معجم النّحو

عبد الغني الدقر

معجم النّحو

المؤلف:

عبد الغني الدقر


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٣٩

(الثاني عشرة) أن يكون موازنا ل «افعنلى» بفتح العين وسكون النون ك «احرنبى» الديك ، إذا انتفش للقتال.

٣ ـ حكمه :

حكم الّلازم أن يتعدّى بالجارّ ، ويختلف الجارّ باختلاف المعنى ك «عجبت منه» و «مررت به» و «غضبت عليه».

وقد يحذف الجارّ فيتعدّى الفعل بنفسه ، وينصب المجرور ، وهو ثلاثة أقسام :

(أحدها) سماعي جائز في الكلام المنثور نحو «نصحته وشكرته وكلته ووزنته» والأكثر ذكر الّلام الجارّة نحو (وَنَصَحْتُ لَكُمْ)(١)(أَنِ اشْكُرْ لِي)(٢).

(الثّاني) سماعي خاصّ بضرورة الشعر كقول ساعدة بن جؤيّة :

لدن بهزّ الكفّ يعسل متنه

فيه كما عسل الطّريق الثّعلب (٣)

قوله «كما عسل الطريق» أي في الطريق.

ومثله قول المتلمّس جرير بن عبد المسيح :

آليت حبّ العراق الدّهر أطعمه

والحبّ يأكله في القرية السّوس (٤)

أي آليت على حب العراق.

(الثالث) قياسي وذلك في «أنّ وأن وكي» نحو (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ)(٥) أي بأنّه لا إله إلّا هو (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ)(٦) أي من أن جاءكم (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً)(٧) أي لكيلا إذا قدرت «كي» مصدريّة.

لكن ـ

(١) تكون حرف عطف بثلاثة شروط : إفراد معطوفها ، وأن تسبق «بنفي» أو «نهي» ، وألّا تقترن ب «الواو»

__________________

(١) الآية «٧٨» الأعراف (٧).

(٢) الآية «١٤» لقمان (٣١).

(٣) «لدن» ناعم لين «يعسل متنه» من العسلان وهو اهتزاز الرمح «كما عسل» الكاف للتشبيه و «ما» مصدرية أي كعسلان الثعلب في الطريق.

(٤) آليت : حلفت ، والمعنى : حلفت على حب العراق أني لا أطعمه الدهر ، مع أن الحب متيسر يأكله السوس ، وقوله «أطعمه» أي لا أطعمه.

(٥) الآية «١٨» آل عمران (٣).

(٦) الآية «٦٢» الأعراف (٧).

(٧) الآية «٧» الحشر (٥٩).

٣٠١

نحو «ما أكلت لحما لكن ثريدا» ونحو «لا يقم خالد لكن أحمد».

(٢) وقد تكون «لكن» حرف ابتداء لمجرد إفادة الاستدراك ، وذلك إن تلتها «جملة» كقول زهير بن أبي سلمى

إنّ ابن ورقاء لا تخشى بوادره

لكن وقائعه في الحرب تنتظر

أو تلت «واوا» نحو (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ)(١) أي ولكن كان رسول الله.

أو سبقت «بإيجاب» نحو «قام عليّ لكن محمّد لم يقم».

لكنّ ـ معناها الاستدراك (٢) وهي من أخوات «إنّ» وأحكامها كأحكامها وإذا خفّفت تهمل وجوبا وتهمل أيضا إذا اتّصلت بها «ما» الزائدة وهي الكافّة نحو قول امرئ القيس :

ولكنّما أسعى لمجد مؤثّل

وقد يدرك المجد المؤثّل أمثالي

(ـ إنّ وأخواتها).

الّلام ـ كثيرة المعاني والأقسام ، وترجع إلى قسمين : عاملة ، وغير عاملة.

والعاملة قسمان : جارّة ، وجازمة.

وغير العاملة ثمانية : لام الابتداء ، ولام البعد ، ولام التّعجّب ، ولام الجواب ، ولام زائدة ، ولام فارقة ، ولام مزحلقة ، ولام موطّئة للقسم ، وسيأتيك تفصيلها على ترتيب حروفها.

لام الأمر ـ هي الّلام الجازمة للمضارع وموضوعة للطلب ، وحركتها الكسر (٣) ، نحو (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ)(٤) وإسكانها بعد الفاء والواو أكثر من تحريكها نحو (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي)(٥) وقد تسكّن بعد «ثمّ» نحو (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ)(٦).

والفعل المبنيّ للمجهول ، لا طريق

__________________

(١) الآية «٤٠» الأحزاب (٣٣).

(٢) الاستدراك : تعقيب الكلام بنفي ما يتوهم ثبوته أو بإثبات ما يتوهم نفيه ، فمثال الأول : قولك «علي شجاع لكنه بخيل» دفعت ب «لكن» توهم أنه كريم لملازمة الكرم للشجاعة.

(٣) وسليم تفتحها وهي قبيلة عربية مشهورة.

(٤) الآية «٧» الطلاق (٦٥).

(٥) الآية «١٨٦» البقرة (٢).

(٦) الآية «٢٩» الحج (٢٢) ، والتفث : التنظيف من الوسخ. وفي التفسير : أنه أخذ من الشارب والأظفار ... الخ.

٣٠٢

للأمر فيه ، إلّا بالّلام ، سواء أكان للمتكلّم نحو «لأعن بحاجتك» أم للمخاطب نحو «لتعن بحاجتي» أم للغائب نحو «ليعن زيد بالأمر».

وجزمها المضارع المبدوء بالهمزة أو المبدوء بالنون قليل كالحديث «قوموا فلأصلّ لكم» وقوله تعالى (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ)(١) ، وأقلّ منه جزمها فعل الفاعل المخاطب نحو (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا)(٢) في قراءة ، وفي الحديث «لتأخذوا مصافّكم» والأكثر الاستغناء عن هذا بفعل الأمر ، نحو «افرحوا» و «خذوا» لأنّ أمر المخاطب أكثر فاختصار الصيغة فيه أولى.

