأنها مسماة بالقبيلة ، وهو بحتر ابن عتود بن عنين بن سلامان بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيّء.

بُحْرَانُ : بالضم : موضع بناحية الفرع ، قال الواقدي : بين الفرع والمدينة ثمانية برد ، وقال ابن إسحاق : هو معدن بالحجاز في ناحية الفرع ، وذلك المعدن للحجاج بن علاط البهزي ، قال ابن إسحاق في سيرة عبد الله بن جحش : فسلك على طريق الحجاز حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له بحران أضلّ سعد بن أبي وقّاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يعتقبانه ، وذكر القصة ، كذا قيده ابن الفرات بفتح الباء ههنا ، وقد قيده في مواضع بضمّها ، وهو المشهور ، وذكره العمراني والزمخشري وضبطاه بالفتح ، والله أعلم.

بُحثُرُ : بلد باليمن كانت لسبإ بن سليمان الخولاني ، سكن بها الفقيه أحمد بن مقبل الدّثني ، صنف كتابا في شرح اللّمع لأبي إسحاق سماه المصباح ، وهو من مخلاف جعفر.

ذكر البحار

أما اشتقاق البحر فقال صاحب كتاب العين : سمي البحر بحرا لاستبحاره ، وهو سعته وانبساطه ، ويقال : استبحر فلان في العلم وتبحر الراعي في رعي كثير وتبحّر في المال إذا كثر ماله. والماء البحر : هو الملح ، وقد أبحر الماء إذا صار ملحا ، قال نصيب :

وقد عاد ماء البحر ملحا ، فزادني

إلى مرضي أن أبحر المشرب العذب

٣٤١

وأما ماء البحر فذكر مقاتل أنه فضلة ماء السماء المنهمر منها في الطوفان ، واحتجّ بقوله تعالى : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ) ، فلما بلعت الأرض ماءها بقي ماء السماء على وجهها ، وهو ماء البحر ، قال : وإنما كان ملحا لأنه ماء سخط ، كذا نزل ولم يذكر أحد من المفسرين في هذا شيئا ، وهو قول حسن يتقبله القلب ، وكذا قيل في الماء الذي تبديه الأرض إلينا ، وهو نبع من ماء السماء أيضا ، واحتجّ بقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) ، وقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ) ، وأذكر ما يضاف إليه على حروف المعجم.

بَحْرُ بُنْطُس : كذا وجدته بخطّ أبي الرّيحان بالباء الموحدة ثم النون الساكنة ، وضم الطاء ، والسين مهملة ، قال : وفي وسط المعمورة بأرض الصقالبة والروس بحر يعرف ببنطس عند اليونانيين ، ويعرف عندنا ببحر طرابزندة لأنها فرضة عليه ، يخرج منه خليج يمرّ بسور القسطنطينية ولا يزال مضايقا حتى يقع في بحر الشام الذي في ساحله الجنوبي بلاد الشام ومصر والإسكندرية وإفريقية.

بَحْرُ تَولِيَةَ : من البحار العظام وأظنّه يستمد من المحيط ، قال الكندي : في طرف العمارة من ناحية الشمال بحر عظيم تحت قطب الشمال ، وبقربه مدينة يقال لها تولية ليس بعدها عمارة ، وأهلها أشقى خلق الله ولم تقرب منها سفينة.

بَحْرُ الخَزَر : بالتحريك : وهو بحر طبرستان وجرجان وآبسكون كلها واحد ، وهو بحر واسع عظيم لا اتصال له بغيره ، ويسمّى أيضا : الخراسانيّ والجيليّ ، وربما سماه بعضهم : الدّوّارة الخراسانية ، وقال حمزة : اسمه بالفارسية زراه أكفوده ، ويسمّى أيضا : أكفوده درياو ، وسمّاه أرسطاطاليس : أرقانيا ، وربما سمّاه بعضهم الخوارزمي ، وليس به لأن بحيرة خوارزم غير هذا ، تذكر في موضعها إن شاء الله ، وعليه باب الأبواب وهو الدّربند كما وصفناه في موضعه ، وعليه من جهة الشرق جبال موقان وطبرستان وجبل جرجان ، ويمتدّ إلى قبالة دهستان وهناك آبسكون ، ثم يدور مشرقا إلى بلاد الترك ، وكذلك في جهة شماله إلى بلاد الخزر ، وتصبّ إليه أنهار كثيرة عظام ، منها الكرّ والرّسّ وإتل ، وقال الإصطخري:وأما بحر الخزر ففي شرقيه بعض الديلم وطبرستان وجرجان وبعض المفازة التي بين جرجان وخوارزم ، وفي غربيه : اللأن من جبال القبق إلى حدود السرير وبلاد الخزر وبعض مفازة الغزية ، وشماليه : مفازة الغزية ، وهم صنف من الترك بناحية سياه كوه ، وجنوبيه : الجيل وبعض الديلم ، قال : وبحر الخزر ليس له اتصال بشيء من البحور على وجه الأرض ، فلو أن رجلا طاف بهذا البحر لرجع إلى الموضع الذي ابتدأ منه ، لا يمنعه مانع إلا أن يكون نهر يصبّ فيه ، وهو بحر ملح لا مدّ فيه ولا جزر ، وهو بحر مظلم ، قعره طين بخلاف بحر القلزم وبحر فارس ، فإن في بعض المواضع من بحر فارس ربما يرى قعره لصفاء ما تحته من الحجارة البيض ، ولا يرتفع من هذا البحر شيء من الجواهر لا لؤلؤ ولا مرجان ولا غيرهما ولا ينتفع بشيء مما يخرج منه سوى السمك ، ويركب فيه التجار من أراضي المسلمين إلى أرض الخزر وما بين أرّان والجيل وجرجان وطبرستان ، وليس في هذا البحر جزيرة مسكونة فيها عمارة كما في بحر فارس والروم وغيرهما ، بل فيه جزائر فيها غياض

٣٤٢

ومياه وأشجار وليس بها أنيس ، منها جزيرة سياه كوه وقد ذكرت ، وبحذاء نهر الكرّ جزيرة أخرى بها غياض وأشجار ومياه يرتفع منها الفوّه ويحملون إليها في السفن دوابّ فتسرح فيها حتى تسمن ، وجزيرة تعرف بجزيرة الروسية وجزائر صغار ، وليس من آبسكون إلى الخزر للآخذ على يمنى يديه على شاطئ البحر قرية ولا مدينة سوى موضع من آبسكون على نحو خمسين فرسخا يسمى دهستان وبناء داخل البحر تستتر فيه المراكب في هيجان البحر ، ويقصد هذا الموضع خلق كثير من النواحي فيقيمون به للصيد ، وبه مياه ، ولا أعلم غير ذلك ، فأما عن يسار آبسكون إلى الخزر فإنه عمارة متصلة لأنك إذا أخذت من آبسكون يسارا مررت على حدود جرجان وطبرستان والديلم والجيل وموقان وشروان والمسقط وباب الأبواب ثم إلى سمندر أربعة أيام ومن سمندر إلى نهر إتل سبعة أيام مفاوز ، ولهذا البحر من ناحية سياه كوه زنقة يخاف على المراكب منها إذا أخذتها الريح إليها أن تنكسر ، فإذا انكسرت هناك لم يتهيأ جمع شيء منها من الأتراك لأنهم يأخذونه ويحولون بين صاحبه وبينه ، ويقال : إن دوران هذا البحر ألف وخمسمائة فرسخ ، وقطره مائة فرسخ ، والله أعلم.

بحرُ الزَّنج : هو بحر الهند بعينه ، وبلاد الزنج منه في نحو الجنوب تحت سهيل ، وله برّ وجزائر كثيرة كبار واسعة فيها غياض كثيرة وأشجار لكنها غير ذات أثمار وإنما هي نحو شجر الابنوس والصندل والساج والقنا ، ومن سواحلهم يلتقط العنبر ولا يوجد في غير سواحلهم ، وهم أضيق الناس عيشا ، وحدثني غير واحد ممن شاهد تلك البلاد أنهم يرون القطب الجنوبي عاليا يقارب أن يتوسط السماء ، وسهيل كذلك ، ولا يرون الجدي قط ولا القطب الشمالي أبدا ولا بنات نعش ، وأنهم يرون في السماء شيئا في مقدار جرم القمر كأنه طاقة في السماء أو شبه قطعة غيم بيضاء لا يغيب قط ولا يبرح مكانه ، وسألت عنه غير واحد فاتفقوا على ما حكيته بلفظه ومعناه ، وله عندهم اسم لم يحضرني الآن ، وأنهم لا يدرون ايش هو ، ولهم هناك مدن أجلّها مقدشو ، وسكانها عرباء واستوطنوا تلك البلاد ، وهم مسلمون ، طوائف لا سلطان لهم لكل طائفة شيخ يأتمرون له ، وهي على برّ البربر ، وهم طائفة من العربان غير الذين هم في المغرب ، بلادهم بين الحبشة والزنج ، وسنذكرهم بعد إن شاء الله تعالى ، ثم يمتد بر البربر على ساحل بحر الزنج إلى قرابة عدن ، وأقصى هذا البحر يتصل بالبحر المحيط.

