كنوز الذّهب في تاريخ حلب - ج ١

سبط ابن العجمي الحلبي

كنوز الذّهب في تاريخ حلب - ج ١

المؤلف:

سبط ابن العجمي الحلبي


المحقق: الدكتور شوقي شعث و المهندس فالح البكّور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٥
الجزء ١ الجزء ٢

في : «اصبعا» ، وحصة في (نبل) (١) ، وحصة في (حربتا). ولها جهات بحلب. وصرفها على المستحقين. ولم يأخذ منها شيئا حتى سأل الفقهاء على قدر ما يأخذ. وبيض المدرسة. وخبأ للفقهاء الذين توجهوا للحجاز ، وأحسن للحاضرين. ونقل الفضلاء. فجزاه الله خيرا. انتهى.

«المدرسة الأسدية الشافعية التي داخل باب قنسرين التي داخل باب قنسرين ، وتعرف محلتها بالرحبة» :

أنشأها أسد الدين شيركوه بن شادي بن مروان.

وهذه المدرسة مشتملة على إيوان كبير ، وخلاوي للفقهاء ، وبركة ماء. وتاريخها مكتوب في رخامه فوق إيوانها ؛ لا أستطيع قراءته لعلوه.

وأول من درس بها قطب الدين مسعود بن محمد بن مسعود ؛ المتقدم ذكره في تدريس المدرسة النفرية. وله شعر حسن ؛ ومنه :

هويت ومن يهوى فلابدّ أن يشقى

ومن زلّ في مهوى الهوى ماله مرقا

وقد لسعتني عقرب العشق لسعة

ومن لسعته عقرب العشق لا يرقا

بليت بما لم يبل مجنون عامر

به ومتى أبقى وألقى الذي ألقى

خليليّ من أهواه شطّ مزاره

فلا تطمعا من بعد ذلك أن أبقى(٤٩ و) ف

ومن نظمه :

يقولون إن الحبّ كالنار بالحشا

ألا كذبوا فالنار تذكو وتخمد

وماهي إلا جذوة مس عودها

ندى فهي لا تخبو ولا تتوقد

__________________

(١) نبل : بلدة تتبع منطقة أعزاز وتبعد عنها ٢٥ كم. من ناحية تل رفعت وتبعد عنها ١٧ كم محافظة حلب. (التقسيمات الإدارية : ١٨٤)

٣٠١

ثم تولاها شمس الدين أبو المظفر حامد بن ابي العميد عمر بن أميري بن ورشي القزويني.

ولم يزل بها إلى أن رحل من حلب إلى مدينة حمص سنة ستمائة فوليها بعده الشيخ شمس الدين عبد الله الكشوري (١) ، ولم يزل بها إلى أن توفي سادس عشر ربيع الأول سنة ثمان وستمائة.

ووليها العلامة الحافظ الزاهد تقي الدين أبو عمر عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان ابن موسى بن أبي نصر المعروف بابن الصلاح (٢).

ثم وليها بعده أخوه سديد الدين إبراهيم. ثم رحلا.

ووليها بعد سديد الدين ولده.

وولي تدريسها بعده الفقيه صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان الشهرزوري الكردي (٣). ولم يزل بها إلى أن توفي ليلة الخميس ثامن عشر (٤) ذي الحجة سنة ثمان عشرة وستمائة. وفي (٥) كلام ابن الوردي في ترجمة ابن الصلاح أن والده توفي في ذي القعدة بحلب ودفن بالجبيل. وكانت ولادته سنة تسع وثلاثين وخمسمائة.

ثم وليها شرف الدين محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن صلاح ولم يزل بها إلى أن توفي بالاستسقاء (٦).

__________________

(١) الكشوري : نسبة إلى «كشور» وهي من قرى صنعاء (معجم البلدان : كشور)

(٢) سبق التعريف به ؛ انظره.

(٣) ويدعى الصلاح وهو والد ابن صلاح (العالم بعلم الحديث المشهور). كان من جلة مشايخ الأكراد. توفي عام ٦١٨ ه‍. بحلب ودفن خارج باب الأربعين في الموضع المعروف بالجبل بتربة الشيخ علي بن محمد الفارسي. وكان مولده في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ، اشتغل ببغداد. واشتغل على ابن أبي عصرون

(٤) في الأصل : عشري. (وفيات الأعيان : ٣ / ٢٤٣)

(٥) استدركت على الهامش.

(٦) السقي : ماء يتجمع في البطن عن مرض. (المنجد في اللغة : سقى)

٣٠٢

ثم وليها معين الدين بن المنصور بن القاسم الشهرزوري مدة شهر واحد ثم رحل إلى حمص.

ووليها نجم الدين محمد بن محمد بن عبد الله بن علوان الأسدي ولم يزل بها إلى أن تزهد في سنة تسع وثلاثين وستمائة (١)

[ابن حاذور الحموي] :

وخرج منها فوليها قوام الدين أبو العلا [ء] المفضل بن السلطان المعروف بابن حاذور الحموي. ولم يزل مدرسا بها إلى أن ولي قضاء معرة النعمان في سنة ست وأربعين. ثم عزل عن المعرة. وعاد إلى حلب. فولي المدرسة الشعيبية مدة. ثم ولي قضاء حمص سنة خمس وخمسين وستمائة. ثم عزل عن حمص. وتوفي سنة ستين وستمائة بحماة.

ثم وليها رشيد الدين عمر بن إسماعيل الفارقاني سنة ست وأربعين وستمائة. ولم يزل مدرسا بها إلى سنة ثلاث وخمسين وستمائة ثم خرج إلى دمشق.