لام الابتداء ـ هي الّلام التي تفيد توكيد مضمون الجملة ، وتخليص المضارع للحال ، ولا تدخل إلّا على الاسم نحو (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً)(٣) والفعل المضارع نحو قولك «ليحبّ الله المحسنين» (٤) وتدخل على الفعل الذي لا يتصرّف نحو (لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)(٥).

ومن لام الابتداء الّلام المزحلقة (ـ الّلام المزحلقة).

لام البعد ـ يزاد قبل كاف الخطاب في اسم الإشارة «لام» هي لام البعد مبالغة في الدّلالة على البعد.

ولا تلحق من أسماء الإشارة : المثنى ، ولا «أولئك» للجمع ، في لغة من مدّه (٦) ، ولا فيما سبقته «ها» التنبيهية ، والأصل في الّلام السكون كما في «تلك» ، وكسرت في «ذلك» لالتقاء السّاكنين.

__________________

(١) الآية «١٢» العنكبوت (٢٩).

(٢) الآية «٥٨» يونس (١٠) ، والقراءة المشهورة : فليفرحوا بالياء.

(٣) الآية «١٣» الحشر (٥٩).

(٤) مثل له ابن مالك.

(٥) الآية «٦٥» المائدة (٥).

(٦) أما من قصر أداة الجمع فقال «اولا» نمدل «أولاء» وهم قيس وربيعة وأسد فإنهم يأتون باللام قال شاعرهم :

أو لا لك قومي لم يكونوا أشابة

وهل يعظ الضليل إلا أو لا لكا

فأداة الجمع في أول البيت وآخره «أولا» وأدخل عليها لام البعد وكاف الخطاب ، ومعنى الأشابة : أخلاط الناس وجمعها أشائب وبنو تميم ـ وهم ممن يقصرون ـ لا يأتون باللام مطلقا.

٣٠٣

لام التّعجّب ـ هي لام التعجّب غير الجارّة نحو «لظرف نعيمان» و «لكرم حاتم» بمعنى ما أظرفه وما أكرمه ولعلّ هذه الّلام هي لام الابتداء دخلت على الماضي لشبهه بالاسم لجموده.

الّلام الجارّة ـ وتجرّ الظاهر والمضمر ، وهي مكسورة مع كلّ ظاهر ، إلّا مع المستغاث المباشر ل «يا» نحو «يا لله» ، وأمّا مع المضمر فتفتح أيضا إذا كان للمخاطب أو للغائب وإذا كان مع ياء المتكلم فتكسر للمناسبة.

ولهذه الّلام نحو من ثلاثين معنى (١) وهاك بعضها :

(١) الملك ، نحو (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ)(٢).

(٢) شبه الملك ، ويعبّر عنه بالاختصاص نحو «السّرج للفرس».

«ما أحبّ محمّدا لبكر».

(٤) التعليل نحو :

وإنّي لتعروني لذكراك هزّة

كما انتفض العصفور بلّله القطر

(٥) الزّائدة ، وهي لمجرّد التّوكيد كقول ابن ميّادة :

وملكت ما بين العراق ويثرب

ملكا أجار لمسلم ومعاهد

(٦) تقوية العامل الذي ضعف ، إمّا بكونه فرعا في العمل نحو (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ)(٣) ، (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ)(٤) وإمّا بتأخّر العامل عن المعمول نحو (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ)(٥).

(٧) لانتهاء الغاية نحو (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى)(٦).

(٨) القسم نحو «لله لا يؤخّر الأجل» أي تالله.

(٩) التّعجّب نحو «لله درّك» و «لله أنت».

(١٠) الصيرورة ، وتسمى لام العاقبة نحو :

لدوا للموت وابنوا للخراب

فكلّكم يصير إلى الذّهاب

__________________

(١) ومن أراد استقصاءها فليرجع إلى كتاب «الجنى الداني» ففيه ثلاثون معنى وفي «مغني اللبيب» عشرون.

(٢) الآية «٢٨٤» البقرة (٢).

(٣) الآية «٤١» البقرة (٢).

(٤) الآية «١٠٨» هود (١١).

(٥) الآية «٤٣» يوسف (١٢).

(٦) الآية «٢» الرعد (١٣).

٣٠٤

(١١) البعديّة ، نحو (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ)(١) أي بعده.

(١٢) الاستعلاء نحو (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ)(٢) أي عليها.

لام الجحود ـ معنى الجحود النّفي ، وسمّيت لام الجحود لاختصاصها بالنّفي ، وهي الواقعة زائدة بعد «كون منفيّ» (٣) فيه معنى الماضي لفظا ، نحو (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)(٤) أو معنى ، نحو (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ)(٥).

وهذه الّلام حرف جرّ ، وأن المضمرة والفعل بعدها المنصوب بها في تأويل المصدر في محلّ جرّ وهو متعلق بمحذوف هو خبر كان فتقدير «ما كان زيد ليفعل» ما كان زيد مريدا للفعل.

لام الجواب ـ وهي ثلاثة : جواب «لو» نحو (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا)(٦) ، وجواب «لو لا» نحو (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)(٧) وجواب القسم نحو (تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا)(٨).

الّلام الزّائدة ـ وهي الدّاخلة في نحو قول رؤبة :

أمّ الحليس لعجوز شهربه

ترضى من اللّحم بعظم الرّقبه

وفي خبر «لكنّ» كقول الشاعر :

يلومونني في حبّ ليلى عواذلي

ولكنّني من حبّها لعميد

والدّاخلة في خبر «أنّ» المفتوحة كقراءة سعيد بن جبير (الّا أنّهم ليأكلون الطّعام) (٩).

الّلام الفارقة ـ هي الّتي تلزم «إن» المخفّفة من الثّقيلة إذا أهملت وتقع بعدها ، وسمّيت فارقة فرقا

__________________

(١) الآية «٧٨» الإسراء (١٧).

(٢) الآية «١٠٧» الإسراء (١٧).