بحرُ فارِسَ : هو شعبة من بحر الهند الأعظم ، واسمه بالفارسية كما ذكره حمزة : زراه كامسير ، وحدّه من التّيز من نواحي مكران على سواحل بحر فارس إلى عبّادان ، وهو فوه دجلة التي تصبّ فيه ، وأول سواحله من جهة البصرة وعبادان أنك تنحدر في دجلة من البصرة إلى بليدة تسمى المحرزة في طرف جزيرة عبادان تتفرّق دجلة عنده فرقتين : إحداهما تأخذ ذات اليمين فتصب في هذا البحر عند سواحل أرض البحرين ، وفيه تسافر المراكب إلى البحرين وبر العرب ، وتمتد سواحله نحو الجنوب إلى قطر وعمان والشّحر ومرباط إلى حضرموت إلى عدن ، وتأخذ الفرقة الأخرى ذات الشمال وتصب في البحر من جهة برّ فارس ، وتصير عبادان لانصباب هاتين الشعبتين في البحر جزيرة بينهما ، وعلى سواحل بحر فارس من جهة عبادان من مشهورات المدن مهروبان ، قال حمزة : وههنا يسمى هذا البحر

٣٤٣

بالفارسية زراه أفرنك ، قال : وهو خليج منخلج من بحر فارس متوجها من جهة الجنوب صعدا إلى جهة الشمال حتى يجاوز جانب الأبلّة فيمتزج بماء البطيحة ، آخر كلامه ، ثم يمرّ من مهروبان نحو الجنوب إلى جنّابة بلدة القرامطة ، ومقابلها في وسط البحر جزيرة خارك ، ثم يمر في سواحل فارس بسينيز وبوشهر ونجيرم وسيراف ثم بجزيرة اللّار إلى قلعة هزو ، ومقابلها في البحر جزيرة قيس بن عميرة تظهر من بر فارس ، وهي في أيامنا هذه أعمر موضع في بحر فارس ، وبها مقام سلطان البحر والملك المستولي على تلك النواحي ، ثم هرموز في بر فارس ومقابلها في اللّجة جزيرة عظيمة تعرف بجزيرة الجاسك ثم تيز مكران على الساحل ، فبحر فارس وبحر البحرين وعمان واحد على ساحله الشرقي بلاد الفرس ، وعلى ساحله الغربي بلاد العرب ، وطوله من الشمال إلى الجنوب.

بَحْرُ القُلْزُم : وهو أيضا شعبة من بحر الهند ، أوله من بلاد البربر والسودان الذين ذكرنا في بحر الزنج وعدن ثم يمتد مغربا ، وفي أقصاه مدينة القلزم قرب مصر ، وبذلك سمّي بحر القلزم ، ويسمى في كل موضع يمرّ به باسم ذلك الموضع ، فعلى ساحله الجنوبي بلاد البربر والحبش ، وعلى ساحله الشرقي بلاد العرب ، فالداخل إليه يكون على يساره أواخر بلاد البربر ثم الزّيلع ثم الحبشة ، ومنتهاه من هذه الجهة بلاد البجاء الذين قدّمنا ذكرهم ، وعلى يمينه عدن ثم المندب ، وهو مضيق في جبل كان في أرض اليمن يحول بين البحر وامتداده في أرض اليمن ، فيقال : ان بعض الملوك القدماء قدّ ذلك الجبل بالمعاول ليدخل منه خليجا صغيرا يهلك به بعض أعدائه ، فقدّ من ذلك الجبل نحو رمية سهمين أو ثلاثة ثم أطلق البحر في أراضي اليمن فطفا ولم يمكن تداركه فأهلك أمما كثيرة واستولى على بلدان لا تحصى وصار بحرا عظيما ، فهو يمرّ بساحله الشرقي على بلاد اليمن وجدّة والجار وينبع ومدين ، مدينة شعيب النبي ، عليه السلام ، وأيلة الى القلزم في منتهاه ، وهو الموضع الذي غرق فيه قوم فرعون وفرعون أيضا ، وبين هذا الموضع وفسطاط مصر سبعة أيام ، ثم يدور تلقاء الجنوب إلى القصير ، وهو مرسى للمراكب مقابل قوص ، بينهما خمسة أيام ، ثم يدور في شبه الدائرة الى عيذاب وأرض البجاء ثم يتصل ببلاد الحبش ، فإذا تخيّل الخليج الضارب إلى البصرة والخليج الداخل الى القلزم كانت جزيرة العرب بين الخليجين يحيطان بثلاثة أرباع بلاد العرب.

البحْرُ المُحيطُ : ومنه مادّة سائر البحور المذكورة ههنا غير بحر الخزر ، وقد سماه أرسطاطاليس في رسالته الموسومة ببيت الذهب : أوقيانوس ، وسماه آخرون : البحر الأخضر ، وهو محيط بالدنيا جميعها كإحاطة الهالة بالقمر ، ويخرج منه شعبتان : إحداهما بالمغرب والأخرى بالمشرق ، فأما التي بالمشرق فهي : بحر الهند والصين وفارس واليمن والزنج ، وقد مرّ ذكر ذلك ، والشعبة الأخرى في المغرب : تخرج من عند سلا فتمر بالزقاق الذي بين البر الأعظم من بلاد بربر المغرب وجزيرة الأندلس وتمر بإفريقية إلى أرض مصر والشام الى القسطنطينية كما نذكره ، وهذا البحر المحيط لا يسلك شرقا ولا غربا إنما المسلك في خليجيه فقط ، واختلفوا هل الخليجان ينصبّان في المحيط أم يستمدّان منه ، فالأكثر أن الخليجين يستمدان من المحيط وليس في الأرض نهر الا وفضلته تصبّ إما في الشرقي أو في الغربي الا في مواضع تصبّ في بحيرات منقطعة ، نحو : جيحون

٣٤٤

وسيحون فإنهما يصبان في بحيرة تخصّهما ، والأردنّ يصب في البحيرة المنتنة ، كما نذكره ان شاء الله تعالى. بَحْرُ المغْربِ : وهو بحر الشام والقسطنطينية ، مأخذه من البحر المحيط ثم يمتد مشرقا فيمرّ من شماليه بالأندلس كما ذكرنا ثم ببلاد الأفرنج الى القسطنطينية فيمر ببنطس المذكور آنفا ، ويمتد من جهة الجنوب على بلاد كثيرة أولها سلا ثم سبتة وطنجة وبجاية ومهدية وتونس وطرابلس والإسكندرية ثم سواحل الشام الى انطاكية حتى يتصل بالقسطنطينية ، وفيه من الجزائر المذكورة : الأندلس وميورقة وصقلية واقريطش وقبرص ورودس وغير ذلك كثيرة ، وقرأت في غير كتاب من أخبار مصر والمغرب أنه ملك بعد هلاك الفراعنة ملوك من بني دلوكة ، منهم دركون بن ملوطس وزمطرة ، وكانا من ذوي الرأي والكيد والسحر والقوة ، فأراد الروم مغالبتهم على أرضهم وانتزاع الملك منهم ، فاحتالا أن فتقا البحر المحيط من المغرب ، وهو بحر الظلمات ، فغلب على كثير من البلدان العامرة والممالك العظيمة وامتد إلى الشام وبلاد الروم وصار حاجزا بين بلاد الروم وبلاد مصر ، وهذا هو البحر الذي وصفناه قبل ، وعلى هذا فبحر الأندلس وبحر المغرب وبحر الإسكندرية وبحر الشام وبحر القسطنطينية وبحر الأفرنج وبحر الروم جميعه واحد ، ليس لهذا اتّصال ببحر الهند إلا أن يكون من جهة المحيط ، وأقرب موضع بين البحر الهندي وهذا البحر عند الفرما ، وهي على ساحل بحر المغرب والقلزم ، وهو على ساحل بحر اليمن سوى أربعة أيام.

ولو أراد مريد أن يسير من سلا إلى إفريقية ثم سواحل مصر والشام ثم الثغور إلى طرابزندة ويقطع جبل القبق ويدور من أطراف بلاد الترك إلى القسطنطينية فيصير البحر على جهته الجنوبية بعد أن كان من جهته الشمالية ، ويمر بسواحل الأفرنج حتى يدخل الأندلس فيقابل سلا التي بدأ بها من غير أن يقطع بحرا أو يركب مركبا ، ويمكنه ذلك إلا أن المسافة بعيدة والمشقة في سلوكه صعبة لمروره بين أمم مختلفة الأديان والألسنة وجبال مشقّة وبواد موحشة.

بَحرُ الهِند : وهو أعظم هذه البحار وأوسعها وأكثرها جزائر وأبسطها على سواحله مدنا ، ولا علم لأحد بموضع اتصاله بالمحيط محدودا لعظم اتصاله به وسعته وامتزاجه به ، وليس كالمغربي لأن اتصال المغربي من المحيط ظاهر في موضع يقال له الزقاق ، بين ساحله الجنوبي الذي عليه بلاد البربر وساحله الشمالي الذي هو بلاد الأندلس أربعة فراسخ بين كل ساحل من الآخر ، وليس كذلك الهندي ، ويتشعب من الهندي خلجان كثيرة إلا أن أكبرها وأعظمها بحر فارس والقلزم اللذين تقدم ذكرهما. وقد كنّا ذكرنا أن أول بحر فارس التّيز آخذا نحو الشمال ، فأما أخذه نحو الجنوب فهي بلاد الزنج ، وينعطف من تيز الساحل مشرقا متسعا فتمر سواحله بالدّيبل والقسّ وسومنات ، وهو أعظم بيوت العبادات التي بالهند ، جميعه هو عندهم بمنزلة مكة عند المسلمين ، ثم كنباية ثم خور يدخل منه إلى بروص ، وهي من أعظم مدنهم ، ثم ينعطف أشدّ من ذلك حتى يمر ببلاد مليبار التي يجلب منها الفلفل ، ومن أشهر مدنهم : منجرور وفاكنور ثم خور فوفل ثم المعبر ، وهو آخر بلاد الهند ، ثم بلاد الصين ، فأوّلها الجاوة يركب إليها في بحر صعب المسلك سريع المهلك ، ثم الى صريح بلاد الصين ، وقد أكثر الناس في وصف هذا البحر وطوله وعرضه ، وقالوا فيه أقوالا متفاوتة

٣٤٥

تقدح في عقل ذاكرها ، وفيه من الجزائر العظام ما لا يحصيه إلا الله ، ومن أعظمها وأشهرها جزيرة سيلان وفيها مدن كثيرة وجزيرة الزابج كذلك وجزيرة سرنديب كذلك وجزيرة سقطرى وجزيرة كولم وغير ذلك ، وإنما أرسم لك صورة المحيط وكيف تشعب البحار منه في الصورة التالية لتعرفه ان شاء الله تعالى.

