كنوز الذّهب في تاريخ حلب - ج ١

سبط ابن العجمي الحلبي

كنوز الذّهب في تاريخ حلب - ج ١

المؤلف:

سبط ابن العجمي الحلبي


المحقق: الدكتور شوقي شعث و المهندس فالح البكّور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٥
الجزء ١ الجزء ٢

كثيرة الأشجار والثمار. وقرية المغارة خارجها مغارة كبيرة جدا. وسقفها من خزف زخرفته زائدة.

«جبل أريحا» : وأريحا قرية كبيرة بل بلدة عظيمة لها جامع. ومساجد. وبها خانقاه للصوفية. وينزل إليها الماء ويتفرق في جامعها وآبارها. من عين تسمى (الكرساني). وماؤها عذب. ولا ذكر لأريحا في الفتوح. وهذا الجبل مشرف جدا. وفي أعلاه عين ماء. ينظر منه قلعة حلب عند الغروب.

(١١٩ و) ف

«جبل الأعلى» : سمي بذلك لعلوه. وهو مطل على العمق ، متصل بجبل سمعان من جهة الشمال. وبجبل السماق من جهة القبلة ، وفيه قرى عظيمة منها : أرمناز من غريبه وكورتها ، وهي بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الميم وبعد الألف زاي.

وقال ابن خلكان : إنها قرية من عمل دمشق ، وقيل من أعمال انطاكية.

وذكر السمعاني أنها من أعمال حلب. وقال لي من رأى أرمناز إن بينها وبين عزاز من عمل حلب أقل من ميل من جانبها الغربي.

والمعروف أن أرمناز هي القرية المعروفة بهذا الجبل الآن. وبها معمل الزجاج لكثرة الرمل والحطب بها. وبها عين ماء.

ومن شرقيه الجزر وفيه من العمائر وبناء الروم آثار يروق الطرف.

ومن قرى هذا الجبل كفر تخارين ؛ وهي قرية حسنة ، كثيرة الأشجار ، ولها مسجد نزه ، وقلعتها تحت الأرض ، والماء داخل هذا الحصن. وهو عين جارية ، وينزل إلى هذا الحصن بدرج. وفي أسفل هذا الجبل إلى ناحية بلد سرمين قرى تدعى (بالحقة) (١) وهي قرى عظيمة كثيرة الفواكه والزيتون. واعتقاد أهلها سيء.

__________________

(١) لم نقف لها على ترجمة.

٦٠١

وقال حمدان بن عبد الرحيم بن حمدان الأتاربي :

اسكان عرشين القصور عليكم

سلامي ما هبت صبا وقبول (١)

ألا هل إلى حث المطايا إليكم

وشم خزامى حربنوش سبيل (٢)

وهل غفلات العيش في دير مرقس

يعود وظل اللهو فيه ظليل (٣)

إذا ذكرت لذاتها النفس عندكم

تلاقي عليها زفرة وعويل

بلاد بها أمسى الهوى غير أنني

أميل مع الأقدار حيث تميل (٤)

__________________

(١) في الأصل : (عريب). صوبناها عن معجم البلدان حيث ذكر : «عرشين القصور : قرية من قرى الجزر من نواحي حلب ..». ثم ذكر الأبيات.

(٢) عند ياقوت : المطي. حربنوش : قال عنها ياقوت : قرية من قرى الجزر من نواحي حلب ..». ثم أورد البيت المذكور.» (معجم البلدان : حربنوش) لا زالت تعرف بهذا الاسم وتتبع إداريا معرة مصرين وتبعد عنها ٨ كم وعن إدلب ١٨ كم. (التقسيمات الإدارية : ١٤٤).

(٣) دير مرقس : قال عنه ياقوت : «من قرى الجزر من نواحي حلب». ثم ذكر الأبيات. وفي الأصل دير مرقش (معجم البلدان : دير مرقس)

(٤) انتهى ما وجدنا من نسخة الفاتيكان (ف) وبدأ الخرم.

٦٠٢

الفصل الثالث عشر

في

ـ ذكر التتار.

ـ وتراجم بعض ملوكهم.

ـ ووقائعهم.

٦٠٣

[جنكيز خان] : اعلم أن ملكهم الأول وطاغيتهم هو جنكز خان الذي خرب البلاد وأباد العباد وأنشأ (١) للتتار ذكرا ، وقبله إنما كانوا ببادية الصين فملكوه عليهم وأطاعوه طاعة أصحاب نبي لنبي ، بل طاعة العباد المخلصين لرب العالمين ، وأمه تزعم أنها حملت به من شعاع الشمس (٢) ؛ فلهذا لا يعرف له أب. والظاهر أنه مجهول النسب ، ورأيت في مسند أبي يعلى ما يدل (٢) على هذا وهو أن (حرقوسا) لما سأل علي رضي الله عنه أمه من أين هذا قالت : لا أدري إلا أني كنت أرعى غنما في الجاهلية (بالربذة) فغشيني شيء كهيئة الظل فحملت منه فولدت هذا. انتهى.

