معجم البلدان - ج ١

شهاب الدين أبي عبدالله ياقوت بن عبدالله الحموي الرومي البغدادي

معجم البلدان - ج ١

المؤلف:

شهاب الدين أبي عبدالله ياقوت بن عبدالله الحموي الرومي البغدادي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار صادر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٠

واختلفوا في البحار والمياه والأنهار فروى المسلمون أن الله خلق البحر مرّا زعاقا ، وأنزل من السماء الماء العذب كما قال الله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ). وكل ماء عذب من بئر أو نهر ، من ذلك ، فإذا اقتربت الساعة بعث الله ملكا معه طشت ، فجمع تلك المياه فردّها إلى الجنّة. ويزعم أهل الكتاب أن أربعة أنهار تخرج من الجنة : الفرات وسيحون وجيحون ودجلة ، وذلك أنهم يزعمون أن الجنة في مشارق الأرض.

وأما كيفية وضع البحار في المعمورة ، فأحسن ما بلغني فيه ما حكاه ابو الريحان البيروني ، فقال أما البحر الذي في مغرب المعمورة وعلى ساحل بلاد طنجة والأندلس ، فإنه سمّي البحر المحيط ، وسمّاه اليونانيّون أوقيانوس ، ولا يلجّج فيه ، إنما يسلك بالقرب من ساحله ، وهو يمتدّ من عند هذه البلاد نحو الشمال على محاذاة أرض الصقالبة ، ويخرج منه خليج عظيم في شمال الصقالبة ، ويمتدّ إلى قرب أرض بلغار بلاد المسلمين ، ويعرفونه ببحر ورنك ، وهم أمة على ساحله ، ثم ينحرف وراءهم نحو المشرق ، وبين ساحله وبين أقصى أرض التّرك أرضون وجبال مجهولة خربة غير مسلوكة. وأما امتداد البحر المحيط الغربي من أرض طنجة نحو الجنوب ، فإنه ينحرف على جنوب أرض سودان المغرب وراء الجبال المعروفة بجبال القمر التي تنبع منها عيون نيل مصر ، وفي سلوكه غزر لا تنجو منه سفينة. وأما البحر المحيط من جهة الشرق وراء أقاصي أرض الصين ، فإنه أيضا غير مسلوك ويتشعّب منه خليج يكون منه البحر الذي يسمّى في كل موضع من الأرض التي تحاذيه ، فيكون ذلك أوّلا بحر الصين ، ثم الهند ، وخرج منه خلجان عظام يسمّى كل واحد منها بحرا على حدة ، كبحر فارس والبصرة ، الذي على شرقيّة تيز ومكران ، وعلى غربيّه في حياله فرضة عمان ، فإذا جاوزها بلغ بلاد الشّحر التي يجلب منها الكندر ، ومرّ إلى عدن ، وانشعب منه هناك خليجان عظيمان ، أحدهما المعروف بالقلزم ، وهو ينعطف فيحيط بأرض العرب حتى تصير به كجزيرة ، ولأنّ الحبشة عليه بحذاء اليمن فإنه يسمّى بهما ، فيقال لجنوبيّه بحر الحبشة ، وللشمالي بحر اليمن ، ولمجموعهما بحر القلزم ، وإنما اشتهر بالقلزم لأن القلزم مدينة على منقطعه في أرض الشام حيث يستدقّ ويستدير عليه السائر على الساحل نحو أرض البجة. والخليج الآخر المقدّم ذكره ، هو المعروف ببحر البربر ، يمتدّ من عدن إلى سفالة الزنج ، ولا يتجاوزها مركب لعظم المخاطرة فيه ويتّصل بعدها ببحر أوقيانوس المغربي ، وفي هذا البحر من نواحي المشرق جزائر الرانج ، ثم جزائر الديبجات ، وقمير ، ثم جزائر الزابج ، ومن أعظم هذه الجزائر ، الجزيرة المعروفة بسر نديب ، ويقال لها بالهندية سنكاديب ، ومنها تجلب أنواع اليواقيت جميعها ، ومنها يجلب الرصاص القلعي ، وسربزه ومنها يجلب الكافور. ثم في وسط المعمورة في أرض الصقالبة والروس ، بحر يعرف ببنطس عند اليونانيين ، وعندنا يعرف ببحر طرابزندة ، لأنها فرضة عليه ، ويخرج منه خليج يمرّ على سو مدينة القسطنطينية ، ولا يزال يتضايق حتى يقع في بحر الشام الذي على جنوبيّه بلاد المغرب إلى الإسكندرية ومصر ، وبجذائها في الشمال أرض الأندلس والروم ، وينصبّ إلى البحر المحيط عند الأندلس في مضيق يذكر في الكتب بمعبرة هيرقلس ،

٢١

ويعرف الآن بالزّقاق ، يجري فيه ماؤه إلى البحر المحيط ، وفيه من الجزائر المعروفة قبرس ، وسامس ، ورودس ، وصقلية ، وأمثالها. وبالقرب من طبرستان بحر فرضة جرجان ، عليه مدينة آبسكون وبها يعرف ، ثم يمتدّ إلى طبرستان ، وأرض الديلم ، وشروان ، وباب الأبواب ، وناحية اللّان ، ثم الخزر ، ثم نهر أتل الآتي إليه ، ثم ديار الغزية ، ثم يعود إلى آبسكون وقد سمّي باسم كل بقعة حاذاها ، ولكن اشتهاره عندنا بالخزر ، وعند الأوائل بجرجان ، وسماه بطليموس بحر أرقانيا ، وليس يتّصل ببحر آخر. فأما سائر المياه المجتمعة في مواضع من الأرض ، فهي مستنقعات وبطائح ، وربّما سمّيت بحيرات ، كبحيرة أفامية ، وطبرية ، وزغر بأرض الشام ، وكبحيرة خوارزم وآبسكون بالقرب من برسخان.

وسترى من هذه الدائرة في الصورة التالية ما يدل على صورة ما ذكرناه بالتقريب.

واختلفوا في سبب ملوحة ماء البحر ، فزعم قوم أنه لما طال مكثه وألحّت الشمس عليه بالإحراق ، صار مرّا ملحا ، واجتذب الهواء ما لطف من أجزائه فهو بقيّة ما صفّته الأرض من الرطوبة فغلظ.

وزعم آخرون أن في البحر عروقا تغيّر ماء البحر ، فلذلك صار مرّا زعاقا ، وزعم بعضهم أن الماء من

٢٢

الاستحالات ، فطعم كل ماء على طعم تربته.

واختلفوا في الجبال ، قال الله تعالى : (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) ، وقال : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَالْجِبالَ أَوْتاداً). وحكي عن بعض اليونان أن الأرض كانت في الابتداء تكفأ لصغرها ، وعلى طول الزمان تكاثفت وثبتت ، وهذا القول يصدّقه القرآن لو أنه زاد فيه أنها تثبت بالجبال ، ومنهم من زعم أن الجبال عظام الأرض وعروقها.

واختلفوا فيما تحت الأرض ، فزعم بعض القدماء أن الأرض يحيط بها الماء ، والماء يحيط به الهواء ، والهواء يحيط به النار ، والنار يحيط بها السماء الدنيا ، ثم الثانية ، ثم الثالثة ، إلى السابعة ، ثم يحيط بها فلك الكواكب الثابتة ، ثم فوق ذلك الفلك الأعظم المستقيم ، ثم فوقه عالم النفس ، وفوق عالم النفس عالم العقل ، وفوق عالم العقل الباري ، جلّت عظمته ، ليس وراءه شيء.

