معجم النّحو - المقدمة

معجم النّحو - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٣٩

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد طالما تمنيت منذ عشرات السنين أن يكون لنا معجم في النحو نرجع إليه من أقرب الطّرق فنتذكر به من القواعد ما نسينا ، ونتعلم منه ما جهلنا. ونعتمد عليه في استيقان ما نرتاب في صحته أو نتردّد.

وكنت عرضت فكرة هذا المعجم وتنسيقه حسب حروف الهجاء على عدد من علماء هذا الشأن في مصر والشام ، فارتاحوا إليها ، واستيقنوا عائدتها ، ووعد بعضهم بتنفيذها ، والعمل على إخراجها ، وكان منهم فضيلة الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد ، الذي كان له الأثر الطيّب في نشر كتب ابن هشام نشرا سهّل مشرعها على الواردين. إلا أن صوارف الزمن قد حالت دون العمل ، على تحقيق هذا الأمل.

ولقد كان من دواعي التوفيق ، أن أتاح الله لنا صديقنا الشيخ عبد الغني الدقر ، فارتاح لهذا الاقتراح ، فانبرى يعمل فيه معنقا حتى أوفى على غايته ، فكان هذا المعجم الذي نضعه اليوم بين أيدي الأساتذة والمعلمين ، والمنتهين من الطلاب والشادين ، آملين من الأولين الاستفادة من حسن نظرهم ، وإنباهنا على ما قد يبين لهم فيه من ملاحظ ، فنعمل على استدراكها ، وراجين للآخرين الإفادة مما توفّر لهم فيه من يسر وغناء عن تتبع الكثير من كتب النحو للغوص على فرائدها ، فقد صارت منهم على طرف الثّمام ، والله المحمود في البدء والختام.

دمشق ١ شعبان ١٣٩٥ ه

٨ آب ١٩٧٥ م

أحمد عبيد

٥

المقدمة

الحمد لله ربّ العالمين ، وأفضل الصلاة والسلام على النبي العربي الأمين ، وعلى آله أصحابه والتابعين.

أما بعد فإن علم النحو قد نضج ، كما يقول العلماء في تصنيف العلوم ، حتى ليظنّ أنه لم يترك الأول للآخر شيئا يقوله فيه ، فإن الخليل وسيبويه والكسائي ـ وهم من أوائل النحاة ـ بلغوا بالنحو الذّروة ، ولم يدعوا لمن بعدهم من علماء العربية إلا القليل من القواعد ، والكثير من التعليل والتفلسف ، ومع ذلك فقد صنّف بعدهم في النحو كتب كثيرة في القديم والحديث ، وما كان يختلف بعضها عن بعض في أصولها بكبير أمر ، إلا ما كان من الاختلاف بين البصريين والكوفيين ، وقد تختلف في الأسلوب أو الترتيب وبعض المصطلحات دون الأسس والقواعد ، ولكنها كلها أو جلّها لا تخلو من صعوبة ، في عبارتها وفي ترتيبها ، على المتعلم والمراجع في هذا العصر ، وهذا ما حمل بعض الباحثين على أن يحاولوا إيجاد قواعد جديدة تغني عما وضع في النحو منذ أكثر من اثني عشر قرنا ، فلم تفلح محاولة ما ، ذلك أن علماء النحو في القديم خاضوا كلام العرب من شعر ونثر ، فضلا عن كتاب الله وحديث رسول الله ، فلم يتركوا من ذلك كله تعبيرا ولا كلمة ولا حرفا إلا درسوها ، ثم وضعوا لها القواعد ، لذلك اتّسم نحوهم بالدقة والشمول والسعة ، على قدر ما للعربية من إحكام ودقّة وعظم.

٦

وما يجب أن نصرف إليه تفكيرنا الجدّي ، ليس هو السعي إلى نسف ما وضع الأقدمون من أصول وقواعد ، فما وضعوه أرسخ من التاريخ ، وإنما هو السعي المخلص إلى تبسيط هذه القواعد ، وإدنائها من المستوفزين لتعلمها ، وتيسيرها للمراجعين وهذه هي فكرة كتابنا المعجمية.

