كنوز الذّهب في تاريخ حلب - ج ١

سبط ابن العجمي الحلبي

كنوز الذّهب في تاريخ حلب - ج ١

المؤلف:

سبط ابن العجمي الحلبي


المحقق: الدكتور شوقي شعث و المهندس فالح البكّور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٥
الجزء ١ الجزء ٢

وفي هذه الوقعة نهبت ، وحرقت ، وخلت من أهلها ولم يبق منهم بها إلا القليل ووصل خبر الفرنج إلى غازي بالموصل فجهز العساكر إلى الرها ، فوصلت وقد ملكها نور الدين فبقيت بيده ولم يعارضه أخوه سيف الدين غازي (١).

قلت : «ومن عجيب ما جرى أن نور الدين أرسل من غنائمها إلى الأمراء وأرسل إلى زين الدين علي جملة من الجواري فحملن إلى داره ودخل لينظر إليهن فخرج وقد اغتسل وهو يضحك فسئل عن ذلك (!). فقال : لما فتحنا الرها مع الشهيد كان في جملة ما غنمت جارية مالت نفسي إليها فعزمت على أن أبيت معها. فسمعت منادى الشهيد وهو يأمر بإعادة السبي والغنائم وكان مهيبا مخوفا فلم اجتر [ء] على إبقائها وأطلقتها. فلما كان الآن أرسل إليّ نور الدين بسهمي من الغنيمة وفيه تلك الجارية (٢٤ ظ) ف فوطئتها خوفا من العود. انتهى (٢)».

وفي سنة أربع وأربعين وخمسمائة : حصر العادل نور الدين (٣) حصن حارم فجمع البرنس صاحب أنطاكية وقاتله فانهزم الفرنج وقتل البرنس (٤).

قال ابن الوردي : وحمل رأسه إلى حلب وأسر أصحابه. وفي ذلك يقول [ا] بن المنير الأطرابلسي (٥).

أقوى الضلال وأقفرت عرصاته

وعلا الهدى وتبلجت قسماته

وانتاش دين محمد محموده

من بعد ما علت دما عثراته

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) نقله ابن الأثير أيضا : (الكامل : ٩ / ١٤)

(٣) الملك العادل نور الدين : سبقت ترجمته ؛ انظره.

(٤) انظر الخبر في : «المختصر : ٣ / ٢٢».

(٥) ابن منير الطرابلسي : أبو الحسين أحمد مهذب الدين. شاعر مشهور من أهل الشام. ولد عام ٤٧٣ ه‍. وتوفي عام ٥٤٨ ه‍. (معجم الأعلام : ٨١)

٢٠١

ردت على الإسلام عصر شبابه

وثباته من دونه وثباته

صدم الصليب على صلابه عوده

فتفرقت أيدي سبأ خشباته

وسقى البرنس وقد تبرنس ذلة

بالروح مقمر ما جنت غدراته

فانقاد في خطم المنية أنفه

يوم الحطيم وأقصرت بزواته

فجلوته تبكي الأصادف تحته

بدم إذا صلحت له شماته

يمشي العناة برأسه وهو الذي

نطت مدار النير بين قتاته

انتهى.

وملك بعد البرنس ابنه بيمند (١) وهو طفل. وتزوجت أمه برجل آخر وتسمى بالبرنس(٢).

ثم إن نور الدين غزاهم غزوة أخرى فهزم وقتل وأسر البرنس الثاني فتمكن بيمند في ملك أنطاكية.

حكاية : قيل أن دبيس بن صدقة لما سار مع ايلغازي إلى الكرج سأل ايلغازي في الطريق أن يهب له حلب ، وأن يحمل له دبيس مائة ألف دينار ويجمع بها التركمان ويعاضده (٣) حتى يفتح أنطاكية. فأجابه ايلغازي إلى ذلك وأخذ يده على ذلك.

فلما وقعت كثرة الفرنج بدا له في ذلك فانفذ إلى ولده سليمان إلى حلب وكان خفيفا. وقال له : اظهر أنك قد عصيت عليّ حتى يبطل ما بيني وبين دبيس فحمله الجهل على عصى والده ووافقه على قرباص (٤) والحاجب ناصر وهو شحنة حلب وغيرها.

__________________

(١) بيمند وتلفظ بوهمندbohemond : والاسم لعدة أمراء من النورمان الصليبيين حكام أنطاكية وطرابلس. والمقصود بوهمند (١٠٥٠ م ـ ١١١١ م) أحد قواد الحملة الصليبية الأولى. شقيق تانكرد. (المنجد في الأعلام : ١٥٥).

(٢) انظر : «المختصر : ٣ / ٢٢».

(٣) ف : يعاضد.

(٤) كذا في الأصل : وفي : «المختصر : ٢ / ٢٣٥) ؛ (الكامل : ٨ / ٣٠٣) : رجل من حماة من بيت قرناص.

٢٠٢

(٢٨ ظ) موقبض سليمان (١) حجاب أبيه فصفعهم وحلق لحاهم ومد يده إلى أموال الناس وظلمهم فطمع الفرنج. وفرقهم سليمان فولوا زردنا (٢) وعمروها لابن صاحبها كليام بن الأبرص.

ثم سار الفرنج إلى نائب حلب فكبسوا في طريقهم حاضر حلب وغيرها فخرج إليهم الحاجب ناصر والعسكر وكسروهم وقتلوا منهم جماعة (٣).

وخرج في جمادى الآخرة فنازل حاضره وأخذها وخربها وحمل باب حصنها إلى أنطاكية ، ونزل برج سينا ففعل به ذلك. وكذلك فعل بغيرها من حصون النقرة والأحص ، وسبا ، وأحرق ، ونهب ، وعاد فنزل صلدع على نهر قويق.