(٣) المراد من الكون المنفي : كان ويكون مع سبق نفي عليها ، والنفي : هنا هو «ما» و «لم» و «لا» و «إن» النافية.

(٤) الآية «٣٣» الأنفال (٨).

(٥) الآية «١٣٧» النساء (٤).

(٦) الآية «٢٥» الفتح (٤٨).

(٧) الآية «٢٥١» البقرة (٢).

(٨) الآية «٩١» يوسف (١٢).

(٩) الآية «٢٠» الفرقان (٢٥) ، والقراءة المشهورة : (إلا إنهم).

٣٠٥

بينها وبين «إن» النّافية ، نحو (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ)(١).

الّلام المزحلقة ـ هي لام الابتداء بعد «إنّ» المكسورة ، وسمّيت مزحلقة لأنهم زحلقوها عن صدر الجملة كراهية ابتداء الكلام بمؤكّدين ولها أربعة مواضع :

(١) خبر «إنّ» بثلاثة شروط :

كونه مؤخرا ، مثبتا ، غير ماض ، نحو (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ)(٢) ، (وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ)(٣) ، (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)(٤) فإن قرن الماضي ب «قد» جاز دخول الّلام عليه نحو «إنّ الغائب لقد حضر».

وأجاز بعضهم (٥) دخولها على الماضي الجامد لشبهه بالاسم نحو «إنّ إبراهيم لنعم الرّجل».

(٢) معمول الخبر وذلك بثلاثة شروط أيضا : تقدّمه على الخبر ، وكونه غير حال ، وكون الخبر صالحا لللام نحو «إنّ زيدا لطعامك آكل».

(٣) الاسم إذا تأخّر : عن الخبر نحو (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً)(٦) أو عن معمول الخبر إذا كان ظرفا نحو «إنّ عندك لخالدا مقيم» أو جارّا ومجرورا نحو «إنّ في الدّار لزيدا جالس».

(٤) ضمير الفصل بدون شرط نحو (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ)(٧) ويحكم على هذه الّلام بالزيادة في غير هذه المواضع.

الّلام الموطئة للقسم ـ وهي الدّاخلة على أداة الشّرط «إن» غالبا (٨) إيذانا بأنّ الجواب بعدها مبنيّ على قسم قبلها لا على الشّرط نحو (لَئِنْ

__________________

(١) الآية «١٤٣» البقرة (٢).

(٢) الآية «٣٩» إبراهيم (١٤).

(٣) الآية «٧٩» هود (١١).

(٤) الآية «٤» القلم (٦٨).

(٥) الأخفش والفراء وتبعهما ابن مالك.

(٦) الآية «١٣» آل عمران (٣).

(٧) الآية «٦٢» آل عمران (٣).

(٨) وقد تدخل على غيرها من أدوات الشرط ، من ذلك قراءة غير حمزة (لما أتيتكم من كتاب وحكمة) وقول الشاعر :

لمتى صلحت ليقضين لك صالح

ولتجزينّ إذا جزيت جميلا

٣٠٦

أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ ، وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ)(١).

ثمّ إن كان القسم مذكورا لم تلزم مثل «والله إن أكرمتني لأكرمنّك» وإن كان القسم محذوفا لزمت غالبا.

وقد تحذف ، والقسم محذوف.

نحو (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ)(٢) ، (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ)(٣) وقيل هي منويّة في نحو ذلك.

لئلّا ـ كلمة مركّبة من لام التّعليل و «أن» النّاصبة و «لا» النّافية ، ولذلك تدخل على المضارع فتنصبه نحو قوله تعالى (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ)(٤).

لا يكون ـ من أدوات المستثنى ، والمستثنى بها واجب النصب ، لأنّه خبرها ، واسمها مستتر يعود على اسم الفاعل المفهوم من الفعل السابق ، فإذا قلت «قاموا لا يكون زيدا» فالتقدير : لا يكون هو أي لا يكون القائم.

ويلاحظ ب «لا يكون» في الاستثناء أنها لا تستعمل مع غير «لا» من أدوات النفي ، وجملة «لا يكون» في موضع نصب على الحال من المستثنى منه ، ويمكن أن تكون الجملة مستأنفة لا محلّ لها.

لبّيك ـ من لبّ بالمكان لبّا ، وألبّ : أقام به ولزمه ، فمعنى قولهم : «لبّيك» لزوما لطاعتك ، أو أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة.

وإنما كان على هيئة المثنى ليفيد معنى التّكرار ، ومعناه على هذا : إجابة لك بعد إجابة.

وإعرابه : النصب على المصدر كقولك : حمدا لله وشكرا ، وهو ملازم للإضافة للمخاطب في الأكثر ، وشذّ إضافته إلى ضمير الغائب في قول الرّاجز :

__________________

(١) الآية «١٢» الحشر (٥٩).

(٢) الآية «٧٦» المائدة (٥).

(٣) الآية «٢٢» الأعراف (٧).

(٤) الآية «١٥٠» البقرة (٢).

٣٠٧

إنّك لو دعوتني ودوني

زوراء ذات منزع بيون (١)

لقلت «لبّيه» لمن يدعوني كما شذّ إضافته إلى الظاهر في قول أعرابيّ من بني أسد :

دعوت ـ لما نابني ـ مسورا

فلبّى فلبّي يدي مسور (٢)

اللّتان ـ اسم موصول لتثنية «التي» بالألف رفعا ، و «اللّتين» بالياء المفتوح ما قبلها جرّا ونصبا.

وتميم وقيس تشدّدان النّون فيه للتعويض من المحذوف ، أو للتأكيد فرقا بينه وبين المعرب في التثنية ، ولا يختصّ ذلك بحالة الرفع فيقولون «اللّتانّ» و «اللّتينّ «وبلحارث ابن كعب ، وبعض ربيعة ، يحذفون نون اللّتان قال الأخطل :

هما اللّتا لو ولدت تميم

لقيل فخر لهم صميم

الّتي ـ اسم موصول ، للمفردة المؤنّثة عاقلة كانت نحو (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها)(٣) أو غير عاقلة نحو (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها)(٤) (ـ اسم الموصول).