بَحْوَةُ : موضع من أعمال الطائف قرب ليّة ، قال ابن إسحاق : انصرف رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، من حنين على نخلة اليمانية ثم على قرن ثم على المليح ثم على بحرة الرّغاء من لية ، فابتنى بها مسجدا فصلى فيه فأقاد ببحرة الرّغاء بدم وهو أول دم أقيد به في الإسلام رجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل فقتله به. والبحرة أيضا : من أسماء مدينة الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، والبحيرة أيضا : من أسمائها ، والبحرة أيضا : من قرى البحرين لعبد القيس ، واشتقاقها يذكر في البحيرة.

البَحْرين : هكذا يتلفظ بها في حال الرفع والنصب والجر ، ولم يسمع على لفظ المرفوع من أحد منهم ، إلّا أن الزمخشري قد حكى أنه بلفظ التثنية فيقولون : هذه البحران وانتهينا الى البحرين ، ولم يبلغني من جهة أخرى ، وقال صاحب الزيج : البحرين في الإقليم الثاني ، وطولها أربع وسبعون درجة وعشرون دقيقة من المغرب ، وعرضها أربع وعشرون درجة

٣٤٦

وخمس وأربعون دقيقة ، وقال قوم : هي من الإقليم الثالث وعرضها أربع وثلاثون درجة ، وهو اسم جامع لبلاد على ساحل بحر الهند بين البصرة وعمان ، قيل هي قصبة هجر ، وقيل : هجر قصبة البحرين وقد عدّها قوم من اليمن وجعلها آخرون قصبة برأسها. وفيها عيون ومياه وبلاد واسعة ، وربما عدّ بعضهم اليمامة من أعمالها والصحيح أن اليمامة عمل برأسه في وسط الطريق بين مكة والبحرين.

روى ابن عباس : البحرين من أعمال العراق وحدّه من عمان ناحية جرّفار ، واليمامة على جبالها وربما ضمّت اليمامة الى المدينة وربما أفردت ، هذا كان في أيام بني أميّة ، فلما ولي بنو العباس صيّروا عمان والبحرين واليمامة عملا واحدا ، قاله ابن الفقيه ، وقال أبو عبيدة : بين البحرين واليمامة مسيرة عشرة أيام وبين هجر مدينة البحرين والبصرة مسيرة خمسة عشر يوما على الإبل ، وبينها وبين عمان مسيرة شهر ، قال : والبحرين هي الخطّ والقطيف والآرة وهجر وبينونة والزارة وجواثا والسابور ودارين والغابة ، قال : وقصبة هجر الصّفا والمشقّر ، وقال أبو بكر محمد بن القاسم : في اشتقاق البحرين وجهان : يجوز أن يكون مأخوذا من قول العرب بحرت الناقة إذا شقّقت أذنها ، والبحيرة : المشقوقة الأذن من قول الله تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ) ، والسائبة معناها : ان الرجل في الجاهلية كان يسيب من ماله فيذهب به الى سدنة الآلهة ، ويقال : السائبة الناقة التي كانت إذا ولدت عشرة أبطن كلهن إناث سيبت فلم تركب ولم يجزّ لها وبر وبحرت أذن ابنتها أي خرقت. والبحيرة : هي ابنة السائبة ، وهي تجري عندهم مجرى أمّها في التحريم ، قال : ويجوز ان يكون البحرين من قول العرب : قد بحر البعير بحرا إذا أولع بالماء فأصابه منه داء ، ويقال : قد أبحرت الروضة إبحارا إذا كثر إنقاع الماء فيها فأنبت النبات ، ويقال للروضة : البحرة ، ويقال للدم الذي ليست فيه صفرة : دم باحريّ وبحرانيّ ، قلت : هذا كله تعسف لا يشبه ان يكون اشتقاقا للبحرين ، والصحيح عندنا ما ذكره أبو منصور الأزهري ، قال : انما سمّوا البحرين لأن في ناحية قراها بحيرة على باب الأحساء ، وقرى هجر بينها وبين البحر الأخضر عشرة فراسخ ، قال : وقدرت هذه البحيرة ثلاثة أميال في مثلها ، ولا يفيض ماؤها ، وماؤها راكد زعاق ، وقال أبو محمد اليزيدي : سألني المهدي وسأل الكسائي عن النسبة الى البحرين والى حصنين لم قالوا حصنيّ وبحرانيّ؟ فقال الكسائي : كرهوا أن يقولوا حصنانيّ لاجتماع النونين ، وانما قلت : كرهوا أن يقولوا بحريّ فتشبه النسبة الى البحر ، وفي قصتها طول ذكرتها في أخبار اليزيدي من كتابي في أخبار الأدباء ، وينسب الى البحرين قوم من أهل العلم ، منهم محمد بن معمّر البحراني بصريّ ثقة حدّث عنه البخاري ، والعباس ابن يزيد بن أبي حبيب البحراني ، يعرف بعبّاسويه ، حدث عن خالد بن الحارث وابن عيينة ويزيد بن زريع وغيرهم ، روى عنه الباغندي وابن صاعد وابن مخلد ، وهو من الثقات ، مات سنة ٢٥٨ ، وزكرياء بن عطية البحراني وغيرهم. واما فتحها فإنها كانت في مملكة الفرس وكان بها خلق كثير من عبد القيس وبكر بن وائل وتميم مقيمين في باديتها ، وكان بها من قبل الفرس المنذر بن ساوي بن عبد الله ابن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، وعبد الله بن زيد هذا هو الأسبذي ، نسب الى قرية بهجر ، وقد ذكر

٣٤٧

في موضعه. فلما كانت سنة ثمان للهجرة وجه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، العلاء بن عبد الله بن عماد الحضرمي حليف بني عبد شمس الى البحرين ليدعو أهلها الى الإسلام أو الى الجزية ، وكتب معه الى المنذر بن ساوي والى سيبخت مرزبان هجر يدعوهما الى الإسلام أو الى الجزية ، فأسلما وأسلم معهما جميع العرب هناك وبعض العجم. فأما أهل الأرض من المجوس واليهود والنصارى فإنهم صالحوا العلاء وكتب بينهم وبينه كتابا نسخته : بسم الله الرحمن الرحيم ـ هذا ما صالح عليه العلاء بن الحضرمي أهل البحرين ، صالحهم على أن يكفونا العمل ويقاسمونا الثمر ، فمن لا يفي بهذا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وأما جزية الرءوس فانه أخذ لها من كل حالم دينارا. وقد قيل : إن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وجّه العلاء حين وجّه رسله الى الملوك في سنة ستّ. وروي عن العلاء أنه قال : بعثني رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، الى البحرين ، أو قال : هجر ، وكنت آتي الحائط بين الأخوّة ، قد أسلم بعضهم ، فآخذ من المسلم العشر ومن المشرك الخراج. وقال قتادة : لم يكن بالبحرين قتال ، ولكن بعضهم أسلم وبعضهم صالح العلاء على أنصاف الحب والتمر. وقال سعيد بن المسيب : أخذ رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، الجزية من مجوس هجر ، وأخذها عمر من مجوس فارس ، وأخذها عثمان من بربر. وبعث العلاء بن الحضرمي الى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، مالا من البحرين يكون ثمانين ألفا ، ما أتاه أكثر منه قبله ولا بعده ، أعطى منه العباس عمه. قالوا : وعزل رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، العلاء وولّى البحرين أبان بن سعيد ابن العاصي بن أمية ، وقيل إن العلاء كان على ناحية من البحرين منها القطيف ، وأبان على ناحية فيها الخط ، والأول أثبت ، فلما توفي رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أخرج أبان من البحرين فأتى المدينة ، فسأل أهل البحرين أبا بكر أن يردّ العلاء عليهم ففعل ، فيقال : إن العلاء لم يزل واليا عليهم حتى توفي سنة ٢٠ ، فولّى عمر مكانه أبا هريرة الدوسي ، ويقال : ان عمر ولّى أبا هريرة قبل موت العلاء فأتى العلاء توّج من أرض فارس وعزم على المقام بها ثم رجع الى البحرين فأقام هناك حتى مات ، فكان أبو هريرة يقول : دفنّا العلاء ثم احتجنا الى رفع لبنة فرفعناها فلم نجد العلاء في اللحد. وقال أبو مخنف : كتب عمر بن الخطاب الى العلاء بن الحضرمي يستقدمه وولى عثمان بن أبي العاصي البحرين مكانه وعمان ، فلما قدم العلاء المدينة ولّاه البصرة مكان عتبة بن غزوان فلم يصل إليها حتى مات ، ودفن في طريق البصرة في سنة ١٤ أو في أول سنة ١٥ ، ثم ان عمر ولى قدامة ابن مظعون الجمحي جباية البحرين وولى أبا هريرة الصلاة والاحداث ، ثم عزل قدامة وحدّه على شرب الخمر ، وولى أبا هريرة الجباية مع الاحداث ، ثم عزله وقاسمه ماله ، ثم ولى عثمان بن أبي العاصي عمان والبحرين فمات عمر وهو واليهما ، وسار عثمان الى فارس ففتحها وكان خليفته على عمان والبحرين وهو بفارس أخاه مغيرة بن أبي العاصي. وروى محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال : استعملني عمر بن الخطاب على البحرين فاجتمعت لي اثنا عشر ألفا ، فلما قدمت على عمر قال لي : يا عدو الله والمسلمين ، أو قال : عدو كتابه ، سرقت مال الله ، قال قلت : لست بعدو الله ولا المسلمين ، أو قال : عدو كتابه ، ولكني عدوّ من عاداهما ، قال : فمن أين اجتمعت لك هذه الأموال؟ قلت : خيل لي تناتجت وسهام اجتمعت ، قال : فأخذ منى

