سامرا عاصمة الدولة العربية في عهد العباسيين - ج ١

أحمد عبد الباقي

سامرا عاصمة الدولة العربية في عهد العباسيين - ج ١

المؤلف:

أحمد عبد الباقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الشؤون الثقافية العامة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٣
الجزء ١ الجزء ٢

اما وصف المنتصر بالله فتتفق المصادر على انه كان اسمر حسن الوجه ، قصير القامة جسيما ، عظيم البطن ، ضخم الهامة ، أعين اقنى ، وعلى عينه اليمنى اثر اصابة من وقعة في صغره (١). وقد وصف المسعودي اخلاقه وصفا دقيقا شاملا بقوله «وكان المنتصر واسع الاحتمال ، راسخ العقل ، كثير المعروف ، راغبا في الخير ، سخيا ، اديبا ، عفيفا. وكان يأخذ نفسه بمكارم الاخلاق ، وكثرة الانصاف ، وحسن المعاشرة ، بما لم يسبقه خليفة الى مثله» (٢). وقيل عنه انه كان الى جانب ذلك فاتكا سفاكا للدم (٣). ومع ان المسعودي يتفق بوصفه اخلاق المنتصر بالله مع من وصفها من المؤرخين الا انه يتهمه بالبخل فيقول «كان ذا شهامة ومعرفة وامساك للمال ، وحفظ له حتى انكر الناس عليه شدة البخل وشدة المنع» (٤). ومما يؤيد هذا ما رواه الطبري عن بنان بن عمرو المغني وكان من اخص الناس بالمنتصر بالله ، وهو خليفة ، ان يهبني ثوب ديباج ، فقال لي : أو خير لك من الثوب الديباج؟ قلت ما هو؟ قال : تتمارض حتى اعودك ، فانه سيهدى لك اكثر من الثوب الديباج. الا انه مات في تلك السنة ولم يصل شىء الى بنان (٥). لا شك في ان هذ الخبر ينطوي على شىء من خلة الامساك في المنتصر بالله ، اذ لم تجد

__________________

(١١) التنبيه والاشراف / ٣١٤ ، وتاريخ بغداد ٢ / ١١٩ ـ ١٢٠ ، والكامل ٧ / ١١٥ ، والذهب المسبوك / ٢٢٧.

(١٢) مروج الذهب ٤ / ١٣٤ ـ ١٣٥.

(١٣) الكامل ٧ / ١١٦.

(١٤) التنبيه والاشراف / ٣١٤.

(١٥) الطبري ٩ / ٢٥٥.

٣٠١

نفسه بثوب ديباج لاقرب المغنين له ، وحاول ان يعوضه بما يهديه اليه الآخرون عند مرضه. وقد يكون اراد بهذا ان يظهر اكرامه له بعيادته عند مرضه وان يجعل الآخرين يكرمونه ايضا ، وهذا ما يتفق مع اخلاق المنتصر بالله وصفاته.

الا انه يقابل هذا ان المسعودي نفسه يروي خبرين يدلان على كرم المنتصر بالله فقد روي عن علي بن يحيى المنجم ، وكان نديما لعدد من الخلفاء ، انه احب ان يشتري ضيعة مجاورة لضيعته ولم يزل يبذل جهده لدى مالكها حتى اجابه الى بيعها. الا انه لم يكن يملك قيمتها حينذاك ، مما اقلقه من ان تفوته فرصة تحقيق امنيته. وعند ما حضر مجلس المنتصر بالله لاحظ الخليفة ما ظهر على نديمه من قلق وانشغال بال. فلما علم منه السبب استفسر عن قيمة الضيعة وما مقدار ما يعوزه لشرائها. فلما عاد ابن المنجم الى بيته رأى ان الخليفة كان قد ارسل المبلغ الذي يعينه على شراء الضيعة ، ويقول انه لما بكر الى المنتصر بالله في اليوم التالي لم يذكر عن الأمر شيئا (١).

وروى ايضا ان المنتصر بالله لما كان اميرا ، بعث احد رجاله واسمه سعيد بن محمد الصغير الى مصر في بعض اموره. فعشق سعيد جارية التقى بها هناك الا انه عجز عن شرائها. فلما علم المنتصر بالله بشدة ولعه بها كتب الى عامل مصر في ابتياعها وحملها الى سامرا ، دون ان يعلم سعيد بشىء من ذلك. فلما وصلت الجارية اهداها اليه (٢). يستدل من هذين الخبرين ان المنتصر بالله لم يكن بخيلا شديد المنع ، بل انه كان مدبرا غير

__________________

(١٦) مروج الذهب ٤ / ١٣٧ ـ ١٣٨.

(١٧) نفس المصدر / ١٤١ ـ ١٤٢.

٣٠٢

مسرف ، وان كرمه من النوع الذي لا يريد صاحبه ان يتفاخر به. ولعل اعطياته الى المغنين ومادحيه من الشعراء تدل على جوده وكرمه. وكان من نتيجة تدبيره في الانفاق انه عند ما توفى كان في بيت المال الف الف دينار ، ففرق المستعين بالله الجميع في الجند (١).