فعل هذا الترتيب ان السماء تحت الأرض كما هي فوقها. وفي أخبار قصّاص المسلمين أشياء عجيبة تضيق بها صدور العقلاء ، أنا أحكي بعضها غير معتقد لصحّتها : رووا أن الله تعالى خلق الأرض تكفأ كما تكفأ السفينة ، فبعث الله ملكا حتى دخل تحت الأرض ، فوضع الصخرة على عاتقه ، ثم أخرج يديه : إحداهما بالمشرق ، والأخرى بالمغرب ، ثم قبض على الأرضين السبع فضبطها ، فاستقرّت ، ولم يكن لقدمه قرار ، فأهبط الله ثورا من الجنّة له أربعون ألف قرن وأربعون ألف قائمة ، فجعل قرار قدمي الملك على سنامه ، فلم تصل قدماه إليه ، فبعث الله ياقوتة خضراء من الجنة ، مسيرها كذا ألف عام ، فوضعها على سنام الثور ، فاستقرّت عليها قدماه ، وقرون الثور خارجة من أقطار الأرض ، مشبّكة تحت العرش ، ومنخر الثور في ثقبين من تلك الصخرة تحت البحر ، فهو يتنفّس كل يوم نفسين ، فإذا تنفّس مدّ البحر وإذا ردّه جزر ، ولم يكن لقوائم الثور قرار ، فخلق الله تعالى كمكما كغلظ سبع سموات وسبع أرضين ، فاستقرّت عليها قوائم الثور ، ثم لم يكن للكمكم مستقرّ فخلق الله تعالى حوتا يقال له : بلهوت ، فوضع الكمكم على وبر ذلك الحوت ، والوبر الجناح الذي يكون في وسط ظهر السمكة ، وذلك الحوت على ظهر الريح العقيم ، وهو مزموم بسلسلة ، كغلظ السماوات والأرضين ، معقودة بالعرش. قالوا ثم إن إبليس انتهى إلى ذلك الحوت ، فقال له : إن الله لم يخلق خلقا أعظم منك ، فلم لا تزلزل الدنيا؟ فهمّ بشيء من ذلك ، فسلّط الله عليه بقّة في عينيه فشغلته ، وزعم بعضهم أن الله سلّط عليه سمكة كالشطبة ، فهو مشغول بالنظر إليها ويهابها. قالوا : وأنبت الله تعالى من تلك الياقوتة التي على سنام الثور ، جبل قاف ، فأحاط بالدنيا ، فهو من ياقوتة خضراء ، فيقال ، والله أعلم ، إن خضرة السماء منه ، ويقال إن بينه وبين السماء قامة رجل ، وله رأس ووجه ولسان ، وأنبت الله تعالى من قاف الجبال ، وجعلها أوتادا للأرض كالعروق للشجر ، فإذا أراد الله ، عز وجل ، أن يزلزل بلدا ، أوحى الله إلى ذلك الملك : أن زلزل ببلد كذا ، فيحرّك عرقا مما تحت ذلك البلد ، فيتزلزل ، وإذا أراد أن يخسف ببلد أوحى الله إليه : أن اقلب العرق الذي تحته ، فيقلبه فيخسف البلد. وزعم وهب بن منبّه ، أن الثور والحوت يبتلعان ما ينصبّ

٢٣

من مياه الأرض ، فإذا امتلأت أجوافهما قامت القيامة. وقال آخرون إن الأرض على الماء ، والماء على الصخرة ، والصخرة على سنام الثور ، والثور على كمكم من الرمل متلبّد ، والكمكم على ظهر الحوت ، والحوت على الريح العقيم ، والريح على حجاب من الظّلمة ، والظلمة على الثّرى ، وإلى الثرى ينتهي علم الخلائق ، ولا يعلم ما وراء ذلك إلا الله. قال الله تعالى : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى).

قال عبيد الله الفقير إليه مؤلّف الكتاب : قد كتبنا قليلا من كثير مما حكي من هذا الباب ، وههنا اختلاف وتخليط لا يقف عند حدّ غير ما ذكرنا لا يكاد ذو تحصيل يسكن إليه ، ولا ذو رأي يعوّل عليه ، وإنما هي أشياء تكلّم بها القصّاص للتهويل على العامّة ، على حسب عقولهم ، لا مستند لها من عقل ولا نقل ، وليس في هذا ما يعتمد عليه إلا خبر رواه أبو هريرة عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وهو ما أخبرنا به حنبل بن عبد الله بن الفرج بن سعادة أبو علي المكبّر البغدادي ، إذنا ، قال : أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحصين ، قال : حدّثنا أبو علي الحسن بن علي بن محمد بن المذهّب ، قال : حدّثنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي ، قراءة عليه ، فأقرأ به في سنة ست وستين وثلاثمائة ، قال : حدّثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل ، رحمه الله ، قال : حدّثنا أبي ، حدثنا شريح ، حدثنا الحكم بن عبد الملك ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن أبي هريرة ، قال : بينما نحن عند رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إذ مرّت سحابة ، فقال : أتدرون ما هذه فوقكم؟ قلنا : الله ورسوله أعلم. قال : هذه العنان ، وروايا الأرض ، يسوقه إلى من لا يشكره من عباده ، ولا يدعونه ربّا. أتدرون ما هذه فوقكم؟ قلنا : الله ورسوله أعلم. قال : الرقيع موج مكفوف ، وسقف محفوظ ، أتدرون كم بينكم وبينها؟ قلنا : الله ورسوله أعلم. قال : مسيرة خمسمائة عام. ثم قال : أتدرون ما الذي فوقها؟ قلنا : الله ورسوله أعلم. قال : سماء أخرى ، أتدرون كم بينكم وبينها؟ قلنا : الله ورسوله أعلم. قال : مسيرة خمسمائة عام ، حتى عدّ سبع سموات ، ثم قال : أتدرون ما فوق ذلك؟ قلنا : الله ورسوله أعلم. قال : العرش. ثم قال : أتدرون كم بينكم وبين السماء السابعة؟ قلنا : الله ورسوله أعلم. قال : مسيرة خمسمائة عام. ثم قال : أتدرون ما هذه تحتكم؟ قلنا : الله ورسوله أعلم. قال : الأرض ، أتدرون ما تحتها؟ قلنا : الله ورسوله أعلم. قال : أرض أخرى ، أتدرون كم بينكم وبينها؟ قلنا : الله ورسوله أعلم. قال : مسيرة سبعمائة عام ، حتى عدّ سبع أرضين. ثم قال : وايم الله لو دليّتم أحدكم بحبل إلى الأرض السابعة السّفلى ، لهبط بكم على الله. ثم قرأ : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). قلت : وهذا حديث صحيح ، أخرجه أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي ، عن عبد بن حميد ، عن يونس ، عن شيبان بن عبد الرحمن ، عن قتادة ، عن الحسن البصري ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، وفي لفظ الخبر اختلاف والمعنى واحد. انتهى.

٢٤

الباب الثاني

في ذكر الأقاليم السبعة واشتقاقها والاختلاف في كيفيتها

نبدأ ، أولا ، فنورد عنهم قولا مجملا ، يكون عمادا وبيانا لما نأتي به بعد ، وهو أشدّ ما سمعت في معناه وألخصه ، قالوا : جميع مسافة دوران الأرض ، بالقياس المصطلح عليه ، مائة ألف ألف وستمائة ألف ميل ، كل ميل أربعة آلاف ذراع ، الذراع أربعة وعشرون إصبعا ، كل ثلاثة أميال منها فرسخ ، والأرض التي هي المساحة مقدار دورها ، ثلاثة أرباعها مغمورة بالماء ، والربع الباقي مكشوف ، والمعمورة هي المسكون من هذا الربع المكشوف ثلثه وثلث عشره ، والباقي خراب ، وهذا المقدار من الربع المسكون مساحته ثلاثة وثلاثون ألف ألف ومائة وخمسون ألف ميل ، وهذا العمران هو ما بين خطّ الاستواء إلى القطب الشمالي ، وينقسم إلى سبعة أقاليم ، واختلفوا في كيفيتها على ما نبيّنه. واختلف قوم في هذه الأقاليم السبعة : في شمالي الأرض وجنوبيّها ، أم في الشمال دون الجنوب ، فذهب هرمس إلى أن في الجنوب سبعة أقاليم كما في الشمال. قالوا وهذا لا يعوّل عليه لعدم البرهان ، وذهب الأكثرون إلى أن الأقاليم السبعة في الشمال دون الجنوب ، لكثرة العمارة في الشمال وقلّتها في الجنوب ، ولذلك قسموها في الشمال دون الجنوب. وأما اشتقاق الأقاليم فذهبوا إلى أنها كلمة عربية ، واحدها إقليم ، وجمعها أقاليم ، مثل إخريط وأخاريط ، وهو نبت ، فكأنه إنما سمّي إقليما ، لأنه مقلوم من الأرض التي تتاخمه ، أي مقطوع ، والقلم في أصل اللغة القطع ، ومنه قلمت ظفري ، وبه سمي القلم لأنه مقلوم ، أي مقطوع مرّة بعد مرّة ، وكلما قطعت شيئا بعد شيء فقد قلمته. وقال محمد بن أحمد أبو الرّيحان البيروني : الإقليم على ما ذكر أبو الفضل الهروي في المدخل الصاحبي هو الميل ، فكأنهم يريدون بها المساكن المائلة عن معدّل النهار. قال : وأما على ما ذكر حمزة بن الحسن الأصفهاني ، وهو صاحب لغة ومعنيّ بها ، فهو الرستاق ، بلغة الجرامقة سكّان الشام والجزيرة ، يقسمون بها المملكة ، كما يقسم أهل اليمن بالمخاليف ، وغيرهم بالكور والطساسيج وأمثالها. قال : وعلى ما ذكر أبو حاتم الرازي في كتاب الزينة ، هو النصيب ، مشتقّ من القلم بإفعيل ، إذ كانت مقاسمة الأنصباء بالمساهمة بالأقلام مكتوبا عليها أسماء السهام كما قال الله تعالى : (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ).