وهو الذي وضع الكتاب الموسوم (بالياسا) (٣) والتي يتحاكمون ويحكمون بها وأكثرها تخالف شرائع الله وكتبه ، وإنما هو شي اقترحه من عند نفسه وذكر بعضهم أنه كان يصعد جبلا ثم ينزل ثم يصعد ، ثم ينزل حتى يعيا. ويقع مغشيا عليه. ويأمر من عنده أن يكتب ما يلقى على لسانه حينئذ. فإذا كان هذا هكذا فالظاهر أنه الشيطان كان ينطق على لسانه بما فيها.

وذكر الجويني أن بعض عبادهم كان يصعد الجبال في البرد الشديد فسمع قائلا يقول له : أنا قد كلفنا (٤) جنكيز خان وذريته الأرض.

وفي كتابه : من زنى محصنا كان أو غير محصن قتل (٥) وكذلك من لاط قتل. ومن تعمد الكذب قتل. ومن سحر قتل ، ومن دخل بين اثنين يختصمان فأعان

__________________

(١) في الأصل : انشى

أ ـ حاشية في الأصل : قف على أن جنكيز خان حملت به أمه من شعاع الشمس.

(٢) مكررة في الأصل.

(٣) انظر كتاب : «تاريخ فاتح العالم : ١ / ٦١)

(٤) كذا قرأناها.

(٥) استدركت على الهامش

٦٠٤

أحدهما قتل ، ومن بال في الماء الواقف قتل. ومن انغمس فيه قتل ، ومن وجد هاربا ولم يرده قتل ، ومن رمى إلى أحد شيئا من المأكول قتل ؛ بل يناوله من يده إلى يده (!). ومن أطعم أحدا شيئا فليأكل منه ولو كان المطعم أمير الأسير ، ومن أكل ولم يطعم من عنده قتل ، ومن ذبح حيوانا ذبح مثله ؛ بل يشق جوفه ويتناول قلبه بيده يستخرجه من جوفه أولا.

وأهدى له رجل جام زجاج من معمول حلب فاستحسنه فوهن أمره بعض خواصه وقال : يا خوند هذا زجاج لا قيمة له. فقال : أليس قد حمله من بلاد بعيدة حتى وصل إلينا مسالما أعطوه مائتي (بالس) (١).

وقيل له إن في هذا المكان كنزا فإن فتحته أخذت منه مالا كثيرا فقال : الذي بأيدينا يكفينا دعوا هذا يفتح للناس ويأكلونه. وهم أحق به منا ، ولم يتعرض له.

وكان يحب المصارعين وأهل الشطارة وقد اجتمع عنده منهم جماعة فذكر له إنسان بخراسان فأحضره فصرع جميع من عنده فأكرمه. وأعطاه بنتا من بناته.

فمكثت عنده مدة لا يتعرض لها فاتفق أنها زارت بيت القان فجعل السلطان يمازحها ويقول : كيف رأيت المستعرب. فذكرت أنه لم يقربها. فتعجب من ذلك. وأحضره فسأله عن ذلك فقال : يا خوند أنا إنما حظيت عنده بالشطارة. ومتى قربتها نقصت منزلتي عندك.

ولما احتضر أوصى أولاده بالاتفاق. وضرب لهم الأمثال و [كان] بين يديه نشابا فجعل يأخذ السهم ويعطيه للواحد منهم. فيكسره. ثم أنه غير حزمة أخرى ودفع مجموعة إليهم فلم يطيقوا كسرها. فقال : هذا مثلكم إذا اجتمعتم واتفقتم. وذاك مثلكم إذا افترقتم واختلفتم. وله عدة أولاد أكبرهم (توشي).

__________________

(١) كذا في الأصل.

٦٠٥

وتوفي في سنة ثلاث وعشرين وستمائة. وقال الذهبي مبدأ ملكه في سنة تسع وتسعين وخمسمائة. واستولى على بخارى وسمرقند في سنة ست عشرة. ومدن خراسان في سنة ثمان عشرة. [وعند ما] رجع من حرب السلطان [جلال الدين] (١٠٧ و) م خوارزم شاه على نهر السند وصل إلى مدينة ... (١) من بلاد الخطا فمرض بها ومات في رمضان سنة أربع وعشرين. وكانت أيامه خمسا وعشرين سنة. وكان اسمه قبل أن يملك الملك (تمرجين). ومات على دينهم وكفرهم. وبلغنا أنه خلف من الأولاد الذين يصلحون للسلطنة ستة وفوض الأمر إلى أو كتاي أحدهم بعد ما استشار الخمسة الآخرين في ذلك. فلما هلك جنكيز خان امتنع أوكتاي عن الملك وقال : لي أخوة وأعمال من هو أكبر مني. فلم يزالوا نحوا من أربعين يوما حتى تملك وحكم على الملوك.

ولقبوه (قان الأعظم) ومعناه : الخليفة. مما قيل : رتب جيوشه. وفتح الفتوحات. وطالت أيامه. وولي بعده الأمر.

مونكوكا

وهو القان الذي كان أخوه هولاكو أمن جملة مقدميه ونوابه على خراسان.

[قبلاي] :

وولي بعد مونكوكا أخوه قبلاي. وطالت خلافته. وبقي نيفا وأربعين سنة ، وعاش إلى سنة ثلاث وتسعين وستمائة. ومات سنة خمس بمدينة خان تالف التي هي كرسي المملكة وهي أم الخطا.