لقد اشتهر عن المنتصر بالله انه كان عادلا منصفا بحيث مالت اليه قلوب الناس من الخاصة والعامة ، مع شدة تهيبها منه (٢). ومن اقواله الدالة على سماحته وعلو همته ، ما رواه وزيره احمد بن الخصيب انه قال حين عفا عن الشاري الثائر : ان لذة العفو اعذب من لذة التشفي ، واقبح افعال المقتدر الانتقام (٣). ومن اقواله ايضا : والله ما عز ذو باطل ولو طلع القمر من جبينه ، ولا ذل ذو حق ولو صفق العالم عليه (٤). ومن مظاهر انصاف المنتصر بالله انه صالح اخوته واخواته على تركة ابيه من الفرش والرقيق والدواب بمبلغ اربعة وعشرين الف الف درهم ، وانه اشهد عليهم بذلك (٥).

كان المنتصر بالله قد نقش على خاتمه عند ما بويع بالخلافة «محمد بالله ينتصر» (٦). ويظهر مما جاء في العقد الفريد ان

__________________

(١٨) النجوم الزاهرة ٢ / ٣٢٨ ، والذخائر والتحف / ٢٢٠ وفيه الف الف درهم.

(١٩) مروج الذهب ٤ / ١٣٧ ، وتاريخ الخلفاء / ٣٥٧.

(٢٠) مروج الذهب ٤ / ١٧٧ ، والبصائر والذخائر ٢ / ٥٢٧ وجاء فيه كما يلي :

لذة العفو احبب من لذة التشفي يلحقها الندم.

(٢١) الكامل ٧ / ١١٦ ، وتاريخ بغداد ٢ / ١٢٠ ، وفيه : ولو اطبق بدلا من ولو اصفق. والذهب المسبوك / ٢٧٧ وفيه : ما ذل ذو حق وان اطبق الناس عليه وما عز ذو باطل ولو طلع القمر بين عينيه.

(٢٢) الذخائر والتحف / ٢٢٠.

(٢٣) التنبيه والاشراف / ٣١٤.

٣٠٣

خاتمين آخرين ، نقش على احدهما «يؤتى الحذر من مأمنه» وعلى الآخر «انا من آل محمد ، والله ولي محمد» (١). وقد يكون اتخذ الخاتم الأخير ليدل على ولائه لآل البيت وحبه للعلويين وعطفه عليهم. على ان الخطيب البغدادي يذكر ان نقش خاتمه كان «محمد رسول الله» وان له ختما آخر نقش عليه «المنتصر بالله» (٢).

٣ ـ ولاية العهد :

بعد ان استتب الامر للمنتصر بالله اخذ الوزير احمد بن الخصيب يحذر القواد الذين تآمروا على اغتيال المتوكل على الله من انتقام ابنائه الآخرين اذا ما تولى احدهم الخلافة ، ولا سيما المعتز ولي العهد والمؤيد الذي كان يليه في ولاية العهد. مما جعلهم يتوجسون خيفة منهما ، ويرون ان سلامتهم وامنهم رهينان بابعادهما عن تولي الخلافة. وقد سبق ان ذكرنا ان المتوكل على الله قد اخذ العهد لاولاده الثلاثة بكتب كتبها وشروط اشتراطها ، وخصص لكل منهم جزء من اقاليم الدولة ، وجعل محمد المنتصر ولي عهده وبعده المعتز ثم يليه المؤيد. واخذت البيعة بهذا على الناس. ولذا عمل ابن الخصيب والقواد الاتراك على خلع الاخوين من ولاية العهد ليأمنوا انتقامهما لأبيهما ، والحوا على المنتصر بالله في الأمر وزينوا له ان يولي ابنه عبد الوهاب العهد من بعده.

__________________

(٢٤) العقد الفريد ٥ / ١٢٣.

(٢٥) تاريخ بغداد ٢ / ١٢٠.

٣٠٤

وكان المنتصر بالله ، رغم تظاهره بحب اخويه والتودد لهما ، يحقد عليهما لأن اباه كان يحسن معاملتهما ويفضلهما عليه وبخاصة المعتز ، ولذلك فقد استجاب للطلب. وامر بالطلب الى اخويه ان يخلعا نفسيهما من ولاية العهد. فوافق المؤيد وتردد المعتز غاضبا ، الا ان اخاه استطاع ان يقنعه حينما وضعه امام امر لا مفر منه ، اذ قال له «هذا الامر قتل اباك فليته لا يقتلك ، اخلعه ويلك ، فوالله لئن كان في سابق علم الله ان تلى لتلين» (١).

فاجاب بالموافقة ايضا. وكتب كل منهما كتابا يخلع فيه نفسه من ولاية العهد ويحل الناس منها ، بموجب صيغة املاها عليهما كاتب الخليفة.