وقال حمزة الأصفهاني : الأرض مستديرة الشكل ، المسكون منها دون الربع ، وهذا الربع ينقسم

٢٥

قسمين : برا وبحرا ، ثم ينقسم هذا الربع سبعة اقسام ، يسمّى كل قسم منها بلغة الفرس كشخر ، وقد استعارت العرب من السّريانيين للكشخر اسما ، وهو الإقليم ، والإقليم اسم للرستاق ، فهذا في اشتقاق الإقليم ومعناه كاف شاف إن شاء الله تعالى.

ثم للأمم في هيئة الأقاليم وصفاتها اصطلاحات أربعة :

الاصطلاح الأول : اصطلاح العامة وجمهور الأمّة ، وهو جار على ألسنة الناس دائما ، وهو أن يسمّوا كل ناحية مشتملة على عدّة مدن وقرى إقليما ، نحو الصين ، وخراسان ، والعراق ، والشام ، ومصر ، وإفريقية ، ونحو ذلك. فالأقاليم ، على هذا ، كثيرة لا تحصى.

الاصطلاح الثاني : لأهل الأندلس خاصّة ، فإنهم يسمّون كل قرية كبيرة جامعة إقليما ، وربما لا يعرف هذا الاصطلاح إلا خواصّهم ، وهذا قريب مما قدّمنا حكايته عن حمزة الأصفهاني ، فإذا قال الأندلسي : أنا من إقليم كذا ، فإنما يعني بلدة ، أو رستاقا بعينه.

الاصطلاح الثالث : للفرس قديما ، وأكثر ما يعتمد عليه الكتّاب ، قال أبو الريحان : قسم الفرس الممالك المطيفة بايرانشهر ، في سبع كشورات ، وخطّوا حول كل مملكة دائرة ، وسمّوها كشورا وكشخرا ، اشتقاقهما على ما قيل من كشسته ، وهو اسم الخطّ في لغتهم ، ومعلوم أن الدوائر المتساوية لا تحيط بواحدة منها متماسّة إلا إذا كانت سبعا تحيط ستّ منها بواحدة فقسموا إيرانشهر إلى كشورات ستّ ، والمعمورة بأسرها إلى سبع ، والأصل في هذه القسمة ما أخبر به زرادشت ، صاحب ملّتهم ، من حال الأرض ، وأنها مقسومة بسبعة أقسام ، كهيئة ما ذكرنا ، أوسطها هنيرة ، وهو الذي نحن فيه ، ويحيط بها ستة. قال أبو الريحان : وأما الحقيقة لم جعلوها سبعا ، فما أجدني واجده بالطريق البرهاني ، فإن الكافّة لم يتسارعوا إلا إلى عدد الكواكب السيّارة ، مستدلّين عليه بأيام الأسبوع التي لا يختلف فيها ، ولا في المبدإ الموضوع لها من يوم الأحد ، مختلفو الأمم. وصورة الكشورات الداخلة في كشخر هنيرة على ما نقلته من كتاب أبي الريحان وخطّ يده ، الصورة على الصفحة المقابلة. قال أبو الريحان : وبهذه القسمة قال هرمس ما أسند إليه محمد بن ابراهيم الفزاري في زيجه ، إذ كان هرمس من القدماء ، فكأنه لم يستعمل في زمانه غيرها ، وإلا فالأمور الرياضية النجومية بهرمس أولى. قال : وزاد الفزاري أن كل كشور سبعمائة فرسخ في مثلها. وقرأت في غير كتاب أبي الريحان أن كل إقليم من هذه السبعة التي قدّمنا وصفها ، طول أرضه سبعمائة فرسخ ، إلا السابع ، فإنه مائتان وعشرون فرسخا ، والله أعلم.

الاصطلاح الرابع : وعليه اعتماد أهل الرياضة والحكمة والتنجيم ، وهو عندهم يمتدّ طولا من المشرق إلى المغرب على الشكل الذي نصوّره بعد قال أبو الريحان : عقيب ما ذكره من اصطلاح أهل فارس ومن خطّه نقلته : وأما من زاول صناعة التنجيم وكلف بعلم هيئة العالم ، فإنه أتى هذه القسمة من مأتى آخر ، لأنه لما نظر إلى الأولى ولم يجد لها نظاما تطرّد عليه من الأسباب الطبيعية دون الوضعيّة التي بحسبها تختلف المساكن في الكرة من الحرّ والبرد وسائر الكيفيات ، أعرض عن تلك

٢٦

القسمة ولم يلتفت إليها. ثم قال : نحن إذا تأمّلنا الاختلافات التي تلحق الليل والنهار من ولوج أحدهما على الآخر ، على طرفي الصيف والشتاء ، فالذي يحدث في الهواء من احتدام الحرّ وكلب البرد وما يتبع ذلك من تأثير الأرض والماء بهما ، وجدناها بحسب الإمعان ، في جهتي الشمال والجنوب فقط ، وإننا متى لزمنا نحو المشرق والمغرب مدارا واحدا لا يقرّبنا سلوكه من شمال أو

جنوب ، لم يختلف علينا شيء مما وجوده بالإضافة إلى الآفاق بتّة ، اللهم إلا الانتقال من صرود إلى جروم ، أو عكسه مما لا يوجبه ذلك السّمت ، إنما يتّفق من جهة الأنجاد والأغوار ، وأوضاع أحدهما من الآخر فيه وتقدّم الطلوع والغروب وتأخّرهما ، إلا أنه ليس بمعلوم بالاحساس وإنما يتوصّل إليه بالنظر والقياس ، فإذا قسمنا المعمورة عرضا بحسب الاختلاف والتغاير ، على أقسام متوازية في طول الأرض ، ليتّفق كل قسم في المشارق والمغارب على حال واحدة بالتقريب ، كان أصوب من أن نقسمهما بغير ذلك من الخطوط. ثم تأمل النهار الأطول والأقصر ، فإن النظر فيهما ، لتكافئهما ، واحد. فوجده من جهة الشمال حيث الناس متمدّنون ، وعلى قضايا الاعتدال خلقا وخلقا مجتمعون ، دون

٢٧

المتوحشين المختفين في الغياض والقفار ، الذين يفترسون من وجدوه من الناس ، ويأكلونه ثلاث عشرة ساعة ، فجعل الحدّ الجنوبي وسط الإقليم الأول ، ثم الحدّ الشمالي وسط الإقليم السابع ، وسائر الأقاليم تتزايد نصف ساعة في النهار الأطول في أوساط الإقليم. وأما ما وراء الإقليم السابع منها ، فأرضون يعرض البرد في قيظها ، ويهلك من شتائها الذي هو أطول فصول السنة فيها ، فيقلّ قاطنوها ، وتنزر عقولهم ، حتى ربما اجتووا ببهيميّتهم مخالطة الناس ، كما يراها من وراء الإقليم السابع بسبعيتهم. فإذا قسمت المعمور بالأقاليم ، على هذه الجهة ، فصورتها تكون قريبا من الصورة التالية :

فالاقليم الأول : أوله حيث يكون الظلّ نصف النهار ، إذا استوى الليل والنهار قدما واحدة ونصفا وعشرا وسدس عشر قدم ، وآخره حيث يكون ظلّ الاستواء فيه نصف النهار قدمين وثلاثة أخماس قدم ، فهو من المشرق يبتدئ من أقصى بلاد الصين ويمرّ على ما يلي الجنوب من الصين ، وفيه جزيرة سرنديب ، وعلى سواحل البحر في جنوب بلاد السند ، ثم يقطع البحر إلى جزيرة العرب وأرض اليمن ، ويقطع بحر القلزم إلى بلاد الحبشة ، ويقطع نيل مصر وينتهي إلى بحر المغرب فوقع

