كنوز الذّهب في تاريخ حلب - ج ١

سبط ابن العجمي الحلبي

كنوز الذّهب في تاريخ حلب - ج ١

المؤلف:

سبط ابن العجمي الحلبي


المحقق: الدكتور شوقي شعث و المهندس فالح البكّور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٥
الجزء ١ الجزء ٢

ورأيت (١) بخط والدي رحمه الله رحمه وجد عن الإمام الشافعي قال : دخلت بلدا من اليمن فرأيت إنسانا من وسطه إلى أسفله بدن امرأة ومن وسطه إلى فوق بدنان مفترقان برأسين ووجهين وأربع أيدي. وهما يأكلان ويشربان ويتعاملان ويتلاطمان ويختصمان ويصطلحان. ثم غبت أياما ورجعت فقيل لي أحسن الله عزاك في أحد الجسدين توفي وربط من أسفله بخيط وثيق حتى ذيل وقطع. فعهدي بالجسد الآخر في السوق ذاهبا. انتهى.

ومنها :

في سنة خمس وسبعين وثلاثمائة خرج بعمان طائر من البحر كبير أكبر من الفيل ووقف على تل هناك ، وصاح بصوت عال ولسان فصيح : «قد قرب». قالها ثلاث مرات. ثم غاص في البحر. ففعل ذلك ثلاثة أيام. ولم ير بعد ذلك (٢).

ومنها :

قال ابن سينا : وقد صح عندي (١٧ ظ) م بالتواتر ما كان ببلد جوزجان (٣) في زماننا من أمر حديد يزن مائة وخمسين منا (٤) نزل من الهواء فنشب في الأرض ثم نبا نبوة الكرة التي يرمى بها الحائط. ثم عاد فنشب في الأرض وسمع الناس لذلك صوتا عظيما هائلا فلما تفقدوا أمره ظفروا به. وحملوه إلى والي جوزجان ثم كاتبه سلطان خراسان محمود بإنفاذه.

أو إنفاذ قطعة منه فتعذر نقله لثقله فحاولوا كسر قطعة منه فما كانت الآلات تعمل فيه إلا بجهد. وكان كل آلة تعمل فيه تنكسر لكنهم فصلوا منه آخر الأمر شيئا فأنفذه إليه.

__________________

(١) ف : ذكرت على الهامش. وفي : م : أضيفت بخط مغاير.

(٢) (الكامل : ٧ / ١٢٨) ؛ (المختصر : ٢ / ١٢٤).

(٣) بلاد جوزجان : ويقال : جوزجانان : اسم كورة واسعة من كور بلخ بخراسان من مدنها الأنبار ... (معجم البلدان : جوزجانان).

(٤) وحدة وزن ؛ والمنّ يساوي ٤٠ سيرا. وكل سير يساوي ١٥ مثقالا (سفرنامة : ١٧٨ ـ ملاحق)

١٤١

ورام أن يطبع منه سيفا فتعذر عليه ذلك. وحكى أن جملة ذلك الجوهر كان ملتئما من أجزاء جاورشية صغار ومستديرة التصق بعضها ببعض.

قال : وهذا الفقيه عبد الواحد الجوزجاني صاحبي شاهد ذلك كله (١).

ومنها :

في سنة إحدى عشرة وأربعمائه في ربيع الآخر نشأت سحابة بإفريقية شديدة البرق والرعد فأمطرت حجارة كثيرة. وهلك كل من أصابه (٢).

ومنها

في سنة أربع عشرة وأربعمائة ألقت الريح رجلا من يأجوج ومأجوج من فوق السد طوله ذراع ولحيته شبران وله أذنان عظيمتان. فبعثوه إلى القادر بالله. فطافوا به بغداد وراه الناس (٣).

ومنها :

في سنة ثمان عشرة وأربعمائة سقط بالعراق برد كبار وزن البردة رطل ورطلان بالبغدادى. وأصغره كالبيضة (٤).

ومنها :

في سنة عشرين وأربعمائة وقع برد كبار بالنعمانية. ووجدت بردة عظيمة يزيد وزنها على مائة رطل. وقد نزلت في الأرض نحوا من ذراع ؛ نقلته من تاريخ الإسلام (٥) (١٢ و) ف

__________________

(١) ذكر الخبر أبو الفداء : (المختصر : ٢ / ١٦١) عن ابن سينا في المقالة الأولى من الفن الخامس من طبيعيات الشفاء.

(٢) (المختصر : ٢ / ١٥٢).

(٣) م : استدركت العبارة بكاملها على الهامش.

(٤) (المختصر : ٢ / ١٥٦).

(٥) وأيضا ذكر ابن الأثير : (الكامل : ٧ / ٣٤٣). وابن الجوزي أيضا ...

١٤٢

ومنها :

في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة كان غلا [ء] عم الدنيا بأسرها شرقا وغربا من البحر إلى البحر حتى لم يبق من الناس في كل بلد أكثر من خمسين نفسا أو أقل. وذلك في أيام القائم لله (١).

ومنها :

في سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة وقت العصر ظهر ببغداد كوكب له ذؤابة يغلب نوره على نور الشمس وسار سيرا بطيئا ثم انفض (٢).