ووليها مدة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن حسن بن خلكان. ولم يزل بها إلى أن كانت وقعة التتر فخرج من حلب إلى ديار مصر فمات بالفيوم (٢).

قلت : وهذه المدرسة لها وقف بدمشق كبير. ووقف بحلب وهو (٣) حصة بقرية سارد (٤) وحوانيت (٥) خارج بانقوسا استبدلها ابن الحسفاوي بحانوت في سويقة

__________________

(١) محمد بن محمد الأسدي. أبو المكارم محي الدين. قاضي القضاة بحلب. ولد عام ٦١٢ ه‍.

وسمع وحدث. درس بالمدرسة المسرورية بالقاهرة ، تولي قضاء حلب إلى حين وفاته وكانت عام ٧٦٢ ه‍. ودفن بتربة جده.

(٢) نقل ما تقدم عن ابن شداد. انظر «الأعلاق الخطيرة : ١ / ١ / ٢٥٣»

(٣) م : العبارة : «وهو حصة .. وحتى .. سويقة حاتم» ؛ استدركت على الهامش.

(٤) لم نهتد إلى ترجمتها فيما لدينا من المراجع.

(٥) ف : حاونيت.

٣٠٣

حاتم. قال لي والدي أن درسها كان يقام قبل تمر على الشمع الموكبي بعد صلاة الصبح. ثم نخرج إلى باب قنسرين فنسمع زفة القلعة ونحن قاصدون بقية المدارس التي خارج البلد لأجل الدروس. (٤٩ ظ) ف

ودرس بها جماعة ؛ كالسيد عبد الله.

وأخيرا الشيخ شرف الدين الأنصاري.

وانتقل التدريس لولده.

ثم لولد ولده.

وعنه أخذ شيخنا المؤرخ. وكان يدرس أولا نيابة عنه.

ودرس بها الشريف الحسيني (١) قاضي حلب.

وجماعة.

«المدرسة الرواحية الشافعية» :

أنشأها زكي الدين أبو القاسم هبة الله بن (٢) عبد الواحد بن رواحة الحموي. وأنشأ أخرى بدمشق. وتوفي يوم الثلاثاء سابع رجب سنة اثنين وعشرين وستمائة وقيل : سنة ثلاث وعشرين. ودفن بمقابر الصوفية. ومدرسته بدمشق تولاها أبو عمر وعثمان بن الصلاح.

وهذه المدرسة بالقرب من الخانقاه الشمسية والسهلية (٣) المعروفة الآن بسويقة حاتم.

وشرط واقفها أن لا يتولاها حاكم متصرف. وشرط أن يعرف مدرسها الخلاف العالي. والنازل.

__________________

(١) وردت ترجمته انظره.

(٢) عند ابن شداد : ابن محمد. (الأعلاق الخطيرة : ١ / ١ / ٢٥٥).

(٣) سترد ترجمتها في المتن.

٣٠٤

ووليّ تدريسها القاضي زين الدين أبو محمد عبد الله بن الشيخ الحافظ عبد الرحمن ابن عبد الله بن علوان الأسدي (١).

ولم يزل مدرسا بها إلى أن وليّ نيابة الحكم بحلب سنة ثلاث وعشرين فدرس بها أخوه القاضي جمال الدين أبو عبد الله محمد (٢).

ولم يزل بها [إلى] سنة اثنين وثلاثين فتولى نيابة الحكم بحلب عن أخيه قاضي القضاة زين الدين أبي محمد عبد الله فتولى التدريس بها ابن أخيه بهاء الدين يوسف ابن قاضي القضاة زين الدين.

ولم يزل بها إلى أن توفي في أوائل سنة خمس وثلاثين فوليها بعده الشيخ الإمام نجم الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن علوان الأسدي ولم يزل مدرسا بها إلى أن تزهد سنة تسع وثلاثين فخرج عنها.

ثم وليها بهاء الدين محمد الكردي ولم يزل بها إلى أن توفي.

ووليها القاضي محي الدين محمد بن القاضي جمال الدين محمد بن الشيخ الحافظ عبد الرحمن.

ولم يزل بها إلى أن تولى نيابة الحكم بحلب ثالث عشر رمضان سنة أربع وأربعين وستمائة فتولى تدريسها كمال الدين أبو الفضائل أحمد بن القاضي نجم الدين الحسن ابن عبد الله بن الحجاج الكردي. ولم يزل بها إلى أن توفي يوم الخميس تاسع عشر جمادى الآخرة سنة خمس وأربعين وستمائة.

__________________

(١) سبق التعريف به ؛ انظره.

(٢) محمد بن عبد الرحمن بن علوان بن رافع ـ قاضي القضاة ـ جمال الدين أبو عبد الله بن الأستاذ الأسدي. ولد بحلب. وسمع وحدث. توفي بحلب عام ٦٣٨ ه‍. للمزيد انظره في (الوافي بالوفيات).

٣٠٥

ووليها بعده الشيخ مجد الدين محمد بن هدبة بن محمود الأشنهي (١). ولم يزل بها إلى أن توفي في أوائل سنة ست وخمسين وستمائة.

ووليها بعده عماد الدين أبو بكر بن محمد بن الحسن الكوراني. ولم يزل مدرسا بها إلى أن قتل في وقعة التتر بحلب.