٣٤٨

اثني عشر ألفا ، فلما صلّيت الغداة قلت : اللهم اغفر لعمر ، قال : وكان يأخذ منهم ويعطيهم أفضل من ذلك ، حتى إذا كان بعد ذلك قال : ألا تعمل يا أبا هريرة؟ قلت : لا ، قال : ولم وقد عمل من هو خير منك يوسف؟ قال اجعلني على خزائن الأرض اني حفيظ عليم ، قلت : يوسف نبي ابن نبي وأنا أبو هريرة ابن أمية وأخاف منكم ثلاثا واثنتين ، فقال : هلا قلت خمسا؟ قلت : أخشى أن تضربوا ظهري وتشتموا عرضي وتأخذوا مالي ، وأكره أن أقول بغير علم وأحكم بغير حلم. ومات المنذر بن ساوي بعد وفاة النبي ، صلى الله عليه وسلم ، بقليل وارتد من بالبحرين من ولد قيس بن ثعلبة بن عكابة مع الحطم وهو شريح بن ضبيعة بن عمرو بن مرثد أحد بني قيس بن ثعلبة ، وارتدّ كلّ من بالبحرين من ربيعة خلا الجارود بن بشر العبدي ومن تابعه من قومه ، وأمّروا عليهم ابنا للنعمان بن المنذر يقال له المنذر ، فسار الحطم حتى لحق بربيعة فانضمت اليه ربيعة فخرج العلاء عليهم بمن انضمّ اليه من العرب والعجم ، فقاتلهم قتالا شديدا ، ثم ان المسلمين لجؤوا الى حصن جواثا ، فحاصرهم فيه عدوهم ، ففي ذلك يقول عبد الله ابن حذف الكلابي :

ألا أبلغ أبا بكر ألوكا ،

وفتيان المدينة أجمعينا

فهل لك في شباب منك أمسوا

أسارى في جواث محاصرينا

ثم ان العلاء عني بالحطم ومن معه وصابره وهما متناصفان ، فسمع في ليلة في عسكر الحطم ضوضاء ، فأرسل اليه من يأتيه بالخبر ، فرجع الرسول فأخبره أن القوم قد شربوا وثملوا ، فخرج بالمسلمين فبيّت ربيعة فقاتلوا قتالا شديدا فقتل الحطم. قالوا : وكان المنذر بن النعمان يسمى الغرور ، فلما ظهر المسلمون قال : لست بالغرور ولكني المغرور ، ولحق هو وفلّ ربيعة بالخط فأتاها العلاء وفتحها ، وقتل المنذر معه ، وقيل : بل قتل المنذر يوم جواثا ، وقيل : بل استأمن ثم هرب فلحق فقتل ، وكان العلاء كتب الى أبي بكر يستمده فكتب أبو بكر الى خالد بن الوليد وهو باليمامة يأمره بالنهوض اليه ، فقدم عليه وقد قتل الحطم ، ثم أتاه كتاب أبي بكر بالشخوص الى العراق فشخص من البحرين ، وذلك في سنة ١٢ ، فقالوا : وتحصن المكعبر الفارسي صاحب كسرى الذي وجهه لقتل بني تميم حين عرضوا لعيره بالزارة ، وانضمّ اليه مجوس كانوا تجمّعوا بالقطيف وامتنعوا من أداء الجزية ، فأقام العلاء على الزارة فلم يفتحها في خلافة أبي بكر وفتحها في خلافة عمر ، وقتل المكعبر ، وانما سمي المكعبر لأنه كان يكعبر الايدي ، فلما قتل قيل ما زال يكعبر حتى كعبر ، فسمي المكعبر ، بفتح الباء ، وكان الذي قتله البراء بن مالك الأنصاري أخو أنس بن مالك. وفتح العلاء السابور ودارين في خلافة عمر عنوة.

بحْطِيطُ : بالفتح ثم السكون ، وكسر الطاء : قرية في حوف مصر ، بها قبة يقال إن فيها ذبحت بقرة بني إسرائيل التي أمروا بذبحها.

بُحَيْرٌ : بلفظ تصغير بحر ، قال أبو الأشعث الكندي في أسماء جبال تهامة : البحير عين غزيرة في يليل وادي ينبع تخرج من جوف رمل من أغزر ما يكون من العيون وأشدّها جريا تجري في رمل ، ولا يمكن الزارعين عليها أن يزرعوا إلا في مواضع يسيرة بين أحناء الرمل فيها نخيل ، يزرع عليها البقول والبطيخ ، قال : ومنها شرب أهل الجار. والجار : مدينة على ساحل بحر القلزم ، قال كثيّر :

٣٤٩

رمتك ابنة الضّمريّ عزّة ، بعد ما

أمتّ الصّبا مما تريش بأقطع

فإنك عمري هل أريك ظعائنا ،

غدون افتراعا بالخليط المودّع

ركبن اتّضاعا ، فوق كلّ عذافر

من العيس نضّاح المعدّ بن مرفع

جعلن أراحيّ البحير مكانه ،

إلى كلّ قرّ يستطيل مقنّع

بحير : بالفتح ثم الكسر : جبل.

بحِيرَآبَاذُ : من قرى مرو ، ينسب إليها أبو المظفر عبد الكريم بن عبد الوهاب البحيراباذي ، حدثنا عنه أبو المظفر عبد الرحيم بن عبد الكريم السمعاني عن أبي العباس الفضل بن عبد الواحد بن الفضل بن عبد الصمد المليحي التاجر.

بُحَيرَآبَاذ : بالضم ثم الفتح : من قرى جوين من نواحي نيسابور ، منها أبو الحسن عليّ بن محمد بن حمويه الجويني ، روى عن عمر بن أبي الحسن الرّواسي الحافظ ، سمع منه أبو سعد السمعاني ، ومات سنة ٥٣٠ في نيسابور ، وحمل إلى جوين فدفن بها. وهم أهل بيت فضل وتصوّف ، ولهم عقب بمصر كالملوك ، يعرف أبوهم بشيخ الشيوخ.

ذكر البحيرات مرتب ما أضيفت البحيرة إليه على حروف المعجم ، والبحيرة تصغير بحرة ، وهو المتسع من الأرض ، قال الأموي : البحرة الأرض والبلدة ، ويقال : هذه بحرتنا ، ومنه الحديث المرويّ : لما عاد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، سعد بن عبادة في مرضه فوقف في مجلس فيه عبد الله بن أبيّ بن سلول ، فلما غشيت عجاجة الدابّة خمّر عبد الله بن أبيّ أنفه ثم قال : لا تغبروا علينا ، فوقف رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ودعاهم إلى الله وقرأ القرآن ، فقال له عبد الله : أيها المرء إن كان ما تقول حقا فلا تؤذنا في مجلسنا وارجع إلى أهلك فمن جاءك منا فقصّ عليه ، ثم ركب دابته حتى وقف على سعد بن عبادة فقال : أي سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب؟ قال كذا ... قال سعد : اعف عنه واصفح ، فو الله لقد أعطاك الله الذي أعطاك ، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوّجوه يعني يملكوه فيعصبوه بالعصابة ، فلما ردّ الله ذلك بالحق الذي جئت به شرق لذلك ، فذلك فعل به ما رأيت ، فعفا عنه النبيّ ، صلى الله عليه وسلم. فبحيرة ليس بتصغير بحر ، ولو كان تصغيره لكان بحيرا ، ولكنهم أرادوا بالتصغير حقيقة الصغر ثم ألحقوا به التأنيث على معنى أن المؤنث أقل قدرا من المذكر ، أو شبّهوه بالمتسع من الأرض ، والله أعلم ، والمراد به كل مجتمع ماء عظيم لا اتصال له بالبحر الأعظم ، ويكون ملحا وعذبا.

بُحَيْرَةُ أَرْجيشَ : وهي بحيرة خلاط التي يكون فيها الطّرّيخ ، قال ابن الكلبي : من عجائب أرمينية بحيرة خلاط ، فإنها عشرة أشهر لا يرى فيها ضفدع ولا سمكة ، وشهران في السنة يظهر بها حتى يقبض باليد ويحمل إلى جميع البلاد حتى إنه ليحمل إلى بلاد الهند ، وقيل : إن قباذ الأكبر لما أرسل بليناس يطلسم بلاده طلسم هذه البحيرة فهي إلى الآن عشرة أشهر لا تظهر فيها سمكة ، قلت : وهذا من هذيان العجم وإنما هناك سرّ خفيّ. وفي كتاب الفتوح : سار حبيب بن مسلمة الفهري من قبل عثمان بن عفان حتى نزل بأرجيش وأنفذ من غلب على نواحيها وجبى جزية رؤوس أهلها وقاطعهم على خراج أرضها ، وأما بحيرة الطرّيخ فلم يعرض لها ولم تزل مباحة حتى ولي محمد بن مروان بن الحكم الجزيرة

٣٥٠

وأرمينية فحوى صيدها وأباحه.

بُحَيرَةُ أُرْمِيَةَ : أما أرمية فقد ذكرت ، وبينها وبين بحيرتها نحو فرسخين ، وهي بحيرة مرّة منتنة الرائحة لا يعيش فيها حيوان ولا سمك ولا غيره ، وفي وسطها جبل يقال له كبوذان ، وجزيرة فيها أربع قرى أو نحو ذلك ، يسكنها ملّاحو سفن هذا البحر ، وربما زرعوا في الجزيرة زرعا ضعيفا ، وفي جبلها قلعة حصينة مشهورة ، أهلها عصاة على ولاة أذربيجان في أكثر أوقاتها ، وربما خرجوا في سفنهم وقطعوا على السابلة وعادوا إلى حصنهم فلا يكون عليهم سبيل ولا لأحد إليهم طريق. وقد رأيت هذه القلعة من بعد عند اجتيازي بهذه البحيرة قاصدا إلى خراسان في سنة ٦١٧ ، وقيل : إن استدارتها خمسون فرسخا ، وربما قطع عرضها في المراكب في ليلة. ويخرج منها ملح يشبه التوتيا بجلو ، وعلى ساحلها مما يلي المشرق عيون تنبع ويستحجر ماؤها إذا أصابه الهواء ، قاله مسعر.