__________________

(١) بياض في الأصل

٦٠٦

وأما ... (١) فهو اسم جبل بتلك الديار. وهو حدبين بلاد الهند وبلاد الخطا.

هذا ومنكوكا وهلاكو أخوة. وهم أولاد طولي (١) بن جنكيز خان. وقتل طولي في مصاف عظيم بين السلطان جلال الدين خوارزم شاه سنة ثمان عشرة وستمائة بخراسان من ناحية غزنة (٢) انتهى.

وقال المؤيد في سنة عشرة (٣) قال : وفي هذه السنة كان ظهور التتر وقتلهم من المسلمين ، وذكرت قصة طويلة فانظرها إن أردت. انتهى.

وقال سبط بن الجوزي كان أول ظهورهم بما وراء النهر سنة خمس عشرة انتهى.

وقرأت في كلام ابن أبي حجلة نقلا عن ابن كثير قال : في سنة ثمان وثلاثين وستمائة ورد من ملك التتار جنكيز خان كتاب إلى ملوك الإسلام يدعوهم إلى طاعته ويأمرهم بتخريب أسوار بلداتهم وعنوانه : «من نائب رب السماء ، فاتح (٤) الأرض ، ملك المشرق والمغرب هامان. انتهى».

وهذا غير الأول. ورأيت في بعض التواريخ عن خط البرزالي قال : جنكيز خان في سنة ست وستمائة كان ظهوره وأول خروجه إلى فرغانة. ونواحي الترك. انتهى.

وقرأت في التذكرة للقرطبي قال : وفي جمادى الأولى سنة سبع عشرة وستمائة خرج جيش من الترك يقال له التتر فأقبلوا (٥) من وراء النهر ومادونه من جميع بلاد خراسان. وهذا الجيش يؤمن أن الخالق المصور هما التتران (٦). وملكهم يعرف بخان

__________________

أ ـ رسم الكلمة (ننكه)

(١) في مصادر أخرى باسم (ترولي).

(٢) غزنة : مدينة عظيمة وولاية واسعة في طرف خراسان. وهي الحد بين خراسان والهند شديدة البرد ...» (معجم البلدان : غزنة)

(٣) أي عام ٨١٦ ه‍.

(٤) رسم الكلمة في الأصل : مالح.

(٥) في الأصل : «مقلوا». لعلها كما ذكرنا.

(٦) كذا قرأناها.

٦٠٧

قامان. وأخربوا مدينة بشاور. وأطلقوا فيها النيران. وأتوا إلى خوارزم وقتلوا وسبوا وخربوا واطلقوا الماء على المدينة من نهر جيحان ثم صيروه لمشهد الرضوى بطوس أرضا وخربوا الري وقزوين وأبهر (١) وزنجان (٢) وأردبيل (٣) ومراغة ، ووصلوا إلى العراق الثاني. وأتو أصبهان (٤) وأهلها يشتغلون بالحديث فحفظهم الله تعالى وتلقوهم. واجتمع فيها مائة ألف إنسان وساق القدر التتر إلى مصارعهم. فمرقوا عن أصبهان وجاؤوا إلى همذان (فهدوها) (٥) بعد أن قامت الحرب على ساق. وصعدوا جبل أروند (٦) وقتلوا من فيه من صلحاء المسلمين. وقتلوا من في العراق الثاني. وربطوا خيولهم إلى جواري المساجد والجوامع وأوغلوا في بلاد المشرق.

قال : فقد كملت خرجاتهم. ولم يبق إلا قتلهم لهم فخرجوا على العراق الثاني كما ذكرنا ، وخرجوا في هذا الوقت على العراق الثالث وما اتصل بها من البلاد. وقتلوا جميع من كان بها من الملوك والعلماء والفضلاء والعباد. وحصروا ميافارقين واستباحوا جميع من فيها من المسلمين ، وعبروا الفرات فوصلوا إلى حلب. وقتلوا من كان فيها إلى (٧) أن تركوها خالية. ثم أوغلوا إلى أن ملكوا جميع الشام في مدة يسيرة ودخل زغيمهم إلى مصر فخرج إليهم [الملك المظفر قطز](٨) إلى أن التقى بهم بعين جالوت فكان له عليهم من النصر والظفر كما كان لطالوت. فقتل منهم جمع كثير.

__________________

(١) أبهر : مدينة مشهورة بين قزوين وزنجان وهمذان من نواحي الجبل. ينسب إليها العديد من الأعلام (معجم البلدان : أبهر)

(٢) زنجان : بلد كبير مشهور قرب أذربيجان. قريبة من أبهر وقزوين خرج منها جماعة من أهل العلم والأدب والحديث (معجم البلدان : زنجان)

(٣) أردبيل : من أشهر مدن أذربيجان. (معجم البلدان : أردبيل)

(٤) في الأصل : أصبهاني.

(٥) كذا في الأصل.

(٦) أروند : اسم جبل مطل هلى همذان ... (معجم البلدان : أروند)

(٧) كذا قرأناها.

(٨) إضافة المحققين.

٦٠٨

وارتحلوا من ساعتهم عن الشام وعبروا الفرات منهزمين ، وراحوا (١٠٣ ظ) م خاسئين. انتهى.

