كنوز الذّهب في تاريخ حلب - ج ١

سبط ابن العجمي الحلبي

كنوز الذّهب في تاريخ حلب - ج ١

المؤلف:

سبط ابن العجمي الحلبي


المحقق: الدكتور شوقي شعث و المهندس فالح البكّور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٥
الجزء ١ الجزء ٢

ومتولى عمارتها القاضي فخر الدين أبو منصور محمد ابن عبد الصمد بن الطرسوسي الحلبي. وكان ذا همة ومروءة ظاهرة. له أمر نافذ في تصرفه في أعمال حلب ، وأثر صالح في الوقوف. ثم انعزل عن ذلك أجل انعزال ومات في وسط سنة تسع وأربعين وخمسمائة. انتهى.

والمحراب الذي في إيوانها منجور فرد في بابه : جدد في أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن محمد في سنة ثلاث وأربعين وستمائة.

وكان بها خزانة كتب فذهبت.

وكان على قبتها طائر من نحاس يدور مع الشمس فذهب. (٥٩ و) ف وجلب إليها نور الدين من أفامية مذبحا من الرخام الملكي الشفاف ـ وقد تقدم الكلام عليه ـ كان نور الدين يملأ هذا الجرن في ليلة السابع والعشرين من رمضان قطائف محشوة ويجمع عليها الفقهاء المرتبين بالمدرسة (١). انتهى.

ورأيت في كلام داود بن علي أحد الفقهاء بها ما لفظه : فاطمة زوجة الطاساني هي التي سنت الفطر في رمضان للفقهاء بالحلاوية. كان في يدها سواران فاخرجتهما وباعتهما.

وعملت بثمنهما الفطور كل ليلة. فاستمر ذلك الى اليوم. انتهى.

قلت : بل انقطع ذلك بالكلية.

وكانت هذه المدرسة من أعظم المدارس صيتا وأكثر طلبة ، وأغزرها جامكية (٢)

__________________

(١) ذكر الطباخ عن أبي اليمن البتروني (صاحب الدر المنتخب) أن جدار من المدرسة وقع على هذا الجرن فانكسر وصار قطعا وأسف الناس عليه لأنه كان غاية في الحسن (إعلام النبلاء : ٢ / ٦٤).

(٢) الجامكية : لفظ فارسي مشتق من جامة بمعنى اللباس ، أي نفقات أو تعويض اللباس الحكومي ، وقد ترد بمعنى الأجر أو الراتب أو المنحة. والجمع : جامكيات ، جوامك ، جماكي. (معجم الألفاظ التاريخية : ٥١) ويرى ادى شير : أنها معربة وفارسيتها : (جامكى) وهو مركب من (جامة) أي قيمة ومن (كي) وهو أداة النسبة. أي رواتب خدام الدولة. (الألفاظ الفارسية المعربة : ٤٥)

٣٤١

ومن شرط الواقف أن يحمل في كل شهر رمضان من وقفها ثلاثة آلاف درهم للمدرسة يصنع بها للفقراء طعاما. وفي ليلة النصف من شعبان في كل سنة حلوا معلومة. وفي الشتاء ثمن كسوة فقيه شيء معلوم. وفي أيام شرب الدواء من فصلي الربيع والخريف ثمن ما يحتاج إليه من دواء وفاكهة. وفي المواليد أيضا الحلو أو في الأعياد ما يرتفقون به دراهم معلومة وفي أيام الفاكهة ما يشترون به من أنواعها.

ولما فرغ من بنائها استدعى لها من دمشق الفقيه الإمام برهان أبا الحسن علي بن الحسن بن محمد بن أبي جعفر ؛ وقيل جعفر البلخي. فولاه تدريسها واستدعى الفقيه برهان الدين أبا العباس أحمد بن علي الأصواتي السلفي من دمشق ليجعله نائبا عن برهان الدين فامتنع من القدوم فسير إليه برهان الدين كتابا ثانيا يستدعيه فيه ، ويشدد عليه في الطلب. فأجابه على كتابه بكتاب استفتحه بعد البسملة :

ولو قلت طأفي النّار أعلم أنّه

رضّى لك أو مدن لنا من وصالك

لقدّمت رجلي نحوها فوطئتها

هدى منك لي أو ضلّة من ضلالك

ثم قدم حلب بعد كتابه فاستنابه برهان الدين ولم يزل نائبا عنه إلى أن مات فحزن عليه برهان الدين حزنا غلب عليه. ولما فرغ من الصلاة عليه التفت إلى الناس وقال : شمت الأعداء بعلي لموت أحمد (!).

ولم يزل برهان الدين مدرسا إلى أن خرج من حلب لأمر جرى بينه وبين مجد الدين أبي بكر محمد بن توسيكين (١) بن الداية لما كان نائبا عن السلطان بحلب وقصد دمشق فأقام بها إلى أن توفي يوم الخميس سلخ شعبان سنة ثمان وأربعين (٥٩ و) م وخمسمائة. وتولى المدرسة بعد خروجه الفقيه الإمام عبد الرحمن بن محمود بن محمد ابن جعفر الغزنوي أبو الفتح وقيل أبو محمد الحنفي الملقب علاء الدين فأقام بها مدرسا إلى أن توفي بحلب لسبع بقين من شوال سنة أربع وستين وخمسمائة. (٥٩ ظ) ف

__________________

(١) في الأعلاق الخطيرة : ١ / ١ / ٢٦٧ : نوشتكين.