وخرج إليه اتزر بن ترك طالبا منه الصلح مع سليمان فقال : على شرط أن يعطيني سليمان الأتارب حتى أحفظه ، وأنا أذب عنه ، وأقاتل دونه. فقال له : ما يجوز أن نسلم ثغرا من ثغور حلب في بدو مملكته بل ألتمس غيرها. مما يمكن لنوافقك عليه. فقال له : الأتارب لا يقدر صاحب حلب على حفظها ؛ فإن قدرت عمرت عليها الحصون بما دارت. وأنا أعلمكم أنها اليوم تشبه فرسا لفارس قد عطبت يداها. وللفارس هري (٤) شعير يعلفها رجا [ء] أن تبرأ ويركبها. فنفذ هرى الشعير وعطبت الفرس. وفاته الكسب. ثم رحل نحوها فحاصرها ثلاثة أيام واتصل به ما أوجب رحيله إلى أنطاكية.

__________________

(١) وكان عمره ٢٠ سنة. (الكامل : ٨ / ٣٠٣).

(٢) زردنا بليدة من نواحي حلب الغربية. (معجم البلدان : زردنا) وهي اليوم عامرة وتتبع محافظة إدلب. وبرزت إبان الحروب الصليبية. انظر في موضع آخر.

(٣) (المختصر : ٢ / ٢٣٠) ؛ (الكامل : ٨ / ٣٣) ؛ (الأعلام والتبين في خروج الفرنج الملاعين : ٧٢).

(٤) الهري : جمعه أهراء. وتعني مستودع.

٢٠٣

ولما بلغ ايلغازي إصرار ولده على العصيان ضاقت عليه الأرض ، وأعمل في الوصول إليه ، وأخذ حلب منه فكاتب أقوام ، وعرفوه أن ما بحلب من يدفعه عنها. فسار حتى وصل إلى قلعة جعبر. فضعفت نفس ابنه سليمان عن العصيان على أبيه فأنفذ إليه من استحلفه عن الصفح عنه ، والإحسان إليه وإلى من حسن له العصيان مثل ابن قرناص وناصر الحاجب وأكد الأيمان على ذلك. ودخل حلب في أول شهر رمضان فخرج الناس للقائه ودخل القصر. وأحسن إلى أهل حلب وسامحهم. وصرف الشحنة الذي كان يؤذي الناس في البلد. وقبض على الريس مكي بن قرناص وعلى أهله. وشق لسانه ، وكحله. وأخذ ماله. وسلم أخاه إلى من يعذبه. وكحل (٢٥ و) ف ناصر الحاجب. فعني به من تولى أمره فسلمت إحدى عينيه وعرقب طاهر بن الزاير ؛ وكان من أعوان الريس ... (١)

وأعاد الملوك أولاد رضوان من قلعة جعبر إلى حلب وكان ولده قد أخرجهم من حلب فمضوا إلى قلعة جعبر وهم سلطان شاه وإبراهيم وغيرهم.

وخطب بنت الملك رضوان وتزوج بها. ودخل بها حلب.

وولى رياسة حلب سليمان بن عبد الرزاق العجلاني البالسي.

وولى ابن أخيه بدر الدولة سليمان بن عبد الجبار رياسة في حلب. وصالح الفرنج مدة سنة كاملة وأعطاهم من الضياع ما كان في أيديهم أيام ملكهم الأتارب وزردنا (٢).

وسار في المحرم من سنة ست عشرة وخمسمائة إلى الشرق ليجمع العساكر فمات وزيره بحلب أبو الفضل بن الرضوان في صفر وولى الوزارة أبو الرجا ابن السرطان. انتهى.

__________________

(١) ليست واضحة.

(٢) انظر تفاصيل الخبر في المصادر للفقرات السابقة وبتوسع.

٢٠٤

الفصل العاشر

في

ـ جوامعها.

ـ وبعض مدارسها.

ـ وخوانكها.

ـ وزواياها.

ـ وربطها.

ـ وبيمارستانها.

٢٠٥

لما فتح أبو عبيدة حلب كما تقدم صلحا أو عنوة (١) ، ودخل من باب (٢٦ و) ف أنطاكية فحف المسلمون بالأتراس حتى بنيت الشعيبية. وكانت تسمى قديما بمسجد الأتراس ثم بالغضائري (٢). وسيأتي لماذا سميت بالشعيبية (٣) ـ صالحوا أهلها على القول بأنها فتحت صلحا على موضع المسجد الجامع ، فاختطه الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وكان بستانا للكنيسة التي هي الحلاوية الآن. والجب الذي فيه كان دولابا للبستان ، ثم جدده سليمان بن عبد الملك ، ولم يذكر ابن العديم في (٤) ترجمة سليمان أن سليمان بناه. وقال في مكان آخر : وبلغني أن سليمان هو الذي بناه (٥) ، كما رأيته بخط ابن عشائر (٦) ولم يبق فيه من بناء سليمان سوى السور. وقد نقض من السور قطعة يسيرة فوق الباب الغربي في (٧) سنة تسع وأربعين وثمانمائة وأعيد في أوائل سنة خمسين ، وكذلك القبو الذي على الباب الغربي داخل الباب وخارجه. ابتدئ في عمارته في أواخر سنة تسع وأكمل في أوائل سنة خمسين.

__________________

(١) انظر كتاب : (فتوح البلدان : ١٥٠).

(٢) منسوب إلى أبي الحسن علي بن الحميد الغضائري. أحد الأولياء. من أصحاب سري السقطي. قيل : حج من حلب ماشيا أربعين حجة. حدث بها عن أبي إبراهيم الترجماني ... توفي عام ٣١٣ ه‍. (الأعلاق الخطيرة : ١ / ١ / ١٣٨) ، (تاريخ بغداد : ١٢ / ٢٩).

(٣) نسبة إلى شعيب بن أبي الحسن الحسين بن أحمد الأندلسي الفقيه. كان من الفقهاء والزهاد. (الأعلاق الخطيرة : ١ / ١٣٨).