[أبو بكر الشعيبي] :

وقال سعد الدين الجويني : سألت الشيخ أبا بكر الشعيبي الزاهد عن التتار قبل أن يطوفوا البلاد فزفر زفرة ثم أنشد : (١)

وما كل أسرار النفوس مزاعة

ولا كل ما حل الفؤاد يقال.

والشعيبية : قرية من قرى ميافارقين.

وكان هذا من الصلحاء الأبدال ، صاحب علم وعمل ورياضيات. ومجاهدات. قال الجويني المذكور : سألني السلطان المظفر أن أقول له أن يأذن له في زيارته فلم يجب ، وقال : أنا أدعو له أن يصلحه الله تعالى لنفسه ولرعيته فيجتهد أن لا يظلم. قال : وكان أكثر أوقاته يتكلم على .... (١) خرج إلى الشعيبية وقال لأولاده : احفروا لي قبرا. فأنا أموت بعد يومين. فحفروا له ثم مات في اليوم الذي عيّنه في سنة إحدى وأربعين وستمائة. انتهى.

رجع : وهلاكو تقدم أنه ابن طرلي.

[طولى (٢) بن جنكيز خان] :

ورأيت بخط بعضهم : طولي بن جنكيز خان كان من أعظم ملوك التتار حازما. شجاعا مدبرا ، ذا همة عالية ، وسطوة عظيمة وشهامة شديدة وله خبرة بالحروب وافتتاح الحصون ، ومحبة في العلوم العقلية من غير أن ينفعل (٣) منها شيئا. واستدعى

__________________

أ ـ حاشية في الأصل : «قف على نظافة هذا وما كل أسرار النفوس».

(١) رسم الكلمة في الأصل : «الحاطه».

(٢) عند أبي الفداء (طولو). (المختصر : ٤ / ٢)

(٣) كذا في الأصل.

٦٠٩

إليه جماعة من العلماء بها كالمؤيد العرضي ، والتقي علي الجويني ، وابن طلب. وغيرهم. وجمع حكماء مملكته وأمرهم أن يرصدوا الكواكب ويحققوا أمرها ، وكان واسع الصدر يطلق الكثير من الأموال والبلاد مما يشح التتار بمثله ؛ فإن الغالب عليهم الشح ، وكان على قاعدة المغل في عدم التقيد بدين أو الميل إليه. وإنما كانت زوجته قد تنصرت وكانت عضد النصارى ويقيم شعارهم بتلك البلاد التي استولى عليها وكان سعيدا في حروبه وحصاراته لم يرم أمرا إلا سهل عليه وحصل في قلوب الناس كافة من الرعب منه ما أوجب انقيادهم إليه أو هربهم من بين يديه فطوى البلاد واستولى على الأقاليم وفتك في الشام.

ورأيت في بعض التواريخ قال : لما ملك هلاكو الشام أحضر النصير الطوسي (١) وقال انظر من يملك مصر من عظمي أو مقدمي عساكري فقد قيل أني لا أملكها فنظر فلم يجد من أسماء من يملكها إلا كتبغا. وكان صهر هلاكو يسمى كتبغا نونين فظنه هلاكو إياه. فانفذه على العساكر الذي خذلهم الله تعالى على يد المظفر على عين جالوت.

[هلاكو وابن المستعصم] :

وحكى سراج الدين الأرموي أنه لما توجه إلى هولاكو (٢) رسولا من جهة صاحب الروم بعد أخذه بغداد. قال : دخلت عليه فوجدت حوله صبيا صغيرا يلعب فأخذ بمجامع قلبي فلم استطع كف بصري عنه. فلما رأى ذلك هلاكو قال للترجمان :

__________________

(١) محمد بن محمد. الشيخ العلامة. كان يخدم صاحب ألموت. ثم خدم هولاكو. وحظى عنده. وعمل له مرصدا بمراغة وزيجا. وله مصنفات عديدة في علوم شتى. كانت ولادته في عام ٥٩٧. ووفاته عام ٦٧٢ ه‍. ودفن في مشهد موسى الجواد.

(٢) في الأصل : هلاكو. ويتكرر ذلك.

٦١٠

قل له أتعرف هذا الصبي من هو. فلما قال لي الترجمان ذلك قلت : لا. قال : فلم تديم النظر إليه قلت : أجد في نفسي الميل إليه عن غير اختياري. قال : هذا ولد الخليفة. قال سراج الدين : فقمت قائما وقبلت قدمي ذلك الصغير. فقال هولاكو للترجمان : عرفه أنا قد أقمنا له من يؤدبه بآداب المسلمين ، ويعلمه دين الإسلام. ولم ندخله في دين المغل. قال الأرموي : فقلت له من الشكر ما على ذلك ما ناسب. وتحققت رجحان عقله. (١)

وذكر أن هذا الولد اسمه المبارك أبو .... (١) وبقي عنده إلى أن مات.

وقرأت في سيرة الظاهر بيبرس أن في شهر رمضان سنة أربع وستين وستمائة وصل المبارك ولد المستعصم الذي كان عند هولاكو وصحبته جماعة من أمراء العربان فأنزله نائب الشام جمال الدين النجيبي ولما وصل السلطان إلى دمشق سير إليه جلال الدين بن الداودار الطواشي ... فما عرفوه وظهر أنه بخلاف ما أظهر فسيره إلى مصر محتفظا عليه.