٣٤٢

وولى بعده ولده محمود وكان صغيرا فتولى تدبيره الحسام علي بن أحمد بن مكي الرازي الوردي.

ثم ولى بعده الإمام رضي الدين محمد بن محمد بن محمد أبو عبد الله السرخي (١). وكان في لسانه لكنة. فتعصب عليه جماعة من الفقهاء الحنيفة وصغروا أمره عند نور الدين وكانت وفاته يوم الجمعة آخر جمعة في رجب سنة إحدى وسبعين وخمسمائة. فكتب نور الدين إلى عالي بن إبراهيم بن إسماعيل بن علي الغزنوي. وكان بالموصل ليقدم إلى حلب ليوليه تدريس المدرسة.

وأتفق أن أبا بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الملقب علاء الدين سير رسولا من الروم إلى نور الدين فعرض عليه المقام بحلب والتدريس بالحلوية ، فأجابه إلى ذلك ووعده أن يعود إلى حلب بعد رد جواب (٢) الرسالة فعاد إلى الروم. ثم قدم حلب. فولى عالي تدريس الحلوية يوما واحدا.

ثم أن نور الدين استحيا من علاء الدين الكاساني فاستدعى بابن الحكيم مدرس مدرسة الحدادين إلى دمشق وولى عالي الغزنوي وكان ابن الحكيم. ثم ولى علاء الدين الحلوية. ولم يزل بها إلى أن توفي يوم الأحد بعد الظهر عاشر رجب سنة سبع وثمانين وخمسمائة.

وولى بعده عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب بن الحسين بن أحمد بن الحسين ابن محمد بن الحسين بن عبد الرحمن بن الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس

__________________

(١) صاحب كتاب : «المحيط الرضوي». في الفقه. ويقع في مجلدين (كشف الظنون : ٢ / ١٦٢٠)

(٢) ف : (الجواب)

٣٤٣

ولم يزل مدرسا إلى أن توفي في جمادى الآخرة سنة ست عشرة وستمائة. فولى بعده ولده تاج الدين أبو المعالي الفضل وخلع في يوم تدريسه عشرين حلقة على من حضر درسه من متميزي الفقهاء.

واستمر مدرسا إلى أن توفي فجأة في أواخر سنة ثلاث وثلاثين وستمائة فولي بعده كمال الدين أبو القاسم عمر بن قاضي القضاة نجم الدين أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة المعروف بابن العديم (١).

ولم يزل مستمرا على تدريسها إلى أن قصد دمشق في خدمة الملك الناصر فولي تدريسها استقلالا ولده مجد الدين أبو المجد عبد الرحمن.

وتدريسها بيد بني العديم إلى الآن صورة. انتهى.

وكانت هذه المدرسة أخيرا في أيامي يستحي الشخص أن يمر على بابها من الفضلاء والعلماء الجالسين على دككها كالشيخ عز الدين الحاضري وجماعته ، وقد حضرت بها الدرس في أيام السيفي قصروه درس بها الشيخ أبو بكر بن اسحاق الحنفي القاضي درسا حافلا في قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ....) ورتبه على علوم وحضر قضاة البلد وشيخنا وفضلاء البلد إذ ذاك والكافل فلما أخذ في الدرس سأله شيخنا مسألة فارتج عليه بقية الدرس ، ودرس بعده في المجلس (٦١ و) ف مدرسها عز الدين ابن العديم.

قلت : والبرهان الميلخي المتقدم ذكره هو الذي قام في إبطال : حيّ على خير العمل من الأذان بحلب.

__________________

(١) مؤرخ حلب الكبير وصاحب : «بغية الطلب في تاريخ حلب». «وزبدة الحلب في تاريخ حلب». وغيرها. انظره.

٣٤٤

والرضي المذكور قيل أنه كتبوا فيه إلى نور الدين أنهم أخذوا عليه تصحيفا كثيرا من جملته أنه اشترى حانوتا وفيه مقلى فإن كان من الخزف فصفحها ؛ وقال : فإن كان من الخرق. وأنه قال في الجنائز : الجبائر.

ودرس في هذه المدرسة أيضا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم بن أمين الدولة ؛ وهو مذكور مع أقاربه.

ودرس بها أيضا الحسين بن محمد بن أسعد الفقيه المعروف بالنجم ، وله تصانيف في الفقه منها شرح الجامع الصغير لمحمد بن الحسن فرغ من تصنيفه بمكة. وله الفتاوى والواقعات ، وكان دينا وله حكاية طويلة في حضوره عند نور الدين وقد سأله عن لبس خاتم في يده فكان فيه لوزات من ذهب فقال : لم تتحرز عن هذا ويحمل إلى خزانتك من المال الحرام كل يوم كذا وكذا فأمر نور الدين بإبطال ذلك.

وسميت بالحلاوية لأنه كان عندها سوق الحلوانيين (١).

«المدرسة الشاذبختية (٢)» :

هذه المدرسة بدرب العدول ، وهو سوق النشابة (٣).