(٤) م : العبارة : «في ترجمة .. وحتى .. الذي بناه». سوى : «أنا سليمان بناه». استدركت على الهامش.

(٥) ذكر ذلك ابن شداد أيضا عن ابن العديم (الأعلاق الخطيرة ١ / ١ / ١٠٤).

(٦) ابن عشائر : محمد بن علي بن محمد السلمي الحلبي أبو المعالي ، ناصر الدين حافظ ، مؤرخ ، كان خطيب حلب. توفي عام ٧٨٩ ه‍. (معجم الأعلام : ٧٥٧)

(٧) ف : العبارة : «في سنة تسع وأربعين .. وحتى .. على الباب الغربي». استدركت على الهامش.

٢٠٦

ولم يعمر من مال الجامع وإنما عمره شخص يقال له : أبو بكر بن الحلواني وشرط لنفسه أن يسكن مدة حياته في البيت الذي عمره على ظهر القبو المذكور وبعده يكون وقفا على مؤذني الجامع ، وسيأتي في الحوادث كيفية موت أبي بكر المذكور (١).

وقد كان هذا الجامع يضاهي جامع دمشق في الزخرفة والرخام والفسيفساء وباهى سليمان في بنائه ليضاهي ما عمل أخوه الوليد في جامع دمشق.

وقيل إنما بناه الوليد ، وأنه نقل إليه آلة كنيسة قورص (٢). وكانت هذه الكنيسة من عجائب الدنيا ويقال أن ملك الروم بذل في ثلاثة أعمدة كانت فيها سبعين ألف دينار فلم يسمح الوليد بذلك (٣).

ويقال إن بني العباس نقضوا ما كان فيه من الرخام والآلات إلى جامع الأنبار كما نقضوا آثار بني أمية من بلاد الشام. ولم يزل على هذه الصفة إلى أن دخل نقفور في سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة حلب فأحرقه. ولما عاد سيف الدولة رمّ بعض ما تهدم منه ثم لما مات سيف الدولة ولى ولده أبو المعالي (٤) فبنى فيه (٥).

وهذا الجامع أحرق مرارا :

__________________

(١) انظر المتن.

(٢) انظر : «الدر المنتخب : ٦٢ : ح : نشرت المشرق (سنة ١٩٠٨ وجه ٢٣٩ : كتابة يونانية اكتشف سنة ١٩٠٧ على عمود بازاء كنيسة القديس ديونيسيوس في مدينة قورس أو قورش وفحواها : «إن القيصر أنسطاس منح كنيسة القديس ديونيسيوس هذا الانعام بأن تكون ملجأ للهاربين دون أن يصابوا فيها بأذى».

(٣) (الدر المنتخب : ٦٢) ؛ (الاعلاق الخطيرة : ١ / ١ / ١٠٤).

(٤) أبو المعالي بن سيف الدولة : شريف بويع بعد وفاة والده. توفي بداء الفالج عام ٣٨١ ه‍. انظر أخباره مفصلة في : «أخبار الدول المنقطعة : ٥٤»

(٥) (الدر المنتخب : ٦٣) ؛ (الأعلاق الخطيرة : ١ / ١ / ١٠٤).

٢٠٧

منها : في (١) سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة أحرقه الفرنج.

ومنها : سنة أربع وستين وخمسمائة أحرق فجدده نور الدين الشهيد ؛ كما قاله ابن كثير.

ومنها : في سنة تسع وسبعين وستمائة حرقه صاحب سيس (٢) ونقل صاحب ماردين رخامه.

وسيأتي من أحرقه أيضا من التتار وغيرهم. والكلام على الجامع قبليته وشرقيته وشماليته وغربيته ، ومنارته ، وصحنه ، ومصنعه. وما فيه على الترتيب.

أما الحائط القبلي الذي يلي الصحن وفيه أبواب القبلية فأخبرني شيخنا أنه من بناء نور الدين الشهيد ؛ وسيأتي كلام ابن شداد في الخاتمة (٣).

وفي سنة ستمائة وقع باب قلعة حلب ، وكان الباب قريبا من أرض البلد متصلا (٢٦ ظ) ف بالباشورة (٤) فقتل تحته خلق كثير منها : الأستاذ ثابت بن شعويق الذي بنى الحائط القبلي بجامع حلب الذي فيه محراب الصحن.

__________________

(١) م : العبارة : «في سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة» ؛ استدركت على الهامش الأيسر.

(٢) لعله أخذ الخبر عن ابن خطيب الناصرية. فقد ذكر الخبر صاحب الدر نقلا عن ابن خطيب الناصرية. شيخ مؤلفنا هذا حيث يذيلّ لكتابه. (الدر المنتخب : ٦٤).

(٣) ال م : العبارة : «وسيأتي كلام ابن شداد في الخاتمة» ، استدركت على الهامش.

(٤) الباشوره : جمعها بواشير وهي تصميم خاص بمداخل البيوت والقلاع يقضي برفع جدار يواجه الداخل مباشرة ويفرض عليه الانعطاف يمينا أو شمالا بممرات ضيقة ، والقصد من ذلك في البيوت حجب داخل البيت من الخارج ـ وقد يصل الباب الخارجي بغرفة الاستقبال دهليز يمر به الضيف من دون الإشراف على حرم المنزل أما في القلاع فهو لإعاقة تقدم المهاجمين لقد كان لمدينة بغداد المدورة أربعة أبواب من هذا النوع غير أنها غابت بعد بغداد ولكنها ظهرت من جديد ـ

٢٠٨

والحائط الشرقي مكتوب عليه أنه عمر في أيام الناصر محمد بن قلاوون. في سنة سبع وعشرين وسبعمائة. انتهى.

(٣٠ و) م ومنه قطعة من جهة الشمال بنيت في أيام السلطان صلاح الدين. وأما الرمح المغروزة فيه فهو علامة لوقت العصر وقد عمل الشيخ العارف ابن التيزيني تلميذ الرئيس بن الحارمي نزيلا دمشق علامة أخرى بالقرب من العلامة المذكورة (١).