ومنها :

في سنة أربع وخمسين وأربعمائة جاءت برقة وتبعها صيحة سقط لها الناس لوجههم.

وماتت (٣) طيور كثيرة بالمعرة.

ومنها :

في سنة ستين وأربعمائة في أيار جاءت رعدة عظيمة بالمعرة غشى من صوتها على كثير من الرجال والصبيان والنساء وجا [ء] بعدها سحاب عظيم معظمه على جبل بني عليم (٤) وفيه برد فقلع الشجر. وجرى ماء سيل في وادي شنان (٥) الذي فيه العين. فكان من الجبل القبلي إلى الجبل الشمالي وغطى شجر الجوز وأخذ صخرة يعجز عن حملها خمسون رجلا ، ومضى بها فلم يعرف لها في ذلك الوقت موضع (٦).

__________________

(١) أبو عبد الله جعفر بن القادر ، بويع عام ٤٢٢ ه‍. (معجم الأنساب والأسرات الحاكمة : ٤٠)

(٢) (المختصر : ٢ / ١٧١).

(٣) في الأصل : (مات).

(٤) عرفه المؤلف في موضع آخر من الكتاب ؛ انظره.

(٥) وادي شنان : واد بقرية معروفة بالجبل الآن.

(٦) ذكر الخبر ابن القلانسي عن الشام. انظر : «تاريخ دمشق : ١٥٩».

١٤٣

وزلزلت فلسطين ومات فيها خمس عشرة ألفا وانشقت صخرة بيت المقدس ثم عادت فالتأمت (١).

ومنها :

في سنة تسع وستين وأربعمائة حوصرت أنطاكية فبيع كل رغيفين بدينار والدجاجة بدينار.

ومنها :

في سنة خمس وثمانين وأربعمائة كانت زلازل بالشام هدمت بنيانا كثيرا منها تسعين برجا من سور أنطاكية وهلك تحت الردم خلق كثير (٢).

ومنها :

في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة جاءت ريح عظيمة سوداء كالليل ببغداد وقت العصر وتتابع الرعد والبرق ووقعت عدة صواعق وبقي النهار ليلا بهيما وسقط رمل بدل المطر وظن الناس أنها الساعة ودام إلى المغرب شاهد ذلك الإمام أبو بكر الطرسوسي (٣) وحكاه في أماليه. (٤)

ومنها :

خمس عشرة وخمسمائة كانت زلزلة بالحجارة تضعضع بسببها الركن اليماني وتهدم بعضه (٥). وتهدم شيء من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم (٦).

__________________

(١) (المختصر : ٢ / ١٨٦). والعبارة استدركت على الهامش في م.

(٢) عند العظيمي عام ٤٨٤ ه‍. (تاريخ العظيمي : ٣٥٥).

(٣) انظر ترجمته في موضع آخر.

(٤) أيضا ابن الأثير في : «الكامل : ٨ / ١٣٩».

(٥) (المختصر : ٨ / ٢٣٥).

(٦) (الكامل : ٨ / ٢٠٤).

١٤٤

ومنها :

في سنة أربع وعشرين وخمسمائة طلعت سحابة على بلد الموصل فأمطرت نارا أحرقت ما أمطرت عليه (!).

وطار بالعراق عقارب طيارة فقتلت خلقا كثيرا (١).

ومنها :

في (٢) سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة توالت الزلازل بالشام وخربت كثيرا من البلاد ولا سيما حلب فإن أهلها فارقوا بيوتهم وخرجوا إلى الصحراء ودامت من رابع صفر إلى تاسع عشره. قاله المؤيد (٣)

وقال ابن الأثير عدوا ليلة واحدة جاءتهم ثمانين مرة ، ومعها صوت وهدة شديدة (٤).

ومنها :

(١٢ ظ) ف في سنة إحدى وأربعين وخمسمائة ورد كتاب من حماة يخبر فيه أنه وقع في هذه الأيام ببارين من عمل حماة برد على صور حيوانات مختلفة منها سباع وحيات وعقارب وطيور ومعز. ورجال في أوساطهم حوايص (٥). ثبت ذلك عند قاضي الناحية.

ونقل ثبوته إلى حماة.

ومنها :

في سنة أربع وأربعين وخمسمائة أمطرت باليمن مطرا كله دم. وبقى أثره في الأرض.

وفي ثياب الناس.

__________________

(١) (الكامل : ٨ / ٣٣٢).

(٢) م : استدركت على الهامش العبارة بكاملها.

(٣) في كتابه : «المختصر : ٣ / ١٥». وأيضا ابن القلانسي في : «تاريخ دمشق : ٤٢٠».

(٤) في كتابه : «الكامل : ٨ / ٣٦٤».

(٥) كذا في الأصل.

١٤٥

ومنها :

في سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة وقعت زلازل عظيمة بالشام (١) وحلب وشيزر وأنطاكية وغيرها. فهلك خلق عظيم حتى أن معلما بحماة قام من المكتب وعاد فوجد المكتب قد وقع على الصبيان فماتوا كلهم. ولم يأت أحد يسأل عن ولده لأن آباءهم ماتوا أيضا (٢).

ومات في هذه السنة بالزلزلة نحو من ألف ألف ومائة ألف إنسان وهلك كل من في (٣) شيزر إلا امرأة وخادما واحدا.