قلت : وهذه المدرسة اندثرت في وقعة تمر. وانهدم سقفها ورأيت بها شجرة كرم كبيرة تثمر فقطعها شيخنا المؤرخ. فمات أخوه ذلك العام. ولما ألزم (٥ و) ف قصروه ـ كافل حلب ـ شيخنا بعمارة المدارس عمرها. وسقفها. ودرس بها درسا في قوله تعالى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) ونقل بها مؤلف الدمياطي بهذه المسألة ، وحفظه في ليلة واحدة وحضر معه فضلاء البلد كالشيخ عبيد وغيره. وحضر معه الكافل. ثم حضرت درسا مع ابن شيخنا كمال الدين ابن الخرزي.

وكان قبل تمر يدرس بها تاج الدين العجمي ؛ وقد ترجمه شيخنا (٢).

ونزل بها في أيامنا الشيخ عبد الرزاق الشرواني ـ وستأتي ترجمته ودرس بها تبرعا.

وهذه المدرسة لها وقف من جملته حصة بقرية (تل أعرن (٢)) ، وحصة بقرية

__________________

(١) الأشنهي : منسوب إلى أشنه : بلدة تقع في طرف أذربيجان من جهة إربل .. ذات بساتين (كمثرى). نسب إليها جماعة من المحدثين. (معجم البلدان : أشنه)

أ ـ م : حاشية في الأصل : «.......» ليست مقروءة أبدا.

(٢) تل أعرن : قرية كبيرة جامعة من نواحي حلب ؛ ينسب إليها صنف من العنب الأحمر مدور ، وهي ذات كروم وبساتين ومزارع. (معجم البلدان : تل أعرن). لعل المقصود بها الآن : تل عرن. تتبع السفيرة وتبعد عنها ٦ كم (التقسيمات الإدارية : ٢١٥).

٣٠٦

نفيحين ، وحصة بقرية مشقاتين (١). وكتاب وقفها موجود. انتهى.

«المدرسة الشعيبية الشافعية داخل باب أنطاكية» :

لما فتح المسلمون حلب اختطوها. وهي أول ما اختط من المساجد ولذلك يقال مسجد الأتراس كما تقدم. ثم عرفت بمسجد الغضائري :

[أبو الحسن علي بن عبد الحميد الغضائري] :

وهو (٢) أبو الحسن علي بن عبد الحميد بن عبد الله بن سليمان سمع عبد الله (٣) ..... بن وبشر بن الوليد (٤) وعبد الله بن .... وعبيد الله القواريري (٥) وطائفة. وعنه عبد الله بن عدي وجماعة. وثقه الخطيب.

وهو أحد الأولياء من أصحاب السري السقطي (٦). حج من حلب أربعين حجة ؛ قاله ابن العديم (٧).

وشاهدت بخط الشيخ شمس الدين بن الركن قال أبو إسحاق الحنبلي قدمت على علي بن عبد الحميد الغضائري ـ رضي الله عنه ـ فوجدته من أفضل خلق الله. وكان لا يتفرغ من الصلاة آناء الليل والنهار. فانتظرت فراغه ، وقلت : إنا قد تركنا الآباء والأمهات والأهل والوطن بالرحلة إليك فلو تفرغت ساعة فتحدثنا بما عندك من ما آتاك الله من العلم. فقال : أدركني دعاء الشيخ الصالح سري الدين السقطي

__________________

(١) لعلها ما تعرف الآن : «بشقاتين» تتبع ناحية عندان وتبعد عنها ٢٥ كم وعن حلب ٢٥ كم (التقسيمات الإدارية : ٢١٨)

(٢) سقطت من ف.

(٣) ف : حتى ... وثقه الخطيب ؛ سقطت من الأصل. وفي م استدركت على الهامش.

(٤) انظر ترجمته في : «سير أعلام النبلاء : ١٠ / ٦٧٣».

(٥) انظر ترجمته في : «سير أعلام النبلاء : ١١ / ٤٤٢».

(٦) انظر ترجمته وأخباره في : «الأربعون في شيوخ الصوفيه : الماليني بتحقيق فالح البكور :»

(٧) (زبدة الحلب : ٢٨ ـ حاشية).

٣٠٧

ـ رضي الله عنه ـ وذلك إني جئت إليه يوما فقرعت بابه. فقال : من ذا. فقلت : أنا. فسمعته يقول قبل أن يخرج : اللهم من جاءني يشغلني عن مناجاتك فاشغله بك عني. فما رجعت من عنده حتى حببت إليّ الصلاة والاشتغال بذكر الله تعالى حتى لا أتفرغ لشيء سواه ببركة الشيخ (١).

وعن علي بن عبد الحميد قال : دققت على السري بابه فقام إلى عضادتي الباب فسمعته يقول : «اللهم اشغل من شغلني عنك بك». فكان من بركة دعائه أني حججت أربعين حجة من حلب على رجلي ذاهبا وآئبا (٢).

وفي كلام الذهبي : في سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة توفي علي بن عبد الحميد الغضائري(٣).

[الشيخ شعيب بن حسين الأندلسي] :

ولما ملك نور الدين حلب أنشأ بها المدارس وصل الشيخ شعيب بن أبي الحسن بن حسين بن أحمد الأندلسي الفقيه فصير له هذا المسجد مدرسة وجعله (٥٠ ظ) ف مدرسا بها فعرفت به إلى عصرنا. ولم يزل مدرسا بها إلى أن توفي سنة ست وتسعين وخمسمائة في طريق مكة ، ودفن بين تيماء وبين جفر بني عنزة ؛ وكان من الفقهاء المعتبرين ، والزهاد المعروفين من أصحاب الحافظ أبي الحسن علي بن سليمان المرادي (٤). وانقطع في هذا المسجد فعرف به ، وانقطع عنه اسم الغضائري.