اللّتيّا ـ تصغير «الّتي» (ـ التصغير ١٣)

اللّتيّات ـ جمع «اللّتيّا» تصغير «الّتي» (ـ التّصغير ١٣)

اللّتيّان ـ مثنى «اللّتيّا» مصغر «الّتي» (ـ التصغير ١٣)

لدى ـ اسم جامد لا حظّ له من الاشتقاق والتصريف ، وتقلب ألفه ياء مع الضمير ، كما تقلب ألف «إلى» و «على» يقال : «لديّ» و «لديه» كما يقال «إليّ» و «إليه» و «عليّ» و «عليه» وهي مثل «عند» مطلقا إلّا أنّ جرّها بحرف الجرّ ممتنع ، وأيضا «عند» أمكن منها من وجهين :

__________________

(١) الزوراء : الأرض البعيدة. المنزع : الفراغ الذي في البئر. البيون : الواسعة. وفي البيت التفات من الخطاب إلى الغيبة في قوله : لبيه ، بعد قوله : إنك.

(٢) نابني : أصابني ، فلبى : قال : لبيك وهو فعل ماض (فلبي يدي مسور) أي أجبته إجابة بعد إجابة إذا سألني في أمر ينوبه جزاء غرمه الدية التي لزمتني.

(٣) الآية «١» المجادلة (٥٨).

(٤) الآية «١٤٢» البقرة (٢).

٣٠٨

الأوّل : أنها تكون ظرفا للأعيان والمعاني. تقول «هذا القول عندي صواب» و «عند فلان علم به» ويمتنع ذلك في «لدى» (١).

الثاني : أنّك تقول «عندي مال» وإن كان غائبا عنك ، ولا تقول : لديّ مال إلّا إذا كان حاضرا (٢) ، وتختلف «لدى» عن «لدن» بأمور (ـ لدن).

لدن ـ

١ ـ هي ظرف مكاني وزماني معناها وإضافتها

ك «عند» إلّا أنّها أقرب مكانا من عند وأخصّ منها ، وتجرّ ما بعدها بالإضافة لفظا إن كان معربا ، ومحلّا إن كان مبنيّا أو جملة ، فالأوّل نحو (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)(٣) ، والثاني نحو (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً)(٤) ، والثالث كقول القطامي :

صريع غوان راقهنّ ورقنه

لدن شبّ حتى شاب سود الذوائب

وإذا اتصل ب «لدن» ياء المتكلم اتصلت بها «نون الوقاية» يقال «لدنّى» بتشديد النون ، ويقلّ تجريدها منها ، فيقال «لدني» بتخفيف النون.

٢ ـ «لدن» تفارق «عند» بستة أمور :

(١) أنّها ملازمة لمبدأ الغايات ، فمن ثمّ يتعاقبان ففي التنزيل (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً)(٥) بخلاف «جلست عنده» فلا يجوز : جلست لدنه ، لعدم معنى الابتداء هنا.

(٢) أنّ الغالب استعمالها مجرورة ب «من».

(٣) أنها مبنيّة إلّا في لغة قيس ، وبلغتهم قرئ (من لدنه) (٦).

(٤) جواز إضافتها إلى الجمل كما تقدّم.

(٥) جواز إفرادها (٧) قبل «غدوة» وتنصب بها «غدوة» إمّا على التّمييز ،

__________________

(١) قاله ابن الشجري في أماليه.

(٢) قاله الحريري وأبو هلال العسكري وابن الشجري

(٣) الآية «١» هود (١١).

(٤) الآية «٦٦» الكهف (١٨).

(٤) الآية «٦٦» الكهف (١٨).

(٥) وهي عندهم مضمومة الدال إلا أن هذا السكون عارض للتخفيف.

(٦) أي قطعها عن الإضافة لفظا ومعنى.

٣٠٩

وإمّا على التّشبيه بالمفعول به ، أو خبرا «لكان» محذوفة مع اسمها ، ومنه قوله :

وما زال مهري مزجر الكلب منهم

لدن غدوة حتّى دنت لغروب

(٦) أنها لا تقع إلّا فضلة تقول : «السّفر من عند دمشق» ولا تقول : من لدن دمشق.

٣ ـ لدن تفارق «لدى» بخمسة أمور :

«أ» أنّ «لدن» تحلّ محلّ ابتداء غاية ، نحو «جئت من لدنه» وهذا لا يصح في «لدى».

«ب» أنّ «لدن» لا يصح وقوعها عمدة في الكلام ، فلا تكون خبرا للمبتدأ وما شاكل ذلك ، بخلاف «لدى» فإنه يصح ذلك فيها نحو «لدينا كنز».

«ج» أنّ «لدن» كثيرا ما تجرّ ب «من» كما مرّ بخلاف «لدى».

«د» أنّ «لدن» تضاف إلى الجملة نحو «لدن سافرت» وهذا ممتنع في «لدى».

«ه» إن وقعت «لدن» قبل «غدوة» جاز جر «غدوة» بالإضافة ، ونصبها على التمييز ، ورفعها على تقدير :

«لدن كانت غدوة» و «لدى» ليس فيها إلّا الإضافة فقط.

الّذي ـ اسم موصول للمفرد المذكّر ، عاقلا كان نحو (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ)(١) أو غير عاقل نحو (هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)(٢).

الّذي المصدريّة ـ (ـ الموصول الحرفي ٢ ـ ٦).

الّذين ـ اسم موصول وهو بالياء في الرفع والنّصب والجر لجمع المذكّر العاقل أيضا ، وعند هذيل وعقيل بالواو رفعا ، وبالياء نصبا وجرّا ، قال رجل من بني عقيل :

نحن اللّذون صبّحوا الصّباحا

يوم النخيل غارة ملحاحا

وهل هو حينئذ معرب ، أو مبني جيء به على صورة المعرب؟ قولان عند النحاة ، الصحيح الثاني.