[كتاب هولاكو إلى الناصر] :

وفي سنة ثمان وخمسين وستمائة ـ في وسط العام ـ قرئ بدمشق كتاب. هولاكو بسبب الناصر (٢) وذلك

قبل أن يصل إليه وهو :

أما بعد فنحن جنود الدنيا (٣) ننتقم ممن عتا وتجبر. وطغى وتكبر ... ونحن قد أهلكنا البلاد وأبدنا العباد. وقتلنا النسوان والأولاد. فيا أيها الباقون أنتم بمن مضى

__________________

أ ـ حاشية في الأصل : «عجيبة»

(١) رسم الكلمة «الباحث». لعلها «الثاقب».

(٢) الملك الناصر يوسف الثاني الأيوبي ملك حلب.

ب ـ حاشية في الأصل : «قف على قول فنحن جنود الدنيا».

٦١١

لاحقون. ويا أيها الغافلون أنتم سائرون [نحن](١) جيوش الهلكة لا جيوش (١٠٨ و) م المملكة ، مقصودنا الانتقام ، وملكنا لا يرام ، ونزيلنا لا يضام ، وعدلنا في ملكنا قد اشتهر ، ومن سيوفنا أبن المفر.

أين المفرّ ولا مفر لهارب

ولنا البسيطان الثرى والماء.

ذلّت لهيبتنا الأسود وأصبحت

في قبضتي الأمراء والخلفاء.

ونحن إليكم صائرون ، ولكم الهرب ، وعلينا الطلب.

ستعلم ليلى أي دين تداينت

وأي عزيم للتقاضي غريمها.

دمرنا البلاد وأيتمنا الأولاد ، وأهلكنا العباد ، وأذقناهم العذاب وجعلنا عظيمهم صغيرا ، وأميرهم أسيرا. تحسبون أنكم منا ناجون أو متخلصون وعما قليل سوف تعلمون على ما تقدمون. وقد أعذر من أنذر ؛ قاله الذهبي في تاريخ الإسلام.

[زواج هولاكو وإسلامه] :

وفيه : قال الظهير الكازروني (٢) : حكى لي المنجم أحمد بن البواب النقاش ـ نزيل بزاعة ـ قال : عزم هلاكو على زواج بنت ملك الكرج فأبت حتى يسلم فقال : عرفوني ما أقول. فعرضوا عليه الشهادتين. فأقربهما. وشهد عليه بذلك خواجا نصير الدين الطوسي ، وفخر الدين المنجم. فلما بلغها ذلك أجابت فحضر القاضي فخر الدين الخلاطي فتوكل لها النصير وللسلطان الفخر المنجم وعقدوا العقد باسم

__________________

(١) بياض في الأصل. والإضافة للمحققين من سياق المعنى.

(٢) الشيخ ظهير الدين علي بن محمد بن محمد الكازروني ـ نسبة إلى كازرون مدينة في إيران ولد عام ٦١١ ه‍. سمع الحديث من العديد من شيوخ عصره. كان مؤرخا. لغويا. فقيها. شاعرا ... صنف من الكتب : «مقامة في قواعد بغداد» ، «مختصر التاريخ» والكثير وقد ضاع معظمها. توفي عام ٦٩٧ ه‍. (مقامة في قواعد بغداد : مقدمة المحقق)

٦١٢

باماران خاتون بنت الملك داود بن ايواني على ثلاثين ألف دينار. قال لي ابن البواب : وأنا كتبت الكتاب في ثوب أطلس أبيض. فتعجبت من إسلامه.

قلت : إن صح هذا فلعله قالها بفمه لعدم تقيده بدين ولم يدخل الإسلام إلى قلبه. والله أعلم.

وسمعت من والدي ـ رحمه الله ـ يقول إنه لما نزل على حلب وسمع أذان المؤذنين في الأوقات الخمس سأل بعض من معه : ما هذا. فقال له : هذا الأذان يعلمون به أوقات الصلوات. فقال ؛ ومن أمرهم بهذا.

فقال : نبيهم. فقال : ومتى مات نبيهم. فذكر له تاريخ وفاته. فقال :

وهؤلاء إلى الآن يسمعون أمره ، فتعجب من ذلك. انتهى.

ولما رجع من الشام وقتل الكامل بلغ ثمن المكوك من القمح بميافار قين ... خمسة وأربعين ألف. ورطل الخبز بين (١) سبعمائة وعشرون درهما وستمائة درهم واللحم الرطل بستمائة درهم ، واللبن بستمائة الرطل. والعسل : الأوقية بستمائة والبصل بثلاثة دراهم ، ورأس كلب بستين درهما ، وبيعت بقرة لنجم مختار بسبعين ألف فاشترى الملك الأشرف رأسها وكوارعها بستة آلاف وخمسمائة درهم ؛ قاله ابن أبي حجلة. انتهى.

[وفاة هولاكو] :

وتوفي إلى لعنة الله في سنة أربع وستين وستمائة (٢) بكر كرجلي. وقيل أن وفاته كانت في سابع ربيع الآخر سنة ثلاث وستين ببلد مراغة ، ونقل إلى قلعة (تلا) فدفن بها. وكان هلاكه بعلة الصرع فإنه كان حصل له منذ قتل الكامل صاحب ميافارقين الصرع في كل وقت فكان يعتريه في اليوم الواحد المرة والمرتين والثلاث. ولما عاد من

__________________

(١) كذا قرأناها.