وكان نور الدين يعتقده فرتبه ليدرس على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه. (٥١ و) م

__________________

(١) انظر الخبر في كتاب : «الأربعون في شيوخ الصوفية للماليني ـ تحقيق فالح البكور :».

(٢) انظر الحاشية السابقة.

(٣) (سير أعلام النبلاء : ١٠٤ / ٣٨٨) ؛ (الإعلام بوفيات الأعلام : ١٣٤).

(٤) انظره في : «سير أعلام النبلاء : ٢٠ / ١٨٧»

٣٠٨

ثم وليها الشيخ شمس الدين محمد بن موسى الجزري (١) ولم يزل بها إلى أن توفي يوم الأحد سنة ثلاث وثلاثين وستمائة.

ثم وليها موفق الدين أبو القاسم الكردي الحميدي.

ولم يزل بها إلى أن وليّ قضاء المعرة في أوائل سنة اثنين وأربعين وستمائة فوليها بعده قوام الدين أبو العلاء الفضل بن سلطان بن شجاع (٢).

ثم خرج عنها إلى حمص سنة خمس وخمسين فوليها بدر الدين محمد بن إبراهيم بن خلكان ؛ المعروف بقاضي تل باشر. انتهى.

وقد وليها قبل فتنة تمر الإمام ناصر الدين أبو المعالي بن عشائر ولما عزل نفسه عن نظرها أنشد :

تشعب قلبي بالشعيبية التي

بها أشعب الطماع يبدو ويخطر.

سأترك مغناها غنى وتعففا

وكم مثلها فارقتها وهي تصفر.

كذا رأيته بخط ابن القرناص (٣).

وهذه المدرسة الآن شاغرة عن الشعائر والدرس بل ولا يعلم أحد أنها مدرسة. وعليها وقف ببلد اعزاز. وقد استولى الناس على وقفها. وتركوها خالية صفرا كغيرها من المدارس ، لا مدرس ولا أنيس ، ولا فقيه ولا جليس. مقفرة العرصات ، وخالية من إقامة الصلوات (٤).

__________________

(١) ذكره أيضا في : «الأعلاق الخطيرة : ١ / ١ / ٢٥٧» ؛ وأضاف عن بعض النسخ الخطية : «الجزولي».

(٢) في : «الأعلاق الخطيرة : ١ / ١ / ٢٥٨) : المعروف بابن حاذور.

(٣) سبق التعريف به.

أ ـ ف : حاشية في الأصل : «وأما الآن فبحمد الله سبحانه وهي معمورة بالصلوات. ولها خطبة. وبابها مفتوح يدخلها الناس في كل آن. وعلى بابها من جهة القبلة حوض ماء عذب ، ينتفع به المسلمون. والحمد لله رب العالمين».

٣٠٩

ولها منارة محكمة قصيرة. وعليها كتابة كوفية لا أدري ما هي (١) (!)

«المدرسة الشرفية الشافعية» :

أنشأها الشيخ الإمام شرف الدين أبو طالب عبد الرحمن بن العجمي ـ وترجمته مع أقاربه ـ وأصرف على عمارتها ما ينيف على أربعمائة ألف ؛ كذا قال ابن شداد (٢) وكان بشماليتها قبل فتنة تمر صندوق من الخشب ذكر أقارب واقفها أنه لأجل آلة العمارة (٣). وبعضهم يقول : ملأه دراهم وأصرفها في عمارتها وبالغ بعضهم فقال : أنفق ملأه دراهم برسم مونة لطعام الفعول.

وأخوه الشيخ شمس الدين جدي كان يحسن الكيمياء. ويدفع لأخيه ليعمر بها ؛ كما سيأتي في الشمسية.

وهذه المدرسة عظيمة ؛ قال الذهبي فيها : وهي حسنة مليحة. وهي في غاية الارتفاع ، وحسن البناء والصنعة. فالبوابة لم ينسج على منوالها وإيوانها فرد في بابه ، ومحرابها غاية في الجودة ، ورخام أرضها محكم ، وبركتها من أعاجيب الدنيا ؛ (٥١ و) ف عشرة أحجار لا يهتدى إلى تركيبها إلا الحذاق. وعمقها الآن قامة وبسطة وقيل : كانت أعمق من ذلك. وببركة واقفها وقع بها أناس ولم يغرق منهم أحد وضرب (٤) صاحبها التتار فيها.

والحجر الأصفر الشمالي منها رؤي النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عليه. وكان والدي لا يصعد فوقه. بل يغسله. ويتوضأ إلى جانبه.

__________________

(١) يذكر الطباخ أن الكتابة كوفية من النوع المسمى بالمزهر. وقد استطاع قراءة بعضها وهي «.. في سنة خمس وأربعين وأربعمائة». وذلك تاريخ بناء نور الدين. (إعلام النبلاء : ٤ / ٣١٦)

(٢) (الأعلاق الخطيرة : ١ / ١ / ٢٥٧)

(٣) م : استدركت على الهامش وحتى «بالع بعضهم». وفي ف : منذ ملأه دراهم ..

(٤) م : حتى نهاية العبارة : استدركت على الهامش.

٣١٠

وكان يأتي الماء إليها في زمن واقفها من دولاب [ا] تجاه باب المدرسة الكبير ، وصنع لها واقفها سربا لأجل خلائها من المدرسة إلى خارج البلد لم يشارك أحد فيه ، بل مختص بهذه المدرسة. وقد خسفت تنورتها إلى خارج المدرسة شماليها. وأسقفت.