وانشق تل في حران فظهر فيه بيوت وعمائر ونواويس. وخربت صيدا وبيروت وطرابلس وعكا وصور وجميع بلاد الفرنج وانشق في اللاذقية موضع فظهر فيه صنم قائم في النار. وانفلق البحر إلى قبرص (٤) وقذف بالمراكب إلى ساحله.

وقرأت في تاريخ الإسلام ؛ قال : «في سنة إحدى وخمسين وخمسمائة كان بالشام زلازل عظيمة هدمت ثلاثة عشر بلدا ؛ منها : خمسة للفرنج ، وأما حلب فهلك منها تحت الردم خمسمائة نفس. وأما حماة فهلكت جميعا إلا اليسير. وأما شيزر فما سلم (١٧ ظ) م منها إلا امرأة وخادم وأما كفرطاب فما سلم منها أحد. وأما أفامية (٥) فهلكت وساخت قلعتها إلى الأرض. وأما أنطاكية فسلم نصفها (٦).».

ومنها :

في سنة سبع وخمسين وخمسمائة ورد كتاب أنه حدثت زلزلة وقع من سور الرها ثلاثة عشر برجا. وخسف بسميساط وقلب بنصف قلعة بالس.

__________________

(١) أخبار الزلازل ذكرها ابن القلانسي في تاريخه وبتوسع. (تاريخ القلانسي ٥٢٦).

(٢) (المختصر : ٣ / ٣١).

(٣) سقطت من ف.

(٤) في الأصل : «قبرس».

(٥) في الأصل : «فامية». ويتكرر ذلك.

(٦) للمزيد انظر : «تاريخ دمشق لابن القلانسي : ٥١٤ ـ ٥٢٦».

١٤٦

ومنها :

في سنة خمس وستين وخمسمائة في ثاني شوال زلزلت حلب ، وأخربت الزلزلة كثيرا من البلاد (١)

وهذه (٢) قال ابن الجوزي : وقع فيها نصف حلب. ويقال : هلك من أهلها ثمانون ألفا. وقال في مصباح العيان : وقع نصف قلعة حلب.

ومنها :

في سنة تسع وتسعين وخمسمائة ماجت النجوم ببغداد وتطايرت شبه الجراد ودام ذلك إلى الفجر. وضج الناس بالابتهال إلى الله تعالى ؛ قاله الذهبي.

ومنها :

في سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ورد كتاب ملك الحبشة إلى سيف الإسلام صاحب اليمن أن جبلا بالحبشة يعرف بالأصم. بعده من المدينة ثلاثة أيام حمله الريح إلى باب المدينة(!).

(١٣ و) ف وأن نهرا بها أصبح دما عبيطا (!).

وفي هذه السنة وقع بأرض بالس برد كل حبة وزنها مائة وخمسون درهما فأهلكت الطيور والوحوش والشجر. وأخذ أهل حارم من الصيد شيئا كثيرا.

و [منها] :

في سنة تسع وثمانين كانت زلزلة وسيول عظيمة أخربت بظاهر حلب ثلاث مائة دار.

ومنها :

في سنة تسع وعشرين وستمائة جاءت الأمطار والسيول حتى دخل السيل إلى

__________________

(١) (الكامل : ٩ / ١٠٦).

(٢) باقي الخبر استدرك على الهامش في : م.

١٤٧

حمام العرائس (١) بحلب فمات فيه نسا [ء] كثير وصبيان.

ومنها :

في سنة سبع وأربعين وستمائة ولدت امرأة ببغداد اثنين وثلاثين في جوف وشاع ذلك فطلبوا إلى دار الخلافة فأحضروا وقد مات واحد. فأحضر ميتا. فتعجبوا من ذلك وأعطيت المرأة من الثياب والحلي ما بلغ ألف دينار. وكانت فقيرة مستورة.

وحكى ابن الرفعة في المطلب عن محمد بن الهيثم عن زوجة كانت لسلطان بغداد وضعت كيسا فيه أربعون ولدا وأنهم عاشوا وركبوا الخيل وقاتلوا مع أبيهم (٢) (!) انتهى.

قال الأذرعي : وفي صحة هذا نظر.

وحكى القاضي حسين أنه وجد خمسة في بطن.

وقال الشافعي : أخبرني شيخ باليمن أنه ولد له خمسة أولاد في بطن واحد.

وعن ابن المرزبان أنه قال : في امرأة بالأنبار ألقت كيسا فيه اثنا عشر ولدا (٣). انتهى.

ومنها :

في سنة ست وخمسين وستمائة اشتد الوبا [ء] بالشام وبلغ الفروج الواحد بحلب إلى عشرة دراهم (٢). ورأيت في بعض التواريخ قيل إن موجب هذا الوبا [ء](٣) ....

__________________

(١) ذكره ابن شداد في : «الأعلاق الخطيرة : ١ / ٣١٦» ؛ ويعلق المؤلف بمكان آخر من الكتاب بقوله : «لا أعرفه».

أ ـ م : حاشية في الأصل بخط مغاير : «قف على ما حكاه ابن الرفعة عن زوجة السلطان أنها ولدت كيسا فيه أربعون ولدا».

ب ـ م : حاشية في الأصل أضيفت بعد انتهاء الخبر : «في الإمكان أبدع مما كان».