أنشأها الأمير جمال الدين شاذبجت الخادم الهندي الأتابكي. وكان نائبا عن نور الدين بحلب بقلعتها.

__________________

(١) هناك أكثر من رأي في ذلك.

(٢) عرفت قديما بالعديمية نسبة إلى أحد مدرسيها من بني العديم ـ انظر المتن ـ وحاليا تعرف بجامع الشيخ معروف ؛ نسبة إلى صاحب ضريح مدفون بها. يقول عنه الناس أنه أحد الفداوية ..». (نهر الذهب : ٢ / ٧٨)

(٣) في عصرنا : سوق الضرب.

٣٤٥

ومحرابها عجيب (١) ولها ايوان وخلاوي للفقهاء.

[الأمير شادبخت الهندي الأتابكي] :

وشادبخت المذكور استمر أمره بالقلعة ، وحفظها على ولد نور الدين الصالح مدة حياته. وكان شاذبخت شهما من الرجال ذا رأي سديد ، وعقل وافر ، وتدبير حسن ، وله اليد البيضاء في فعل المعروف ، وبناء الربط والمدارس.

بنى بحلب مدرستين :

ـ هذه

ـ والأخرى ظاهر حلب شماليها ؛ وكان يعرف بمشهد الزرازير. ورأيته وهو عامر. ثم إن الدولة هدمته. وأخذوا الحجارة لعمارة سور حلب. والفاعل لذلك باك نائب السلطنة بقلعة حلب في زمن الأشرف.

ونقل ابن العديم عز الدين وقفه بمربع شريف إلى الشاذبخيتية المذكورة. انتهى. ووقف شاذبخت المذكور أوقافا على الصدقات. وعلى خانقاه سنقر جار وقف بحران خانقاه للصوفية. ولما توفي الصالح حفظ حلب. ولم يزل يأمر فيها وينهى إلى أن قدم عز الدين.

انتهى ما رأيته بخط ابن عشائر.

ولما كملت هذه المدرسة استدعى من سنجار نجم الدين مسلم بن سلامة ليوليه تدريسها فقدم حلب وأصبح ليذكر بها الدرس. واحتفل شاذبخت لوليمة يعملها فسير الظاهر غازي إليه وسأله أن يوليها موفق الدين بن النحاس فلم يسعه مخالفة الظاهر. وانعكس عليه مقصوده. فتولى الموفق المدرسة. وسار النجم عن حلب. انتهى.

__________________

(١) قيل عنه أنه من أجمل محاريب مساجد حلب. رخامي فيه عمودان من الرخام الأبيض. في إعلاه كتب : «عمل أبي الرجاء وعبد الله ابني يحيى رحمه الله (؟)» وهو شبيه بمحراب الفردوس (انظر ترجمتها).

٣٤٦

ومما ينسب لعبد المحسن الصوري : (٦١ و) ف

أنست بوحدتي حتى لو أني

رأيت الأنس لا ستوحشت منه

ولم تدع التجارب لي صديقا

أميل إليه إلا ملت عنه

فأجازه النجم السنجاري :

لأني قد خبرتهم انتفاذا

فبرء من شئت منهم ثم منه

إذا عاشرت خلا صار خلا

وإن تسأل عن العاصي تكنه انتهى. (٦٠ و) م

ولم يزل الموفق متوليها إلى أن توفي يوم الأربعاء ثالث عشر ربيع الآخر سنة اثنين وستمائة «بتل عبدة (١)» من عمل «حران» عائدا من رسالة حملها لصاحب تبريز من جهة الظاهر غازي. ونقل إلى حلب فدفن بها.

وتولى بعده تدريسها القاضي شمس الدين محمد بن يوسف بن الخضر المعروف بابن القاضي الأبيض ـ قاضي عسكر العادلي ـ ولم يزل مدرسا بها إلى أن توفي ليلة الخميس سابع عشري شهر رمضان سنة أربع عشرة وستمائة.

وتولى تدريسها بعده الصاحب كمال الدين أبو القاسم عمر بن أبي جرادة ولم يزل مدرسا بها وولده مجد الدين عبد الرحمن ولم يزل ينوب عن والده إلى أن استقل بها أخوه جمال الدين محمد ولد الصاحب كمال الدين إلى أن كانت فتنة التتر سنة ثمان وخمسين والتدريس بأيديهم إلى زماننا.

وقد نزل بها الشيخ باكير الحنفي وكان مدرسا بها متبرعا علوما شتى.

__________________

(١) قال عنها ياقوت : «قرية من قرى حران بينها وبين الفرات ، تنزلها القوافل وبها خان مليح ، عمره المجد بن المهلب البهنسي وزير الملك الأشرف موسى بن العادل. (معجم البلدان : تل عبده)

٣٤٧

«المدرسة الأتابكية (١)» :

هذه المدرسة قبلي بحرة شيخنا العلامة بن الشحنة ، ومن جملة ما نقم على ابن الشحنة أنه أخذ قطعة منها وأضافها إلى إيوانه ، وأخرب الطنبغا وعلي باي وابن الزهري بعض إيوانه بسبب ذلك ، وستأتي القضية مطولة في الحوادث إن شاء الله تعالى. انتهى.