وجهة الشمالية من الجامع مقبرة للكنيسة التي هي الآن المدرسة الحلاوية قبل الفتوح. والحائط الغربي جدد بعد موت السلطان المؤيد في تولية ولده السلطان أحمد ؛ ورأيته وقد سقط فلما أزيلت الحجارة الساقطة خرجت بالحمام حية من بينهالأنه سقط ليلا ولم يؤذ أحدا. وكان بحلب الوزير علم الدين فأصبح بكرة النهار بالجامع ومعه الصناع لتحرير الحائط وبنائه. فسمع كافل حلب فغضب من ذلك وأنف. فأمر بإخراج الوزير من الجامع. وتمثل بعمارته.

إشارة (١) : «في ليلة الأربعا [ء] سابع عشر من شوال في أيام نور الدين. وذلك في سنة أربع وستين وخمسمائة أحرقته الاسماعيلية (٢). واحترقت الأسواق فبناه نور

__________________

ـ في بلاد الشام ومصر في العصرين الأتابكي والأيوبي حوالي القرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي واستخدمها صلاح الدين الأيوبي في أبواب اسوار القاهرة والقلعة التي شيدها عام ٨٧٢ ه‍ / ١٦٧٠ [انظر مادة الباشوره في موسوعة العماره الإسلامية لعبد الرحيم غالب جروس بريس ١٩٨٨.]

أ ـ ف : حاشية في الأصل : «أقول وعلى ما عمله العارف ابن التيزني العمل الآن).

(١) ما سيذكره نقله عن ابن شداد بشيء من التصرف. وأيضا صاحب الدر المنتخب. (الأعلاق الخطيرة : ١ / ١ / ١٠٦) ؛ (الدر المنتخب : ٦٣)

(٢) هم القائلون بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق بعد أبيه. ولما تولى الخليفة أحمد المستعل انشق عن خلافته فريق من الإسماعليين بزعامة الحسن بن الصباح وبايعوا لأخيه نزار ، ـ

٢٠٩

الدين كما تقدم ، ونقل إليه عمدا من قنسرين ، وقطع له العمد من بعادين لأن العمد التي كانت فيه تفطرت من النار».

وكان النصف القبلي من الشرقية التي في قبلي الجامع الملاصقة لسوق البز عن يمين الداخل من الباب القبلي سوقا موقوفا على الجامع فاستفتى نور الدين في ذلك الفقيه عبد الرحمن الغزنوي (١) فأفتاه بجوازه فنقض السوق وأضافه إلى الجامع ، فاتسع المسجد. وحسن في مرآى العين.

ووقف عليه نور الدين أوقافا كثيرة. قال ابن شداد : وشاهدت الفتوى بخط الغزنوي(٢).

وهذا المكان رؤي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي فيه كثيرا وهو الآن دكة مرتفعة عن أرض الجامع. وأراد بعض المتكلمين في أيامي أن يجعل له حائطا وأن يجعله حاصلا للجامع. فمنعته من ذلك وأخبرته بما فعل السلطان نور الدين رحمه الله تعالى وأثابه الجنة. انتهى (٣).

__________________

ـ وبعد أن أخفقت جهودهم في الإسكندرية انتقل الحسن إلى قلعة الموت إلى أن أعلن الحسن بن محمد زعيم النزاريين إلغاء الشعائر الدينية .. وأصبح النزاريون أو كما عرفوا بالحشاشين مغايرين لأصحاب المذهب الإسماعيلي. مع بقاء الاسم حتى عصرنا. وهم اتباع آغاخان. والآخرون عرفوا بالبهرة أو السبعية. (المنجد في الأعلام : ٤٥)

(١) عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن جعفر الغزنوي أبو الفتح. وقيل : أبو محمد الملقب علاء الدين ، انتهى إليه التدريس في المدرسة الحلاوية عام ٥٤٨ ه‍ وبقي إلى أن توفي بحلب عام ٥٦٤ ه‍. فخلفه في التدريس ابنه محمود. (الأعلاق الخطيرة : ١ / ١ / ٢٦٧)

(٢) انظر : «الأعلاق الخطيرة : ١ / ١ / ١٠٧».

أ ـ ف : حاشية في الأصل : «أقول : ثم بعد المذيّل ـ رحمه الله ـ جعل شبه حاصل بدن (!) وأدركناه. وكان يدخل إليه النساء يوم الجمعة لصلاواتها إلى أن أذن الله تعالى وأبطل ـ

٢١٠

ولما دخل السلطان صلاح الدين حلب في سنة سبع وسبعين نزل المسعودي ـ شارح المقامات ـ واسمه : محمد ؛ وله ترجمة في تاريخ ابن خلكان (١) ـ جامع حلب وقعد في خزانة كتبه الموقوفة. وكانت بالشرقية (٢) واختار منها جملة وأخذها ولم يمنعه منها مانع. انتهى.

وأما المحراب الكبير :

فقد وجد بعد حريقة في أيام السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون في شهر (٢٧ و) ف رجب سنة أربع وثمانين وستمائة في كفالة قراسنقر المنصوري وفيه انحراف (٣) وأما المنبر : الذي هو الآن به فعمل في أيام السلطان الملك الناصر محمد وصانعه محمد ابن علي الموصلي بتولي محمد بن عثمان بن الحداد ؛ وهذا المنبر غير المنبر الذي كنت سمعت أن صانعه كان فلاحا من قرية «الأخترين» من قرى حلب. وأنه

__________________

ـ وأضيف المحراب الأصفر حين رخم الجامع الحاج إبراهيم بن هيكل. وحين ردم الجامع سنة ١١٧٠ ه‍. شوهد في الحائط الشرقي أثر باب السوق المضاف إلى الجامع.».