(٢) (المختصر : ٣ / ١٩٧).

(٣) بياض في (ف) وفي (م) حاشية أضيفت لكن ليست واضحة.

١٤٨

ومنها :

في سنة تسع وخمسين وستمائة وردت الأخبار من ناحية عكا أن سبع جزائر من البحر خسف بها وبأهلها. ولبس أهل عكا السواد وبكوا واستغفروا من الذنوب بعد (١٨ و) مأن أمطرت عليهم سبعة أيام دما. وهلك منهم قبل الخسف خلق كثير (١). انتهى.

لطيفة :

بعكا عين ماء تسمى عين البقر يعظمها المسلمون والنصارى واليهود ويزعمون أن البقرة التي جاءت إلى آدم عليه الصلاة والسلام للحرث خرجت منها والله أعلم.

ومنها : في سنة اثنين وثمانين وستمائة كان المنصور (٢) بدمشق فجا [ء] سيل عظيم حتى أخذ كل ما مر عليه من العمائر والأشجار والدواب والطواحين وحمل عسكر المنصور بخيامهم ودوابهم وأثقالهم (٣) ورماهم في البحر وأهلك أمما (٤).

ومنها : (٥) وفي سنة خمس وثمانين وستمائة يوم الخميس رابع عشر صفر وقت العصر جعل بناحية الغولة من معاملة حمص سحابة سوداء أرعدت وخرج منها (٦) دخان أسود (انفتل) بالأرض على هيئة ثعبان في (كخانة) العمود الكبير الذي لا يحيطه إلا عدة من الرجال. رأسه في عنان السماء وذنبه يلعب في الأرض شبه الزوبعة الهائلة. وصار يحمل الأحجار الكبيرة (٧) ويرفعها إلى السماء كرمية سهم فتقع على الأرض ، وتصدم بعضها بعضا فيسمع لها أصواتا مرعبة ..

__________________

(١) (المختصر : ٣ / ٢١٣).

(٢) المنصور قلاوون.

(٣) ف : أبقالهم.

(٤) (المختصر : ٤ / ١٨).

(٥) لم يرد خبر ٦٨٥ في الأصل. ذكرها في م* : (ص ١٠٨) القسم المكرر في نهاية القسم الثاني. اضفناها في محلها.

(٦) في الأصل : منه.

(٧) في الأصل : كبار.

١٤٩

واتصل ذلك بأطراف العسكر المجرد وعليهم مكتوب (١). وهم زيادة على المئتي فارس فما مر شيء إلا وقع كرمية سهم وأكثر. وحمل السروج والجواشي وآلات الحرب ، وحمل خرجا فيه تطابيق نعال الخيل حتى علّى رمية سهم. ورفع الجمال بأحمالها حتى ارتفعت قدر رمح على الأرض وحمل كثيرا من الغلمان والجذم. ثم غاب الثعبان نحو الشرق. ووقع بعده مطر.

ومنها : (٢)

وفي سنة اثنين وسبعمائة في يوم الخميس ثالث عشر من الحجة عند صلاة الصبح سمع بمصر للحيطان قعاقع وجاءت الزلزلة فخرجت (٣) النساء من البيوت وتساقطت الدور وانهدمت المآذن (٤). وخرجت رياح فغاص ماء السيل حتى ألقى المراكب. خرج الناس إلى ظاهر القاهرة. ونصبوا الخيم من بولاق إلى الروضة.

وورد الخبر من الاسكندرية بأن المنار انشق وسقط من أعلاه نحو الأربعين بدنة (٥). وأن البحر هاج وألقى الريح موجه حتى وصل باب البحر وصعد بالمراكب (٥٤ ظ) م* الافرنجية على من سقط جانب كبير من القمح (٦).

وقدم الخبر من الوجه القبلي بأن في اليوم المذكور هبت ريح سوداء مظلمة حتى لم يرد أحد قدر ساعة ثم ماجت الأرض وظهر من تحتها رمل أحمر غض ، وفي بعض المواضع رمل أحمر ، وكشطت الريح مواضع من الأرض وظهرت عمائر قد ركبها الرمل.

وخربت قوص.

__________________

(١) كذا رسم الكلمة.

(٢) ما ذكر في هذه السنة لم يرد في الأصل. نقلناه عن القسم المكرر في نهاية الجزء الثاني (م*).

(٣) في الأصل : فخرج.

(٤) في الأصل : الموادن.

(٥) غير منقوطة في الأصل. لعلها كما ذكرنا.

(٦) ليست منقوطة. كذا قرأناها.

١٥٠

وأن رجلا كان يحلب بقرة فارتفعت وقت الزلزلة وبيده الحليب. وارتفعت البقرة حتى سكنت الزلزلة ثم انحط إلى مكانه من غير أن يبيد شيء من اللبن.

وقدم الخبر أن دمنهور لم يبق بها بيت. وخرب جامع عمرو. وخربت أكثر سواري الجامع الحاكمي ، وسقطت مئذنته. وخرب الجامع الأزهر ، وخرب جامع الصالحية. وخربت مئذنة المنصورية وسقطت مئذنة جامع الطاهين. وانهدم من سور الاسكندرية ستة وأربعين بدنة وسبعة عشر برجا.