ولما دخل الاخوان على اخيهما الخليفة ليعلماه بموافقتهما على التنازل عن ولاية العهد رحب بهما واظهر لهما انه قام بذلك حرصا على حياتهما وليس طمعا في نقل ولاية العهد الى ابنه ، اذ قال «أترياني خلعتكما طمعا في ان اعيش حتى يكبر ولدى وابايع له ، والله ما طمعت في ذلك ساعة قط ، واذا لم يكن في ذلك طمع ، فوالله لان يليها بنو ابي احب الي من ان يليها بنو عمي ، ولكن هؤلاء ـ واومأ الى سائر الموالي ممن هو قائم وقاعد ـ الحوا عليّ في خلعكما ، فخفت ان لم افعل ان يعترضكما بعضهم بحديدة ، فيأتى عليكما. فما ترياني صانعا ، أقتله؟ فوالله ما تفي دماؤهم كلهم بدم بعضكم ، فكانت اجابتهم الى ما سألوا اسهل عليّ» (٢).

__________________

(٢٦) الطبري ٩ / ٢٤٥.

(٢٧) الطبري ٩ / ٢٤٥ ـ ٢٤٦.

٣٠٥

وعند ما حضرا للتنازل ، كان اعوان المنتصر بالله قد احضروا الامراء من بني هاشم ، وكبار القواد ، ورؤوساء الدواوين ، والقضاة ، وصاحب الشرطة ، ووجوه الحرس وغيرهم ، ليشهدوا خلع المعتز والمؤيد نفسيهما. وكانت صيغة الكتاب بالتنازل الذي املي عليهما هي (١) «بسم الله الرحمن الرحيم : ان امير المؤمنين المتوكل على الله رضى الله عنه قلدني هذا الأمر وبايع لي وانا صغير من غير ارادتي ومحبتي ، فلما فهمت امورى علمت أنى لا اقوم بما قلدني ، ولا اصلح لخلافة المسلمين. فمن كانت بيعتي في عنقه فهو من نقضها في حلّ ، وقد احللتكم منها ، وابرأتكم من ايمانكم ، ولا عهد لي في رقابكم ، وانتم براء من ذلك».

وقرأ الرقاع الوزير احمد بن الخصيب. ثم قام كل واحد منهما وقال للحاضرين : هذه رقعتي ، وهذا قولي ، فأشهدوا عليّ ، وقد ابرأتكم من ايمانكم وحللتكم منها (٢).

وأمر الخليفة ان يكتب الى خليفته ببغداد محمد بن عبد الله بن طاهر يعلمه بتنازل اخويه عن ولاية العهد التي عقدها ابوهما لهما من بعده ، وامره ان يكتب بذلك الى جميع العمال ويوعز اليهم بالعمل بموجبه ، وهو كتاب مطول جاء فيه (٣) «اما بعد .. وقد علمت ما حضرت من رفع ابي عبد الله وابراهيم ابنى امير المؤمنين المتوكل على الله الى امير المؤمنين رقعتين بخطوطهما ، يذكران ان فيهما ... انهما قد خلعا انفسهما من ولاية العهد وخرجا منها ، وجعلا كل من لهما عليه بيعة ويمين ... في حل

__________________

(٢٨) نفس المصدر / ٢٤٦.

(٢٩) نفس المصدر / ٢٤٦ ـ ٢٤٧.

(٣٠) نفس المصدر / ٢٤٧ ـ ٢٥٠.

٣٠٦

وسعة من بيعتهم وايمانهم ، ليخلفوهما كما خلعا انفسهما .. ويسألان امير المؤمنين ان يظهر ما فعلاه وينشره .. وان امير المؤمنين وقف على صدقهما فيما ذكرا ورفعا .. ورأى امير المؤمنين ان يجمع في اجابتهما الى نشر ما فعلاه واظهاره .. وأمر أمير المؤمنين بانشاء الكتب بذلك الى جميع العمال ليتقدموا في العمل بحسب ما فيها ، ويخلعوا ابا عبد الله وابراهيم من ولاية العهد .. فاعلم ذلك واكتب الى عمالك بنسخة كتاب أمير المؤمنين هذا اليك واوعز اليهم في العمل على حسبه».

ومن الواضح ان عهد التنازل وكتاب الخليفة قد أعدا بصيغة شملت تنازلهما عن ولاية العهد وما كان ترتب لهما من حقوق وامتيازات بموجبها. وقد صيغا بلغة متينة واضحة لا تخلو من تكرار وتأكيد النقاط المهمة ، وتتضمن من المواثيق ما يؤمن الغاية منها. كما تضمن الكتاب تأكيدا على سلطة الخليفة المطلقة. وبتنازل ابنى المتوكل على الله عن حقوقهما في ولاية العهد حقق القواد الاتراك مكسبا جديدا في السيطرة على شؤون الخلافة. وكما استطاعوا التخلص من المتوكل على الله استطاعوا ازاحة من لا يرغبون به من ابنائه عن ولاية العهد. وبذلك ضمنوا سيطرتهم على تعيين الخليفة الذي سيعقب المنتصر بالله عند وفاته.