انظر : لعل المخطوطة ف نسخت نحو عام ١١٧٠ ه‍.

(١) محمد بن أبي السعادات عبد الرحمن الخراساني. المروزي. الملقب بتاج الدين. فقيه شافعي صوفي. كان أديبا فاضلا. شرح المقامات الحريرية ـ المشهورة ـ في خمسة مجلدات. لم يسبقه إلى ذلك أحد. كان يقيم بدمشق. قيل أن ولادته كانت عام ٥٢١ ه‍. أو ٥٢٢ ه‍. وتوفي عام ٥٨٤ ه‍. بدمشق ودفن بسفح قاسيون.

والمسعودي نسبة إلى جده مسعود. وعرف بالبندهي : نسبة إلى دبنج ديه ، من أعمال مروروذ ؛ ومعناه بالعربي : «خمس قرى». (وفيات الأعيان : (٤ / ٣٩٠).

(٢) م : استدركت على الهامش.

(٣) مكتوب عليه : «أمر بعمارته بعد حريقه مولانا السلطان الأعظم الملك المنصور سيف الدنيا والدين (قلاوون). وعلى جانبه : «بالإشارة العالية المولوية الأميرية الشمسية قرا سنقر الجو كندار الملكي المنصوري كافل المملكة بحلب المحروسة أدامه الله وحرسه في رجب ٦٨٤».

٢١١

(٣٠ ظ) م مات قبل تركيبه. وعجز الناس عن تركيبه. فرآه ولده في النوم فقال له : عجزتم عن تركيبه. قال نعم. فأراهم كيفية التركيب. فأصبح ولده وركبه.

وقرأت في تاريخ الاسلام : وقد كان نور الدين أنشأ منبرا برسم الأقصى قبل فتح بيت المقدس طمعا في أن يفتحه ولم تزل نفسه تحدثه بفتحه. وكان بحلب نجار فائق الصنعة ؛ فعمل لنور الدين هذا المنبر على أحسن نعت ، وأبدعه. فاحترق جامع حلب فنصب فيه ثم عمل النجار المذكور ويعرف بالأختريني منبرا آخر شبه ذلك المنبر. فلما افتتح السلطان بيت المقدس أمر بنقل المنبر فنصب إلى جانب محراب الأقصى (١). انتهى.

[غريبة] :

ومن الغرائب أن المستهل بن الكميت بن زيد الأسدي (٢) قدم حلب بأمر الخليفة المنصور. وصعد منبرها. فذكر مناقب بني هاشم. ومثالب بني أمية. وتكلم في عمر بن عبد العزيز. وقال : إنما مثله مثل بغي بني إسرائيل التي كانت تزني تحت رمان وتتصدق به على المرضى. فقام إليه أسلم بن كرب الشامي (٣) فقال : إن كنت كاذبا فأعمى الله بصرك فعمي في موضعه. وانحدر عن المنبر يقاد (٤). وكان أسلم بن كرب يطرح التراب إلى فيه ويقول : تبا له سمع دعاءه يزري على نفسه.

__________________

(١) هذا المنبر صنع بدلا من منبر سابق كان قد احترق عندما دخل صاحب سيس إلى الجامع وأحرق الجانب القبلي عام ٦٨٤ ه‍. إلى أن جدد بالمنبر المذكور هذا. وكان ابن جبير قد وصف المنبر السابق لدى زيارته حلب ٥٨٠ ه‍. بما يوحي بأنه أفضل من المنبر الحالي. والمنبر الحالي من خشب الآبنوس تتخلل أجزاؤه قطع رقاق صغار من العاج. بما يدل على براعة صانعه

(٢) المستهل بن كميت بن زيد : شاعر من أهل الكوفة. كانت وفاته نحو عام ١٥٠ ه‍. (معجم الأعلام : ٨٣٥)

(٣) أسلم بن كرب الشامي : لم نهتد إلى ترجمته.

أ ـ م : حاشية في الأصل : «قف على من تكلم في عمر بن عبد العزيز فعمي».

٢١٢

وبالقبلية مكان في الحائط : يقال أن قطعة من رأس زكريا عليه الصلاة والسلام فيه.

وتقدم الكلام على رأس زكريا في الزيارات.

ورأيت في الأعلاق الخطيرة (١) لما تسلم التتر قلعة حلب وأخربوها أخربوا جامع القلعة وذلك سنة ثمان وخمسين فعند ذلك عمد أبو بكر (٢) شيخ القلعة على الذخائر ، وأبو حامد بن النجيب (٣) إلى رأس يحيى عليه السلام فنقلوه إلى جامع حلب (٤).

وأما باب الخطابة : فجدد في أيام السلطان الملك الصالح أبي الفداء إسماعيل بن محمد سنة ست وأربعين وسبعمائة وهو غاية في الجودة (٥).

وأما السدة : فعملت بإشارة الطنبغا كافل حلب (٦).

وباب الجامع القبلي : لم يكن من أنواع المنجور كالنهود والمكولك والمطعم (٢٧ ظ) ف والخيط (٧) إلا وهو به. ومكتوب عليه نجز في شعبان سنة سبع وثلاثين وسبعماته.

وعلى الباب الثالث من جهة الغرب : تاريخ عمله في سنة خمس وثلاثين وسبعمائة.

__________________

(١) (الأعلاق الخطيرة : ١ / ١ / ١٢٥).

(٢) في الأعلاق الخطيرة ١ / ١ / ١٢٥. أبو بكر بن إيليا الشحنة بالقلعة على الذخائر.

(٣) الدمشقي الأصل. الحلبي المولد. (المصدر السابق)

(٤) عن قصة رأس زكريا عليه السلام ـ راجع : (إعلام النبلاء : ٢ / ٣٢٠)

(٥) مكتوب عليه : «جدد هذه المقصورة في أيام مولانا السلطان الملك الصالح عماد الدنيا والدين أبي الفداء بن محمد بإشارة المقر الأشرفي العالي المولوي السيفي يلبغا كافل الممالك الثابتة الحلبية عز نصره (٣١ و) م في سنة ٧٤٦ ه‍».