__________________

(١) الآية «٧٤» الزمر (٣٩).

(٢) الآية «١٠٣» الأنبياء (٢١).

٣١٠

للّذان (١) ـ اسم موصول تثنية «الذي» بالألف رفعا و «اللّذين» بالياء المفتوح ما قبلها جرّا ونصبا.

وتميم وقيس تشددان النون فيه تعويضا من المحذوف ، أو تأكيدا ، للفرق بينه وبين المعرب في التّثنية ، ولا يختص ذلك بحالة الرّفع ، لأنه قد قرئ في السبع (ربّنا أرنا اللّذينّ) (٢) ، كما قرئ في حالة الرفع (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ)(٣) وبلحرث بن كعب وبعض ربيعة يحذفون نون اللّذان قال الأخطل :

ابني كليب إنّ عمّيّ اللّذا

قتلا الملوك وفكّكا الأغلالا

اللّذيّا ـ تصغير «الّذي» (ـ التّصغير ١٤)

اللّذيّان ـ تثنية «اللّذيّا» مصغّر «الذي» (ـ التصغير ١٤).

اللّذيّون ـ للرّفع جمع «اللّذيّا» مصغّر «الّذي» (ـ التصغير ١٤)

اللّذيّين ـ للنّصب والجر جمع «اللذيّا» مصغر «الذي» ـ (ـ التصغير ١٤)

لعلّ العاملة عمل «إنّ» ـ لعلّ معناها : الترجّي ، وهو توقّع أمر ممكن ، إمّا محبّة له نحو (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(٤) أو إشفاقا وخوفا نحو (لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ)(٥).

وقد تأتي للتّعليل نحو «انته من عملك لعلّنا نتغدّى» ومنه (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى)(٦) ، التقدير : لنتغدّى ، وليتذكّر ، كما قد تأتي للاستفهام (٧) ، نحو (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى)(٨) تقديره : وما يدريك أيزّكّى.

__________________

(١) القياس في تثنية الذي والتي أن يقال : اللذيان واللتيان ، وفي تثنية ذا وتا الإشارتين ذيان وتيان كما يقال : القاضيان بإثبات الياء ، وفتيان بقلب الألف ياء ، ولكنهم فرقوا بين تثنية المبني والمعرب ، فحذفوا الآخر من المبني ، كما فرقوا في التصغير ، إذ قالوا في تصغير «الذي والتي وذا وتا» «اللذيا واللتيا وذيا وتيا» فأبقوا الحرف الأول على فتحه ، وزادوا ألفا في الآخر عوضا عن ضمة التصغير.

(٢) الآية «٢٩» فصلت (٤١).

(٣) الآية «١٥» النساء (٤).

(٤) الآية «١٨٩» البقرة (٢).

(٥) الآية «١٧» شورى (٤٢).

(٦) الآية «٤٤» طه (٢٠).

(٧) أثبته الكوفيون.

(٨) الآية «٣» عبس (٨٠).

٣١١

وهي من أخوات «إنّ» وأحكامها كأحكامها.

وقد تتصل ب «لعلّ» «ما» الكافّة ، فتكفها عن العمل ، لزوال اختصاصها بالأسماء ، ومنه قول الفرزدق :

أعد نظرا يا عبد قيس لعلّما

أضاءت لك النّار الحمار المقيّدا (١)

وفي «لعلّ» لغات عشر ، أفصحها وأصحّها «لعلّ» (ـ إنّ وأخواتها)

لعلّ في لغة عقيل ـ تأتي في لغة عقيل حرف جر ومنه قول شاعرهم :

لعلّ الله فضّلكم علينا

بشيء أنّ أمّكم شريم (٢)

اللّفظ ـ

١ ـ تعريفه :

صوت مشتمل على بعض الحروف تحقيقا ك «علم» أو تقديرا كالضمير المستتر في قولك «استقم» الذي هو فاعله.

اللّفيف من الأفعال ـ

١ ـ قسماه :

اللفيف (١) مفروق (٢) ومقرون.

(١) فالمفروق : هو الذي فاؤه ولامه من حروف العلّة نحو «وقى» و «وفى».

وحكمه : باعتبار أوله كالمثال (ـ المثال من الأفعال)

وباعتبار آخره كالنّاقص (ـ الناقص من الأفعال) تقول في المضارع «يقي» و «يفي». وفي الأمر «قه» و «فه» بحذف فائه تبعا لحذفها في المضارع ، مع حذف لامه لبنائه على الحذف تقول : «قه يا زيد» «قيا يا زيدان» «قوا يا زيدون» «قي يا هند» «قين يا نسوة».

(٢) و «المقرون» : هو ما عينه ولامه حرفا علّة نحو «طوى» و «نوى» وحكمه كالنّاقص في جميع تصرّفاته. (ـ الناقص من الأفعال).

اللّقب ـ (ـ العلم ١٢ و ١٣).

لم ـ أداة للنّفي والجزم والقلب للمضي ، ويجوز دخول همزة

__________________

(١) وهناك رواية صحيحة : فربما بدل لعلما ولا شاهد فيه.

(٢) «لعل» حرف جر شبيه بالزائد (الله) مبتدأ رفع بحركة مقدرة لاشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد.

٣١٢

الاستفهام عليها نحو (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ)(١) ونحو (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)(٢).

وتنفرد «لم» عن «لمّا» الجازمة بمصاحبة «لم» لأداة الشرط نحو (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ)(٣) وجواز انقطاع نفي منفيّا عن الحال ، ولذلك جاز :

(لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً)(٤) أي ثمّ كان ، وتنفرد «لمّا» عن «لم» بأمور (ـ لمّا).

لمّا ـ تأتي : استثنائية ، وجازمة ، وظرفيّة بمعنى حين.