وبهذه التنورة جباب لأجل القاذورات إذا امتلأت سرحت في السراب. ولما خسفت أخذ خشب الشمالية وأسقفت به. وكان والدي يقول : لا بد أن يخسف ثانيا. لأنه كان أولا قبوا وقد ترك الشيخ يعقوب القيم بالمدرسة بهذا السرداب (٥١ ظ) م فرآه محكما فوصل إلى باب الرواحية. ورجع.

وهذه المدرسة مبنية بالحجر الهرقلي ، وعليها نورانية ظاهرة. ورؤيتها تورث فرحا وانشراح صدر. وكيف لا ومعلم بنائها هو العبد الصالح شيخ الطريقة أبو بكر النصبة المدفون بمقام الشيخ فارس في جبل بابلي ، واسمه مكتوب على محرابها. واسم النحات مكتوب على بابها. واسمه أبو الثناء بن ياقوت وصنع لها طرازا على حائطها الأعظم ليكتب عليه ما أراد. وكذلك على إيوانها. فلم يتفق ذلك. لأن واقفها اخترمته المنية. ولم يكملها. ومدة عمارتها أربعون سنة. وكان رحمه الله لا يجلس على دككها التي خارج بابها لئلا تنسب إليه إنما كان يجلس على دككها داخل الباب ، وفي إيوانها.

وهذه المدرسة بها ثلاثة أدوار من الخلاوى المحكمة البناء والأبواب والخزائن. وبها بأعلى (١) الإيوان مع أعلى (٢) حاصلها المعروف الآن بالمغارة قاعة مليحة للمدرس ، ولهذه القاعة باب من الإيوان. وباب من أرض المدرسة. وبصدر هذا الإيوان بادهبخ له ثلاثة أبواب ثم سد بابان منهم لأجل الزلزلة خوفا على الإيوان.

__________________

(١) في الأصل : باعلا.

(٢) انظر الحاشية السابقة.

٣١١

وفي هذه المدرسة بئران وصهريجان على بئر منهم قنطرة من الحديد مكتوب عليها : «وقف هذه القنطرة واقف هذه المدرسة عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن العجمي على مصالح الجب في شهر ربيع الأول سنة أربعين وستمائة (١) واسم صانعها : علي بن أبي بكر ابن مسلم. وعليها خط بالكوفي لا أدري ما هو. وهذه الكتابة ليست حفرا. وإنما هي بالقلم المجوز. وعليها صنعة حفر من بدائع الرسم. وهذه القنطرة الحديد من العجائب. ومشاهدتها تورث الفكرة كيف صنعت.

وإلى جانب المدرسة تربة الواقف وهو مدفون بها بوصيته وعليها وقف (٥١ ظ) ف وزاد وقفها بنت ابنه عائشة.

وإلى جانب قبليتها مسجد قديم لم يغيره الواقف بل عمر حائطه. وأبقى (٢) باب المسجد في مكانه. وفتح له إلى قبلية المدرسة بابا آخر ؛ كذا (٣) قيل لي. ورأيت في كتاب وقفها أن الواقف هو الذي بناه ووقفه مسجدا.

وإلى جانب هذا المسجد بيت كان اصطبلا للعجول التي كانت تجلب الأحجار لبناء المدرسة. وكان الواقف ـ رحمه الله ـ إذا أعاقه في طريق العجول الذي تجلب الأحجار عائق من بناء اشتراه من مالكه. وهدمه حتى تمر العجول هناك. وكان بهذه المدرسة من الأبواب المنجورة على الخلاوى من أحسن الصنائع المطعم والحفر والخيط والمكولك وغير ذلك مما يفتخر به الصناع. وقد ذهب غالبها من عدم التعهد.

__________________

(١) المفتي المولى الرئيس أبو طالب عبد الرحمن بن عبد الرحيم ابن الصدر أبي طالب عبد الرحمن ابن الحسن بن العجمي. الحلبي. الشافعي. حدث عن يحيى الثقفي. وابن طبرزد. روى عنه الدمياطي. وآخرون. مات بعذاب التتار على المال في صفر عام ٦٥٨ ه‍. وله تسع وثمانون سنة. (تهذيب سير أعلام النبلاء : ٣ / ٣١٣)

(٢) في الأصل : ابقا.

(٣) م : استدركت على الهامش حتى آخر المقطع.

٣١٢

وكان بالمغارة المذكورة في هذه المدرسة من الرخام الملون والفصوص الملونة مالا مزيد عليه ليرخم به الإيوان وحائطه ، والقبلية وحائطها. فلما توفي واقفها ـ رحمه الله ـ أخذه أقاربه واقتسموه وجعلوه في بيوتهم.

وقد وقف الواقف ـ رحمه الله تعالى ـ على هذه المدرسة الكتب النفيسة من كل فن ، من حديث وتفسير وفقه ونحو وغير ذلك. فمن كتبها : (مسند الإمام الشافعي) و (الأم) وجميع كتب الإمام الشافعي رضي الله عنه وكتب الاصحاح : (٥٢ و) م (كتفسير الثعلبي) وغيره من التفاسير. و (كالنهاية) و (الحاوي الكبير) (١) و (الإبانة) (٢) و (التتمة) (٣) و (الذخائر) (٤) و (الشامل) (٥) ومن الحديث : الكتب الستة (٦).