٤ ـ وفاة المنتصر بالله :

هناك عدة روايات قيلت عن سبب وفاة الخليفة المنتصر بالله ، يستنتج منها ان وفاته لم تكن طبيعية. فقد قال بعضهم انه

٣٠٧

اصابته الذبحة في حلقه (١). وقيل ان علته كانت من ورم في معدته ثم تصعد الى فؤاده فمات (٢). وقال آخرون انه وجد حرارة فدعا ببعض من يتطبب له وامره بفصده ، ففصده بمبضع مسموم فكانت فيه منيته (٣). وذكر انه وجد علة في رأسه فقطر طبيبه ابن الطيفوري دهنا في اذنه فورم رأسه ، وعوجل فمات (٤). كما ذكر سبب آخر لموته هو ان المنتصر بالله ضربته الريح ، فقد لعب كرة الصولجان وانصرف من الميدان وهو عرق فدخل الحمام ، ولما خرج منه نام في البادهنج فضربه الهواء وركبته حمى عالية. ولما عاتبه وزيره ابن الخصيب على ذلك ، اجابه بالا يخاف عليه من الموت ، لأنه رأى في منامه امس من اخبره بأنه سيعيش خمسا وعشرين سنة ، وذلك يعني انه سيبقى في الخلافة هذه المدة (٥). ويبدو انه فسر حلمه كما كان يحلو له ويتمناه. غير ان الطبري يذكر هذا الحلم بشكل آخر خلاصته ان المنتصر بالله رأى في منامه أنه صعد درجا حتى انتهى الى خمس وعشرين مرقاة منه ، فقيل له : قف فهذا آخر عمرك (٦).

على ان رواية موته بالسم يؤكدها اكثر من ذكروا اسباب وفاته من المؤرخين (٧). وهم يعزون ذلك الى القواد الاتراك

__________________

(٣١) الطبري ٩ / ٢٥١ ، وتاريخ بغداد ٢ / ١٢١ ، وتجارب الامم ٦ / ٥٦٠ ، وتاريخ الاسلام ١ / ١٠٩ وفيه انه مات بالخوانيق.

(٣٢ و ٣٣) نفس المصادر.

(٣٢ و ٣٣) نفس المصادر.

(٣٤) الطبري ٩ / ٢٥٢ ، وتجارب الامم ٦ / ٥٦١ ، والكامل ٧ / ١١٤.

(٣٥) مروج الذهب ٤ / ١٣٣. والبادهنج هو المنفذ الذي يدخل منه الهواء الى الغرفة.

(٣٦) الطبري ٩ / ٢٥٣.

(٣٧) الطبري ٩ / ٢٥٢ ، ومروج الذهب ٤ / ١٣٤ ، وتجارب الامم ٦ / ٥٦٠ ، وتاريخ بغداد ٢ / ١٢١ ، والكامل ٧ / ١١٥.

٣٠٨

الذين اخذوا يتوجسون منه. ويظهر ان المنتصر بالله اخذ يشعر بالندم وتأنيب الضمير لمساهمته في مؤامرة قتل ابيه. لا سيما وان الأمر انتشر بين الناس عامتهم وخاصتهم بأنه قاتل ابيه ، وان مدة حياته لا تطول اكثر من ستة اشهر بعد ابيه ، وهي المدة التي عاشها شيرويه الفارسي قاتل ابيه. وهناك قصة تروى عن بساط كان مفروشا في احد الأروقة في القصر ، وعليه صورة فرس عليه راكب وعلى رأسه تاج ، وحول الصورة كتابة بالفارسية ، لفتت نظر المنتصر بالله ، فترجمت له. فاذا هي صورة شيرويه قاتل ابيه ابرويز الملك وانه عاش بعده ستة اشهر ، فلما سمع ذلك تغير وجهه وقام من مجلسه (١). ويظهر من رواية المسعودي للخبر ان البساط المذكور كان تحت المتوكل على الله ليلة اغتياله ، وعليه آثار من الدماء (٢). ولعل ذلك كان مبعث تشاؤم المنتصر بالله وتغير وجهه.

لا شك في ان الشعور بالذنب او الندم هو ضريبة الجريمة. وكلما اعتقد المجرم بعظم جرمه وفداحة ما ارتكبه من اثم ازداد هذا الشعور ، فيعيش صاحبه في جو خانق من الخوف والقلق ، مما يسبب له آلاما نفسية مبرحة ، وتوترا عصبيا مستمرا. وقد كثرت نتيجة لوضع المنتصر بالله النفسي احلامه التي كانت انعكاسا لشعوره بالأثم وندمه على فعلته. وكان لهذا الوضع النفسي السىء الذى صار اليه المنتصر بالله رد فعل شديد تمثل بحنقه الزائد على القواد الاتراك وبخاصة اولئك الذين قتلوا اباه.

__________________

(٣٨) تفصيل قصة البساط في : مروج الذهب ٤ / ١٣٠ ـ ١٣١ ، ونشوار المحاضرة ٥ / ١٨٣ ـ ١٨٤ وفيه ان صاحب الصورة هو شيرويه بن كسرى هرمز.

(٣٩) مروج الذهب ٤ / ١٣١.