بُحَيرَة أَرْيَغَ : بوزن أحمد ، بالراء ، وياء ، وغين معجمة : هذه تستمدّ من بحر المغرب ، وهي صغيرة ، ترسى فيها المراكب الواردة من الأندلس وغيرها. ومنها على مرحلة من جهة الجنوب : وادي فاس ، ومن ورائه إلى ناحية المشرق : برغواطة ، وعلى بريد منها : وادي سلّة.

بُحَيرةُ الإسكَندَريةِ : هذه ليست بحيرة ماء ، إنما هي كورة معروفة من نواحي الإسكندرية بمصر ، تشتمل على قرى كثيرة ودخل واسع.

بُحَيرَةُ أنطاكِيَةَ : هذه بحيرة عذبة الماء ، بينها وبين أنطاكية ثلاثة أميال ، وطولها نحو عشرين ميلا في عرض سبعة أميال ، في موضع يعرف بالعمق.

بُحَيرَةُ الحدَثِ : قرب مرعش من أطراف بلاد الروم ، أولها عند قرية تعرف بابن الشيعيّ ، على اثني عشر ميلا من الحدث نحو ملطية ثم تمتدّ إلى الحدث. والحدث : قلعة حصينة هناك.

بُحَيرَةُ خوَارِزْمَ : إليها يصب ماء جيحون في موضع يسكنه صيّادون ليس فيه قرية ولا بناء ، ويسمّى هذا الموضع : خلجان ، وعلى شطّه من مقابل خلجان أرض الغزية من التّرك. ودور هذه البحيرة فيما بلغني نحو من مائة فرسخ ، وماؤها ملح وليس لها مغيض ظاهر ، وينصبّ إليها نهر جيحون وسيحون ، وبين الموضع الذي يقع فيه جيحون والموضع الذي يقع فيه سيحون سرى عدّة أيام في هذه البحيرة ، ويصبّ فيها أنهار أخر كثيرة ومع ذلك فماؤها ملح لا يعذب ولا يزيد فيها على صغرها ، ويشبه ، والله أعلم ، أن يكون بينها وبين بحر الخزر خروق ونزوز تستمدّ ماءها. وبين البحرين نحو من عشر مراحل على السمت دونهما رمال وسيع لا يمنع من النزّ.

بُحَيرَةُ زَرَه : بالزاي ، وراء خفيفة : بأرض سجستان وهي بحيرة يتسع الماء فيها وينقص على قدر زيادة الماء ونقصانه ، وطولها نحو ثلاثين فرسخا من ناحية كرين على طريق قوهستان إلى قنطرة كريهان على طريق فارس ، وعرضها مقدار مرحلة ، وهي حلوة الماء يرتفع منها سمك كثير وقصب ، وحواليها قرى إلا الوجه الذي يلي المفازة فليس فيه شيء.

بُحَيرَة طَبَرِيَّةَ : قال الأزهري : هي نحو من عشرة أميال في ستة أميال ، وغور مائها علامة لخروج الدجال ، وروي أن عيسى ، عليه السلام ، إذا نزل بالبيت المقدس ليقتل الدجال عندها يظهر يأجوج ومأجوج ، وهم أربع وعشرون أمة لا يجتازون بحي

٣٥١

ولا ميت من إنسان إلا أكلوه ولا ماء إلا شربوه ، فيجتاز أولهم ببحيرة طبرية فيشربون جميع ما فيها ثم يجتاز بها الأخير منهم ، وهي ناشفة ، فيقول : أظنّ أنه قد كان ههنا ماء ، ثم يجتمعون بالبيت المقدس فيفزع عيسى ومن معه من المؤمنين فيعلو على الصخرة ويقوم فيهم خطيبا فيحمد الله ويثني عليه ثم يقول : اللهمّ انصر القليل في طاعتك على الكثير في معصيتك ، فهل من منتدب؟ فينتدب رجل من جرهم ورجل من غسّان لقتالهم ومع كل واحد خلق من عشيرته ، فينصرهم الله عليهم حتى يبيدوهم ، ولهذا الخبر مع استحالته في العقل نظائر جمّة في كتب الناس ، والله أعلم. وأما بحيرة طبرية فقد رأيتها مرارا وهي كالبركة ، تحيط بها الجبال ويصبّ فيها فضلات أنهر كثيرة تجيء من جهة بانياس والساحل والأردنّ الأكبر ، وينفصل منها نهر عظيم فيسقي أرض الأردن الأصغر ، وهو بلاد الغور ، ويصبّ في البحيرة المنتنة قرب أريحا. ومدينة طبرية في لحف الجبل مشرفة على البحيرة ، ماؤها عذب شروب ليس بصادق الحلاوة ثقيل ، وفي وسط هذه البحيرة حجر ناتئ يزعمون أنه قبر سليمان بن داود ، عليه السلام ، وبين البحيرة والبيت المقدس نحو من خمسين ميلا ، وقد ذكرت من وصفها في الأردن أكثر من هذا ، وإياها أراد المتنبي يصف الأسد :

أمعفّر الليث الهزبر بسوطه!

لمن ادّخرت الصارم المصقولا؟

وقعت على الأردنّ منه بليّة ،

نضدت لها هام الرفاق تلولا

ورد ، إذا ورد البحيرة شاربا ،

ورد الفرات زئيره والنيلا

بُحَيرَةُ قَدَسَ : بفتح القاف ، والدال المهملة ، وسين مهملة أيضا : قرب حمص ، طولها اثنا عشر ميلا في عرض أربعة أميال ، وهي بين حمص وجبل لبنان ، تنصبّ إليها مياه تلك الجبال ثم تخرج منها فتصير نهرا عظيما ، وهو العاصي الذي عليه مدينة حماة وشيزر ، ثم يصبّ في البحر قرب أنطاكية.

بُحَيرَةُ المَرْجِ : بسكون الراء والجيم : هي في شرقي الغوطة ، تنسب إلى مرج راهط ، بينها وبين دمشق خمسة فراسخ ، تنصبّ إليها فضلات مياه دمشق.

البُحَيرَةُ المُنتِنَةُ : وهي بحيرة زغر ، ويقال لها : المقلوبة أيضا ، وهي غربي الأردنّ قرب أريحا ، وهي بحيرة ملعونة لا ينتفع بها في شيء ولا يتولد فيها حيوان ، ورائحتها في غاية النّتن ، وقد تهيج في بعض الأعوام فيهلك كل من يقاربها من الحيوان الإنسيّ وغيره حتى تخلو القرى المجاورة لها زمانا إلى أن يجيئها قوم آخرون لا رغبة لهم في الحياة فيسكنوها ، وإن وقع في هذه البحيرة شيء لم ينتفع به كائنا ما كان ، فإنها تفسده حتى الحطب فإن الرياح تلقيه على ساحلها فيؤخذ ويشعل فلا تعمل النار فيه. وذكر ابن الفقيه أن الغريق فيها لا يغوص ولكنه لا يزال طافيا حتى يموت.

بُحَيرَة هَجَرَ : قد ذكرت في البحرين ، وفيها يقول الفرزدق :

كأنّ ديارا ، بين أسنمة الحمى

وبين هذاليل البحيرة ، مصحف

وأسنمة كما ذكرنا : موضع بنجد قرب اليمامة ، وفيه تأييد لقول الأزهري في البحرين.

بُحَيرَةُ اليَغْرَا : ياء مفتوحة ، وغين معجمة ساكنة ، وراء ، مقصور : بين أنطاكية والثغر ، تجتمع إليها مياه العاصي ونهر عفرين والنهر الأسود ومجيئهما من

٣٥٢

ناحية مرعش ، وتعرف ببحيرة السّلور ، وهو السمك الجرّي ، لكثرة هذا النوع من السمك فيها.

البَحِيرَةُ : موضع من ناحية اليمامة ، عن الحفصي بالفتح ثم الكسر.