٢٨

وسطه قريبا من أرض صنعاء وحضرموت ، ووقع طرفه الذي يلي الجنوب قريبا من أرض عدن ، ووقع طرفه الذي يلي الشمال بتهامة قريبا من مكّة ، ووقع فيه من المدن المعمورة مدينة ملك الصين ، وجنوب السند ، وجزيرة الكرك ، وجنوب الهند ، ومن اليمن : صنعاء وعدن وحضرموت ونجران وجرش وجيشان وصعدة وسبا وظفار ومهرة وعمان ، ومن بلاد المغرب : تبالة ، ومدينة صاحب الحبشة جرمى ، ومدينة النوبة دمقلة ، وجنوب البرابر ، وغانة من بلاد سودان المغرب إلى البحر الأخضر ، ويكون أطول نهار لهؤلاء الذين ذكرناهم ، اثنتي عشرة ساعة ونصفا في ابتدائه ، وفي وسطه ثلاث عشرة ساعة ، وفي آخره ثلاث عشرة ساعة وربع ، وطوله من المشرق إلى المغرب تسعة آلاف ميل وسبعمائة واثنان وسبعون ميلا وإحدى وأربعون دقيقة ، وعرضه أربعمائة ميل واثنان وأربعون ميلا واثنتان وعشرون دقيقة وأربعون ثانية ومساحته بها مكسّرا أربعة آلاف ألف وثلاثمائة وعشرون ألف ميل وثمانمائة وسبعة وسبعون ميلا وإحدى وعشرون دقيقة ، وهو إقليم زحل ، باتّفاق من الفرس والروم ، ويقال له بالفارسية « كيوان » وله من البروج ، الجدي والدّلو.

الإقليم الثاني : حيث يكون ظلّ الاستواء في أوله نصف النهار ، إذا استوى الليل والنهار ، قدمين وثلاثة أخماس قدم ، وآخره حيث يكون ظلّ الاستواء فيه نصف النهار ثلاثة أقدام ونصفا وعشر سدس قدم ، ويبتدئ في المشرق ، فيمرّ على بلاد الصين وبلاد الهند وعلى شماليها جبال قامرون وكنوج والسّند ويمرّ بملتقى البحر الأخضر ، وبحر البصرة ، ويقطع جزيرة العرب في أرض نجد وتهامة والبحرين ، ثم يقطع بحر القلزم ونيل مصر إلى أرض المغرب ، وفيه من المدن : مدن بلاد الصين ، والهند ، ومن السند المنصورة ، وبلاد التتر ، والدّيبل ويقطع البحر إلى أرض العرب ، إلى عمان ، فيقع في وسطه مدينة الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، يثرب ، ووقع في أقصاه الذي يلي الجنوب وراء مكّة قليلا ، ووقع في طرفه الأدنى الذي يلي الشمال بقرب الثّعلبية ، وكل واحد من مكة والثعلبية من إقليمين ، وكذلك كل ما كان في سمتهما ، ووقع في هذا الإقليم من مشهور المدن : مكة ، والمدينة ، وفيد ، والثعلبية ، واليمامة ، وهجر ، وتبالة ، والطائف ، وجدّة ، ومملكة الحبشة ، وأرض البجة ، ومن أرض النيل : قوص ، وأخميم ، وأنصنا ، وأسوان ، ومن المغرب : إفريقية ، وجبال من البربر إلى أرض المغرب ، ويكون أطول نهار هؤلاء في أول الإقليم ، ثلاث عشرة ساعة وربعا ، وآخره ثلاث عشرة ساعة وثلاثة أرباع الساعة ، وأوسطه ثلاث عشرة ساعة ونصف ، وطوله من المشرق إلى المغرب تسعة آلاف وثلاثمائة واثنا عشر ميلا واثنتان وأربعون دقيقة ، وعرضه أربعمائة ميل وميلان وإحدى وخمسون دقيقة ، ومساحته مكسرا ثلاثة آلاف ألف وستمائة ألف وتسعون ألف ميل وثلاثمائة وأربعون ميلا وأربع وخمسون دقيقة ، وهو للمشتري في قول الفرس ، وللشمس في قول الروم ، واسمه بالفارسية « هرمز » وله من البروج : القوس ، والحوت ، وكل ما كان على خطّه شرقا وغربا ، فهو داخل فيه.

الإقليم الثالث : أوله حيث يكون الظلّ نصف النهار إذا استوى الليل والنهار ثلاثة أقدام ونصفا وعشرا

٢٩

وسدس عشر قدم ، وآخره حيث يكون ظل الاستواء فيه نصف النهار أربعة أقدام ونصفا وثلث عشر قدم ، فيبلغ النهار في وسطه أربع عشرة ساعة ، وهو يبتدئ من المشرق ، فيمرّ على شمال بلاد الصين ، ثم الهند ، ثم السند ، ثم كابل ، وكرمان ، وسجستان ، وفارس ، والأهواز ، والعراقين ، والشام ، ومصر ، والاسكندرية ، وفيه من المدن بعد بلاد الصين في وسطه بالقرب من مدين في شقّ الشام ، واقصة في شقّ العراق ، وصارت الثعلبية وما كان في سمتها ، شرقا وغربا ، في طرفه الأقصى الذي يلي الجنوب ، وصارت مدينة السلام وفارس وقندهار والهند ، ومن أرض السند الملتان ، ونهاية ، وكرور ، وجبال الأفغانية ، وصور الشام ، وطبرية ، وبيروت ، في حدّه الأدنى الذي يلي الشمال ، وكذلك كل ما كان في سمت ذلك شرقا وغربا بين إقليمين ، ووقع في هذا الإقليم من المدن المعروفة : غزنة ، وكابل ، والرّخّج ، وجبال زبلستان ، وسجستان ، وأصفهان ، وبست ، وزرنج ، وكرمان ، ومن فارس : إصطخر ، وجور ، وفسا ، وسابور ، وشيراز ، وسيراف ، وجنّابة ، وسينيز ، ومهروبان ، وكور الأهواز كلها ، ومن العراق : البصرة ، وواسط ، والكوفة ، وبغداد ، والأنبار ، وهيت ، والجزيرة ، ومن الشام : حمص في بعض الروايات ، ودمشق ، وصور ، وعكا ، وطبرية ، وقيسارية ، وأرسوف ، والرملة ، والبيت المقدس ، وعسقلان ، وغزّة ، ومدين ، والقلزم ، ومن أرض مصر : فرما ، وتنّيس ، ودمياط ، والفسطاط ، والاسكندرية ، والفيوم ، ومن المغرب : برقة ، وإفريقية ، والقيروان ، وقبائل البربر في أرض الغرب ، وتاهرت ، والسوس ، وبلاد طنجة ، وينتهي إلى البحر المحيط. وأطول نهار هؤلاء ، في أول الإقليم ، ثلاث عشرة ساعة ونصف وربع ، وفي أوسطه أربع عشرة ساعة ، وفي آخره أربع عشرة ساعة وربع ، وطوله من المشرق إلى المغرب ثمانمائة ألف وسبعمائة وأربعة وسبعون ميلا وثلاث وعشرون دقيقة ، وعرضه ثلاثمائة وثمانية وأربعون ميلا وخمس وأربعون دقيقة ، وتكسيره مساحة ثلاثمائة ألف ألف وستة آلاف وأربعمائة وثمانية وخمسون ميلا وتسع وعشرون دقيقة. وهو في قول الفرس ، للمريخ ، وفي قول الروم ، لعطارد ، واسمه بالفارسية « بهرام ». وله من البروج : الحمل ، والعقرب ، وكل ما كان في سمت ذلك ، فهو داخل فيه. والله الموفق للصواب.