٣٠٩

فلما شعر اولئك القواد بتغير شعور المنتصر بالله تجاههم اخذوا يتحينون الفرصة للتنكيل به والتخلص منه قبل ان يبيدهم. فجعلوا لخادم له ثلاثين الف دينار على ان يحتال في سمه ، وجعلوا لأبن طيفور الطبيب الذي كان يشرف على شؤون الخليفة الصحية ، جملة من المال للغرض نفسه (١). فاتفق الطبيب والخادم على ان يدسوا له السم في كمثراة ناضجة قدمت للمنتصر بالله ، اذ كان يحب الكمثرى ويكثر من اكلها اذا قدمت له مع الفاكهة. فلما اكلها وجد حرارة فعالجه ابن طيفور بالحجامة والفصد ، وكانت الاتهما مسمومة فكان في ذلك موته (٢). ويقال ان ابن طيفور القى المبضع المسموم بين مباضعه الاخرى ، ثم انه بعد مدة وجد حرارة فدعا تلميذا له ليفصده ، فنظر في المباضع فلم يجد أحد من ذلك المبضع ولا اجود ، ففصده به فمات (٣). ويرجح ان في هذا الخبر مبالغة لأن المبضع المسموم قد نفذ سمه باستخدامه في المرة الاولى ، وقد يكون هذا القسم من رواية سم المنتصر بالله بالفصد ، قد اضيف بغرض التأكيد على ان المبضع الذي استخدم في فصده كان مسموما.

ان تعدد الاسباب التي ذكرت لموت المنتصر بالله ، يبدو وكأنها اشيعت للتغطية على سبب موته الحقيقي. وهو ان الطبيب المتوطىء مع القواد الأتراك قد سمه بالسم المعروف آنذاك وهو الزرنيخ. وكان قد استغل اصابته بالبرد الشديد ـ وربما كان

__________________

(٤٠) الطبري ٩ / ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ، وفوات الوفيات ٢ / ٣٧٢ ، وتاريخ الاسلام ١ / ١٠٩. وفي المصدرين الاخيرين ان الاتراك جعلوا للطبيب ثلاثين الف دينار.

(٤١) الطبري ٩ / ٢٥٣ ، والكامل ٧ / ١١٤ ، وشذرات الذهب ٢ / ١١٩.

(٤٢) الطبري ٩ / ٢٥٣ ، وتجارب الامم ٦ / ٥٦٠ ـ ٥٦١ ، والكامل ٧ / ١١٤.

٣١٠

قد اصيب بذات الرئة ـ وبقاءه في الفراش قرابة عشرة ايام ، فاخذ يعطيه جرعات منه يوميا مع الدواء الذي كان يسقيه اياه. ولما قارب جسم المنتصر بالله ان يستوفي من كمية الزرنيخ ما يكفي لقتله اظهر الطبيب ان ما وضعه من السم في الكمثرى سيؤدي الى موته.

اما تاريخ وفاته فتكاد تتفق المصادر على انه توفى يوم الأحد لخمس خلون من ربيع الآخر سنة ٢٤٨ ه‍ (١). وكانت وفاته بالقصر المحدث بسامرا (٢). ويقال انه لما حضرته الوفاة قال : (٣)

فما فرحت نفسي بدنيا أخذتها

ولكن الى الرب الكريم أصير

وجاء ذلك في فوات الوفيات كما يأتي : (٤).

فما متعت نفسي بدنيا احبتها

ولكن الى الرب الكريم اصير

وما كان ما قدمته رأى فلتة

ولكن بفتياها اشار مشير

وهو يشير بهذا الى ندمه وطلبه المغفرة ، والى الفتوى التي حصل عليها من بعض الفقهاء عند ما استفتاهم في قتل ابيه من غير

__________________

(٤٣) الطبري ٩ / ٢٥١ ، ومروج الذهب ٤ / ١٤٤ ، وتاريخ بغداد ٢ / ١٢١ ، والكامل ٧ / ١١٤ وتاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٨٣ وفيه انه توفي يوم السبت لاربع خلون من ربيع الآخر.

(٤٤) الطبري ٩ / ٢٥٤.

(٤٥) نفس المصدر / ٢٥١.

(٤٦) فوات الوفيات ٢ / ٣٧٣.

٣١١

ان يسميه ، وحكى عنه امورا قبيحة (١). لم تفصح عنها المصادر التي اطلعنا عليها.

وقد اختلف المؤرخون في مقدار عمر المنتصر بالله عند وفاته. فان كلا من الطبري واليعقوبي والخطيب البغدادي ومسكويه والمسعودي وابن الأثير يرون انه توفى وعمره خمس وعشرون سنة وستة اشهر (٢). الا ان الطبري والخطيب البغدادي يستدركان ويقولان : بل كان عمره اربعا وعشرين سنة (٣). كما ان المسعودي يذكر في كتابه التنبيه والاشراف انه توفى وعمره ثمان وعشرون سنة (٤). ويقول ابن عبد ربه ان عمره كان ستا وعشرون سنة الا ثلاثة اشهر (٥). اما الذهبي فيرى انه توفى وعمره ست وعشرون سنة (٦).

ويعود سبب الاختلاف في مقدار عمر المنتصر بالله الى عدم التثبت من تاريخ ميلاده. فان الخطيب يقول ان مولده كان في ربيع الآخر من سنة ٢٢٢ ه‍ (٧). بينما يرى ابن عبد ربه انه ولد في ربيع الاول من السنة المذكورة (٨). اما صاحب خلاصة الذهب المسبوك فيقول انه ولد في سنة ٢٢٤ ه‍ (٩).

__________________

(٤٧) الطبري ٩ / ٢٥٢ ، وتجارب الامم ٦ / ٥٦١.