باب الباء والخاء وما يليهما

بُخَارى : بالضم : من أعظم مدن ما وراء النهر وأجلّها ، يعبر إليها من آمل الشّطّ ، وبينها وبين جيحون يومان من هذا الوجه ، وكانت قاعدة ملك السامانية ، قال بطليموس في كتاب الملحمة : طولها سبع وثمانون درجة ، وعرضها إحدى وأربعون درجة ، وهي في الإقليم الخامس ، طالعها الأسد تحت عشر درج منه ، لها قلب الأسد كامل تحت إحدى وعشرين درجة من السرطان يقابلها مثلها من الجدي بيت ملكها مثلها من الحمل بيت العاقبة مثلها من الميزان ، ولها شركة في العيّوق ثلاث درج ، ولها في الدّب الأكبر سبع درج ، وقال أبو عون في زيجه : عرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة ، وهي في الإقليم الرابع. وأما اشتقاقها وسبب تسميتها بهذا الاسم فإني تطلّبته فلم أظفر به ، ولا شك أنها مدينة قديمة نزهة كثيرة البساتين واسعة الفواكه جيّدتها عهدي بفواكهها تحمل إلى مرو ، وبينهما اثنتا عشرة مرحلة ، وإلى خوارزم ، وبينهما أكثر من خمسة عشر يوما ، وبينها وبين سمرقند سبعة أيام أو سبعة وثلاثون فرسخا ، بينهما بلاد الصغد ، وقال صاحب كتاب الصّور : وأما نزهة بلاد ما وراء النهر فإني لم أر ولا بلغني في الإسلام بلدا أحسن خارجا من بخارى لأنك إذا علوت قهندزها لم يقع بصرك من جميع النواحي إلّا على خضرة متصلة خضرتها بخضرة السماء فكأنّ السماء بها مكبّة خضراء مكبوبة على بساط أخضر تلوح القصور فيما بينها كالنّواوير فيها ، وأراضي ضياعهم منعوتة بالاستواء كالمرآة. وليس بما وراء النهر وخراسان بلدة أهلها أحسن قياما بالعمارة على ضياعهم من أهل بخارى ولا أكثر عددا على قدرها في المساحة ، وذلك مخصوص بهذه البلدة لأن متنزهات الدنيا صغد سمرقند ونهر الأبلّة ، وسنصف الصغد في موضعه إن شاء الله تعالى. قال : فأما بخارى واسمها بومجكث ، فهي مدينة على أرض مستوية وبناؤها خشب مشبّك ويحيط بهذا البناء من القصور والبساتين والمحالّ والسكك المفترشة والقرى المتصلة سور يكون اثني عشر فرسخا في مثلها يجمع هذه القصور والأبنية والقرى والقصبة ، فلا ترى في خلال ذلك قفارا ولا خرابا ، ومن دون هذا السور على خاص القصبة وما يتصل بها من القصور والمساكن والمحالّ والبساتين التي تعدّ من القصبة ، ويسكنها أهل القصبة شتاء وصيفا ، سور آخر نحو فرسخ في مثله ، ولها مدينة داخل هذا السور يحيط بها سور حصين ، ولها قهندز خارج المدينة متصل بها ومقداره مدينة صغيرة ، وفيه قلعة بها مسكن ولاة خراسان من آل سامان ، ولها ربض ومسجد الجامع على باب القهندز ، وليس بخراسان وما وراء النهر مدينة أشد اشتباكا من بخارى ولا أكثر أهلا على قدرها ، ولهم في الربض نهر الصغد يشقّ الربض ، وهو آخر نهر الصغد ، فيفضي إلى طواحين وضياع ومزارع ويسقط الفاضل منه في مجمع ماء بحذاء بيكند إلى قرب فربر يعرف بسام خاس ، ويتخلّلها أنهار أخر ، وداخل هذا السور مدن وقرى كثيرة ، منها الطواويس ، وهي مدينة بومجكث وزندنة وغير ذلك.

أخبرنا الشريف أبو هشام عبد المطلب حدثنا الإمام

٣٥٣

العدل أبو الفتح أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر الحكمي حدثنا أبو اليسر إملاء حدثنا أبو يعقوب يوسف بن منصور السياري الحافظ إملاء وذكر إسنادا رفعه إلى حذيفة بن اليمان ، قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ستفتح مدينة بخراسان خلف نهر يقال له جيحون تسمّى بخارى ، محفوفة بالرحمة ملفوفة بالملائكة منصور أهلها النائم فيها على الفراش كالشاهر سيفه في سبيل الله ، وخلفها مدينة يقال لها سمرقند ، فيها عين من عيون الجنة وقبر من قبور الأنبياء وروضة من رياض الجنة تحشر موتاها يوم القيامة مع الشهداء ، من خلفها تربة يقال لها قطوان ، يبعث منها سبعون ألف شهيد يشفع كل شهيد في سبعين ألفا من أهل بيته وعترته ، قال فقال حذيفة : لوددت أن أوافق ذلك الزمان فكان أحبّ إليّ من أن أوافق ليلة القدر في أحد المسجدين مسجد الرسول أو المسجد الحرام. وكانت معاملة أهل بخارى في أيام السامانية بالدراهم ولا يتعاملون بالدنانير فيما بينهم ، فكان الذهب كالسّلع والعروض ، وكان لهم دراهم يسمونها الغطريفية من حديد وصفر وآنك وغير ذلك من جواهر مختلفة ، وقد ركبت فلا تجوز هذه الدراهم إلا في بخارى ونواحيها وحدها ، وكانت سكتها تصاوير ، وهي من ضرب الإسلام ، وكانت لهم دراهم أخر تسمّى المسيّبية والمحمدية جميعها من ضرب الإسلام. ومع ما وصفنا من فضل هذه المدينة فقد ذمّها الشعراء ووصفوها بالقذارة وظهور النّجس في أزقتها لأنهم لا كنف لهم ، فقال لهم أبو الطيّب طاهر بن محمد بن عبد الله بن طاهر الطاهري :

بخارى من خرا لا شكّ فيه ،

يعزّ بربعها الشيء النظيف

فإن قلت الأمير بها مقيم ،

فذا من فخر مفتخر ضعيف

إذا كان الأمير خرا فقل لي!

أليس الخرء موضعه الكنيف؟

وقال آخر :

أقمنا في بخارى كارهينا ،

ونخرج إن خرجنا طائعينا

فأخرجنا إله الناس منها ،

فإن عدنا فإنا ظالمونا

وقال محمود بن داود البخاري وقد تلوّث بالسّرجين :

باء بخارى ، فاعلمن ، زائده

والألف الوسطى بلا فائده

فهي خرا محض ، وسكانها

كالطير في أقفاصها راكده

وقال أيضا :

ما بلدة مبنية من خرا ،

وأهلها في وسطها دود

تلك بخارى من بخار الخرا ،

يضيع فيها النّدّ والعود

وقال أبو أحمد بن أبي بكر الكاتب :

فقحة الدّنيا بخارى ،

ولنا فيها اقتحام

ليتها تفسو بنا الآ

ن ، فقد طال المقام

وأما حديث فتحها : فإنه لما مات زياد ابن أبيه ، في سنة ثلاث وخمسين ، في أيام معاوية فوفد عبيد الله بن زياد على معاوية ، فقال له معاوية : من استخلف أخي

٣٥٤

على عمله؟ فقال : استخلف خالد بن أسيد على الكوفة وسمرة بن جندب على البصرة ، فقال له معاوية : لو استعملك أبوك لاستعملتك ، فقال له : أنشدك الله أن لا يقولها أحد بعدك ، لو ولّاك أبوك أو عمّك لولّيتك ، فعهد إليه وولّاه ثغر خراسان ، وقيل : إن الذي ولي خراسان بعد موت زياد من ولده عبد الرحمن ، قال البلاذري : لما مات زياد استعمل معاوية عبيد الله بن زياد على خراسان ، وهو ابن خمس وعشرين سنة ، فقطع النهر في أربعة وعشرين ألفا ، وكان ملك بخارى قد أفضى يومئذ إلى امرأة يسمّونها خاتون ، فأتى عبيد الله بيكند ، وكانت خاتون بمدينة بخارى فأرسلت إلى التّرك تستمدّهم ، فجاءها منهم دهم فلقيهم المسلمون فهزموهم وحووا عسكرهم ، وأقبل المسلمون يخرّبون ويحرقون فبعثت إليهم خاتون تطلب منهم الصلح والأمان ، فصالحها على ألف ألف ودخل المدينة وفتح زامين وبيكند ، وبينهما فرسخان ، وزامين تنسب إلى بيكند ويقال : إنه فتح الصغانيان وعاد إلى البصرة في ألفين من سبي بخارى كلّهم جيّد الرمي بالنّشّاب ففرض لهم العطاء ، ثم استعمل معاوية على خراسان سعيد بن عثمان بن عفّان سنة ٥٥ ، فقطع النهر ، وقيل : إنه أول من قطعه بجنده ، وكان معه رفيع أبو العالية الرياحي ، وهو مولّى لامرأة من بني رياح ، فقال رفيع وأبو العالية رفعة وعلوّ ، فلما بلغ خاتون عبوره حملت إليه الصلح ، وأقبل أهل الصغد والترك وأهل كشّ ونسف إلى سعيد في مائة ألف وعشرين ألف فالتقوا ببخارى فندمت خاتون على أدائها الإتاوة ونقضت العهد ، فحضر عبد لبعض أهل تلك الجموع فانصرف بمن معه فانكسر الباقون ، فلما رأت خاتون ذلك أعطته الرّهن وأعادت الصلح ، ودخل سعيد مدينة بخارى ثم غزا سمرقند كما نذكره في سمرقند. ثم لم يبلغني من خبرها شيء إلى سنة ٨٧ في ولاية قتيبة بن مسلم خراسان ، فإنه عبر النهر إلى بخارى فحاصرها فاجتمعت الصغد وفرغانة والشاش وبخارى فأحدقوا به أربعة أشهر ثم هزمهم وقتلهم قتلا ذريعا وسبى منهم خمسين ألف رأس ، وفتحها فأصاب بها قدورا يصعد إليها بالسلاليم ، ثم مضى منها إلى سمرقند ، وهي غزوته الأولى ، وصفت بخارى للمسلمين ، وينسب إلى بخارى خلق كثير من أئمة المسلمين في فنون شتّى ، منهم : إمام أهل الحديث أبو عبد الله محمد بن إسماعيل ابن إبراهيم بن مغيرة بن بردزبه ، وبردزبه مجوسيّ أسلم على يد يمان البخاري والي بخارى ، ويمان هذا هو أبو جدّ عبد الله بن محمد المسندي الجعفي ، ولذلك قيل للبخاري : الجعفي نسبة إلى ولائهم ، صاحب الجامع الصحيح والتاريخ ، رحل في طلب العلم إلى محدّثي الأمصار وكتب بخراسان والعراق والشام والحجاز ومصر ، ومولده سنة ١٩٤ ، ومات ليلة عيد الفطر سنة ٢٥٦ ، وامتحن وتعصّب عليه حتى أخرج من بخارى إلى خرتنك فمات بها ، ومنهم : أبو زكرياء عبد الرحيم بن أحمد بن نصر بن إسحاق بن عمرو بن مزاحم بن غياث التميمي البخاري الحافظ ، سمع بما وراء النهر والعراق والشام ومصر وإفريقية والأندلس ، ثم سكن مصر وحدث عن عبد الغني بن سعيد الحافظ وتمام بن محمد الرازي وعمن يطول ذكرهم ، وحكى عنه الفقيه أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي أنه قال : لي ببخارى أربعة عشر ألف جزء أريد أن أمضي وأجيء بها ، وقال أبو عبد الله محمد بن أحمد الخطّاب : سمع أبو