أنشأها شهاب الدين طغربك الأتابكي عتيق الظاهر غازي نائب السلطنة بقلعة حلب ، ومدبر الدولة بعد وفاة معتقه. انتهت عمارتها في سنة ثمان عشرة وستمائة.

وأول من درس فيها الشيخ العالم جمال الدين خليفة بن سليمان بن خليفة القرشي الحوراني الأصل. ولم يزل بها إلى أن توفي في الرابع والعشرين من شوال سنة ثمان وثلاثين وستمائة (٢).

ووليها بعده مجد الدين عبد الرحمن بن كمال الدين بن العديم ولم يزل بها إلى أن خرج من حلب فرارا من التتر أسوة أهل بلده. وهي الآن داثرة ؛ قاله ابن شداد (٣).

قلت : غالبها الآن عامر. ومن جملة أوقافها «فج كمون (٤)». وبوابتها عظيمة الظاهر أنها من عمارة الواقف. ولم أسمع بها درسا قط. ولا رأيت أحدا (٦١ و) ف في أيامي درس بها.

«المدرسة الحدادية» :

هذه المدرسة سميت بالحدادية بسوق الحدادين كان هناك. وهي بالدرب المتوجه إلى السفاحية.

__________________

(١) في محلة الجبيلة. وتعرف الآن بالكلتاوية (الصغرى)

(٢) انظر ترجمته في : «الجواهر المضيئة : رقم ٥٦٦».

(٣) (الأعلاق الخطيرة : ١ / ١ / ٢٧٣)

أ ـ م : حاشية في الأصل : «قف على أن وقف الأتابكية فج كمون».

٣٤٨

أنشأها حسام الدين محمد بن عمر بن لاجين بن أخت صلاح الدين ؛ كانت من الكنائس الأربعة التي تقدم ذكرها فهدمها وبناها بناء وثيقا.

وأول من درس بها الفقيه الإمام الحسين بن محمد بن أسعد بن حليم المنعوت بالملجم ولم يزل بها إلى أن استدعاه نور الدين إلى دمشق.

وولى مكانه عالي بن إبراهيم بن إسماعيل الغزنوي. ولم يزل بها إلى أن توفي إما في سنة إحدى أو اثنين وثمانين وخمسمائة.

وقال مقرب الدين أبو حفص عمر بن قشام توفي عالي سنة خمس وثمانين وخمسمائة وهذان القولان حكاهما كمال الدين ابن العديم.

وعالي المذكور صنف كتاب : «التقشير في التفسير (١)». قال أبو اليمن الكندي صحف حتى في اسمه. وفيه أوهام كثيرة سيما إذا تعرض في النحو.

ثم وليها بعده موفق الدين أبو الثنا محمود بن طارق النحاس الحلبي. ولم يزل مدرسا بها إلى أن توفي في السنة التي قدمنا ذكرها. عند ذكره في الشاذبخيتية.

ثم وليها بعده ولده كمال الدين إسحاق ولم يزل بها مدرسا إلى أن توفي ليلة الأربعاء مستهل شعبان سنة أربع وأربعين وستمائة.

ووليها بعده الشيخ شهاب الدين أحمد بن يوسف بن عبد الواحد الأنصاري ولم يزل بها مدرسا إلى أن توفي يوم الخميس سادس عشر شعبان سنة تسع وأربعين وستمائة.

ووليها بعده ولده فخر الدين يوسف ولم يزل إلى أن قتلته التتر عند استيلائهم على حلب. انتهى.

__________________

(١) ذكره حاجي خليفة وسماه : «نقشير التفسير». وقال عنه في مجلدين ، أبدع فيه وأجاد. وذكر وفاته عام ٥٨٢ ه‍. (كشف الظنون : ١ / ٤٦٦).

٣٤٩

قلت : وهذه المدرسة بعد الفتنة التمرية تعطلت عن إقامة الشعائر فيها. وسكنها النساء. وأغلق بابها حتى قدم الشيخ الصالح الزاهد العامل علاء الدين الجبرتي ـ نفع الله به ـ المتقدم ذكره في مدرسة الصاحبية. فحضر إلى هذه المدرسة بعد أن عمر الصاحبية كما تقدم. وأخرج النساء عنها. وصار يتردد إليها فأقام شعارها وعمر ما دثر منها. وفتح خلاويها بعد أن كانت مردومة بالتراب. وبيض إيوانها. وفتح بركتها. وأجرى إليها الماء من الحوض الذي خلف دار العدل واتخذ له فيها خلوة. وكان يتعبد بها. وعمر مرتفقها وحفره حتى بلغ الماء وكان ينزل إليه بنفسه. وينزح التراب منه ، وعمره عمارة متقنة. ولما حفروا المرتفق وجدوا فيها حجرا أسود على قبر وعليه صلبان. وكان أصل هذا المرتفق ناووسا للكنيسة. فتعاونوا على هذا الحجر. وربطوه بالحبال. وجذبوه إلى خارج هذا المرتفق. وبنى إلى جانب هذا المرتفق مستحما. وأحضر إليه جرنا أسود من خارج وقفه بعض أهل الخير على (٦١ ظ) ف هذا المكان والجرن الأبيض الذي على جانب البركة نقله من الحمام الخراب الذي خلف دار العدل بأمر بنت المؤيد وكان قد أخرجه بعض الناس من الحمام إلى مسجد هناك مهجور ليأخذه إلى منزله فسمع الشيخ بذلك. فأرسل إلى القاهرة. واستأذن بنت المؤيد في نقله إلى هذه المدرسة فأذنت له فيه فنقله. وفتح في هذه المدرسة بعض العناصر صهريجا. وأنفق عليه جملة. وأقيم شعار هذه المدرسة بالذكر والصلوات الخمس والمؤذنين والحصر والبسط والمصابيح وغير ذلك. انتهى.