لمّا الاستثنائيّة – قد تكون «لمّا» حرف استثناء بمعنى «إلّا» فتدخل على الجملة الاسميّة نحو (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ)(٥) ، وعلى الماضي لفظا لا معنى نحو «أنشدك الله لمّا فعلت» أي ما أسألك إلّا فعلك.

لمّا الجازمة ـ تختصّ بالمضارع فتجزمه وتشترك مع «لم» بالحرفيّة والنّفي والجزم والقلب للمضيّ ؛ وجواز دخول همزة الاستفهام عليهما ، وتنفرد «لما» الجازمة بخمسة أمور :

«أ» جواز حذف مجزومها والوقف عليها في الاختيار نحو «قرب خالد من المدينة ولمّا» أي ولمّا يدخلها بعد.

«ب» جواز توقّع ثبوت مجزومها نحو (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ)(٦) أي إلى الآن ما ذاقوه ، وسوف يذوقونه ، ومن ثمّ امتنع أن يقال : «لمّا يجتمع الضّدّان».

«ج» وجوب اتصال نفي منفيّها بحال النطق كقول الممزّق العبدي :

فإن كنت مأكولا فكن خير آكل

وإلّا فأدركني ولمّا أمزّق

«د» أنّها لا تقترن بأداة الشّرط لا يقال : «إن لمّا تقم» ويقال : «إن لم» وفي القرآن الكريم (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ)(٧).

__________________

(١) الآية «٣» الإخلاص (١١٢).

(٢) الآية «١» الانشراح (٩٤).

(٣) الآية «٧٠» المائدة (٥).

(٤) الآية «١» الدهر (٧٦).

(٥) الآية «٤» الطارق (٨٦).

(٦) الآية «٨» ص (٣٨).

(٧) الآية «٧٠» المائدة (٥).

٣١٣

لمّا الحينيّة (١) ـ وهي الظرفيّة ، وتختص بالماضي ، ويكون جوابها فعلا ماضيا ، نحو (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ)(٢) أو جملة اسميّة مقرونة ب «إذا» الفجائيّة نحو (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ)(٣) أو بالفاء نحو (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ)(٤) أو فعلا مضارعا عند بعضهم نحو (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا)(٥) ، وهو مؤوّل بجادلنا.

لن ـ هي حرف نفي ونصب واستقبال ، ولا تقتضي تأبيد النفي ولا توكيده (٦) نحو قوله تعالى (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا)(٧).

وقد تأتي للدّعاء نحو قول الأعشى :

لن تزالوا كذلكم ثمّ لا زل

ت لكم خالدا خلود الجبال

وتلقّي القسم بها نادر جدّا كقول أبي طالب :

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتى أوسّد في التراب دفينا

اللهمّ ـ أصلها : يا الله حذف منها حرف النّداء ، وعوّض عنه الميم المشدّدة.

وقد يجمع بين الميم المشدّدة وحرف النداء كقول أبي خراش الهذلي :

إنّي إذا ما حدث ألمّا

دعوت يا اللهمّ يا اللهمّا

(ـ النداء)

اللهمّ إلّا أن يكون كذا ـ الشائع استعمال «اللهمّ» في الدّعاء ، والميم فيها عوض عن حرف النّداء ، تعظيما وتفخيما ، كما مرّ قريبا ، ولذلك لا يوصف ، ثمّ إنهم قد يأتون ب «اللهم» قبل الاستثناء ، إذا كان الاستثناء نادرا غريبا ، كأنهم لندوره استظهروا بالله في إثبات وجوده ، وهو كثير في كلام الفصحاء.

والغرض أنّ المستثنى مستعان بالله تعالى في تحقيقه تنبيها على ندرته

__________________

(١) ومن النحاة من جعل الظرفية أو الحينية هذه حرف وجود لوجود وتعصب لهذا الرأي ابن هشام في كثير من كتبه ودلل عليه في كتابه «شرح قطر الندى».

(٢) الآية «٦٧» الإسراء (١٧).

(٣) الآية «٦٥» العنكبوت (٢٩).

(٤) الآية «٣٢» لقمان (٣١).

(٥) الآية «٧٤» هود (١١).

(٦) بخلاف قول الزمخشري.

(٧) الآية «٢٦» مريم (١٩).

٣١٤

وأنّه لم يأت بالاستثناء إلّا بعد التفويض لله تعالى.

لو ـ تأتي «لو» على خمسة أقسام :

(١) التّقليل.

(٢) التّمني.

(٣) الشرطية.

(٤) العرض.

(٥) المصدريّة.

لو للتّقليل ـ مثال التّقليل في «لو» : «تصدّقوا ولو بظلف محرق» وهي حينئذ حرف تقليل لا جواب له.

لو للتّمني ـ مثالها : «لو تحضر فتسرّنا» ومنه قوله تعالى (لو (أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(١) ولهذا نصب (فنكون) في جوابها ، ولا تحتاج إلى جواب كجواب الشّرط ، ولكن قد يؤتى لها بجواب منصوب كجواب «ليت» (٢).

لو الشّرطيّة (٣) ـ

١ ـ هي قسمان :

(الأوّل) أن تكون للتعليق في المستقبل فترادف «إن» الشّرطيّة كقول أبي صخر الهذلي :

ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا

ومن دون رمسينا من الأرض سبسب

لظلّ صدى صوتي وإن كنت رمّة

لصوت صدى ليلى يهشّ ويطرب (٤)

وإذا وليها ماض أوّل بالمستقبل ، نحو (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ)(٥). أو مضارع تخلّص للاستقبال ، كما في «إن» الشرطيّة نحو :

لا يلفك (٦) الراجوك إلّا مظهرا

خلق الكرام ولو تكون عديما

(الثاني) أن تكون للتعليق في الماضي ، وهو أكثر استعمالاتها ، وتقتضي لزوم امتناع شرطها لامتناع جوابها إن لم يكن له سبب غير الشرط نحو

__________________

(١) الآية «١٦٧» البقرة (٢).

(٢) أي بمضارع منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية لتقدم التمني بحرف «لو» كما هي الحال ب «ليت».