وسقط جانب من قلعة صفد. وأن البحر من جهة عكا انحسر قدر فرسخين وانتقل من موضعه إلى البر فظهر في مواضع الماء أشياء كثيرة في مقر البحر من أصناف البحارة وتشققت جدر جامع بني أمية واستمرت الزلزلة خمس درج. إلا أن الأرض أقامت عشرين يوما ترص.

ولما انشعث بالزلزلة من الجامع الحاكمي وجد في ركن من المئذنة كف إنسان فريدة (١) قد لف في قطن وعليه أسطر مكتوبة لم يدر ماهي. والكف طري (٢)

في سنة ست وسبعمائة كتب محضر يتضمن أن بأراضي بارين من عمل حماه جبلين بينهما واد يجرى الماء فيه عرضه نحو مائة ذراع وأن نصف أحد الجبلين انتقل من موضعه إلى الجبل الآخر والتصق به ، ولم يسقط بينهما شيء من حجارة. وأن طول النصف المنتقل نحو مائة ذراع وعرضه نحو خمسين ذراعا (١٣ ظ) ف وفيه خطوط جماعة من الشهود وخط الحاكم ببارين (!).

__________________

(١) غير منقوطة في الأصل. لعلها كما ذكرنا.

(٢) انتهى ما أضفناه من القسم المكرر م* (١٠٩).

١٥١

سبحان من في أرضه عز أمره

جبل العجائب لا يزال يحول.

سبحان من يدنو البعيد بإذنه

وبحكم حكمته الجبال تزول.

ومنها :

في سنة ست عشرة وسبعمائة جاء سيل عظيم حتى ملأ الأودية وقلع قرية من قرى دمشق بجميع ما فيها من الدور والكروم والبساتين وأهلها وغلاتها المزروعة. ولم يسلم منهم أحد إلا خمسة أنفس فإنهم تعلقوا بذنب ثور فقام بهم وسلموا. واحتمل (خركاوات) كثيرة من العرب والتركمان فألقاهم في البحر ثم عاود في العام القابل وأخرب دورا وأهلك أمما وكانت عدد الدور ثمانمائة وخمسة وتسعين دارا وسبعة عشر فرنا وأحد عشر طاحونا وأربعين بستانا ، وواحد (١) وعشرين مسجدا ، وخمس مدارس (٢).

ثم نشأ بعد ذلك ريح قلعت أشجارا كثيرة وخرج منه عمود يرمي بشرر من نار وامتد إلى كنيسة رومية هناك مبنية بحجارة عظيمة فقلعها من أساسها وحملها في الجو مقدار رمية نشاب وهي بحالتها لم تتغير حجر عن حجر ، والناس ينظرون إليها ، ويبكون ، ويتضرعون إلى الله تعالى. ثم انتقضت حجارتها ووقعت حجرا حجرا. وغاصت في الأرض. وبقي مكانها مثل الخندق.

ووافق هذا الريح برق عظيم ورعد وظلمة حتى أيقن الناس بالهلاك. ثم أمطرت بردا عظيما أخرب بلادا كثيرة بما فيها من أهلها والدواب والوحوش والطيور.

واجتمع من ذلك البرد والمطر سيل عظيم ملأ الوادي المعروف بوادي الفيل ، وغرق مائة من الناس والدواب ، وهجر الباقون من الهالكين تلك الأرض خوفا من العود.

__________________

(١) في الأصل : احد.

(٢) (المختصر : ٤ / ٧٨).

١٥٢

وقد ذكر ذلك [ا] بن حبيب في تاريخه فقال : «وقع بحمص وحماه وحلب مطر عظيم ، ليل سحابه بهيم ، ومعه برد كبر حجمه. وتواتر وقعه ورجمه ، وظهرت (١٨ ظ) م أشراره ، ووصل إلى البيضة بل إلى النارنجة مقداره ، وصحبه شيء من السمك والضفادع ، وأتى بما هو للقلب صارع ، فأهلك البلاد ، وقلع عدة من بيوت الاكراد ، ثم بلعت الأرض ما [ء] ها. فسبحانه من كبير متعال (١).

ومنها :

في سنة سبع عشرة وسبعمائة ثار بحلب هواء عظيم وغبار وقعه أليم أزعج الخواطر. وهيج المواطر. وأظلم به الجو ، وتغير بسببه النو ، وقارنه رعد وبرق خاطف ، حتى أيقن الناس بالهلاك. ثم أفاضت السحاب جودها وكرمها. ورمت بنادق البرد. وهمت بما لا يحصره العدد. ثم اشتد الهوى فخرب عدة من القرى واقتلع أشجارا وثيقة العرى.

ومنها :

في سنة ثمان عشرة وسبعمائة خرج ريح بالجون من طرابلس نصف النهار فمرت على بيوت الدورباكي ـ مقدم التركمان ـ بالجون فكسرت بيوت جماعة. ثم جاءت إلى بيوت علاء الدين طرالي صارت عمودا كهيئة الثعبان متصلا بالسحاب وجعلت تمر على البيوت يمينا وشمالا فلا تمر على شيء إلا وأهلكته. فقال علاء الدين : «يا رب قد أخذت الرزق ، وتركت العيال بغير مال ، فأي شيء أطعمهم». فعاد الريح إليه فأهلكه ، وأهلك أولاده.