__________________

(١) الحاوي الكبير في الفروع. ألفه القاضي أبي الحسن على بن محمد الماوردي البصري الشافعي المتوفي عام ٤٥٠ ه‍. وهو كتاب عظيم في عشر مجلدات. ويقال أنه ثلاثون لم يؤلف في المذهب مثله. (كشف الظنون : ١ / ٦٢٨)

(٢) الإبانة في فقه الشافعي للشيخ أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد الفوراني المروزي. الشافعي المتوفي عام ٤٦١ ه‍. وهو كتاب مشهور بين كتب الشافعية (كشف الظنون : ١ / ١)

(٣) تتمة الإبانة (ذيل) : لتلميذه الشيخ أبي سعيد عبد الرحمن بن مأمون المعروف بالمتولي النيسابوري المتوفي عام ٤٧٨ ه‍. كتبها إلى الحدود وجمع فيها من النوادر المسائل وغرائبها. (كشف الظنون : ١ / ١)

(٤) الذخائر في فروع الشافعية : للقاضي أبي المعالي مجلى المخزومي الشافعي المتوفى عام ٥٥٠ ه‍. وهو من الكتب المعتبرة في هذا المذهب. (كشف الظنون : ١ / ٨٢٢)

(٥) الشامل في فروع الشافعية : لأبي نصر عبد السيد ابن محمد المعروف بابن الصباغ الشافعي المتوفي عام ٤٧٧ ه‍. قيل : هو من أجود كتب الشافعية وأصحها نقلا. وله شروح وتعليقات عديدة. (كشف الظنون : ٢ / ١٠٢٥)

(٦) معروفة ومشهورة : صحيح البخاري وصحيح مسلم. وسنن النسائي. وسنن أبي داود ، وسنن ابن ماجة ، ومسائل أحمد ،

٣١٣

وكان بها جميع كتب المذهب. ولم يفته شيء سوى كتب الرافعي والنووي لأنهما لم تصل كتبهما إذ ذاك إلى حلب. وكان بها أربعون نسخة من (التنبيه) (١). وجميع كتب الغزالي (٢). وكانت أسماء الكتب مثبتة عند أقاربه في درج كبير فذهب في محنة تمر.

وبلغني أنه شرط في وقفها إلى أن يشترى لأبواب المدرسة الحصر من عبادان. والبسط من اقصراي. وأقاربه يقولون أن من شرطه أن لا يتعرض على الناظر في أمر المدرسة. وإن اعترض معترض يغلق بابها ويعود وقفها وقفا على أهليه ؛ وقد رأيت ذلك في كتاب وقفها. وقد وقف لها الأوقاف الجليلة كالقرشية في طريق بالس. وغير ذلك. وشرط لها مؤذنين يؤذنون على بابها. ومن جملة الموقوف على المؤذنين حصة بقرية حربيل (٣). ووقف غير واقفها عليها ـ وهو الطرسوسي ـ حصة بقرية ديد حين آلت إليها. ولها باب من جهة القبلة يفتح إلى بيوت الخطيب هاشم. انتهى.

وقد درس فيها ولده محي الدين محمد ؛ واسمه مكتوب على الكتب الموقوفة عليها وأعاد له منها عشرة أنفس ولم يكن في عصرهم في سائر البلاد ومثلهم إلى أن (٥٢ و) ف قتل شهيدا بأيدي التتر بعد استيلائهم على حلب.

وأما الواقف فإنه توفي بعد استيلاء التتر على حلب في رابع عشر صفر سنة ثمانين وخمسين وستمائة. انتهى.

__________________

(١) التنبيه في الفروع الشافعية للشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن علي الفقيه الشيرازي الشافعي المتوفى عام ٤٧٦ ه‍. وهو أحد الكتب الخمس المشهورة المتداولة بين الشافعية. وأكثرها تداولا. هذبه النووي ، وله شروح كثيرة (كشف الظنون : ١ / ٤٨٩)

(٢) عن كتب الغزالي انظر كتاب عبد الرحمن بدوي الذي جمع فيه عناوين جميع كتب الغزالي مع أماكن تواجد نسخها الخطية في العالم. وهو أوسع مصنف أعد عن الإمام الغزالي.

(٣) حربل : تتبع تل رفعت وتبعد عنها ٨ كم. منطقة اعزاز وتبعد عنها ٢٠ كم محافظة حلب. (التقسيمات الإدارية : ١٨٥)

٣١٤

ثم قيض الله تعالى لهذه المدرسة من درس بها تبرعا قبل فتنة تمر وبعدها والدي الحافظ برهان الدين. ورحل إليه الحفاظ من البلاد للأخذ عنه بها كشيخ الإسلام [ا] بن حجر. والحافظ العلامة شمس الدين بن ناصر الدين.

وهذه المدرسة من شرط واقفها أن يقرأ بها البخارى. وقرأه والدي بعد اللنك بها. انتهى.

وإذا تذكرت ما كانت عليه هذه المدرسة من كثرة الفضلاء وتردادهم إليها للسماع عليهم ولسماعهم وما هي عليه الآن ؛ تذكرت قول الشاعر :

هذي منازل قوم قد عهدتهم

في رغد عيش ماله خطر

صاحت بهم نائبات الدهر فانقلبوا

إلى القبور فلا عين ولا أثر

 «المدرسة البدرية» :

هذه المدرسة في صدر درب البازيار (١). وبابها باقي. وهي خراب. وبها الآن بيت عمر في هذه الأزمان أنشأها بدر الدين عتيق عماد الدين شاذي بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب (٢). ولها وقف وصار وقفها ملكا ؛ كذا قاله [ا] بن شداد (٣).

«المدرسة الزيدية» :

وتعرف الآن بالألواحية ، وهي داخل باب أنطاكية. أنشأها إبراهيم بن إبراهيم المعروف بأخي زيد الكيال الحلبي. انتهت سنة خمس وخمسين وستمائة.

__________________

(١) وردت ترجمته سابقا

(٢) عماد الدين شاذي (ترويح القلوب : ٧٤).