الإقليم الرابع : وهو حيث يكون الظلّ إذا استوى الليل والنهار في أذار نصف النهار أربعة أقدام وثلاثة أخماس قدم وثلث خمس قدم ، وآخره حيث يكون الظل نصف النهار في الاستواء خمسة أقدام وثلاثة أخماس قدم وثلث خمس قدم ، ويبتدئ من أرض الصين والتّبّت والختن ، وما بينهما من المدن ، ويمرّ على جبال كشمير ، وبلوّر ، وبرجان ، وبذخشان ، وكابل ، وغور ، وهراة ، وبلخ ، وطخارستان ، ومرو ، وقوهستان ، ونيسابور ، وقومس ، وجرجان ، وطبرستان ، والري ، وقمّ ، وقاشان ، وهمذان ، واذربيجان ، والموصل ، وحرّان ، وعزاز ، والثغور ، وجزيرة قبرس ، ورودس ، وصقلية ، إلى البحر المحيط على الزقاق بين الأندلس وبلاد المغرب ، فوقع طرف هذا الإقليم الأدنى الذي يلي العراق ، بالقرب من بغداد وما كان على سمتها شرقا وغربا ، ووقع طرفه الأدنى الذي يلي الشمال ، بالقرب من قاليقلا وساحل طبرستان إلى أردبيل وجرجان ، وما كان في هذا السّمت ،

٣٠

وفيه من مشاهير المدن غير ما ذكر : نصيبين ، ودارا ، والرّقّتان ، ورأس عين ، وسميساط ، والرهاء ، ومنبج ، وحلب ، وقنسرين ، وأنطاكية ، وحمص في رواية ، والمصّيصة ، وأذنة ، وطرسوس ، وسرّ من رأى ، وحلوان ، وشهر زور ، وماسبذان ، والدينور ، ونهاوند ، وأصفهان ، ومراغة ، وزنجان ، وقزوين ، والكرخ ، وسرخس ، وإصطخر ، وطوس ، ومرو الروذ ، وصيدا ، والكنيسة السوداء ، وعمّورية ، واللاذقية ، وأطول نهار هؤلاء في أول الإقليم ، أربع عشرة ساعة وربع ، وأوسطه أربع عشرة ساعة ونصف ، وآخره أربع عشرة ساعة ونصف وربع ، وطوله من المشرق إلى المغرب ثمانية آلاف ومائتان وأربعة عشر ميلا وأربع عشرة دقيقة ، وعرضه مائتان وتسعة وتسعون ميلا وأربع دقائق ، وتكسيره ألف ألف وأربعمائة ألف وثلاثة وسبعون ألفا واثنان وسبعون ميلا واثنتان وعشرون دقيقة ، وهو للشمس على رأي الفرس ، وللمشتري على رأي الروم ، واسمه بالفارسية « خرشاذ وله من البروج الأسد ، والله ولي الإعانة.

الإقليم الخامس : أوله حيث يكون الظلّ نصف النهار ، إذا استوى الليل والنهار ، خمسة أقدام وثلاثة أخماس قدم وسدس خمس قدم ، وأوسطه حيث يكون الظلّ نصف النهار ، إذا استوى الليل والنهار ، ستة أقدام ، وآخره حيث يكون الظلّ نصف النهار شرقا أو غربا ستة أقدام ونصف عشر وسدس عشر قدم ، والذي بين طرفيه عرضا نحوا من مائة وثلاثين ميلا في رواية. ويبتدئ من أرض الترك المشرقين ويأجوج المسدودين ، ويمرّ على أجناس الترك المعروفين بقبائلهم إلى كاشغر ، والإصيفون ، وزاشت ، وفرغانة ، وأسبيجاب ، وشاش ، وأشروسنة ، وسمرقند ، وبخارا ، وخوارزم ، وبحر الخزر ، إلى باب الأبواب ، وبرذعة ، وميافارقين ، وأرمينية ، ودروب الروم ، وبلادهم ، وعلى رومية الكبرى ، وأرض الجلالقة ، وبلاد الأندلس ، وينتهي إلى البحر المحيط ، ووقع في وسطه بالقرب من أرض تفليس من بلاد أرمينية ، ومن جرجان ، وكل ما كان في هذا السمت من البلدان شرقا وغربا ، ووقع طرفه الذي يلي الجنوب ، بالقرب من خلاط ، ودبيل ، وسميساط ، وملطية ، وعمورية ، وما كان في سمت هذا من البلدان شرقا وغربا ، ووقع طرفه الأقصى الذي يلي الشمال ، بالقرب من دبيل ، وفي سمته بلدان يأجوج ومأجوج ، وأطول نهار هؤلاء في أول الإقليم أربع عشرة ساعة ونصف وربع ، وفي أوسطه خمس عشرة ساعة ، وفي آخره خمس عشرة ساعة وربع ، وطول وسطه من المشرق إلى المغرب سبعة آلاف ميل وستمائة وسبعون ميلا وبضع عشرة دقيقة ، وعرضه مائتان وأربعة وخمسون ميلا وثلاثون دقيقة ، ومساحته مكسّرا ألف ألف وثمانية وأربعون ألفا وخمسمائة وأربعة وثمانون ميلا واثنتا عشرة دقيقة ، وهو للزهرة باتفاق من الفرس والروم ، واسمه بالفارسية أناهيد ، وله من البروج الثور والميزان.

الإقليم السادس : أوله حيث يكون الظل نصف النهار في الاستواء سبعة أقدام وستّة أعشار وسدس عشر قدم ، يفضل آخره على أوله بقدم واحد فقط ، يبتدئ من مساكن ترك المشرق ، من قاني وقون وخرخيز وكيماك والتغزغز وأرض التركمانية وفاراب وبلاد الخزر ، وشمال بحرهم واللان والسرير بين هذا البحر وبحر طرابزندة ، ويمرّ على القسطنطينية وأرض الفرنجة وشمال الأندلس ، حتى ينتهي إلى بحر

٣١

المغرب ، وعرض هذا الإقليم ، في بعض الروايات : نحو من مائتي ميل ونيف ، طرفه الأدنى الذي يلي الجنوب ، حيث وقع طرفه الأقصى الذي يلي الشمال ، فوقع بالقرب من أرض خوارزم ووراءها من طرابزندة الشاش ، مما يلي الترك ، ووقع وسطه بالقرب من القسطنطينية ، ومن آمل : خراسان ، وفرغانة ، وقد وقع في هذا الإقليم ، في رواية بعضهم ، كثير من المدن المذكورة في الإقليم الخامس وغيرها ، منها : سمرقند ، وباب الخزر ، والجيل ، وأطراف بلاد الأندلس التي تلي الشمال ، وأطراف بلاد الصقالبة التي تلي الجنوب ، وهرقلة ، وأطول نهار هؤلاء في أول الإقليم خمس عشرة ساعة ونصف ، وآخره خمس عشرة ساعة ونصف وربع ، وطول وسطه من المشرق إلى المغرب سبعة آلاف ميل ومائة وخمسة وسبعون ميلا وثلاث وستون دقيقة ، وعرضه مائتا ميل وخمسة عشر ميلا وتسع وثلاثون دقيقة ، وتكسيره ألف ألف ميل وستة وأربعون ألف ميل وسبعمائة وواحد وعشرون ميلا وكذا دقيقة ، وهو على رأي الفرس العطارد ، وعلى رأي الروم للقمر ، واسمه بالفارسية « تير » وله من البروج الجوزاء والسّنبلة.

الإقليم السابع : أوله حيث يكون النهار في الاستواء سبعة أقدام ونصفا وعشرا وسدس عشر قدم ، كما هو في الإقليم السادس ، لأن آخره أول هذا ، وآخره حيث يكون الظلّ نصف النهار في الاستواء ثمانية أقدام ونصفا ونصف عشر قدم ، وليس فيه كثير عمران ، إنما هو في المشرق غياض وجبال يأوي إليها فرق من الترك كالمستوحشين ، ويمرّ على جبال باشغرد ، وحدود البجناكية ، وبلدي سرار ، وبلغار ، والروس ، والصقالبة ، والبلغرية ، وينتهي إلى البحر المحيط ، وقليل من وراء هذا الإقليم من الأمم مثل أيسو ، وورانك ، ويورة ، وأمثالهم ، ووقع في طرفه الأدنى الذي يلي الجنوب ، حيث وقع الطرف الأقصى الشمالي من الإقليم الخامس ، وطرفه الأقصى في الإقليم السادس الذي يليه ، وذلك سمت خوارزم ، وطرابزندة شرقا وغربا ، ووقع في طرفه الأقصى الذي يلي الشمال ، في أقاصي أراضي الصقالبة شرقا وأطراف الترك الذين يلون خوارزم في الشمال ، ووقع في وسطه في اللان ، ولم يقع فيه مدن معروفة فتذكر ، وأطول نهار هؤلاء في أول الإقليم خمس عشرة ساعة ونصف وربع ساعة ، وأوسطه ست عشرة ساعة وآخره ست عشرة ساعة وربع ، وطول وسطه من المشرق إلى المغرب ستة آلاف ميل وسبعمائة وثمانون ميلا وأربع وخمسون دقيقة ، وعرضه مائة وخمسة وثمانون ميلا وعشرون دقيقة ، وتكسيره ألف ألف ميل ومائتا ألف ميل وأربعة وعشرون ألف ميل وثمانمائة وأربعة وعشرون ميلا وتسع وأربعون دقيقة ، وهو على رأي الفرس للقمر ، وعلى رأي الروم للمريخ ، واسمه بالفارسية ماه ، وله من البروج السرطان ، وآخر هذا الإقليم هو آخر العمارة ، ليس وراءه إلا قوم لا يعبأ بهم ، وهم في ضيق العيش وقلّة الرياضة بالوحش أشبه ، والله الموفق للصواب.