(٤٨) الطبري ٩ / ٢٥٣ ، وتاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٩٣ ، وتاريخ بغداد ٢ / ١١٩ ، وتجارب الامم ٦ / ٥٦١ ، ومروج الذهب ٤ / ١٢٩ ، والكامل ٧ / ١١٥.

(٤٩) الطبري ٩ / ٢٥٣ ، وتاريخ بغداد ٢ / ١٢٠.

(٥٠) التنبيه والاشراف / ٣١٤.

(٥١) العقد الفريد ٥ / ١٢٣.

(٥٢) العبر ١ / ٤٥٣.

(٥٣) تاريخ بغداد ٢ / ١١٩.

(٥٤) خلاصة الذهب المسبوك / ٢٢٧.

(٥٥) العقد الفريد ٥ / ١٢٣.

٣١٢

ورزق المنتصر بالله من الولد عليا وعبد الوهاب وعبد الله واحمد (١). وكانت مدة خلافته ستة اشهر (٢). وقد صلى عليه عند دفنه احمد بن محمد بن المعتصم بالله الذي تولى الخلافة بعده ولقب بالمستعين بالله. ودفن بسامرا بقبر ظاهر مشهود كما سبق ان اشرنا (٣) وكانت ولادته بسامرا كذلك (٤).

٥ ـ المنتصر بالله والاحلام :

مما يلفت النظر في مدة خلافة المنتصر بالله كثرة الأحلام التي رآها هو بنفسه ورواها لحاشيته والمقربين اليه ، والتي رآها اشخاص آخرون ، وبعضهم مما كانت له علاقة بهم. وكلها تدور حول عمره ومدة خلافته. اذ بالاضافة الى الحلم الذي سبق ان ذكرناه ، فان المنتصر بالله انتبه ذات يوم من نومه وهو يبكي وينتحب. فسأله نديمه وصاحبه عبد الله بن البازيار عما يبكيه ، فقال : رأيت في نومي كأن المتوكل على الله قد جاءني وقال لي ويلك يا محمد قتلتني وظلمتني وغبنتني في خلافتي ، والله لا تمتعت بها الا اياما يسيرة ، ثم مصيرك الى النار. فانتبهت مذعورا لا املك عيني ولا جزعي. فقال له ابن البازيار مخففا عنه : هذه رؤيا وهي تصدق وتكذب ، بل يعمرك الله ويسرك ، ادع بالنبيذ وخذ في اللهو ولا تعبأ بها (٥).

__________________

(٥٦) العقد الفريد ٥ / ١٢٣.

(٥٧) الطبري ٩ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤ ، وتاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٩٣ ، ومروج الذهب ٤ / ١٢٩ وتجارب الامم ٦ / ٥٦١.

(٥٨) الطبري ٩ / ٢٥٤ ، ومروج الذهب ٤ / ١٣٤ ، وتجارب الامم ٦ / ٥٦١ ، والكامل ٧ / ١١.

(٥٩) الطبري ٩ / ٢٥٣ ، والكامل ٧ / ١١٥ ، وخلاصة الذهب المسبوك / ٢٢٧.

(٦٠) الطبري ٩ / ٢٥٢ ، والكامل ٧ / ١١٥.

٣١٣

وذكر عن احمد بن صالح صاحب المصلى انه قال : كان لابي مؤذن فرآه بعض اهلنا في المنام كأنه أذن أذانا لبعض الصلوات ، ثم دنا من بيت فيه المنتصر بالله فنادى يا محمد ان ربك لبالمرصاد (١). وقال عبد الملك بن سليمان بن ابي جعفر : رأيت في منامي المتوكل على الله والفتح بن خاقان وقد احاطت بهما نار ، وقد جاء المنتصر بالله فاستأذن عليهما ، فمنع من الوصول اليهما ، ثم اقبل المتوكل على الله عليّ فقال لي يا عبد الملك قل لمحمد بالكأس الذي سقيتنا تشرب ، فلما اصبحت غدوت على المنتصر بالله فوجوته محموما ، فواظبت على عيادته فمات من ذلك المرض ، وسمعته يقول في مرضه عجلنا فعوجلنا (٢).

وكان وزير المنتصر احمد بن الخصيب غضب على احد عماله وقرر ان يصادره ، فعلم ابن ذلك العامل ما ازمع عليه الوزير ، فاراد ان يخبر اباه بذلك ليتخذ الحيطة. فزاره بعض كتاب الديوان وجلس عنده. يقول ابن العامل : وشغلت عن جليسي فاتكأ على الوسادة وغفا ، ثم انتبه مرعوبا وقال انه رأى رؤيا عجيبه ، فقد رأى الوزير ابن الخصيب واقفا يقول : يموت الخليفة المنتصر بالله الى ثلاثة ايام. فقلت له : ان الخليفة في الميدان يلعب بالصولجان وهذه الرؤيا ضرب من الأوهام. فما استتما كلامهما حتى دخل عليهما داخل يقول : ان الخليفة انصرف من الميدان وهو عرق فدخل الحمام ونام في البادهنج فضربه الهواء ، وركبته حمى هائلة (٣).

__________________

(٦١) الطبري ٩ / ٢٥٥.

(٦٢) مروج الذهب ٤ / ١٣٤.