__________________

أ ـ م : حاشية في الأصل بخط مغاير : «اللهم لا تقتلنا بغضبك. ولا تهلكنا بعذابك ، وعافنا قبل ذلك. يا رب يا مالك نجنا من المهالك بجاه حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم».

١٥٣

وحملت جملين كانا قد بقيا إلى الجو مقدار رمية نشاب. ثم أرمتهم مقطوعين أربعة أنصاف ، وطوت قدور (١) النحاس والطسوت والصاجات الحديد بعضها على بعض. ثم ذهبت تلك الريح إلى عرب بجوار طرالي المذكور فأحملت لهم أربعة أجمال فغابت بهم في الجو. ثم وقعوا متقطعين ثمانية أنصاف. ثم أمطرت عليهم بردا كبيرا زنة البردة رطل شامي. فما وقع على شيء إلا وأهلكه.

و [منها] : في سنة خمس وثلاثين وسبعمائة ظهر في القاهرة رجل بأربع (١٩ ظ) م أيدي وأربع أرجل. ولا يقدر على المشي. بل يحمل على الرأس (٢)

لطيفة : ذكر القزويني قال : حدثني بعض الفقهاء أنه شاهد عند الأكراد المحمدية بعض .... إنسانا كرديا كبيرا بستة أذرع وهو صبي ما بلغ الحلم وكان يأخذ بيد الرجل القوي ويرميه خلف ظهره (٣)

ومنها : في سنة أربع وأربعين وسبعمائة كانت الزلزلة العظيمة المزعجة المخرجة العميمة ، التي حركت السواكن. وخربت كثيرا من الأماكن. دخلت إلى مصر والشام وتواترت مده ، إلى أن فتح الله باب الفرج ورفع الشدة ، وبها خربت منبج ، وكذلك قلعة الراوندان (٤). وقال ابن الوردي (٥) من مقامة : «نعوذ بالله من شر ما يلج في الأرض وما يخرج منها. ونستعينه في طيب الإقامة بها ، وحسن الرحلة منها. نعم نستعيذ بالله ونستعين من سم هذه السنة ؛ فهي أم أربعة وأربعين. ذات زلزال بث في البلاد رجله وخيله. وجزم برقع الأرض لما جرى عليها ذيله لا عاد من زلزال ، زال به العقل وزال ، قنت الناس لأجله في الصلوات. وسكنت من خوفها الصحارى والفلوات.

__________________

(١) في الأصل : القدور.

(٢) م : الرؤس ، وكتبت بخط مغاير.

(٣) كامل عبارة اللطيفة استدركت في م فقط وبخط مغاير المتن.

(٤) م : استدركت العبارة على الهامش.

(٥) (المختصر : ٤ / ١٤١ ـ تتمة).

١٥٤

إن الدهر حار (١) أمرا

يهون أذاه يهن

فكم زخرف قد سبا

إذا زلزلت لم يكن

فلو رأيت حلب وقد أشرفت على سوء المنقلب. ووضح بجامعها مزوق وأماكن وتعلمت منارته باب الإماله وتحريك الساكن. فلولا بركة النداء فيها لرجمت ولكن الله سلم ، فسلمت. انتفع ما يليها بشرف التذكير. وسلم جميعها الصحيح من (١٤ ظ ف) التكسير. ولو رأيت القلاع والحصون وقد أزالت الزلازل منها كل مصون :

طارت لقلع القلاع زلزلة

ما خشيت رأسا ولا صايد

إذا رأى الحصن من رماه بها

خزله من أساسه ساجد

ولو رأيت منبج منبت كل سري ، ومهب الريح السحري ، وهي لشدة الطمس كأن لم تغن بالأمس ، وقد كسف (٢) الرمل منها كل بدر وشمس. وليس وفاتهم بالردم نقصا لقدرهم. ففي الشهداء صاروا :

وما في بسطوة الخلاق عيب

ولا في ذلة المخلوق عار.

فوا أسفا عليها من مدينة جليلة أصبحت دفينة. وكانت الألسن عن وصفها كليلة.

غشيها قتر (٣) وظلمة ، وركبتها ريح سوداء مدلهمة.

هلكوا هم وديارهم في لحظة

فكأنهم كانوا على ميعاد.

نبشوا وأوجههم تضيء من الثرى

مثل السيوف بدت من الأغماد.

وقال ابن حبيب معرضا بمن خرج إلى بر حلب خوفا من الزلازل (٤) :

يا فرقة فرقوا وعن حلب نأوا

وتباعدوا لما رأوا زلزالها

__________________

(١) كذا.

(٢) ف : «كشف».

(٣) قتر : غبار.

(٤) م : استدرك شعر ابن حبيب على الهامش.

١٥٥

ما زلزلت شهباؤها وتحركت

إلا لتخرج عامدا أثقالها

ومنها : في سنة سبع وأربعين وسبعمائة فيها أقبل إلى حلب وبلادها من جهة الشرق جراد عظيم. فكان أذاه قليلا بحمد الله تعالى.