(٣) «لو» هذه هي التي شهرت بأنها حرف امتناع لامتناع.

(٤) الصدى : ترجيع الصوت من الجبل ونحوه.

والرمس : القبر أو ترابه. والسبسب : المفازة والرمة : العظام البالية ، ويهش : يرتاح.

(٥) الآية «٨» النساء (٤).

(٦) حذفت ياء يلفيك للضرورة ، أو إن «لا» هي الناهية.

٣١٥

(وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها)(١) «لو كانت الشّمس طالعة كان النهار موجودا» وإن كان له سبب غير الشرط لم يلزم امتناعه ولا ثبوته نحو «لو كانت الشّمس طالعة كان الضوء موجودا» ومنه الأثر المروي عن عمر «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه» (٢) وإذا وليها مضارع أوّل بالمضي ، نحو (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ)(٣).

٢ ـ اختصاص «لو» الشرطية بالفعل :

تختصّ «لو» مطلقا بالفعل ، ويجوز أن يليها قليلا : اسم معمول لفعل محذوف وجوبا يفسّره ما بعده إمّا مرفوع كقول الغطمّش الضّبي :

أخلّاي لو غير الحمام أصابكم

عتبت ولكن ما على الدهر معتب

وقولهم في المثل : «لو غير ذات سوار لطمتني» (٤).

أو منصوب نحو «لو محمّدا رأيته أكرمته. أو خبر ل «كان» محذوفة مع اسمها نحو «التمس ولو خاتما من حديد».

ويليها كثيرا «أنّ» وصلتها ، نحو (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا)(٥) والمصدر المؤوّل فاعل ب «ثبت» مقدر ، ومثله قول تميم بن أبيّ بن مقبل :

ما أنعم العيش لو أنّ الفتى حجر

تنبو الحوادث عنه وهو ملموم

٣ ـ جواب «لو» الشرطيّة :

جواب «لو» إمّا ماض معنى ، نحو «لو لم يخف الله لم يعصه» أو وضعا ، وهو : إما مثبت فاقترانه بالّلام أكثر نحو (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً)(٦) ومن القليل : (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً)(٧).

__________________

(١) الآية «١٧٥» الأعراف (٧).

(٢) المراد : أن صهيبا لو قدر خلوه من الخوف لم تقع منه معصية ، فكيف والخوف حاصل منه ، لأن انتفاء العصيان له سببان : خوف العقاب ، والإجلال والإعظام لله ، ويلاحظ مثل ذلك صهيب.

(٣) الآية «٧» الحجرات (٤٩).

(٤) قاله حاتم الطائي ، وكان قد أسر فلطمته جارية من جواري الحي. الذي أسر فيه ، ويضرب للوضيع يهين الشريف.

(٥) الآية «٥» الحجرات (٤٩).

(٦) الآية «٦٥» الواقعة (٥٦).

(٧) الآية «٧٠» الواقعة (٥٦).

٣١٦

وإمّا منفي ب «ما» فالأمر بالعكس نحو (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ)(١) وقول الشاعر :

ولو نعطى الخيار لما افترقنا

ولكن لا خيار مع اللّيالي

لو للعرض ـ مثالها : «لو تنزل عندنا فتصيب خيرا» ولا جواب له والفاء بعدها فاء السببيّة لأنّ العرض من الطلب.

لو المصدريّة ـ ترادف «أن» وأكثر وقوعها بعد «ودّ» نحو (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ)(٢) أو «يودّ» نحو (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ)(٣) وتقديره : الإدهان والتعمير.

ومن القليل قول قتيلة أخت النّضر ابن الحارث الأسدية :

ما كان ضرّك لو مننت وربّما

منّ الفتى وهو المغيظ المحنق

وإذا وليها الماضي بقي على مضيّه ، أو المضارع تخلّص للاستقبال كما أن «أن» المصدريّة كذلك.

لو لا ولو ما ـ لهذين الحرفين استعمالان.

أحدهما :

أن يدّلا على امتناع جوابهما لوجود تاليهما فيختصّان بالجمل الاسميّة ، نحو (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ)(٤) وقول الشاعر :

لو ما الإصاخة للوشاة لكان لي

من بعد سخطك في الرّضاء رجاء

الثاني : أن يدلّا على التّحضيض فيختصّان بالفعليّة نحو (فلو لا نزّل علينا الملائكة) (٥)(لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ)(٦).

ويساويهما في التّحضيض والاختصاص بالأفعال «هلّا وألّا وألا».

وقد يلي حرف التّحضيض اسم معمول لفعل : إمّا مضمر كالحديث «فهلّا بكرا تلاعبها وتلاعبك» أي فهلّا تزوّجت بكرا.

وإمّا مظهر مؤخّر نحو (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ)(٧) أي هلّا قلتم إذ سمعتموه.

__________________

(١) الآية «١١٢» الأنعام (٦).

(٢) الآية «٩» القلم (٦٨).

(٣) الآية «٩٦» البقرة (٢).

(٤) الآية «٣١» سبأ (٣٤).

(٥) الآية «٢١» الفرقان (٢٥).

(٦) الآية «٧» الحجر (١٥).

(٧) الآية «١٦» النور (٢٤).

٣١٧

ما ذكرناه هو أشهر استعمالات هذه الأدوات.

وقد تستعمل في غير ذلك للتوبيخ والتنديم فتختص بالماضي أو ما في تأويله ظاهرا أو مضمرا نحو (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ)(١) ونحو قوله :

أتيت بعبد الله في القدّ موثقا

فهلّا سعيدا ذا الخيانة والغدر (٢)

أي فهلّا أسرت سعيدا.

كما أنه قد يقع بعد حرف التّحضيض مبتدأ وخبر ، فيقدر المضمر «كان» الشأنية كقوله :

ونبّئت ليلى أرسلت بشفاعة

إليّ فهلّا نفس ليلى شفيعها

أي فهلّا كان الشأن نفس ليلى شفيعها.