(٦) كما ورد على باب السدة : «بالإشارة العالية العلائية الطنبغا كافل المماليك الحلبية أعز الله أنصاره بإشارة المقر العالي العلائي سيدي عبد الرزاق عز نصره».

(٧) ما ذكر من أنواع الخشب.

٢١٣

الشرقية القبلية : وهو المكان الذي يقرأ فيه البخاري ، الآن في العضادة الثانية الملاصقة لصحن الجامع الدعا [ء] مستجاب (١). ومشرف العابد كان يصلي هناك. ورأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام (١) يصلي هناك.

وأما سقف الجامع فكان جملونا كجامع دمشق. وكان بحائط المحراب وحائط الصحن قماري ومناظر وآثارها باقية إلى الآن. فلما احترق الجامع في أيام التتار كما سيأتي بنى ابن صقتر هذا القبو ـ ولابن صقر (٢) ترجمة في تاريخ شيخنا ـ فغوش عليه كافل حلب وقال له : إنما بنيت اصطبلا فلما كانت دولة الظاهر جقمق وكافل حلب إذ ذاك قايتباي الحمزاوي (٣) وملاك أمر حلب بيد زين الدين عمر سبط ابن السفاح اختلفت أقاويل المهندسين ورأسهم علي بن الدحال وكان ماهرا في صنعته وأراهم في أمر الحائط الذي فيه أبواب القبلية وهو نهاية في الجودة (٣١ و) م والترصيف ، وجودة النحت. وثقل الآلة وحسن التركيب والترتيب ، وكثرة ما فيه من الكوى طلبا للمكنة والخفة. وليس بحلب حائط مثله ، بل ولا غيرها ؛ إذ مال أوسطه وخرج عن الميزان ميلا فاحشا.

__________________

أ ـ م ، ف : حاشية في الأصل : «قف على المكان الذي فيه الدعاء المستجاب». وفي م. أضيف : «ينبغي الدعاء ... (رسم الكلمة «البل») ومنه : اللهم طهر قلوبنا من كل ما سواك واشرح صدورنا حتى نعبدك لما فيه رضاك. ويسر لنا حسن طاعتنا حتى نراك وأرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه. وأرنا الباطل باطلا وألهمنا اجتنابه. ولا تجعل لنا بطانة تؤمرنا بالسوء .... إليه. وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه أجمعين.».

(١) م : استدركت على الهامش.

(٢) شمس الدين بن صقر القاضي ، انظر : (الدر المنتخب : ٦٤).

(٣) قايتباي الحمزاوي : وقيل : قانباي. من المماليك. ولي دمشق عام ٨٦٣ ه‍. (معجم زامباور : ٤٨)

٢١٤

وكانوا قد زانوه وظهر لهم ذلك. وعلى رأس الباب المذكور نسره مبني بالحجارة الهرقلية ، وعليه رفرف جدده قصروه ـ كافل حلب ـ كما أعانه عليه شيخنا المؤرخ. وظهر تشقق وانفساخ في القبو الملاصق للحائط وكان الناس في صلاة الجمعة والخطيب على المنبر انهار تراب من الشقوق ففزع الناس وخرجوا من القبلية ؛ حتى أني كنت أصلي فيه فخيل لي أن الحائط قد سقط على الناس من شدة الفزع فحضر كافل حلب قاتباي الحمزاوي ومعه ابن السفاح ورؤساء (١) البلد والمهندسون والبناؤون ومنهم الحاج محمد شقير وكان عالما بصنعته وفيه ديانة فاضطربوا أيضا. واختلفت أقوالهم فبعضهم أشار بنقض الحائط. وقال أخاف إن وقع وقوع المنارة. وبعضهم أشار بحفر حفر في صحن الجامع ليكشف عن أساس الحائط وينظر في حاله وقال : إنما أتى الحائط من قبل أساسه. وبعضهم قال : إنما أتي من قبل الماء المجتمع في المصنع الذي بصحن الجامع. فحفروا الحفائر فوجدوا الحائط مبنيا على قناطر. فقال بعضهم : إن الذي بناه بناه على أساسه القديم ولم يصل بهم إلى الجبل. وقال بعضهم : بل هذا طلب للمكنة. وأخذوا في نزح الماء من المصنع. وتفرق النائب والناس من غير طائل (٢٨ و) ف.

قال لي ابن الدحال : بينا أنا في صحن الجامع إذا أنا بشخص يتكلم بين الناس ويقول : الرأي أن ينقض النسر الذي على الباب. وأن ينقض القبو المتقطع ويترك الحائط على حاله. ولم أعرف الرجل فتدبرت كلامه فوقع في قلبي أنه صواب. فأشرت بذلك. فأخذوا في نقض القبو الملاصق للحائط وكان الرأي أن ينقض قليلا قليلا. فزادوا في النقض فتقطع بقية القبو ولو علم الكافل ب ، ذلك لقتل ابن الدحال.

__________________

(١) م : الرسا.

٢١٥

وكانوا قد كاتبوا السلطان في أمره فأرسل ألف دينار إلى ابن السفاح ليصرفها في عمارة ذلك. فاتفق رأي العامل نجم الدين مع ابن السفاح وقطعا المستحقين خلا أرباب الخمس وشرعوا في عمارة ذلك. فلما خاف ابن السفاح من هيبة السلطنة فأصرف شيئا قليلا من مال السلطان في عمل «البواب» التي على الحائط المذكور. وأخذت حجارة النقض. ووضع منها شيء في معبر الباب الغربي.