ومن جملة ما نقم الأعداء على الشيخ علاء الدين واستفتوا عليه أنه كان يصلي في هذه المدرسة وهو شافعي المذهب فهلا كانوا استفتوا على النساء الساكنات (١) بها.

__________________

(١) في الأصل : الساكنين.

٣٥٠

وعلى من عطل معاهدها. ولقد رأيت بعيني من غير قصد النساء سافرات (١) بها فلا حول ولا قوة إلا بالله. وسيأتي ما اتفق للشيخ في خانقاه الملكي ولما ألزم قصروه المدرسين بالتدريس (٢) ألزم شيخنا ابن الرسام الحنبلي بالتدريس فلم يجد له مكانا يدرس بها.

وهذه المدرسة من جملة وقفها حوانيت بسوق الحرير. وآل تدريسها إلى المالكية. (٦١ و) م

«المدرسة الجرديكية» :

هذه المدرسة بسوق البلاط لها باب من السوق المذكور ينزل إليها بدرج وباب آخر من درب شرقيها. وهي ملاصقة للصاحبية (٣).

أنشأها الأمير عز الدين جرديك النوري في سنة تسعين وخمسمائة. وانتهت في سنة إحدى.

وأول من وليّ تدريسها الشيخ مقرب الدين أبو حفص عمر بن علي بن محمد بن فارس بن عثمان بن فارس بن محمد بن قشام التميمي الحنفي. ولم يزل مدرسا بها إلى أن توفي ليلة السبت الثاني من جمادى الآخرة سنة ثلاث وعشرين وستمائة.

ثم وليّ تدريسها بعده نجم الدين عمر بن أبي يعلى عبد المنعم بن هبة الله بن محمد ابن هبة الله الرعباني ـ ويعرف بابن أمين الدولة ـ ولم يزل بها إلى أن عزل نفسه ؛ إما في سنة ثلاث أو أربع وأربعين. وانقطع بيته. ولم يزل منقطعا إلى أن قتل في بيته عند استيلاء التتر على حلب.

__________________

(١) في الأصل : سافرن.

(٢) في الأصل : اتداريس.

(٣) قال عنها الغزي : «لصيق أصلان دده [مسجد] من شماليه». (نهر الذهب : ٢ / ١٩١)

٣٥١

ثم وليها بعده صفي الدين عمر بن زقزق الحموي. ولم يزل مدرسا بها إلى أن جدد الطواشي (١) مرشد المنصوري بحماة مدرسة فاستدعاه. فتوجه إليه في سنة اثنين وخمسين وستمائة.

وتولى بعده محي الدين محمد بن يعقوب بن إبراهيم بن النحاس. ولم يزل إلى أن انقضت الدولة الناصرية.

...... (٢)

ومن جملة وقفها : حصة بكفر نوران (٣). والفقهاء يتناولون من وقفها. انتهى.

وجردبك هو الذي تولى قتل شاور بمصر. وقتل ابن الخشاب بحلب. وكان بطلا شجاعا (٤) ولي أمرة القدس لصلاح الدين ، وتوفي سنة أربع وتسعين (٦٢ و) ف وخمسمائة(٥)

__________________

(١) الطواشي. وتجمع طواشية : وهم المماليك الخصيان المعينون لخدمة بيوت السلطان وحريمه. (معجم الألفاظ التاريخية : ١٠٩)

(٢) بياض في الأصل. لكن في (م) أضيف بخط مغاير ومع مرور الزمن لم يبق له أثرا.

(٣) كفرنوران : قرية في منطقة جبل سمعان. تتبع إداريا ناحية الزربة وتبعد عنها ٣ كم وعن مركز المنطقة ٣٠ كم. (التقسيمات الإدارية : ٢٠١)

(٤) م : حتى نهاية العبارة استدركت على الهامش.

(٥) يذكر الغزى أن المدرسة أهملت حتى نحو عام ١٢٨٧ ه‍. فتح لمدرستها باب من السوق وجعلت قهوة وعرفت بقهوة (اصلان دده) ثم ضبطتها الحكومة وجعلتها مكتبا وعادت لتهمل من جديد. حيث استأجرها تاجر من المعارف عام ١٣٢٩ ه‍ وجعلها حانوتا. وهكذا زالت معالم هذه المدرسة التاريخية. (نهر الذهب : ٢ / ١٩١)

٣٥٢

«المدرسة المقدّمية» :

هذه المدرسة بدرب كان يسمى قديما بدرب الحطابين. والآن يسمى بدرب ابن سلار.

أنشأها عز الدين عبد الملك المقدم. وكانت إحدى (١) الكنائس الأربع التي صيرها القاضي أبو الحسن بن الخشاب مساجد في سنة ثمان عشرة وخمسمائة. وأضاف إليها دارا كانت إلى جانبها.