رجل جراد صدّها عن الفساد الصمد

فكم ولم للطفه في هذه الرجل يد

وفي هذه السنة في ذي الحجة صدر بحلب أن بنتا بكرا من أولاد عم عمرو. (١). كرهت زوجها ابن المقصوص (٢) فلقنت كلمة الكفر لينفسخ نكاحها قبل الدخول فقالتها وهي لا تعلم معناها فأحضرها البدري إلى دار العدل بحلب وأمر فقطعت أذناها وشعرها وعلق ذلك في عنقها وشق أنفها وطيف بها على دابة بحلب وهي من أجمل البنات وأحياهن.

فشق ذلك على الناس وعمل النساء في كل ناحية بحلب عليها عزا [ء] ، حتى نساء اليهود.

وأنكرت القلوب قبح ذلك ؛ وما أفلح البدري بعدها (٣). قلت (٤) :

وضج الناس من بدر منير

يطوف شرعا بين الرجال

ذكرت ولا سوا [ء] بها السبايا

وقد طافوا بهن على الجمال

ومنها : في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة (٥) قدم على كركر (٦) وكحتا (٧) وما

__________________

(١) بياض في الأصل.

(٢) ابن المقصوص التيزيني (المختصر : ٤ / ١٤٦).

(٣) (المختصر : ٤ / ١٤٦).

(٤) الكلام منقول عن ابن الوردي. والشعر له أيضا.

(٥) أحداث عام ٧٤٨ ه‍ استدركت بكاملها على الهامش في : م.

(٦) كركر : قلعة شاهقة كان يرى منها الفرات كالجدول الصغير في الشمال من حلب. وكانت من أعظم الثغور أيام التتار. (المواكب السلطانية : ٢ / ٧٥).

(٧) كختا : ويقال : الكختا : قلعة في أقاصي الشام من جهة الشمال ـ عالية لا ترام ، وبها نهر كان يدعى (كركر) من شرقها. ومن غربها ملطية. (المواكب السلطانية : ٢ / ٧٤)

١٥٦

بينهما عصافير كالجراد المنتشر فسارع الناس إلى (شيل) الغلات بدارا. وهذا لم (١٥ ظ) ف يسمع بمثله وذلك في شهر ربيع الآخر من السنة (١) وفيها :

في العشر الأوسط من آذار وقع بحلب والبلاد ثلج عظيم وتكرر وجاء عقبه غلاء أسعار وقلة أمطار.

قلت (٢) :

ثلج بآذار أم الكافور في

مزاجه ولونه والمطعم.

لو لاه سالت بالفلا [ة](٣) دماؤنا

من عادة الكافور امساك الدم.

وقبل ذلك في المحرم ظهر بين منبج والباب جراد عظيم من بزر السنة الماضية فخرج عسكر من حلب وخلق من فلاحي النواحي نحو أربعة آلاف نفس لقتله ، ودفنه. وقامت عندهم أسواق. وصرفت عليهم من الرعية أموال.

وهذه سنة ابتدأ بها الطنبغا الحاجب من قبلهم (٤).

قلت (٥) :

قصد الشام جراد

سنّ للغلات سنا

فتصالحنا عليه

وحفرنا ودفناه

ومنها : في سنة تسع وأربعين وسبعمائة (٦) فيها كان الفنا [ء] العظيم. والطاعون العميم الذي جاب البلاد والأمصار ، ولم يسمع بمثله في سائر الأعصار. وطالت شقة

__________________

(١) (تتمة المختصر لابن الوردى : ٤ / ١٤٧).

(٢) ذكرها ابن الوردي في تاريخه ونسبها لنفسه.

(٣) عند ابن الوردي : بالغلا. (تتمة المختصر : ٤ / ١٥١)

(٤) نقل الخبر عن ابن الوردي. (المصدر السابق)

(٥) الأبيات ذكرها ابن الوردي. ونسبها لنفسه. (المصدر السابق)

(٦) نقل خبر الطاعون عن ابن الوردي مع شيء من التصرف (المصدر السابق : ٤ / ١٥٢)

١٥٧

مدته ، وغالت مثلة شدته وحمى وطيسه ، ودارت خنذريه. فسرى وسرح ، واجترأ واجترح ، ورمى ورمح ، وما صفى ولا صفح ، وضرب وطعن. وقتل من أقام وظعن ، وامتضى سيف سفكه ، وصبغ بالدم الأحمر والأصفر وجه رنكه ، وأخلا الديار والبيوت ، وأوقع الناس في علة السكوت.

وصار وجال ، وقرب الآجال ، ويتم الأطفال ، وقبض الأرواح وصرف الأموال.

لم أنس قول الخل والخل يرى

بأنفه خوف فناء غلبا

إن الوبا في حلب أضحى له

على الورى كاف وراء قلن وبا

سماه بطاعون الأنساب (١) من لدغ بعقاربه ، لأنه قلما مات به شخص إلا وتبعه أحد من أولاده وأقاربه. بعث للناس من البشرة واللوزة والخيارة نفث الدم رسلا (٢) تجد بهم إلى المنية. فكان الإنسان يتفل دما أصفر. وغاية ما يعيش بعده ساعة رملية. وإذا (٣) عاين ذلك ودع أصحابه ، وأغلق حانوته وحفر قبره ، وأعد كفنه ، وهيأ تابوته ، ومضى إلى بيته فمات. وأصبح معدودا في العظام والرفات.