وتم باب القبلي بغير رفرف فشرع القاضي الحنفي [ا] بن الشحنة (١) في عمل رفرف عليه وركب في شهر شعبان سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة. وثبت الحائط على حاله. ولم يزد بعد ذلك شيئا (٢). انتهى (٣١ ظ) م.

وأما الشرقية : فبناها (٢) بنو عماد الدين (٣). وكانوا أصحاب طرابلس قديما. وتقدم ما هو مكتوب على حائطها. وكان فيها آبار لخزن الغلات المتحصلة من رايع

__________________

(١) سبق التعريف به. انظره في المقدمة.

أ ـ ف : حاشية في الأصل وبخط مغاير : «أقول : ثم في أيام السلطان مراد توهن جدار القبلية فانتدب لتعميره أحد أعيان البلدة يدعى بدالي محمود وكان من السباهية وكان ذا شهرة حسنة في الناس. فأقامه كما هو الآن وأراد مشاركته فيما أصرف من المال بعض تجارها فأبى فأشير عليه بتبليطه. فبلط صحنه مقدار الثلث من جهة القبلة لأن صحنه كان قد توهن وتفطر من الحريق».

(٢) م : العبارة بكاملها استدركت على الهامش.

(٣) بنو عماد الدين : وعرفوا ببني عمار : أسرة مسلمة شيعية. قضاة طرابلس الشام. كان لها أمارة مستقلة أسسها القاضي أمين الدولة أبو طالب عبد الله بن محمد بن عمار ... بن إدريس ابن أبي يوسف الطائي. وأصلهم من المغاربة الذين قدموا القاهرة مع المعز لدين الله الفاطمي. وقد استقل بإمارته عام ٤٦٢ ه‍. في طرابلس التي عرفت بمكتبتها الشهيرة. وقد تولت الإمارة الصراع ضد الصليبيين. وامتدت حدودها لتشمل بيروت فالساحل اللبناني والسوري. إلى أن تمكن الصليبيون احتلال طرابلس عام ٥٠٣ ه‍. وانتهت بذلك إمارة بني عمار. (المنجد في الأعلام : ٤٧٦) ؛ (المختصر في تاريخ البشر : ٢ / ٢٢٣)

٢١٦

كنيسة هيلانة ؛ وهي الحلوية وشاهدت منها جبا في الحجازية إلى جانب البركة ؛ وإنما سميت حجازية لأنها منزل لأهل الحجاز.

والقبور التي بها قبور جماعة ماتوا وقتلوا في محنة تمر. واثنان قتلا في فتنة تغرى ويرمش (١) ؛ نائبها. وهما : خش قدم (٢) ؛ مملوك زين الدين ابن السفاح والحاج عبد الله المعري الصابوني ؛ وكان شجاعا ، فلما أراد المذكور نقب السور الذي عند باب الجنان نزل عبد الله المذكور من السور إليهم ، وقاتلهم. وطردهم هو ومن معه. ومنعهم من ذلك ، فقتل هناك. ثم صلي عليه في الجامع ودفن هنا.

وكان بالشمالية من غربي الباب الشمالي بيت خلا [ء] ؛ أحدثه الشيخ حمزة الجعفري ، والسيد حمزة المذكور كان متكلما على الجامع وثبت نسبه. ومكتوب على باب الخلا [ء] أنه جدد في أيام السلطان الظاهر برقوق وكافل حلب إذ ذاك تغري بردي (٣) بتولي السيد حمزة في سنة سبع وتسعين وسبعمائة.

وخيف على المأذنة منه فأبطلوه (٤).

__________________

(١) تغري ويرمش الحسين كان أمير آخور في عهد اينال السسلاني. والي حلب ، المتوفى ٨١٧ ه‍. أحد المماليك البرجية. معجم زامباور : ٥٥) [وسترد أخباره في أكثر من فصل].

(٢) خش قدم وترد أحيانا على شكل خشقدم وهناك الخشقدمية وهم المماليك من مشتريات السلطان خوشقدم الجبدين.

(٣) تغري بردي : كان واليا على دمشق عام ٨٠٧ ه‍. (معجم زامباور : ٤٨) وسترد أخباره في أكثر من موضع.

أ ـ ف : حاشية في الأصل. وبخط مغاير : «أقول : أبطلوه وجعلوه مكتبا وفتح له باب في صحن الجامع وله وظيفة عثمانية. والآن هو سكن الإمام الحنفي (الجهري) (أ) السيد محمد شويحة. ثم نقلت الطهارة إلى اتجاه الباب الأصلي. نقلها الحاج حسن الأميري سنة (؟) وجعلها في غاية ـ

٢١٧

وعلى باب الحجازية حجر من الرخام الأبيض يقال إن عمر بن عبد العزيز جلس (٢٨ ظ) ف عليه. ولا يجلس هناك مهموم بالغالب إلا انفرج همه ببركته.

وأما الفوارة التي في وسط الجامع والقبة التي عليها : فالفوارة بناها قرعويه كان فيها عمود طوله سبعة أشبار يخرج منه الماء والبركة المضلعة التي تحت القبة في غاية الحسن والكبر يقال أنه كان مذبحا لبعض الكنائس التي كانت بحلب.

وفي دور حافة هذا الجرن مكتوب «أمر بعمله قرعويه غلام سيف الدولة سنة ٣٩٤».

والماء ينصب من هذا الجرن إلى بركة متقطعة من الرخام الأصفر ثم يسيل إلى بركة من رخام أصفر قطعة واحدة. وهي من عجائب الدنيا.

والعمود (١) الذي في وسط الجامع رؤي النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عنده. وفي أعلاه صحن من الحديد. كان يوضع فيه البخور قديما. ويوضع فيه تارة زيت وحب قطن ليضيء على جميع الجامع.