وابتدئ في عمارتها في سنة خمس وأربعين وخمسمائة. وهذه المدرسة على هيئة الشرفية. وقيل أنه أخذ ترتيب الشرفية منها. وشماليتها الآن داثرة.

وأول من درس بها برهان الدين أبو العباس أحمد بن علي الأصولي المقدم ذكره.

ثم وليها بعده الشريف افتخار عبد المطلب بن الفضل الهاشمي المقدم ذكره في الحلاوية ، ولم يزل بها إلى أن توفي.

ووليها بعده ولده أبو المعالي الفضل ، ولم يزل بها إلى أن توفي.

وتولاها بعده شهاب الدين أحمد بن يوسف بن عبد الواحد الأنصاري. ولم يزل بها إلى أن توفي.

ووليها بعده افتخار الدين أبو المفاخر محمد بن تاج الدين أبي الفتح يحيى بن القاضي أبي غانم محمد بن أبي جرادة المعروف بابن العديم. ولم يزل بها مدرسا إلى أن قتل عند استيلاء التتر على حلب.

قلت : ...... (٢)

ومن جملة أوقافها رحا الجوهري قبلي حلب على قويق. وحصة بقرية كفتان (٣).

__________________

(١) في الأصل : احد.

(٢) بياض في الأصل. وفي (م) يبدو أنه أضيف لكن لم يبق له أثر.

(٣) لم نهتد إلى ترجمتها فيما لدينا من المراجع.

٣٥٣

«المدرسة الجاولية» :

هذه المدرسة بالقرب من السهلية وهي سويقة حاتم. الآن لها بوابة عظيمة مبنية بالحجر الهرقلي.

أنشأها عفيف الدين عبد الرحمن الجاولي النوري. وشرط أن يقرأ الفقهاء والمدرس شيئا من القرآن. ويجعل منه للسلطان نور الدين.

وأول من درس بها الشيخ العالم علاء الدين أبو بكر بن مسعود بن أحمد ـ أمير كاسان ـ للكاساني المقدم ذكره ولم يزل بها إلى أن توفي.

ووليها بعده الشيخ جمال الدين خليفة بن سليمان بن خليفة القرشي المقدم ذكره إلى أن مات فوليها بعده نجم الدين أبو الحسن على بن إبراهيم بن حسام الكردي الهكاري المعروف بالحلبي. ولم يزل بها إلى أن كانت فتنة التتر. فقتل فيها.

وآل تدريسها إلى شيخنا الشيخ شمس الدين بن سلامة وسكن بها.

وآلت بعد وفاته لشيخنا العلامة محب الدين الشحنة الحنفي فدرس بها درسا حافلا من أول سورة البقرة ، ونقل كلام الزمخشري ، والبحث عليه لوالده.

ومن جملة أوقافها حصة في لفحناز (١)» من عمل معرتمصرين.

«المدرسة الطمانية» :

هذه المدرسة بدرب الاسفريس (٢). بالقرب من حمام الهذباني. وقد (٦٢ ظ) ف خط سليمان بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس المولود ببطياس ـ وموته كان بحلب ـ منازله بهذه المحلة ؛ فولده بها إلى اليوم. انتهى.

أنشأها الأمير حسام الدين طمان النوري.

__________________

(١) كذا رسم الكلمة في الأصل. لعلها : تفتناز البلدة المعروفة.

(٢) سترد ترجمته في فصل الدروب.

٣٥٤

أول من درس بها الشريف افتخار الدين عبد اللطيف.

ثم آثر بها أبا حفص عمر بن حفاظ بن خليفة بن حفاظ ـ المعروف بابن العقاد الحموي ـ أحد طلبته علاء الدين الكاساني.

ثم سافر عنها فوليها شهاب الدين أحمد بن يوسف ـ المقدم ذكره ـ

ولم يزل بها إلى أن رحل إلى بغداد سنة اثنين وثلاثين وستمائة فوليها بعده ضياء الدين محمد بن ضياء الدين عمر بن حفاظ ؛ المعروف بالنحوي.

ولم يزل بها إلى أن توفي سنة اثنين وأربعين وستمائة فوليها الفقيه نجم الدين عبد الرحمن بن ادريس حسن الخلاطي مولدا. الحلبي منشأ. وعليه انقضت الدولة الناصرية.

ثم إن تدريسها كان ونظرها بيد شمس الدين بن أمير حاج الحنفي فادعى أبو بكر بن مهاجر وله اتصال بطومان الذي بنى الخان المعروف (المسبل) أن هذه المدرسة لجده طومان فصولح بينهما. وأخذ نظرها. واستقر تدريسها بيد شمس الدين المذكور.

واسم بانيها على بابها طمان لاطومان. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ومن جملة أوقافها بستان ظاهر بالقرب من الكلاسة يعرف ببستان الجورة.

«المدرسة الخشابية» :

هذه المدرسة غربي القلعة على رأس القناة.

أنشأها الأمير حسام الدين محمود بن ختلو والي حلب.