٣٥٥

زكرياء البخاري ببخارى محمد بن أحمد بن سليمان الغنجار البخاري وأبا الفضل أحمد بن علي بن عمرو السليماني البيكندي وذكر جماعة بعدّة بلاد وقال : سمع عبد الغني بن سعيد بمصر ودخل الأندلس وبلاد المغرب وكتب بها عن شيوخها ولم يزل يكتب إلى أن مات ، وكتب عمن هو دونه ، وفي مشايخه كثرة ، وكان من الحفاظ الأثبات ، عندي عنه مشتبه النسبة لعبد الغني ، وقال أبو الفضل بن طاهر المقدسي في كتابه تكملة الكامل في معرفة الضعفاء : قال عبد الرحيم أبو زكرياء البخاري : حدث عن عبد الغني بن سعيد بكتاب مشتبه النسبة قراءة عليه وأنا أسمع ، قال ابن طاهر : وفي هذا نظر ، فإني سمعت الإمام أبا القاسم سعد بن علي الزنجاني الحافظ يقول : لم يرو هذا الكتاب عن عبد الغني غير ابن ابنته أبي الحسن بن بقاء الخشّاب ، قال الحافظ أبو القاسم الدمشقي : وفي قول الزنجاني هذا نظر فإنه شهادة على نفي وقد وجدنا ما يبطلها ، وهو أنه قد روى هذا الكتاب عن عبد الغني أيضا أبو الحسن رشاء بن نظيف المقري ، وكان من الثقات ، وأبو زكرياء عبد الرحيم ثقة ما سمعنا أن أحدا تكلم فيه ، وذكر أبو محمد الأكفاني أن أبا زكرياء البخاري مات بالحوراء سنة ٤٦١ ، وقال غيره : سئل عن مولده فقال في شهر ربيع الأول سنة ٣٨٢ ، ومنهم : أبو علي الحسين بن عبد الله ابن سينا الحكيم البخاري المشهور أمره المقدور قدره صاحب التصانيف ، تقلبت به أحوال أقدمته إلى الجبال فولي الوزارة لشمس الدولة أبي طاهر بن فخر الدولة بن ركن الدولة بن بويه صاحب همذان ، وجرت له أمور وتقلبت به نكبات حتى مات في يوم السبت سادس شعبان سنة ٤٢٨ عن ثمان وخمسين سنة ، وأما الفقيه أبو الفضل عبد الرحمن بن محمد بن حمدون بن بخار البخاري وأبوه أبو بكر من أهل نيسابور فمنسوبان إلى جدهما ، وأما أبو المعالي أحمد بن محمد بن علي بن أحمد البغدادي البخاري فإنه كان يحرق البخور في جامع المنصور احتسابا ، فجعل أهل بغداد البخوريّ بخاريّا وعرف بيته في بغداد ببيت ابن البخاري ، قالهما أبو سعد.

البُخَارِيَّةُ : سكة بالبصرة أسكنها عبيد الله بن زياد أهل بخارى الذين نقلهم ، كما ذكرنا ، من بخارى إلى البصرة وبنى لهم هذه السكة فعرفت بهم ولم تعرف به.

بَخْجَوْمِيَانُ : بالفتح ثم السكون ، وفتح الجيم ، وسكون الراء ، وكسر الميم ، وياء ، وألف ، ونون : من قرى مرو قرب أندرابة ، كان ينزلها عسكر بلخ ، كان يسكنها حفص بن عبد الحليم البخجرمياني ، رحل إلى الحجاز والعراق ، وذكر أبو زرعة السّنجي هذه القرية فقال : بغجرميان ، بالغين معجمة ، رواه حفص عن المقري.

البَخْراءُ : ممدودة كأنها تأنيث الأبخر ، وهو نتن الفم ، وهي كذلك : ماءة منتنة على ميلين من القليعة في طرف الحجاز ، قرأت بخط أبي الفضل العباس بن علي الصّولي ، يعرف بابن برد الخيار ، عن حكم الوادي قال : بينما نحن مع الوليد بن يزيد بن عبد الملك بالبخراء وهو يشرب إذ دخل عليه مولى له مخرّق ثيابه ، فقال : هذه الخيل قد أقبلت ، فقال : هاتوا المصحف حتى أقتل كما قتل عمّي عثمان ، فدخل عليه فقتل ، فرأيت رأسه في طشت ملقى ويده في فم الكلب ، ثمّ بعث برأسه إلى دمشق.

باب الباء والدال وما يليهما

يَداً : بالفتح ، والقصر : واد قرب أيلة من ساحل البحر ، وقيل : بوادي القرى ، وقيل : بوادي عذرة

٣٥٦

قرب الشام ، قال بعضهم :

وأنت التي حبّبت شغبا إلى بدا

إليّ ، وأوطاني بلاد سواهما

حللت بهذا حلّة ثم حلّة

بهذا ، فطاب الواديان كلاهما

وقال جميل العذري :

ألا قد أرى إلا بثينة ترتجى

بوادي بدا ، فلا بحسمى ولا شغب

ولا ببراق قد تيمّمت ، فاعترف

لما أنت لاق أو تنكّب عن الرّكب

بَداكِرُ : بالفتح ، وآخره راء : من قرى بخارى ، منها أبو جعفر رضوان بن سالم البداكري البخاري وغيره.

بدالَة : بالضم : موضع في شعر عبد مناف بن ربع الهذلي :

إنّي أصادف مثل يوم بدالة ،

ولقاء مثل غداة أمس بعيد

البَدائعُ : بالفتح ، وياء : موضع في قول كثيّر :

بكى سائب لما رأى رمل عالج

أتى دونه ، والهضب هضب متالع

بكى ، إنه سهل الدموع ، كما بكى

عشيّة جاوزنا نجاد البدائع

بَدْبَدُ : بالفتح ، والتكرير : ماء في طرف أبان الأبيض الشمالي ، قال كثير :

إذا أصبحت بالجلس في أهل قرية ،

وأصبح أهلي بين شطب فبدبد

وقال قيس بن زهير يخاطب عروة بن الورد :

أذنب علينا شتم عروة حاله

بقرّة أحساء ويوما ببدبد

رأيتك ألّافا بيوت معاشر ،

تزال يد في فضل قعب ومرفد

بُدَخْكثُ : بالضم ثم الفتح ، وخاء معجمة ساكنة ، وكاف مفتوحة ، وثاء مثلثة : من قرى أسفيجاب أو الشاش ، منها أبو سعيد ميكائيل بن حنيفة البدخكثي ، قتل شهيدا في سنة أربع وعشرين وثلاثمائة.

بَدْرٌ : بالفتح ثم السكون ، قال الزّجّاج : بدر أصله الامتلاء ، يقال : غلام بدر إذا كان ممتلئا شابّا لحما ، وعين بدرة ، ويقال : قد بدر فلان إلى الشيء وبادر إليه إذا سبق ، وهو غير خارج عن الأصل لأنّ معناه استعمل غاية قوّته وقدرته على السّرعة أي استعمل ملء طاقته ، وسمّي بيدر الطعام بيدرا لأنه أعظم الأمكنة التي يجتمع فيها الطعام ، ويقال : بدرت من فلان بادرة أي سبقت فعلة عند حدّة منه في غضب بلغت الغاية في الإسراع ، وقوله تعالى : ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ، أي مسابقة لكبرهم. وسمي القمر ليلة الأربعة عشر بدرا لتمامه وعظمه. وبدر : ماء مشهور بين مكة والمدينة أسفل وادي الصّفراء بينه وبين الجار ، وهو ساحل البحر ، ليلة ، ويقال : إنه ينسب إلى بدر بن يخلد بن النضر بن كنانة ، وقيل : بل هو رجل من بني ضمرة سكن هذا الموضع فنسب إليه ثم غلب اسمه عليه ، وقال الزبير بن بكّار : قريش بن الحارث بن يخلد ، ويقال : مخلّد بن النضر بن كنانة ، به سميت قريش فغلب عليها لأنه كان دليلها وصاحب ميرتها ، فكانوا يقولون : جاءت عير قريش وخرجت عير قريش ، قال : وابنه بدر بن قريش ، به سميت بدر التي كانت بها الوقعة المباركة ، لأنه كان احتفرها ، وبهذا الماء كانت الوقعة المشهورة التي أظهر

٣٥٧

الله بها الإسلام وفرّق بين الحق والباطل في شهر رمضان سنة اثنتين للهجرة ، ولما قتل من قتل من المشركين ببدر وجاء الخبر إلى مكة ناحت قريش على قتلاهم ثم قالوا : لا تفعلوا فيبلغ محمّدا وأصحابه فيشمتوا بكم ، وكان الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزّى قد أصيب له ثلاثة من ولده : زمعة بن الأسود ، وعقيل بن الأسود ، والحارث بن زمعة ، وكان يحبّ أن يبكي على بنيه ، قال : فبينما هو كذلك إذ سمع نائحة بالليل ، فقال لغلام له وقد ذهب بصره : انظر هل أحلّ النّحيب وقد بكت قريش على قتلاهم لعلّي أبكي على أبي حكيمة ، يعني زمعة ، فإن جوفي قد احترق ، فلما رجع الغلام إليه قال : إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلّته ، فقال حينئذ :

أتبكي أن يضلّ لها بعير ،

ويمنعها من النوم السّهود؟

فلا تبكي على بكر ، ولكن

على بدر تقاصرت الجدود

على بدر سراة بني هصيص

ومخزوم ورهط أبي الوليد

وبكّي إن بكيت على عقيل ،

وبكّي حارثا أسد الأسود

وبكّيهم ، ولا تسمي ، جميعا ،

وما لأبي حكيمة من نديد

ألا قد ساد بعدهم رجال ،

ولولا يوم بدر لم يسودوا

وبين بدر والمدينة سبعة برد : بريد بذات الجيش ، وبريد عبّود ، وبريد المرغة ، وبريد المنصرف ، وبريد ذات أجذال ، وبريد المعلاة ، وبريد الأثيل ، ثم بدر وبدر الموعد وبدر القتال وبدر الأولى والثانية : كله موضع واحد ، وقد نسب إلى بدر جميع من شهدها من الصحابة الكرام ، ونسب إلى سكنى الموضع أبو مسعود البدري ، واسمه عقبة ابن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بن عسيرة بن عطية بن جدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج ، شهد العقبة الثانية وكان أصغر من شهدها ، وفي كتاب الفيصل : أنه لم يشهد بدرا ، وقال ابن الكلبي : شهد بدرا والعقبة وولّاه عليّ الكوفة حين سار إلى صفّين.