وفي أرض الجامع حاصل للماء صنع قبل مجيء الماء الحلو من القناة إلى حلب وكان ابن الأيسر متوليا على الجامع فطرق عليه شخص الباب ودفع إليه ألف دينار. وقال : اصرف هذا في وجه من وجوه البر. ففكر (١) فوقع له أن يصرفه في عمارة مصنع لخزن الماء. فشرع في ذلك. وفرغ المال فضاق صدره لذلك فجاءه أيضا ودفع

__________________

ـ السعة. إلا أنهم عملوا لها استطراقا من الشمالية. وفي غالب الأحيان تظهر رائحتها إلى قرب القبلية. وتؤذي الناس إلى أن رم الجامع سنة ١١٦٩ ه‍. فمنع الاستطراق من الشمالية. وحول من خارج الباب الشمالي. وجعل عليه باب ثان لئلا يغلق الباب الأصلي ويمتنع من ذلك دخول المجاورين بالمسجد ليلا. ومنع بذلك التحويل خروج الرائحة». أ ـ كذا رسمها في الأصل.

أ ـ م : حاشية بالأصل : «قف على أن من جلس على الحجر الرخام الذي على باب الحجازية يفرج الركن همه.».

(١) في الأصل : «مامكر».

٢١٨

إليه ألف دينار فطعن عليه. وقالوا : ضيع مال الجامع. وسعوا به إلى صاحب. فطالبه بالحساب. فأجابه. فلم ير فيه درهما واحدا مما صرفه. على ذلك فسأله عن ذلك فأخبره بالقصة.

وفي تاريخ ابن العديم أن الذي فعل ذلك من أجداده وأقاربه. وابن الأيسر لم يكن من أقاربه فحصل في ذلك قولان (١).

ومن الغريب أنه لما حضر موضع المصنع وجد فيه صورة من الحجر الأسود وهو موضوع على بلاط أسود ووجهه إلى جهة القبلة. فاستخرجوه من مكانه. فجرى (٣٢ و) م بعد ذلك ما جرى من خراب الجامع إما بالزلزلة. وإما بالحريق.

وأما المئذنة : الموجودة الآن فهي من بناء أبي الحسن محمد بن يحيى بن الخشاب وأبو الحسن علي بن الخشاب له مدائح كثيرة في الخليفة المستضيء بالله. وله ترجمة في تاريخ ابن العديم. وتقدم الكلام على بنى الخشاب. وكان مدبر حلب إذ ذاك أخذ بعض حجارتها من بيت نار للمجوس كان داخل باب الجنان.

ثم رأيت في تاريخ المؤيد (٢) ؛ قال : ثم دخلت سنة اثنين وثمانين وأربعمائة وفيها عمرت منارة جامع حلب. قام بعملها القاضي أبو الحسن بن الخشاب. وكان بحلب بيت نار قديم. ثم صار أتون حمام فأخذ ابن الخشاب المذكور حجارته وبنى بها المأذنة المذكورة. فسعى بعض حسدة ابن الخشاب به إلى آقسنقر وقال إن هذه (٢٩ و) ف الحجارة لبيت المال فأحضره آقسنقر وحدثه في ذلك. فقال ابن الخشاب : يا مولانا إني عملت بهذه الحجارة معبدا للمسلمين. وكتبت عليه اسمك. فان رسمت غرمت لك ثمنها. فأجاب آقسنقر إلى اتمام ذلك من غير أن يأخذ منه شيئا (٣). انتهى.

__________________

(١) استدركت على الهامش.

(٢) (المختصر : ٢ / ١٩٩).

(٣) (الأعلاق الخطيرة : ١ / ١ / ١١٢).

٢١٩

وهذه المأذنة ليس في بلد الشام ، بل ولا مصر أطول منها ، بل ولا في غالب البلاد من فوق سطح الجامع. نعم من أرض الجامع يوجد أطول منها باعتبار علو حائط الجامع كمدرسة السلطان حسن فيما قيل. وفي دلهي بالهند جامع به مأذنة لم يعمل مثلها في الدنيا من حجر أحمر. ودرجها نحو ثلاثمائة وستين درجة. وليست مربعة ؛ بل كثيرة الأضلاع. عظيمة الارتفاع. واسعة من تحتها.

وفي تاريخ الإسلام قال : في سنة ثلاث وثمانين قال : وفيها عمرت منارة جامع حلب (١) انتهى.

ولا اختلاف بين القولين لأن هذه المنارة لا تفرغ في سنة واحدة. فابتدىء بعمارتها في سنة اثنين. وكملت في سنة ثلاث.

والذي سعى في ابن الخشاب في أمر المأذنة هو أبو نصر ابن النحاس (٢).

وفي تاريخ ابن أبي طيء : أسست العمارة في زمان سابق بن محمود بن صالح (٣). وكان الذي عمرها من سرمين. وبلغ بأساسها الماء. وعقد حجارتها بالكلاليب الحديد والرصاص وأتمها في أيام قسيم الدولة وطول هذه المنارة إلى الدرابزين (٤)

بذارع اليد سبعة وتسعون ذراعا. وعدد مراقيها (٥) مائة وأربع وستون درجة ؛ قاله ابن شداد (٦).

__________________

(١) بينما يرى العظيمي أنها بنيت في عام ٤٨٢ ه‍. (تاريخ العظيمي : ٣٥٤).

(٢) (الأعلاق الخطيرة : ١ / ١ / ١١٢).

(٣) ملك حلب عام ٤٦٨ ه‍ بعد أخيه. وبقي فيها إلى أن انتزعها منه مسلم بن قريش العقيلي عام ٤٧٢ ه‍. وبذلك كان آخر ملوك آل مرداس. (الكامل : ٨ / ١٢٧)

(٤) الدرابزين : ويقال : الدرابزون ـ والكلمة شائعة ومعروفة ـ فارسية ومركبة من در ـ أي باب. ومن بزين : أي تخت. انظر : (الألفاظ الفارسية المعربة : ٦١)

(٥) المرقاة : الدرجة.

(٦) الأعلاق الخطيرة : ١ / ١ / ١١٣).

٢٢٠