كان أول من درس بها الشيخ بدر الدين يعقوب بن إبراهيم بن محمد بن النحاس الحبلي (١). (٦٢ و) أ

__________________

(١) كذا في الأصل : م ، ف. لعل الصواب : الحلبي.

٣٥٥

ولم يزل مدرسا بها إلى أن توفي سنة سبع وثلاثين وستمائة فوليها بعده ولده محي الدين بن محمد ولم يزل بها إلى انقضاء دولة الملك الناصر. انتهى.

وإلى جانبها (١) مسجد لحسام الدين.

وبالقرب منها خانكاه يقال لها : «العادلية» بنيت في سنة ست وسبعمائة.

«المدرسة الأسدية تجاه القلعة» :

هذه المدرسة على باب بني الشحنة داخل القنطرة.

أنشأها بدر الدين ؛ بدر الخاتم عتيق (٢) أسد الدين شير كوه كانت دارا يسكنها فوقفها بعد موته.

وأول من درس بها صائن الدين أيوب بن خليل بن كامل.

ولم يزل إلى أن توفي في غرة شعبان سنة ثلاث وخمسين وستمائة فوليها بعده قطب الدين محمد بن عبد الكريم بن عبد الصمد بن هبة الله بن أبي جرادة.

ولم يزل بها أن توفي فوليها بعده الشيخ مجد الدين الحسن بن أحمد بن هبة الله بن أمين الدولة ، ولم يزل بها إلى أن توفي في وقعة التتر. (٦٣ و) ف

والآن تدريسها بيد بني علاء الدين بن الشحنة.

وعلى بابها مكتوب : «جدد هذه المدرسة المباركة للفقهاء المشتغلين في دولة السلطان العزيز الطواشي بيدمر الظاهري في ذي الحجة سنة اثنين وثلاثين وستمائة».

«المدرسة القليجية» :

هذه المدرسة غربي دار العدل ، ملاصقة لها. أنشأها الأمير مجاهد الدين محمد بن شمس الدين محمود بن قليج النوري. وانتهت عمارتها سنة خمسين وستمائة.

__________________

(١) م : حتى بالقرب منها ؛ استدركت على الهامش في الأصل.

(٢) كلمة عتيق سبقت بحرف (م) ..... (!) في ف

٣٥٦

وأول من درس بها الشيخ مجد الدين الحسن ـ المتقدم ذكره ـ جامعا بينها وبين المدرسة الأسدية ، وعليه انقضت الدولة الناصرية.

والآن هي في تكلم أولاد الفان. ويدعون أنهم من ذرية الواقف. انتهى.

وفي كفالة جانبيك الناجي حلب. لما توفي أبو زوجته دفنه بهذه المدرسة.

«المدرسة الفطيسية» :

هذه المدرسة دخلت في دار العدل ولم يبق لها أثر.

أنشأها سعد الدين مسعود بن الأمير عز الدين ايبك المعروف (بفطيس) عتيق عز الدين فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب ـ صاحب بعلبك ـ كانت دارا يسكنها فوقفها بعد عينه مدرسة. وتوفي المذكور سنة تسع وأربعين وستمائة. وأول من درس بها أحمد بن محمد بن يحيى القراؤلي المارداني ـ المعروف بالفصيح ـ وعليه انقضت الدولة الناصرية.

وحكم القاضي شمس الدين بن أمين الدولة الحنفي بانتقال وقفها إلى القليجية إذ هي أقرب مدرسة إليها.

ومن جملة وقفها حصة بدير الجمال (١).

«[المدرسة] الشاذبختية التي بظاهر حلب» :

قد تقدم اسم بانيها (٢) ، وأين كانت في الشاذبخيتية التي داخل حلب.

أول من درس بها موفق الدين أبو الثنا محمود بن النحاس ؛ باعتبار شرط الواقف أن من في الجوانية كان إليه التدريس في البرانية. ولم يزل مدرسا بها إلى أن توفي في التاريخ قدمنا ذكره (٣).

__________________

(١) دير الجمال : قرية تقع على طريق اعزاز حلب. تتبع ناحية تل رفعت وتبعد ٧ كم. وعن حلب ١٥ كم (التقسيمات الإدارية : ١٨٤)

(٢) جمال الدين شاذبخت الخادم الهندي الأتابكي. كان حيا عام ٥٧٨ ه‍.

(٣) وفاته عام ٦٠٢ ه‍.

٣٥٧

ثم وليها بعده صفي الدين محمد بن أحمد بن يوسف الأنصاري السلاري.

ولم يزل بها إلى أن مات في شهر رجب سنة ست عشر وستمائة فوليها بعده ولده شمس الدين محمد.

ولم يزل مدرسا بها أن توفي فوليها بعده نجم الدين أحمد بن الصاحب كمال الدين بن العديم. (٦٢ ظ) م

ولم يزل مدرسا بها إلى أن مات ببلاد الروم وحمل إلى حلب فدفن بها سنة ثمان وثلاثين فوليها افتخار الدين أبو المفاخر محمد بن يحيى بن محمد بن أبي جرادة المعروف بابن العديم.

وعليه انقضت الدولة. وقتل بحلب.

وهذه المدرسة لم يبق منها إلا الرسوم.