وبدر : جبل في بلاد باهلة بن أعصر ، وهناك أرمام الجبل المعروف ، وأحد جبلين يقال لهما : بدران في أرض بني الحريش ، واسم الحريش : معاوية بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وبدر أيضا : مخلاف باليمن ، وهو غير الأول.

بَدَّسٌ : بالفتح ، وتشديد ثانيه وفتحه ، وبدّس : من قرى اليمن.

بَدِلانُ : بوزن قطران ، ويقال بدلان : موضع في قول امرئ القيس :

لمن طلل أبصرته فشجاني ،

كخطّ زبور أو عسيب يمان

ديار لهند والرّباب وفرتنى ،

ليالينا بالنّعف من بدلان

ليالي يدعوني الهوى فأجيبه ،

وأعين من أهوى إليّ روان

بَدْلِيسُ : بالفتح ثم السكون ، وكسر اللام ، وياء ساكنة ، وسين مهملة ، ولا أعلم نظيرا لهذا الوزن في كلام العرب غير وهبيل : اسم بطن من النّخع ، وأما في العجم ففيه تفليس وتبريز : بلدة من نواحي أرمينية قرب خلاط ذات بساتين كثيرة ، وتفّاحها

٣٥٨

يضرب به المثل في الجودة والكثرة والرخص ، ويحمل إلى بلدان كثيرة ، وطولها خمس وستون درجة ، وعرضها ثمان وثلاثون درجة ، وقال أحمد بن يحيى بن جابر : لما فرغ عياض بن غنم من الجزيرة دخل الدرب فبلغ بدليس فجازها إلى خلاط وصالح بطريقها وانتهى إلى العين الحامضة فلم يتجاوزها وعاد فضمّن صاحب بدليس خراج خلاط وجماجمها ، ثم انصرف إلى الرّقة ومضى إلى حمص ، ومات بها سنة ٢٦ للهجرة ، وفي بدليس يقول أبو الرّضا الفضل بن منصور الظريف :

بدليس! قد جدّدت لي صبوة

بعد التّقى والنّسك والسّمت

هتّكت ستري في هوى شادن ،

وما تحرّجت ولا خفت

وكنت مطويّا على عفّة

مظنونة ، يمشي بها وقتي

وإن تحاسبنا فقولي لنا :

من أنت يا بدليس من أنت؟

وأين ذا الشّخص النفيس ، الذي

يزيد في الوصف على النّعت

من طبعك الجافي ومن أهله ،

قد صرت بغداد على بخت

بَدَنٌ : بالتحريك : لهيم البدن ، يذكر في اللام.

بُدْنٌ : بالضم : موضع في أشعار بني فزارة ، عن نصر.

بَدْوَتَانِ : بفتح الواو ، وتاء فوقها نقطتان ، وألف ، ونون ، بلفظ التثنية : دارة بدوتين لبني ربيعة بن عقيل ، وهما هضبتان بينهما ماء.

بَدْوَةُ : واحدة الذي قبله : جبل بنجد لبني العجلان ، قال عامر بن الطفيل يرثي ابن أخيه عبد عمرو بن حنظلة بن طفيل :

وهل داع فيسمع عبد عمرو

لأخرى الخيل ، تصرعها الرماح

فلا وأبيك لا أنسى خليلي

ببدوة ، ما تحرّكت الرياح

وكنت صفيّ نفسي دون قومي ،

وودّي دون حامله السلاح

وقال تميم بن أبيّ بن مقبل :

أأنت محيّي الرّبع أم أنت سائله ،

بحيث أفاضت في الرّكاء مسايله

وكيف تحيّي الربع قد بان أهله ،

فلم يبق إلّا أسّه وجنادله

وقد قلت من فرط الأسى ، إذ رأيته

وأسبل دمعي مستهلّا أوائله :

ألا يا لقومي للديار ببدوة ،

وأنّى مراح المرء والشّيب شامله

بُدْهَةُ : ناحية بالسند ، وقد كتبت بالنون مشروحة ، وأنا شاكّ فيها فليحقّق.

بَدْيَانا : بعد الدال ياء ، وألف ، ونون : من قرى نسف ، ينسب إليها بديانويّ ، منها أبو سلمة البديانوي الزاهد ، له كلام في الرقائق.

بَديعٌ : بالفتح ثم الكسر ، وياء ساكنة ، وعين مهملة ، قال الحازمي : بديع اسم بناء عظيم للمتوكل بسرّمن رأى ، وقال السكوني : بديع ماء عليه نخل وعيون جارية بقرب وادي القرى ، وقال الحازمي : أوله ياء ، وسنذكره في موضعه.

البَديعة : بزيادة هاء : ماءة بحسمى ، وحسمى جبل بالشام.

٣٥٩

بُدَينٌ : تصغير بدن : اسم ماء.

البَدِيَّةُ : بالفتح ثم الكسر ، وياء مشددة : ماء على مرحلتين من حلب بينها وبين سلمية ، قال أبو الطيب :

وأمست بالبديّة شفرتاه ،

وأمسى خلف قائمه الحيار

البَدِيُّ : قال أبو زياد : كلّ ما كان في الجاهلية من الركيّ ينسب عاديّا ، وأما ما حفر منذ كان الإسلام محدثا في جديد الأرض فإنه ينسب إسلاميّا ، واحدته البديّ ، وجماعته البديان : واد لبني عامر بنجد.

والبديّ أيضا : قرية من قرى هجر بين الزرائب والحوضي ، قال لبيد :

غلب تشذّر بالذّحول ، كأنها

جنّ البديّ رواسيا أقدامها

وقيل : البديّ في هذا البيت البادية ، وقد ذكر لبيد البديّ في شعر آخر له فقال :

جعلن جراج القرنتين وعالجا

يمينا ، ونكّبن البديّ شمائلا

فهذا موضع بعينه ، ويقويه قول امرئ القيس :

أصاب قطاتين فسال لواهما ،

فوادي البديّ ، فانتحى لأريض

باب الباء والذال وما يليهما

بِذَانُ : بالكسر ، والنون : ناحية من أعمال الأهواز.

البَذَّانِ : بالفتح ، وتشديد الذال ، تثنية البذّ المذكور بعد هذا ، وقد يجيء في الشعر هكذا ، قال أبو تمّام :

كأنّ بابك ، بالبذّين بعدهم ،

نؤي أقام خلاف الحيّ أو وتد

بَذَخْشَانُ : بفتحتين ، والخاء معجمة ساكنة ، وشين معجمة محركة ، وألف ، ونون ، والعامة يسمونها بلخشان ، باللام : وهو الموضع الذي فيه معدن البلخش المقاوم للياقوت ، وهو فيما حدّثني من شاهده : عروق في جبلهم يكثر لكن الجيد منه قليل ، رأيت مع هذا المخبر منه مخلاة ملأى لا ينتفع به ، وفي جبلهم هذا أيضا معدن اللازورد الذي يزوّق ويعمل منه فصوص الخواتم ، ومن هذا الموضع يدخل التجار أرض التّبت. وبذخشان : بلدة في أعلى طخارستان متاخمة لبلاد الترك ، بينها وبين بلخ ما حكاه البشّاري والإصطخري ، ثلاث عشرة مرحلة ، ومثلها بينها وبين ترمذ ، وبها رباط بنته زبيدة بنت جعفر ابن المنصور أمّ الإصطخري ، ثلاث عشرة مرحلة ، ومثلها بينها وبين ترمذ ، وبها رباط بنته زبيدة بنت جعفر ابن المنصور أمّ محمد الأمين زوجة الرشيد ، وبها حصن عجيب من بنائها ، قلّ ما رأى الناس مثله ، وفيها أيضا معدن البجاذي : حجر كالياقوت غير البلخش والبلّور الخالص ، كل ذلك عروق في جبالها ، وفيها أيضا حجر الفتيلة ، وهو شيء يشبه البردي والعامة تظنه ريش طائر يقال له الطّلق ، لا تحرقه النار ، يوضع في الدّهن ثم يشعل بالنار فيقد كما تقد الفتيلة فإذا اشتعل الدهن بقي على ما كان لم يتغير شيء من صفته ، وكذلك أبدا كلما وضع في الدهن واشتعل ، وإذا ألقي في النار المتأججة لا تحرقه ، وينسج منه مناديل غلاظ للخوان فإذا اتسخت وأريد غسلها ألقيت في النار فيحترق ما عليها من الدّرن وتخلص وتطلع نقية كأن لم يكن بها درن قط. وهناك حجر يجعل في البيت المظلم فيضيء شيئا يسيرا ، كلّ ذلك ذكره البشّاري.

بَذَخْشُ : هي التي قبلها بعينها ، وقد نسب إليها بهذا اللفظ أبو إسحاق إبراهيم بن هارون البذخشي البلخي ، حدث عن سليمان بن عيسى السجزي بمناكير ، روى عنه علي بن سعيد بن سنان ، قاله يحيى بن مندة.

٣٦٠