ذكر ما لكل واحد من البروج الاثني عشر من البلدان

أما الحمل : فله بابل ، وفارس ، وأذربيجان ، واللان ، وفلسطين.

٣٢

الثور : له الماهان ، وهمذان ، والأكراد الجبليون ، ومدين ، وجزيرة قبرس ، والاسكندرية ، والقسطنطينية ، وعمان ، والري ، وفرغانة ، وله شركة في هراة وسجستان.

الجوزاء : له جرجان ، وجيلان ، وأرمينية ، وموقان ، ومصر ، وبرقة ، وبرجبان ، وله شركة في أصفهان وكرمان.

السرطان : له أرمينية الصغرى ، وشرقي خراسان ، وبعض إفريقية ، وهجر ، والبحرين ، والديبل ، ومرو الروذ وله شركة في أذربيجان وبلخ.

الأسد : له الترك إلى يأجوج ، ونهاية العمران التي تليها ، وعسقلان ، والبيت المقدس ، ونصيبين ، وملطية ، وميسان ، ومكران ، والديلم ، وايرانشهر ، وطوس ، والصعيد ، وترمذ.

السنبلة : له الأندلس ، وجزيرة أقريطش ، ودار مملكة الحبشة ، والجرامقة ، والشام ، والفرات ،

والجزيرة ، وديار بكر ، وصنعاء ، والكوفة وما بين كرمان من بلاد فارس ، وسجستان ، إلى تخوم السند.

الميزان : له الروم وما بين تخومها الى إفريقية ، وسجستان ، وكابل ، وقشمير ، وصعيد مصر ، إلى تخوم الحبشة ، وبلخ ، وهراة ، وانطاكية ، وطرطوس ، ومكة ، والطالقان ، وطخارستان ، والصين.

٣

٣٣

العقوب : له الحجاز ، والمدينة ، وبادية العرب ونواحيها إلى اليمن ، وقومس ، والري ، وطنجة ، والخزر ، وآمل ، وسارية ، ونهاوند ، والنهروان ، وله شركة في الصغد.

القوس : له الجبال ، والدينور ، وأصفهان ، وبغداد ، ودنباوند ، وباب الأبواب ، وجندي سابور ، وله شركة في بخارا ، وجرجان ، وشواطئ بحر أرمينية وبربر إلى المغرب.

الجدي : له مكران ، والسند ، ونهر مهران ، ووسط بحر عمان إلى الهند ، والصين ، وشرقي أرض الروم ، والأهواز ، وإصطخر.

الدلو : له السواد إلى ناحية الجيل ، والكوفة وناحيتها ، وظهر الحجاز ، وأرض القبض من مصر ، وغربي أرض السند ، وله شركة في فارس.

الحوت : له طبرستان ، وناحية الشمال من أرض جرجان ، وبخارا وسمرقند وقاليقلا إلى الشام ، والجزيرة ، ومصر ، والاسكندرية ، وبحر اليمن ، وشرقي أرض الهند ، وله شركة في الروم.

هكذا وجدت هذا في بعض الأزياج ، وفيه تكرار باختلاف اللفظ في عدّة مواضع ، نحو قوله :

بابل والعراق والسواد وبغداد والنهروان والكوفة ، كل هذا من السواد ، وكل هذا من أرض بابل ، وكل هذا من العراق وبغداد والنهروان والكوفة فمضمومة إلى ذلك. وفيما تقدّم أمثال لهذا ، والله أعلم بحقيقة ذلك ، وفي الصورة السابقة رسم بسيط الأرض ، وهيئة البيت الحرام ، واستقبال الناس إياه من جميع جهات الأرض على وجه التقريب ، وفيه نظر.

٣٤

الباب الثالث

في تفسير الألفاظ التي يتكرر ذكرها في هذا الكتاب

فإن فسرناها في كل موضع تجيء فيه أطلنا ، وإن ذكرناها في موضع دون الآخر بخسنا أحدهما حقّه ، ويبهم على المستفيد موضعها ، وإن ألقيناها جملة أحوجنا الناظر في هذا الكتاب إلى غيره ، فجئنا بها هاهنا مفسرة ، مبيّنة ، مسهّلا على الطالب أمرها ، وهي البريد ، والفرسخ ، والميل ، والكورة ، والإقليم ، والمخلاف ، والاستان ، والطسوج ، والجند ، والسكة ، والمصر ، وأباذ ، والطول ، والعرض ، والدرجة ، والدقيقة ، والصلح ، والسلم ، والعنوة ، والخراج ، والفيء ، والغنيمة ، والقطيعة.

فأما البريد : ففيه خلاف ، وذهب قوم إلى أنه بالبادية اثنا عشر ميلا ، وبالشام وخراسان ستة أميال. وقال أبو منصور : البريد الرسول ، وإبراده إرساله. وقال بعض العرب : الحمّى بريد الموت أي انها رسول الموت تنذر به ، والسّفر ، الذي يجوز فيه قصر الصلاة ، أربعة برد ، ثمانية وأربعون ميلا بالأميال الهاشمية التي في طريق مكة ، وقيل لدابّة البريد بريد ، لسيرها في البريد ، قال الشاعر :

واني أنصّ العيس ، حتى كأنني ،

عليها بأجواز الفلاة ، بريد

وقال ابن الأعرابي : كلّ ما بين المنزلين بريد. وحكى بعضهم ما خالف به من تقدّم ذكره ، فقال : من بغداد إلى مكة مائتان وخمسة وسبعون فرسخا وميلان ، ويكون أميالا ثمانمائة وسبعة وعشرين ميلا. وهذه عدّة ثمانية وخمسين بريدا وأربعة أميال. ومن البريد عشرون ميلا. هذه حكاية قوله.

والله أعلم. وخبّرني بعض من لا يوثق به ، لكنه صحيح النظر والقياس ، أنه إنما سمّيت خيل البريد بهذا الاسم ، لأن بعض ملوك الفرس اعتاق عنه رسل بعض جهات مملكته ، فلما جاءته الرسل سألها عن سبب بطئها ، فشكوا من مرّوا به من الولاة ، وأنهم لم يحسنوا معونتهم. فأحضرهم الملك وأراد عقوبتهم ، فاحتجوا بأنهم لم يعلموا أنهم رسل الملك ، فأمر أن تكون أذناب خيل الرسل وأعرافها مقطوعة لتكون علامة لمن يمرون به ، ليزيحوا عللهم في سيرهم فقيل : بريد أي قطع ، فعرّب فقيل خيل البريد. والله أعلم.

وأما الفرسخ : فقد اختلف فيه أيضا. فقال قوم : هو فارسيّ معرّب وأصله فرسنك. وقال

٣٥

اللغويون : الفرسخ عربيّ محض. يقال : انتظرتك فرسخا من النهار أي طويلا. وقال الأزهري : أرى ان الفرسخ أخذ من هذا. وروى ثعلب عن ابن الأعرابي قال : سمي الفرسخ فرسخا ، لأنه إذا مشى صاحبه استراح وجلس. قلت : كذا. قال : وهذا كلام لا معنى له. والله أعلم. وقد روي في حديث حذيفة : ما بينكم وبين أن يصبّ عليكم الشّرّ فراسخ ، إلا موت رجل ، فلو قيل قد مات صبّ عليكم الشرّ فراسخ. قال ابن شميل في تفسيره : وكل شيء دائم كثير فرسخ. قلت : أنا أرى ان الفرسخ من هذا أخذ ، لأن الماشي يستطيله ويستديمه. ويجوز في رأيي أن يكون تأويل حديث حذيفة أنه يصبّ عليكم الشّرّ طويلا بطول الفراسخ ، ولم يرد به نفس الطول ، وانما يراد به مقدار طول الفرسخ الذي هو علم لهذه المسافة المحدودة. والله أعلم. وقالت الكلابية : فراسخ الليل والنهار ساعاتهما وأوقاتهما ، ولعلّه من الأول ، وان كان هذ هو الأصل ، فالفرسخ مشتقّ منه كأنه يراد سير ساعة أو ساعات ، هذا إن كان عربيّا. وأما حدّه ومعناه ، فلا بدّ من بسط يتحقق به معناه ومعنى الميل معا. قالت الحكماء : استدارة الأرض في موضع خطّ الاستواء ثلاثمائة وستون درجة ، والدرجة خمسة وعشرون فرسخا ، والفرسخ ثلاثة أميال ، والميل أربعة آلاف ذراع. فالفرسخ اثنا عشر ألف ذراع ، والذراع أربع وعشرون إصبعا ، والإصبع ست حبّات شعير مصفوفة بطون بعضها إلى بعض. وقيل : الفرسخ اثنا عشر ألف ذراع بالذراع المرسلة ، تكون بذراع المساحة ، وهي الذراع الهاشمية ، وهي ذراع وربع بالمرسل تسعة آلاف ذراع وستمائة ذراع. وقال قوم : الفرسخ سبعة آلاف خطوة ، ولم أر لهم خلافا في أن الفرسخ ثلاثة أميال.