(٢) عند المؤيد إسماعيل أبي الفداء : «٦٦٣ ه‍». (المختصر : ٤ / ٢)

٦١٣

كسرة بركة أقام يجمع العساكر وعزم على العود فزاد الصرع فمرض ولم يزل ضعيفا نحو شهرين فهلك. فاخفوا موته ، وصبروه ، وجعلوه في تابوت خشب وقيل أنهم لم يدفنوه بل علقوا تابوته بسلاسل في قلعة (تلا) من عمل سلماس (١). ثم أظهر موته ولما دخل حلب معه (الخفير) ووصل إلى القدس والخليل ، ومات عنده.

وكان ولده في بلد «مابرق» فسيروا في طلبه. فلما حضر أجلسوه على (التخت) ، وكتب إلى مماليكه يعرفهم بذلك ، وخلف من الأولاد ـ لاكثرهم الله ولا أنشأهم ـ سبعة عشر ذكرا ، غير البنات. وقرأت في زبدة الفكرة أنه توفي في تاسع عشر ربيع الآخر ؛ وكذا قرأت في تاريخ المؤيد. فلا رحم الرحمن تربة قبره ، ولا زال فيها منكر ونكير. وتقدير عمره فوق الستين.

[منكوتمر بن هولاكو] :

ومن أولاده أشموط ، ومنكوتمر وهو صاحب المصاف على حمص وهو ... وجرحه الأمير علم الدين الدواداري يوم المصاف على حمص فلما اتفق نصر المسلمين حصل له غم ...... (٢) ما جرى عليه وعلى عساكره وحدث نفسه (!) بجمع العساكر من سائر ممالك بيت هولاكو وقصد الشام والأخذ بثأره فقدر موت (١٠٨ ظ) م أبغا (٣) وملك أخيه أحمد (٤) وهو مسلم لا يرى محاربة المسلمين ؛ فانكسرت همته واعتراه صرع فتدارك فمات في العشر الأول من المحرم سنة إحدى وثمانين ببلد الجزيرة الغربية (٥) بقرية يقال لها (تل خنزير).

__________________

(١) سلماس : مدينة مشهورة بأذربيجان. بينها وبين أرمية يومان. وبينها وبين تبريز ثلاثة أيام ، وهي بينهما ... ينسب إليها العديد من رواة الحديث الشريف. (معجم البلدان : سلماس)

(٢) أثر طمس أودى بالكلمة.

(٣) قيل مات مسموما ببلاد همذان بعد حكم دام ١٧ سنة (المختصر : ٤ / ١٦)

(٤) كان يسمى بيكدار (المصدر السابق)

(٥) في جزيرة ابن عمر (المصدر السابق : ٤ / ١٦)

٦١٤

وقيل كانت وفاته في أواخر سنة ثمانين. وقرأت في تاريخ المؤيد (١) أنه توفي في سنة ثمانين ، وكذلك في زبدة الفكرة. وقيل أنه لم يمت حتى أكل لسانه وأتى على أكثر من نصفه. فكفن في أربعة أثواب نسيج وجعل في تابوت. ثم سير فدفن في (تلا) وقد نيف على الثلاثين.

[مقتل ازدمر] :

وفي تاريخ ابن الوردي قيل أن الحاج ازدمر ساق وخرج التتر إلى مقدمهم منكوتمر فطعنه فرماه واستشهد ازدمر ثم مات منكوتمر وكانت سبب كسرة التتر (٢). انتهى.

[اغتيال ابغا والنقمة على الجويني] :

وقرأت في زبدة الفكرة : قيل أن عطا ملك علاء الدين الجويني ـ صاحب ديوان بغداد ـ كان قد عزم على اغتياله واغتيال أبغا ، ونقل الملك عنه لأمر أخافه منه ، وكان بالجزيرة شحنة يسمى مؤمن آغا فأرسل عطا ملك المذكور إليه يأمره بأن يتحيل على قتل منكوتمر فدس إليه سما فمات منه. ولما مات خرج الشحنة المذكور من الجزيرة وفر هاربا ومعه اثنان من أولاده خوفا من هذه الجزيرة ، وعلم أقارب منكوتمر بأمره فجدوا في طلبه ليقتلوه. فلم يجدوه. فاختاطوا على نسوانه ومن خلفه من الأولاد فقتلوهم عن آخرهم. وحضر مؤمن إلى مصر وولداه معه وأعطوا بها اقطاعات ولم يزل مقيما بها إلى أن توفي فيما بعد.

وفي سنة ثمانين توفي علاء الدين عطا ملك المذكور (٣) واتفق أن أبغا نقم عليه في هذه المرة معتقدا أنه واطئ المسلمين في الكسرة .............. (٤) واستصفى أمواله

__________________

(١) مضطربه الشكل. صوبناها عن (شذرات الذهب : ٥ / ٣٧٥)

(٢) من المصاف وسبب كسره التتر انظر ؛ «المختصر في تاريخ البشر : ٤ / ١٤)

(٣) (المصدر السابق : ٤ / ١٦)

(٤) لم يبق أثر للكلمات المشار إليها.