وفي شفاء القلوب : (٢٧١) : ويسمى عمر. ولم يذكره بعضهم.

وفي (تهذيب سير أعلام النبلاء : ٣ / ١٣٤) : عماد الدين شاذي.

(٣) (الأعلاق الخطيرة : ١ / ١ / ٢٥٨)

٣١٥

ودرس فيها شمس الدين أحمد بن محيي الدين محمد بن أبي طالب بن العجمي. وعليه انقضت الدولة (١).

ولما نزل بها الألواحي (٢) الصوفي نسبت إليه. انتهى. (٥٢ ظ) م

«المدرسة السيفية الشافعية» :

هذه المدرسة غربي خندق القلعة.

أنشأها الأمير سيف الدين علي بن علم الدين سليمان بن جندر ، انتهت سنة سبع عشرة وستمائة. وعلى حائطها الشرقي ـ مكتوب شرط الواقف أن يدعى للخليفة الناصر لدين الله وللسلطان اللذين في أيامه قبل الدعاء لواقفها. انتهى.

قال ابن شداد (٣) : «وأن يدرس فيها مذهبا الإمامين الشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهما».

وعلى حائطها أنها وقف على الشافعية (٤).

وأول من درس بها مذهب الشافعي القاضي بهاء الدين أبو المحاسن بن شداد ولم يزل مدرسا بها قريبا من سنة.

ثم استقل بها بعده القاضي زين الدين أبو محمد عبد الله بن الشيخ الحافظ عبد الرحمن الأسدي (٥).

__________________

(١) عن : «الأعلاق الخطيرة : ١ / ١ / ٢٥٩».

(٢) لعله يقصد : بالألواحي : شرف الدين أبو النون يونس بن حسين الزبيري المعروف بالألواحي. نزيل القاهرة. ولد عام ٧٦٥ ه‍. سمع منه خلق. نزل في إحدى الصوفيات. توفي عام ٨٤٢ ه‍. (شذرات الذهب : ٨ / ٢٦٨).

(٣) (الأعلاق الخطيرة : ١ / ١ / ٢٥٩).

(٤) م : العبارة بكاملها استدركت على الهامش.

(٥) المتوفى عام ٦٢٣ ه‍ ؛ سبق التعريف به.

٣١٦

ولم يزل بها مدرسا إلى أن تولى نيابة الحكم للقاضي بهاء الدين سنة ثلاث وعشرين فوليها نجم الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن علي بن شاني الموصلي المعروف بابن الخباز (١) وكان عالما فاضلا. (٥٢ ظ) م

ولم يزل بها إلى أن توفي يوم الثلاثاء سابع ذي الحجة سنة إحدى وثلاثين وستمائة فوليها القاضي جمال الدين أبو عبد الله محمد بن الأستاذ (٢)

ولم يزل متوليها إلى أن مات سنة ثمان وثلاثين فوليها ولده محي الدين محمد ولم يزل إلى أن كانت فتنة التتر وانقضت الدولة.

وقد عمرها شيخنا لما ألزمه قصروه بعمارة المدارس. وفتح لها شبابيك في شرقيها.

ومن جملة أوقافها حصة بقرية «سلامين» من عمل سرمين. وحصة بقرية «المالكية» من عمل اعزاز. وحصة بقرية «تيبسار» (٣)

«المدرسة الظاهرية الشافعية» :

هذه المدرسة ظاهر حلب ، خارج باب المقام ،

أنشأها السلطان الملك الظاهر غازي وانتهت عمارتها في سنة عشرة وستمائة. وفوض النظر فيها إلى القاضي بهاء الدين بن شداد. وشرف الدين أبي طالب بن العجمي ، وشرط أن يكون مشاركا للقاضي بهاء الدين مدة حياته. وأن يستقل بها بعد وفاته. ثم لعقبه.

__________________

(١) ولد عام ٥٥٧ ه‍ بالموصل. اشتغل وبرع في علوم اللغة. وصنف العديد من الكتب. توفي في حلب ودفن ظاهرها بباب الأربعين عام ٦٣١ ه‍. (وفيات الأعيان : ٧ / ١٠٠)

(٢) قاضي القضاة جمال الدين محمد بن عبد الرحمن بن الأستاذ المتوفى عام ٦٣٨ ه‍ ولد بحلب وسمع وحدث وناب عن أخيه القاضي زين الدين عبد الله (الوافي بالوفيات).

(٣) لم نقف على ترجمة لها فيما لدينا من المظان.

٣١٧

وأول من درس بها ضياء الدين أبو المعالي محمد بن الحسين بن أسعد بن عبد الرحمن بن العجمي. وحضر يوم تدريسه السلطان الملك الظاهر بنفسه. وعمل دعوة عظيمة حضرها الفقهاء.

واستمر المذكور فيها إلى أن توفي بدمشق يوم الاثنين حادي عشر صفر عند عودته (١) من الحجاز سنة خمس وعشرين. وكان مولده سنة أربع وستين. وحمل إلى حلب فدفن بها.

ووليها بعده الشيخ شرف الدين أبو طالب العجمي. ولم يزل بها مدرسا إلى سنة اثنين وأربعين فاستخلف فيها ابن أخيه عماد الدين عبد الرحيم بن أبي الحسن عبد الرحيم. ولم يزل نائبا عنه إلى سنة خمسين فعزله عنها.