وأما الميل : فقال بطليموس في المجسطي : الميل ثلاثة آلاف ذراع بذراع الملك ، والذراع ثلاثة أشبار ، والشبر ست وثلاثون إصبعا ، والإصبع خمس شعيرات مضمومات بطون بعضها إلى بعض. قال : والميل جزء من ثلاثة أجزاء من الفرسخ. وقيل : الميل ألفا خطوة وثلاثمائة وثلاث وثلاثون خطوة. وأما أهل اللغة فالميل عندهم مدى البصر ومنتهاه.

قال ابن السّكيّت : وقيل للاعلام المبنية في طريق مكة أميال ، لأنها بنيت على مقادير مدى البصر من الميل إلى الميل ، ولا نعني بمدى البصر كل مرئيّ فإنّا نرى الجبل من مسيرة أيام ، إنما نعني أن ينظر الصحيح البصر ما مقداره ميل ، وهي بنية ارتفاعها عشر أذرع أو قريبا من ذلك ، وغلظها مناسب لطولها ، وهذا عندي أحسن ما قيل فيه.

وأما الإقليم : فقد تقدّم من القول فيه اشتقاقا واحدا واختلافا في الباب الثاني ما أغنانا عن اعادة ذكره ، وإنما ترجمناه ههنا لأنه حريّ بان يكون فيه ، فلما تقدّم ما تقدّم من أمره دللنا على موضعه ليطلب.

وأما الكورة : فقد ذكر حمزة الأصفهاني : الكورة اسم فارسيّ بحت ، يقع على قسم من أقسام الاستان ، وقد استعارتها العرب وجعلتها اهما للاستان ، كما استعارت الإقليم من اليونانيين فجعلته اسما للكشخر ، فالكورة والاستان واحد. قلت أنا : الكورة كل صقع يشتمل على عدّة قرى ،

٣٦

ولا بدّ لتلك القرى من قصبة أو مدينة أو نهر يجمع اسمها ذلك اسم الكورة كقولهم : دارا بجرد ، مدينة بفارس لها عمل واسع يسمى ذلك العمل بجملته كورة دارا بجرد ، ونحو نهر الملك ، فإنه نهر عظيم مخرجه من الفرات ويصبّ في دجلة ، عليه نحو ثلاثمائة قرية. ويقال لذلك جميعه نهر الملك ، وكذلك ما أشبه ذلك.

وأما المخلاف : فأكثر ما يقع في كلام أهل اليمن. وقد يقع في كلام غيرهم على جهة التّبع لهم والانتقال لهم ، وهو واحد مخاليف اليمن ، وهي كورها. ولكل مخلاف منها اسم يعرف به ، وهو قبيلة من قبائل اليمن أقامت به وعمّرته فغلب عليه اسمها. وفي حديث معاذ : من تحوّل من مخلاف إلى مخلاف فعشره وصدقته إلى مخلاف عشيرته الأول ، إذا حال عليه الحول. وقال أبو عمرو : يقال استعمل فلان على مخاليف الطائف وعلى الأطراف والنواحي. وقال خالد بن جنبة : في كل بلد مخلاف ، بمكّة مخلاف ، والمدينة ، والبصرة ، والكوفة.

قلت وهذا كما ذكرنا بالعادة والألف ، إذا انتقل اليماني إلى هذه النواحي سمّى الكورة بما ألفه من لغة قومه ، وفي الحقيقة إنما هي لغة أهل اليمن خاصّة. وقال بعضهم : مخلاف البلد سلطانه.

وحكي عن بعض العرب ، قال : كنّا نلقى بني نمير ونحن في مخلاف المدينة وهم في مخلاف اليمامة. وقال أبو معاذ : المخلاف البنكرد ، وهو أن يكون لكل قوم صدقة على حدة ، فذاك بنكرده يؤدّى إلى عشيرته التي كان يؤدّى إليها. وفي كتاب العين يقال فلان من مخلاف كذا وكذا ، وهو عند أهل اليمن كالرستاق ، والجمع مخاليف. قلت هذا الذي بلغني فيه ، ولم أسمع في اشتقاقه شيئا ، وعندي فيه ما اذكره ، وهو أن ولد قحطان لما اتخذوا أرض اليمن مسكنا وكثروا فيها لم يسعهم المقام في موضع واحد ، فجمعوا رأيهم على أن يسيروا في نواحي اليمن ليختار كل بني أب موضعا يعمرونه ويسكنونه. وكانوا إذا ساروا إلى ناحية واختارها بعضهم تخلّف بها عن سائر القبائل وسمّاها باسم أبي تلك القبيلة المتخلّفة فيها ، فسمّوها مخلافا لتخلّف بعضهم عن بعض فيها ، ألا تراهم سمّوها مخلاف زبيد ، ومخلاف سنحان ، ومخلاف همدان ، لا بدّ من إضافته إلى قبيلة. والله أعلم.

وأما الاستان : فقد ذكرنا عن حمزة أنه قال : إن الأستان والكورة واحد. ثم قال : شهرستان وطبرستان وخوزستان مأخوذ من الأستان ، فخفف بحذف الألف. ومثال ذلك أن رقعة فارس خمسة أساتين ، أحدها استان دارا بجرد ، ثم ينقسم الأستان إلى الرساتيق ، وينقسم الرستاق إلى الطساسيج ، وينقسم كل طسّوج إلى عدة من القرى ، مثال ذلك : إصطخر استان من أساتين فارس ، ويزد رستاق من رساتيق إصطخر ، ونائين وقرى معها طسوج من طساسيج رستاق يزد ، ونياستانه قرية من قرى طسوج نائين. وزعم مؤيّد الري أن معنى الأستان المأوى ، ومنه يقال : وهما إستان كرفت إذا أصاب موضعا يأوي اليه.

وأما الرستاق : فهو فيما ذكره حمزة بن الحسن مشتقّ من روذه فستا. وروذه اسم

٣٧

للسّطر والصّفّ والسّماط ، وفستا اسم للحال ، والمعنى أنه على التسطير والنظام ، قلت : الذي عرفناه وشاهدناه في زماننا في بلاد الفرس أنهم يعنون بالرستاق كل موضع فيه مزارع وقرىّ ولا يقال ذلك للمدن كالبصرة وبغداد ، فهو عند الفرس بمنزلة السواد عند أهل بغداد ، وهو أخصّ من الكورة والأستان.

وأما الطسوج : بوزن سبّوح وقدّوس ، فهو أخصّ وأقلّ من الكورة والرستاق والأستان ، كأنه جزء من أجزاء الكورة. كما أنّ الطّسّوج جزء من أربعة وعشرين جزءا من الدينار ، لأن الكورة قد تشتمل على عدّة طساسيج ، وهي لفظة فارسية أصلها تسو ، فعرّبت بقلب التاء طاء وزيادة الجيم في آخرها ، وزيد في تعريبها بجمعها على طساسيج. وأكثر ما تستعمل هذه اللفظة في سواد العراق ، وقد قسّموا سواد العراق على ستين طسّوّجا ، أضيف كل طسوج إلى اسم. وقد ذكرت في مواضعها من كتابنا بإسقاط طسوج.

وأما الجند : فيجيء في قولهم : جند قنسّرين ، وجند فلسطين ، وجند حمص ، وجند دمشق ، وجند الأردنّ ، فهي خمسة أجناد ، وكلّها بالشام. ولم يبلغني أنهم استعملوا ذلك في غير أرض الشام ، قال الفرزدق :

فقلت : ما هو إلا الشام تركبه ،

كأنما الموت ، في أجناده ، البغر

قال أحمد بن يحيى بن جابر : اختلفوا في الأجناد ، فقيل سمّى المسلمون كل واحد من أجناد الشام جندا ، لأنه جمع كورا ، والتجنّد على هذا التجمّع ، وجنّدت جندا أي جمعت جمعا. وقيل : سمّى المسلمون لكل صقع جندا بجند عيّنوا له يقبضون أعطياتهم فيه منه ، فكانوا يقولون : هؤلاء جند كذا حتى غلب عليهم وعلى الناحية.