٦١٥

وذخائره ؛ فعمل هذه الأبيات :

لئن نظر الزمان إليّ شزرا

فلا تك ضيقا من ذاك صدرا

وكن بعد ذا ثقة فإني

أرى لله في ذا الأمر سرا

زماني إن رماني لا أبالي

فقد مارسته عسرا ويسرا

وقد صاحبته ستين عاما

مضين وذقته حلوا ومرا

رأيت الدهر لا يبقى بحال

يريك الوجه ثم يريك ظهرا

أرى دهري معاند كل حر

كأن له لدى الأحرار حرا

إذا دكت جبال الصبر دكا

ترى مني فؤادا مستقرا

ففي البأساء لم أخضع لبؤس

وفي السراء لست اطلبن كثرا (١)

فصبرا أيها القلب المعنى

يكون ختام هذا الأمر نصرا

وجعل في عنقه غل ، فدخل عليه كاتبه فشاهده على هذا الحال فبكى فأنشده علاء الدين المذكور لنفسه :

لا تجز عن لما جرى فالخير فيه لعله

قد كان عبدا آنفا بعض الإله فعله

وعلاء الدين المشار إليه شعره كثير حسن وترجمته مشهورة. ومن شعره (٢) :

أبادية الأعراب عني فإنني

بحاضرة الأتراك نيطت علائقي.

وأهلك يانجل العيون فإنني

جننت بهذا الناظر المتضايق.

__________________

(١) في الأصل : (كذ). لعل الصواب كما ذكرنا وما يتطابق مع المعنى.

(٢) (المختصر في تاريخ البشر : ٤ / ١٦). وذلك قاله في امرأة تركية.

٦١٦

رجع :

[ابغا بن هولاكو] :

ومن أولاده ابغا وكان ملكا عظيما عالي الهمة شجاعا مقداما خبيرا بالحروب لم يكن بعد والده مثله ، وهو على مذهب التتار واعتقادهم ، وله رأى وحزم ولما اتفق الكسرة على حمص كان بالرحبة فرجع على عقبه إلى همدان فمات غما وكمدا بين العيدين ؛ كذا قاله بعضهم (١). وفي تاريخ المؤيد في سنة إحدى وثمانين في المحرم ببلاد همذان وملك سبع (١٠٩ و) م عشرة سنة. قيل أنه مات مسموما (٢).

وفي زبدة الفكرة : توفي سنة إحدى وثمانين في أوائل المحرم ؛ قال : وقيل أن أبغا مات في نصف الحجة من السنة الحالية. واستبد أخوه بكدار بعده. انتهى.

وهو أحمد الآتي ذكره.

وفي تاريخ قطب الدين اليونيني أنه توفي سنة ثمانين وستمائة وكان دخل الحمام وخرج منه فسمع أصوات جملة من الغربان تنعق فقال : هذه تقول مات ابغا. وركب من الحمام فإذا كلاب صيد قد صادفها في طريقه ، فعوت كلها في وجهه. فتشاءم من ذلك. وبلغه أن خزانة أبيه وخزانته وقد كانتا في برج على البحر ... (٣) بالبرج وغارت الأرض بجميع ما فيه ، ولم يسلم سوى قطعة منه فمات في نصف الحجة من السنة المذكورة. في قرية بابل من قرى همذان اسمها بابلى. وقيل في بلدة اسمها كرماشهان (٤) من بلاد همذان أيضا ، ودفن عند أبيه في قلعة (تلا) وله من العمر نحو خمسين سنة.

__________________

(١) كابن العماد الحنبلي في (شذرات الذهب : ٥ / ٣٦٦)

(٢) (المختصر في تاريخ البشر : ٤ / ١٦)

(٣) رسم الكلمة : (مدحس).

(٤) كذا في الأصل. وعند الجويني سماها (كرمان شاهان) وذكرها من بلاد همذان أيضا. (تاريخ فاتح العالم : ٢ / ٣٦٥).

٦١٧

وتوفي بعده بيومين أخوه اغاي (١)

[عن عظمته صلى الله عليه وسلم] :

كان لهولاكو ثم لولده ابغاخاز ندار يدعى سونجق وكان ممن تنصر في المغل وذلك في دولة ابغا في أولها ، قال للفاضل علي بن مرزوق سمعت الشيخ جمال الدين إبراهيم بن محمد الطيبي يقول كنا في مخيم سونجق وعنده جماعة من أمراء المغل وجماعة من كبار النصارى في يوم ثلج فقام نصراني ينتقص النبي صلى الله عليه وسلم وهناك كلب صيد عزيز على سونجق في سلسلة ذهب. فنهض الكلب وقطع السلسلة ووثب على النصراني فخمشه وأدماه فقاموا إليه وكفوه عنه ، وسلسلوه فقال بعض الحاضرين هذا لكلامك في محمد صلى الله عليه وسلم. فقال : أتظنون أن هذا من أجل كلامي في محمد لا. ولكن هذا كلب عزيز النفس وأني أشير بيدي فظن أني أريد ضربه فوثب ثم أخذ في الانتقاص وزاد في ذلك فوثب إليه الكلب ثانيا وقطع السلسلة. وافترسه والله العظيم. وأنا أنظر ، ثم عض على زردمته فاقتلعها فمات الملعون وأسلم بسبب ذلك من المغل نحو أربعين ألفا واشتهرت الواقعة (٢).