لو ما ـ (ـ لو لا ولو ما)

ليت ـ هي للتّمني وهو طلب ما لا طمع فيه ، أو ما فيه عسر ، وهي من أخوات «إنّ» وأحكامها كأحكامها ، وإذا دخلت «ما» الزائدة ـ وهي الكافّة ـ عليها تبقى على اختصاصها بالجمل الاسميّة ، ويجوز إعمالها وإهمالها وقد روي بهما قول النّابغة الذبياني :

قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا

إلى حمامتنا أو نصفه فقد (٣)

ليس ـ فعل جامد معناه النّفي وتأتي في ثلاثة أغراض :

(١) تعمل عمل كان ، وأحكامها كأحكامها إلّا في أشياء منها : أنّه لا يجوز أن يتقدّم خبرها عليها ومنها : زيادة الباء في خبرها بكثرة نحو (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ)(٤) (ـ كان وأخواتها).

(٢) تأتي أداة للاستثناء ، والمستثنى بها واجب النّصب ، لأنه خبرها ، واسمها ضمير مستتر وجوبا يعود على اسم الفاعل المفهوم من فعله السابق ، فإذا قلنا «قام القوم ليس بكرا» يكون التقدير ليس القائم بكرا.

__________________

(١) الآية «١٣» النور (٢٤).

(٢) القد : سير من جلد غير مدبوغ.

(٣) يروى برفع الحمام ونصبه ، فالرفع على الإهمال ، والنصب على الإعمال ، والنابغة قال هذا البيت في زرقاء اليمامة ، وكانت مشهورة بحدة النظر فمر بها سرب من القطا فحدثت أنه إذا ضم إليه نصفه وحمامتها كل مائة ، و «قد» هنا بمعنى حسب ، والفاء لتزيين اللفظ.

(٤) الآية «٣٦» الزمر (٣٩).

٣١٨

(٣) تأتي عاطفة (١) وتقتضي التشريك باللّفظ دون المعنى لأنّ المعنى ينفي فيها لما بعدها ما ثبت لما قبلها وعلى ذلك قول لبيد بن ربيعة العامري يحثّ على المكافأة :

وإذا أقرضت قرضا فاجزه

إنما يجزي الفتى ليس الجمل (٢)

ليس غير ـ «غير» اسم دالّ على مخالفة ما قبله لحقيقة ما بعده.

وإذا وقع بعد «ليس» «غير» وعلم المضاف إليه جاز ذكره ، نحو «أخذت عشرة كتب ليس غيرها» (٣) ، وجاز حذفه لفظا ، فيضم بغير تنوين فتقول : «دعوت ثلاثة ليس غير» (٤) على أنها ضمة بناء لأنها ك «قبل» في الإبهام ، فهي اسم ليس أو خبرها. أو إعراب لأنها اسم ك «كل وبعض» لا ظرف فهي اسم لا خبر.

ويجوز الفتح قليلا مع التنوين ودونه ، فهي خبر ، والحركة إعراب باتفاق كالضم مع التنوين

__________________

(١) وهذا عند البغداديين ، وعند غيرهم وهم أكثر النحاة : ليست حرف عطف.

(٢) والجمل في البيت اسم ليس ، وخبرها محذوف ، أي ليس الجمل جازيا.

(٣) برفع غيرها اسما والخبر محذوف أي ليس غيرها مأخوذا ، أو بالنصب على حذف الاسم أي ليس المأخوذ غيرها.

(٤) الجمهور على أنه لا يجوز الحذف بعد ألفاظ الجحد إلا «ليس» فلا يقال «أنفقت مائة لا غير» ـ ولكن السماع خلافه ، ففي القاموس : قيل : وقولهم «لا غير ، لحن» وهو غير جيد ، لأنه مسموع قال الشاعر :

جوابا به تنجو اعتمد فوربنا

لعن عمل أسلفت لا غير تسأل

٣١٩

باب الميم

ما الاستفهاميّة ـ

١ ـ معناها :

معناها : أي شيء نحو (ما هِيَ؟)(١)(ما لَوْنُها؟)(٢)(وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ)(٣)

٢ ـ حذف ألفها :

يجب حذف ألف «ما» الاستفهاميّة إذا جرّت وإبقاء الفتحة دليلا عليها نحو «فيم» و «إلام» و «علام» و «بم» و «عمّ» نحو (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها)(٤)(فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ)(٥)(لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ)(٦).

٣ ـ تركيبها مع «ذا» :

تأتي في ذلك على أربعة أوجه :

أحدها : أن تكون مع «ذا» للإشارة نحو «ماذا التّقصير».

الثاني : أن تكون مع «ذا» الموصولة (ـ الموصول الاسمي).

الثالث : أن يكون «ماذا» كلّه استفهاما على التركيب كقول جرير :

يا خزر تغلب ما ذا بال نسوتكم

لا يستفقن إلى الدّيرين تحنانا (٧)

الرابع : أن يكون «ماذا» كلّه اسم جنس بمعنى شيء أو موصولا بمعنى الذي على خلاف في تخريج قول المثقّب العبدي :

دعي ماذا علمت سأتّقيه

ولكن بالمغيّب نبّئيني

فالجمهور على أنّ «ماذا» كلّه مفعول «دعي» في البيت ، ثمّ اختلفوا فقال بعضهم : موصول بمعنى الذي.

وقال آخرون : نكرة بمعنى شيء.

ما التّعجّبيّة ـ (ـ التعجّب ٣)

ما الجازمة لفعلين ـ (ـ جوازم المضارع ٣)

__________________

(١) الآية «٦٨» البقرة (٢).

(٢) الآية «٦٩» البقرة (٢).

(٣) الآية «١٧» طه (٢٠).

(٤) الآية «٤٣» النازعات (٧٩).

(٥) الآية «٣٥» النمل (٢٧).

(٦) الآية «٢» الصف (٦١).

(٧) الخزر : جمع «أخزر» وهو صغير العينيين.

٣٢٠