وأما أباذ : فيكثر مجيئه في أسماء بلدان وقرى ورساتيق في هذا الكتاب ، كقولهم : أسد أباذ ، ورستماباذ ، وحصناباذ ، فأسد اسم رجل ، وأباذ اسم العمارة بالفارسية ، فمعناه عمارة أسد. وكذلك كل ما يجيء في معناه ، وهو كثير جدّا.

وأما السكة : فهي الطريق المسكوكة التي تمرّ فيها القوافل من بلد إلى آخر. فإذا قيل في الكتب : من بلد كذا إلى بلد كذا كذا سكّة ، فإنما يعنون الطريق. مثال ذلك أن يقال : من بغداد إلى الموصل خمس سكك ، يعنون أن القاصد من بغداد إلى الموصل يمكنه أن يأتيها من خمس طرق. وحكي عن بعضهم أن قولهم سكك البريد ، يريدون منازل البريد في كل يوم ، والأول أظهر وأصحّ. والله أعلم.

وأما المصر : فيجيء في قولهم : مصّرت مدينة كذا في زمن كذا ، وفي قولهم مدينة كذا مصر من الأمصار. والمصر في الأصل : الحدّ بين الشيئين ، وأهل هجر يكتبون في شروطهم : اشترى

٣٨

فلان من فلان هذه الدار بمصورها أي بحدودها. قال عديّ بن زيد :

وجاعل الشّمس مصرا ، لا خفاء لها ،

بين النهار وبين الليل ، قد فصلا

وأما الطول : فيجيء في قولنا عرض البلد كذا وطوله كذا ، وهو من ألفاظ المنجّمين. فسّروه فقالوا : معنى قولنا طوله أي بعده عن أقصى العمارة ، سوي آخذه في معدّل النهار أو في خطّ الاستواء الموازي لهما ، وذلك لتشابه بينهما يقيم أحدهما مقام الآخر ، ولأن ما يستعمل من هذه الصناعة إنما هو مستنبط من آراء اليونانيين وهم ابتدأوا العمارة من أقرب نهاية العمارة إليهم وهي الغربية.

فطول البلد ، على ذا ، هو بعده عن المغرب ، إلا أن في هذه النهاية بينهم اختلافا ، فإن بعضهم يبتدئ بالطول من ساحل بحر أوقيانوس الغربي ، وهو البحر المحيط ، وبعضهم يبتدئ به من سمت الجزائر الواغلة في البحر المحيط قريبا من مائتي فرسخ ، تسمى جزائر السعادات ، والجزائر الخالدات ، وهي بحيال بلاد المغرب.

ولهذا ربما يوجد للبلد الواحد في الكتب نوعان من الطول بينهما عشر درج ، فيحتاج في تمييز ذلك إلى فطنة ودربة. هذا كله من أبي الريحان.

وأما العوض : فان عرض البلد مقابل لطوله الذي ذكر قبل. ومعناه عند المنجمين هو بعده الأقصى عن خطّ الاستواء نحو الشمال ، لأن البلد والعمارة في هذه الناحية ، وتحاذيه من السماء قوس عظيمة شبيهة به واقفة بين سمت الرأس وبين معدّل النهار ، ويساويه ارتفاع القطب الشمالي. فلذلك يعبّر عنه به ، وانحطاط القطب الجنوبي وإن ساواه أيضا فإنه خفيّ لا يشعر به. وهذا كلام صاحب التفهيم.

وأما الدرجة والدقيقة : فهي أيضا من نصيب المنجمين يجيء ذكرها في هذا الكتاب في تحديد الطول والعرض. قالوا : الدرجة قدر ما تقطعه الشمس في يوم وليلة من الفلك ، وفي مساحة الأرض خمسة وعشرون فرسخا. وتنقسم الدرجة إلى ستين دقيقة ، والدقيقة إلى ستين ثانية ، والثانية إلى ستين ثالثة ، وترقى كذلك.

وأما الصلح : فيجيء في قولنا : فتح بلد كذا صلحا أو عنوة ، ومعنى الصلح من الصلاح وهو ضدّ الفساد ، والصلح في هذه المواضع ضدّ الخلف ، ومعناه ان المسلمين كانوا إذا نزلوا على حصن أو مدينة خافهم أهله فخرجوا إلى المسلمين وبذلوا لهم عن ناحيتهم مالا ، أو خراجا ، أو وظيفة يوظّفونها عليهم ويؤدّونها في كل عام على رؤوسهم وأرضهم ، أو مالا يعجّلونه لهم ، أي انها لم تفتح عن غلبة. كما كانت العنوة بمعنى الغلبة.

وأما السلم : في قوله تعالى : (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) ، فقالوا : أعني به الإسلام وشرائعه. والسلم الصلح. والسّلم ، بالتحريك ، الاستسلام وإلقاء المقادة إلى إرادة المسلمين ، فكأنه والصلح

٣٩

متقاربان. وعندي انه من السلامة ، أي إنه إذا اتفق الفريقان واصطلحا ، سلم بعضهم من بعض ، والله أعلم.

وأما العنوة : فيجيء في قولنا : فتح بلد كذا عنوة ، وهو ضدّ الصلح ، قالوا : العنوة أخذ الشيء بالغلبة. قالوا : وقد يكون عن تسليم وطاعة مما يؤخذ منه الشيء. وأنشد الفرّاء :

فما أخذوها عنوة ، من مودّة ،

ولكن بحدّ المشرفيّ استقالها

قالوا : وهذا على معنى التسليم والطاعة بلا قتال. قلت : وهذا تأويل في هذا البيت على أن العنوة بمعنى الطاعة ، ويمكن أن يؤوّل تأويلا يخرجه عن أن يكون بمعنى الغصب والغلبة ، فيقال إن معناه : فما أخذوها غلبة وهناك مودّة ، بل القتال أخذها عنوة ، كما تقول : ما أساء إليك زيد عن محبّة ، أي بغضة ، كما تقول : ما صدر هذا الفعل عن قلب صاف وهناك قلب صاف أي كدر ، ويكون قريبا في المعنى من قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ (وَالنَّصارى) نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ). ويصلح أن يجعل قوله أخذوها دليلا على الغلبة والقهر ، ولولا ذلك لقال : فما سلّموها ، فإن قائلا لو قال : أخذ الأمير حصن كذا ، لسبق الوهم ، وكان مفهومه أنه أخذه قهرا. ولو قال : إن أهل حصن كذا سلّموه ، لكان مفهومه أنهم أذعنوا به عن إرادة واختيار ، وهذا ظاهر. والإجماع أن العنوة الغلبة ، ومنه العاني وهو الأسير. يقال أخذته عنوة أي قسرا وقهرا ، وفتحت هذه المدينة عنوة أي بالقتال : قوتل أهلها حتى غلبوا عليها أو عجزوا عن حفظها فتركوها وجلوا من غير أن يجري بينهم وبين المسلمين فيها عقد صلح

وأما الخراج : فإن الخراج والخرج بمعنى واحد ، وهو أن يؤدّي العبد إليك خراجه أي غلّته. والرعية تؤدّي الخراج إلى الولاة ، وأصله من قوله تعالى : (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً) ، وقرئ خراجا ، معناه أم تسألهم أجرا على ما جئت به ، فأجر ربّك وثوابه خير. وأما الخراج الذي وظّفه عمر بن الخطّاب ، رضي الله عنه ، على السواد ، فأراضي الفيء ، فإن معناه الغلّة ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : الخراج بالضمان ، قالوا : هو غلّة العبد يشتريه الرجل فيستغلّه زمانا ، ثم يعثر منه على عيب دلّسه البائع ولم يطلعه عليه ، فله ردّ العبد على البائع والرجوع عليه بجميع الثمن ، والغلّة التي استغلّها المشتري من العبد طيّبة له ، لأنّه كان في ضمانه ولو هلك هلك من ماله ، وكان عمر ، رضي الله عنه ، أمر بمسح السواد ودفعه إلى الفلّاحين الذين كانوا فيه على غلّة كل سنة ، ولذلك سمّي خراجا ، ثم بعد ذلك قيل للبلاد التي فتحت صلحا ووظّف ما صولحوا عليه على أرضهم ، خراجية ، لأن تلك الوظيفة أشبهت الخراج الذي لزم الفلاحين ، وهو الغلّة ، لأن جملة معنى الخراج الغلّة ، وفي الحديث أن أبا طيبة لما حجم النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أمر له بصاعين من طعام وكلّم أهله ، فوضعوا عنه من خراجه

أي من غلّته.

وأما الفيء والغنيمة : فإن أصل الفيء في اللغة الرجوع ، ومنه الفيء ، وهو عقيب الظلّ الذي

٤٠