(٦٣) نفس المصدر / ١٣٣.

٣١٤

ويقال ان احد الكتاب رأى في المنام في الليلة التي استخلف فيها المنتصر بالله كأن قائلا يقول (١) :

هذا الامام المنتصر

والملك الحادي عشر

فأمره اذا أمر

كالسيف ما لاقى بتر

وطرفه اذا نظر

كالدهر في خير وشر

لا غرابة في حدوث الأحلام التي أشرنا اليها اذا ما نظرنا اليها على ضوء علم النفس الحديث. فأن الأفكار والذكريات المؤلمة التي لا يقوى الانسان على تحملها ، اما لتألمه منها او لنفرته عنها ، تتجمع بتأثير قوة نفسية خفية في غياهب لا شعوره ، وذلك ما يدعى بالكبت. وان بعض الرغبات والأماني التي يعلل الفرد بها نفسه ويتمناها في يقظته ، ثم يكبتها لسبب ما ، فان الأحلام تتولى غالبا تحقيقها بالتعبير عنها بشكل صريح مكشوف ، او بصورة رمزية مقنعة تحتاج الى التفسير والتأويل. وهناك نوع من الاحلام ينبىء عن حوادث مقبلة. وتقوم مثل هذه الاحلام على توقع الشخص لا شعوريا بحدوث امر معين ، فيظهر له في الحلم ما توقعه.

اما مجتمع سامرا الذي هزته حادثة اشتراك المنتصر بالله في مؤامرة اغتيال ابيه ، وتوليه الخلافة بعده ، ثم شيوع قصة البساط وصورة الملك قاتل ابيه وموته بعده بستة اشهر ، فقد شغلته هذه الأفكار. يقول الطبري «ولم ازل اسمع الناس حين

__________________

(٦٤) نفس المصدر / ١٣٧.

٣١٥

افضت اليه الخلافة من لدن ولي الى ان مات يقولون : انما مدة حياته ستة اشهر ، مدة شيرويه : بن كسرى قاتل ابيه ، مستفيضا ذلك على السن العامة والخاصة» (١). بحيث كان الناس يلهجون بذلك في مجالسهم وهم يتوقعون او يتمنون للمنتصر بالله ما اصاب شيرويه من قصر عمره وعدم تمتعه بالملك بعد ابيه ، فكانوا يترقبون موته قريبا.

وبالنظر لفداحة الجرم الذي ارتكبه المنتصر بالله بحق ابيه ، فان الناس كانوا يعتقدون ان الله تعالى له بالمرصاد ، وان مصيره سيكون الى النار. فكانت الاحلام التي رآها بعضهم هي انعكاسات لهذه الخواطر والافكار والتمنيات التي يحاولون جهدهم ان يكبتوها خوفا من السلطة.

__________________

(٦٥) الطبري ٩ / ٢٥٢.

٣١٦

الفصل السادس

المستعين بالله

ابو العباس احمد بن محمد بن المعتصم بالله

١ ـ مبايعته :

بعد ان ارغم المنتصر بالله اخويه على التنازل عن ولاية العهد حاول القواد الاتراك ان يقنعوه بان يعهد الى ابنه عبد الوهاب. الا انه لم تتح له الفرصة ليعهد الى احد من بعده اذ ادركته المنية بعد فترة وجيزة من تنازل اخويه (١). وعند وفاة المنتصر بالله اجتمع كبار القواد الاتراك : بغا الكبير وبغا الصغير واوتامش وعدد من رجال الدولة وعلى رأسهم احمد بن الخصيب وزير الخليفة المتوفى ، في القصر الهاروني لاختيار خليفة. فاستحلف القواد الحاضرون من الاتراك والمغاربة على ان يرضوا بمن يرضى به بغا الكبير وبغا

__________________

(١) تنازل المعتز والمؤيد لسبع بقين من صفر سنة ٢٤٨ ، ومات المنتصر لاربع خلون من ربيع الآخر ـ اي بعد اربعين يوما. الطبري ٩ / ٢٤٦ و ٢٥١ على التوالي.

٣١٧

الصغير واوتامش (١). وكان ذلك بتدبير من الوزير لتأمين استمرار السلطة بيد قتلة المتوكل على الله. وقد حرص هؤلاء على ان لا يتولى الخلافة احد ابنائه. فاشار احمد بن الخصيب على القواد الثلاثة بان يبايعوا ابا العباس احمد بن محمد بن المعتصم بالله (٢). فلما حضر ليبايعوه ، قال : استعين بالله ، فلقب بعد مبايعته بالمستعين بالله (٣). وقد برروا اختياره بانهم حرصوا على ان لا تخرج الخلافة من ولد مولاهم المعتصم بالله (٤). وكانت تلك هي البيعة الخاصة للمستعين بالله.