«المدرسة الآشودية» :

...... (١)

أنشأها الأمير عز الدين أشود التركماني الياروقي. (٦٣ ظ) ف

أول من درس بها صفي الدين خليل الملقب بالزقزق الحموي.

ثم رحل عنها فوليها بعده شمس الدين محمد الزرنيخي.

ثم رحل عنها فوليها ضياء الدين أيوب بن خليل بن كامل ـ المعروف بابن أخت الجمال خليفة ـ وخرج عنها.

ودرس فيها بعده بدر الدين محمد بن يحيى المعروف بالغوري.

«المدرسة السيفية» :

هذه المدرسة بالحاضر السليماني. خارج باب قنسرين. أنشأها الأمير سيف الدين علي بن سليمان بن جندر. وكان إلى جانب هذه المدرسة المسجد الجامع المتقدم ذكره.

__________________

(١) بياض في الأصل.

٣٥٨

إشارة : قال الصاحب : مسجد سيف الدين أي المعروف بجامع السلطان (١) الآن وكان قبل أن يبنى مسجدا تربة لبني أبي جرادة وكان فيها القاضي أبو الفضل وأبوه أبو الحسن أحمد وأبوه وجماعة من سلفه ، والشيخ أبو الحسن علي بن أبي جرادة فلما جدده سيف الدين مسجدا حولت القبور إلى جبل جوشن. وكانت التربة بالقرب من خان السلطان في السوق. انتهى.

[الأمير علي بن سليمان بن جندر] :

وسيف الدين المذكور كان كثير الصدقات. توفي سنة اثنين وعشرين وستمائة وأبوه سليمان الأمير علم الدين صاحب عزاز وبغراس له مواقف مشهورة في الجهاد. توفي في أواخر الحجة (٢) بقرية «غباغب» سنة سبع وثمانين وخمسمائة.

ورأيت في خط ابن عشائر وذكر أنه نقله من بغية الطلب من كلام الصاحب ما لفظه: سليمان بن جندر. وهو الذي وقف المدرسة بالحاضر اتجاه المسجد الجامع على أصحاب أبي حنيفة.

وقال ابن شداد أن ابنه على وقفها (٣). فانظر ما هذا.

لطيفة : قال الزكي أبو العباس أحمد بن مسعود بن شداد الموصلي : وكنت مع علم الدين سليمان بن جندر بحارم وأنا وإياه تحت شجرة. وكنت إذ ذاك أؤم به في سنة سبع وسبعين وخمسمائة. فقال لي : كنت ومجد الدين أبو بكر بن الداية. وصلاح الدين يوسف بن أيوب تحت هذه الشجرة. وأشار إلى شجرة هناك. ونور الدين محمود بن زنكي إذ ذاك يحاصر حارم وهي في يد الفرنج. فقال مجد الدين ابن

__________________

(١) وعرف بجامع حسان أيضا.

(٢) لعله : ذى الحجة.

(٣) لم نهتد إلى ذلك في كتاب ابن شداد

٣٥٩

الداية : كنت أشتهي من الله أن يأخذ نور الدين حارم ويعطيني إياها. وقال صلاح الدين : كنت أشتهي مصر. ثم قالا لي تمن أنت شيئا فقلت : إذا كان مجد الدين صاحب حارم ، وصلاح الدين صاحب مصر ما أصنع بينكما؟ فقالا لا بد أن تتمنى! فقلت : إذا كان ولا بد فأريد عم (١). فقدر الله أن نور الدين كسر الفرنج وفتح حارم وأعطاها مجد الدين وأعطاني عم فقال صلاح الدين : أخذت أنا مصر. فإننا كنا ثلاثة. وقد بقت أمنيتي. فقدر الله (٦٤ و) ف تعالى أن فتح (٦٣ و) م أسد الدين مصر. ثم آل الأمر إلى أن ملكها صلاح الدين وهذا من غرائب الاتفاقات. انتهى.

ولما عدد ابن شداد والمساجد التي بالحاضر السليماني قال : مسجد الأمير سيف الدين بن علم الدين. قال : ومسجد أنشأه المذكور (٢) انتهى.

فالحاصل أن له مسجدين أحدهما كان إلى جانب هذه المدرسة وقد اندثر. وبقى محرابه. والثاني : هو الذي تقام الآن فيه الجمعة المعروف بجامع السلطان المذكور في الجوامع. انتهى.

وهذه المدرسة عظيمة كثيرة البيوت للفقهاء. وبها منارة محكمة. وكان بها بركة ماء. وقد صارت الآن في الخراب ، لا مدرس ، ولا باب ، وربما سد بابها في بعض الأحيان لخلو البقعة من السكان ، وكانت أولا قائمة الشعار.

أول من درس بها عز الدين محمد بن أبي الكرم بن عبد الرحمن السنجاري. انتقل إلى حلب سنة ثمان وتسعين وخمسمائة فتولى تدريس المدرسة المذكورة.

ثم خرج منها إلى دمشق وأقام إلى أن توفي في سنة ست وأربعين بعد أن تولى

__________________

(١) عم : قال عنها ياقوت : قرية غناء ذات عيون جارية وأشجار متدانية بين حلب وأنطاكية.

وكل من بها نصارى ... (معجم البلدان : عم)

(٢) الأعلاق الخطيرة : ١ / ١٩٨)

٣٦٠