واستناب ولده محي الدين محمد. ولم يزل بها إلى أن زالت الدولة الناصرية وهذه المدرسة لم تزل في يد بني العجمي ودرس بها منهم :

الشيخ كمال الدين عمر بن النسقي ـ شيخ والدي ـ والتزم أن يدرس بها الحاوي الصغير في يوم واحد بالدليل والتعليل. فخرج الفقهاء معه لذلك. فوصل إلى كتاب الحيض ضجر الفقهاء واعترفوا بفضله. وكان يسكن بها. ويتنزه ببستانها. ويقيم الدرس هناك. وأخذها من بني العجمي سراج الدين الفوي ثم لما قتل عادت إليهم.

وبلغني أن من شرط واقفها أن يصلي الفقيه الخمس فيها وهي محصورة في خمسة عشر فقيها. ولها مدرس في الفقه. ومدرس في النحو والقرآن. ومن جملة وقفها بستان إلى جانبها. وقد استأجره شخص يقال له «اقجا خازندار» يشبك ودفن فيه موتاه. ولها حمام خارج باب المقام كانت وسوق داخل حلب ويعرف بسوق الظاهر

__________________

(١) في الأصل : عوده

٣١٨

ولما تهدم عمره جقمق الدوادار وجعله نصفين : نصفا لمدرسته بدمشق ولها (٥٣ و) ف غالب ضيعة من عمل الباب يقال لها «عين أرزة». انتهى.

وهذه المدرسة أنشأ صاحبها إلى جانبها تربة ليدفن بها من يموت من الملوك والأمراء. وبناء هذه المدرسة محكم. وبها خلاوى للفقهاء وبركة ماء. وهي على ترتيب الشرفية التي تقدم الكلام عليها. وقد استعصت مرة على التتار فأرادوا قلع عتبتها فحفر المقيمون بها سقاطة من أعلى بابها ورموا عليهم بالأحجار فاندفعوا عنها. انتهى.

«المدرسة الهروية الشافعية» :

هذه المدرسة خارج باب المقام

قال ابن شداد (١) : «أنشأها الشيخ أبو الحسن على بن أبي بكر الهروى». انتهى. اعلم أن الشيخ عليا المذكور مدفون في قبة جانب هذه المدرسة. وبناء القبة هو كهيئة الكعبة. فلذلك كانت حاملة في الزيارات مكتوب عليها : حكم ومواعظ وبها بئر من خارجها تنسب إلى سيدنا الخليل عليه السلام. وقد قال الهروي المذكور أن هذه البئر ظهرت بهذه التربة.

[الهروي]

والهروي ترجمه صاحب حماة (٢) ، وابن خلكان (٣). والذهبي (٤).

قال ابن خلكان : الهروي الأصل. الموصلي المولد. المشهور. نزيل حلب طاف البلاد ، وأكثر الزيارات. وطبق الأرض بالدوران برا وبحرا. سهلا وجبلا. وكل مكان قصده. ولم يصل مكانا إلا وكتب خطه على حائطه ، وضرب به المثل في

__________________

(١) الأعلاق الخطيرة : ١ / ١ / ٢٦١.

(٢) «المختصر في أخبار البشر : ٣ / ١١٥»

(٣) «وفيات الأعيان : ٣ / ٣٤٦».

(٤) «سير أعلام النبلاء : ٢٢ / ٥٦».

٣١٩

ذلك ، قال جعفر بن شمس الخلافة (١) يصف رجلا يستكدي بأوراقه شعر :

أوراق كديته في بيت كلّ فتى

على اتفاق معان واختلاف روي

يطبق (٢) الأرض من سهل إلى جبل

كأنها (٣) خط ذاك السائح الهروي

وكان فيه مع ذلك فضيلة. وله معرفة بعلم السيما (٤). وبه تقدم عند الظاهر صاحب حلب. وبنى له المدرسة بظاهر حلب.

وقال القاضي (٥) ورأيت على حائط الموضع الذي كان يلقى فيه الدروس من المدرسة المذكورة هذين البيتين :

رحم الله من دعا لأناس

نزلوا هاهنا يريدون مصرا

نزلوا والخدود بيض فلما

أزف (٦) البين عدن(٧)بالدمع حمرا

وتوفي في شهر رمضان في العشر الأوسط سنة إحدى عشرة وستمائة. انتهى.

وقال الذهبي. وله تواليف حسنة. وكان يعرف السيما. وبه تقدم عند الظاهر. وبنى له مدرسة بظاهر حلب فدرس بها ، وصنف خطبا. ودفن في قبة المدرسة.

وقال جمال الدين واصل : كان عارفا بأنواع الحيل والشعبذة. وصنف خطبا وقدمها للناصر لدين الله فوقع له بالحسبة في سائر البلاد. وإحياء ما شاء من الموات والخطابة بحلب. وكان هذا التوقيع بيده له به شرف ، ولم يباشر شيئا من ذلك. انتهى.

__________________

(١) أبو الفضل جعفر بن شمس الخلافة أبي عبد الله محمد الأفضلي الملقب مجد الملك الشاعر. كان فاضلا ، حسن الخط. له تواليف. ولد في مصر عام ٥٤٣ وتوفي بها عام ٦٢٢ ه‍. (وفيات الأعيان : ١ / ٣٦٢)

(٢) في (وفيات الأعيان : ٣ / ٣٤٧): (قد طبق).

(٣) في (وفيات الأعيان : ٣ / ٣٤٧): (كأنه)

(٤) سبق التعريف به ؛ انظره.

(٥) المعني ابن خلكان ؛ والكلام له.

(٦) في الأصل : «أرق» ؛ صوبناها عن ابن خلكان.

(٧) في الأصل : «عدت» ؛ صوبناها عن ابن خلكان.

٣٢٠