وعلي بن مرزوق له ترجمة في معجم الذهبي. صلى الله على محمد ورضي الله عن أصحابه وعترته.

[أحمد بن هولاكو] :

ولما مات ابغا إلى لعنة الله ترتب في مملكة التتار ـ وذلك في سنة إحدى وثمانين وستمائة ـ أخوه لأبيه أحمد ؛ وسبب تسميته بأحمد أن الأحمدية دخلوا به النار بين

__________________

(١) كذا قرأناها.

أ ـ حاشية في الأصل : «قف على عظمة قدر النبي صلى الله عليه وسلم».

٦١٨

يدي هلاكو فوهبه لهم. وسماه أحمد فأسلم واسمه أولا (بكدار) ؛ كما تقدم. وكان حسن الإسلام على ما يقال وعمره يومئذ مقدار ثلاثين سنة ووصلت الأخبار إلى الشام بأن كتبه وأوامره وصلت إلى بغداد تتضمن إظهار شعائر الإسلام وإقامة منابره ، وأعلى كلمة الدين وبناء المساجد والجوامع والتقيد بالأحكام الشرعية وإلزام أهل الذمة بلبس الغيار وضرب الجزية عليهم. ويقال أن إسلامه كان في حياة والده. وفي حادي عشر صفر وصل إلى دمشق رسل من جهته قاصدين السلطان فانزلوا بقلعة دمشق وتوجهوا إلى مصر ومعهم سيف الدين كبك الحاجب وكان طريقهم على القدس لأجل الزيارة وسيرهم في الليل دون النهار وهم شهاب الدين أتابك الروم وشمس الدين ابن شرف الدين وزير صاحب ماردين. ومعهم العلامة قطب الدين محمود بن مسعود بن المصلح قاضي شيراز وفي الحادي والعشرين من رمضان عادوا (١٠٩ ظ) م من مصر ولم يتوجه معهم رسول. وبحيث ذكرنا القطب الشيرازي. فلنذكر ترجمته :

[أبو الثناء القطب الشيرازي] :

فهو أبو الثناء اشتغل على والده وعمه وغيرهما. ومات أبوه وله أربع عشرة سنة. فرتب مكانه طبيبا بالبيمارستان بشيراز. ثم سافر وله نيف وعشرون سنة. وقصد النصير الطوسي. ولازمه ، وقرأ عليه تواليفه في الفلسفة وعلم اللغة. وبرع في ذلك. وكان يسمه قطب فلك الوجود. وسافر معه إلى خراسان ثم رجع وسكن بغداد بالنظامية. واجتمع بهولاكو وأبغا وقال له ابغا : أنت أفضل تلامذة هذا وأشار إلى النضر وقد قارب الموت. فاجتهد حتى لا يفوتك من علمه شيء. قال : قد فعلت ولم يبق لي حاجة بالزيادة. وولي قضاء سيواس وملطية ولم يبخل العلم من يده. وكان مزاحا لطيف المحاضرة. له عدة مؤلفات. منها : «درة المنهاج» للملك دوباج ملك كيلان. و «فعلت فلا تلم» (!)

٦١٩

مولده في صفر سنة أربع وثلاثين وستمائة بكازرون. وقيل بشيراز. وتوفي في سادس عشر رمضان سنة عشرة وسبع مائة بتبريز ودفن إلى جانب القاضي البيضاوي. ومن نظمه من قصيدة :

جزى الله خيرا والجزاء مضاعف

 ...... (١) بالذي لست أهله

[نصير الدين الطوسي وأتباعه] :

ونصير الدين محمد قال ابن تيمية : كان وزيرا للملاحدة الباطنية الإسماعيلية بالألموت ، ثم لما قدم الترك إلى بلاد المسلمين وجاؤوا بغداد كان هو منجما مسيرا لهولاكو ، وأشار عليه بقتل الخليفة وأهل العلم واستبقاء أهل الصناعات والتجارات الذين ينفعونه في الدنيا واستولى على الوقف وأعطى علماء المشركين وبنى الرصد بمراغة على طريق الصابئة. وكان أحسن الناس منه نصيبا من كان إلى الملك أقرب وأوفرهم نصيبا من كان أبعد عن الملك كالصابئة والمعطلة. وان ارتقوا بالنجوم والطب.

والمشهور عنه وعن أتباعه أنهم لا يحافظون على الفرائض ، وفي رمضان يشربون الخمر وغيره. ولم يكن لهم قوة وظهور إلا مع المشركين ولهذا لما قوي الإسلام في المغل وغيرهم من الترك ضعف أمر هؤلاء وكانوا أبغض الناس إلى نيروز الشهيد (٢) الذي دعى غازان إلى الإسلام. والتزم له النصر وهدم البزخانات (٣) وكسر الأصنام. وفرق سدنتها. وألزم اليهود والنصارى بالجزية والصغار. انتهى.

__________________

(١) رسم الكلمة (موالى سوا).

(٢) عين نائبا له وأتابكا وفي سنة ٦٩٧ ه‍ قتله بتهمة مكاتبة المسلمين ورتب مكانه قطلوشاه. (المختصر في تاريخ البشر : ٤ / ٣٧).

(٣) البزخانات : لعلها دكاكين بيع الخز أي الحرير.

٦٢٠