ومن الإنصاف الاعتراف أن صاحب فكرة الترتيب المعجمي للنحو هو الأستاذ أحمد عبيد ، صاحب المكتبة العربية في دمشق ، اختزنها في صدره منذ زمن بعيد ، إلى أن رأى أنه قد آن الأوان إلى أن تضحي فكرته إلى الوجود ، فعرض عليّ أن أقوم بهذه المهمة ، فصادفت مني هوى فاستجبت له واستعنت الله على ذلك.

وواضح ماذا يراد بالترتيب المعجمي ، ونزيده إيضاحا بالنسبة إلى النحو فنقول :

ما من قاعدة أو كلمة إعرابية ، أو حرف معنى إلا وهو تابع لترتيب «ألف باء» ف «المبتدأ» تجده في حرف الميم مع الباء ، و «كان وأخواتها» في حرف الكاف مع الألف ومثل ذلك : «إن وأخواتها» و «قد» و «ولا سيّما» و «لن» وغير ذلك مما يمكن أن يخطر ببالك من قواعد أو كلمات إعرابية أو حروف عاملة أو غير عاملة.

وما نظنّ أحدا سبق إلى ترتيب النحو كله ترتيبا معجميا ، إلا أنّ بعض المؤلفين وضعوا كتبا مرتبة على الحرف لبعض الحروف وقليل من الكلمات ، وأعظم معجم وضع لحروف المعاني معجم وضعه علامة الدنيا في النحو ابن هشام ، سماه «مغني اللبيب» ، وهو معروف مشهور ، وقريب منه في موضوعه وترتيبه كتاب «الجنى الداني في حروف المعاني» للمرادي معاصر ابن هشام وقرينه.

و «معجم النحو» هذا ليس معجما لحروف المعاني وحسب ، كأمثال هذه الكتب ، ولكنه معجم لمعظم قواعد النحو وكلماته وحروفه ، بله كلمات وتعابير عربية صحيحة شهرت ووردت في كلام العرب والمؤلفين ، وخفي إعرابها ، ويصعب التماسها في كتب النحو.

٧

وهو معجم للنحو خاصة ليس فيه من فن الصرف إلا أبواب قليلة لها علاقة بالنحو كالنسب وجموع التكسير وقليل غيرهما.

ومعجم النحو هذا أيضا متّبع ، لا مبتدع ، لم يخرج عن نهج نحاة البصرة قيد شعرة إلا في النادر الذي لا يستحق أن يذكر ، بل لم يخرج عن كتب معروفة مألوفة موثوقة ولكنه اختلف عنها بأمور ثلاثة : أهمها ترتيبه على الطريقة المعجمية ، ثم توضيح عبارته ، وخلوّه من التعليل.

فأما توضيح عبارته ، فإنها مبسطة بعيدة من الركاكة ، يمكن أن يفهمها من له بعض إلمام بالقواعد العربية ، وقد تكون عبارة المؤلفين ذاتها إذا كانت بينة لبداهة التفكير ، وأما خلوّه من التعليل ، فذلك لأن الغاية من هذا المعجم أن يصل المراجع والباحث والمتعلم إلى مقصوده بطريق قاصدة قريبة خالية من العثرات.

وقد سلكنا في كتابنا هذا سبيل إيجاز لا يخلو عند الضرورة من بعض استقصاء وتفريع ، وغالب ما في الكتاب مما أجمع عليه البصريون ، وقد نرى فائدة ما بإيراد رأي مخالف للكثرة ، فنورده تعليقا مع بعض الإيضاحات والتعليقات.

وها هو ذا «معجم النحو» بين يدي المهتمين بالعربية وقواعدها ، فإن رأوا فيه علما وفائدة فمردّ ذلك إلى فحول العربية الذين منهم أخذت ، وإن رأوا غير ذلك فأنا المسئول دونهم ، وأرجو أن أنبّه إلى ما يعرض للأساتذة من رأي الخ .. والله اسأل التوفيق والسّداد ، وعليه أتوكل.

دمشق

١ ربيع الآخر ١٣٩٤ ه

٢٢ نيسان ١٩٧٤ م

عبد الغنني الدقر

تنبيه : هذه الإشارة (ـ) معناها انظر.

٨