وبلغت عدة الموتى بحلب في اليوم إلى نحو خمسمائة ، وبدمشق إلى أكثر من ألف نفر. ومات بالديار المصرية في يوم واحد نحو من ألف ؛ هكذا ورد الخبر. ورأيت بخط والدي ـ رحمه الله تعالى ـ عن العالم نجم الدين بن حسام أنه وقف على باب (٤) زويلة ...... أنه مات في القاهرة في أيامه مائة ألف محصورة. معدودة.

__________________

(١) ألف ابن الوردي رسالة عن الطاعون سماها : «النبا عن الوبا». وقد أخذ عنها المؤرخ ما سرده. (تتمة المختصر : ٤ / ١٥٢)

(٢) بياض في الأصل. وفي (م) سهلا ، لعلها كما ذكرنا.

(٣) م : العبارة : «وإذا عاين .. وحتى ... في العظام والرفات». استدركت على الهامش

(٤) ف : بياض في الأصل. وفي (م) استدركت على الهامش لكن أثر طمس أودى بالكلمات. تمكنا من قراءة بعضها كما في المتن.

١٥٨

واستمر نحو سنة برمحه طاعنا ، وبسهمه مصيبا ، وفني فيه من العالم نحو ثلثيهم تقريبا ، وفيه يقول ابن الوردي من رسالة (١) :

(١٥ ظ) ف «.... ومن الأقدار أنه يتتبع أهل الدار ، فمن بصق واحد منهم دما تحققوا كلهم عدما ، ثم يسكن الباصق الأجداث بعد ليلتين أو ثلاث. سألت بارئ النسم في رفع طاعون صدم. فمن أحس بلع دم ، فقد أحس بالعدم.

استرسل ثعبانه وانساب ، وسمي طاعون الأنساب. فلو شاهدت كثرة النعوش وجملة الموتى. وسمعت بكل قطر نعبا وصوتا. لوليت منهم فرارا وأبيت فيهم قرارا. وهو سادس طاعون وقع في الإسلام.

وعندي أنه للموتان الذي أنذر به نبينا صلى الله عليه وسلم فإنه قال قائل هو (٢٠ و) م يعدي ويبيد. قلت : بل الله يبدئ ويعيد. فإن جادل في دعوى العدوى وتأول ؛ قلت: قد قال الصادق الصادح فمن أعدى الأول : اللهم إنه فاعل بأمرك فارفع هذا الفاعل ، وحاصل عند من شئت فاصرف عنا هذا الحاصل. فمن لدفع هذا الهول غيرك ياذا الحول.

ومن فوائده تقصير الأمالي ، وتحسين الأعمال ، واليقظة من الغفلة ، والتزود للرحلة ، فهذا يوصي بأولاده ، وهذا يودع إخوانه وهذا يهيئ أشغاله ، وهذا يجهز أكفانه ، وهذا يصالح أعداءه ، وهذا يلاطف جيرانه ، وهذا يحبس أملاكه ، وهذا يحرر غلمانه ، إلا أن هذا الوبا قد سبا ، وكاد يرسل طوفانه ، ولا عاصم اليوم من أمره سوى رحمة الله سبحانه. انتهى.».

__________________

(١) ذكرناها سابقا : «رسالة : النبا عن الوبا». (تتمة المختصر : ٤ / ١٥٣)

١٥٩

وفي هذا الطاعون قال بدر الدين الحسن بن حبيب :

إن هذا الطاعون يفتك في العا

لم مثلا مرئ ظلوم حقود (١)

ويطوف البلاد شرقا وغربا

ويسوق العباد نحو اللحود

قد أباح الدما وحرم جمع الشمل

قهرا وحل نظم العقود

وكم طوى النشر من أخ عن أخيه

وسبى عقل والد بوليد (٢)

أيتم الطفل أثكل الأم أبكى العين

أجرى الدموع فوق الخدود

بسهام ترمي الأنام خفيات

تشق القلوب قبل الجلود

كلما قلت زدت في القتل أقصر

وتثبت يقول هل من مزيد (٣)

إن أعش بعده فإني شكور

مخلص الحمد للولي الحميد

وإذا مت هنوني وقولوا

كم قتيل إذا قتلت شهيد (٤)

وقال بعضهم : إنه ابتدأ من بحر الظلمات من خمسة عشر سنة قبل تاريخه. ودخل مكة.

وطبق شرق الأرض وغربها.

إشارة ؛ حديث : (إن الطاعون لا يدخل مكة) (٥) ؛ ضعيف.

ومنها :

في سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة ظهر بحلب شخص يدعى بوضاح الخياط وتكلم بما عنده من الهذيان والخباط وادعى النبوة ، وأشاع قربه ، ودنوه ، ووعد من كان له سامعا ومطيعا. وذكر أنه قيل له : «قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا».

__________________

(١) م : استدركت على الهامش. وسقطت من ف. وعند المقريزي : بالعالم ، ف : امر.

(٢) ف : النشر ، عند المقريزي : البشر. ، ف : فعل. وما ذكرناه عن : م. وعن المقريزي.

(٣) عند المقريزي : «وتلبث».

(٤) عند المقريزي : «هيئوني».

(٥) حديث : إن الطاعون لا يدخل مكة ، استدرك على الهامش في : م.

١٦٠