ولما حضر المستعين بالله صباح اليوم التالي دار العامة ، وقد لبس زي الخلافة لمبايعته البيعة العامة ، حضر القواد وكثير من بني العباس والطالبيين وغيرهم. ويظهر ان اختيار ابي العباس لقي معارضة من بعض القواد فحرضوا عددا من الجند والفرسان فجاءوا الى الدار ليبدوا معارضتهم وتبعهم كثير من العامة ، فشهروا السلاح ونادوا بمبايعة المعتز بالله ، فشد عليهم المغاربة والاشروسنية الذين بايعوا المستعين بالله ، وتمكنوا بواسطة بغا الصغير وجماعته من الأتراك من القضاء على هذه الحركة التي استمرت ثلاثة ايام ووقع فيها قتلى من الطرفين. وكان الموالون للمستعين بالله قد اخذوا له البيعة ممن حضروا الدار في ذلك اليوم (٥). ويقول

__________________

(٢) الطبري ٩ / ٢٥٦.

(٣) الطبري ٩ / ٢٥٦ ، وتاريخ اليعقوبي ٨ / ٤٩٤ والنبراس / ٨٦ وجاء فيه ان احمد هو ابن محمد المعتصم بالله ، وهو واهم في ذلك.

(٤) تاريخ بغداد ٥ / ٨٤ ، وخلاصة الذهب المسبوك / ٢٢٨.

(٥) الطبري ٩ / ٢٥٦.

(٦) نفس المصدر / ٢٥٧.

٣١٨

اليعقوبي «وفرق المستعين في الناس اموالا كثيرة ، واستقامت اموره» (١).

٢ ـ صفاته وسيرته :

ولد المستعين بالله يوم الثلاثاء السابع من رجب سنة ٢٢١ ه‍ (٢) ، وامه جارية صقليية اسمها مخارق (٣). وكان المستعين بالله اطلق يدها ولم يمنعها من شيء تريده ، فكانت شديدة الاسراف ، تحتجز أكثر الاموال التي تحمل الى بيت المال ، وقد وجد في خزائنها عند ما خلع الاتراك ابنها ما قيمته الف الف دينار (٤). وعاشت بعد قتل ابنها مدة.

اما صفات المستعين بالله الجسمية فقد كان ربعة خفيف العارضين ، حسن الوجه ، وبوجهه أثر جدري ، يلثغ في السين نحو التاء (٥). ويضيف المسعودي انه كان مسمنا اسود اللحية (٦). اما عن سلوكه وسياسته فقد تفاوتت فيهما اراء المؤرخين ، اذ وصفه المسعودي بانه كان شديد الخوف على نفسه فاداه خوفه وقلة أمنه الى الهرب من دار ملكه فاديرت الأمور عنه (٧). الا انه قال عنه في مكان آخر انه كان حسن المعرفة بأيام الناس واخبارهم لهجا باخبار الماضين (٨).

__________________

(٧) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٩٤.

(٨) خلاصة الذهب المسبوك / ٢٢٨ ، وتاريخ الخلفاء / ٣٥٨.

(٩) مروج الذهب ٤ / ١٤٤ ، وتاريخ بغداد ٥ / ٨٤.

(١٠) الذخائر والتحف / ٢٣٨.

(١١) تاريخ بغداد ٥ / ٨٥ ، وشذرات الذهب ٢ / ١٢٦ ، وخلاصة الذهب المسبوك / ٢٢٨ ، وتاريخ الخلفاء / ٣٥٨.

(١٢) التنبيه والاشراف / ٣١٥.

(١٣) نفس المصدر.

(١٤) مروج الذهب ٤ / ١٥٦.

٣١٩

وبينما يصفه ابن الطقطقي بانه كان مستضعفا في رأيه وعقله وتدبير ، ، وكانت ايامه كثيرة الفتن ، ودولته شديدة الاضطراب ، ولم يكن فيه من الخصال المحمودة سوى انه كان كريما وهويا (١) ، يقول عنه الاربلي انه كان سديد الرأي حسن التدبير (٢). ويقول السيوطي انه كان خيرا فاضلا ، اديبا بليغا ، وهو اول من احدث لبس الاكمام الواسعة فجعل عرضها نحو ثلاثة أشبار ، وصغر القلانس وكانت قبله طوالا (٣). ويقول عنه الذهبي انه كان مسرفا في تبدير الخزائن والذخائر (٤). وجاء عنه في فوات الوفيات انه كان خاملا يرتزق بالنسخ ، فلما جاءته الخلافة من حيث لا يحتسب قال :

جاء لطف الله بالأمر الذي لا ارتجيه

فعلي ان اقضي حق الله فيه

ويروي اعداءه البيت الثاني : ان اقضي حق الشرب فيه (٥). يمكن ان يستنتج مما قاله المؤرخون بشأنه انه كان ضعيفا خائر العزم ، مستسلما سهل القياد. فقد استوزر اول امره احمد بن الخصيب ، الا ان انقياده للقواد الاتراك اضطره الى ان يستوزر القائد التركي اوتامش ، وهو ابن اخت بغا الكبير. وكان المتولي لامور اوتامش كاتبه شجاع بن القاسم الذي يقول عنه الحصري «انه امي لا يقرأ ولا يكتب ولا يفهم ، وانما علم علامات يكتبها في

__________________

(١٥) الفخري.

(١٦) خلاصة الذهب المسبوك / ٢٢٩.

(١٧) تاريخ الخلفاء / ٣٥٩.

(١٨) شذرات الذهب ٢ / ١٢٦.

(١٩) فوات الوفيات ١ / ١٢٦.

٣٢٠